الأخبار ـ كالمحمّدين الثلاثة (١) وغيرهم ـ لم يكونوا متمكّنين من أخذها بطريق القطع. ولو سلّم تمكّنهم من أخذ بعضها بطريق القطع ، فهو لا يوجب اقتصارهم على إيراد القطعيّات وترك غيرها مع كونه حجّة ، على أنّه لو سلّم أنّ ما ألّفه مقطوع به عنده ، فهو لا يوجب كونه مقطوعا عندنا أو في الواقع.
وأمّا الرابعة ؛ فلأنّ تمكّنه من التمسّك بروايات صحيحة أخر ممنوع ، ولو سلّم فأيّ حاجة إليه بعد فرض كون الأصل والرواية صحيحتين ، أو محفوفتين (٢) بقرائن تفيد الظنّ بجواز العمل به.
وأمّا الخامسة ؛ فلأنّ الإجماع المدّعى لا يفيد القطع بصحّة أحاديثهم ؛ لأنّه منقول بطريق الآحاد ، بل لا يفيده ولو كان متواترا أيضا ؛ لأنّه فرع عدم جواز العمل بالظنّي ؛ على أنّه لا يوجد خبر يكون جميع سنده ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منهم.
وقس عليها السادسة.
وأمّا السابعة ؛ فلأنّ شهادة المشايخ الثلاثة بصحّة أخبار كتبهم لا تستلزم قطعيّتها عندهم ، فضلا عن قطعيّتها عندنا ؛ لأنّ صحّة الخبر عندهم إمّا ما هو المتعارف عند المتأخّرين ، أو ما هو المصطلح عند القدماء من اقترانه بامور توجب الاعتماد عليه والركون إليه ، كما ذكره بعض أصحابنا (٣).
وقد سبقت الإشارة إلى هذه الامور في بحث الأخبار (٤) والاتّصاف بالصحّة على كلا الاصطلاحين لا يوجب القطعيّة.
أمّا على الأوّل ، فظاهر ، ولذا لم يدّع أحد من المتأخّرين الذاهبين إليه قطعيّة حديث متّصف به.
وأمّا على الثاني ، فلأنّ شيئا من الامور المذكورة لا يصلح لأن يفيد القطع ، كما لا يخفى على الناظر فيها ، ولو كانت أخبار كتبهم قطعيّة عندهم ، لم يتعرّضوا لذكر المشيخة ؛ لكونه
__________________
(١) هم : محمّد بن يعقوب الكليني ، ومحمّد بن عليّ بن بابويه ، ومحمّد بن الحسن الطوسي.
(٢) هذا من تغليب المؤنّث على المذكّر وهو غير معتاد.
(٣) قاله الفاضل التوني في الوافية : ٢٦٨.
(٤) تقدّم في ج ١ ، ص ٢٦٦.