علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-610-3
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٤٠٠

ولَجهنّم يومئذ أشدّمطاوعة لعليّ فيما يأمرها به من جميع الخلائق» (١) .

وقد أخرجت هذه الأخبار التي رويتها في هذا المعنى في كتاب المعرفة.

ـ ١٣١ ـ

باب العلّة التي من أجلها أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

إلى عليّ عليه‌السلام دون غيره

[ ٣٠٧ / ١ ] حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا سهل بن زياد الآدمي ، قال : حدّثنا محمّد بن الوليد الصيرفي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جدّه عليهما‌السلام قال : «لمّا حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا العبّاس بن عبد المطلب ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال للعبّاس : ياعمّ محمّد ، تأخذ تراث محمّد وتقضي دينه وتنجز عداته؟

فردّ عليه وقال : يارسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنا شيخ كبير ، كثير العيال ، قليل المال ، من يطيقك وأنت تباري الريح (٢) ، قال : فأطرق صلى‌الله‌عليه‌وآله هنيئة ثمّ قال : ياعبّاس ، أتأخذ تراث رسول الله وتنجز عداته وتؤدّي دينه؟

فقال : بأبي أنت واُمّي أنا شيخ كبير ، كثير العيال ، قليل المال ، من يطيقك وأنت تباري الريح ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إنّي سأُعطيها من يأخذ بحقّها ، ثمّ قال : ياعلي ، يا أخا محمّد أتنجز عداة محمّد وتقضي

__________________

(١) ذكره المصنّف في الأمالي : ١٧٨ / ١٨٠ ، ومعاني الأخبار : ١١٦ / ١ ، والقمّي في تفسيره٢ : ٣٢٤ مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٧ : ٣٢٨ / ذيل الحديث ٢.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : فلان يباري الريح [ جوداً ] وسخاءً. الصحاح ٦ : ٢٠٠ / برا.

٣٢١

دينه ، وتأخذ تراثه؟

قال : نعم بأبي أنت واُمّي.

قال : فنظرت إليه حتّى نزع خاتمه من إصبعه فقال : تختّم بهذا في حياتي ، قال : فنظرت إلى الخاتم حين وضعه عليٌّ عليه‌السلام في إصبعه اليمنى فصاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بلال ، عليَّ بالمغفر ، والدرع ، والراية ، وسيفي ذي الفقار ، وعمامتي السحاب ، والبرد ، والأبرقة ، والقضيب ( يقال له : الممشوق ) (١) فوالله ما رأيتها قبل ساعتي تيك يعني الأبرقة كادت تخطف الأبصار فإذا هي من أبرق الجنّة.

فقال : يا علي ، إنّ جبرئيل أتاني بها فقال : يا محمّد ، اجعلها في حلقة الدرع واستوفر بها مكان المنطقة ، ثمّ دعا بزوجي (٢) نعال عربيّين أحدهما مخصوفة ، والاُخرى غير مخصوفة ، والقميص الذي اُسري به فيه ، والقميص الذي خرج فيه يوم اُحد ، والقلانس الثلاث : قلنسوة السفر ، وقلنسوة العيدين ، وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه.

ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بلال ، عليَّ بالبغلتين : الشهباء والذلول (٣) ، والناقتين : العضباء والصهباء ، والفرسين : الجناح الذي كان يوقف بباب مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحوائج الناس ، يبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الرجل في حاجة فيركبه ، وحيزوم وهو الذي يقول : أقدم حيزوم والحمار اليعفور.

ثمّ قال : يا علي ، اقبضها في حياتي حتّى لاينازعك فيها أحد

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في «ج ، ل ، ش ، ع ، س».

(٢) في «ج ، ل ، ش ، ح ، ن» : بزوجين.

(٣) في البحار : الدلدل.

٣٢٢

بعدي».

ثمّ قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «إنّ أوّل شيء مات من الدوابّ حماره اليعفور توفّي ساعة قُبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قطع خطامه ، ثمّ مرَّ يركض حتّى وافى بئر بني حطمة بقبا فرمى بنفسه فيها فكانت قبره» ، ثمّ قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «إنّ يعفور كلّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : بأبي أنت واُمّي! إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه : أنّه كان مع نوح في السفينة فنظر إليه يوماً نوح عليه‌السلام ومسح يده على وجهه ، ثمّ قال : يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيّد النبيّين ، وخاتمهم ، والحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار» (١) .

[ ٣٠٨ / ٢ ] حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل (٢) ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد ، عن إبراهيم ابن إسحاق الأزدي ، عن أبيه قال : أتيت الأعمش سليمان بن مهران أسأله عنوصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ائت محمّد بن عبدالله فاسأله ، قال : فأتيته فحدّثني عن زيد بن علي عليه‌السلام فقال : لمّا حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة ورأسه (٣) في حجر عليٍّ عليه‌السلام والبيت غاصّ بمن فيه من المهاجرين والأنصار والعبّاس قاعد قدّامه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عبّاس ، أتقبل وصيّتي وتقضي ديني وتنجز موعدي؟» فقال : إنّي امرؤ كبير السنِّ ، كثير العيال ، لا مال لي ، فأعادها عليه ثلاثاً كلّ ذلك يردّها عليه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سأُعطيها رجلاً يأخذها بحقّها لايقول مثل

__________________

(١) أورده الكليني في الكافي ١ : ١٨٣ / ٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٢٢ : ٤٥٦ / ٣.

(٢) في «ع» زيادة : رضي‌الله‌عنه ، وفي «س» زيادة : رحمه‌الله .

(٣) في «ش ، ع» وحاشية «ج ، ل» عن نسخة : ورأيته.

٣٢٣

ماتقول» ، ثمّ قال : «يا علي ، أتقبل وصيّتي وتقضي ديني وتنجز موعدي؟»قال : فخنقته العبرة ولم يستطع أن يجيبه ، ولقد رأى رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يذهب ويجيء في حجره ، ثمّ أعاد عليه ، فقال له عليٌّ عليه‌السلام : «نعم ، بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله».

فقال : «يا بلال ، ائت بدرع رسول الله» فأتى بها ثمّ قال : «يا بلال ، ائت براية رسول الله» فأتى بها ، ثمّ قال : «يا بلال ائت ببغلة رسول الله بسرجها ولجامها» (١) فأتى بها ، ثمّ قال : «يا علي ، قم فاقبض هـذا بشهادة من في البيت من المهاجرين والأنصار كـي لاينازعك فيه أحد مـن بعـدي» ، قال : فقام عليٌّ عليه‌السلام (٢) حتّى استودع جميع ذلـك في منزله ثمّ رجـع (٣) .

[ ٣٠٩ / ٣ ] حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رحمه‌الله ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي إسماعيل إبراهيم بن إسحاق الأزدي ، عن أبيه ، عن أبي خالد عمرو بن خالد الواسطي ، عن زيدبن علي عليه‌السلام قال : لمّا حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة قال للعبّاس : «أتقبل وصيّتي ، وتقضي ديني ، وتنجز موعدي؟».

قال : إنّي امرؤ كبير السنّ ، ذو عيال ، لامال لي ، فأعاده (٤) عليه ثلاثاً

__________________

(١) في «ج ، ل» : ولجمها ، وفي حاشيتهما عن نسخة كما في المتن.

(٢) في المطبوع زيادة : وحمل ذلك.

(٣) أورده الطوسي في الأمالي : ٦٠٠ / ١٢٤٤ بسند آخر ، وسليمان الكوفي في مناقب الإمام أمير المؤمنين ١ : ٣٨٢ / ٣٠٠ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٢٢ : ٤٥٩ / ٥.

(٤) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : فأعادها.

٣٢٤

فردّها ، فقال رسول الله : «لأُعطينّها رجلاً يأخذها بحقّها لايقول مثل ماتقول» ، ثمّ قال : «يا علي ، تقبل (١) وصيّتي ، وتقضي ديني ، وتنجز موعدي؟».

قال : فخنقته العبرة ثمّ أعاد عليه ، فقال عليٌّ عليه‌السلام : «نعم يا رسول الله».

فقال : «يا بلال ائت بدرع رسول الله» ، فأتى بها ، ثمّ قال : «يا بلال ، أئت بسيف رسول الله» ، فأتى به.

ثمّ قال : «يا بلال ائت براية رسول الله» ، فأتى بها ، قال : حتّى تفقّد عصابة كان يعصب بها بطنه في الحرب ، فأتى بها ، ثمّ قال : «يا بلال ، ائت ببغلة رسول الله بسرجها ولجامها» ، فأتى بها ، ثمّ قال لعليٍّ : «قم ، فاقبض هـذا بشهادة مَنْ هنا من المهاجرين والأنصار حتّى لاينازعك فيه أحد مـن بعدي» ، قال : فقام عليٌّ عليه‌السلام وحمل ذلك حتّى استودعه منزله ، ثـمّ رجـع (٢) .

ـ ١٣٢ ـ

باب علّة تربية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام

[ ٣١٠ / ١ ] حدّثنا (٣) أبو محمّد (٤) الحسن بن محمّد بن يحيى بن

__________________

(١) في «ج ، ل ، ع» : أتقبل.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٢٢ : ٤٥٩ / ٦.

(٣) في «ع» : حدّثني ، وفي هامشها عن نسخة كما في المتن.

(٤) في «ج ، ل» : أبو الحسن بن محمّد بن يحيى.

٣٢٥

الحسن بن عبدالله (١) بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال : حدّثني جدّي يحيى بن الحسن ، قال : حدّثني عبدالله بن عبيدالله الطلحي ، قال : حدّثناأبي ، عن ابن هاني مولى بني مخزوم ، عن محمّد بن إسحاق ، قال : حدّثني ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر أبي الحجّاج ، قال : كان من نعم الله عزوجل على عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ما صنع الله له وأراد به من الخير أنّ قريشاً أصابتهم أزمة (٢) شديدة وكان أبو طالب في عيال كثير ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّه العبّاس وكان من أيسر بني هاشم : «يا أبا الفضل ، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى في هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فنخفّف عنه عياله آخذ من بنيه رجلاً ، وتأخذ رجلاً فنكفلهما عنه».

فقال العبّاس : قم ، فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب فقالا : إنّا نريد أن نخفّف عنك عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه من هذه الأزمة ، فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً وأخذ العبّاس جعفراً ، فلم يزل عليٌّ عليه‌السلام مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى بعثه الله عزوجل نبيّاً ، فآمن به واتّبعه وصدّقه ، ولم يزل جعفر مع العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه (٣) .

__________________

(١) في المطبوع : عبيد الله ، وما أثبتناه من النسخ.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : الأزمة : الشدّة والقحط. الصحاح ٥ : ١٦٦ / أزم.

(٣) أورده ابن البطريق في خصائص الوحي المبين : ١٤٨ / ٩٣ ، والعمدة : ٦٣ / ٧٤ ، وابن هشام في السيرة النبويّة ١ : ٦٢ ، والطبري في تاريخه ٢ : ٣١٣ ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣ : ١٩٨ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٣٨ : ٣١٥ / ١٩.

٣٢٦

ـ ١٣٣ ـ

باب العلّة التي من أجلها ورث علي بن أبي طالب عليه‌السلام

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيره

[ ٣١١ / ١ ] حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه‌الله ، قال : حدّثني (١) عبدالعزيز بن يحيى الجلودي بالبصرة ، قال : حدّثنا محمّد بن زكريّا ، قال : حدّثنا عبد الواحد بن غياث ، قال : حدّثنا أبو عباية (٢) ، عن عمر (٣) بن المغيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجد ، أنّ رجلاً قال لعليٍّ عليه‌السلام : يا أميرالمؤمنين ، بما ورثت ابن عمّك دون عمّك؟

فقال : «يا معشر الناس ، فافتحوا آذانكم واستمعوا» (٤) . فقال عليه‌السلام : «جمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بني (٥) عبدالمطّلب في بيت رجل منّا أو قال : أكبرنا فدعا بمدّ ونصف من طعام وقدح له يقال له : الغمر (٦) ، فأكلنا وشربنا وبقي الطعام كما هو والشراب كما هو وفينا من يأكل الجذعة (٧)

__________________

(١) في «ن ، ح ، ش» : حدّثنا.

(٢) في النسخ : أبو عيانه ، وفي حاشية «ج ، ل» : أبو عوانة.

(٣) في المطبوع : عمرو.

(٤) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : اسمعوا.

(٥) فيما عدا «س ، ع» من النُّسَخ : بنو ، وفي حاشيتها عن نسخة كما في المتن.

(٦) ورد في حاشية «ج ، ل» : فيه : لاتجعلوني كغمر الراكب ، هو بضمّ غين وفتح ميم : قدح صغير . النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ : ٣٤٥.

(٧) ورد في حاشية «ج ، ل» : الجذع بالكسر تقول لولد الشاة في السنة الثانية ، وللبقر وذات الحافر في الثالثة ، والإبل في الخامسة : أجذع. القاموس المحيط ٣ : ١٦.

٣٢٧

ويشرب الفرق (١) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن قد ترون هذه فأيّكم يبايعني على أنّه أخي ووارثي ووصيّي؟ فقمت إليه وكنت أصغر القوم وقلت : أنا ، قال : اجلس ، ثمّ قال ذلك ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول : اجلس ، حتّى كان في الثالثة : فضرب بيده على يدي ، فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي» (٢) .

[ ٣١٢ / ٢ ] وعنه قال : حدّثنا عبد العزيز ، قال : حدّثنا المغيرة بن محمّد ، قال : حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عبد الرحمن الأزدي ، قال : حدّثنا قيس بن الربيع وشريك بن عبدالله ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «لمّا نزلت (٣) : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٤) أي (٥) : رهطك المخلصين دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بني عبد المطلب وهُم إذ ذاك أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً ، فقال : أيّكم يكون أخي ووصيّي ووارثي و وزيري وخليفتي فيكم بعدي؟ فعرض عليهم ذلك رجلاً رجلاً كلّهم يأبى ذلك حتّى أتى علَيَّ فقلت : أنا يا رسول الله ، فقال : يا بني عبد المطّلب ، هذا أخي ووارثي ( ووصيّي ووزيري ) (٦) وخليفتي فيكم بعدي ، فقام القوم يضحك

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : فيه : كان يغتسل من الفرق ، هو بالحركة مكيال يسع ستة عشر رطلاً ، وقيل : الفرق خمسة أقساط ، والقسط نصف صاع ، وهو بالسكون مائة وعشرون رطلاً. بحار الأنوار ١٨ : ١٧٨ ، وانظر : النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٣٧ ، ولسان العرب ١٠ : ٣٠٦ / فرق.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٨ : ١٧٧ / ٦.

(٣) في «ج ، ل ، ع ، س ، ح» : أُنزلت.

(٤) سورة الشعراء ٢٦ : ٢١٤.

(٥) في المطبوع : و ، بدل : أي.

(٦) في النسخ بدل ما بين القوسين : ووزيري ووصيّي.

٣٢٨

بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لهذا الغلام» (١) .

ـ ١٣٤ ـ

باب العلّة التي من أجلها

دخل أمير المؤمنين عليه‌السلام في الشورى

[ ٣١٣ / ١ ] أبي (٢) رحمه‌الله ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه بإسناده رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «لمّا كتب عمر كتاب الشورى بدأ بعثمان في أوّل الصحيفة وأخّر عليّاً أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فجعله في آخر القوم ، فقال العبّاس : يا أمير المؤمنين ، يا أبا الحسن ، أشرت عليك في يوم قُبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تمدّ يدك فنبايعك فإنّ هذا الأمر لمن سبق إليه فعصيتني حتّى بويع أبو بكر ، وأنا أُشير عليك اليوم أنّ عمر قد كتب اسمك في الشورى وجعلك آخر القوم وهُم يخرجوك (٣) منها فأطعني ولاتدخل في الشورى ، فلم يجبه بشيء ، فلمّا بويع عثمان قال له العبّاس : ألم أقل لك؟!.

قال له (٤) : يا عمّ ، إنّه قد خفي عليك أمر ، أما سمعت قوله على المنبر : ماكان الله ليجمع لأهل هذا البيت الخلافة والنبوّة ، فأردت أن يكذّب نفسه بلسانه ، فيعلم الناس أنّ قوله بالأمس كان كذباً باطلاً ، وإنّا

__________________

(١) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٨ : ١٧٨ / ٧.

(٢) في «ع» : حدّثنا أبي.

(٣) في المطبوع : يخرجونك.

(٤) في «ح ، س» زيادة : الإمام عليه‌السلام .

٣٢٩

نصلح للخلافة ، فسكت العبّاس» (١) .

ـ ١٣٥ ـ

باب العلّة التي من أجلها خرج بعض الأئمّة عليه‌السلام بالسيف ،

وبعضهم لزم منزله وسكت ، وبعضهم أظهر أمره ، وبعضهم

أخفى أمره ، وبعضهم نشر العلوم ، وبعضهم لم ينشرها

[ ٣١٤ / ١ ] أبي (٢) رحمه‌الله ، قال : حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أبي القاسم الهاشمي ، عن عبيد بن قيس الأنصاري قال : حدّثنا الحسن بن سماعة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «نزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بصحيفة من السماء لم ينزل الله تعالى كتاباً قبله ولابعده (٣) ، خواتيم من الذهب ، فقال له : يا محمّد ، هذه وصيّتك إلى النجيب من أهلك.

فقال له : يا جبرئيل ، من النجيب من أهلي؟ قال : علي بن أبي طالب ، مُره إذا توفّيت أن يفكّ خاتماً ويعمل بما فيه.

فلمّا قُبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكّ عليٌّ عليه‌السلام خاتماً ثمّ عمل بما فيه وما تعدّاه ، ثمّ دفعها إلى الحسن بن علي عليه‌السلام ففكّ خاتماً وعمل بما فيه وما تعدّاه ، ثمّ دفعها إلى الحسين بن علي عليه‌السلام ففكّ خاتماً فوجد فيه : أُخرج بقوم إلى الشهادة لهم معك ، وأشر (٤) نفسك لله ( فعمل بما فيه وماتعدّاه ) (٥) ، ثمّ دفعها إلى رجل بعده ففكّ خاتماً فوجد فيه : أطرق واصمت والزم منزلك

__________________

(١) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٣١ : ٣٥٥ / ٩.

(٢) في «ع» : حدّثنا أبي.

(٣) في «ع ، س» زيادة : أو.

(٤) في «ح ، ل ، س ، ع» : وأشهر ، وفي حاشيتها عن نسخة كما في المتن.

(٥) بدل ما بين القوسين في «ج ، ل ، س ، ع ، ن ، ح» : فعمل بما فيها ما تعدّاه.

٣٣٠

واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين ، ثمّ دفعها إلى رجل بعده ففكّ خاتماً فوجد فيه : أن حدّث الناس وأفتهم وانشر علم آبائك ، فعمل بما فيه وماتعدّاه ، ثمّ دفعها إلى رجل بعده ففكّ خاتماً فوجد فيه : أن حدّث الناس وأفتهم وصدّق آباءك ، ولاتخافنّ إلاّ الله فإنّك في حرز من الله وضمان ، وهو يدفعها إلى رجل بعده ويدفعها مَنْ بعده إلى مَنْ بعده إلى يوم القيامة» (١) .

ـ ١٣٦ ـ

باب العلّة التي من أجلها دفع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليٍّ عليه‌السلام

سهمين وقد استخلفه على أهله بالمدينة

[ ٣١٥ / ١ ] حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال : حدّثنا عبدالرحمن بن محمّد الحسني ، قال : حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي ، قال : حدّثنا علي بن محمّد بن الحسن اللؤلؤي ، قال : حدّثنا علي بن نوح ، قال : حدّثنا أبي ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي داوُد ، عن معاذ بن سالم ، عن بشر بن إبراهيم الأنصاري ، عن خليفة بن سليمان الجهمي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : لمّا رجع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة وكان عليٌّ عليه‌السلام قد تخلّف على أهله ، فقسّم المغانم فدفع إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام سهمين وهو بالمدينة متخلّف وقال : «معاشر (٢) الناس ، ناشدتكم بالله وبرسوله ألم تروا إلى الفارس الذي حمل على المشركين من يمين العسكر فهزمهم ثمّ رجع إليَّ فقال : يا محمّد ، إنّ لي معك سهماً وقد

__________________

(١) ذكره المصنّف في كمال الدين : ٢٣١ / ٣٥ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار٣٦ : ٢٠٣ / ٧ .

(٢) في «ج ، ل ، س ، ح» : يا معاشر ، وكذلك المورد التالي.

٣٣١

جعلته لعليّ بن أبي طالب وهو جبرئيل عليه‌السلام .

معاشر الناس ، ناشدتكم بالله وبرسوله هل رأيتم الفارس الذي حمل على المشركين من يسار العسكر (١) ثمّ رجع فكلّمني فقال لي : يا محمّد ، إنّ لي معك سهماً وقد جعلته لعليّ بن أبي طالب فهو ميكائيل ، والله مادفعت إلى عليٍّ عليه‌السلام إلاّ سهم جبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام» ، فكبّر الناس بأجمعهم (٢) .

[ ٣١٦ / ٢ ] وحدّثني بهذا الحديث الحسن بن محمّد الهاشمي الكوفي ، عن فرات بن إبراهيم ، بإسناد مثله سواء (٣) .

ـ ١٣٧ ـ

باب العلّة التي من أجلها صار

علي بن أبي طالب عليه‌السلام أوّل من يدخل الجنّة

[ ٣١٧ / ١ ] حدّثنا الحسين بن علي الصوفي رحمه‌الله ، قال : حدّثنا أبو العبّاس عبدالله بن جعفر الحضرمي (٤) قال : حدّثنا محمّد بن عبدالله القرشي ، قال : حدّثنا علي بن أحمد التميمي ، قال : حدّثنا محمّد بن مروان ، قال : حدّثنا عبدالله بن يحيى ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن علي بن الحسين ، عن

__________________

(١) في «ح ، ل» زيادة : فهزمهم.

(٢) أورده ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٢ : ٢٧٢ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٣٩ : ٩٤ / ذيل الحديث ٤.

(٣) ذكره المصنّف في الأمالي : ٤٤٧ / ٥٩٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٣٩ : ٩٤ / ٤ .

(٤) في المطبوع : الحميري ، بدل : الحضرمي.

٣٣٢

أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين بن علي ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أوّل مَنْ يدخل الجنّة ، فقلت : يا رسول الله ، أدخلها قبلك؟

قال : نعم ، إنّك (١) صاحب لوائي في الآخرة ، كما أنّك صاحب لوائي في الدنيا ، وحامل اللواء هو المتقدّم ، ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله: يا علي ، كأنّي بك وقد دخلت الجنّة وبيدك لوائي ، وهو لواء الحمد تحته آدم فمن دونه» (٢) .

ـ ١٣٨ ـ

باب العلّة التي من أجلها

لم يخضب أمير المؤمنين عليه‌السلام

[ ٣١٨ / ١ ] حدّثنا محمّد بن أحمد السناني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي بشر ، قال : حدّثنا الحسين ابن الهيثم ، عن سليمان بن داوُد ، عن عليّ بن غراب ، قال : حدّثنا ثابت بن أبي صفيّة ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : قلت لأميرالمؤمنين عليه‌السلام : ما منعك من الخضاب وقد اختضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال : «أنتظر أشقاها أن يخضب لحيتي من دم رأسي بعد عهد معهود (٣) أخبرني به حبيبي رسول الله» (٤) .

__________________

(١) في «ج ، ل ، س ، ح» : لأنّك.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٨ : ٦ / ٩ ، و٣٩ : ٢١٧ / ٩.

(٣) في «ش ، س ، ع ، ح ، ل» : بعهد معهود.

(٤) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤١ : ١٦٤ / ١.

٣٣٣

ـ ١٣٩ ـ

باب العلّة التي من أجلها لم يطق أمير المؤمنين عليه‌السلام حمل

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أراد حطّ الأصنام من سطح الكعبة

[ ٣١٩ / ١ ] حدّثنا أبو علي أحمد بن يحيى (١) المكتّب ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد الورّاق ، قال : حدّثنا بشر بن سعيد بن قيلويه (٢) المعدّل بالرافقة (٣) ، قال : حدّثنا عبد الجبّار بن كثير التميمي اليماني ، قال : سمعت محمّد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول : سألت جعفر بن محمّد عليه‌السلام فقلت له : يابن رسول الله ، في نفسي مسألة أُريد أن أسألك عنها ، فقال : «إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني ، وإن شئت فسَلْ».

قال : قلت له : يابن رسول الله ، وبأيّ شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي؟ فقال : «بالتوسّم والتفرّس ، أما سمعت قول الله عزوجل : ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ) (٤) (٥) ، وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله».

قال : فقلت له : يابن رسول الله ، فأخبرني بمسألتي؟ قال : «أردت أن تسألني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لِم لَم يطق حمله علي عليه‌السلام عند حطّ الأصنام من (٦)

__________________

(١) في «ح ، ل» : أبو علي بن أحمد بن يحيى.

(٢) في المطبوع : قلبويه.

(٣) في النسخ إلاّ «ع» : بالوافقيّة. وما أثبتناه من «ع» ، والرافقة بلد متّصل البناء بالرقّة. انظر معجم البلدان ٣ : ١٥.

(٤) سورة الحجر ١٥ : ٧٥.

(٥) ورد في حاشية «ج ، ل» : توسّم التي تخيّله وتفرّسه. القاموس المحيط ٤ : ١٦٣ / وسم.

(٦) في «س ، ح» وحاشية «ج ، ل» عن نسخة : عن.

٣٣٤

سطح الكعبة مع قوّته وشدّته ، وما ظهر منه في قلع باب القموص (١) بخيبر ، والرمي به إلى ورائه أربعين ذراعاً ، وكان لايطيق حمله أربعون رجلاً ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يركب الناقة والفرس والحمار ، وركب البراق ليلة المعراج وكلّ ذلك دون عليٍّ عليه‌السلام في القوّة والشدّة».

قال : فقلت له : عن هذا والله أردت أن أسألك يابن رسول الله ، فأخبرني؟

فقال : «إنّ عليّاً عليه‌السلام برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تشرّف وبه ارتفع ، وبه وصل إلى أن أطفأ نار الشرك وأبطل كلّ معبود من دون الله عزوجل ولو علاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لحطّ الأصنام لكان عليه‌السلام بعليٍّ مرتفعاً وشريفاً (٢) وواصلاً إلى حطّ الأصنام ، ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه ، ألا ترى أنّ عليّاً عليه‌السلام قال : لمّاعلوت ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شرفت وارتفعت حتّى لو شئت أن أنال السماء لنلتها؟ أما علمت أنّ المصباح هو الذي يهتدى به في الظلمة ، وانبعاث (٣) فرعه من أصله ، وقد قال عليٌّ عليه‌السلام : أنا من أحمد كالضوء من الضوء؟ أما علمت أنّ محمّداً وعليّاً صلوات الله عليهما كانا نوراً بين يدي الله عزوجل قبل خلق الخلق بألفي عام ، وأنّ الملائكة لمّا رأت ذلك النور رأت له أصلاً قد تشعّب منه شعاع لامع فقالوا (٤) : إلهنا وسيّدنا ما هذا

__________________

(١) في «ج ، ل ، س ، ع ، ن ، ح» : القوم ، وفي حاشية «ح» عن نسخة كما في المتن .

(٢) في «ن ، ش» : تشريفاً.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : «وانبعاث» مبتدأ و«من أصله» خبره ، يعني : إنّ فرع المصباح مع إنبعاثه عن أصله وكونه أدون من الأصل مرتفع عليه ويكون فوقه ؛ كذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المصباح الذي يهتدى به في ظلمات الضلالة والجهالة وأميرالمؤمنين عليه‌السلام فرعه ؛ ولذا علاه وركبه ، وعلى هذا يكون وجهاً آخر وهو الظاهر ، ويمكن أن يراد أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام فرع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فلو صار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله به مرتفعاً لكان عليٌّ أفضل منه ، فيلزم زيادة الفرع على الأصل ، فيكون تنبيه للوجه الأوّل ، والله يعلم. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٤) في المطبوع : فقالت.

٣٣٥

النور؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم : هذا نور من نوري ، أصله نبوّة وفرعه إمامة ، أمّا النبوّة : فلمحمّد عبدي ورسولي ، وأمّا الإمامة فلعليٍّ حجّتي و وليّي ، ولولا هما ما خلقت خلقي ، أما علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع يدعلي عليه‌السلام بغدير خمّ حتّى نظر الناس إلى بياض إبطيهما ، فجعله (١) مولى المسلمين وإمامهم ، وقد احتمل الحسن والحسين عليهما‌السلام يوم حظيرة بني النجّار ، فلمّا قال له بعض أصحابه : ناولني أحدهما يا رسول الله ، قال : نِعْمَ الراكبان ، وأبوهما خير منهما ، وإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلمّا سلّم قيل له : يا رسول الله ، لقد أطلت هذه السجدة؟!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ ابني ارتحلني فكرهت أن أعاجله حتّى ينزل. وإنّما أراد بذلك صلى‌الله‌عليه‌وآله رفعهم وتشريفهم ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) إمام ونبيّ ، وعليٌّ عليه‌السلام إمام ليس بنبيّ ولا رسول ، فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوّة».

قال محمّد بن حرب الهلالي : فقلت له : زدني يابن رسول الله ، فقال : «إنّك لأهل للزيادة ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حمل عليّاً عليه‌السلام على ظهره

__________________

(١) في «ج ، ل ، ش ، ع ، ك» : فجعل ، وفي حاشية «ش» عن نسخة : فجعله.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : يمكن أن يكون تتمّة للوجوه السابقة ، ويكون المراد أنّ عليّاً عليه‌السلام لمّا لم يطق ما يطيقه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن له طاقة هذه المرتبة من النبوّة فلو كان يرفع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أفضل منه ؛ لأنّه حينئذ كان مبيّناً لفضل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله به مشرفاًومرتفعاً وهو غير واصل إلى مرتبة النبيّ ، فكيف يكون أفضل؟ ويمكن أن يكون وجهاً آخراً وهوأنّه عليه‌السلام لم يكن ليقدر حمله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأثقال النبوّة ، ولمّا كان جواب ما اعترض السائل من ركوبه عليه‌السلام على الناقة والبراق ظاهراً في نفسه ، وقد تبيّن في عرض الكلام أيضاً لم يتعرّض عليه‌السلام له ؛ إذ هذا الثقل ليس من قبيل ثقل الأجسام ليظهر على غير ذوي العقول بل لا يظهر إلاّ لمن كان عالماً بهذه المرتبة متدانياً لها ويكون حمله الجسماني مقروناًبالحمل الروحاني ، ويكون لتجرّد وتقدّس روحانية واجد ثقل الرتب والمعاني ، فيكون الحمل عليه كالانتقاش على العقول والنفوس المجرّدة صلوات الله عليهم أجمعين. (م ق ر رحمه‌الله ).

٣٣٦

يريد بذلك أنّه أبو ولده (١) ، وإمام الأئمّة من صلبه ، كما حوّل رداءه في صلاة الاستسقاء ، وأراد أن يعلم أصحابه بذلك أنّه قد تحوّل الجدب خصباً».

قال : قلت له : زدني يابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : «احتمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً عليه‌السلام يريد بذلك أن يعلم قومه أنّه هو الذي يخفّف عن ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما عليه من الدين والعدات والأداء عنه من بعده».

قال : فقلت له : يابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، زدني. فقال : «احتمله؛ ليُعلم بذلك أنّه قد احتمله وما حمل إلاّ لأنّه معصوم لايحمل وزراً فتكون أفعاله عند الناس حكمةً وصواباً ، وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليٍّ : يا علي ، إنّ الله تبارك وتعالى حمّلني (٢) ذنوب شيعتك ثمّ غفرها لي ، وذلك قوله تعالى : ( لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) (٣) (٤) ، ولمّا أنزل الله عزوجل عليه : ( عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) (٥) قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أيّها الناس ، عليكم أنفسكم

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : لأنّه عليه‌السلام لمّا علا على ظهر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلبه الصلب : محلّ للأولاد ، ظهر أنّه عليه‌السلام أشرف من أولاده مرتفع عليهم فيكون أباهم وامامهم. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : الذي خطر بالبال أنّ ما يذكره عليه‌السلام بعد ذلك مؤيّدات لما دلّ عليه الحمل من عصمته عليه‌السلام ؛ لأنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حمّلني ذنوب شيعتك ، ولو كان له عليه‌السلام ذنب لكان ذنبه أولى بالحمل ، فيدلّ على أنّه عليه‌السلام كان معصوماً ، وأُفيد أنّه عليه‌السلام ذكر بعض فضائله تقريباً وتأييداً ، وليس المراد إثبات العصمة. ويمكن أن يكون وجهاً آخر للحمل ؛ لأنّه لمّا كان حمل عليٍّ عليه‌السلام مستلزماً لحمل ذنوب شيعته بالعرض ، ولمّا لم يكن هذا لائقاً بعصمته غفرها الله تعالى ، فصار الحمل سبباً لغفران ذنوب شيعة علي عليه‌السلام ، وعلى هذا يمكن أن يكون ذكر الآية لبيان حمل الذنوب بحمل عليٍّ عليه‌السلام ؛ لأنّه تعالى نسب الذنوب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله يعلم. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) سورة الفتح ٤٨ : ٢.

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : فيلزم لي ملازمته ومحافظته زمان فضله كما أمرني ويحبّ. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٥) سورة المائدة ٥ : ١٠٥.

٣٣٧

لايضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم ، وعليٌّ نفسي وأخي ، أطيعوا عليّاً فإنّه مطهّر معصوم لا يضلّ ولايشقى» ، ثمّ تلا هذه الآية : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) (١) .

قال محمّد بن حرب الهلالي : ثمّ قال جعفر بن محمّد عليه‌السلام : «أيّها الأمير ، لوأخبرتك بما في حمل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً عند حطّ الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها به لقلتَ : إنّ جعفر بن محمّد لمجنون» فحسبك من ذلك ما قد سمعتَ ، فقمت إليه وقبّلت رأسه وقلت : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (٢) (٣) .

ـ ١٤٠ ـ

باب العلّة التي من أجلها قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«مَنْ بشّرني بخروج آذار فله الجنّة»

[ ٣٢٠ / ١ ] حدّثنا محمّد بن أحمد السناني ، وأحمد بن الحسن القطّان ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب ، وعلي بن عبدالله الورّاق (٤) ، وعلي بن أحمد بن محمّد الدقّاق رضي‌الله‌عنه، قالوا : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان ، قال : حدّثنا بكر بن عبدالله بن

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٥٤.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ٢٤.

(٣) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٣٥٠ / ١ ، وأورده الشهيد الأوّل في الأربعين حديثاً : ٦٩مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٣٨ : ٧٩ / ٢.

(٤) في «ج ، ل ، ش ، ع» : علي بن علي بن عبدالله الورّاق.

٣٣٨

حبيب ، عن تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم في مسجد قبا وعنده نفر من أصحابه فقال : «أوّل مَنْ يدخل عليكم الساعة رجل من أهل الجنّة» ، فلمّا سمعوا ذلك قام نفر منهم فخرجوا وكلّ واحد منهم يحبّ أن يعود ليكون هو أوّل داخل فيستوجب الجنّة ، فعلم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك منهم فقال لمن بقي عنده من أصحابه : «ستدخل عليكم جماعة يستبقون فمن بشّرني بخروج آذار فله الجنّة» ، فعاد القوم ودخلوا ومعهم أبوذرّ رحمه‌الله فقال لهم : «في أيّ شهر نحن من الشهور الروميّة؟».

فقال أبو ذرّ : قد خرج آذار يا رسول الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد علمت ذلك يا أباذرّ ، ولكن أحببت أن يعلم قومي أنّك رجل من أهل الجنّة وكيف لاتكون كذلك وأنت المطرود من حرمي بعدي؛ لمحبّتك لأهل بيتي فتعيش وحدك ، وتموت وحدك ، ويسعد بك قوم ، يتولّون تجهيزك ودفنك اُولئك رفقائي في جنّة الخلد التي وعد المتّقون» (١) .

ـ ١٤١ ـ

باب العلّة التي من أجلها قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من (٢)

ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ»

[ ٣٢١ / ١ ] حدّثنا أبو الحسن محمّد بن عمرو بن علي البصري ، قال :

__________________

(١) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٢٠٤ / ١ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار٢٢ : ٤٢٢ / ٣٣.

(٢) في المطبوع : على ، بدل : من.

٣٣٩

حدّثنا عبد السلام بن محمّد بن هارون الهاشمي ، قال : حدّثنا محمّد بن محمّد ابن عقبة الشيباني ، قال : حدّثنا أبو القاسم الخضر بن أبان ، عن أبي هدبة (١) ، عن أنس بن مالك قال : أتى أبو ذرّ يوماً إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : مارأيت كمارأيت البارحة ، قالوا : وما رأيت البارحة؟

قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببابه فخرج ليلاً فأخذ بيد عليّ بن أبي طالبوقد خرجا إلى البقيع فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكّة فعدل إلى قبر أبيه فصلّى عنده ركعتين فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا بعبدالله جالسوهو يقول : أشهد أن لاإله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، فقال له : «مَنْوليّك يا أبة؟».

فقال : وما (٢) الوليّ يا بنيّ؟ قال : «هو هذا عليّ».

قال : وإنّ عليّاً وليّي ، قال : «فارجع إلى روضتك».

ثمّ عدل إلى قبر اُمّه (٣) فصنع كما صنع عند قبر أبيه ، فإذا بالقبر قد انشقّ فإذا هي تقول : أشهد أن لاإله إلاّ الله ، وأنّك نبيّ الله و رسوله ، فقال لها : «مَنْوليّك يا اُمّاه؟»؛ فقالت : ومن الوليّ يا بنيّ؟

فقال : «هو هذا عليّ بن أبي طالب» ، فقالت : وإنّ عليّاً وليّي.

فقال : «ارجعي إلى حفرتك وروضتك».

فكذّبوه ولبّبوه (٤) وقالوا : يا رسول الله ، كذب عليك اليوم ، فقال :

__________________

(١) في «ش» : أبو هدنة ، وفي «ج ، ل» : أبو هدية ، وفي «ع» : هدية بن إبراهيم بن هدية ، وفي«س» : هدنة بن إبراهيم بن هدنة.

(٢) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : ومن.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : كانا مؤمنين ولمّا لم يدركا زمانه عليه‌السلام أراد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤمنا به بعد فوتهما. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : لبّبه تلبيباً : جمع ثيابه عند نحره في الخصومة. القاموس المحيط ١ : ١٢٧.

٣٤٠