علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-610-3
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٤٠٠

هاهنا» (١) .

[ ١٤٧ / ٣ ] أبي (٢) رحمه‌الله قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أيّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عُمير ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول : «لو يعلم النّاس كيف كان أصل (٣) الخلق لم يختلف

__________________

(١) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥ : ٢٤١ / ٢٦.

(٢) في «س» : حدّثنا أبي.

(٣) ورد في حاشية «ج» : لعلّ المراد اختلاف استعداداتهم وقابليّاتهم ، والمراد عدم الاختلاف في الاُمور التي يصل إليها ، فهم بعض دون بعض ، لاختلاف القابليّة لا المذهب ، أو المراد لو يعلم الناس ما كان في بدء الخلق من أخذ الميثاق للأئمّة من أرواحهم جميعاً لم يختلفوا في إمامة الأئمّة صلوات الله عليهم. (م ق ر رحمه‌الله ).

روى ابن إدريس رحمه‌الله في مستطرفات السرائر [ ٨٤ / ٢٦] ناقلاً عن كتاب المشيخة تصنيف الحسن بن محبوب السرّاد صاحب الرضا عليه‌السلام عن عبدالله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : «ينقاد ولا ينقاد ، يعني أصحاب الكلام ، أما لو علموا كيف كان بدءالخلق وأصله لما اختلف اثنان» ، انتهى.

يظهر أنّه أراد في ذمّ أصحاب الكلام فتدبّر ، يظهر لك ما هو الحقّ في المقام. وفي الكافي [ ٢ : ٥ / ١ ] : «لو علم النّاس كيف ابتداء الخلق ما اختلف اثنان» ، وقيل : لعلّ المعنى لو أحاط النّاس علماً بكيفيّة بدء خلق الإنسان مثلاً من أنّه تعالى ركّب فيه الآلات والأدوات الداعية على الخير والشرّ لحكمة اقتضت ذلك ، ثمّ كلّفهم على ما هوخير لهم عاجلاً وآجلاً وبيّن أنّ خلاف النفس وإن كان شاقّاً في الابتداء إلاّ أنّه بردوسلام في العاجل وتعظيم وإكرام وخلود دار السلام في الآجل ، وإنّ المخالفة والمعصية للخالق والربّ تعالى عار في العاجل ونار في الآجل ، وإنّ هذا التكليف وإن كان تكليفاًعلى خلاف اُلف النفس لكن تكليف اختيار بلا إكراه وإجبار والناس ألحقوا العلم في ذلك ما اختلف اثنان في مسألة القضاء والقدر ولم يقولوا بالتفويض والجبر ، بل اتّفقوا على أنّه أمر بين أمرين ؛ لأنّ التكليف بالاختيار يخرجهم عن حدّ التفويض ولم يدخلهم في حد الجبر ، هذا ما خطر بالبال في مستفاد الخبر ، فتأمّل في متن الخبر فلعلّك تجده مطابقاً.

لكن فيه : أنّ ما ذكرناه معلوم لمن تأمّل في حال الإنسان وشأن التكليف ، ومثل

١٦١

إثنان» (١) .

[ ١٤٨ / ٤ ] حدّثنا علي بن أحمد رحمه‌الله قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن أبي الخير صالح بن أبي حمّاد ، عن أحمد بن هلال ، عن محمّد بن أبي عُمير ، عن عبدالمؤمن الأنصاري (٢) ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : إنّ قوماً يروون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «اختلاف اُمّتي رحمة».

فقال : «صدقوا».

فقلت : إن كان اختلافهم رحمة ، فاجتماعهم عذاب؟

قال : «ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنّما أراد قول الله عزوجل : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (٣) ، فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويختلفوا إليه فيتعلّموا ، ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم ، إنّما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافاً في دين الله ، إنّما الدين واحد ، إنّما الدين واحد» (٤) .

__________________

ذلك لايعبّر بما عبّر به عليه‌السلام من قوله : «لو علم النّاس كيف ابتداء الخلق» ؛ لأنّ المذكور ممّا يعلم ، ولو لم يعلم كيفيّة الابتداء إلاّ أن يقال : إنّ بعض ما ذكرناه ممّا لم نعلمه إلاّ ببيان أئمّتنا عليهم‌السلام ، والناس يراد بهم العامّة وهُم غافلون عنه ، انتهى.

(١) أورده الصفّار في بصائر الدرجات : ٥٤١ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥ : ٢٤١ / ٢٦ .

(٢) في «ع ، ح» : عبدالله المؤمن الأنصاري. والصحيح ما في المتن ، انظر معجم رجال الحديث ١٢ : ١٠ / ٧٢٧٩.

(٣) سورة التوبة ٩ : ١٢٢.

(٤) أورده الطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٢٥٨ / ٢٢٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار١ : ٢٢٧ / ١٩.

١٦٢

ـ ٨٠ ـ

باب العلّة التي من أجلها تكون في المؤمن (١) حدّة

ولا تكون في مخالفيهم

[ ١٤٩ / ١ ] أبي (٢) رحمه‌الله قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عُمير ، عن ابن اُذينة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كنّا عنده فذكرنا رجلاً من أصحابنا فقلنا : فيه حدّة ، فقال : «من علامة المؤمن أن تكون فيه حدّة ».

قال : فقلنا له : إنّ عامّة أصحابنا فيهم حدّة ، فقال : «إنّ الله تبارك وتعالى فيوقت ما ذرأهم أمر أصحاب اليمين وأنتم هُم أن يدخلوا النار ، فدخلوها فأصابهم وهجاً (٣) ، فالحدّة من ذلك الوهج ، وأمر أصحاب الشمال وهُم مخالفوهم أن يدخلوا النار فلم يفعلوا ، فمن ثمّ لهم سمت (٤) ولهم وقار» (٥) .

ـ ٨١ ـ

باب علّة المرارة في الاُذنين ، والعذوبة في الشفتين ،

والملوحة في العينين ، والبرودة في الأنف

[ ١٥٠ / ١ ] أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا محمّد بن يحيى ، قال : حدّثنا محمّد بن

__________________

(١) في المطبوع : المؤمنين.

(٢) في «س» : حدّثنا أبي.

(٣) وهج النار تهج وهجاً و وهجاناً : اتّقدت ، والاسم وهج. القاموس المحيط ١ : ٢٨٩ / وهج.

(٤) السمت : هيئة أهل الخير. القاموس المحيط ١ : ٢٠٢ / سمت.

(٥) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥ : ٢٤١ / ٢٧.

١٦٣

أحمد بن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن عبدالله العَقِيليّ القُرشيّ ، عن عيسى بن عبد الله القُرَشيّ رفع الحديث ، قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبدالله عليه‌السلام فقال له : «يا أبا حنيفة؛ بلغني أنّك تقيس».

قال : نعم ، أنا أقيس.

قال : «لا تَقِس ، فإنّ أوّل من قاس إبليس حين قال : ( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (١) ، فقاس ما بين النّار والطّين ، ولو قاس نوريّة آدم بِنُوريّة النّارِ عرف فضل ما بين النّورَيْن وصَفاء أحدِهِما على الآخر ، ولكن قس لي رأسك ، أخبرني عن أُذنيك ما لهما مُرّتان»؟

قال : لا أدري.

قال : «فأنت لا تحسن تقيس رأسك ، فكيف تقيس الحلال والحرام؟» (٢) .

قال : يابن رسول الله ، أخبرني ما هو؟

قال : «إنّ الله عزوجلجعل الاُذنين مُرّتين؛ لئلاّ يدخلهما شيء إلاّ مات ، ولولا ذلك لقتل ابن آدم الهوام ، وجعل الشفتين عَذبتين ليجد ابن آدم طعم الحُلو والمُرّ ، وجعل العينين مالحتين؛ لأنّهما شحمتان ، ولولا ملوحتهما لذابتا ، وجعل الأنف بارداً سائلاً؛ لئلاّ يدع في الرأس داء إلاّ أخرجه؛ ولولا ذلك لثقل الدماغ وتدود» (٣) .

[ ١٥١ / ٢ ] حدّثنا أحمد (٤) بن الحسن القطّان ، قال : حدّثنا عبدالرحمن

__________________

(١) سورة ص ٣٨ : ٧٦.

(٢) ورد في حاشية «ل» : الغرض أنّه إذا لم تعلم الحكمة في هذا الخلق المحسوس كيف تعلم علّة أحكام الله تعالى. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) أورده صدره الكليني في الكافي ١ : ٤٧ / ٢٠ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار٢ : ٢٩١ / ١٠.

(٤) في النسخ : محمّد بدل : أحمد ، والصحيح ما في المتن ؛ لأنّه من مشايخ الشيخ الصدوق.

١٦٤

ابن أبي حاتم ، قال : حدّثنا أبو زرعة ، قال : حدّثنا هشام بن عمّار ، قال : حدّثنا محمّد بن عبدالله القُرشي ، عن ابن شُبْرُمَةَ ، قال : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، فقال لأبي حنيفة : «إتّق الله ولا تَقِس الدين برأيك ، فإنّ أوّل من قاس إبليس ، أمره الله عزوجل بالسجود لآدم فقال : ( أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (١) ، ثمّ قال : أتحسن أنْ تقيس رأسك من بدنك (٢) ؟».

قال : لا.

قال جعفر عليه‌السلام : «فأخبرني لأيّ شيء جعل الله الملوحة في العينين والمرارة في الأُذنين ، والماء المنتن في المنخرين ، والعذوبة في الشفتين؟».

قال : لا أدري.

قال جعفر عليه‌السلام : «لأنّ الله تبارك وتعالى خلق العينين فجعلهما شحمتين ، وجعل الملوحة فيهما منّاً منه على ابن آدم ، ولولا ذلك لذابتا ، وجعل الاُذنين مُرّتين ولولا ذلك لهجمت الدوابّ وأكلت دماغه ، وجعل الماء في المنخرين؛ ليصعد منه النفس وينزل ، ويجد منه الريح الطّيّبة من الخبيثة ، وجعل العذوبة في الشفتين؛ ليجد ابن آدم لذّة مطعمه ومشربه».

ثمّ قال جعفر عليه‌السلام لأبي حنيفة : «أخبرني عن كلمة أوّلها شرك وآخرها إيمان».

قال : لا أدري.

قال : «هي كلمة : لا إله إلاّ الله ، لو قال : لا إله كان شرك ، ولو قال : إلاّ الله كان إيمان» ثمّ قال جعفر عليه‌السلام : «ويحك ، أيّهما أعظم : قتل النفس أو

__________________

(١) سورة ص ٣٨ : ٧٦.

(٢) في «ش ، ن» جسدك.

١٦٥

الزنا؟».

قال : قتل النفس.

قال : «فإنّ الله عزوجل قد قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلاّ أربعة» ثمّ قال عليه‌السلام : «أيّهما أعظم : الصلاة أم الصوم؟».

قال : الصلاة.

قال : «فما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ، فكيف يقوم لك القياس ؟ فاتّق الله ، ولا تقس» (١) .

[ ١٥٢ / ٣ ] أبي (٢) رحمه‌الله ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن محمّد بن علي ، عن عيسى بن عبدالله القرشي ، رفعه قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبدالله عليه‌السلام فقال له : «يا أبا حنيفة ، بلغني أنّك تقيس».

قال : نعم ، أنا أقيس.

فقال : «ويلك لا تقس ، إنّ أوّل من قاس إبليس ، قال : ( خَلَقْتَنِى مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين ) (٣) ، قاس ما بين النّار والطين ، ولو قاس نوريّة آدم بنور النّار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر ، ولكن قِسْ لي رأسك ( من جسدك ) (٤) ، أخبرني عن اُذنيك ما لهما مُرّتان ، وعن عينيك مالهما مالحتان ، وعن شفتيك ما لهما عذبتان ، وعن أنفك ما له بارد».

فقال : لا أدري.

__________________

(١) أورده الطوسي في الأمالي : ٦٤٥ / ١٣٣٨ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٢ : ٢٩١ / ١١ .

(٢) في «س» : حدّثنا أبي.

(٣) سورة ص ٣٨ : ٧٦.

(٤) ما بين القوسين لم يرد في «ح ، س ، ن ، ش ، ع» والبحار.

١٦٦

فقال له : «أنت لا تحسن تقيس رأسك ، تقيس (١) الحلال والحرام؟!» (٢) .

فقال : يابن رسول الله ، أخبرني كيف ذلك؟

فقال : «إنّ الله تبارك وتعالى جَعل الاُذنين مُرَّتين؛ لئلاّ يدخلهما شيء إلاّمات ، ولولا ذلك لقتلت الدوابّ ابن آدم ، وجعل العينين مالحتين؛ لأنّهما شحمتان ، ولولا ملوحتهما لذابتا ، وجعل الشفتين عذبتين؛ ليجد ابن آدم طعم الحلو والمُرّ ، وجعل الأنف بارداً سائلاً ، لئلاّ يدع في الرأس داء إلاّ أخرجه ، ولولا ذلك لثقل الدماغ وتدود» (٣) .

قال أحمد بن أبي عبدالله : وروى بعضهم أنّه قال : «في الاُذنين لا متناعهما من العلاج» (٤) .

وقال في موضع : «ذكر الشفتين الريق وإنّما (٥) عذب الريق ليميّز به بين الطّعام والشراب».

وقال في ذكر الأنف : «لولا برد ما في الأنف وإمساكه الدماغ لسال الدماغ من حرارته».

[ ١٥٣ / ٤ ] وقال أحمد بن أبي عبدالله ، ورواه معاذ بن عبدالله ، عن بشير (٦) بن يحيى العامري ، عن ابن أبي ليلى قال : دخلت أنا والنعمان على جعفر بن محمّد عليهما‌السلام فرحّب بنا وقال : «يابن أبي ليلى ، من هذا الرجل؟».

قلت : جُعلت فداك ، هذا رجل من أهل الكوفة ، له رأي ونظر

__________________

(١) في المطبوع والبحار : فكيف تقيس.

(٢) في «ج» زيادة : فقال : لا أدري.

(٣) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٢ : ٢٩١ / ١٠.

(٤) في حاشية «ج» : أي معالجة الدَّوابّ بعد دخولها فيها.

(٥) أثبتناها من نسخة بدل في «ل».

(٦) في «ج ، س ، ش ، ع ، ل» والبحار : بشر ، ولم نجد له ترجمة في الكتب الرجاليّة.

١٦٧

ونقاد (١) .

قال : «فلعلّه الذي يقيس الأشياء برأيه». ثمّ قال له : «يا نعمان ، هل تحسن تقيس رأسك؟».

قال : لا.

قال : «فما أراك تحسن تقيس شيئاً ولا تهتدي إلاّ من عند غيرك ، فهل عرفت ممّا الملوحة في العينين؟ والمرارة في الاُذنين؟ والبرودة في المنخرين؟ والعذوبة في الفم؟».

قال : لا.

قال : «فهل عرفت كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان؟».

قال : لا.

قال ابن أبي ليلى : فقلت : جُعلت فداك ، لا تدعنا في عمى ممّا وصفتَ لنا.

قال : «نعم ، حدّثني أبي عن آبائه عليه‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الله تبارك وتعالى خلق عينَي ابن آدم على شحمتين ، فجعل فيهما الملوحة ، ولولا ذلك لذابتا ولم يقع فيهما شيء من القذى (٢) إلاّ أذابهما ، والملوحة تلفظ مايقع في العينين من القذى ، وجعل المرارة في الاُذنين حجاباً للدماغ فليس من دابّة تقع في الاُذنين إلاّ التمست الخروج ، ولولا ذلك لوصلت إلى الدماغ ، وجعل البرودة في المنخرين حجاباً للدماغ ، ولولا ذلك لسال

__________________

(١) ورد في حاشية «ج» : نَقدت الدرهم وانتقدتها : إذا أخرجت منه الزيف. الصحاح ٢ : ١٦٢ / نقد.

(٢) ورد في حاشية «ج» : القذى في العين ، وفي الشراب : ما يسقط فيه. الصحاح ٦ : ٤٦٦ / قذى.

١٦٨

الدماغ ، وجعل الله العذوبة في الفم منّاً من الله على ابن آدم ليجد لذّة الطعام والشراب ، وأمّا كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان فقول : لا إله إلاّ الله ، أوّلها كفر وآخرها إيمان».

ثمّ قال : «يا نعمان ، إيّاك والقياس فإنّ أبي حدّثني عن آبائه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من قاس شيئاً من الدين برأيه قرنه الله مع إبليس في النّار ؛ فإنّه أوّل من قاس حين قال : ( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (١) ، فدعوا الرأي والقياس ، وما قال قوم : ليس له في دين الله برهان ، فإنّ دين الله لم يوضع (٢) بالآراء والمقاييس» (٣) .

[ ١٥٤ / ٥ ] حدّثنا أبي (٤) ومحمّد بن الحسن ، قالا (٥) : حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، قال : حدّثنا أبو زهير بن شبيب (٦) بن أنس ، ( عن بعض أصحابه ) (٧) ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : كنت عندأبي عبدالله عليه‌السلام إذ دخل عليه غلام من كندة فاستفتاه في مسألة ، فأفتاه فيها ، فعرفت الغلام والمسألة فقدمت الكوفة ، فدخلت على أبي حنيفة فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها ، فأفتاه فيها بخلاف ماأفتاه أبوعبدالله عليه‌السلام ، فقمت إليه فقلت : ويلك يا أبا حنيفة ، إنّي كنت العام حاجّاً فأتيت أبا عبدالله عليه‌السلام مسلّماً عليه فوجدت هذا الغلام

__________________

(١) سورة ص ٣٨ : ٧٦.

(٢) في «ع ، ح» : يوضح.

(٣) أورده الطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٢٦٦ / ٢٣٦ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٢ : ٢٩١ / ١٤٢.

(٤) في «ج ، ش» : أبي رحمه‌الله .

(٥) فيما عدا «ج ، ش ، ن» : قال.

(٦) لم ترد في «ش» ، وفي «ج» : شيت ، وفي «س» : شيب.

(٧) ما بين القوسين لم يرد في «ح ، ن».

١٦٩

يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته.

فقال : وما يعلم جعفر بن محمّد ، أنا أعلم منه ، أنا لقيت الرجال وسمعت من أفواههم ، وجعفر بن محمّد صحفيّ ـ أخذ العلم من الكتب (١) ـ فقلت في نفسي : والله لأحجّنّ ولو حبواً (٢) ، قال : فكنت في طلب حجّة ، فجاءتني حجّة فحججت ، فأتيت أبا عبدالله عليه‌السلام فحكيت له الكلام فضحك ، ثمّ قال : « ( عليه لعنة الله ) (٣) ، أمّا في قوله : إنّي رجل صحفيّ فقد صدق ، قرأت صُحُف آبائي إبراهيم وموسى».

فقلت له : ومن له بمثل تلك الصُّحُف.

قال : فما لبثت أن طرق الباب طارق وكان عنده جماعة من أصحابه.

فقال للغلام : «انظر ، من ذا؟» ، فرجع الغلام فقال : أبو حنيفة.

قال : «أدخله» فدخل فسلّم على أبي عبدالله عليه‌السلام فردّ عليه ثمّ قال : أصلحك الله ، أتأذن لي في القُعود؟ فأقبل على أصحابه يحدّثهم ولم يلتفت إليه ، ثمّ قال الثانية والثالثة فلم يلتفت إليه ، فجلس أبو حنيفة من غير إذنه ، فلمّاعلم أنّه قد جلس التفت إليه فقال : «أين أبو حنيفة؟».

فقيل : هو ذا أصلحك الله.

فقال : «أنت فقيه أهل العراق؟».

قال : نعم.

قال : «فبما تفتيهم؟».

__________________

(١) ورد في حاشية «ج» : هذا حاشية ليس من المتن.

(٢) ورد في حاشية «ج» : حَبى الصَّبي حَبْواً كسَهْو : مشى على استه. القاموس المحيط ٤ : ٣٤١ / حبا .

(٣) ما بين القوسين أثبتناه من النسخ.

١٧٠

قال : بكتاب الله وسُنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال : «يا أبا حنيفة ، تعرف كتاب الله حقّ معرفته ، وتعرف الناسخ والمنسوخ؟».

قال : نعم.

قال : «يا أبا حنيفة ، لقد ادّعيت علماً ، ويلك ما جعل الله ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الذين اُنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلاّ عند الخاصّ من ذرّيّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله وما ورّثك الله من كتابه حرفاً ، فإن كنت كما تقول ولست كما تقول فأخبرني عن قول الله عزّوجل : ( سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ) (١) ، أين ذلك من الأرض؟».

قال : أحسبه ما بين مكّة والمدينة.

فالتفت أبو عبدالله عليه‌السلام إلى أصحابه فقال : «تعلمون أنّ النّاس يقطع عليهم بين المدينة ومكّة فتؤخذ أموالهم ولا يؤمنون على أنفسهم ويقتلون؟».

قالوا : نعم.

قال : فسكت أبو حنيفة.

فقال : «يا أبا حنيفة ، أخبرني عن قول الله عزوجل : ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) (٢) أين ذلك من الأرض؟».

قال : الكعبة.

قال : «أفتعلم أنّ الحجّاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمناً فيها؟».

__________________

(١) سورة سبأ ٣٤ : ١٨.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ٩٧.

١٧١

قال : فسكت ، ثمّ قال له : «يا أبا حنيفة ، إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسُّنَّة كيف تصنع؟».

فقال : أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي.

قال : «يا أبا حنيفة ، إنّ أوّل من قاس إبليس الملعون ، قاس على ربّنا تبارك وتعالى فقال : ( أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ )» (١) فسكت أبو حنيفة ، فقال : «يا أبا حنيفة ، أيّما أرجس البول (٢) أو الجنابة؟».

فقال : البول.

فقال : «فما بال النّاس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول؟» ، فسكت ، فقال : «يا أبا حنيفة ، أيّما أفضل الصلاة أم الصوم؟».

قال : الصلاة.

قال : «فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟» فسكت ، فقال : «يا أبا حنيفة ، أخبرني عن رجل كانت له اُمّ ولد وله منها ابنة وكانت له حرّة لا تلد ، فزارت الصبيَّة بنت اُمّ الولد أباها ، فقام الرجل بعد فراغه من صلاة الفجر ، فواقع (٣) أهله التي لا تلد وخرج إلى الحمّام فأرادت الحرّة أن

__________________

(١) سورة ص ٣٨ : ٧٦ .

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : قال : هكذا رووا عليه ؛ لأنّه كان يقول بأرجسيّة البول ، ولذا يقول بطهارة المني بعد الفراك ، وإلاّ فالواقع ليس كذلك.

وكذلك ورد في حاشية «ل» : الأصل في هذه المسألة ما روي عن الصادق والباقر عليهما‌السلام من قضاء الحسن بن علي عليه‌السلام في ذلك. ( م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : لو وطئ زوجته فساحقت بكراً فحملت ، قال في النهاية ـ : ٧٠٧ـ : على المرأة الرَّجم ، وعلى الصبيّة جلد مائة بعد الوضع.

ويلحق الولد بالرجل ، ويلزم المرأة المهر ، أمّا الرَّجم فعلى ما مضى من التردّد ، الأشبه الاقتصار على الجلد ، وأمّا جلد الصبيّة فموجبه ثابت وهي المساحقة. وأمّا

١٧٢

تكيد اُمّ الولد وابنتها عند الرجل فقامت إليها بحرارة ذلك الماء فوقعت عليها وهي نائمة ، فعالجتها كما يعالج الرجل المرأة ، فعلقت ، أيّ شيء عندك فيها؟».

قال : لا والله ما عندي فيها شيء.

فقال : «يا أبا حنيفة ، أخبرني عن رجل كانت له جارية فزوّجها من مملوك له وغاب المملوك ، فولد له من أهله مولود و ولد للمملوك مولود من اُمّ ولد (١) له فسقط البيت على الجاريتين ومات المولى (٢) ، مَن الوارث؟».

فقال : جُعلت فداك ، لا والله ما عندي فيها شيء.

فقال أبو حنيفة : أصلحك الله ، إنّ عندنا قوماً بالكوفة يزعمون أنّك تأمرهم بالبراءة من فلان وفلان وفلان.

فقال : «ويلك يا أبا حنيفة ، لم يكن هذا ، معاذ الله».

فقال : أصلحك الله ، إنّهم يعظّمون الأمر فيهما.

قال : «فما تأمرني؟».

قال : تكتب إليهم.

قال : «بماذا؟».

__________________

لحوق الولد ؛ فلأنّه ماء غير زان ، وقد انخلق منه الولد فيلحق به ، وأمّا المهر ؛ فلأنّها سبب في إذهاب العذرة ، وديتها مَهر نسائها وليست كالزانية في سقوط دية العذرة ؛ لأنّ الزانية أذنت في الافتضاض. وليست هذه كذلك ، وأنكر بعض المتأخّرين ذلك فظنّ أنّ المساحِقة كالزانية في سقوط دية العذرة وسقوط النسب. شرائع الإسلام ٤ : ١٦١.

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : هي الجارية التي مضت.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : الظاهر أنّ السؤال عن صورة اشتباه ولد المملوك وولد المولى فلا يعلم أيّ الولدين ولد المولى ؛ ليكون وارثاً ، وفرض سقوط البيت على الجاريتين لتصوير الاشتباه ، والمشهور بين أصحابنا فيه القرعة. (م ق ر رحمه‌الله ).

١٧٣

قال : تسألهم الكفّ عنهما.

قال : «لا يطيعوني».

قال : بلى أصلحك الله إذا كنت أنت الكاتب وأنا الرسول أطاعوني ، قال : «يا أبا حنيفة ، أبيت إلاّ جهلاً (١) كم بيني وبين الكوفة من الفراسخ؟».

قال : أصلحك الله ما لا يحصى.

فقال : «كم بيني وبينك؟».

قال : لا شيء.

قال : «أنت دخلت عليَّ في منزلي فاستأذنت في الجلوس ثلاث مرّات فلم آذن لك ، فجلست بغير إذني خلافاً عليَّ ، كيف يطيعوني اُولئك وهُم ثَمَّ (٢) وأنا هاهنا؟».

قال : فقنع (٣) رأسه وخرج وهو يقول : أعلم النّاس ، ولم نره عند عالم.

فقال أبو بكر الحَضرمي : جُعلت فداك ، الجواب في المسألتين الأوّلتين ، فقال : «يا أبا بكر ، ( سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ) (٤) ، فقال : مع قائمنا (٥) أهل البيت ، وأمّا قوله : ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) (٦) ، فَمَن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه كان آمناً» (٧) .

__________________

(١) في «ج» : أتيت الاجتهاد.

(٢) في المطبوع : هناك.

(٣) في المطبوع : فقبل.

(٤) سورة سبأ ٣٤ : ١٨.

(٥) ورد في حاشية «ج ، ل» : بأن يكون ضمير فيها راجعاً إلى الأرض ، ويكون المراد السير في دولته عليه‌السلام ، أو يكون الضمير راجعاً إلى دولة القائم. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٦) سورة آل عمران ٣ : ٩٧.

(٧) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٢ : ٢٩٢ / ١٣.

١٧٤

[ ١٥٥ / ٦ ] حدّثنا الحسين بن أحمد ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد ، قال : حدّثنا أبو عبدالله الرازي (١) ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن سفيان الحريري ، عن معاذ بن بشر ، عن يحيى العامري ، عن ابن أبي ليلى ، قال : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام ومعي النعمان ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : «مَن الذي معك ؟».

فقلت : جُعلت فداك ، هذا رجل من أهل الكوفة له نظر ، ونقّاد ورأي يقال له : نعمان.

قال : «فلعلّ هذا الذي يقيس الأشياء برأيه».

فقلت : نعم.

قال : «يا نعمان ، هل تحسن أن تقيس رأسك؟».

فقال : لا.

فقال : «ما أراك تحسن شيئاً ولا فَرْضَك إلاّ من عند غيرك ، فهل عرفت كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان؟».

قال : لا.

قال : «فهل عرفت ما الملوحة في العينين والمرارة في الاُذنين والبرودة في المنخرين والعذوبة في الشفتين؟».

قال : لا.

قال ابن أبي ليلى : فقلت : جُعلت فداك ، فسِّر لنا جميع ما وصفت ، قال : «حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الله تبارك وتعالى خلق

__________________

(١) في «ش ، ن ، س ، ع ، ج» : الداري ، وفي حاشية «س ، ع ، ج» كما في المتن ، وهو الموافق للمصادر ، انظر معجم رجال الحديث ٢٢ : ٢٤٦ / ١٤٥٢٥.

١٧٥

عيني ابن آدم من شحمتين فجعل فيهما الملوحة ، ولولا ذلك لذابتا ، فالملوحة تلفظ ما يقع في العين من القذى ، وجعل المرارة في الاُذنين حجاباً من الدماغ ، فليس من دابّة تقع فيه إلاّ التمست الخروج ، ولولا ذلك وصلت إلى الدماغ ، وجعلت العذوبة في الشفتين منّاً من الله عزوجل على ابن آدم فيجد بذلك عذوبة الريق وطعم الطعام والشّراب ، وجعل البرودة في المنخرين؛ لئلاّ تدع في الرأس شيئاً إلاّ أخرجته».

قلت : فما الكلمة التي أوّلها كفر وآخرها إيمان؟

قال : «قول الرجل : لا إله إلاّ الله ، فأوّلها كفر ، وآخرها إيمان» ، ثمّ قال : «يا نعمان ، إيّاك والقياس ، فقد حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من قاس شيئاً بشيء قرنه الله عزوجل مع إبليس في النّار؛ فإنّه أوّل من قاس على ربّه ، فدع الرأي والقياس فإنّ الدين لم يوضع بالقياس ولا بالرأي» (١) .

ـ ٨٢ ـ

باب العلّة التي من أجلها صار النّاس

يعقلون ولا يعلمون (٢)

[ ١٥٦ / ١ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن

__________________

(١) أورده الطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٢٦٦ / ٣٣٦ مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٢ : ٢٩٥ / ١٤ ، و٦١ : ٣١٢ / ١٨.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : يمكن أن يكون المراد بالعقل عقل المعاش ، وبالعلم علم المعادوما يتعلّق به ، وأن يكون المراد بالعلم الكامل الحقيقي اللازم للعمل كما وردت به الأخبار. ويمكن أن يكون يعملون بتقديم الميم فصحّف ، والله يعلم. (م ق ر رحمه‌الله ).

١٧٦

يعقوب بن يزيد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن معمّر بن يحيى ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما بال الناس يعقلون ولا يعلمون ؟

قال : «إنّ الله تبارك وتعالى حين خلق آدم جعل أجله بين عينيه ، وأمله خلف ظهره ، فلمّا أصاب الخطيئة حصل (١) أمله بين عينيه وأجله خلف ظهره فمن ثَمّ يعقلون ولا يعلمون» (٢) .

ـ ٨٣ ـ

باب العلّة التي من أجلها أوسع الله عزوجل

في أرزاق الحُمقى

[ ١٥٧ / ١ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار (٣) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن الربيع بن محمّد المسلي (٤) ، عن عبدالله بن سليمان قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : «إنّ الله عزوجل أوسع في أرزاق الحمقى؛ لتعتبر العقلاء ويعلمون أنّ الدنيا لاتنال بالعقل ولا بالحيلة» (٥) .

__________________

(١) في «ح» وحاشية «س» : جعل.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١ : ١٦١ / ٢.

(٣) في «س ، ع ، ن» : القطّان ، وفي حاشية «ن» : العطّار ، والصحيح ما في المتن ، وهو الموافق للمصادر ، انظر معجم رجال الحديث ١٩ : ٤٣ / ١٢٠٣٣.

(٤) في «ن» : الربيع بن محمّد بن المسلمي ، والصحيح ما في المتن ، وهو الموافق للمصادر ، انظر رجال النجاشي : ١٦٤ / ٤٣٣.

(٥) أورده الكليني في الكافي ٥ : ٨٢ / ٨٣ ، والطوسي في التهذيب ٦ : ٣٢٢ / ٨٨٤ ، والإسكافي في التمحيص : ٥٣ / ١٠٢ مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٨ / ٤٧.

١٧٧

ـ ٨٤ ـ

باب العلّة التي من أجلها يغتمّ الإنسان

ويحزن من غير سبب ، ويفرح ويسرُّ من غير سبب

[ ١٥٨ / ١ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار (١) ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى ، قال : حدّثنا الحسن بن علي ، عن ابن عبّاس ، عن أسباط (٢) ، عن أبي عبدالرحمن قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : إنّي ربّما حزنت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد ، وربّما فرحت فلا أعرف في أهل ولامال ولا ولد.

فقال : «إنّه ليس من أحد إلاّ ومعه ملك وشيطان ، فإذا كان فرحه كان من دنوّ الملك منه ، فإذا كان حزنه كان من دنوّ الشيطان منه ، وذلك قول الله تبارك وتعالى : ( الشَّيْطَـنُ (٣) يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (٤) » (٥) .

[ ١٥٩ / ٢ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثناجعفر بن محمّد بن مالك ، قال : حدّثنا أحمد بن مَدْيَن من ولد مالك

__________________

(١) في «ج ، س ، ع» : القطّان.

(٢) في «ع ، ن ، ل ، ج» والبحار : الحسن بن علي عن عبّاس عن أسباط ، وفي «ح» : الحسن بن علي عن عبّاس عن ابن اسباط.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : لعلّ المراد أنّ هذا المهم لأجل وساوس الشيطان وإن لم يتفطّن به الإنسان فيظنّ أنّه لا سبب له ، أو المراد أنّه كان شأن الشيطان ذلك يصير محض دنوّه سبباً للهمِّ ، وفي الملك أيضاً كذلك ، أو يكون مراد السائل فوت الأهل والمال في الماضي ، والله يعلم. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٤) سورة البقرة ٢ : ٢٦٨.

(٥) أورده مرسلاً الطبرسي في مشكاة الأنوار ٢ : ٢٢٣ / ١٦٤١ ، وكذلك ابن شهرآشوب في مناقبه ٤ : ٢٨٣ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٦٣ : ٢٠٥ / ٣٣.

١٧٨

ابن الحارث الأشتر ، عن محمّد بن عمّار ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام ومعي رجل من أصحابنا ، فقلت له : جُعلت فداك يابن رسول الله ، إنّي لأغتمّ وأحزن من غير أن أعرف لذلك سبباً؟

فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : «إنّ ذلك الحزن والفرح يصل إليكم منّا؛ لأنّا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلاً عليكم؛ لأنّا (١) وإيّاكم من نور الله عزوجل ، فجعلنا وطينتنا وطينتكم واحدة ، ولو تركت طينتكم كما أخذت لكنّا وأنتم سواء ، ولكن مُزِجَت طينتكم بطينة أعدائكم ، فلولا ذلك ما أذنبتم ذنباً أبداً» .

قال : قلت : جُعلت فداك ، أفتعود طينتنا ونورنا كما بدأ؟

فقال : «إي والله يا عبدالله ، أخبرني عن هذا الشعاع الزاهر (٢) من القرص إذا طلع أهو متّصِلٌ به أو باينٌ منه؟».

فقلت له : جُعلت فداك ، بل هو باين منه.

فقال : «أفليس إذا غابت الشمس وسقط القرص عاد إليه فاتّصل به كما بدأمنه ؟».

فقلت له : نعم.

فقال : «كذلك والله شيعتنا من نور الله خُلقوا وإليه يعودون ، والله إنّكم لملحقون بنا يوم القيامة وإنّا لَنَشْفَع فنُشَفَّع ، ووالله إنّكم لَتَشْفَعُون فَتُشَفَّعُون ، ومامن رجل منكم إلاّ وسترفع له نار عن شماله وجنّة عن يمينه ، فيدخل أحبّاؤه الجنّة وأعداؤه النار» (٣) .

__________________

(١) في «ج ، ح ، ن» : ولأنّا.

(٢) في النسخ والبحار : الزاجر ، وما أثبتناه من حاشيتي «ش ، ن».

(٣) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥ : ٢٤٢ / ٢٩ ، و٦١ : ١٤٥ / ٢٢.

١٧٩

ـ ٨٥ ـ

باب علّة النسيان والذكر ،

وعلّة شبه الرجل بأعمامه وأخواله

[ ١٦٠ / ١ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام فقلت له : إنّ الرجل ربّما أشبه أخواله ، وربّما أشبه أباه ، وربّما أشبه عمومته؟

فقال : «إنّ نُطفة الرجل بيضاء غليظة ونُطفة المرأة صفراء رقيقة؛ فإن غلبت نُطفة الرجل نُطفة المرأة أشبه الرجل أباه وعمومته ، وإن غلبت نُطفة المرأة نُطفة الرجل أشبه الرجل أخواله» (١) .

[ ١٦١ / ٢ ] أخبرني علي بن حاتم رضي‌الله‌عنه فيما كتب إليّ قال : أخبرني القاسم بن محمّد ، عن حمدان (٢) بن الحسين ، عن الحسين بن الوليد ، عن ابن بكير ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : قلت له : المولود يشبه أباه وعمّه؟

قال : «إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة ، فالولد يشبه أباه وعمّه ، وإذا

__________________

(١) ذكره بغير السند المذكور وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جامع البيان للطبري ٢ : ٢٨٤ ، والمصنّف لعبدالرزّاق ١١ : ٤١٩ / ٢٠٨٨٤ ، والجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٦٧٥ / ٩٢٦٥ ، والسنـن الكبرى للبيهقي ٥ : ٣٤٠ / ٩٠٧٦ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٦٠ : ٢٣٨ / ١٦ .

(٢) في «ح ، ن ، ع ، س ، ش ، ج ، ل» : حملان ، وما في المتن هو الموافق للمصادر وحاشية «ج ، ل» ، انظر : من لا يحضره الفقيه (المشيخة) ٤ : ١٢٤ ، وما نقله التفريشي في نقد الرجال٢ : ١٥٩ والمذكور في هامش الصفحة ومعجم رجال الحديث ٧ : ٢٦١ / ٤٠٠٩.

١٨٠