تراثنا ـ العدد [ 143 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 143 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1019-4030
الصفحات: ٢٨٦

١٨٧ ـ مسند الشهاب : القاضي محمّد بن سلامة القضاعي ، تحقيق : حمدي عبد المجيد ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ١٤٠٥هـ.

١٨٨ ـ المسنَد الصَّحيح المُخَرّج عَلى صَحِيح مُسلم : أبو عَوانة يَعقُوب بن إسحَاق الإسفراييني ، تحقيق : فَرِيق مِن البَاحِثين ، الجَامِعَة الإسلامية ، السَّعُودية ، ١٤٣٥ هـ.

١٨٩ ـ مسند عبد الله بن عمر : محمّد بن إبراهيم الطرسوسي ، تحقيق : أحمد راتب عرموش ، دار النفيس ، بيروت ، ١٣٩٣هـ.

١٩٠ ـ مشيخة الشيخ الأجل أبي عبد الله محمّد الرازي (ابن الحطّاب) : أبو طاهر أحمد بن محمّد السلفي ، تحقيق : حاتم بن عارف العوني ، دار الهجرة ، الرياض ، ١٤١٥هـ.

١٩١ ـ مشيخة ابن شاذان الصغرى : الحسن بن أحمد بن شاذان ، تحقيق : عصام موسى هادي ، مكتبة الغرباء الأثرية ، المدينة المنوّرة ، ١٤١٩هـ.

١٩٢ ـ مشيخة قاضي المارستان (أحاديث الشيوخ الثقات) : أبو بكر محمّد بن عبد الباقي المعروف بقاضي المارِسْتان ، تحقيق : الشريف حاتم بن عارف العوني ، دار عالم الفوائد ، ١٤٢٢هـ.

١٩٣ ـ مشيخة المحدّثين البغدادية : أبو طاهر أحمد بن محمّد السلفي الأصفهاني ، تحقيق : أحمد فريد أحمد ، دار الرسالة ، القاهرة ، ١٤٣٢هـ.

١٩٤ ـ مشيخة النجاشي : محمود درياب النجفي ، قم ، ١٤١٣هـ.

١٩٥ ـ مصارع العشّاق : أبو محمّد جعفر بن أحمد بن الحسيني السراج القارئ ، تحقيق : محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل ، أحمد رشدي شحاته ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٤١٩هـ.

١٩٦ ـ المصنّف : عبد الرزاق بن همّام الصنعاني ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ١٤٠٣هـ.

٨١

١٩٧ ـ المصنّف : عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة ، تحقيق : سعيد اللحام ، دارالفكر ، بيروت ، ١٤٠٩هـ.

١٩٨ ـ معالم العلماء : محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، تقديم : محمّد صادق بحر العلوم ، المطبعة الحيدرية ، نجف ، ١٣٨٠هـ.

١٩٩ ـ معجم الأدباء : ياقوت بن عبد الله الحموي ، تحقيق : إحسان عبّاس ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ١٩٩٣م.

٢٠٠ ـ المعجم الأوسط : سليمان بن أحمد الطبراني ، تحقيق : طارق بن عوض الله وأبو الفضل عبد الحسن بن إبراهيم ، دار الحرمين ، ١٤١٥هـ.

٢٠١ ـ معجم البلدان : ياقوت بن عبد الله الحموي ، دار الفكر ، بيروت ، ١٩٩٥م.

٢٠٢ ـ معجم رجال الحديث : السيّد أبو القاسم الخوئي ، قم ، ١٤١٣هـ.

٢٠٣ ـ معجم الشيوخ : أبو الحسين محمّد بن أحمد بن جميع الصيداوي ، تحقيق : عمر عبد السلام تدمري ، مؤسّسة الرسالة ، ١٤٠٥هـ.

٢٠٤ ـ معجم الشيوخ : علي بن الحسن (ابن عساكر الدمشقي) ، تحقيق : وفاء تقي الدين ، دار البشائر ، دمشق : ١٤٢١هـ.

٢٠٥ ـ معجم الصحابة : عبد الباقي بن قانع البغدادي ، تحقيق : خليل إبراهيم ، دار الفكر ، بيروت ، ١٤٢٤هـ.

٢٠٦ ـ المعجم الصغير : سليمان بن أحمد الطبراني ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

٢٠٧ ـ المعجم الكبير : سليمان بن أحمد الطبراني ، تحقيق : حمدي عبد المجيد ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة.

٢٠٨ ـ المعجم المفهرس (تجريد أسانيد الكتب المشهورة) : أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، تحقيق : محمّد شكور المياديني ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ١٤١٨هـ.

٨٢

٢٠٩ ـ معرفة الصحابة : أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ، تحقيق : محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل ومسعد عبد الحميد ، دار الكتب العلمية ، ١٤٢٢هـ.

٢١٠ ـ معرفة علوم الحديث : الحاكم محمّد بن عبد الله النيسابوري ، تحقيق : السيّد معظّم حسين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٣٩٧هـ.

٢١١ ـ مناقب الشافعي : محمّد بن الحسين الآبري ، تحقيق : جمال عزون ، الدار الأثرية ، ١٤٣٠هـ.

٢١٢ ـ المنتظم في تاريخ الأمم والملوك : أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي ، تحقيق : محمّد عبد القادر عطا ، مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٤١٢هـ.

٢١٣ ـ من فضائل سورة الإخلاص : الحسن بن محمّد الخلاّل ، تحقيق : محمّد بن رزق بن طرهوني ، مكتبة لينة ، القاهرة ، ١٤١٢هـ.

٢١٤ ـ منهج النقد في علوم الحديث : نور الدين عتر ، دار الفكر ، دمشق : ١٤١٨هـ.

٢١٥ ـ المهروانيّات : يوسف بن محمّد المهرواني ، تحقيق : سعود بن عيد الجربوعي ، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، ١٤٢٢هـ.

٢١٦ ـ الموسوعة في أحاديث الإمام المهدي الضعيفة والموضوعة : عبد العليم عبد العظيم البستوي ، دار ابن حزم ، بيروت ، ١٤٢٠هـ.

٢١٧ ـ الموضوعات : عبد الرحمن بن علي الجوزي ، تحقيق : عبد الرحمن محمّد عثمان ، المكتبة السلفية ، المدينة ، ١٣٨٦هـ.

٢١٨ ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال : محمّد بن أحمد الذهبي ، تحقيق : علي محمّد البجاوي ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٣٨٢هـ.

٢١٩ ـ النجوم الزاهرة : يوسف بن تغري بردي ، وزارة الثقافة ـ دار الكتب ، مصر (دون تاريخ).

٨٣

٢٢٠ ـ النهاية في غريب الحديث والأثر : المبارك بن محمّد (ابن الأثير) ، تحقيق : الطاهر أحمد الزاوي ، محمود محمّد الطناحي ، مؤسّسة مطبوعاتي إسماعيليان ، ١٣٦٧ش.

٢٢١ ـ الوافي بالوفيات : صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي ، تحقيق : هلموت ريتر ، دار النشر فرانز شتاينر ، بيروت ، ١٤٠١ هـ.

٢٢٢ ـ الورّاقة والورّاقون في الإسلام : حبيب زيّات ، المطبعة الكاثوليكية ، بيروت ، ١٩٤٧هـ.

٢٢٣ ـ وفيات الأعيان : أحمد بن محمّد بن خلّكان ، تحقيق : إحسان عبّاس ، دار الفكر ، بيروت.

٨٤

المنهج الموسوعي في الفقه الإمامي

(الحدائق والجواهر أنموذجاً)

(٥)

الشيخ مهدي البرهاني

بسم الله الرحمن الرحيم

تناولنا في الأعداد السابقة المناهج الموسوعية الفقهية في المدرسة الإمامية ونبذة عن كتاب الحدائق ومؤلّفه وكتاب الجواهر ومؤلّفه ومعالم المدرسة الأخبارية وتطبيقات المنهج الموسوعي عند صاحب الحدائق والمعطيات الفقهية لتلك التطبيقات ومعالم المدرسة الأصولية وتطبيقات المنهج الموسوعي عند صاحب الجواهر والمعطيات الفقهية لتلك التطبيقات ونستأنف البحث هنا.

المبحث الثالث

المعطيات الفقهيّة لتلك التطبيقات

على الرغم من مضيّ ما يقارب القرنين على تأليف كتاب الجواهر فإنّه لايزال أحد أبرز المصنّفات الفقهية في المكتبة الشيعية الإمامية ، بل إنّه يحتلّ الصدارة من بينها على الإطلاق ، ولم يتسنَّ لأيّ مصدر من المصادر الفقهية حتّى اليوم أن يصادر بريق كتاب الجواهر وتوهّجه ، فإنّه لا يزال المصدر الأوّل والأوسع لدى الفقيه المستنبط ممّن تأخّر عنه بلا منازع ، إلى درجة قال معها الشيخ

٨٥

الأنصاري : «يكفي للمجتهد في أهبته وعدّة تحصيله نسخة من الجواهر وأخرى من الوسائل مع ما قد يحتاج إليه أحياناً من النظر في كتب الأوائل»(١). وقد نُقل عن السيّد الأعظم الإمام الحكيم في بداية رجوع الناس إليه في التقليد وقبل أن يؤلّف شيئاً من كتب الفتوى أنّه كان إذا ابتلي بمسألة يراجع الجواهر ويفتي حسب ما يتوصّل إليه نظره بمعونته ، وما ذاك إلاّ ثقة منه باشتمال هذا الكتاب على عمدة ما يحتاجه الفقيه في مقام الاستنباط(٢).

وعلى ضوء ما تقدّم في المبحث الثاني من هذا الفصل من الأمثلة التطبيقية المنقولة من الكتاب يسهل إبراز بعض المعطيات الفقهية التي يمكن استفادتها كطريقة واضحة ومنهجية متّبعة في تأليف كتاب الجواهر وإكمالها من خلال الاستشهاد لها ببعض الشواهد الأخرى أو ما يمكن أن تكون أمثلة متمّمة لها من مواضع متفرّقة من الكتاب ، لتكتمل بذلك الصورة وتتّضح الفكرة ويتبيّن الأمر بنحو أوضح وأدقّ وأكمل ، ويمكن تلخيص ذلك في ضمن مطالب ستّة :

المطلب الأوّل : استقراؤه للأخبار المروية في المسألة واعتبارها طبقاً للمدرسة الأصولية في الحديث :

إنّ ممّا تميّز به كتاب جواهر الكلام هو استقراءه شبه التامّ للأخبار الواردة في المسألة الفقهية المبحوث عنها ، استقراءً يصحّ أن يوصف بأنّه ميّز الكتاب عن أمثاله من أمّهات المصنّفات الموسوعية في الفقه الإمامي ، ويشمل استقراؤه

__________________

(١) انظر : أعيان الشيعة ٩ / ١٤٩.

(٢) تاريخ وتطوّر الفقه والأصول : ١٢٧.

٨٦

المذكور جميع تلك النصوص الروائية التي يمكن أن تكون لها الدلالة على الحكم الشرعي صراحة أو ظهوراً ـ بل حتّى إيماءً وإشعاراً ـ بالمنطوق أو المفهوم مطابقة أو تضمّناً ...

ومن هنا يُفسَّر نقده للبعض من المستنبطين بعدم إحاطتهم بالروايات إحاطة كافية في مقام استدلالاتهم على الأحكام ، وما استغرابه من صاحب الحدائق ـ مثلاً ـ المنكر لظهور النصوص الروائية في تجويز تخيير المصلّي في تعيين تكبيرة الإحرام من بين التكبيرات السبع إلاّ أحد مصاديق ما ذكر(١).

ويظهر أنّ الشيخ صاحب الجواهر كان يبذل غاية مكنته وقصارى جهده بحثاً عمّا يمكن أن يكون دالاًّ من الأخبار والروايات على حكم مسألة مباشرة أو ما يكون منها مؤيّداً ومقرّراً لسيرة عملية أو طريقة متّبعة ، سواء أكان بالرجوع إلى بطون المصنّفات الحديثية أم متون المؤلّفات الفقهية ، فإن لم يعثر على رواية نبّه لذلك ونوّه إليه ، ومثال ذلك ما تقدّم من نقده لابن أبي عقيل في دعواه تواتر الرواية والحال إنّه لم يعثر عليها بعد تتبّعه التامّ في شيء من كتب الأخبار(٢) ، وأيضاً ما جاء في مبحث الأذان من كتاب الصلاة : «وقد شاع في زماننا الأذان والإقامة خلف المسافر حتّى استعمله علماء العصر فعلاً وتقريراً ، إلاّ أنّي لم أجد به خبراً ولا مَن ذكره من الأصحاب»(٣).

__________________

(١) انظر : جواهر الكلام ٩ / ٣٥١.

(٢) انظر : المطلب الأوّل ، حكم الماء القليل.

(٣) جواهر الكلام ٩ / ٢٤٣ استحباب الأذان في غير الصلاة.

٨٧

والمعلوم من منهجية صاحب الجواهر أنّ الخبر وإن لم يكن صحيحاً ومعتبراً بل كان ضعيفاً أو مرسلاً فإنّه لا يعتني بضعفه ما دام قد عمل به الأصحاب وتلقّوه بقبولهم وأودعوه كتبهم ودوّنته أقلامهم ، والفخر في هذا إنّما يعود لنظرته الأصولية ، حيث يرى انجبار ضعف السند باشتهار العمل به فضلاً عن الإجماع ، ومع فرض جبره بما ذكر فإنّ له من الميزة ما تمنحه لأن يخصِّص العمومات التشريعية والمطلقات الفقهية ، بل هو حاكم على عامّ الكتاب ونحوه ممّا هو قطعيّ الصدور كالمتواتر من الأخبار كما سيأتي مزيد بيان لذلك ، ومثال ذلك مضافاً لما تقدّم ما جاء في مسألة القِران بين سورتين في ركعة واحدة قوله : «... ومن هنا حكَّمنا الخاصّ ولو بالآحاد على عامّ الكتاب ونحوه من المتواتر سنداً ، وإنّ التحقيق أنّه ليس من المخالفة للكتاب التي أُمرنا بطرح الخبر معها كما هو واضح من طريقة الأصحاب في سائر الأبواب»(١).

ولا يخفى أنّ نقله للروايات لم يكن يقتصر على مصادر الحديث المعروفة بل تخطّاها إلى غيرها من المصنّفات الحديثية ، بل تعدّى لأكثر من ذلك لما يشمل غير كتب الحديث والرواية ـ كما سيأتي التطرّق إليه ـ ما دام الخبر المنقول يمكن أن يكون مساهماً في تأسيس الفكرة الفقهية وإتمام استنتاجها أو توضيح مبهمها وتعيين إجمالها ، ولهذا شواهد كثيرة متفرّقة في مساحات واسعة من الكتاب قلّ أن يخلو منها بحث من بحوثه ومسألة من مسائله ، وعسى أن يكون منها ما رواه عن الكشّي ـ وهو كتاب رجاليّ ـ عن الصادق عليه‌السلام مستظهراً منه أفضلية الزواج من

__________________

(١) جواهر الكلام ٩ / ٥٨٩.

٨٨

التخلّي للعبادة(١) ، أو ما نقله عن تفسير مجمع البيان عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام من تفسير آية (وَالْمُسْتَغْفِرِيْنَ بِالأسْحَارِ)(٢) بالمصلّين وقت السحر(٣).

ولا بأس وفي نهاية الكلام في هذا المطلب المتعلّق بمجال الأخبار والأحاديث أن أشير إلى بعض آراء الشيخ وتحقيقاته الحديثية والرجالية المستوحاة من الكتاب والتي يستطيع أيّ باحث ملاحظتها بوضوح عند قراءته لموسوعته الفقهية جواهر الكلام.

آراؤه الحديثية :

ويجد الباحث في مطاوي هذه الموسوعة الفقهية تحقيقات وتعليقات في الحديث والرواية بُثّت في ثنايا الكتاب وما سُجِّل في هذه المسألة أو تلك يمكن أن يُقرأ من خلالها بعض آراء الشيخ وأفكاره في هذا الحقل العلمي ، وهذه المباحث من الأهمّية بمكان ، إذ أنّها لا تقلّ عن تلك المرتبطة بالرجال وكلّ ما يرتبط بأسانيد الروايات ورجالها ، كونها مصداقاً وحاكية عن السنّة الشريفة والتي تعتبر مع الكتاب الكريم أهمّ مصدرين أساسيّين للتشريع ، وأمثلة إفاداته الدرائية والتي تتناسب بالطبع ومنهجه الأصولي من أنّ حجّية الخبر لا تنحصر بالصحيح اصطلاحاً ، وإنّ وصف الرجاليّين للراوي بكونه ثقة يعني كونه إماميّ المذهب.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ / ٤٣.

(٢) آل عمران : ١٧.

(٣) جواهر الكلام ٧ / ٣١٩ أفضلية إيقاع صلاة الليل قريب الفجر.

٨٩

جاء في مناقشته للشهيد الثاني في موقفه من الروايات الواردة في حكم وطي الزوجة دبراً : «فمن الغريب ما في المسالك من الإطناب في المسألة ومناقشته في أدلّة الطرفين وخروجه عنها بلا حاصل ولا ترجيح ، قال : إنّ جميع الأخبار من الجانبين ليس فيها حديث صحيح فلذا أضربنا عن ذكرها. ثمّ حكى عن العلاّمة وصف خبَرَي ابن أبي يعفور وصفوان بالصحّة ، وناقش في الأوّل بأنّ معاوية بن حكيم وإن كان ثقة جليلاً إلاّ أنّ الكشّي قال : إنّه فطحيّ ، وفي الثاني بأنّ فيه علي بن الحكم وهو مشترك بين الثقة وغيره ... وفيه : أوّلاً : إنّ الحجّية غير منحصرة في الخبر الصحيح كما هو مفروغ عنه في الأصول ، وثانياً : إنّه لم يثبت فطحيّته لاحتمال التعدّد فيه ، على أنّ كلام الكشّي معارض بكلام النجاشي بعد تعارف إرادة الإمامي من إطلاق (ثقة) في كتب الرجال كما هو محرّر في محلّه»(١).

وفي موضع آخر من الكتاب ذكر رأياً حديثيّاً آخر ، وهو أنّ مجرّد ورود المدح في حقّ الراوي لايعني التوثيق بل غايته الحسن ، وهو غير الصحيح(٢).

كما أنّنا يمكن أن نُعِدَّ له من أبحاثه الحديثية مبناه القائل بحمل كلّ ما يدلّ من الأخبار بظاهره على الحرمة على الكراهة إن كان ضعيف السند ، كالنهي الوارد عن قراءة القرآن على الحائض(٣) ، وكذا ما هو ظاهر في الوجوب يحمل على

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ / ١٩٠.

(٢) جواهر الكلام ٤٠ / ٤٣ مسألة كيفية توريث النصراني لو مات وخلف أولاداً صغاراً وابن أخ وابن أخت.

(٣) جواهر الكلام ٣ / ٩٩.

٩٠

الاستحباب لنفس العلّة ، كالأمر الوارد بنزع الحذاء حال الصلاة على الجنازة(١) ، بل وكذا الكلام في كلّ ماعُلم صدوره من الأخبار تقيّة في وجوب أو تحريم ، فإنّ المصنّف نقل عن بعض مشايخه بحمل مثل هذه الأخبار على الاستحباب أو الكراهة. قال في هامش شرحه لمسألة ما يستحبّ الوضوء منه : «وهنا فائدة نافعة في المقام وغيره ، وهي أنّه قد ذكر بعض مشايخنا أنّ الخبر إذا عُلم خروجه مخرج التقيّة في وجوب أو تحريم يحكم من جهته بالاستحباب أو الكراهة ، وربّما الذي دعاه إلى ذلك حكم الأصحاب بالاستحباب في كثير من هذه المقامات مع كون أخبارها موافقة للعامّة»(٢).

كما أنّ له بعض التحقيقات عن بعض المصادر التي ينقل عنها ، منها الكتاب المعروف بـ : (الفقه الرضوي) ، ففي الوقت الذي نراه يستشهد به في كثير من المسائل الفقهية المتفرّقة من الكتاب نجده حيناً يستشكل في الاعتماد عليه كمصدر حديثيّ روائيّ كما في بحث المستحاضة(٣) ، بل ويصرّح في مواضع أخر بعدم حجّيته كما في مسألة كيفية تطهير البول بالماء الراكد(٤) ، أو يشير إلى السبب في توقّفه أو رفضه للحجّية صراحة أو إيماءً كما في هامش ذكره لمسألة أولوية

__________________

(١) جواهر الكلام ١٢ / ١٤٦.

(٢) جواهر الكلام ١ / ١٠٠.

(٣) جواهر الكلام ٣ / ٦٠٩ مسألة جواز تقديم الغسل للمستحاضة قبل الوقت في خصوص صلاة الليل. وكذا ٩ / ١١٣ حكم من شرع في الصلاة بدون أذان وإقامة.

(٤) جواهر الكلام ٦ / ٣١٣ ، قال عنه : أنّه ليس حجّة عندنا.

٩١

الهاشمي بالصلاة على الميّت(١).

آراؤه الرجالية :

ويعثر الباحث على آراء الشيخ وتحقيقاته في علم الرجال وما يتعلّق برواة الحديث ـ من توصيف وتوثيق وتضعيف وتحقيق حال وتشخيص هويّة وتعيين طبقة ـ هنا وهناك في مطاوي موسوعته الكبيرة جواهر الكلام ، ويمكن في هذا الصدد إعطاء بعض النماذج من خلال بعض الأمثلة ، فمثال جانب التعديل ما ورد من توثيقه للرواية لوجود صفوان بن يحيى الذي قيل فيه : إنّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح مرويّاته وإنّه لا يروي إلاّ عن ثقة(٢) ، ومن جانب التضعيف قدحه لتلك الروايات التي تنفي وجوب الطلب عند عدم الماء لمكان داود الرقّي والمعلّى بن محمّد وعلي بن سالم ، ناقلاً نصّ عبائر أئمّة الرجال أمثال الكشّي والنجاشي وابن الغضائري في تضعيفهم(٣) ، أو تضعيفه لخبر أبي مريم بصالح بن عقبة بسبب معروفيّته بالكذب(٤) ، ومثال ضبطه لحال بعض الرواة ما كان منه بحثاً في سند الرواية المشتمل على أبي بصير ، قائلاً : «وأمّا أبو بصير فالظاهر أنّه ليث

__________________

(١) جواهر الكلام ١٢ / ٤١ ، قال : والمحكي عن فقه الرضا الذي هو عين المحكي عن رسالة علي بن بابويه ...

(٢) جواهر الكلام ١ / ٢٢٦ حكم ماء الحمّام. وكذا توثيقه لابن أبي عمير والحسين بن سعيد لنفس النكتة كما في ٩ / ٦٩ حكم الأذان والإقامة لمن جاء قبل تفرّق الجماعة.

(٣) جواهر الكلام ٥ / ١٣٦ اعتبار عدم الماء في صحّة التيمّم.

(٤) جواهر الكلام ٩ / ٨١ إذا أذّن المنفرِد ثمّ أراد الجماعة.

٩٢

المرادي بقرينة رواية ابن مسكان عنه فإنّ الظاهر أنّ المراد منه عبد الله وهو يروي عن ليث ، مضافاً إلى أنّ عبد الله من أصحاب الإجماع فلا يلتفت إلى ما بعده ، ولعلّه لمعلومية حال أبي بصير عند العلاّمة لم يطعن في سند الرواية في المنتهى إلاّ بعثمان بن عيسى ، على أنّه ذكر الأستاذ الأكبر في حاشيته على المدارك أنّ أبا بصير مشترك بين ثلاثة كلّهم ثقات ، وعلى كلّ حال فلا ينبغي الطعن في سند الرواية»(١).

وأحياناً يتجاوز الأمر لمجرّد توثيق أو تضعيف ونحوهما إلى مناقشة البعض منهم في بعض متبنّياتهم الرجالية ، وخير مصداق لذلك اعتراضه على العلاّمة بسبب تضعيفه للرواية التي في سندها علي بن الحسن بن فضّال مع أنّه ذكر في كتابه الرجالي الخلاصة اعتماده على مرويّاته وإن كان فاسد المذهب(٢).

إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة في الكتاب والتي تطرّق المصنّف من خلالها إلى بعض تحقيقاته الرجالية(٣) ، وواضح أنّ اهتمامه بذلك إنّما هو نابع من أهمّية هذا العلم في عملية استنباط الأحكام الشرعية من السنّة الشريفة لدى الفكر الأصولي ، كونه يغربل صحيح الحديث عن سقيمه ومقبوله عن مردوده ، إذ ـ وكما

__________________

(١) جواهر الكلام ١ / ٣٤٩ تقدير الكرّ بحسب المسافة.

(٢) جواهر الكلام ١٧ / ٦٩٨ أقسام الاعتكاف.

(٣) انظر : جواهر الكلام ٢ / ٣٢ نقله عن الخلاصة توثيقه مروك بن عبيد ، و : ٦ / ١٥ توثيق يونس بن عبد الرحمن ، و : ١١ / ١٣ تضعيفه لمحمّد بن سنان وجهالة موسى بن عمران ، و : ٣٠ / ١٤٤ تصحيحه لرواية البزنطي لكونه من أصحاب الإجماع ، و : ٤٠ / ٤٣ تضعيفه لرواية مالك لاشتراكه بين الثقة والضعيف ... إلى غير ذلك من الموارد التي يصعب للمتتبّع حصرها.

٩٣

تقدّم ـ لا ترى المدرسة الأصولية قبول كلّ ما أودع في المصادر الحديثية المعروفة من أخبار من دون هذا التنقيب ، وذلك بخلاف ما كانت عليه مدرسة الأخباريّين.

المطلب الثاني : وفرة مصادر الكتاب ومراجعه وتنوّعها :

لعلّ أبرز ما يلاحظه الباحث لكتاب جواهر الكلام هو وفرة مصادر الكتاب ومراجعه ، ويبدو أنّ الشيخ النجفي بتتبّعه وملاحقته لهذه المصادر توفّر على أهمّها وأكثرها قيمة في حركة الفقه ، فقدّم إلى المكتبة الفقهية ما يستعين به الفقيه ويتزوّد به فضلاً عن أنّه مشروع شخصي قصد به التوفّر على مصدر دائم الحضور عنده حين يكون خارج النجف بعيداً عن مصادره الفقهية ، ويجد الباحث عدداً كبيراً وهائلاً من أسماء هذه المصادر على اختلاف أزمنة تأليفها وتصنيفها وعلى تنوّع مؤلّفيها ومدارسهم وانتماءاتهم الفكرية والفقهية ، ابتداءً بابن أبي عقيل وابن الجنيد والصدوقين والمفيد والشريف المرتضى وشيخ الطائفة ، مروراً بسلاّر وابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس والمحقّق الحلّي والعلاّمة وولده فخر المحقّقين والشهيدين الأوّل والثاني والسيّد العاملي والمقدّس الأردبيلي والمجلسيّين ، وانتهاءً بالطباطبائي بحر العلوم والوحيد البهبهاني والشيخ جعفر كاشف الغطاء.

ولم يقتصر التنوّع في مصادره على الكتب الفقهية فحسب بل تعدّى إلى مصادر أخرى لعلوم شتّى ، وهي متنوّعة بين مصدر أصولي وآخر رجالي وثالث في الحديث والرواية ورابع في التفسير والقراءة وخامس في اللغة والبلاغة وسادس في الكلام والعقيدة ... إلى غير ذلك من المصادر والمراجع التي لها

٩٤

الدخل مباشرة أو بالواسطة في تكوين النظرية الفقهية واستنباطها بكلّ ما لها من فروع وتشعّبات.

ومن ذلك استشهاده على بعض الأحكام من بعض ما ورد في كتب الأدعية ، مثل كتاب جنّة الأمان (المصباح) للكفعمي(١) ومصباح المتهجّد للشيخ الطوسي وفلاح السائل لابن طاووس(٢) والصحيفة السجّادية ، حيث استدلّ ببعض فقراتها على اشتراط وجوب صلاة الجمعة بحضور الإمام المعصوم قائلا : «وفي الصحيفة المعلوم أنّها من السجّاد في دعاء يوم الجمعة وثاني العيدين : (اللهمّ إنّ هذا المقام مقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها وأنت المقدّر لذلك) ... إلى أن قال : (حتّى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين يرون حكمك مبدّلاً) ... إلى أن قال : (اللهمّ العن أعداءهم من الأوّلين والآخرين ومن رضي بفعالهم وأشياعهم لعناً وبيلاً). وفيه مواضع للدلالة على المطلوب»(٣).

وأيضاً تطرّقه لكتب اللغة ومشتقّاتها ، كالمغرب للمطرزي والمقاييس لابن فارس وتهذيب اللغة للأزهري والمصباح للفيّومي والمحيط للصاحب بن عبّاد والقاموس للفيروزآبادي والمفردات للراغب الإصفهاني والطراز لابن معصوم

__________________

(١) استدلّ به على اعتبار المواظبة على الاستغفار والاستمرار عليه في صدق (المستغفرين بالأسحار) ٧ / ٦٣.

(٢) استدلّ بما روي فيهما عن هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام على كيفية نافلة الغفيلة ٧ / ٦٩.

(٣) جواهر الكلام ١١ / ٢٧١. وكذا استشهد بها في مبحث رجحان الاستسقاء عند ظهور الجدب ١٢ / ٢٣٨.

٩٥

والأساس كما الكشّاف للزمخشري الذي عبّر عنه بـ : «كشّاف رئيس علماء اللغة والبلاغة جار الله الزمخشري»(١) والمغني لابن هشام الذي وصفه بـ : (الفاضل المتبحّر)(٢) وكذا كتاب العين للخليل الفراهيدي الذي قال فيه : «إنّه الأصل في اللغة وعليه المعوّل والمرجع»(٣) ، والترمذي الذي قال عنه : «إنّه من أكابر أهل اللغة»(٤) ، وغير ذلك من الكتب التي تجدها متفرّقة في الكتاب ممّا يصعب حصرها وإن كان أحياناً يورد كثيراً منها في موضع واحد.

جاء في مبحث ما يجوز التيمّم به : «ويُجتَزأ به ـ الحجر ـ مطلقاً بناءً على تفسير الصعيد بوجه الأرض كما عن العين والمحيط والأساس والمفردات للراغب والسامي والخلاص والمغرب والمصباح المنير وعن ثعلب وابن الأعرابي والخليل ، بل عن المغرب وتهذيب اللغة والمقاييس ومجمع البيان عن الزجّاج أنّه لا يعلم فيه اختلافاً بين أهل اللغة ، وحكاه في المعتبر عن فضلاء أهل اللغة ، قال : ذكر ذلك الخليل وثعلب عن ابن الأعرابي»(٥).

وأحياناً لا يكتفي بمجرّد النقل عنهم والاستشهاد بأقوالهم بل يناقشهم وينقض بعض شواهدهم وينسبهم إلى الخطأ ، كقوله عن القاموس : «إنّه كثيراً ما

__________________

(١) جواهر الكلام ٧ / ٣٢٤ في تحديد وقت السحر.

(٢) جواهر الكلام ٧ / ١٣ في تحديد معنى الصلاة شرعاً.

(٣) جواهر الكلام ٧ / ٣٦٠ في تحديد آخر الليل شرعاً.

(٤) جواهر الكلام ١ / ١٧٠ في تفسير معنى الطهور وأنّه المطِّهر لغيره.

(٥) جواهر الكلام ٥ / ٢١٠.

٩٦

يخلط بين الحقيقة والمجاز واللغة والشرع»(١).

وأيضاً تطرّقه لأمّهات كتب التفسير والقراءة ضمن سرده للأدلّة على المسألة ، مثل كتاب التبيان لشيخ الطائفة ومجمع البيان كما جامع الجوامع للطبرسي والكشاف للزمخشري وتفسير القمّي ، ففي مسألة حكم وطي الحائض بمجرّد طهرها استدلّ على الجواز بمصادر عدّة ثمّ قال : «وعن ظاهر مجمع البيان والتبيان وأحكام الراوندي توقّف حلّية الوطي على غسل الفرج أو الوضوء ، بل في الأوّل إنّه مذهبنا»(٢).

وكذا النقل عن كلّ ما يسهم في الإضاءة للتوصّل إلى الحقيقة ممّا قد لايعدّ متعارفاً للفقهاء سرده ضمن مصادر الأدلّة وشواهدها على المسألة الشرعية ككتب الكلام والأخلاق والسيرة أمثال كتاب نهج البلاغة ومكارم الأخلاق وطبّ الأئمّة عليهم‌السلام ، بل حتّى استشهاده بشواهد شعرية تصلح أن تكون شاهداً لضبط كلمة أو تعيين مفردة أو بيان معنىً انصبّ عليه حكم شرعيّ معيّن(٣).

ولا يُعرف ما إذا كان المصنّف قد اعتمد على هذه المصادر بشكل مباشر ودونما واسطة ، لكن من المظنون قويّاً إنّه في الأغلب كان ينقل عنها بالواسطة ، بدليل تعبيره حين النقل عنها بـ : (المحكي) ، وهذه عبارة ذات دلالة علمية ومنهجية عند الفقهاء تعني أنّ الفقيه لم يرجع إلى المصدر بشكل مباشر وإنّما

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ / ٥ ، ذلك لتعريفه النكاح بالعقد والوطي معاً.

(٢) جواهر الكلام ٣ / ٣٧٠. وانظر أيضاً ٣٠ / ٤١و١٢٤ ، ٤٠ / ٢٣٠.

(٣) انظر جواهر الكلام ٧ / ٢٥٦ ، ٩ / ٢٦٣و٤١٤ ، ١٢ / ٢٣٩ ، ١٦ / ٤٣٥ ، ٣٠ / ١٦٣ ، ٣٦ / ٦٨.

٩٧

حُكي عنه ونقل ، ولكنّ هذا لا يعني أنّه لم يكن يراجع بعض تلك المصادر مباشرة ، إذ كان يحضره البعض منها كما يظهر من بعض كلماته في الكتاب(١).

ويلاحظ الباحث على شيخ الجواهر أنّه نقل نصوصاً عديدة من بعض المصادر من دون الإشارة إليها أو التنويه بمصادرها ، من ذلك ما ذكره في مبحث كراهة الصوم ندباً لمن دُعي إلى طعام قائلا : «ثمّ إنّ الحكمة في الإفطار ليست من حيث الأكل بل من حيث إجابة دعاء المؤمن وعدم ردّ قوله ، وإنّما يتحقّق الثواب على الإفطار مع قصد الطاعة به لذلك ونحوه من إدخال السرور وغيره لا بمجرّده ، لأنّه عبادة يتوقّف ثوابها على النيّة»(٢) ، فإنّه أخذه نصّاً ممّا ذكره الشهيد الثاني في الروضة(٣).

لكنّ هذه الملاحظة لا تقلّل من قيمة الكتاب ولا تصلح لأن تكون مطعناً فيه ، ذلك أنّ عادة الفقهاء جرت على الاقتباس من المراجع الأخرى ، وهو اقتباس لا يتعدّى العبارة إذا كانت العبارة وافية سالمة من الاعتراضات إلى حدٍّ ما.

كما أنّه أحياناً يُبرز أدلّة من تلقاء نفسه تصلح أن تكون شاهداً لما ذهب إليه بعض الفقهاء من أحكام أفتوا بها مجرّدة عن ذكر الدليل ، من ذلك ما جاء في كيفية تطهير الماء القليل من اعتبار الامتزاج بقوله : «وقد يستدلّ لهم بأنّه حيث يكون طاهراً ووُصِّل دخل تحت قوله عليه‌السلام : (إذا كان الماء قدر كرٍّ ... إلى آخره) بخلاف ما

__________________

(١) انظر جواهر الكلام ١ / ٥٨٧ قوله : ولقد نظرت فيما حضرني من كتب فلم أعثر على إجماع أو غيره ... ، و : ٦ / ٤٠٣ قوله : إنّ الموجود فيما حضرني من نسخة الوسائل ...

(٢) جواهر الكلام ١٧ / ٥٦٨.

(٣) الروضة البهية ٢ / ١٣١.

٩٨

إذا كان نجساً ، لاشتراط كون ذلك الماء طاهراً وإلاّ لم يكن وجه لقوله : لم ينجّسه شيء»(١).

المطلب الثالث : تتبّعه وسرده لأقوال الفقهاء :

يشتمل كتاب الجواهر ـ كما ظهر من بعض التطبيقات المتقدّمة ـ على أكثر الأقوال الواردة في المسألة الفقهية ، ذلك من خلال تتبّعها وملاحقتها ومن ثمّ تصنيفها ضمن مباحث وعناوين متفرّقة ، وهذه الخصوصية هي التي دعت الشيخ الأنصاري لأن يعدّه المرجع الفقهي الرئيس الذي يَستغني به الفقيه عمّا سواه من المراجع الفقهية الأخرى ، وإذا كان ثمّة عدد من المراجع الفقهية يتوفّر على هذه الخصّيصة مثل كتاب مفتاح الكرامة للسيّد العاملي فإنّه لم يبلغ ما بلغه الجواهر نظراً إلى الطابع التحقيقي الذي اتّصف به الكتاب ، ابتداءً من تحرير موضع النزاع وانتهاءً بإعطاء النتائج الفقهية ، بل إنّه اشتمل على فروض جديدة ومسائل غير محرّرة في كتب الأقدمين من الفقهاء بل ومعاصريه أيضاً ، ولو أتيح للقارئ لكتاب الجواهر متابعة الفروع الفقهية والمسائل والفروض على اختلافها تاريخيّاً لعثر على الكثير من تلك النتائج في هذا الحقل البكر الذي لم يشأ الباحثون الاهتمام به إلى الآن بشكل جادّ ، كلّ ذلك مع توخّيه غاية الدقّة في النقل لتلك الأقوال وسردها بطريقة ممنهجة ومفهرسة طبقاً للمسألة الفقهية التي يتعرّض لشرحها أو تلك التي يوردها من تلقاء نفسه.

__________________

(١) جواهر الكلام ١ / ٣٠٣.

٩٩

جاء في تعليق على تعريف المحقّق لدم الاستحاضة بأنّه في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بفتور ما نصّه :

«على ما يستفاد من مجموع النصوص والفتاوى في المقام وفي ذكر أوصاف الحيض ـ لظهور المقابلة في إرادة التميّز عنه ـ وإن اقتصر على الأوّلين في المصباح والذكرى وظاهر المعتبر وعن غيرها ، كخبر حفص عن الصادق عليه‌السلام : (دم الاستحاضة أصفر بارد) ... واقتصر على الثلاثة الأوَل في الوسيلة والنافع والمنتهى وعن التبيان وروض الجنان والمراسم والغنية والمهذب والكافي والإصباح ، واقتصر على الأربعة في القواعد والتحرير والبيان واللمعة والروضة وغيرها ، واقتصر على الأوّلين مع الرابع في المبسوط وإن عبّر فيه بأنّه لاتحسّ المرأة بخروجه ، واقتصر على الثاني والرابع في الهداية والفقيه ناقلاً له عن رسالة والده كما عن المقنع مع التعبير عن الرابع فيها بنحو ما في المبسوط أيضاً ، واقتصر على الثاني والثالث مع زيادة الصفاء في المقنعة ، لكن ينافيه جعل الأكدر غالباً أيضاً كالأصفر في الدروس وغيرها ، اللهمّ إلاّ أن يريد به الملازم للرقّة غالباً»(١).

وقد استطرد لنقل أقوال العلماء علماء الطائفة أخذاً من كتبهم الفقهية والتنصيص على تلك الكتب ـ كما هو الطابع العامّ في الكتاب ـ مع بيان مرادهم وشرح مقصودهم وتوضيح عبائرهم إن استوجب الأمر ، من ذلك توجيهه قول الفاضِلَين بعدم إبطال الفعل الكثير للصلاة إن وقع سهواً بقوله : «وليس مراد الفاضِلَين وغيرهما عدم البطلان بالكثير سهواً مع محو الصورة التي يسلب الاسم

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ / ٤٦٥.

١٠٠