البلدان

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]

البلدان

المؤلف:

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]


المحقق: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٦٠

رساتيقها ، فتأخذ صفوه وعذوبته وترسل كدره وأجنه [إلى البحر](١). هذا قليل من كثير وصفها ويسير من نعت جليلها.

قالوا : وأول طول السواد على ما حدّته ملوك فارس من قرية تعرف بالعلث على حدّ طسوج بزرجسابور من شرقي دجلة. وقرية في غربي دجلة مقابلتها تجري على حد طسوج مسكن. بينهما عرض دجلة إلى آخر الكورة المعروفة [٧٩ أ] ببهمن أردشير. وهي فرات البصرة إلى جزيرة منها متصلة بالبحر تعرف بميان روذان. وهو مائة فرسخ وخمسة وعشرون فرسخا ، وعرضه من عقبه حلوان إلى أن ينتهي إلى العذيب. وذلك ثمانون فرسخا يكون جملة ذلك مكسرا عشرة ألف فرسخ. والفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة. يكون بالذراع الهاشمية تسعة آلاف ذراع وهو مائة وخمسون أشلا. يكون ذلك في مثله اثنين وعشرين ألفا وخمسمائة جريب. هذا لكل فرسخ. فإذا ضربت في عشرة آلاف ، بلغت مائتي ألف ألف وعشرين ألف جريب. يسقط منها بالتخمين ، آكامها وآجامها وسباخها ومجاري أنهارها ومواضع مدنها وقراها ومدى ما بين طرقها الثلاث. فيبقى مائة ألف ألف وخمسون ألف ألف جريب. يراح منها النصف ويعمر النصف على ما فيها من الكرم والنخل والشجر والعمارة الدائمة المتصلة ، فيقع التخمين بالتقريب على كل جريب ، قيمة ما يلزمه للخراج درهمان وذلك أقل من العشر على أن يضرب بعض ما يوجد فيها من أصناف الغلات ببعض سوى خراج أهل الذمة وسوى الصدقة. فإن ذلك لا يدخل في الخراج. فيبلغ ذلك مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل.

وكانت غلات السواد تجري على المقاسمة في أيام ملوك فارس إلى أن ملك قباد بن فيروز فإنه مسحه وجعل على أهله الخراج. وكان السبب في ذلك أنه خرج ذات يوم متصيدا فانفرد من أصحابه في اتباع صيد طرده حتى وغل في شجر ملتف وغاب الصيد الذي تبعه عن بصره. فقصد إلى رابية يتشرّف عليها ، فإذا تحت الرابية قرية كبيرة. ونظر إلى بستان قريب منه فيه نخل ورمان وغير ذلك من أصناف

__________________

(١) تكملة من ياقوت (السواد).

٣٨١

الشجر ، وإذا امرأة واقفة على تنور تخبز ومعها صبي لها كلما غفلت عنه مضى إلى شجرة رمان مثمر ليتناول من رمانها وهي تمنعه من [٧٩ ب] ذلك ولا تتركه يأخذ شيئا منه. فلم تزل كذلك حتى فرغت من خبزها وجميع ما هي والصبي فيه بمشهد من الملك. فلما لحقه أصحابه ووزراؤه قصّ (١) عليهم ما رأى من المرأة والصبي ووجّه إليها من سألها عن السبب الذي لأجله منعت ولدها أن يتناول شيئا من الرمان. فقالت : إن للملك فيه حصة ولم يأتنا المستأدون (٢) بعد لقبضها وهي أمانة في أعناقنا لا يجوز أن نخونها ولا نتناول من جميع ما تحت أيدينا شيئا حتى يأخذ الملك حقه. فلما سمع قباد قولها أدركته الرقة عليها وعلى الرعية وقال لوزرائه : إن الرعية في شدة شديدة وسوء حال بما في أيديهم من غلاتهم لأنهم ممنوعون من الانتفاع بشيء من ذلك حتى يرد عليهم من يأخذ حقنا منهم. فهل عندكم حيلة نفرّج بها عنهم ما هم فيه؟ فقال بعض وزرائه : نعم. يأمر الملك بالمساحة عليهم ويلزم كل جريب من كل صنف بقدر ما يخص الملك من الغلة ليؤدوا ذلك إليه ، ويطلق أيديهم في غلاتهم. ويكون ذلك على قرب مخارج المير وبعدها من الممتارين. فأمر قباد بمساحة السواد والزم الرعية الخراج بعد حطيطة النفقة والمؤونة على العمارة والنفقة على كري الأنهار وسقاية الماء وإصلاح البريدات وان جميع ذلك على بيت المال. فبلغ خراج السواد في تلك السنة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل. فحسنت أحوال الناس ودعوا للملك بطول البقاء لما نالهم من العدل والرفاهية.

وكان (٣) أول ما يعدّ من السواد ، كورة استان خسروشاد فيروز ، وهي كورة حلوان ، خمسة طساسيج ، طسوج فيروز قباذ. طسوج الجبل. طسوج تامرا. طسوج أربل. طسوج خانقين الشرقي.

سقي دجلة وتامرا :

__________________

(١) في الأصل : قبض.

(٢) في ياقوت (السواد) المأذون.

(٣) يبدأ من هنا التطابق مع ما لدى ابن خرداذبه ص ٦.

٣٨٢

كورة استان شادهرمز ، سبعة طساسيج : طسوج بزرجسابور. طسوج نهر بوق. طسوج [٨٠ أ] كلواذى ونهر بين. طسوج جازر. طسوج المدينة العتيقة. طسوج راذان الأعلى والأسفل.

كورة استان قباذ : ثمانية طساسيج : طسوج روستقباد. طسوج مهروذ. طسوج سلسل. طسوج جلولاء وجللتا (١). طسوج الذنبين. طسوج البندنيجين. طسوج براز الروز. طسوج الدسكرة والرساتيق (٢).

كورة استان بازيجان (٣) : خمسة طساسيج : طسوج النهروان الأعلى. طسوج النهروان الأوسط. طسوج بادريا. طسوج باكسايا (٤).

سقي دجلة والفرات :

كورة استان شاذ شابور ـ وهي كسكر ـ أربعة طساسيج : طسوج الزندرود. طسوج البربون (٥). طسوج الاستان. طسوج الجواذر.

كورة استان شاذ بهمن ـ وهي كورة دجلة ـ أربعة طساسيج : طسوج بهمن أردشير. طسوج ميسان. طسوج دستميسان وهو الأبلّة. قال غيلان بن سلمة الثقفي :

ظلّت تحيد من الدجاج وصوته

وصريف باب بالأبلّة مغلق

وطسوج ابرقباذ.

وخراج كور دجلة ثمانية ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم.

سقي الفرات ودجيل :

كورة استان الكاليا ، أربعة طساسيج : طسوج فيروز شابور وهو الأنبار. وطسوج مسكن. قال ابن قيس الرقيات :

__________________

(١) في الأصل : جلولاء وجلولاء.

(٢) ابن خرداذبه ٦ : الرستاقين.

(٣) ابن خرداذبه ٦ : بازيجان خسرو.

(٤) هنا أربعة طساسيج بينما هي لدى ابن خرداذبه إضافة إلى ما ذكر أعلاه : طسوج النهروان الأسفل. طسوج إسكاف بني جنيد ونحوها. طسوج بادرايا. طسوج باكسايا.

(٥) كذا في الأصل وهي لدى ابن خرداذبه : الثرثور.

٣٨٣

إن الرزية يوم مسكن والمصيبة والفجيعة.

وطسوج قطربل. وطسوج بادوريا.

كورة استان أردشير بابكان ، خمسة طساسيج : طسوج بهرسير. طسوج الرومقان. طسوج كوثر (١). طسوج نهر درقيط. طسوج نهر جوبر.

كور استان رونق ماسيان (٢) ـ وهي الزوابي ـ ثلاثة طساسيج : طسوج الزاب الأعلى. طسوج الزاب الأوسط. طسوج الزاب الأسفل (٣).

كورة بهقباذ الأوسط ، أربعة طساسيج : طسوج الحبة [٨٠ ب] والبداة. طسوج سوراء وبرسيما. طسوج باروسيما. طسوج الملك.

كورة استان بهقباد الأسفل ، خمسة طساسيج : طسوج تستر. طسوج فرات بادقلى. طسوج السيلحين. طسوج روذستان. طسوج هرمز جرد (٤).

__________________

(١) ابن خرداذبه ٨ : كوثى.

(٢) ابن خرداذبه ٨ : كورة استان به ذيوماسفان.

(٣) يوجد لدى ابن خرداذبه هنا : كورة استان بهقباذ الأعلى وهي ستة طساسيج : طسوج بابل ، طسوج خطرنية ، طسوج الفلوجة العليا ، طسوج الفلوجة السفلى ، طسوج النهرين ، طسوج عين التمر.

(٤) توجد بعض الاختلافات مع ما هو موجود لدى ابن خرداذبه.

٣٨٤

تقدير السواد (١)

الجانب الغربي ، سقي دجلة والفرات :

اسم الطسوج

عدد

الرساتيق

عدد البيادر

كمية الحنطة

كمية الشعير

الورق

الأنبار

٥

٢٥٠

٢٣٠٠ كرّ

١٤٠٠ كرّ

٣٥٠٠٠٠

قطربل

١٠

٢٢٠

٢٠٠٠ كرّ

١٠٠٠ كر

٣٠٠٠٠٠ درهم

مسكن

٦

١٥٠

٣٠٠٠ كرّ

١٠٠٠ كر

١٥٠٠٠٠ درهم

بادوريا

١٠

٤٢٠

٣٥٠٠ كرّ

٢٠٠٠ كرّ

١٠٠٠٠٠ درهم

بهرسير

١٠

١٤٠

١٧٠٠ كر

١٧٠٠ كر

١٥٠٠٠٠ درهم

الرومقان

١٠

٢٤٠

١٣٠٠ كر

٣٠٥٠ كر

٥٠٠٠٤٠ درهم

كوثى

٩

٢١٠

٣٠٠٠ كر

٢٠٠٠ كر

١٥٠٠٠٠ درهم

نهر درقيط

٨

١٢٥

٢٠٠٠ كر

١٠٠٠ كر

٢٠٠٠٠٠ درهم

نهر جوبر

١٠

٢٢٦

٢٧٠٠ كر

١٠٠٠٠ كر

١٥٠٠٠٠ درهم

كورة الزوابي

٣ طساسيج

١٢

٢٤٤

١٤٠٠ كر

٧٢٠٠ كر

١٠٠٠٠٠٠ درهم

بابل وخطرنية

١٢

٣٧٠٠

٣٠٠٠ كر

٥٠٠٠ كر

٣٥٠٠٠٠ درهم

الفلوجة العليا

١٥

٢٤٠

٥٠٠ كر

٥٠٠ كر

٧٠٠٠٠ درهم

الفلوجة السفلى

٦

٩٢

٢٠٠٠ كر

٣٠٠٠ كر

١٨٠٠٠٠ درهم

طسوج النهرين

٣

١٨١

٣٠٠ كر

٤٠٠ كر

٤٥٠٠٠ درهم

عين التمر

٣

١٤

٣٠٠ كر

٤٠٠ كر

٤٥٠٠٠ درهم

الجبة والبداه

٨

٧١

١٢٠٠ كر

١٦٠٠ كر

١٥٠٠٠٠ درهم

سوراء وبرسيما

١٠

٢٥٠

٧٠٠ كر

١٤٠٠ كر

١٠٠٠٠٠ درهم

__________________

(١) توجد قائمة تقدير السواد هذه بكاملها لدى ابن خرداذبه ٨ ـ ١٤ وقد رسمناها بهيئة جداول تسهيلا للمطالعة وهي في الأصل ليست كذلك.

نشير إلى وجود بعض الاختلافات في أرقام كميات المحاصل بين ابن الفقيه وابن خرداذبه لعل سببها سهو النسّاخ. إضافة إلى اختلافات في طساسيج الجانب الشرقي.

٣٨٥

اسم الطسوج

عدد

الرساتيق

عدد البيادر

كمية الحنطة

كمية الشعير

الورق

باروسما ونهر الملك

١٠

٦٦٤

١٥٠٠ كر

٤٥٠٠ كر

٢٥٠٠٠٠ درهم

السيبان والموقوف :

ضياع جمعت من عدة طساسيج وصيرت ضيعة واحدة.

٥٠٠ كر

٥٥٠٠ كر

١٥٠٠٠٠ درهم

فهي أعظم قدرا من طسوجين وتقديرا لعشرة منها.

[٨١ ب]

فرات بادقلى

١٠

٢٧١

٢٠٠٠ كر

١٥٠٠ كر

٩٠٠٠٠٠ درهم

السيلحين وفيه الخورنق وطيزناباذ

٣٤

١٠٠٠ كر

١٥٠٠ كر

١٤٠٠٠٠ درهم

روزمستان وهرمزجرد

٥٠٠ كر

١٠٠٠٠ درهم

تستر

٧

١٦٣

١٢٥٠ كر

الشعير والأرز ١٠٠٠ كر

٣٠٠٠٠٠٠ درهم

ايغار يقطين من عدة طساسيج

٢٠٤٨٤٠ درهم

سقي دجلة والفرات :

كور كسكر ومنها :

نهر الصلة وبرقة والريّان

٣٠٠٠ كر

الشعير والأرز ٢٠٠٠٠ كر

٢٠٠٠٠٠ درهم

وكان يرتفع من خراجها وسائر أبواب مالها سبعون ألف درهم

٣٨٦

الجانب الشرقي :

اسم الطسوج

عدد

الرساتيق

عدد البيادر

كمية الحنطة

كمية الشعير

الورق

بزرجسابور

٩

٢٦٠

٢٥٠٠ كر

٢٠٠٠ كر

٣٠٠٠٠٠ درهم

الراذانين

١٦

٣٦٢

٤٨٠٠ كر

١٠٠٠ كر

١٠٠٠٠٠ درهم

طسوجا كلواذى ونهربين

٣

٣٤

١٦٠٠ كر

١٥٠٠ كر

١٠٣٠ درهم

[٨٢ أ]

طسوجا جازر

والمدينة العتيقة

٧

١١٨

١٠٠٠ كر

١٥٠٠ كر

١٧٠٠٠٠ درهم

طسوجا مهرود وسلسل

٢٠٠٠ كر

٢٥٠٠ كر

٢٥٠٠٠٠ درهم

جلولاء وجلولاء

٥

٦٦

١٠٠٠ كر

١٠٠٠ كر

١٠٠٠٠٠ درهم

الذنبين

٤

٢٣٠

٧٠٠ كر

١٣٠٠ كر

٤٠٠٠٠ درهم

الدسكرة والرساتيق

٧

٤٤

٢٠٠٠ كر

٢٠٠٠ كر

٧٠٠٠٠ درهم

براز الروز

٧

٨٦

٣٠٠٠ كر

٥٠٠٠ كر

١٢٠٠٠٠ درهم

البندنيجين

٥

٥٤

٦٠٠ كر

٥٠٠ كر

١٠٠٠٠٠ درهم

النهروانات

٢١

٣٨٠

أ ـ النهروان الأعلى

٢٧٠٠ كر

١٨٠٠ كر

٣٥٠٠٠٠ درهم

ب ـ النهروان الأوسط

١٠٠٠ كر

٥٠٠ كر

١٠٠٠٠٠ درهم

ج ـ النهروان الأسفل

١٠٠٠ كر

١١٠٠ كر

١٥٠٠٠٠ درهم

بادرايا وباكسايا

٤٧٠٠ كر

٥٠٠٠ كر

٣٣٠٠٠٠ درهم

[٨٢ ب]

كور استان شاد فيروز. وهي حلوان ووظيفتها مع الجابارقة وغيرهم من الأكراد [من الورق] ألف ألف وثمانمائة ألف

٣٨٧

درهم (١).

وكانت هيت وعانات مضافة إلى طسوج الأنبار. فلما ملك أنوشروان بلغه أن طوائف من الأعراب يعبرون على ما قرب من السواد إلى البادية. فأمر بتجديد سور مدينة تعرف بالليس (٢) كان شابور ذو الأكتاف بناها وجعلها مسلحة لحفظ ما قرب من البادية. وأمر بحفر خندق من هيت يشق طفّ البادية إلى كاظمة مما يلي البصرة وينفذ إلى البحر. وبنى عليه المناظر والجواسق ونظّمه بالمسالح ليكون ذلك مانعا لأهل البادية عن السواد. فخرجت هيت وعانات بسبب ذلك السور عن طسوج شادفيروزان ، لأن عانات كانت قرى مضمومة إلى هيت.

ووجد في بعض كتب الفرس أن ملوك الأرض قسموا الأرض أربعة أجزاء فجزء منها مغارب الهند وأرض الترك إلى مشارق الروم. وجزء منها الروم ومغاربها وأرض القبط والبربر. وجزء منها أرض السودان وهو بين أرض البربر إلى الهند. وجزء منها من نهر بلخ إلى آذربيجان وارمينية القادسية وإلى الفرات ثم برية العرب إلى عمان وإلى كرمان وأرض طبرستان وإلى كابل وطخارستان ، وهي الأرض التي سمتها الفرس بلاد الخاضعين. وهذا الجزء هو صفوة الأرض ووسطها لا يلحقه عيب ولا يناله تقصير. ولذلك اعتدلت ألوان أهله واقتدرت أجسامهم ، فسلموا من شقرة الروم والصقالبة ، وسواد الحبشة والزنج ، وغلظ الترك ، ودمامة الصين. واجتمعت فيهم محاسن جميع الأقطار ، وكل (٣) ما اعتدلوا في الحلية كذلك لطفوا في الفطنة والتمسك بمحاسن الأمور وشريف الأخلاق.

ولم تزل طساسيج [٨٣ أ] السواد على العدة التي ذكرنا حتى قدم الحجاج بن يوسف واليا على العراق ، وكان كاتبه القادم معه والمتولي لأمره ، صالح بن عبد الرحمن. فقال له الحجاج : التمس كاتبا ناصحا من الفرس عالما بكتابتهم يعمل الحساب. فوجد رجلا يقال له زاذانفروخ بن بيري فقلّده أمر الديوان. فلم يكن

__________________

(١) إلى هنا ينتهي التطابق بين ابن الفقيه وابن خرداذبه وما بين عضادتين هو من ابن خرداذبه.

(٢) ياقوت ١ : ٥٩٥ (مادة عانة) : ألوس.

(٣) يبدو أن صوابها : وكما.

٣٨٨

صالح وأصحابه يهتدون إلى العمل. وكان زاذانفروخ وكتّابه يعملون الحساب بالفارسية ، فشكا صالح ذلك إلى الحجاج وعرّفه أنه في غير شيء مع زاذانفروخ. فأمر الحجاج زاذانفروخ أن يتجشم له نقل الدواوين من اللسان الفارسي إلى اللسان العربي ، ففعل ذلك وميّز النواحي وكوّر الكور. فرسم طساسيج السواد. فكان ما رسم من ذلك أن جعل السواد عشر كور. كل كورة استان وطساسيجه ستون طسوجا. وقد ذكرنا ذلك في موضعه. فلما فعل هذا ونقله إلى العربية ، تصرف صالح وأصحابه فيه ووقفوا عليه.

وكان بناحية كسكر مدينة عظيمة كثيرة الأهل ، فخرج أهلها في الزمن الأول حذرا من الطاعون إلى بعض المواضع ، فهلكوا كلهم وخربت وبقي فيها بيت أصنامهم ، فبنته النصارى عمرا وسمته بنينس. ورسوم هذه المدينة وآثار سورها ثابت إلى اليوم ولم يدرس.

ومن ذلك خسرو شابور وساباط بناهما شابور.

ومن ذلك شهراباد وهي مدينة إبراهيم الخليل عليه السلام. وكانت مدينة عظيمة جليلة القدر راكبة البحر. فنضب البحر عنها وانحبس ماؤه ، فبطلت. وموضع مجراه وسمته معروف إلى اليوم.

قال : وكانت بالقرب منها أيضا مدينة كبيرة جليلة تسمى شالها. فخربتها إياد لأنها كانت تغير عليها. ويقال إن إيادا وغيرهم من العرب غلبوا عليها وملكوها في أيام سابور وخلعوا [٨٣ ب] طاعته ونابذوه الحرب ، وانتصروا بملك الروم وأطمعوه في مملكة فارس فأمدّهم بمراكب في البحر فيها مقاتلة ، واتصل الخبر بسابور فرحل إليها وأقام عليها حتى فتحها فقتل فيها مائتي ألف رجل وأخربها وجمع النساء والذراري والمشايخ فأسكنهم مدينة بناها يقال لها الهفّة ونهى الرعية عن مخالطتهم ومناكحتهم. وتقدم أن لا تدخل العرب من البدو إلى الحضر فمن دخل بغير جواز قتل.

قال : وكل من سخط عليه ملوك فارس نفته إلى هذه المدينة ووسمتها بالنفي

٣٨٩

واللعن. وسمتها النبط هفاطرناي. وآثار سورها بينة لم تدرس. وكان بقربها أيضا عدة مدن منها دورى الزندورد. وفيها الليس ومنها دار سابور والهكة والهعة التي بناها سابور وجعلها لمن ينفى.

ويقال : إن حدّ كورة كسكر من الجانب الشرقي في آخر سقي النهروان إلى أن يصب في البحر. وان المبارك وعبدسي والمذار. وتعيا وميسان ودستميسان وآجام البريد من كسكر. وان العرب فرقتها حيث مصرّت البصرة وكذلك إسكاف العليا والسفلى ونفر وسمر وبهندف وقرقوب. كل هذا منها.

وقال المدائني : أول من مسح الأرض ووضع الدواوين وحدّ حدود الخراج والوظائف ، قباذ. فصيّر ديوان الخراج بحلوان وسماه ديوان العدل. فكان كل شيء يجبى في مملكة الفرس من السواد مائة ألف ألف درهم مثاقيل. وذلك أن الملك كان يأخذ نصف الخراج ويترك النصف للناس فتصلح أحوالهم. إلى أن كانت أيام قباذ فإنه جبى السواد مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف مثاقيل.

وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يمسح السواد وطوله من العلث في الجانب الشرقي ومن حربى في الجانب الغربي مادا إلى عبادان (١). وهو مائة وعشرون فرسخا ، وعرضه [٨٤ أ] من عقبة حلوان إلى العذيب ، وهو ثمانون فرسخا. فكان ذلك بعد أن أخرج عنه الجبال والأودية والأنهار ومواضع المدن والقرى ، ستة وثلاثين ألف ألف جريب. فوضع على جريب الحنطة أربعة دراهم ، وعلى جريب الشعير درهمين ، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم. وعلى جريب الكرم والرطاب ستة دراهم. وختم الجزية على ستمائة ألف إنسان ، وجعلها طبقات : الطبقة العالية ، ثمانية وأربعون درهما. والوسطى أربعة عشرون درهما. والسفلى اثنا عشر درهما. فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف درهم.

__________________

(١) في الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ص ٢٠٤ (أوله في شرقي دجلة : العلث ـ وعن غربيها حربى ـ ثم يمتد إلى آخر أعمال البصرة من جزيرة عبادان).

٣٩٠

وجباه عمر بن عبد العزيز مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم. وجباه الحجاج بن يوسف على غشمه وظلمه وعسفه وخرقه ثمانية عشر ألف ألف. فقط : وأسلف الفلاحين للعمارة ألفي ألف. فحصل له ستة عشر ألف ألف. ومنع أهل السواد لما شكوا إليه خراب بلدهم من ذبح البقر لتكثر العمارة ، فقال الشاعر :

شكونا إليه خراب السواد

فحرّم جهلا لحوم البقر

وكان خراج العراق أيام زياد مائة ألف ألف وخمسة وعشرين ألف ألف درهم. وأيام عبيد الله بن زياد أكثر منه أيام زياد بعشرين ألف ألف. وكان في أيام ابن هبيرة مائة ألف ألف سوى طعام الجند وأرزاق الفعلة الذين يكونون في العسكر.

وأحصى كسرى أبرويز خراج مملكته في سنة ثماني عشرة من ملكه ، أربعمائة ألف ألف وعشرون ألف ألف درهم. ثم زاد خراجه بعد ذلك.

وذكر بعض كتاب الفرس : إن العراق كان يجبى في أيام أنوشروان (١) ستمائة ألف ألف مثقال. وزعم أنه جبي في آخر أيام أبرويز تسعمائة ألف ألف مثقال وترك في أيدي الناس [٨٤ ب] كلهم من جميع غلّاتهم مائة ألف ألف. فهلك الناس حتى ان الجارية النفيسة كانت تباع بدرهم.

وجبى بعض أمراء خراسان خراسان ثمانية وعشرين ألف ألف مثقال.

وجبى الجنيد بن عبد الرحمن أرض الهند خمسة وعشرين ألف ألف مثقال.

وكانت جباية البصرة خمسة وسبعين ألف ألف درهم.

وأرض الكوفة خمسة وعشرين ألف ألف درهم.

وكان يوسف بن عمر الثقفي يحمل من خراج العراق ما بين ستين ألف ألف وسبعين ألف ألف. ويحتسب بعطاء من قبله من جند الشام بستة عشر ألف ألف

__________________

(١) المعلومات المتعلقة بجباية السواد أعلاه موجودة لدى ابن خرداذبه ١٤ ـ ١٥ باستثناء المعلومات المتعلقة بجبايته على عهد زياد وابن عبيد الله وابن هبيرة.

٣٩١

وفي نفقة البريد أربعة ألف ألف وفي الطراز ألفي ألف. وفي الطراز ألفي ألف. ويبقى في بيت المال للأحداث والبوائق عشرة ألف ألف درهم.

وقال المدائني : كانت ميسان ودستميسان في ديوان حلوان من تعديل قباد تؤدي أربعة ألف ألف. وابر قباد تسعة ألف ألف. وكان يؤخذ من البر والشعير والأرز الخمس ولا يؤخذ من سائر الحبوب شيء. وكان يؤخذ من كل أربع وعشرين نخلة درهم. ومن كل سبعة عشر فارسي درهم.

وقال بعض الجلساء سمعت المعتز يقول لأحمد بن إسرائيل : يا أحمد! كم خراج الروم؟ فقال : يا أمير المؤمنين! خرجنا مع جدك المعتصم في غزاته. فلما توسطنا بلد الروم ، صار إلينا بسيل الخرشني وكان على خراج الروم. فسأله محمد بن عبد الملك عن مبلغ خراج بلدهم ، فقال : خمسمائة قنطار وكذا وكذا قنطار. قال : فحسبنا ذلك ، فإذا هو أقل من ثلاثة ألف ألف دينار. فقال المعتصم : اكتب إلى ملك الروم اني سألت صاحبك عن خراج أرضك فذكر أنه كذا وكذا ، وأخس ناحية في مملكتي خراجها أكثر من خراج أرضك ، فكيف تنابذني وهذا ارتفاع بلدك؟ فضحك المعتز وقال : من يلومني على حب أحمد بن إسرائيل ، ما سألته قط عن شيء إلّا جاءني بقصة.

وقال عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان : قال السواد ألف ألف ألف درهم [٨٥ أ] ما نقص مما في يد السلطان منه ، فهو في يد الرعية. وما نقص من يد الرعية فهو في بيت مال السلطان.

وقال الهيثم بن عدي : لم يكن بفارس كورة أهلها أقوى من أهل كورتين : كورة سهلية وكورة جبلية. أما السهلية فكسكر وأما الجبلية فأصبهان. وكان خراج كل واحدة منهما اثني عشر ألف ألف مثقال.

ولم يكن بالعراق كورة مثل جوخى. كان خراجها ثمانين ألف ألف درهم حتى صرفت دجلة عن جوخى فخربت وأصابهم بعد ذلك طاعون شيرويه فأتى

٣٩٢

عليهم. ولم يزل السواد في ادبار منذ كان طاعون شيرويه. ولم تزل فارس في ادبار منذ كان ذلك الطاعون.

وكان المعروف بأبي الوزير الكاتب عمل تقديرا للدنيا وعرضه على يحيى بن خالد البرمكي في خلافة الهادي سنة سبعين ومائة. قال : أثمان الغلّات بالسواد ستة وثمانين ألف ألف وسبعمائة ألف وثمانين ألف درهم.

ومن أبواب المال به أيضا أربعة ألف ألف وثمانمائة ألف درهم ومن الحلل البحرانية مائتا حلة. ومن الطين الأسود الأنباري ما يفرق في الدواوين مائتان وأربعون حملا.

كسكر ، من الورق أحد عشر ألف ألف وستمائة ألف درهم.

كور دجلة : من الورق عشرون ألف ألف وثمانمائة ألف درهم.

حلوان أربعة ألف ألف وثمانمائة درهم.

الأهواز خمسة وعشرون ألف ألف درهم. ومن صنوف السكّر ثلاثمائة ألف رطل.

فارس : سبعة وعشرون ألف ألف درهم. ومن ماء الورد ثلاثمائة ألف قارورة. ومن ماء الزبيب والميبة وغير ذلك من الأشربة عشرون ومائة ألف رطل. ومن السفرجل مائة ألف سفرجلة. ومن الرمان مثل ذلك. ومن الزبيب الفارسي بالكر الهاشمي سبعة أكرار. ومن السكنجبين ، خمسة ألف رطل. ومن الطين السيرافي خمسة ألف رطل.

كرمان : من الورق ، أربعة ألف ألف ومائتا ألف درهم. ومن الثياب البمية والخبيصية [٨٥ ب] وتسعون ألف دينار (١).

فلسطين : ثلاثمائة ألف وستون ألف دينار.

ومن جميع أجناد الشام : من الزيت خمسمائة ألف رطل. ومن التفاح ، مائتا

__________________

(١) إما أن يكون هنا قطع في الحديث أو أن الواو زائدة.

٣٩٣

ألف تفاحة. ومن التين ، عشرة ألف منّا. ومن الخروب ، ثلاثون ألف رطل.

مصر سوى تنيس ودمياط والأشمونين فإن مال هذه الكورة مصروف إلى شري الخيل والنفقة على الطرز ثلاثة ألف ألف وتسعمائة ألف وأربعون ألف دينار. ومن أنواع الثياب الدبيقي والقصب وغير ذلك عشرون ألف ثوب.

الإسكندرية : ألف ألف وثمانمائة ألف درهم.

برقة : ألف ألف درهم.

إفريقية : ثلاثة عشر ألف ألف درهم. ومن البسط الكبار خمسمائة بساط ومن الزيت مائة ألف مائة ألف رطل.

مكة والمدينة : ثلاثمائة ألف دينار وسبعون ألف دينار. ومن التمر الصيحاني ، ألف رطل. ومن الصاح (١) خمسين رطلا. السمن والعين ثمانمائة وسبعون ألف دينار. ومن العنبر ثمانون رطلا. ومن أصناف الحلل وغيرها من الثياب أربعة ألف ثوب. ومن الورس خمسة ألف رطل. ومن الزبيب خمسمائة قفيز.

اليمامة والبحرين وعمان وسيراف : من الورق ثلاثة ألف ألف درهم. ومن الثياب الصحارية ، خمسمائة ثوب ومن التمر اليماني (٢) مائتا ألف رطل.

حوالي الكوفة والبصرة ومدينة السلام وما بين الماصرين (٣) : من الورق ، ألف ألف وثلاثمائة ألف وسبعون ألف درهم.

ولم يثبت في هذا التقدير قزوين لأنها تفرقت في الكور.

__________________

(١) كذا في الأصل بدون تنقيط. أما الصيحاني فهو ضرب من تمر المدينة أسود صلب الممضغة (لسان العرب ، صيح).

(٢) لعلها : اليمامي.

(٣) لعلها : ما بين المصرين.

٣٩٤

القول في الأهواز

قال المغيرة بن سليمان : أرض الأهواز نحاس تنبت الذهب ، وأرض البصرة تنبت النحاس.

قال ابن المقفع : أول سور وضع في الأرض بعد الطوفان سور السوس وتستر. ولا يدرى من بنى سور السوس وتستر والأبلّة.

وقال ابن المنذر : السوس من بناء سام بن نوح. فأما تستر فبعض الناس [٨٦ أ] يجعلها من الأهواز ، ومنهم من يجعلها من أرض البصرة.

وقال ابن عون مولى المسور : حضرت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد اختصم إليه أهل الكوفة وأهل البصرة في تستر [وكانوا] حضروا فتحها. فقال أهل الكوفة : من أرضنا. وقال أهل البصرة : بل من أرضنا. فجعلها عمر من أرض البصرة.

والأهواز هي سوق الأهواز ورامهرمز وايذج وعسكر مكرم وتستر وجنديسابور والسوس وسرّق ونهر تيرى ومناذر (١).

وخراج الأهواز ثلاثون ألف ألف درهم. وكانت الفرس تقسط على خوزستان ـ وهي الأهواز ـ خمسين ألف ألف درهم مثاقيل.

وبنى سابور بالأهواز مدينتين ، سمى أحدهما باسم الله تعالى ، والأخرى باسم نفسه وجمعهما باسم واحد وهي هرمزدارشير. وسمتها العرب سوق الأهواز.

__________________

(١) ابن خرداذبه ٤٢ (وسرق ـ وهي دورق ـ ونهر تيرى ومناذر الكبرى ومناذر الصغرى).

٣٩٥

وبنى جنديسابور وكانت غيضة. فمرّ بها واكار الحرث [يحرث] أرضا بالقرب منها. فقال له سابور : إني أريد أن أبني في هذا الموضع مدينة. فقال الأكار وكان شيخا كبيرا وكان اسمه بيل يعجب من قول : إن جاء مني كاتبا جاء في هذا الموضع مدينة (١). فقال شابور : والله ما يتولى بناءها والنفقة عليها غيرك. ثم أمر بحمل الشيخ ، فحمل وأمر بحلق رأسه ولحيته كي لا يشتغل عن التعليم ، وضمّ إليه معلما وأخذه بتعليمه. وأمر بقطع الخشب من الغيضة ، فقطع.

ومهر الشيخ في الكتابة وحذقها وعرف جميع أمورها في سنة. فلما بلغ من ذلك غاية ما يحتاج إليه أدخله المعلم إلى سابور وعرّفه أمره وأنه قد بلغ النهاية في الكتابة. فضحك شابور وقال له : يا بيل! تعلمت الكتابة؟ قال : نعم. قال : اذهب. فقد قلدتك نفقات المدينة. وأمره أن يقوم على الفعلة. فبنى جنديسابور.

فلما فرغ منها ، نظر إلى بعض جوانبها يكره عليه من السيل. فنقضه وبناه بالآجر والكلس وبنى باقيها باللبن. فأهل الأهواز يسمون جنديسابور بيلاباد. باسم الشيخ الذي تولى بناءها والنفقة عليها.

وفي ملك سابور بن أردشير ظهر ماني [٨٦ ب] صاحب الزنادقة. فدعا شابور إلى مذهبه فما زال يسوّفه ويماطله حتى استخرج ما عنده فوجده داعية للشيطان. فأمر به فسلخ جلده وحشي تبنا وعلق على باب مدينة جنديسابور. فالباب إلى الساعة يسمى باب الماني. والزنادقة تحج إليه وتعظم ذلك الموضع.

ويقال إن معنى نيسابور وسابور خواست وجنديسابور ، إن أصحاب نيسابور لما فقدوه لقول المنجمين له أنك تشقى سبع سنين ، خرج هاربا يسيح في الأرض. وخرج أصحابه يطلبونه فبلغوا نيسابور فطلبوه هناك فلم يجدوه فقالوا : نيست سابور أي ليس سابور. ثم وقع إلى سابور خواست فقالوا : سابور خواست. أي طلب سابور هناك. ثم وقعوا عليه بجنديسابور فقالوا : وندذ سابور أي وجد الملك. وبنى أردشير مدينة سوق الأهواز

__________________

(١) كذا وردت العبارة في الأصل.

٣٩٦

قال الهيثم بن عدي : أردشير خوره حفر المسرقان ودجيل وأنهار خوزستان السبع وهي سرّق ورامهرمز من سوق الأهواز والشوش وجنديسابور ومناذر ونهر تيرى.

ويقال : لا بناء بالحجارة ولا أبهى من شاذروان تستر ، لأنه بالصخر وأعمدة الحديد وملاط الرصاص.

ومخرج دجيل الأهواز من أرض إصبهان ويصب في بحر الشرقي.

وقالوا : من أقام بالأهواز حولا ثم تفقد عقله وجد النقصان فيه بيّنا. فأما قصبة الأهواز فنقلت كل من نزلها من بني هاشم وأشراف الناس إلى طبيعتها. ولا بدّ للهاشمي قبيح الوجه كان أم حسنا من أن يكون لوجهه وشمائله طبع به من جميع قريش وجميع العرب. فلقد كادت الأهواز أن تنقل ذلك وتبدله ولقد تحيّفته (١). وأدخلت الضيم عليه وبينت أثرها عليه. فما ظنك بصنيعها في سائر الأجناس؟

ولفساد عقولهم ولؤم طبع بلادهم ، لا تراهم مع تلك الأموال الكثيرة والضياع النفيسة يحبون من البنين والبنات ما يحبه أوساط أهل الأمصار في الثروة واليسار ، وإن طال ذلك والمال منبهة كما يعلم الناس.

وقد يكتسب الرجل : من غيرهم [٨٧ أ] المويل اليسير فلا يرضى لولده [حتى يفرض] له المؤدبين والحرص له على الأدب بالخطر النفيس فيما يقدر عليه. والخوزي بخلاف ذلك كله. فإنه إذا ترعرع ولده وكبر وعقل شغّله بالغربة وأبلاه بالأسفار والكسب. فهو من بلد إلى بلد ومن مدينة إلى أخرى. وليست في الأرض صناعة مذكورة ولا أدب شريف ولا مذهب محمود لهم في شيء منه نصيب وان خسؤ وقلّ ودقّ وجل. ولم ير فيها وجنة حمراء لصبي ولا صبية ولا دما ظاهرا ولا قريبا [من ذلك] وهي قتالة للغرباء وعلى ان حمّاها خاصة ليست إلى الغريب بأسرع

__________________

(١) في الأصل : لحقيقة ولا معنى لها. وفي الحيوان تخيفته (بالخاء) والصواب ما أثبتناه. وفي أساس البلاغة (تحيفت الشيء : أخذت من حافاته وتنقّصته. وتحيّفتهم السنة).

٣٩٧

منها إلى القريب. ووباؤها وحمّاها في وقت انكشاف الوباء ونزوع الحمى من جميع [البلدان]. وكل محموم في الأرض فإن حمّاها لا تنزع عنه ولا تفارقه وفي بدنه منها بقية. فإذا نزعت فقد وجد في نفسه منها البراءة إلى أن تعود بما يجتمع في بدنه من الأخلاط الرديئة. وليست كذلك الأهواز ، لأنها تعاود من نزعت عنه من غير حدث لأنهم ليس يؤتون من قبل التخم وللإكثار من الأكل وإنما يؤتون من عين البلدة. وكذلك جمعت سوق الأهواز الأفاعي في جبلها الطاعن (١) في منازلها المطل عليها والجرارات في بيوتها ومقابرها. ولو كان في العالم شيء هو شر من الأفاعي والجرارات لما قصرت قصبة الأهواز عن توليده وتلقيحه. ومن بلّيتها ان من ورائها سباخا ومناقع مياه غليظة وفيها أنهار تشقها مسائل كنفهم ومياه أمطارهم ومتوضآتهم. فإذا طلعت الشمس فطال مقامها وطالت مقابلتها لذلك الجبل قبل بالصخرية التي فيه تلك الجرارات. فإذا امتلأت يبسا وحرّا وعادت جمرة واحدة ، قذفت ما قبلت من ذلك عليهم وقد بخرت تلك السباخ والأنهار. فإذا التقى عليهم ما انجرّ من تلك السباخ وما قذفه ذلك الجبل ، فسد الهواء ، ففسد بفساده كل شيء يشتمل عليه ذلك الهواء.

وخبر إبراهيم بن العباس بن محمد (٢) عن مشيخة من أهل الأهواز عن القوابل انهنّ ربما قبلن الطفل المولود فيجدنه في تلك الساعة محموما [٨٧ ب] يعرفون ذلك ويتحدثون به (٣).

ولقد أخبرني به زيد بن محمد وكان صدوقا وكان أقام بالأهواز حولا وحري

__________________

(١) في الأصل : الطاغي ولا معنى له. والطاعن أي الداخل (لسان العرب) إذ أراد القول إن منازل الأهواز داخلة في جبلها. ومن الممكن أن تكون الظاعن وهو نفس المعنى. وقد مرّ بنا آنفا ان بيت الإمام علي كان ظاعنا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

(٢) هو الصولي (ابن النديم ١٣٦ وابن خلكان ١ : ٤٤) وقد نقل معلومة الحمى التي في الأطفال ، ابن قتيبة في عيون الأخبار ١ : ٢٢٠.

(٣) إلى هنا يتوقف ابن الفقيه عن النقل من حيوان الجاحظ ٤ : ١٤٠ ـ ١٤٣ الذي بدأ من قوله (فأما قصبة الأهواز فنقلت ...).

٣٩٨

شدة حرّها وكثرة هوامها وحيّاتها وجراراتها بأمر فضيع (١). ثم قال : وكيف لا يكون كذلك وطعام أهلها الأرزّ وهم يخبزون في كل يوم. فيقدّر أنه يسجر بها في كل يوم خمسون ألف تنور. فما ظنك ببلد إذا اجتمع فيه حرّ الهواء وبخار هذه النيران؟ وحلف بالله عزّ وجلّ أنه عزم مرارا أن يغرق نفسه في المسرقان لما كان يلقى من الكرب وشدة الحرّ والسموم.

ويقول أهل الأهواز إن جبلهم إنما هو من غثاء الطوفان تحجّر. وهو حجر ينبت ويزيد في كل وقت.

قالوا : ولنا السكّر وأنواع التمر. وهم أحذق الأمة في إيجاد أنواع السكر. ولهم الخزّ السوسي والديباج التستري. وكل طيب يحمل إلى الأهواز فإنه يستحيل وتذهب رائحته ويبطل حتى لا ينتفع منه بكثير شيء.

والأهواز افتتحها أبو موسى الأشعري في ولاية عمر بن الخطاب رضي [الله] عنهما. وآخر مدينة افتتحت من الأهواز السوس. فلما افتتحها وأخذ المدينة وسبى الذرية وظفر بالخزائن. فبينا هو يحصي ما فيها كان في قلعتها نحو من ثلاثمائة خزانة. فرأى خزانة منها وعليها ستر عليه الدهن. فأمر خزّان القلعة أن يفتحوه. فجعلوا يبكون ويحلفون أنه ليس فيه شيء من الذهب والفضة. فجعل أبو موسى لا يزيده ذلك إلّا حرصا على فتحه ، حتى همّ بكسر الباب. فلما رأى الخزّان ذلك قالوا له نحن نصدقك عما فيه. قال : قولوا. قالوا : فيه جسد دانيال. قال : وكيف علمتم ذلك؟ قالوا : أصابنا القحط سبع سنين متوالية حتى أشرفنا على الهلاك. وكان هذا الجسد عندنا وقوم من النصارى يستسقون به إذا أجدبوا. فيسقون ويخصبون. فأتيناهم وطلبنا إليهم أن يعيروناه فأبوا علينا فرهناهم خمسين أهل بيت منا على أن نستسقي به في عامنا ذلك ونرده. فدفعوه إلينا. فلما استسقينا به سقينا وأخصبنا فتعلقنا به وحبسناه عن أصحابه ورغبنا فيه فهو عندنا نستسقي به في الجدب. فأمر أبو موسى بفتح الباب. فإذا في البيت سرير عليه رجل ميت واضع

__________________

(١) في الأصل : قطيع.

٣٩٩

[٨٨ أ] مرفقه على ركبته اليمنى ، فكتب إلى عمر يعلمه فتح المدينة ويقصّ عليه خبر دانيال عليه السلام ، فسأل عمر رضي الله عنه من بحضرته من المسلمين فأخبروه أنه نبيّ وأن بخت نصر لما غزا بيت المقدس وسبى أهله ، كان دانيال ممن سبى ، ونقل إلى أرض بابل فلم يزل بها حتى مات. فكتب عمر إلى أبي موسى يخبره بالذي انتهى إليه من أمره وأمره بأن يحنطه ويكفنه ويدفنه من غير أن يغسله. ويكون دفنه إياه في جوف الليل حتى يكون الله تعالى هو الذي يبعثه كما يبعث خلقه. فلما انتهى إليه كتاب عمر إلى أبي موسى ، عمد إلى نهر من أنهار السوس فأمر بسكره فسكر ، ثم حفر لدانيال في جوف النهر ثم عمد إليه فحنطه وكفنه وحمله وأربعة من المسلمين في جوف الليل فقبره في ذلك النهر ثمّ أجرى عليه الماء فلم يعلم أحد موضع قبره إلى يومنا هذا.

ويقال إنه أخذ خاتما كان في إصبعه وكذلك يقال أيضا إنه وجد معه كتب فيها أخبار الملاحم وما يكون من الفتن وانها صارت إلى كعب الأحبار.

وعسكر مكرم : نسبت إلى مكرم بن [معزاء الحارث](١) أحد بني جعونة بن الحارث بن نمير. وكان الحجاج بن يوسف وجهه لمحاربة خوزاد بن بارس حين عصى ولحق بالإيذج وتحصّن في قلعة تعرف به. فلما طال عليه الحصار نزل مستخفيا ليلحق بعبد الملك بن مروان. فظفر به مكرم ومعه درّتان في قلنسوته. فأخذه وبعث به إلى الحجاج. وكانت هناك قرية قديمة فبناها مكرم. ولم يزل يبني ويزيد حتى جعلها مدينة وسماها عسكر مكرم.

وقال الثوري : الأهواز تسمى بالفارسية هوز مسير. وإنما كان اسمها الأخواز فغيرها الناس فقالوا الأهواز. وأنشد لأعرابي :

لا ترجعنّي إلى الأخواز ثانية

وقعقعان الذي في جانب السوق

ونهر بطّ الذي أمسى يؤرّقني

فيه البعوض بلسب غير تشفيق

__________________

(١) بياض في الأصل وأكملناه من ياقوت (عسكر مكرم) وقصة حصار خوزاد هذا موجودة في فتوح البلدان ٣٧٦ وفيه (مكرم بن الفزر).

٤٠٠