البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-176-5
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢

فقط ، ولا يعتبرون (١) حركتها فى نفسها فيكتفون فى القلب بأحد الشرطين لأنهم لا يعملون (إن) ، وهذا إنما حكى عنهم فى التثنية ، فأما الجمع الصحيح فلم يحك عنهم ولا يعتبرون لفظه.

وكذلك قول من قال : إنما رفع لأن (إنّ) لم يظهر عملها فى (الذين) لأنه مبنى لأن العطف على المبنى إنما يكون على الموضع لا على اللفظ.

وكذلك قول من قال : إنه معطوف على موضع (إنّ) قبل تمام الخبر لأن العطف على موضعها لا يجوز إلا بعد تمام الخبر وقد بينا ذلك / مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٢).

والذى أختاره من الأوجه الوجهان الأولان.

قوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (٧١).

يجوز فى (تكون) الرفع والنصب. فالرفع على أن تجعل (أن) مخففة من الثقيلة ، وتقديره ، وحسبوا أنه لا تكون فتنة. فخففت أن وجعلت (لا) عوضا عن تشديدها وقد يعوّض أيضا بالسين وسوف وقد ، ولها مواضع تذكر فيها. والنصب على أن تجعل (أن) الخفيفة الناصبة للفعل المستقبل ، وإنما حسن ههنا أن تقع أن المخففة من الثقيلة ، والخفيفة لأن (حسب) فيه طرف من اليقين وطرف من الشك ، والمخففة من الثقيلة إنما تقع بعد فعل اليقين كعلمت وعرفت ، و (أن) الخفيفة إنما تقع بعد فعل الشك كرجوت وطمعت ، فلما كان فى (حسب) طرف من اليقين والشك جاز أن يقع كل واحد منهما بعدها. (وتكون) ههنا تامة بمعنى تقع ، فلا تفتقر إلى خبر.

قوله تعالى : (عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) (٧١).

كثير ، مرفوع لثلاثة أوجه :

الأول : لأنه مرفوع على البدل من الواو فى (عموا وصموا).

__________________

(١) (يغيرون) هكذا فى ب.

(٢) الإنصاف ح ١ ص ١١٩ المسألة ٢٣.

٣٠١

والثانى : أنه مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره : العمى والصّم كثير منهم.

والثالث : أنه مرفوع لأنه فاعل (عموا وصمّوا) وتجعل الواو للجمعية لا للفاعل على لغة من قال : أكلونى البراغيث. وهذا ضعيف لأنها لغة غير فصيحة.

قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) (٧٢).

من : شرطية وجوابها (فقد حرّم الله) وهى وجوابها فى موضع رفع لأنه خبر (إن).

قوله تعالى : (ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) (٧٣).

لا يجوز فيه ههنا إلا الإضافة لأنه بمعنى ، أحد ثلاثة. ولا معنى للفعل فيه ، بخلاف ، ثالث اثنين. لأن فيه معنى الفعل لأن معناه يصيّر (١) اثنين ثلاثة بنفسه. ولذلك جاز فيه التنوين كما يجوز فيه الإضافة. وما من إله إلا إله واحد ، إله مرفوع على البدل من موضع (من إله) وموضعه الرفع لأن من زائدة للتأكيد.

قوله تعالى : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٧٩).

ما ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون نكرة موصوفة فى موضع نصب على التمييز وتقديره ، لبئس الشىء شيئا كانوا يفعلون. وكانوا يفعلون ، هو الصفة.

والثانى : أن يكون اسما موصولا بمعنى الذى فى موضع رفع وتقديره ، لبئس الشىء الذى كانوا يفعلون. وكانوا / يفعلون ، هو الصلة والعائد من الصفة إلى الموصوف ومن الصلة إلى الموصول محذوف وتقديره : كانوا يفعلونه ، فحذف الهاء التى هى العائد للتخفيف.

قوله تعالى : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) (٨٠).

__________________

(١) (صيّر) هكذا فى ب.

٣٠٢

أن وصلتها : فى موضعها وجهان : النصب والرفع.

فالنصب من وجهين :

أحدهما : على البدل من (ما) على أن (ما) نكرة.

والثانى على حذف اللام أى لأن سخط.

والرفع على البدل من (ما) فى (لبئس ما) على أنّ (ما) معرفة.

قوله تعالى : (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ) (٨٣).

تفيض ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (أعينهم) لأن ترى ههنا من رؤية العين.

قوله تعالى : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) (٨٤).

لا نؤمن ، فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (لنا) كقولهم : مالك قائما.

قوله تعالى : (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) (٨٥).

فأثابهم ، أصله (أثوبهم) على وزن أفعلهم من الثواب فنقلت حركة الواو إلى الثاء فتحركت الواو فى الأصل وانفتح ما قبلها الآن فانقلبت ألفا. و (بما قالوا) ما مصدرية وهى مع الفعل بعدها فى تقدير المصدر ، وتقديره ، بقولهم. وجنات ، مفعول ثان لأنابهم. وتجرى ، جملة فعلية فى موضع نصب على الوصف بجنات. وخالدين فيها ، حال من الهاء والميم فى (فأثابهم).

قوله تعالى : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) (٩٤).

ليبلونكم ، يبلونّ فعل مضارع مبنى وإنما بنى لاتصاله بنون التأكيد لأنها أكّدت فيه الفعلية فردّته إلى أصله والأصل فى الفعل البناء والواو ساكنة والنون الأولى من نونى التأكيد ساكنة فاجتمع ساكنان وهما لا يجتمعان فوجب تحريك الواو لالتقاء

٣٠٣

الساكنين ، وكان الفتح أولى لأنه أخف الحركات. وبشىء من الصيد ، (من) فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون للتبغيض لأن المحرّم صيد البر خاصة.

والثانى : أن يكون لبيان الجنس لأنه لما قال : ليبلونكم الله بشىء. لم يعلم من أىّ جنس هو ، فبيّن فقال : من الصيد. كقولهم : لأعطينّك شيئا من الذهب.

قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (٩٥).

متعمدا ، منصوب على الحال من المضمر المرفوع فى (قتله). وجزاء ، مرفوع لأنّه مبتدأ وخبره محذوف وتقديره : فعليه جزاء.

وقرئ منوّنا / وغير منوّن ، فمن قرأ : (جزاء مثل) بالتنوين ، كان مثل صفة له. ومن قرأ : جزاء مثل بغير تنوين جعل الجزاء مضافا إلى مثل ، وأراد بمثل ما قتل ، ذات المقتول ، فإنه لا فرق بين أن يقول : جزاء مثل المقتول (١) وبين أن يقول : جزاء المقتول. لأن المثل يطلق ويراد ذات الشىء كقولهم : مثلى لا يفعل هذا ، أى ، أنا لا أفعل هذا. قال الشاعر :

٧٠ ـ يا عاذلى دعنى من عذلكا

مثلى لا يقبل من مثلكا (٢)

أى ، أنا لا أقبل منك.

ومن النعم ، صفة جزاء وتتعلق بالخبر المحذوف وهو (فعليه) ويجوز أن تتعلق (بيحكم).

__________________

(١) (مثل جزاء المقتول) هكذا فى ب.

(٢) لم أقف على صاحب هذا الشاهد.

٣٠٤

ويجوز أن تتعلق بالمصدر وهو (جزاء) وتعدّى بمن إلى النّعم. ولا يجوز أن تتعلق بالمصدر على قراءة من قرأ : جزاء مثل بالتنوين ، لأن الصفة لا تكون إلا بعد تمام الموصوف بصلته ، فلو جعلت (من) متعلقة بجزاء لدخلت فى صلته وقد قدّمت (مثل) وهو صفة والصفة لا تجىء إلا بعد تمام الموصول بصلته لئلا يؤدى إلى الفصل بين الموصول والصلة بالصفة ، وليس هذا بمنزلة قوله تعالى :

(جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها)(١)

فى تعلق الباء بجزاء لأنه لم يوصف ، وإنما أضيف ، والمضاف إليه من تمام المضاف داخل فى الصلة فبان الفرق. وهديا ، منصوب على الحال من الهاء فى (به). وبالغ الكعبة ، صفة لهدى وهو نكرة لأن الإضافة فيه فى نية الانفصال لأن التنوين فيه مقدر وتقديره ، بالغا الكعبة. أو كفارة ، عطف على جزاء.

ويقرأ : كفارة بالتنوين وغير التنوين. فمن قرأ بالتنوين كان رفع (طعام مساكين) من وجهين :

أحدهما : على البدل من كفارة.

والثانى : على أنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره : أو كفارة هى طعام.

ومن لم ينوّن كان (طعام مساكين) مجرورا بالإضافة. وصياما ، منصوب على التمييز.

قوله تعالى : (مَتاعاً لَكُمْ) (٩٦).

منصوب على المصدر لآن :

قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ)

بمعنى ، أمتعتكم (٢) به إمتاعا. فأقيم متاعا مقامه لأنه فى معناه.

__________________

(١) ٢٧ سورة يونس.

(٢) (أمتعتم) فى ب

٣٠٥

قوله تعالى : (ذلِكَ لِتَعْلَمُوا) (٩٧).

ذلك ، يجوز فى موضعه النصب والرفع. فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، الأمر كذلك. والنصب على تقدير ، فعل ذلك لتعلموا.

قوله تعالى : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (١٠١).

أشياء ، أصلها عند الخليل وسيبويه (شيئاء) على وزن فعلاء ، فاستثقلوا اجتماع همزتين بينهما ألف ، فقدموا الهمزة التى هى اللام على الفاء التى هى الشين فقالوا : أشياء ووزنها بعد التقديم / (لفعاء) ولا ينصرف لأن الألف فى آخرها للتأنيث وهى اسم للجمع وليست بجمع شىء. وذهب الكسائى إلى أنها جمع شىء كبيت وأبيات وإنما ترك إجراءه تشبيها له بما فى آخره ألف التأنيث. وذهب الفراء (١) إلى أن أصلها أشيئاء على أفعلاء وهو جمع شىء على الأصل ، وأصل شىء شيّىء كهيّن وليّن فجمعوه على أفعلاء ، كهيّن وأهوناء ولين وأليناء ، فصار أشيئاء ، ثم إنهم استثقلوا اجتماع همزتين فحذفوا الهمزة التى هى اللام طلبا للتخفيف وذلك لأمرين :

أحدهما. لاجتماع همزتين بينهما ألف والألف حرف خفىّ زائد ساكن والحرف الساكن حاجز غير حصين فكأنه قد اجتمع فيه همزتان وذلك مستثقل.

والآخر لأن الكلمة جمع والجمع يستثقل فيه ما لا يستثقل فى الواحد ولهذا ألزموا (خطايا) القلب ، وأبدلوا فى (ذوائب) من الهمزة الأولى واوا ، كل ذلك لأنهم يستثقلون فى الجمع ما لا يستثقل فى الواحد فلما حذفت الهمزة التى هى اللام صار أشياء ووزنه بعد الحذف أفعاء.

وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنه جمع شىء بالتخفيف وجمعوا فعلا على أفعلاء كما يجمعونه على فعلاء ، فيقولون : سمح وسمحاء ، وفعلاء نظير أفعلاء ، فكما جاز أن يجىء جمع فعل على فعلاء جاز أن يجىء على أفعلاء لأنه نظيره. ويدل على ذلك أنهم

__________________

(١) (القراء) فى ب.

٣٠٦

قالوا : طبيب وأطباء ، والأصل فيه طبباء ، كشريف وشرفاء ، إلا أنهم لما كرهوا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد نقلوه عن فعلاء إلى أفعلاء ، فكرهوا اجتماع الحرفين المتماثلين المتحركين ، فنقلوا حركة الحرف الأول إلى الساكن قبله فسكن وأدغموه فى الحرف الثانى ، وإذا كان نظيره جاز أن يجمع على أفعلاء فقالوا أشيئاء ، ثم فعل به من التخفيف ما فعل به فى قول الفراء فبقى وزنه بعد الحذف أفعاء ، ولكل مذهب من هذه المذاهب دليل ، وعليه كلام (١) طويل والمختار هو الأول. وبيّنا ذلك فى كتابنا الموسوم بالإنصاف فى مسائل الخلاف (٢). وإن تبد لكم تسؤكم ، جملة مركبة من شرط وجزاء فى موضع جر لأنها صفة لأشياء.

قوله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ) (١٠٥).

أنفسكم ، منصوب على الإغراء ، أى ، احفظوا أنفسكم ، كما تقول : عليك زيدا. ولا يضركم ، فى موضع الجزم لأنه جواب عليكم : وكان ينبغى أن يفتح آخره إلا أنه أتى به / مضموما تبعا لضم ما قبله.

قوله تعالى : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ (٣) إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) (١٠٦).

شهادة بينكم ، مبتدأ. وإذا حضر ، ظرف له ومعمول له ، ولا يجوز أن يكون العامل فيه الوصية لوجهين :

__________________

(١) (إلزام) فى ب.

(٢) الإنصاف ح ٢ ص ٤٨١ المسألة ١١٨.

(٣) ساقطة من ب.

٣٠٧

أحدهما : أنه مضاف إليه ، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف.

والثانى : أنه مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله. وحين الوصية ، بدل من (إذا) وقيل : العامل فيه (حضر). واثنان ، مرفوع لأنه خبر المبتدأ وتقديره ، شهادة بينكم شهادة اثنين ، ولا بد من هذا التقدير لأن شهادة لا تكون هى الاثنين. وقيل : اثنان ، ارتفعا لأنّهما فاعل شهادة ارتفاع الفاعل بفعله ، وتقديره ، أن يشهد بينكم اثنان ، ويكون خبر شهادة التى هى المبتدأ ، محذوفا ، وتقديره ، عليكم أن يشهد اثنان. وقيل : إذا حضر ، هو خبر شهادة. أو آخران من غيركم ، معطوف على قوله : (اثنان). تحبسونهما ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة (آخران).

وقوله : إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت ، اعتراض بين الصفة والموصوف ، واستغنى عن جواب (إن) بما تقدم من الكلام لأن معنى (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) فى معنى الأمر بذلك ، وإن كان لفظه لفظ الخبر ، واستغنى عن جواب (إذا) أيضا بما تقدم من الكلام وهو قوله : شهادة بينكم. لأن معناه ، ينبغى أن يشهدوا إذا حضر أحدكم الموت. فيقسمان بالله ، الفاء فيه لعطف جملة على جملة ، ويجوز أن يكون جواب شرط ، لأن (تحبسونهما) فى معنى الأمر فهى جواب الأمر الذى دل عليه الكلام كأنه قال : إن حبستموهما أقسما. ومعنى إن (ارتبتم) أى ، شككتم فى قول الآخرين من غيركم. وقوله تعالى : (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً) ، جواب لقوله : فيقسمان ، لأن أقسم يجاب بما يجاب به القسم. والهاء فى به : تعود على الشهادة ، إلّا أنه عاد الضمير بالتذكير لأنها فى المعنى قول ، والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.

وقيل : يعود على محذوف مقدر لأن التقدير ، لا نشترى بتحريف شهادتنا ، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وثمنا ، أى ذا ثمن لأن الثمن / لا يشترى وإنما يشترى ذو الثمن وهو المثمّن ، ولو كان ذا قربى ، اسم كان مضمر فيها وتقديره ، ولو كان المشهود له ذا قربى.

٣٠٨

قوله تعالى : (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) (١٠٧).

فآخران ، مرفوع من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون خبر مبتدأ مقدر وهو الأوليان ، وتقديره ، فالأوليان آخران يقومان مقامهما ، فآخران ، خبر مقدم. ويقومان ، صفة (آخران).

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فالشاهدان آخران. والأوليان ، بدل من الضمير فى (يقومان) ومعنى الأوليان ، الأقربان إلى الميت.

والثالث : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ ، ويقومان ، صفة له. والأوليان ، خبره. وقيل هو مفعول ما لم يسم فاعله لاستحقّ ، على قراءة من قرأ ، بضم التاء على تقدير مضاف. وتقديره ، من الذين استحق عليهم إثم الأوليين ، ويكون (عليهم) بمعنى فيهم ، وقام (على) مقام (فى) كما قامت (فى) مقام (على) فى قوله تعالى :

(وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)(١)

أى ، على جذوع النخل ، ويجوز أن تكون (عليهم) بمعنى منهم كقوله تعالى :

(إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ)(٢)

أى ، من الناس.

ومن قرأ : الأوّلين ، على جمع الأوّل فهو فى موضع جر على البدل من (الذين) أو من الضمير المجرور فى (عليهم).

قوله تعالى : (لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما) (١٠٧).

__________________

(١) ٧١ سورة طه.

(٢) ٢ سورة المطففين.

٣٠٩

اللام ، جواب لقوله : (فيقسمان بالله) ، لأن أقسم يجاب بما يجاب به القسم.

قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ) (١٠٨).

أن يأتوا ، فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر وتقديره ، أدنى بأن يأتوا.

قوله تعالى : (فَتَنْفُخُ فِيها) (١١٠).

الضمير فى (فيها) فيه وجهان :

أحدهما : أن يعود على الهيئة وهى مصدر فى معنى (المهيّأ) لأن النفخ إنما يكون فى المهيّأ لا فى الهيئة.

والثانى : أن يعود على الطير لأنها تؤنث (١) ، ومن قرأ : طائرا ، جاز أن يكون جمعا كالباقر والحامل فيؤنث الضمير فى (فيها) لأنه يرجع إلى معنى الجماعة.

قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) (١١٢).

قرئ بالتاء والنصب ، والتقدير فيه ، هل تستطيع سؤال ربك فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه كقوله تعالى :

(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها)(٢) أى ، أهل القرية وأهل العير.

قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) (١١٧).

أن ، فيها وجهان :

أحدهما أن تكون مفسرة بمعنى (أى) فلا يكون لها موضع من الإعراب.

__________________

(١) (لأنه يؤنث) فى ب.

(٢) ٨٢ سورة يوسف.

٣١٠

والثانى : أن تكون مصدرية فى موضع جر على البدل من (ما) فى قوله تعالى : (إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ).

قوله تعالى : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) (١١٧).

ما دمت ، فى موضع نصب على الظرف ، والعامل فيه (شهيدا). و (ما) فى مادام ، مصدرية ظرفية زمانية وتقدير الآية ، وكنت عليهم شهيدا مدة دوامى فيهم.

قوله تعالى : (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) (١١٩).

قرئ (يوم) بالرفع والنصب ، فالرفع على أنه خبر المبتدأ الذى هو (هذا) وهذا ، إشارة إلى يوم القيامة. والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع نصب بقال ، وتحكى بعده الجملة. وقد قال سيبويه : إنه يحكى به ما كان كلاما لا قولا. والنصب على الظرف وتقديره ، قال الله هذا القول فى يوم ينفع ، والعامل فيه (قال) ، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف مقدر وتقديره ، هذا واقع يوم ينفع ، فحذف واقع ، ويجوز على قول الفراء : أن يكون مبنيا على الفتح لإضافته إلى (الفعل) (١) ، فعلى هذا يجوز أن يكون فى موضع رفع وأن يكون فى موضع نصب ، وهذا ضعيف لأن الظرف إنما يبنى إذا أضيف إلى مبنى كالفعل الماضى أو (إذ) كقوله تعالى :

(وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ)(٢)

وينفع ، فعل مضارع معرب فلا يبنى الظرف لإضافته إليه ، فلهذا كان هذا القول ضعيفا.

قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (١١٩).

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) ٦٦ سورة هود.

٣١١

خالدين ، منصوب على الحال من الضمير المجرور فى (لهم). وأبدا ، منصوب لأنه ظرف زمان. ورضى ، أصله ، رضو ، لأنه من الرضوان ، إلّا أنه قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، ورضوا عنه ، أصله رضووا ثم قلبت الواو ياء للكسرة قبلها فصار رضيوا ، ثم إنهم استثقلوا الضمة على الياء فنقلوها إلى الضاد ، فبقيت الياء ساكنة وواو الجمع بعدها ساكنة ، فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين ، وكان حذف الياء أولى من الواو لما قدمنا ، فبقى رضوا ووزنه فعوا لذهاب اللام منه. والله أعلم.

٣١٢

غريب إعراب سورة الأنعام

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (١).

الظلمات ، مفعول (جعل) وهو يتعدى إلى مفعول واحد بمعنى خلق ، وله وجوه تذكرها فى مواضعها إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) (٢)

أجل ، مرفوع لأنه مبتدأ. ومسمّى ، صفته ، وخبره / عنده ، وجاز أن يكون مبتدأ وإن كان نكرة لأنه وصفه بمسمى ، والنكرة إذا وصفت (١) قربت من المعرفة فجاز أن يكون مبتدأ كالمعرفة.

قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) (٣).

هو ، كناية عن الأمر والشأن. والله ، مبتدأ ، وخبره فيه وجهان :

أحدهما : يعلم ، وتقديره ، الله يعلم سركم وجهركم فى السموات وفى الأرض

الثانى : أن يكون خبره (فى السموات) ويكون المعنى ، هو المعبود فى السموات.

ويروى عن الكسائى أنه كان يقف على قوله : فى السموات ، ويبتدئ بقوله : وفى الأرض يعلم ، فكان يجعل (فى السموات) من صلة المعبود ، ويجعل قوله : (وَفِي الْأَرْضِ) من صلة يعلم.

__________________

(١) (أضيفت) فى أ.

٣١٣

قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ (١) مِنْ قَرْنٍ) (٦).

كم ، اسم للعدد فى موضع نصب بأهلكنا لا (بيروا) لأن الاستفهام وما يجرى مجراه له صدر الكلام فلا يعمل فيه ما قبله.

قوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١٠)

ولقد استهزئ ، قرئ بكسر الدال وضمها ، فمن قرأ بالكسرة فعلى أصل التحريك لالتقاء الساكنين ، ومن قرأ بالضم فعلى اتباع ضمة التاء فى (استهزئ). وما كانوا ، فى موضع رفع لأنه فاعل (حاق) ، والتقدير فيه ، حاق بهم (٢) عقاب ما كانوا به يستهزئون. وما ، مصدرية أى ، عقاب استهزائهم.

قوله تعالى : (ثُمَّ انْظُرُوا (٣) كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (١١).

عاقبة ، مرفوع لأنه اسم كان. وكيف ، فى موضع نصب لأنه خبر كان ، وقال : كان ، ولم يقل : كانت لوجهين :

أحدهما : لأن (عاقبة المكذبين) فى معنى ، مصيرهم ، والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.

والثانى : لأن تأنيث العاقبة غير حقيقى فجاز تذكير فعلها كقولهم : حسن دارك ، واضطرم نارك.

قوله تعالى : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) (١٢)

__________________

(١) (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم) هكذا فى ب.

(٢) (فحاق بالذين سخروا منهم عقاب ...) هكذا فى ب.

(٣) (فانظروا) هكذا فى ب.

٣١٤

اللام فى (ليجمعنكم) لام جواب القسم ، وهى جواب (كتب) لأنه بمعنى ، أوجب. ففيه معنى القسم. والذين خسروا ، فى موضعه وجهان :

أحدهما : الرفع بالابتداء ، وخبره (فهم لا يؤمنون) ودخلت الفاء فى خبر (الذين) لأن كل اسم موصول بجملة فعلية إذا وقع مبتدأ ، فإنه يجوز دخول الفاء فى خبره. كقولك : الذى يأتينى فله درهم.

والثانى : النصب على البدل من الكاف والميم فى (ليجمعنكم) وهو بدل الاشتمال ، وإليه ذهب الأخفش.

والوجه الأول أوجه الوجهين /.

قوله تعالى : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ) (١٦).

قرئ : يصرف بضم الياء وفتح الراء ، ويصرف بفتح الياء وكسر الراء ، فمن قرأ يصرف بضم الياء وفتح الراء ، بنى الفعل لما لم يسمّ فاعله وأضمره ، وتقديره ، من يصرف عنه العذاب يومئذ.

ومن فتح الياء وكسر الراء ، بنى الفعل لفاعله وهو الله تعالى وأضمره فيه وحذف المفعول ، وتقديره ، من يصرف الله عنه العذاب يومئذ فقد رحمه.

والوجه الأول أوجه الوجهين ، لأنه أقل إضمارا ، وكلما كان الإضمار أقل كان أولى.

قوله تعالى : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (١٩).

من بلغ ، فى موضع نصب لأنه معطوف على الكاف والميم فى (أنذركم) أى ، ولأنذر من بلغه القرآن. فحذف العائد كقوله تعالى :

(أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(١).

أى ، بعثه الله. وقيل : ومن بلغ ، أى : بلغ الحكم (٢).

__________________

(١) ٤١ سورة الفرقان.

(٢) (الحلم) هكذا فى ب.

٣١٥

قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) (٢١).

من ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ وهى بمعنى الاستفهام متضمنة للتوبيخ والنفى ، والمعنى : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا. وأظلم ، خبر المبتدأ ، إلا أنه يفتقر إلى تمام ، وتمامه (ممن افترى على الله كذبا) لأن (من) المصاحبة لأفعل بمعنى التفضيل من تمامه ، وهى بمعنى ابتداء الغاية.

قوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢٣).

قرئ : تكن بالتاء والياء ، وقرئ : فتنتهم بالرفع والنصب.

فمن قرأ : تكن فتنتهم. بالتاء ورفع فتنتهم ، كانت (فتنتهم) مرفوعة لأنها اسم تكن.

وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ قالُوا).

فى موضع نصب لأنه خبر تكن ، كأنه قال : لم تكن فتنتهم إلا مقالتهم.

ومن قرأ بالياء ونصب (فتنتهم) جعل اسم يكن (أن قالوا) كأنه قال : لم يكن فتنتهم إلا مقالتهم.

وأنّث يكن على المعنى لأن أن وما بعدها هو الفتنة فى المعنى لأن اسمها كان هو خبرها فى المعنى ، وجعل أن وصلتها اسم كان ، أجود لأنها لا تكون إلا معرفة ولا توصف فأشبهت المضمر ، والمضمر أعرف المعارف ، وكون الأعرف اسم كان أولى مما هو دونه فى التعريف.

ومن قرأ : يكن بالياء ورفع (فتنتهم) ذكّر لوجهين :

أحدهما : لأن تأنيث الفتنة غير حقيقى.

والثانى : لأن القول هو الفتنة فى المعنى والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.

والله ربّنا ، قرئ بكسر الباء وفتحها. فمن قرأ بالكسر فعلى / أن يكون (ربّنا)

٣١٦

وصفا لقوله تعالى : (والله) ومن قرأ بالنصب فعلى النداء المضاف ، وتقديره ، يا ربّنا. وما كنا مشركين ، جواب القسم ، وربنا اعتراض وقع بين القسم وجوابه.

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) (٢٥).

من ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ. ومنهم ، خبره ، وقد تقدم على المبتدأ ، ووحد يستمع لأنه حمله على لفظ (من). ولو حمل على المعنى فجمع لكان جائزا (حسنا (١)) كقوله تعالى :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)(٢).

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) (٢٥).

أكنة ، جمع كنان ، كعنان وأعنّة ، والأصل فيه أكننة إلا أنه اجتمع فيه حرفان متحركان من جنس واحد ، فسكنوا الأول وأدغموه فى الثانى ، ونظائره كثيرة. وأن يفقهوه ، تقديره ، كراهية أن يفقهوه ، فحذف المضاف ، وقيل تقديره ، لئلا تفقهوه.

قوله تعالى : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٥).

قيل : واحدها أسطورة ، وقيل : إسطارة ، وقيل : هو جمع الجمع واحده أسطار ، وأسطار جمع سطر بفتح الطاء ، كجمل وأجمال ، وجيل وأجيال. ومن قال : سطر بسكون الطاء ، كان جمعه فى القلة على أسطر ، نحو فلس وأفلس ، وكعب وأكعب ، لأن ما كان على فعل بسكون العين من الصحيح فإنه يجمع فى القلة على أفعل ، كما يجمع ما كان على فعل بفتح العين فى القلة على أفعال.

قوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٧).

__________________

(١) زيادة فى أ.

(٢) ٤٢ سورة يونس.

٣١٧

يقرأ : نكذب ونكون ، بالنصب فيهما والرفع ، ويقرأ برفع نكذب ونصب نكون. فالنصب فيهما على أنه جواب التمنى بالواو ، لأن التمنى يتنزل منزلة الأمر والنهى والاستفهام فى أن الجواب منصوب بتقدير (أن) وقدرت (أن) لتكون مع الفعل مصدرا ، فتعطف بالواو مصدرا على مصدر ، وتقديره ، يا ليت لنا ردّا وانتفاء من التكذيب وكونا من المؤمنين. والرفع فيهما من وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفا على (نرد) جعل كله مما يتمناه الكفار يوم القيامة ، فيكونون قد تمنوا ثلاثة أشياء وهى : أن يردّوا ، وأن / لا يكونوا قد كذبوا ، وأن يكونوا من المؤمنين.

ويجوز أن يكون الرفع فيهما على القطع والاستئناف ، فإنه يجوز فى جواب التمنى الرفع على العطف والاستئناف ، فلا يدخلان فى التمنى وتقديره ، يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب ونحن نكون من المؤمنين. كما حكى سيبويه : دعنى ولا أعود ، أى ، وأنا لا أعود.

ومن قرأ برفع نكذب ، ونصب نكون ، فإنه رفع نكذب على ما قدمنا من العطف على نرد ، فيكون داخلا فى التمنى بمعنى النصب ، أو على الاستئناف فلا يدخل فى التمنى ، وبنصب يكون على جواب التمنى على ما قدمنا فيكون داخلا فى التمنى.

قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) (٣٠).

جواب (لو) محذوف وتقديره ، لعلمت حقيقة ما يصيرون إليه. وعلى ربهم ، أى ، على سؤال (١) ربّهم فحذف المضاف.

قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) (٣١).

بغتة ، منصوب على المصدر فى موضع الحال ، ولا يقاس عليه عند سيبويه ،

__________________

(١) (سؤالهم) فى أ.

٣١٨

فلا يقال : جاء زيد سرعة. أى مسرعا. والهاء فى (فيها) تعود على (ما) لأنه يريد ب (ما) الأعمال ، كأنه قال : على الأعمال التى فرطنا فيها.

قوله تعالى : (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٣١).

ما ، نكرة فى موضع نصب على التمييز بساء ، وفى ساء ، ضمير مرفوع يفسره ما بعده كنعم وبئس. وقيل : (ما) فى موضع رفع بساء.

قوله تعالى : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) (٣٢).

ويقرأ :

(وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) (٣٢).

فمن قرأ : ولدار الآخرة خير ، كان تقديره ، ولدار الساعة الآخرة خير ، ولا بد من هذا التقدير لأن الشىء لا يضاف إلى صفته ، فوجب تقدير موصوف محذوف ، وهذه الإضافة فى نية الانفصال ، ولا يكتسى المضاف من المضاف إليه التعريف.

ومن قرأ : وللدّار الآخرة. كانت الدار مبتدأ. والآخرة ، صفة له. وخير ، خبر المبتدأ.

قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) (٣٣).

قرئ بالتشديد والتخفيف.

فمن قرأ بالتشديد فإنه أراد به ، لا ينسبونك إلى الكذب. يقال : كذّبت الرجل وفسقّته وجبّنته. إذا نسبته إلى الكذب والفسق والجبن ، فهم لا ينسبونك إلى الكذب لأنهم لا يعرفونك بذلك ، وإنما يعرفونك بالصدق ، وكانوا يسمونه محمّدا الأمين / قبل النبوة.

ومن قرأ : يكذبونك بالتخفيف فمعناه ، لا يصادفونك كاذبا ولا يجدونك كاذبا. من قولهم : أكذبت الرجل وأفسقته وأجبنته ، إذا صادفته ووجدته كاذبا فاسقا جبانا.

٣١٩

وقد يجوز أن يجىء (فعّلت وأفعلت) بالتشديد والتخفيف بمعنى واحد ، كقولهم : قلّلت الشىء وأقللته وكثّرته وأكثرته.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (٣٤).

من ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون وصفا لمصدر محذوف وتقديره : ولقد جاءك مجىء من نبإ المرسلين ، ويكون الفعل وهو (جاءك) دالا على المصدر المحذوف ، ولا تكون زائدة فى الواجب ، وإنما تزاد فى النفى. هذا مذهب سيبويه.

والثانى : أن تكون زائدة ، وتقديره ، ولقد جاءك نبأ المرسلين. وهو مذهب أبى الحسن الأخفش. ويجوز زيادة (من) فى الواجب كما يجوز زيادتها فى النفى.

قوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) (٣٥).

إن ، شرط ، وجوابه محذوف ، وتقديره ، إن استطعت أن تبتغى نفقا فى الأرض فافعل ذلك.

قوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) (٣٦).

الموتى (١) ، فى موضع نصب بفعل مقدر دل عليه (يبعثهم) وتقديره ، يبعث الله الموتى يبعثهم كقولهم : مررت بزيد وعمرا كلمته. أى وكلّمت عمرا كلّمته ، فتكون قد عطفت جملة فعلية على جملة فعلية ، فيكون معطوفا على قوله : (إنما يستجيب الذين). ولا يمتنع أن يكون (الموتى) فى موضع رفع. كقولهم : مررت بزيد وعمرو كلّمته. والنصب أوجه الوجهين :

قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) (٤٠).

__________________

(١) (الذين) فى أ ، ب.

٣٢٠