البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-176-5
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢

نحوية مختلفة ولا يغير ذلك من شكلها ، لذلك يذكر المؤلف مواقع إعراب الكلمة ، ثم يعود موجها كل موقع ، رادا العجز على الصدر ، وارجع فى ذلك إلى إعرابه قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ، وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا ، يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ)(١).

٨ ـ والقرآن الكريم هو المادة العربية الأولى التى يعتمد عليها ابن الأنبارى فى الاستشهاد والتمثيل لأقواله ، وهذا أمر طبيعى لأن القرآن هو مدار الدراسات العربية جميعا ، لذلك نرى المؤلف يستشهد به كثيرا ويمثل بآياته فى مجال تأييد صحة إعرابه لآية من الآيات.

٩ ـ وكان لاهتمامه بالخلاف النحوى أثر واضح ظاهر فى كتابه ، فهو يذكر وجوه الخلاف فى إيجاز فى كتابه (البيان) ولكنه إيجاز لا يخل ، ثم يحيل التطويل والإسهاب على كتابه (الإنصاف) وإن شئت مثالا لذلك ، فاقرأ إعرابه قوله تعالى : (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ)(٢).

١٠ ـ استشهد ابن الأنبارى بشواهد كثيرة من الشعر ، ولم يسندها لأصحابها إلا فى القليل النادر ، ولذلك تتبعت هذه الشواهد فى مواطنها من كتب النحو والدواوين وأسندتها إلى أصحابها.

١١ ـ ضمن ابن الأنبارى كتابه كثيرا من القواعد النحوية العامة فيذكرها للمراجعة والتذكير ، ونرى مثالا لذلك فى إعرابه قوله تعالى : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ)(٣) فإنه يبين إعراب (ما) ويذكر حالاتها المتعددة.

١٢ ـ جاء كتاب (البيان) متأخرا ، لذلك نرى ابن الأنبارى قد بلور فيه تجاربه ومعلوماته النحوية كما جمع فيه آراءه المتقدمة بإشارات سريعة ، ثم إنه نقل نصوصا من كتبه السابقة وبخاصة (الإنصاف) و (أسرار العربية) ، ومن التطويل أن أذكر النص فى (البيان) وما يقابله فى كتاب سابق ، ولكن يمكن العودة إلى قوله فى إعراب (وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ)(٤) ونرى كيف عالج كلمة (خطاياكم) ثم نقارن ذلك بما جاء فى

__________________

(١) البقرة ١٠٢.

(٢) البقرة ٨٥.

(٣) المائدة ١.

(٤) البقرة ٥٨.

٢١

(الإنصاف) فى المسألة السادسة عشرة بعد المائة (١) ، ثم ما جاء فى (أسرار العربية) (٢). وسنجد بعد المقارنة كيف نقل من كتبه السابقة نقلا مباشرا ، وهذا ما جعلنا نجزم بتأخر تأليف (البيان) ، وأنه جاء خلاصة أفكاره التى طبقها على إعراب القرآن الكريم.

وبعد ، فلعل فى هذه العجالة ما يبين السمات الدالة على منهج الشيخ فى كتابه ، وكيف تناول موضوع إعراب غريب القرآن ، وكيف ضمنه معلوماته النحوية ، كما أظهر فيه درايته وعلو كعبه فى التفسير والفقه وسائر فروع اللغة العربية.

أما عن أسلوبه ، فقد تفرد بأسلوب واضح غاية الوضوح ، حيث أدّب النحو وأضفى عليه سهولة محببة ، تستهوى القارئ الذى لا يسيطر عليه ملل ولا سأم حين يقرأ له ، فهو يعرض نحوه عرضا يتوخى فيه التسهيل ، ويعمد إلى الترتيب والتنظيم.

وإن اتسم أسلوب ابن الأنبارى بالرياضة المنطقية فى كتبه جميعا فهذا فى بيانه أظهر وأوضح حيث تجده يرتب النتائج على الأسباب ولا يترك احتمالا أو شكّا إلا وضحه وبيّنه وفسره ، وقدّم كل ما قيل فيه ، ويذكر وجهات النظر المختلفة المتعددة ، ثم يتتبعها وجها وجها فى ترتيب مريح ، ذاكرا كل ما قيل من آراء ، ثم تتدخل شخصيته فنراه يؤيد وجهة نظر ويبعد أخرى ، أو يعطى رأيه الخاص ، كل ذلك يقدمه مدعما بالدليل النقلى والعقلى.

__________________

(١) الإنصاف ٢٧٤ ـ ٢.

(٢) أسرار العربية ٥.

٢٢

خطة النشر

اعتمدت فى تحقيق كتاب (البيان فى غريب إعراب القرآن) على مخطوطتين ، ورمزت لهما بالرمزين (ا ، ب) كما استعنت بكتب التفسير وبخاصة ما اهتم منها بالناحية اللغوية والنحوية ، وكذلك استعنت بكتب النحو المختلفة ، وبكل المراجع التى أثبتها والتى تخدم الموضوع. وهذا وصف المخطوطتين.

المخطوطة أ :

وهى المخطوطة الكاملة التى اعتبرتها أمّا ، واعتمدت عليها ، ثم راجعت ما عملته على المخطوطة الثانية (ب). والأولى مصورة بالجامعة العربية. وهذه أهم الملاحظات عليها :

١ ـ الصفحة ١ / ١ من الورقة الأولى خالية إلا ما مما يأتى (٢٤٠ ق ٢٣ س) وهذا يعنى أن عدد ورقات الكتاب ٢٤٠ ورقة وعدد الأسطر فى الصفحة ٢٣ سطرا ، ثم كتابة بخط فارسى غير معجم وهى : (من كتب الفقير السيد فيض الله المفتى فى السلطنة العلية العثمانية عفى عنه) ثم إمضاء (فيض الله) وتحت ذلك خاتم واضح بخط نسخ فيه (وقف شيخ الإسلام السيد فيض الله افندى غفر الله له ولوالديه ، بشرط ألا يخرج من المدرسة التى أنشأها بقسطنطينية سنة ١١١٣) ثم رقم المخطوط فى مكتبة فيض الله (٢١٢).

٢ ـ الصفحة المقابلة ٢ / ١ كلام مطموس معظمه وقد استخلصت منه الكلمات الآتية :

(... هذا سكن ببغداد من صباه .. بن الشجرى وغيره .. على أبى منصور الجواليقى .. فى الأدب .. وفن وله شعر ، وكان مولده سنة .. وخمسمائة وتوفى سنة سبع وسبعين وخمسمائة) وواضح أن هذه ترجمة موجزة لحياة ابن الأنبارى ، وتحت هذا جملتان غير واضحتين ، ويبدو أن ناسخا واحدا كتب هذا.

٣ ـ بعد هذا وفى نفس الصفحة عنوان الكتاب بخط نسخ كبير ، على النحو التالى :

٢٣

كتاب البيان فى غريب إعراب القرآن

تأليف الإمام العالم الأوحد الزاهد أبى البركات عبد الرحمن بن أبى سعيد الأنبارى النحوى قرأ علىّ كتاب البيان فى غريب إعراب القرآن الولد العالم الفاضل ضياء الدين أبو الفتح عبد الوهاب ... بن عبد الله نفعه بالعلم قراءة تصحيح وتهذيب ودراية وذلك فى سنة سبع وسبعين وخمسمائة ، وكتب الفقير إلى الله تعالى عبد الرحمن بن محمد ابن أبى سعيد الأنبارى حامدا الله تعالى ومصليا على نبيه محمد وآله ومسلما ، وصار ملكا للشيخ الإمام العالم الأوحد المحقق سيد القراء .. (بعد ذلك سطران غير واضحين).

ملاحظات عامة :

١ ـ كتب الناسخ عناوين السور فى سياق النص وبين الكلمات فى السطر ، وبخط نسخ يكبر عن خط باقى النص.

٢ ـ فى أعلا الورقة الثانية كلمة (وقف) صورت بشكل ملأ السطر الأول.

٣ ـ عرض الكتابة فى الصفحة يتراوح بين ٥ ، ١٠ سم ، و ١١ سم ـ وطولها ١٥ سم. وعدد أسطرها ٢٣ سطرا.

٤ ـ المخطوطة (أ) غير مجزّأة ـ المخطوطة (ب) مكونة من جزءين.

٥ ـ اللحق كثير فى هذه النسخة ، وهو أن يغفل الناسخ عن جزء من النص ثم يشير إلى مكانه بخط صغير ويثبت ماسها عنه فى الهامش.

٦ ـ الخط نسخ جميل معجم مشكول وإن بدا الإعجام والشكل غريبين فى بعض المواطن.

٧ ـ فى إعراب (غريب سورة الحن) كرر الناسخ سبعة أسطر ونصف سطر ، حيث أعادها من ص ٢٢٣ ـ ١ ، ٢٢٣ ـ ٢ بخط جديد ونظام جديد ، فنجد عناوين السور مكتوبة على سطر بمفردها ، وطول الكتابة فى الصفحة ١٢ سم وعرضها ٥ ، ٩ سم وعدد الأسطر ٢١ سطرا. وهكذا سار النظام حتى آخر المخطوطة. وهذا يدل على أن هذا الجزء أعيدت كتابته بعناية وفى وقت متأخر عن وقت النسخ الأول.

٨ ـ فى أعلا الصفحة الأخيرة كلمة (وقف) كالصفحة الأولى ، وفى نهاية الصفحة الأخيرة :

٢٤

(تم الكتاب والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد وآله أجمعين صلاة دائمة إلى يوم الدين).

٩ ـ بلغ عدد ورقات الكتاب ٢٤٤ ورقة برغم أنه أثبت فى أنه ٢٤٠ ورقة ، وقد حدث هذا فى اعتقادى من إعادة كتابة الورقات الأخيرة بخط ونظام جديدين.

وصف المخطوطة (ب):

١ ـ هذه المخطوطة من محفوظات دار الكتب المصرية تحت رقم ٦٤٤ تفسير.

٢ ـ سقطت الأوراق الأولى من الكتاب وهى تشمل المقدمة وفيها جزء من (غريب إعراب سورة الفاتحة) وكتب عنوان الكتاب بقلم من الرصاص كما يلى : (البيان فى غريب إعراب القرآن للأنبارى).

٣ ـ خط المخطوطة نسخ معجم مشكول.

٤ ـ طول الكتابة فى الصفحة ١٨ سم أو ١٩ سم ـ وعرضها ١١ سم أو ١٢ سم.

٥ ـ هناك خرم كثير فى صفحات كثيرة ، تجدها واضحة على سبيل المثال فى الورقات ١ ، ٢ ـ ومن ٣٦ إلى ٤٥. ويبدو أنه كان هناك محاولات لإصلاح بعض الكلمات بالإعادة عليها أو كتابتها فى الهامش أو بين السطور ، لاحظ ذلك على سبيل المثال فى الورقات ٦ ، ١١ ، ١٢

٦ ـ نسى الناسخ بعض الكلمات أو الحمل ، فأشار إليها وأثبتها فى الهامش.

٧ ـ يبدو أن الكتاب تفرقت أوراقه ثم جمعت وأعيد ترتيبها ، لأن المرتّب كتب فى نهاية الصفحة الكلمة التى بدأ بها الصفحة التالية بخط مغاير للخط الأصلى.

٨ ـ نقل هذا الكتاب عن الأصل أو قورن به. ففى نهاية كل عشر ورقات تجد العبارة التالية (بلغ العرض) أو (بلغ العرض على الأصل).

٩ ـ وجدت تعليقات نادرة بخط جديد بالنسبة للخط الأصلى. ففى الورقة ٢٧ / ١ يعقب فى الهامش على معنى البيت :

ضعيف النكاية أعداءه

يخال الفرار يراخى الأجل

ففى الهامش تجد العبارة الآتية (معناه يحسب أن فراره يزيد فى عمره).

١٠ ـ توجد بقع كبيرة فى الصفحات من ١٧٦ إلى ١٨٣ وغيرها طمست نصف

٢٥

الخمسة الأسطر الأولى من كل صفحة.

١١ ـ فى آخر الصفحة ١٩٦ / ١ جاء الآتى (يتلوه فى الجزء الثانى غريب إعراب سورة هود).

١٢ ـ صفحة ١٩٧ / ١ خصصت لعنوان الجزء الثانى وفيها :

(الجزء الثانى من إعراب القرآن تصنيف الشيخ الإمام العالم الأوحد الفاضل الورع الزاهد نسيج وحده وفريد عصره أبى البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبى سعيد الأنبارى النحوى قدس الله روحه ونوّر ضريحه) وفى الصفحة التالية (بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين الحمد لله حق حمده وصلواته على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم. غريب إعراب سورة هود).

١٣ ـ نلاحظ تغير الخط ولون المداد من الورقة ٣٧١.

١٤ ـ لا يوجد إعراب السور (الانفطار ، المطففين ، البروج ، الطارق ، الأعلى ، الغاشية).

١٥ ـ الورقة ٤٠٦ مكتوبة بخط مغاير للخطوط السابقة وفيها (إعراب سورة الضحى والتين وعنوان : غريب إعراب سورة القلم) ويلاحظ عدم الترتيب. بل يبدو ن هذه الورقة أقحمت بين الورقتين ٤٠٥ ، ٤٠٧ لأن فى الأولى إعراب سورة الشمس وفى الأخيرة بقية إعراب هذه السورة.

١٦ ـ الورقتان ٤١٤ ، ٤١٥ ، مكتوبتان بخط نسخ حديث جميل فيه تأنق ، وفى نهاية الورقة الأخيرة جاء ما يلى :

(تم كتاب البيان فى غريب إعراب القرآن بعون الله ومنه وتوفيقه والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله وسلّم تسليما وحسبنا الله ونعم الوكيل).

١٧ ـ فى الصفحة المقابلة الأخيرة خاتم منقوش فيه (الكتبخانة الخديوية المصرية).

منهج النشر :

لما كانت الغاية من تحقيق النصوص إنما هى إخراجها صحيحة سليمة نستطيع قراءتها بسهولة ونستوعب مادتها فى يسر ، لذلك بذلت الجهد فى إخراج النص صحيحا سليما وخدمته بالتعليق والشرح على الرغم من كبر حجمه وصعوبة مادته ، وقد

٢٦

راعيت ما تستوجبه إعادة النص إلى وضعه الأول من حيطة وحذر ودقة وأمانة مع صحة المعنى وفهم العبارة ، وكانت خبرتى فى دراسة اللغويات فى كلية الآداب جامعة عين شمس مدة تزيد على عشر سنوات خير معين فى ذلك.

لقد عبر الجاحظ فى كتابه (الحيوان) عن صعوبة إعادة النص ، ووجد أن مشقة الكتابة الجديدة أيسر وأسهل من التصحيح والتنقيح فيقول : «لربما أراد مؤلف أن يصلح تصحيفا أو كلمة ساقطة فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعانى أيسر عليه من إتمام ذلك النص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام».

ومهما يكن من الأمر فقد وفقنى الله إلى إخراج هذا السفر القيم ، وكانت مراحل عملى على الوجه التالى :

١ ـ نقلت من المخطوطة (أ) نقلا مباشرا صحيحا معتمدا فى إعادة النص على خبرتى اللغوية فى فهم المعانى ، فلم يكن الأمر مجرد رسم حروف تخل بالمعنى وتذهب بالمقصود. ثم وضعت العلامات :

(أ) علامات الترقيم.

(ب) الآيات الكريمة بين علامتى التنصيص. ورقمت هذه الآيات من واقع أرقامها فى المصحف الشريف.

(ج) وضعت اللحق ـ وهو ما سها عنه الناسخ وكان مثبتا فى الهامش ـ فى مكانه الصحيح من النص.

(د) اعتنيت بشكل الآيات القرآنية الكريمة وكتبتها على حسب رسم المصحف الشريف.

(ه) كتبت الكلمات على حسب قواعد الإملاء المعروفة والنطق السائد فى اللغة المشتركة ، وأعجمت ما أهمله الناسخ ، من ذلك على سبيل المثال ، كتب (هايد ، غايط ، فعايل ، الدناه ـ وأصلحتها : هائد وغائط وفعائل والدناءة) وقد أهمل الناسخ كثيرا من النقط وبخاصة فى حروف المضارعة (النون والياء والتاء).

وكان يكتب (لان أو لاين ويعنى بها لئن ـ ومستوفا بدل مستوفى) ويهمل الألف أمام واو الجمع ، وقد يثبتها أمام جمع المذكر المرفوع المضاف ـ وقد

٢٧

يضع الناسخ نقطا تحت السين نحو (فسر ، وعلى السعة) وكثيرا ما ينهى الناسخ السطر بجزء من الكلمة ثم يكتب النصف الثانى منها فى السطر التالى ، وهذا غير متبع الآن فى الكتابة الصحيحة.

هذه هى أهم الأوضاع الإملائية التى راعيت أن تكون مطابقة للأوضاع الحالية ، وهكذا كانت فى المخطوطة (ب) ولعل ناسخها نقلها عن (أ) بنفس الوضع وفى زمن قريب من زمن نسخ المخطوط (أ).

(و) قمت باستخراج الشواهد والأمثلة من آيات قرآنية وأشعار عربية ، وبينت مكان الآية فى سورتها ورقمها ، وأسندت الأشعار بعد تتبعها فى مظانها من الدواوين وكتب اللغة والمعاجم ، فقد أهمل المؤلف والناسخ هذا الإسناد.

٢ ـ راجعت النص (أ) على النص (ب) فى دار الكتب كلمة كلمة ، وأثبت فى الحاشية الاختلاف بين النسختين ، كما رجعت فى استيضاح كثير من النصوص إلى كتب اللغة المختلفة التى أثبتها فى مواطنها.

٣ ـ قمت بعمل الفهارس المختلفة المثبتة فى نهاية ذلك الكتاب.

وبعد فهذا المجهود الذى قمت به فى إخراج كتاب البيان فى غريب إعراب القرآن وفى دراسة حياة مؤلفه والعناية بدارسة كتابه هذا أقدمه إلى القارئ العربى المعنى بالدراسات اللغوية ، ولا أدعى أنى عملت الكمال فى هذا فهى خطوة أدعو الله أن يوفقنى فى متابعة أمثالها. فما عملنا هذا إلا خدمة للغتنا العربية الخالدة ، وبخاصة إذا كان الكتاب يعرض لناحية من كتاب الله الكريم ، دستور الدين الحنيف ورمز الصحة اللغوية وعنوان البلاغة العربية فى أعلا درجاتها.

وأشكر كل من عاوننى فى عملى هذا ، وقد أبى الجميع أن أذكر أسماءهم ، فلهم جزاء العلماء المخلصين ، والله الموفق والمعين.

دكتور

طه عبد الحميد طه

مدرس اللغويات

بكلية الآداب جامعة عين شمس

٢٨

بسم الله الرحمن الرحيم

ربّ يسّر وأعن ، وسهّل وبلّغ ؛ وصلّى الله على نبيه محمد.

الحمد لله منزل الذكر الحكيم والصلاة الدائمة على المصطفى محمد عبده ونبيه الكريم ، وعلى آله وصحبه أولى النّهج القويم ، ما صدحت الورق بشجوها على شجرها الوارق العميم.

وبعد .. فقد لخّصت فى هذا المختصر غريب إعراب القرآن ، على غاية من البيان ، توخّيا للتفهيم ، والله تعالى ينفع به ، إنه هو البر الرحيم.

٢٩
٣٠

غريب إعراب سورة الفاتحة

قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) :

الباء : من (بسم الله) : زائدة ، ومعناها الإلصاق ، وكسرت لوجهين :

أحدهما : لتكون حركتها من جنس عملها.

والثانى : فرقا بينها وبين ما لا يلزم الجر؟ فيه كالكاف ، وحذفت الألف من (بسم الله) فى الخط ، لكثرة الاستعمال ، وطولت الباء لمكان حذف الألف ، ولا تحذف فى غير(بسم الله) ، ولهذا كتب ، اقرأ باسم ربك (١) ولا تحذف الألف منه إذا أدخلت عليه غير الباء من حروف الجر ، كقولك : لاسم الله حلاوة ، ولا اسم كاسم الله.

واختلف النحويون فى موضع الجار والمجرور على وجهين :

فذهب البصريون إلى أنه فى موضع رفع ، لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ،

__________________

(١) فى الأصل (بسم) وجاء فى المطالع النصرية. المطبعة الأميرية سنة ١٣٠٢ ه‍ ص ١٧٠ «أما الهمزة فتحذف فى موضعين :

الأول : أن يسبقها همزة الاستفهام كأن تقول : اسمك زيد أم عمرو.؟

الثانى : فى البسملة الكريمة الكاملة ، فتحذف منها ألف اسم لكثرة الاستعمال ، بشرط أن لا يذكر متعلق الباء ، لا متقدما ولا متأخرا ، فإن ذكر متقدما ، نحو : أتبرك باسم الله ، أو أستعين باسم الله ـ أو مؤخرا مثل : باسم الله الرحمن الرحيم استفتح ، أو أستعين مثلا ، لم تحذف ، وكذا لا تحذف إذا اقتصر على الحلالة ، ولم يذكر الرحمن الرحيم ، كما فى قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها). كما نص عليه فى الشافعية. قال : وهو الأصح ، خلافا للفراء. وجاء فى الهمع أن الكسائى جوز حذفها ، ولو أضيف إلى الجلالة كالرحمن والقاهر ، وردّه الفراء. وقال هذا باطل ولا يجوز أن تحذف ، إلا مع الله ، لأنها كثرت معه ، فإذا عدوت ذلك ، أثبت الألف وهو القياس».

٣١

ابتدائى بسم الله ، أى : كائن باسم الله ، ولا يجوز أن يكون متعلقا (١) بالمصدر ، لئلا يبقى المبتدأ بلا خبر.

وذهب الكوفيون إلى أنه فى موضع نصب بفعل مقدّر ، وتقديره : ابتدأت بسم الله.

وكذلك اختلفوا فى اشتقاق الاسم :

فذهب البصريون إلى أنه مشتق من السّموّ وهو العلوّ.

وذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من الوسم وهو العلامة.

والصحيح ما ذهب إليه البصريون ، وقد بيّناه مستوفى فى كتابنا الموسوم بالإنصاف ، فى مسائل الخلاف (٢) وغيره من كتبنا.

وحذفت الألف من (الله) فى الخط ، لكثرة الاستعمال ، ولذلك أيضا حذفت ألف (الرحمان).

والأصل فى الله : (إلاه) ، من أله (٣) إذا عبد ، وهو مصدر بمعني مألوه : أى معبود ، كقولهم : خلق الله ، بمعنى مخلوق ؛ قال الله تعالى :

(هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ). (٤)

__________________

(١) متعلق (أ) ولعله تصحيف سمعى من الكاتب.

(٢) المسألة رقم (١) الإنصاف ١ / ٤.

(٣) والله أصله (إلاه) على فعال بمعنى مفعول ، لأنه مألوه. (اللسان مادة أل ه). «ومادته قيل : لام وياء وهاء من (لاه يليه) : ارتفع ... وقيل : لام وواو وهاء من (لاه يلوه) احتجب. وقيل : الألف زائدة ومادته همزة ولام من (أله) أى فزع. وقيل : مادته واو ولام وهاء من (وله) أى طرب. وأبدلت الهمزة فيه من الواو» البحر المحيط ١ / ١٥

(٤) سورة لقمان ١١

٣٢

أى مخلوق الله.

وقيل من (ألهت) أى تحيّرت ، فسمى سبحانه (إلها) لتحيّر العقول فى كنه ذاته وصفاته ، ثم أدخلت عليه الألف واللام ، وحذفت الهمزة ، وألقيت حركتها على اللام الأولى ، فاجتمع حرفان متحركان من جنس واحد ، فأسكنت اللّام الأولى ، وأدغمت فى الثانية ، وألزم التفخيم.

وقيل أصله (ولاه) من الوله ، لأنه يوله إليه فى الحوائج ، فأبدلوا من الواو المكسورة همزة ، كقولهم فى وشاح إشاح ، وفى وسادة إسادة ، ثم أدخلوا عليه الألف واللام ، وحذفوا الهمزة ، وأدغموا ، وفخّموا ، على ما بيّنا فى الوجه الأوّل.

وقيل هو من (لاهت العروس تلوه) : إذا احتجبت ، فهو سبحانه سمّى إلها لأنه احتجب من جهة الكيفية عن الأوهام.

وقيل : أصله (لاه) والألف فيه منقلبة عن ياء كقولهم : لهى أبوك. يريدون لله أبوك ، فأخّرت اللام إلى موضع العين لكثرة الاستعمال ، واللام من (الله) هاهنا مرقّقة لمكان الكسره قبلها ، فإن العرب تفخّمها إذا كان قبلها ضمة أو فتحة ، وترققها إذا كان قبلها كسرة ، فالضمة كقوله تعالى :

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)(١).

والفتحة (٢) كقوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)(٣).

والكسرة كقوله تعالى :

(يُؤْمِنُ بِاللهِ)(٤).

__________________

(١) سورة الفتح ٢٩

(٢) عند هذه العلامة بدأ المخطوط ب

(٣) سورة النساء ١١ ، ٢٤

(٤) سورة البقرة ٢٣٢ وغيرها

٣٣

والتفخيم فى اللام من (الله) من خواصّ هذا الاسم ؛ فإنّ لهذا الاسم (جلّ مسمّاه) من الخواصّ ما ليس لغيره ، فمنها التاء فى القسم نحو ، تالله ولا يقال : تالرّحمن ولا تالرّحيم ومنها (ها (١)) التى قامت مقام واو القسم ، نحو ، لاها الله ، أى : لا والله. ولا يقال ذلك فى غيره من الأسماء. ومنها جواز قطع الهمزة منه فى النّداء نحو : يا ألله. ومنها نداؤهم إيّاه من غير إدخال (أيها) فيه نحو ، يالله (٢) بخلاف كل ما فيه الألف واللام ، نحو ، يأيها الرجل ، ويأيها الغلام. فإنه لا ينطق به إلا بالألف واللام ، بخلاف نحو ، الرجل والغلام. ومنها إعمال حرف الجرّ فيه (٣) مع الحذف فى القسم ، نحو ، الله لأفعلنّ أى : والله. ومنها دخول الميم المشدّدة فى آخره عوضا عن (يا) فى أوّله نحو ، اللهمّ. وإذا كانت الأسماء الأعلام لها من الخواصّ ما ليس لغيرها ، فكيف لا يكون لهذا الاسم ـ جلّ مسمّاه. وهو علم الأعلام ومعرفة المعارف.

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ).

مبتدأ وخبر ، ويجوز نصبه على المصدر ، وكسرت اللّام فى (لله) كما كسرت الباء فى (بسم الله).

وقيل : الأصل فى اللّام الفتح بدليل أنّها تفتح مع المضمر ، وإنما كسرت مع المظهر للفرق بينها وبين لام التوكيد.

وقراءة من قرأ بكسر الدال من (الحمد) إتباعا لكسرة اللّام من (الله) كقولهم فى (منتن ، منتن) فكسرت الميم إتباعا لكسرة التاء.

وقراءة من قرأ بضمّ اللام إتباعا لضمة الدال كقولهم : (منتن) بضم التاء

__________________

(١) «هاء» كتبت هذه اللفظة فى نسخة أ (هاء) وفوقها (معا) يريد بذلك أنها تقرأ بالمد وبالقصر

(٢) «يالله» أ

(٣) «الجر فيه» ب

٣٤

إتباعا لضمة الميم ، فقراءتان ضعيفتان فى القياس ، قليلتان فى الاستعمال لأن الإتباع إنما جاء فى ألفاظ يسيرة لا يعتدّ بها فلا يقاس عليها.

قوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢)

مجرور على الوصف ويجوز فيه الرفع والنصب ، فالرّفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف وتقديره ، هو ربّ العالمين. والنصب على المدح ، وعلى النداء كذلك.

قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٤)

فى علة (١) الجرّ والرفع والنّصب. ومن قرأ (مالك) لم يجز فيه أن يكون مجرورا على الصّفة كما ذكر النّحّاس (٢) بل على البدل لأنّ (مالك) اسم فاعل من الملك ، جار على الفعل واسم الفاعل إذا كان للحال أو الاستقبال فإنّه لا يكتسب التعريف من المضاف إليه ، وإذا لم يكتسب التعريف كان نكرة والنكرة لا تكون صفة للمعرفة فوجب أن يكون مجرورا على البدل ، لا على الصّفة.

و (يَوْمِ الدِّينِ) ظرف جعل مفعولا على السّعة فلذلك أضيف إليه.

وقد روى عن أبى عمرو (٣) أنه قرأ : (ملك يوم الدين) بسكون اللام وأصله «ملك» بكسر اللام على فعل ، إلا أنه حذفت كسرة العين كما قالوا فى كتف : كتف. وفى فخذ. فخذ ، وفى مالك خمس قراءات وهى : مالك ، وملك ، وملك ، ومليك ، وملاك.

وفيها فى العربية أحد وثلاثون وجها. يقال : مالك بالجرّ على البدل ، والرفع على

__________________

(١) ب : على.

(٢) هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل ، المعروف بالنحّاس ، أخذ عن أبى إسحاق الزجّاج ، له كتب مفيدة فى القرآن وتفسير أسماء الله. توفى سنة سبع وثلثمائة.

(٣) أبو عمرو بن العلاء. إمام فى اللغة والنحو والشعر. أخذه عن أئمتها : أبو زيد ، أبو عبيدة والأصمعى بن عمار بن العريان. توفى سنة أربع وخمسين ومائة.

٣٥

تقدير مبتدإ ، والنصب على المدح ، وعلى النداء ، وعلى الحال ، وعلى البدل على قراءة من قرأ :

(رَبِّ الْعالَمِينَ)

بالنصب. فهذه ستة أوجه وفى «ملك» مثلها ، وفى «مليك» مثلها وفى «ملك» مثلها وفى «ملاك» مثلها. فهذه خمس قراءات فى كل قراءة ستة أوجه ، وخمسة فى ستة ثلاثون ، والأحد والثلاثون قراءة أبى حيوة (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).

قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (٥)

اختلف النحويون فى «إيّاك» فذهب المحقّقون إلى أنه ضمير منصوب منفصل ، وأن العامل فيه (نعبد) والكاف للخطاب ولا موضع لها من الإعراب ولا يعمل فيه إلّا ما بعده لا ما قبله إلا أن تأتى بحرف الاستثناء نحو ، ما نعبد إلّا إيّاك ، فإن قدّمت الفعل عليه من غير استثناء صار الضمير المنفصل ضميرا متصلا فقلت : نعبدك ، فأما قول الشاعر :

١ ـ إليك حتى بلغت إيّاكا (١)

فلا يقاس عليه لأنه إنما يجوز فى ضرورة الشعر لا فى اختيار الكلام.

وذهب آخرون إلى أنه ضمير مضاف إلى ما بعده ، ولا يعلم ضمير أضيف إلى غيره.

وذهب آخرون إلى أنه اسم مبهم ، ولا يعلم إسم مبهم أضيف غيره.

وذهب آخرون إلى أنه اسم مظهر مضاف إلى ما بعده ، ويحكون عن العرب : إذا بلغ الرجل الستّين فإيّاه وإيّا الشّوابّ ، بالجر.

__________________

(١) من شواهد سيبويه (١ / ٣٨٣) ولم يذكر صاحبه ، ونسبه الأعلم الشنتمرى إلى حميد الأرقط.

٣٦

وذهب آخرون إلى أن (إيّا) عماد والضمير ما بعده من الكاف وغيرها ، وهى فى موضع نصب.

وذهب آخرون إلى أن (إيّاك) بكماله الضمير ، والذى أختاره الأوّل ، وقد بينا ذلك مستوفى فى كتابنا الموسوم بالإنصاف ، فى مسائل الخلاف (١). ومن العرب من يبدل الهمزة فى (إيّاك) هاء ، فيقول : هيّاك ، قال الشاعر :

٢ ـ فهيّاك والأمر الذى إن توسّعت

موارده ضاقت عليك المصادر (٢)

أراد إياك.

وقال آخر :

٣ ـ يا خال هلّا قلت إذ أعطيتنى

هيّاك هيّاك وحنواء العنق (٣)

أراد إياك.

وهم مما يفعلون ذلك ، فإنهم يقولون فى إبرية ، هبرية وهو الحزاز فى الرأس. وفى أرحت الدابة ، هرحت ، وفى أنرت الثوب هنرته. وقالوا : مهيمن وأصله مؤيمن ، إلى غير ذلك.

__________________

(١) الإنصاف مسألة ٩٨ ، ٢ / ٤٠٦

(٢) دايوان الحماسة ٢ / ٣ واللسان ٢٠ / ٣٢٢ وبعده :

فما حسن أن يعذر المرء نفسه

وليس له من سائر الناس عاذر

(٣) (شرح المضمون به على غير أهله) ص ٢٦ لعبيد الله بن عبد الكافى ـ مطبعة السعادة ١٩١٣ ـ «... والحانية والحنواء من الغنم : التى تلوى عنقها لغير علة ، وكذلك هى من الإبل ، وقد يكون ذلك من علة. أنشد اللحيانى عن الكسائى (البيت). (اللسان : حنا).

٣٧

قوله تعالى : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥)

أصل نستعين : نستعون : نستفعل من العون ، فنقلت الكسرة من الواو إلى ما قبلها فسكنت الواو ، وانكسر ما قبلها فقلبت ياء نحو ، ميعاد وميزان وميقات وأصلها : موعاد وموزان وموقات لأنها من الوعد والوزن والوقت. ويجوز أن تكسر النون والتاء والألف فى هذا الفعل ونظيره فى لغة بعض العرب (١) ولا يجوز ذلك فى الياء ، لأنّ الكسرة من جنس الياء ، فلو فعلوا ذلك لأدّى إلى الاستثقال بخلاف غيرها.

قوله تعالى : (اهْدِنَا) (٦)

سؤال وطلب ، وحكمه حكم الأمر مبنىّ عند البصريّين معرب مجزوم عند الكوفيّين ، وأصله ، اهدينا ، فحذفت الياء للبناء عند البصريين وللجزم عند الكوفيين ، والهمزة فيه همزة وصل وأصلها الكسر عند البصريين ، والسكون عند الكوفيين ، وكسرت لسكونها وسكون ما بعدها.

ومنهم من قال : كسرت لكسر الثالث وقد بيّنا الخلاف فى ذلك كله مستوفى فى كتاب الإنصاف (٢).

(واهدنا) يتعدّى إلى مفعولين ، يجوز الاقتصار على أحدهما وهما هاهنا (نا والصّراط) وأصل الصّراط ، السّراط. إلا أنهم أبدلوا من السّين صادا لتوافق الطاء فى الإطباق ، ومنهم من أبدل منها أيضا زايا فقالوا : الزّراط لتوافق الزاى فى الجهر لأنّها مهموسة ، ومنهم من أشمّ الصاد شيئا من الزّاى لأنه رأى جهر الطاء وإطباق فأتى بالصّاد مراعاة للإطباق وأشمّها شيئا من الزّاى مراعاة للجهر.

قوله تعالى : (الْمُسْتَقِيمَ) (٦)

__________________

(١) (فى هذا الفعل ونظيره فى لغة بعض العرب (ا) حرف المضارعة.

(٢) الإنصاف (فعل الأمر مبنى أو معرب) المسألة ٧٢ ، ٢ ـ ٣٠٣. الإنصاف أصل الحركة فى همزة (الوصل) المسألة ١٠٧ ، ٢ ـ ٤٣٥.

٣٨

أصله : مستقوم (١). فنقلت الكسرة إلى ما قبلها فسكنت الواو وانكسر ما قبلها فقلبت ياء على ما بينا فى (نستعين).

قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (٧)

(صراط) بدل من الصراط الأوّل ، والعامل فى البدل غير العامل فى المبدل منه عند الأكثرين ، وهو العامل فى المبدل منه عند الآخرين.

و (الّذين) : اسم «موصول» يفتقر إلى صلة وعائد ، وهو صيغة مرتجلة للجمع ، وليس بجمع (الّذى) على حد زيد وزيدين ، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون معربا ، ويكون فى الرفع بالواو والنّون ، وفى الجرّ والنّصب بالياء والنّون ، وليس كذلك بل هو مبنى على صورة واحدة فى جميع الأحوال ولا تخريج على لغة من قال : اللّذون فى الرفع ، واللذين فى الجر والنصب ، لقلّتها وشذوذها ، وأصله أن تكتب بلامين إلّا أنّهم حذفوا إحداهما لكثرة الإستعمال ، كما فعلوا ذلك فى الواحد ، لأنه مبنىّ مثله ، بخلاف التّثنية ، فإنها كتبت بلامين على الأصل ، كما كانت باقية فى الإعراب على الأصل ، وإنما كانت باقية فى الإعراب على الأصل ، لأنها تختلف ولا تأتى على مثال واحد ، وصلة (الذين) قوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، والعائد منها الهاء والميم فى (عليهم). وأصل عليهم ، عليهمو. بضمّ الهاء ، وإثبات الواو ، فحذفت الواو تخفيفا ، والميم والواو علامة لجمع المذكر ، كما كانت النّون المشدّدة فى : (عليهنّ) علامة لجمع المؤنث ، فتكون علامة المذكر بحرفين ، كما كان علامة المؤنّث بحرفين ، لئلا يكون المذكر أنقص من المؤنث ، والمذكر أقوى من المؤنث. وإنما حذفت الواو فى الجمع ، دون الألف فى التّثنية ، لأنّ الواو أثقل والألف أخفّ ، والحذف للأثقل لا للأخفّ.

ويجوز أيضا كسر الهاء لمكان الياء ، لأنّ الياء تجلب الإمالة فى الألف ، فجعلوا الكسرة فى الهاء بمنزلة الإمالة فى الألف ، لأنّها تشبهها.

__________________

(١) (المستقوم) ب.

٣٩

ومنهم من قال (١) : لا ينبغى أن تكسر الهاء لأجل الياء ، لأنّ الأصل فى (عليهم) علاهم ، ألا ترى أنّك تقول مع المظهر : على زيد ، فأصل هذه الياء ألف وقلبت مع المضمر ياء لتفرق بينها وبين الألف فى الأسماء المتمكّنة نحو ، رحاهم وعصاهم ؛ وإذا كان الأصل فيها الألف ، فينبغى ألّا تكسر كما لا تكسر فى رحاهم وعصاهم.

ويجوز أيضا ، عليهمى ، بإثبات الياء مع كسر الهاء ، لأنّهم كسروا الميم إتباعا لكسرة الهاء ، فانقلبت الواو التى فى الأصل ياء ، لسكونها وانكسار ما قبلها ؛ وموضع الجار والمجرور نصب (بأنعمت) ، ولا موضع لهذه الجملة من الإعراب ، لأنّها لم تقع موقع مفرد ، لأنّها وقعت صلة اسم موصول ، والأسماء الموصولة إنما توصل بالجمل ، لا بالمفردات.

قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) (٧)

«غير» : يجوز فيه الجرّ والنصب ، فأما الجرّ ، فمن ثلاثة أوجه :

أحدها ، أن يكون مجرورا على البدل من الضّمير فى (عليهم).

والثانى ، أن يكون مجرورا على البدل من (الذين).

والثالث ، أن يكون مجرورا على الوصف (للّذين) (٢) لأنّهم لا يقصد بهم أشخاص مخصوصة ، فجرى مجرى النكرة فجاز أن يقع وصفا له ، وإن كانت مضافة إلى معرفة.

وأما النصب فمن ثلاثة :

الأول ، أن يكون منصوبا على الحال من الهاء والميم فى (عليهم) ، أو من (الذين).

والثانى ، أن يكون منصوبا بتقدير ، أعنى.

__________________

(١) (لا) أ

(٢) هذا الكلام فى أ

٤٠