البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-176-5
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢

كان ، هاهنا تامة بمعنى حدث ووقع ، ولا تفتقر إلى خبر. كقول الشاعر :

٤٣ ـ إذا كان الشتاء فأدفئونى (١)

أى ، حدث ووقع. وذ عسرة ، عامّ فى حق كل أحد ، ولو قال : ذا عسرة على خبر (كان) لصار مخصوصا فى قوم بأعيانهم. فنظرة ، خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فشأنه أو حاله فنظرة إلى ميسرة. وميسرة ، فيها لغتان :

ميسرة بفتح السين على مفعلة ، وميسرة بضم السين على مفعلة ، وقرئ إلى ميسرة بالإضافة على مفعل مفعلة ، ومفعل فى كلامهم قليل.

وقيل : لم يأت إلا فى كلمتين : مكرم ومعون ، فى جمع مكرمة ومعونة. قال الشاعر :

٤٤ ـ ليوم روع أو فعال مكرم (٢)

وقال آخر :

٤٥ ـ بثين الزمى (لا) إنّ (لا) إن لزمته

على كثرة الواشين أىّ معون (٣)

وأن تصدقوا ، مبتدأ. وخير لكم ، خبره. وتصدقوا يقرأ بالتشديد والتخفيف ، وأصله تتصدقوا فكرهوا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد فى كلمة واحدة ،

__________________

(١) الشطر الأول من بيت ، والشطر الثانى : فإن الشيخ يهرمه الشتاء. وهو للربيع بن ضبع الفزارى ـ الاقتضاب للبطليوسى ص ٣٦٩.

(٢) عزاه ابن السيد فى الاقتضاب ـ ٤٦٩ للأخزر الحمانى. وانظر شواهد الشافية ص ٦٨ ، و (الخصائص ٣ : ٢١٢).

(٣) البيت لجميل بثينة ، واسمه جميل بن عبد الله بن معمر العذرى شاعر إسلامى. توفى سنة ٨٠ ه‍.

١٨١

فمنهم من أدغم وشدّد ، ومنهم من حذف إحدى التاءين طلبا للتخفيف ، وقد بينا ذلك فيما تقدم.

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) (٢٨١).

يوما ، منصوب لأنه مفعول (اتقوا). وترجعون ، جملة فعلية فى موضع نصب لأنه صفة يوم ، و (رجع) يكون لازما ومتعديا ، يقال : رجع زيد ورجعته كما يقال : زاد الشىء وزدته (١) ، ونقص ونقصته ، وغاض الماء وغضته ، ووقف زيد ووقفته ، وخسأ الكلب وخسأته ، ومدّ النهر ومدّه نهر آخر.

قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) (٢٨٢).

كما ، فى موضع نصب ، وبماذا يتعلق؟ فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون متعلقا (بيكتب).

والثانى : أن يكون متعلقا بقوله : فليكتب. والهاء فى (وليه) تعود على (المدين).

قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (٢٨٢).

فى رفعه وجهان :

أحدهما : أن يكون (فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) (٢) خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فالشاهد رجل وامرأتان.

والثانى : أن يكون مرفوعا بتقدير فعل وتقديره ، فليكن رجل وامرأتان ، ويكون (فليكن) تامة.

و (ممن ترضون من الشهداء) فى موضعه ثلاثة أوجه : الجر والنصب والرفع.

__________________

(١) (زيدته) فى أ.

(٢) ساقطة من ب.

١٨٢

فالجر على أنه بدل من قوله : من رجالكم.

والنصب على الوصف بشهيدين ، أى ، شهيدين ممن ترضون.

والرفع على أنه وصف لقوله : رجل وامرأتان ، أى رجل وامرأتان ممن ترضون.

وأن تضل ، يقرأ بفتح الهمزة وكسرها ، فمن فتحها كانت (أن) مصدرية فى موضع نصب بتقدير فعل ، وتقديره ، يشهدون أن تضل (١) إحداهما ، ومن كسر (إن) جعلها شرطية وجوابه رفع لأنه وصف لقوله : وامرأتان ، والشرط والجزاء يكونان صفة للنكرة كما يكونان خبرا للمبتدأ.

قوله تعالى : (أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) (٢٨٢).

صغيرا وكبيرا ، منصوبان على الحال من الهاء فى (تكتبوه) وهى عائدة على الدين.

قوله تعالى : (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً). (٢٨٢).

أن وصلتها ، فى موضع نصب بأدنى وتقديره ، وأدنى من ألّا ترتابوا ، فحذف حرف الجر فاتصل به. وإلا أن تكون تجارة ، أن وصلتها فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع.

وتجارة ، تقرأ بالرفع والنصب ، فالرفع على أن تكون تامة لا تفتقر إلى خبر ، والنصب على أن تكون ناقصة فيكون خبرها ، واسمها مقدر فيها والتقدير ، إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة.

قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (٢٨٢).

يجوز أن يكون الكاتب والشهيد فاعلين ليضار فيكون أصله ، يضار بكسر الراء

__________________

(١) (ولا تضل) ب.

١٨٣

الأولى ، وأن يكونا مفعولين لما لم يسمّ فاعله فيكون أصله ، يضارر بفتحها فأدغمت الراء الأولى فى الثانية على ما قدمنا فى قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ) ، والأحسن أن يكونا فاعلين لقوله تعالى : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) يخاطب الكتّاب والشهود.

قوله تعالى : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٢٨٣).

وقرئ (فرهان مقبوضة) وكلاهما جمع رهن ، وزعم قوم أن (رهن) جمع رهان ، جمع الجمع ، والأكثرون على الأول لأن جمع الجمع إنما يسمع سماعا ولا يقاس عليه لقلته. ورهان فى جمع رهن ك (كلام) فى جمع كلم ، وكعاب فى جمع كعب ، وهو كثير فى كلامهم ، ورهن فى جمع رهن كسقف فى جمع سقف وقد يجوز أن يقال : فى رهن رهن ، وفى سقف سقف بسكون العين طلبا للتخفيف ، كما قالوا فى : رسل رسل ، وفى كتب كتب ، وكذلك فى كل جمع جاء على فعل بضم العين ، فإنه يجوز فيه فعل بسكونها حتى جعله بعضهم قياسا مطردا فى كل ما جاء على فعل ، وإن كان مفردا نحو عنق وعنق ، وأكل وأكل طلبا للتخفيف ، إلا أن التخفيف فى الجمع أقيس من المفرد لثقل الجمع وخفة المفرد. ورهن مقبوضة ، مبتدأ ، وخبره مقدّر وتقديره ، ورهن مقبوضة تكفى من ذلك.

قوله تعالى : (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) (٢٨٣).

أوتمن ، أصله : أؤتمن على وزن افتعل ، إلا أنه أبدلت الهمزة الثانية واوا لسكونها وانضمام ما قبلها فصار ، أوتمن ، فإن وصلتها بما قبلها حذفت الهمزة المضمومة لأنها همزة وصل فيقرأ ، الذى اؤتمن. بذال مكسورة بعدها همزة ساكنة خالصة كالهمزة فى بئر وذئب ، وقد قرئ : الذى ايتمن بياء وهى بدل من الهمزة الساكنة التى هى فاء الفعل من اؤتمن ، وإنما أبدلت الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، كما قالوا فى بئر بير ، وفى ذئب ذيب. وقد قرئ بهما. قال الله تعالى :

١٨٤

(وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ)(١)

وقال تعالى :

(فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)(٢)

بغير همز ، وهذا قياس مطرد فى كل همزة ساكنة مكسور ما قبلها أن تقلب ياء ، فالياء التى فى اللفظ فى (الذى) هى فاء الفعل من (اوتمن) ، وياء الذى حذفت لالتقاء الساكنين ، ولا يجوز أن تشمّ الهمزة فى (اؤتمن) شيئا من الضمة اعتبارا بضمة همزة الوصل فى الأصل ، لأن أصله أؤتمن. لوجهين :

أحدهما : أن همزة الوصل تسقط فى الدّرج ، فنقل الحركة عنها محال.

والثانى : أن هذا على خلاف كلام العرب لأنهم إنما ينقلون حركة الحرف إلى ما قبله لا إلى ما بعده ، وهذا نقل إلى ما بعده لا إلى ما قبله ، فكان على خلاف كلامهم ، فلا وجه لإشمام الهمزة من (اؤتمن) لأنها لا حركة لها أصلا ، وليس هذا كما حكى من أنه قرئ : فى القتلى الحر. بإشمام الفتحة على اللام الكسرة مع حذف الألف بعدها ، كما كان يميل ، والألف ثانية لأن الألف المحذوفة فى القتلى فى حكم الثبات لأنها حذفت لالتقاء الساكنين ، وما حذف لالتقاء الساكنين فى حكم الثابت الموجود ، ألا ترى أنه قرأ (٣) بعضهم :

(وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ)(٤)

فنصب النهار مع حذف التنوين كما ينصب مع إثباته ، وأنشدوا :

__________________

(١) سورة الحج ٤٥.

(٢) سورة يوسف ١٧.

(٣) (قرئ) فى أ.

(٤) ٤٠ سورة يس.

١٨٥

٤٦ ـ فألفيته غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلا قليلا (١)

فنصب الاسم مع حذف التنوين ، كما ينصب مع إثباته لأنه فى تقدير الثبات فكذلك هاهنا أميلت الفتحة فى (القتلى) لمكان الألف ، وإن كانت محذوفة لأنها فى تقدير الثبات ، بخلاف إشمام الهمزة الضمة هاهنا ، بان الفرق بينهما.

قوله تعالى : (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (٢٨٣).

آثم قلبه ، فيه ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون آثم خبر (إن) وقلبه ، مرفوع ارتفاع الفاعل بفعله.

والثانى : أن يكون قلبه مبتدأ. وآثم ، خبره وقد تقدم عليه ، والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع رفع لأنها خبر (إن).

والثالث : أن يكون آثم ، خبر إن. وقلبه ، بدلا من المضمر المرفوع فى آثم ، وهو بدل البعض من الكل كقولك : ضرب زيد رأسه ، وقطع عمر ويده.

قوله تعالى : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (٢٨٤).

يجوز فى (فيغفر) الجزم والرفع والنصب ، فالجزم بالعطف على (يحاسبكم). والرفع على الاستئناف وتقديره ، فهو يغفر والنصب ضعيف وهو على تقدير (أن) بعد الفاء ، ونصب الفعل بها وجعلها مع الفعل فى تقدير المصدر ليعطف بالفاء مصدرا على مصدر حملا على المعنى دون اللفظ كأنه قال : إن يكن إبداء أو إخفاء منكم فمحاسبة فغفران منّا. وهذه القراءة ليست بقوية فى القياس لأنه إذا استوفى الشرط الجزاء ضعف النصب ، ونظير هذه القراءة فى الضعف فى القياس.

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ح ١ ص ٨٥ ، وقال : زعم عيسى ان بعض العرب ينشد هذا البيت لأبى الأسود الدؤلىّ.

١٨٦

قوله تعالى : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ. وَيَعْلَمَ)(١)

بنصب الميم ، وإن كان على هذه القراءة كثير من القرّاء (٢) بخلاف (فيغفر) ، وقد فرّق بعض النحويين بينهما فقال : إنما قوى النصب فى (ويعلم) لأنه قد وجد مع جواز النصب سبب آخر ، وهو فتح اللام قبل الميم ، فلما اجتمع سببان قوى النصب الذى كان ضعيفا مع سبب واحد ؛ فلهذا كثرت القراءة بالنصب فى (ويعلم) ولم تكثر فى (فيغفر) لأن الفاء فى (فيغفر) مكسورة لا مفتوحة فبان الفرق.

قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (٢٨٥).

والمؤمنون ، فى رفعه وجهان :

أحدهما : أنه مرفوع لأنه معطوف على (الرسول) فكأنه قال : آمن الرسول والمؤمنون.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ. (وكلّ (٣)) ، مبتدأ ثان. وآمن بالله ، خبره. والجملة من المبتدأ والخبر خبر المبتدأ الأول ، وهو (المؤمنون) والعائد من الجملة إليه محذوف وتقديره ، كلهم آمن بالله. فحذف المضاف إليه وهو فى حكم المنطوق به ، ولهذا جاز أن يكون مبتدأ. وقال : (آمن) بالإفراد ولم يقل آمنوا بالجمع حملا على لفظ كل ، لأن كلا فيه إفراد لفظى وجمع معنوى ، ولهذا يجوز أن نقول : كل القوم ضربته. حملا على اللفظ ، وكل القوم ضربتهم حملا على المعنى ، و (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ

__________________

(١) ٣٤ ، ٣٥ سورة الشورى.

(٢) (القراءة) فى أ ، ب.

(٣) ساقطة من ب.

١٨٧

مِنْ رُسُلِهِ) أضاف (بين) إلى أحد لأن المراد به هاهنا الكثرة ، لأن (أحدا) فى سياق النفى يدل على الكثرة كقوله تعالى :

(وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)

ثم قال :

(فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما)(١).

ونظائره كثيرة فى كتاب الله وكلام العرب ، ولو كان المراد به الواحد لما جاز إضافة (بين) إليه ، لأنها لا تضاف إلى الواحد ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال : المال بين زيد. حتى يقول : وعمرو.

قوله تعالى : (غُفْرانَكَ رَبَّنا) (٢٨٥).

غفرانك ، منصوب على المصدر ، يقال : غفر غفرانا ، كما يقال : كفر كفرانا ، وهو هاهنا منصوب بفعل مقدر ، وتقديره ، اغفر لنا غفرانك. فحذف للعلم به ، والحذف للعلم بالمحذوف لوجود الدلالة عليه كثير فى كلامهم والله أعلم.

__________________

(١) سورة البقرة ١٠٢

١٨٨

غريب إعراب سورة آل عمران

قوله تعالى : (الم. اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (١ ، ٢)

الكلام على (ألم) كالكلام على (الم ذلِكَ الْكِتابُ) ، إلا أنه فتحت الميم هاهنا لسكونها وسكون اللام بعدها.

وقيل : فتحت لسكونها وسكون الياء قبلها ، ولم ينو الوقف عليها.

وقيل : فتحت لأنه ألقى عليها حركة همزة الوصل من الله.

وقيل : إن الألف فى الله قطع وكذلك كل ألف مع لام التعريف لأن (أل) بمنزلة (قد) وإنما وصلت لكثرة الاستعمال ، فنقلت حركتها إلى الميم ، لأنها همزة قطع.

والصحيح هو الأول ، وأما قول من قال : إنها فتحت لالتقاء الساكنين ففاسد لأنه لو كان كذلك لوجب فتحها فى (الم ذلِكَ الْكِتابُ) وفى (حم) وفى (ن) وفى كل حرف من حروف التهجى التى فى أوائل السور ، فلما لم تفتح دل على أن هذا التعليل ليس عليه تعويل.

وأما قول من قال : إنها فتحت لأنه ألقى عليها حركة همزة الوصل ففاسد أيضا ، لأن همزة الوصل تسقط فى الدّرج فكذلك حركتها ، وإنما تنتقل حركة همزة القطع لأنها تستحق أن تثبت فى الوصل.

وأما قول من قال : إن الأصل فى الألف مع لام التعريف القطع ، لأن (أل) بمنزلة (قد) ففاسد من ثلاثة أوجه :

الأول : أنه يعمل ما قبلها فيما بعدها ، ولو كانت بمنزلة قد لم يعمل.

١٨٩

والثانى : أنه لا يعدّ اجتماع رجل والرجل ، وغلام والغلام فى القافية إيطاء ولو كانت بمنزلة (قد) لعدّ إيطاء.

والثالث : أنك لو قلت : قام زيد وقعد لكان حكم الفعل الثانى حكم الأول فى القرب من الحال. ولو قلت : جاءنى الرجل وغلام. لم يكن الاسم الثانى فى حكم الأول فى التعريف فبان الفرق بينهما ، وقد أفردنا فى هذا كتابا استوفينا فيه القول.

قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢).

قد قدمنا ذكره. ويجوز أن يكون ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) جملة فى موضع نصب على الحال من الله تعالى.

ويجوز أن يكون حالا من المضمر فى (نزّل) وتقديره ، الله نزّل عليك الكتاب متوحّدا.

قوله تعالى : (بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) (٣).

جار ومجرور مع موضع نصب على الحال ، والعامل فيه فعل مقدر وتقديره ، نزّل عليك الكتاب كائنا بالحق. ومصدّقا ، منصوب على الحال من المضمر فى الحق وتقديره ، نزّل عليك الكتاب محققا مصدقا لما بين يديه ، وكلنا الحالين مؤكدة.

قوله تعالى : (التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (٣).

فى التّوراة وجهان.

أحدهما : وهو مذهب البصريين أن تكون فوعلة من ورى الزند يرى وأصله وورية ، فأبدلت الواو الأولى تاء ، وقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

والثانى : وهو مذهب الكوفيين أن تكون تفعلة من ورى الزند. فالتاء زائدة غير منقلبة كالتاء فى توصية ، فأبدلت من الكسرة فتحة فانقلبت الياء ألفا ، كما قالوا فى جارية : جاراة ، وفى ناصية : ناصاة.

والوجه الأول أوجه الوجهين لوجهين :

أحدهما : لأن فوعلة أكثر من تفعلة ، فحمله على الأكثر أولى من الأقل.

١٩٠

والثانى : أن زيادة الواو ثانية فى الأسماء أكثر من زيادة التاء أوّلا ، فكان حمله على الأكثر أولى.

وتقرأ : التورية بالتفخيم والإمالة.

فالتفخيم على الأصل ، والإمالة لأن الألف بدل من الياء على ما قدمنا.

قوله تعالى : (مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ) (٤).

بنيت (قبل) لأنها اقتطعت عن الإضافة فنزلت منزلة بعض الكلمة وبعض الكلمة مبنى ، وبنى على حركة تفضيلا له على ما بنى وليس له حالة إعراب ، وكانت الحركة ضمة لوجهين :

أحدهما : أنهم عوّضوا بأقوى الحركات تعويضا عن المحذوف.

والثانى : أن (قبل) يدخلها النصب والجر تقول : جئت قبلك ، ومن قبلك ، ولا يدخلها الرفع ، فلو بنيت على الفتح أو الكسر لالتبست حركة الإعراب بحركة البناء ، فبنوها على حركة لا تدخلها لئلا تلتبس حركة الإعراب بحركة البناء.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (٧).

منه ، جار ومجرور فى موضع نصب على الحال من الكتاب ، وتقديره ، أنزل عليك الكتاب كائنا منه آيات. وآيات ، مرتفعة به ارتفاع الفاعل بفعله ، لأنه جرى حالا ، لأنه نائب عن كائن. ومحكمات ، صفة لآيات ، وهن أم الكتاب ، جملة اسمية فى موضع رفع لأنها صفة لآيات أيضا ، وأخر ، معطوف على قوله : آيات محكمات. وأخر ، لا ينصرف للوصف والعدل ، فمنهم من قال : هو معدول عن آخر من كذا (١) ، ومنهم من قال : هو معدول عن الألف واللام لأنه على وزن فعل ، وفعل إذا كان صفة

__________________

(١) (كذى) فى أ.

١٩١

جمع فعلى مؤنث أفعل ، فالأصل ألّا يستعمل إلا بالألف واللام أو ما يجرى مجراها نحو ، الصّغر والكبر فى جمع ، الصّغرى والكبرى. فلما لم يستعملوا أخر بالألف واللام والأصل فيها ذلك فقد عدلت عن الألف واللام. والقول الأول فى العدل أقوى القولين.

قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (٧).

الراسخون ، فى رفعه وجهان :

أحدهما : أن يكون مستأنفا مرفوعا بالابتداء ، وخبره ، يقولون آمنا به ودليله قراءة ابن عباس : ويقول الراسخون فى العلم آمنّا به.

والثانى : أن يكون مرفوعا بالعطف على الله تعالى ، فكأنه قال : لا يعلم تأويله إلا الله ويعلمه الراسخون. والهاء فى تأويله ، تعود على المتشابه.

قوله تعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) (١١).

الكاف فى كدأب ، فى موضعها وجهان : الرفع والنصب.

فالرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، دأبهم كدأب آل فرعون.

والنصب على أن يكون متعلقا بفعل دل عليه ما قبله وهو قوله : (أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ* كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ.) أى ، يتوقّدون توقّد آل فرعون. وقال الفراء : تقديره ، كفرت العرب كفرا ككفر آل فرعون.

والذين من قبلهم ، فى موضعه وجهان : الرفع والجر.

فالرفع على الابتداء ، والخبر ، كذبوا بآياتنا ، والجر على أن يكون معطوفا على (آل فرعون).

١٩٢

قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) (١٣).

فئة ، قرئ بالرفع والجر.

فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، إحداهما فئة.

والجر على أنه بدل من فئتين. وهى قراءة الحسن (١) ومجاهد (٢).

وأخرى كافرة ، ويجوز فيه الرفع والجر بالعطف على (فئة) بالرفع والجر. ويرونهم ، قرئ بالتاء والياء ، فالتاء للخطاب والهاء والميم مفعول يرونهم ، وفى موضع الجملة ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون فى موضع نصب على الحال من الكاف والميم فى (لكم).

والثانى : أن يكون فى موضع رفع على الوصف لأخرى.

والثالث : أن يكون فى موضع جر على الوصف لأخرى إن جعلتها فى موضع جر بالعطف على فئة فى قراءة من قرأها بالجر. ومثليهم ، منصوب على الحال من الهاء والميم فى ترونهم ، لأنه من رؤية البصر بدلالة قوله تعالى : (رَأْيَ الْعَيْنِ) والمضمر المنصوب فى ترونهم ، يعود على الفئة الأخرى الكافرة ، والمرفوع فى قراءة من قرأ بالتاء ، يعود على الكاف والميم فى (لكم). وفى قراءة من قرأ بالياء يعود على الفئة المقاتلة فى سبيل الله ، والهاء والميم فى مثليهم ، يعود على الفئة المقاتلة فى سبيل الله وفيه خلاف هذا أظهره :

قوله تعالى : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١٤).

__________________

(١) الحسن هو أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن البصرى ، كان من سادات التابعين وكبرائهم ، جمع من كل فن وعلم ت ١١٠ ه‍.

(٢) مجاهد هو : مجاهد بن جبر ، المكى ، المقرئ المفسر أبو الحجاج المخزومى ت ١٠٤ ه‍.

١٩٣

الله ، مرفوع لأنه (١) مبتدأ. وحسن ، مبتدأ ثانى. وعنده ، خبر عن المبتدأ الثانى ، والمبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدأ الأول ، والمآب ، أصله مأوب على وزن مفعل من آب يئوب ، إلا أنه نقلت حركة الواو إلى الهمزة ، فتحركت الواو فى الأصل ، وانفتح ما قبلها الآن فقلبت ألفا نحو ، مقام ومقال.

قوله تعالى : (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) (١٥).

جنات ، مبتدأ ، وخبره ، للذين اتقوا ، خبر مقدم كقولك لله الحمد (٢). وتجرى من تحتها الأنهار ، جملة فعلية فى موضع رفع صفة جنات. وخالدين فيها ، منصوب على الحال من الذين المجرور باللام.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) (١٦).

الذين ، فى موضع جر على البدل من قوله : للذين اتقوا عند ربهم. وقد قدمنا ما يجوز فيه من الأوجه ، ويجوز أن يكون مجرورا لأنه وصف للعباد فى قوله : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ).

قوله تعالى : (الصَّابِرِينَ) (١٧).

فى إعرابه وجهان :

أحدهما : النصب والجر فالنصب على المدح وتقديره ، أمدح الصابرين ، والجر من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون بدلا من الذين.

والثانى : أن يكون وصفا للذين.

والثالث : أن يكون وصفا للعباد.

__________________

(١) (لأنه خبر مبتدأ) فى أ. ب وهذا خطأ.

(٢) (للبر الجنة) ب.

١٩٤

قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) (١٨).

منصوب على الحال من (هو) ، وهى حال مؤكدة.

قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ١٩.

يقرأ بكسر (إن) وبفتحها ، فمن قرأ بالكسر جعلها مبتدأ ، ومن قرأ بالفتح جاز فى موضعها وجهان ، النصب والجر ، فالنصب على أن يكون بدلا من قوله : (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) بدل الشىء من الشىء وهو هو.

ويجوز أن يكون بدل الاشتمال على تقدير اشتمال الثانى على الأول ، لأن الإسلام يشتمل على شرائع كثيرة منها التوحيد الذى تقدم ذكره كقولك : سلب زيد ثوبه.

والجر على أن يكون بدلا من (القسط) فى قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) وهو بدل الشىء من الشىء وهو هو.

قوله تعالى : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) (١٩).

فى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه مفعول له.

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال من الذين.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩).

من ، شرطية فى موضع رفع بالابتداء ، وخبره ، قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) والعائد من الجملة إلى المبتدأ مقدر وتقديره ، فإن الله سريع الحساب لهم

قوله تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) (٢٠).

١٩٥

ومن اتبعن ، فى موضع رفع من وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالعطف على التاء فى (أسلمت).

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ وخبره محذوف وتقديره ، ومن اتبعن أسلم وجهه لله متبعا.

قوله تعالى : (أَأَسْلَمْتُمْ) (٢٠).

لفظه لفظ الاستفهام ، والمراد به الأمر أى ، أسلموا ، وقد يأتى لفظ الاستفهام والمراد به الأمر. قال الله تعالى :

(فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)(١)

أى ، انتهوا.

قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢١).

خبر (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ) فى أول الآية ودخلت الفاء فى الخبر للإبهام الذى فى الذين مع كون صلته جملة فعلية ولم يغيّر معناها العامل ، ولا يجوز أن تدخل الفاء فى خبر الذى إذا وقع مبتدأ حتى يكون صلته جملة فعلية ، ولم يغير العامل معناها ، فلو كانت صلته جملة اسمية نحو ، الذى أبوه منطلق فقائم ، أو غيّر العامل معناها نحو ، ليت الذى انطلق أبوه فقائم. لم يجز دخول الفاء فى خبره ، وجاز فى ، إن الذى انطلق أبوه فقائم. لأن إنّ معناها التأكيد ، وتأكيد الشىء لا يغيّر معناه.

قوله تعالى : (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣).

منهم ، جار ومجرور فى موضع رفع لأنه صفة فريق وتقديره ، فريق كائن منهم. وهم معرضون ، الواو فيه واو الحال ، والجملة بعده جملة اسمية فى موضع نصب على الحال.

__________________

(١) سورة المائدة ٩١.

١٩٦

قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) (٢٥).

كيف ، استفهام عن الحال ، وهو هاهنا بمعنى التهدّد والوعيد ، وهى هنا فى موضع نصب ، والعامل فيها ما دلت عليه من معنى الفعل وتقديره ، فى أى حال يكونون إذا جمعناهم. وإذا ، موضعها نصب على الظرف ، والعامل فيها ما دلت عليه (كيف) من معنى الفعل. والظرف يكتفى بروائح الفعل وما يدل عليه الكلام من معنى الفعل ، بخلاف غيره من المنصوبات. و (ليوم) ، اللام تتعلق بجمعناهم. ولا ريب فيه ، فى موضع جر صفة ليوم.

قوله تعالى : (مالِكَ الْمُلْكِ) (٢٦).

منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه نداء مضاف وتقديره ، يا مالك الملك.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه وصف (اللهم) لأنه بمنزلة : يا الله ، وكما جاز الوصف مع (يا الله) فكذلك يجوز مع اللهم.

وأنكر سيبويه أن يكون منصوبا على الوصف (للهم) لأنه قد تغير بما فى آخره ، وأجازه الأكثرون.

قوله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) (٢٦).

هذه الجمل كلها جمل فعلية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (مالك). ويجوز أن تكون فى موضع رفع لأنها خبر (١) مبتدأ محذوف وتقديره ، أنت تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء. إلى آخرها.

__________________

(١) أ (فى).

١٩٧

قوله تعالى : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ، وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢٧).

مواضع هذه الجمل كلها فى هذه الآية بمنزلة : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) فى النصب والرفع.

وقرئ ، الميت بالتشديد والتخفيف وهما بمعنى واحد ، وزعم بعضهم أن الميت ما مات والميّت ما سيموت ، وتمسّك بقوله تعالى :

(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(١)

أى ، سيموت ويموتون. وليس بصحيح ، وإنما هما لغتان بمعنى ، فمن شدّد أتى به على الأصل ، ومن خفف حذف إحدى الياء بن طلبا للتخفيف والدليل على أنهما بمعنى واحد قول عدى بن رعلاء :

ليس من مات فاستراح بميت

إنما الميت ميّت الأحياء (٢)

فأتى باللغتين فيما سيموت.

قوله تعالى : (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٢٨).

ليس من الله ، أى ، ليس من دين الله أو ثواب الله فى شىء فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ومن الله ، فى موضع نصب على الحال ، لأن التقدير فيه ، فليس فى شىء كائن من دين الله. فلما قدّم صفة النكرة عليها انتصب على الحال. ونحوه قول الشاعر :

__________________

(١) سورة الزمر ٣٠.

(٢) الشاهد قد نسبه المؤلف ومحقق قطر الندى إلى عدى بن الرعلاء ـ قطر الندى ص ٢٣٤ الطبعة التاسعة. المكتبة التجارية ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٧ م.

١٩٨

٤٧ ـ ليسوا من الشّرّ فى شىء وإن هانا (١)

تقديره ، ليسوا فى شىء كائن من الشر. وفى شىء ، فى موضع نصب لأنه خبر ليس. و (تتقوا) أصله : توتقيوا ، فأبدل من الواو تاء ، كما قالوا : تراث وتجاه وتخمة وتهمة ، واستثقلت الضمة على الياء فسكنت الياء وواو الجمع ساكنة فحذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار : يتّقوا ووزنه ، يفتعوا ، لذهاب اللام. وتقاة ، أصلها وقية ، فأبدل من الواو تاء ، ومن الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت تقاة ، وهى منصوبة على المصدر.

قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ) (٣٠).

يوم ، منصوب بفعل مقدر وتقديره ، اذكر يوم تجد كل نفس.

وقيل : هو منصوب على الظرف ، وبماذا يتعلق؟ فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون متعلقا بالمصير فى قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) وتقديره ، وإليه المصير فى يوم تجد.

والثانى : أن يكون متعلقا بقدير ، وتقديره ، قدير فى يوم تجد. وما عملت ، فى موضع نصب بتجد. ومحضرا ، منصوب على الحال من (ما) والعامل فيه تجد. وما عملت من سوء ، (ما) فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون بمعنى الذى وفى موضعه وجهان النصب والرفع. فالنصب على العطف على (ما عملت من خير). وتودّ ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال

__________________

(١) الشاهد لقربط بن أنيف أحد بنى العتير وهو شاعر إسلامى وصدره :

لكن قومى وإن كانوا ذوى عدد

ديوان الحماسة ص ١٩ ح ١.

١٩٩

والتقدير ، تجد ما عملت من سوء وادّة. والرفع على [أن] يكون مرفوعا بالابتداء وخبره ، تود لو أن بينها.

والثانى : على أن تكون (ما) شرطية فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وعملت ، فى موضع الجزم بما. وتود ، جواب الشرط على تقدير الفاء ، وهو خبر المبتدأ.

والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (٣٤).

ذرية ، منصوب على الحال من الأسماء التى تقدمت عليها ، أى ، متناسبين بعضهم من بعض.

قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) (٣٥).

إذ ، منصوب ، وبما يتعلق به وجهان :

أحدهما : أن يكون متعلقا بفعل مقدر وتقديره ، اذكر يا محمد إذ قالت.

والثانى : أن يكون متعلقا بقوله : (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وتقديره ، والله سميع عليم حين قالت.

قوله تعالى : (نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) (٣٥).

محررا ، منصوب على الحال من (ما).

وقيل : تقديره ، غلاما محررا ، أى ، خالصا لك ، ووقعت (ما) لمن يعقل للإبهام كقوله تعالى :

(فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(١)

كما قالوا : خذ من عبيدى ما شئت.

__________________

(١) سورة النساء ٣.

٢٠٠