دستور الأخلاق في القرآن

الدكتور محمّد عبدالله درّاز

دستور الأخلاق في القرآن

المؤلف:

الدكتور محمّد عبدالله درّاز


المحقق: الدكتور عبدالصبور شاهين
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-465-053-0
الصفحات: ٩٦٢

وقد رأينا ، كيف حاول «كانت» ـ إنطلاقا من الفكرة القائلة بأنّ جوهر العمل الخير أنّه حقّ بالنسبة إلى جميع الإرادات ـ أن يولّد من هذا المبدأ بعض الصّيغ الأقل تجريدا ، ثم من هذه بعض القواعد الأكثر مادية.

وأخيرا ، فإنّه بمجرد أن كشف عن هذه الصّيغة ثبّتها إلى الأبد في أطرها الصّارمة الثّابتة ، وأغلق بعضها على بعض ، كأنّها أعداد ليبنزية (١).

فمشكلة صراع الواجبات لم تواجهه إذن ، لأنّ كلّ شيء مرّ تحت نظره ، كأنّه محكوم بصيغة معينة واحدة.

ولقد كان «روه» على حقّ حين أعلن عجز جميع القواعد المجردة عن أن تحكم بنفسها واقعا ماديا ، وكما أنّ من المستحيل أن نحدد نقطة خريطة ، دون الرّجوع إلى نقط أخرى كثيرة ، أو أن نفسر كلمة في نصّ ، دون أن نرعى السّياق ، أو أن يملك فن العلاج ضمان فاعلية دواء معين ، دون أن يلاحظ مزاج المريض ، وسائر إتجاهات مرضه ـ فكذلك رجل الأخلاق ، لا يستطيع أن يغفل في السّلوك الإنساني عامل المكان ، والزّمان ، لأنّ السّلوك في جوهره مكاني ـ زماني.

وسلوكنا خلق واقعيّ يتجه إلى الإندماج في عالم الواقع ، فليس يكفي إذن أن يكون ممكنا من النّاحية المنطقية ، بل يجب أيضا أن يكون قابلا للتحقق من النّاحية العملية ، وأن يجد مكانه وسط الوقائع الّتي تحوطه ، بحيث لا يكون ممنوعا بواسطة الأحداث الّتي تسبقه ، ولا مدفوعا بالأحداث الّتي تلحقه. فلا

__________________

(١) نسبة إلى الفيلسوف الألماني جوتفريد ليبنز [Gottfrid leibniz] المولود في ليبزج (١٦٤٦ م ـ ١٧١٦ م) ، وهو أحد الذين نادوا بالفلسفة المثالية ، ويرى أنّ جميع الكائنات قد نشأت على أساس أعداد يوجد فيما بينها توافق سبق إقراره ، وقد انته إلى فلسفة تفاؤلية. «المعرب».

٢٢١

مناص إذن ، قبل أن نتخذ قرارا معينا ، من أن نحيط علما بالواقع الموضوعي ، لا في مجرى نموه الرّاهن فحسب ، بل في تأريخه ، وفي مصيره.

وليس هذا هو كلّ شيء ، بل يجب أن نلاحظ في الوقت نفسه تنوع العوامل النّفسانية الّتي تحدد رد الفعل لدينا على الطّبيعة ؛ فإذا ضربنا هاتين المجموعتين من العوامل ، إحداهما في الأخرى ، فإنّ النّتيجة الّتي نحصل عليها في كلّ حالة هي دائما ثمرة أصيلة. فإذا أضفنا أنّ الزّمن لا يمكن أن يعيد نفسه وصلنا إلى نتيجة قاطعة هي : أنّ التّأريخ لا يمكن أن تتماثل فيه لحظتان أبدا. وهكذا تبرز في وضوح «الصّفة النّسبية» للحياة الأخلاقية.

على أنّ فيلسوفنا الّذي عرف كيف يتفادى الخطأ الكانتي ـ لم يستطع أن يعصم نفسه من الوقوع في نقص معاكس ، فقد مضى ، تبعا لمنهجه في تعليم الأخلاق ، وكأنما كانت فكرة عدم التّماثل بين لحظتين من لحظات الحياة ـ تستبعد في نفس الوقت تشابههما ، ولا تسمح بأن يكون بينهما أيّ مقياس مشترك ، وكأنّما لا يوجد إلى جوار العنصر الفردي أي مكان يتسع لعنصر جنسي أعمّ ، وأشمل ، وكأنّما لا تترك الأشياء الّتي تمر أثرا لها ، يبقى من بعدها.

وبناء على ذلك : يدعونا فيلسوفنا إلى أن نركز إنتباهنا على العنصر الوقتي ، ويحثنا كذلك بصراحة على أن نتحرر من المبادىء ، والمثل ، ويرى : أنّه يجب ألا نكف عن إخضاعها للتجربة والإختبار ، بدلا من أن نخضع لها (١).

ولا تقتصر النّتيجة حينئذ على إعطاء كلّ امرىء الحقّ في أن يشرع لنفسه

__________________

(١) انظر ، ١ ـ la Senne ,Traitede morale ,p.٥٣٦ ـ ٦

٢٢٢

واجباته ، وفق ما يلائم طبعه ، وإستعداداته ، ومطامحه فحسب ، بل إنّ لنفس الشّخص أن يضع مبادئه وأحكامه ، بصورة مستمرة ، تحت الفحص ، وأن يهدم في كلّ لحظة ما بناه في لحظة سابقة.

ألسنا نلقي بأنفسنا في غمار الهوى والإعتساف حين نسلمها على هذا النّحو لحياة مضاعفة من الفوضى؟ ..

على أنّ هذه ليست أهم نقطة ، بل إنّ من الواجب أن نسأل أنفسنا عن مبدأ التّجربة نفسه ، كقوة قادرة على هداية الضّمير؟ إنّ التّجربة تعتمد على «الأحداث» ، ولكن الضّمير «يتغذى من القيم» ، فبأية عملية سحرية يمكن تحويل جانب إلى آخر؟ .. ولا بد أن يعرف «روه» : أنّ الحكم «القيمي» لا يمكن أن يخرج من مجرد الحكم «الواقعي» ، في أية صورة تمثّل هذا الواقع ، موضوعيا كان أو شخصيا ، بسيطا أو مركبا ، ماضيا ، أو حاضرا ، أو مستقبلا.

ففيما يتعلق بالماضي والحاضر ـ تتلخص كلّ ثمرة بحثنا التّجريبي في هذه الملاحظة البسيطة الّتي تقرر : أنّ أي عمل قد صحبه أو لحقه دائما أثر معين ، فنحن نسجله ، ونحيط به علما ، لا أكثر.

ولا شك أننا حين نحكم بأنّ أثرا من الآثار حسن ، أو سيّىء فنحن نميل إلى ذلك الحكم ، بل ويدعونا إليه العمل الّذي هو سبب فيه.

ولكن ، ما الّذي يدفعنا في الواقع إلى أن نحكم على الأثر هكذا؟.

إنّ تجربتنا لو أمكنها أن تنتهي إلى حكم تقديري كهذا ، وهي (تنصب) فيه ، فإنّها ليست على أية حال (منبعه) ، بل هي مجرد مناسبة له. فنحن لا نستطيع مطلقا أن نستنتج من حدوث ظاهرة ما ـ أنّ هذا الحدوث في حدّ ذاته يرضينا ، أو

٢٢٣

يغضبنا.

ولنعترف بأنّ هناك رباطا طبيعيا بين هذين الحكمين ، ولكن هذا لا يمنع من أن نحدث هنا تفرقة هامة : فإنّ حكمنا التّقديري نفسه هو واقع ملحوظ ، حدث نفساني ينبع من التّجربة بما أنّه يقع تحت ملاحظتنا الباطنة ، ولكن ما ينصب عليه هذا الحكم هو «قيمة» تستعصي بموجب تحديدها على كلّ تجربة ، وتتجاوزها لا نهائيا.

فالتجربة لا تفعل ـ إن صح هذا التّعبير ـ أكثر من إمتياح بئر «القيمة» نقطة بعد نقطة ، مع هذا الشّعور الغريب بملامحها الخاصة ، وبأنّها معين لا ينضب.

والقيمة ذات طابع مطلق ، فهي ليست مسجلة في الزّمان ، مع أنّ عنصر الزّمان يمكن أن يوحي بها ، فلا يصح إذن أن نلجأ في حلّ لغزها إلى ما هو وقتي.

ولسوف يتضاءل دور التّجربة أيضا فيما يختص بالمستقبل ، الّذي هو المجال الوحيد للعمل الأخلاقي ، (فهذا العمل ليس من باب ما هو كائن ، بل من باب ما ينبغي أن يكون ، ومن المستحيل ـ من ناحية أخرى ـ أن نقرر عمل بعض الأشياء في الماضي ، أو في نفس اللحظة الّتي يتم فيها إتخاذ القرار).

فمما لا حاجة إلى ذكره إبتداء : أنّ التّجربة بمعناها الصّرف ليست هي الّتي تبيح لي أن أستخلص أنّ الأشياء إذا ما كانت قد حدثت حتّى الآن بطريقة ، أو بأخرى ـ سوف تحدث غدا ، ودائما بنفس الطّريقة.

فهذا الإستقراء يجد أساسه المنطقي في إعتقادنا بثبات الطّبيعة ، والأمر كذلك بالنسبة إلى قانون الأعداد الكبيرة ، الّذي يجب أن يفترض عدم تدخل الأسباب الجديدة ، القادرة على خلخلة المعدل المتوسط لحسابنا.

٢٢٤

وأخيرا ، فما الّذي أحصل عليه من كلّ رصيدي التّجريبي ، وما يواكبه من مسلمات؟ .. إنني أعلم الإمكان (أو الإستحالة العملية) لتحقيق مشروع معين ، أو درجة إحتمال ناجحة ، ولكن من ذا الّذي يخبرني : إن كان ما أشرع فيه خيرا جديرا بأن أسعى إليه؟ ..

وإذا كانت أمامي ممكنات كثيرة فما الّذي يجعلني أقرر تنفيذ أحدها ، وربما كان أقلها صلاحية بطبيعته؟.

إنّ من الواضح أنّ ما نؤثر به بعض الإتجاهات من تفضيل في نشاطنا ، واستبعاد لبعضها ـ ينبع من مثل أعلى ، لا من واقع.

وعليه ، فإذا لم يكن هذا المثل الأعلى سوى ظهور لذاتنا التّجريبية المتقلبة ، وإذا لم يكن سوى عطاء لشعورنا الحقيقي ، أو الأفتراضي ، فإنّه يصبح ـ هو أيضا ـ عطاء عابرا ، وظاهرة مؤقتة. فبأي حقّ يزعم إذن أنّه يحكم عملا مستقلا ، على حين أنّه قد يكون موجودا في اللّحظة الّتي سيبدأ فيها العمل؟.

وإنّما هي إحدى إثنتين : إمّا أنّ إرادتنا تستطيع أن تكتفي بمثل أعلى يتلاءم مع العمل ، أي : يولد ، ويموت معه ، وتلك هي إرادة العجزة ، والمجانين.

وإمّا أن تمضي إرادتنا ـ على العكس ـ تلتمس في المثل الأعلى صفاته الّتي تفرضه عليها ، سواء بالنسبة إلى المستقبل البعيد ، أو القريب ، أعني : أنّها تذهب لتطلب منه بعض الثّياب ، قبل أن تمنحة الحقّ في أن يحكمها.

بيد أننا حينئذ لن نكون في مجال الذات التّجريبية ، والتّجربة المحضة ، إذ أنّ «المثل الأعلى الثّابت» هو التّعريف نفسه «للقانون الأخلاقي» ، ولما لم يكن قانون معين ثمرة لتجربة مطلقا ، بل موضوعا للبرهنة ، أو الإيمان ، وكانت «التّجربة» هي مرجع «الأخلاق» ... أليس هذا تناقضا في المصطلحات؟!.

٢٢٥
٢٢٦

خاتمة

وضح لنا إذن وضوحا كاملا أنّ كلتا النّظريتين لا تظهر من الحقيقة الأخلاقية سوى جانب واحد ، وفضلا عن ذلك يكمن نقصهما المشترك في تعصبهما ، وترافضهما ، أكثر مما يكمن في جانبهما الإيجابي.

وهكذا حدث للفلسفة العملية ما حدث لنظرية المعرفة ، فالمثالية ، والواقعية ، والعقلية التّجريبية ، وجماعات أخرى فلسفية كثيرة ، لم يكن تعارضها إلا لأنّ كلا منها يركز من جانبه على شرط ضروري للمعرفة الإنسانية ، معتبرا أنّه هو الشّرط الكافي ، والسّبب الكلّي ، على حين أنّه ليس سوى عنصر واحد بين عناصر أخرى كثيرة.

والواقع أنّه ، لا المفهوم المنطقي ، ولا القانون العملي ، ولا مجموع المفاهيم والقوانين المعروفة ـ بقادرة مطلقا على أن تؤلف ، وتستنفد الموضوع المحسوس ، الّذي هو نقطة إلتّقائها ، ولكنه يتجاوزها بلا حدود ، هذا من ناحية.

بيد أنّه من ناحية أخرى يظل كلّ موضوع واقعي أجنبيا تماما ، وغير قابل للتمثل ، ما لم يوضع في أشكال عقلنا وقوانينه.

٢٢٧

وبعبارة أخرى : إذا كانت المبادىء الأولى ، والقوانين العامة تعفينا مطلقا من أن نطابقها مع الواقع ، وإذا كان هذا الواقع لا يحتوي شيئا زائدا ، ولا يقدم لنا جانبا جديدا ـ فإنّ العالم سوف يبلغ مرحلة المتماثل المبهم ، سوف يكون بلا حياة ، بلا تأريخ ، بلا أبعاد.

ولكن في مقابل ذلك ، إذا لم يكن هنالك من حقيقة مكتسبة ، ولا قانون ثابت ، فإنّ العقل سوف يتوقف عن أن يكون عقلا ، سوف يفقد وحدته البنائية ، سوف يؤول إلى هباء ، ولن تكون له أدنى سيطرة على الطّبيعة.

وفي مقابل ذلك ، ومن وجهة نظر عملية ـ لو كان يجب على العالم أن يستأنف دائما من البداية ، فلن يكون التّقدم ممكنا ، ولن يتم مطلقا بناء صرح الحقيقة.

وإنّما هو لقاء الفكرة بالموضوع ، لقاء الشّكل بالمادة ، لقاء الفرض بالتجربة ، لكي تنفجر شرارة المعرفة الحقة.

وذلكم هو شأن الأخلاقية ... فلا الصّيغة المجردة لقاعدة عامة ، ولا التّحليل الدّقيق للحالة الخاصة ـ معزولا كلاهما عن الآخر ـ يكفي لهداية إرادتنا ، وإنّما هو كما قررنا منذ قليل ـ تركيب «المثل» الشّامل ، القادم من «أعلى» ، مع الواقع الرّاهن ، الّذي ليس سوى إيضاح وبيان ، حتّى يوجد الدّليل الممتاز لضميرنا. فبين المثل الأعلى ، والواقع ، بين المطلق ، والنّسبي ، يوجد الضّمير الإنساني علامة توحيد ، يجب أن يستمر في التّقريب بين هذين الطّرفين ، بأن يؤكد رابطة ما بينهما في صورة العمل الّذي يولد من إقترانهما السّعيد ، ويرتدي هذه الصّفة المزدوجة الّتي يمثلها في وقت واحد : ثبات القانون الأزلي ، وجدة الإبداع الفني.

٢٢٨

أليس هذا هو نفس إدراك «التّكليف» الّذي يستخلص من المفاهيم القرآنية؟ ولنستمع إلى القرآن وهو يقول : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١) ألا نرى فيه من أوّل وهلة الخط الفاصل الّذي يميز هذه الصّيغة من الأخريات؟؟

ليست هذه هي الصّيغة : «أفعلوا ما يبدو لكم حسنا» تبعا لإلهام اللحظة.

وليست هذه أيضا صيغة الواجب الصّارم على سبيل القهر ، دون إستثناء ، أو تعديل. ليست هذه أو تلك ، ومع ذلك فهي تتفق معهما في إمتدادهما العميق.

بهذه الكلمات الجامعة البيّنة يلفت القرآن أنظارنا نحو السّماء ، وهو يثبتنا على أسس متينة من الواقع. وهكذا نجد طرفي السّلسلة وقد إجتمعا : صعود نحو المثل الأعلى ، وإنقاذ للفطرة ؛ خضوع للقانون ، وحرية للذات.

ولكن ، هل ترون أنّ هذا ممكن؟! ألا يجوز أن يتنافر هذان الطّرفان المتعارضان؟. أو لا يجوز لكلّ فرد ، منذ اللحظة الّتي يصرّح له فيها بتحديد واجبه بالنسبة إلى حالته الخاصة ـ أن يتجاوب مع نوازعه الطّارئة ، ويطرّح بهذا سلطة الأمر؟.

ـ هذا ما لا يحدث أبدا ، لأنّ الضّمير الّذي يخاطبه القرآن ليس ذلك الضّمير الفارغ ؛ غير المهذب ، المتروك دون مرشد غير حالته البدائية ، على ما عليه إنسان الطّبيعة لدى «روسو». وليس هو أيضا ضمير ذات مختلفة ، كالذات الخالصة [M oitranscendental] ، لدى «كانت».

إنّه ضمير يجمع شرطين لم يجتمعا خارجه قط ، فهو أوّلا مستنير ، بفضل تعليم

__________________

(١) التّغابن : ١٦.

٢٢٩

إيجابي ، حدّدت فيه الواجبات ، ورتبت بدرجة كافية. وهو فضلا عن ذلك قائم في مواجهة واقع حي ، ومراعى إلى أقصى حدّ.

وبإختصار : ذلكم هو ضمير المؤمن ، ومن خصائص ضمير كهذا أن يكون لديه ، وهو حاضر في ذاته ، ومهيّأ للتناصح ، شخصية مشرّعه ، فما كان له إذن أن يستسلم لأعتبارات يعلم أنّها غير مشروعة في نظر واضع الشّرع ، بله أن يخون نفسه.

وإليك مثالا على هذا ، فالله سبحانه يقول لي (ما معناه) : أفعل هذا إلّا المحرّم ، ولا تفعل هذا ، إلّا إذا كنت مكرها بضرورة ، ثمّ إنّه يحصنني ضد الدّوافع الخفية الّتي يمكن أن تحملني على مخالفة الأمر ، تحت ستار ضرورة زائفة : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

فهل أستطيع في هذه الظّروف أن أبرىء نفسي ، وأنا أعتبر مخالفة بسيطة كأنّها محرم؟ .. أو حين أرى التّخويف الهين من باب الإكراه على حين أعلم يقينا أنّ هذا ليس ما أراده الله سبحانه بهذه الكلمات؟ ..

ولا ريب أنّ الله عزوجل لم يجبني دائما بصراحة في الحالات المشتبهة ، وهو لا يوحي إلينا أيضا ، فأمامنا جميعا نفس الحل ، إيجابا وسلبا ، ولديّ دائما فرص لأرتكب خطأ في التّفسير ، أو في التّحديد.

وهذه الإحتمالية نتيجة طبيعية لظرفي الإنساني ، وللحرية الّتي أتاحها لي في هذا الظّرف نفسه.

__________________

(١) المائدة : ٣.

٢٣٠

والأمر الجوهري بالنسبة لي ، كمؤمن ، هو أن أبذل جهدي في حال الإلتباس ، وأن أميز ، وأتبع ، بأمانة وإخلاص ، ما يمكن أن يكون من أمر الله ، تبعا لمجموع تعاليمه. ولو كان الحل الّذي إجتهدت فيه وأخترته منحرفا ، فلن أكون آثما ، متى ما بذلت جهدي الضّروري ، الّذي يصدر عني ، لإضاءة طريقي ، والله يقول : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (١).

فأما أنّ كلّ فرد في الحالات المشتبهة ، ملزم بأن يرجع إلى ضميره ، ويلتزم بإجابته بطريقة معينة ، فذلك هو ما قاله لنا الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، متسوحيا من القرآن (٢) ، في كلمات معروفة ، منها : (الحلال بيّن ، والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات ، فمن أتقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه ، وعرضه) (٣). «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإنّ الصّدق طمأنينة ، والكذب ريبة) (٤). وحين يسأل النّبي عن معنى

__________________

(١) الأحزاب : ٥.

(٢) في قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ،) الإسراء : ٣٦.

(٣) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٧٢٣ ح ١٩٤٦ ، منته المطلب : ٢ / ١٠٢٦ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٣٥٠ ح ٢٦٨١ ، فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ٤ / ٢٩١ ح ١٩٤٦ ، شرح النّووي على صحيح مسلم : ١١ / ٢٧ ، الفصول المختارة : ٢٠٧ ، بحار الأنوار : ١٠٤ / ١٠٩ ح ٥ ، كشف الخفاء : ١ / ٤٣٨ ح ١١٦٧ ، معرفة علوم الحديث : ١ / ٢٥١ ، المجموع : ٩ / ٣٤٣ ، المدونة الكبرى : ٣ / ٤٤١ ، مسند أحمد : ٤ / ٢٦٩.

(٤) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٧٢٤ ح ١٩٤٦ ، الإنتصار للشريف المرتضى : ٢٦٣ ، النّاصريات : ١٣٩ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٦٦٨ ح ٢٥١٨ ، صحيح ابن حبان : ٢ / ٤٩٨ ح ٧٢٢ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٣١٩ ح ٢٥٣١ ، سنن البيهقي الكبرى : ٥ / ٣٥٥ ح ١٠٦٠١ ، الوسائل : ٨ / ١٢٢ ، كشف الرّموز للفاضل الآبي : ١ / ٢١٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي : ١ / ١١٧ ح ١٣٣٦ ، مسند أحمد : ١ / ٢٠٠ ح ١٧٢٣ ، منته المطلب للعلّامة الحلي : ٢ / ١٠٢٦.

٢٣١

الخير ، والشّر يجيب : (استفت قلبك ، واستفت نفسك ، البرّ ما اطمأنّت إليه النّفس ، واطمأنّ إليه القلب ، والإثم ما حاك في النّفس ، وتردّد في الصّدر ، وإن أفتاك النّاس ، وأفتوك) (١).

ولكن ، قد يثور أعتراض ، إذا ما نظّم الشّرع ـ فيما عدا هذه الحالات المشتبهة النّادرة نسبيا ـ كلّ شيء ، وهو أعتراض يقول بأنّ الضّمير الفردي لا يقوم بأي دور في تقرير الواجب.

ونجيب على هذا : بأنّ الأعتراض سوف يكون محقا ، إذا كانت القاعدة قادرة دائما على تعيين جميع الأفراد الذين تحكمهم ـ أوّلا ـ ، وعلى التّنبؤ بعد ذلك لكلّ فرد بجميع الحالات الّتي يتعين عليه حلّها ، ثمّ تقدم له أخيرا في كلّ حالة ، صورة محسوسة لحكمها الإجماعي ، متفقا مع القواعد الأخرى.

وبعبارة أخرى ، سوف يكون الأعتراض محقا لو لم توجد سوى طريقة واحدة لإدراك القاعدة ، وطريقة واحدة لتطبيقها ، والتّوفيق بينها وبين القواعد الأخرى. ولكن الواقع لا يتفق مطلقا مع هذه النّظرة من نواحيها الثّلاثة.

ولو أفترضنا أنّ النّقطة الأولى قد حلت فلسوف نعرف ببساطة أنّ أكثر القواعد

__________________

(١) انظر ، مسند أحمد من طريق وابصة : ٤ / ٢٢٨ ، صحيح مسلم : ٤ / ١٩٨٠ ح ٢٢٥٣ من حديث النواس ، المجموع : ٩ / ١٥٠ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٣٢٠ ح ٢٥٣٣ ، معتصر المختصر : ٢ / ٢٠٨ ، مسند أبي يعلى : ٣ / ١٦٢ ح ١٥٨٧ ، جامع العلوم والحكم : ١ / ٢٤٩ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٣٥١ ح ٢٦٨٣ ، فتح الباري : ١ / ٢٢١ ، تفسير القرطبي : ٧ / ٣٩ ، حيث قال : هذا القول زندقة وكفر ؛ لأنّه إنكار علم من الشّرائع فإنّ الله قد أجرى سنته ، وأنفذ كلمته بأنّ أحكامه لا تعلم إلا بواسطة من قبل رسله ، أو السّفراء بينه وبين خلقه المبينين لشرائعه وأحكامه. وفي قول آخر للقرطبي : يقتل قائله ، ولا يستتاب ، ولا يحتاج معه إلى سؤال وجواب ، فإنّه يلزم منه هدم الأحكام وأثبات أنبياء بعد نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٣٢

الّتي قد نصوغها تحديدا ، تشتمل بالضرورة على بعض الجوانب غير المحددة ، ومن ثمّ فبيّن غير المحدد ، والمحدد يوجد كلّ التّأثير الممكن ، لا بالنسبة إلى الإختيار الحرّ لضمير نفسي فحسب ، وإنّما أيضا بالنسبة إلى التّقدير الذكي للضمير الأخلاقي. ذلك أنّ الخصائص المميزة لعمل الفرد لا يمكن تجاهلها كلّها ، كما لا يمكن تقديرها كلّها ، وهي كذلك تحمل في أغلب الأحيان هذه الصّفة المزدوجة ، سواء أكان ذلك على التّوالي ، بحسب الحالات ، أم في الآن نفسه بحسب الرّأي الّذي نأخذ به. وإذن فلا بد من جهد فردي ، وبصيرة خاصة لتقديرها بقيمتها الحقيقية ، وليختار منها ما يفرض منطقه أكثر.

هذا اللّجوء إلى الجهد الفردي لتحديد واجب الفرد في علاقته بالواقع الموضوعي ، هو واجب شامل يقع على عاتق الإنسان صاحب الدّنيا ، وصاحب الدّين ، وذلك بصرف النّظر عن إيجاد إمتياز مقصور على المتخصصين القادرين على التّشريع.

فهناك ضرورة تواجه كلّ فرد متى ما أريد الإنتقال من المفهوم الأخلاقي إلى العمل الأخلاقي. وكما أنّ القاضي يجب عليه أن يمحص كلّ حالة ، ليتحقق جيدا من أنّها فعلا الحالة المنصوص عليها في صيغة هذا القانون ، أو ذاك الحكم ، فإنّ كلا منا ملزم بأن يفتي لنفسه إذا ما كان الوجه الّذي يزمع تحقيقه موافقا فعلا لشرائط القاعدة (١). ولنأخذ على ذلك مثلا ، القاعدة الأخلاقية الّتي تأمرنا بأن نرعى حاجات اليتامى. فهذه القاعدة لا تشير بالنسبة إلى كلّ ظرف ـ إلى وزنه ، ودرجته ، ونوعه ، وصفته الكافية ، والمناسبة.

__________________

(١) انظر ، المستصفى للغزالي : ٢ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، والشّاطبي في الموافقات : ٤ / ٨٩ ـ ١٠٥.

٢٣٣

وكذلك نجد أنّ القاعدة التّعبدية الّتي تأمر المؤمن بأن يتوجه إلى وجهة معينة في أثناء صلاته ، لم تعن بأن ترسم له في كلّ موقع سهما يعدل من إتجاهه تبعا له. والقاعدة القانونية الّتي تطلب إلى القاضي ألّا يقبل من الشّهود سوى الأشخاص العدول ، ذوي المروءة ، فهي لا تلقنه عدالة رجل معين ، أو نزاهته.

هذا البعد عن التّحديد الصّارم ، وهذا الصّمت الملازم لكلّ قاعدة ، وهذه المسافة الممتدة بين المفهوم ، والواقع ، ذلك كلّه أبلغ دعوة موجهة إلى ضميرنا ، ليستمر العمل التّشريعي الّذي بدأته القاعدة ، وعلينا أن نتابع هذا العمل إلى أن يزول كلّ غموض ، وبحيث يستطيع كلّ فرد أن يقول لنفسه : واجبي هنا فعلا ، وفي هذا العمل الفرد ، لا غير. فهناك إذن ، حيث تنتهي المهمة المحددة للقاعدة ، وينتهي معها إكراه سلطتها ـ يبدأ نشاط الفرد في ممارسة حريته. ونستطيع أن نمضي إلى أبعد من ذلك ، حين نواجه القاعدة من جهة تحديدها ، إذ ينبغي أن نعلم أنّ قاعدة ما ـ لم توضع مطلقا لتقييد حريتنا ، بل لتنميتها بطريقة معينة. وفائدة القاعدة المقررة أنّها أوّلا توفر ترددنا ، وتقلل بذلك من فرص أخطائنا ، بدلا من أن يترك تفكيرنا موزعا في كلّ الإتجاهات الممكنة ، بحثا عن أحكام صائبة. ثمّ إنّها حين تحصر مجال نشاطنا لا تعني إلّا تقوية هذا النّشاط وزيادة فاعليته ، شأن تيار الماء ، يحفر له مجراه ، وتدعم ضفتاه. فما سوف تفقده حريتنا في الأمتداد ، سوف تكسبه في العمق ، في بحثها عن أفضل الطّرق لأداء الواجب.

ومن ناحية أخرى لا يمكن القول أنّ هناك واجبا واحدا فحسب ، فهناك فوق تركب ظروف الحياة ، وتغيرها الدّائم ـ كثرة الأوامر الأخلاقية وتداخلها. ومن تقابل هاتين المجموعتين ينفتح أمام حريتنا أرحب المجالات إمتدادا ، ولكي

٢٣٤

نقتنع بذلك نسمح لأنفسنا بإستعارة مثال من قواعد اللّعب. فمن المعلوم في لعبة الشّطرنج مثلا أنّ سير كلّ قطعة أمر بسيط ، وهو يتبع قاعدة محددة على وجه الدّقة. ومع ذلك هل يمكن القول بأنّ دقة القاعدة تجمد حرية اللاعب؟ .. الواقع المعلوم ـ على العكس ـ هو أنّ كلّ لاعب شطرنج يمكنه أن يمارس تفريع عملياته إلى ما لا نهاية له ، حتّى إنّ ترتيب اللّعب في دورين لم يحدث أن تماثل مطلقا. بيد أنّ أكثر الملاحظات أهمية في هذه المقارنة هي أنّ أصالة كلّ لاعب لا تكمن في طريقة تطبيقه للقاعدة ، وطريقة تحريكه لكلّ قطعة ، بقدر ما تكمن في طريقته الّتي يوجه بها الضّربات ، وينسق بين الحركات ، ويجمع القوى المختلفة. هنا تتجلى عبقرية اللاعب ، في حدسه الّذي يكشف به من خلال هذا التّيه ـ أقصر الطّرق ، وآمنها لبلوغ النّتيجة.

مثل هذا يحدث في النّظام الأخلاقي : فإنّ من بين المهام الّتي يتعين عليّ أداؤها ما يفرض نفسه عليّ كلّ يوم ، ومنها ما هو دوري ، أو ظرفي ، ومنها أخيرا ما لن تسنح فرصته سوى مرة واحدة في الحياة. وكلّ من جسمي ، وعقلي ، وأسرتي ، ووطني ، وسائر أعبائي ، يطلب نشاطا محددا بوساطة قاعدة. ومع ذلك ، فحين أستيقظ في الصّباح أستطيع بطرق شتى أن أقر جدول أعمالي ، وأسطر القائمة الّتي سوف أتبعها في تنفيذها ، ويمكنني في فترة معينة من الزّمن أداء عدد من الأعمال الحسنة ، فأضيف من الكمال لبعضها ما لا أضيفه للأخرى ، وأقدم عملا ، وأؤخر غيره ـ بقدر الإمكان ، وأكتفي بأشكال عادية من الإحسان ، أو أبلغ الجهد في خلق شكل جديد ، ذي قيمة أكبر. بل لقد يبلغ الأمر إلى حدّ أنّ مجرد إشارة ، أو لفتة واحدة يجب أن تعتبر تركيبا ينطوي على كثير ، أو قليل من

٢٣٥

الحذق في التّوليف بين مجموعة من الواجبات.

وهكذا يستطيع كلّ فرد أن يؤلف بكلّ حرية صفحة أصيلة من حياته الأخلاقية ، وإن كان يحترم القواعد العامة لهذا الفن الإنساني. وكيف نطالب بقدر أكبر من الحرية ، تستهدف تفجير هذه الأطر ، دون أن ننحدر إلى الفساد ، أو إلى الجنون؟. إنّ ذلك هو ما يجب أن تجنبنا إياه كلّ حكمة تشريعية ، جديرة باسمها ، حين ترسم لنا الخطوط العريضة لسلوكنا. أمّا ما لا يجب أن تفعله ، مخافة أن تنتهك حقنا الطّبيعي ، وتردنا إلى الخضوع الذليل والآلي ـ فهو أن تقحم نفسها في تفصيل أعمالنا ، الّتي نأتيها بفطرتنا ، كلّ على هواه.

فالجانب الّذي يخصنا من تشريع تكاليفنا هو ـ منذئذ ـ محدد تماما.

نحن لا نوجد قواعد الشّريعة ، وإنّما نتناولها جاهزة ، صراحة ، أو ضمنا ، من يدي مشرعنا. أمّا تحديد واجباتنا المادية فنحن نقوم به إبتداء من هذه المثل العليا ، بقدر وسعنا. ذلكم هو الوضع المعقول ، والميسّر ، الّذي يتخذه ، كما نرى ، التّكليف الأخلاقي في القرآن. فهو يضع الإنسان في مكانه الصّحيح ، وفي الظّروف الّتي تناسبه على وجه التّحديد ، ما بين الفطرة ، والعقل المحض.

وحين كان برجسون يعتقد أنّه كشف نوعين للأخلاق ، أحدهما : ذو طابع إلزامي ، والآخر : ذو طابع إبداعي ، فإنّه لم يزد على أن أحدث فصلا مصطنعا بين عنصرين لا ينفصمان لحقيقة واحدة في كلتا الحالين.

إنّ الأخلاقية الحقة ليست خضوعا محضا ، ولا إبتكارا مطلقا ، هي هذا وذاك في وقت واحد. والموقف ليس موقف عبد مسترقّ ، ولا موقف سيّد مطلق ، بل هو موقف مواطن يشارك بقدر معين في السّلطة التّشريعية بالإختيار ، والمبادرة

٢٣٦

الّتي يملكها. فمن ذا الّذي يستطيع أن يضيف إلى ذلك ، أن يقتطع منه شيئا دون أن يخطىء بالزيادة أو بالنقص؟.

إننا حتّى الآن قد أرسينا بين المشرّع ، والإنسان العامل نوعا من التّعاقد ، يقدم كلّ منهما بموجبه جزءا من تحديد الواجب الحسي. وإشتراك الفرد في السّلطة التّشريعية يتمثل إذن على أنّه نوع من التّعاون ، أساسه تقسيم العمل ، وهو تعاون يتكامل فيه الجانبان دون أن يتداخلا ، وبحيث يبقى الشّريكان مستقلين ، أحدهما عن الآخر ، فلا يلتقيان إلّا في منتصف الطّريق.

وهناك في الواقع ما هو أكثر ، وأفضل ، فحين نلتحم بالقانون المقدس يتمثله ضميرنا ، ويحميه ، ويجعله نفسه ، حتّى كأنّما كان يسهم في خلق الحقائق الأزلية ، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى ، إننا بتركيبنا لمختلف القواعد المقررة ، وضبطها على موقفنا ـ لا نفعل ذلك في غيبة المولى ، بل تحت سلطانه ، ورعايته ، ورقابته.

فنحن نستلهمه دائما ، كما لو كان يواصل في أعماقنا دوره كمشرّع ، حتّى في أدق التّفاصيل. وبذلك نستطيع القول بأنّه ليس بين العامل ، وواضع الشّرع «مشاركة» فقط ، بل إتحاد ، أو قلّ : هو «إندماج» بين إرادتين.

فأية فلسفة من الفلسفات الأرضية ، إستطاعت أن تحدث هذه المصالحة الوثيقة بين مطالب متعارضه على وجه الإطلاق؟.

إنّه لن يفي بهذه المهمة ـ في رأينا ـ سوى الأخلاق الدّينية ، وهو ما نهضت به بحق ـ الأخلاق القرآنية ، على وجه الكمال.

٢٣٧
٢٣٨

النّظرية الأخلاقية

كما يمكن أستخلاصها من القرآن

مقارنة بالنظريات الأخرى

قديمها وحديثها

٢٣٩
٢٤٠