وموقف الوليد بن عقبة :
قال : ثم قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي وقال : إن الأنصار لترى لها من الحق علينا ما لا نراه ، والله لئن كانوا آووا لقد عزّوا بنا ، ولئن كانوا آسوا لقد منّوا علينا ، والله ما نستطيع مودتهم ؛ لأنه لا يزال قائل منهم يذكر ذلّنا بمكة وعزّنا بالمدينة ، ولا ينفكون يعيّرون موتانا ويغيظون أحياءنا ، فإن أجبناهم قالوا : غضبت قريش على غاربها ، ولكن قد هون عليّ ذلك منهم حرصهم على الدين أمس ، واعتذارهم من الذنب اليوم! وقال مقطوعة شعرية يهجو فيها الأنصار وشعراءها كعب بن مالك وحسّان بن ثابت ، وأفشى شعره في الناس.
فغضب حسّان بن ثابت من كلام الوليد وشعره ، فدخل المسجد وفيه قوم من قريش فوقف فيهم وقال لهم : يا معشر قريش ؛ إن أعظم ذنبنا إليكم قتلنا كفاركم ، وحمايتنا رسول الله ، وإن كنتم تنقمون منّا نقمة كانت بالأمس فقد كفى الله شرّها ، فما لنا وما لكم؟! والله ما يمنعنا من قتالكم الجبن ، ولا من جوابكم العيّ ، إنا لحيّ فعال ومقال ، ولكنّا قلنا : إنها حرب ، أولها عار وآخرها ذل ، فأغضينا عليها عيوننا ، حتى نرى وتروا ، فإن قلتم قلنا ، وإن سكتّم سكتنا.
فلم يجبه أحد من قريش. بل غضب للأنصار منهم زيد بن الخطّاب ، ويزيد بن أبي سفيان ، وضرار بن الخطاب الفهري ، فبعثوا إلى الوليد ، فلما حضر تكلم زيد فقال :
يا ابن عقبة بن أبي معيط ، أما والله لو كنت من الفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، لأحببت الأنصار ، ولكنك من الجفاة في الإسلام البطاء عن الذين دخلوا فيه بعد أن ظهر أمر الله وهم كارهون.