.................................................................................................

______________________________________________________

يصحّ حينئذ أن يقصد التقرّب بكلّ من المشتبهين ، لصيرورتهما مأمورا بهما بعد تعلّق الأمر الشرعيّ بهما. والثاني مبنيّ على كون الأمر به إرشاديّا عقليّا كما هو الأظهر ، ولذا أورد المصنّف رحمه‌الله على الأوّل بما أورده من الوجهين.

والوجه فيه : أنّ نفس الاحتياط طريق إطاعة لما هو واجب في نفس الأمر ، ولا يمكن تعلّق الأمر الشرعيّ بما هو طريق الإطاعة والامتثال ، وإلّا لا فتقر هذا الأمر أيضا إلى أمر شرعيّ آخر ، فيدور أو يتسلسل. ومن هنا حمل الأمر في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) على الإرشاد الذي لا يترتّب عليه أثر سوى ما يترتّب على نفس الواقع. فمرجع الأمر بالاحتياط هو الإرشاد إلى ما فيه من مصلحة المكلّف ، وهي الائتمان بإتيان المشتبهين من خطر مخالفة الواقع ، وهذا الأمر بمجرّده لا يصلح أن يقصد به التقرّب ، لأنّ حصول التقرّب بالعبادة إنّما هو باعتبار حسنها الذي هو منشأ الأمر بها ، ولا حسن في المقدّمة العلميّة إلّا مجرّد التوصّل بها إلى الواقع ، وهو بمجرّده لا يحصل به التقرّب ، كما صرّح به المصنّف رحمه‌الله وبما فيه من الدقّة ، ولذا ضعّفنا ما جعلوه ثمرة لوجوب المقدّمة من صحّة قصد الطاعة بالمقدّمة فيما يعتبر فيه ذلك ، كما فيما نحن فيه من مثال الظهر والجمعة والقصر والإتمام. ووجه الضعف واضح.

وممّا ذكرناه يظهر أيضا أنّ قصد الوجه المعتبر في العبادة لا يصحّ في المقام بقصد الوجوب العارض للمشتبهين من باب المقدّمة ، لأنّ المراد بالوجه المقصود هو الوجوب العارض للعبادة التي هي المقرّبة إلى الله ، والمشتبهان مع قطع النظر عن الواقع لا مطلوبيّة لهما ، وليسا مقرّبين إلى الله سبحانه ، ولذا حكم المصنّف رحمه‌الله بأنّ المقصود في المقام إحراز الوجه الواقعي.

ثمّ إنّ الثمرة بين الطريقين تظهر فيما لو أتى بالظهر مثلا أوّلا من دون قصد الإتيان بالجمعة بعدها لتحصيل الواجب الواقعي ، بل ومع قصد عدمه ، فتصحّ الظهر حينئذ على الطريقة الاولى دون الثانية ، لفرض تعلّق الوجوب الشرعيّ على كلّ