والأنباء العجيبة ، وبيان المكاشفات والمشاهدات ، وأسرار الجذبات ، وأحكام المواجيد والواردات ، ولطائف المقامات ، والسير في المجاهدات لا يصل إلا إلى المريدين الصادقين ، والطالبين الموفّقين ، والقاصدين المودين ، والمحبّين ، والمستغرقين في أنوار الأذكار ، والطيّارين من المشتاقين بأجنحة الأفكار ؛ لأنهم في محاضر الولايات خرجوا برسم الأرواح جميعا من معادن الأفراح ، وأظهروا من أرحام العدم بتجلّي القدم ، ومن لم يكن عنهم من أهل الدعاوي والمترسّمين ، لم يصل إليه ميراث بلابل بساتين الملكوت ، وعنادل رياض الجبروت.

ولا يعرف ألحان تلك الأطيار إلا طير يطير بجناح الرسالة والمحبّة ، والنبوة ، والولاية الأذى كيف وصف الله سبحانه خليفة ملكه سليمان صلوات الله عليه ، حيث نشر فضائل ما منّ الله عليه ، بقوله : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ١٦].

نسب إليهم بطريق من هذه الطرق ، فهو نسبهم في الولاية ، وله منهم ميراث علوم الحقيقة ، وأنّ الله سبحانه بيّن في كتاب الأزل ، بقوله في كتاب الله قسّمت أرباب هذه المواريث.

قال عليه‌السلام في هذه الإشارة : «العلماء ورثة الأنبياء» (١) ، ورثوا علومهم بقدر حواصلهم وفهومهم وأحوالهم ، وسرعة سيرهم في الملكوت ، واقتباسهم أنوار الجبروت ، أولئك هم إلهيون ، ورثوا نعيم مشاهدته ، وهم فيها خالدون ، ثم أثنى على نفسه أنه كان عالما في الأزل باختياره هؤلاء الصدّيقين بهذه الكرامات ، محيطا بعلمه على اصطلاحهم بعد إيجاده إيّاهم بوصف قبولهم هذه الكرامات ، بقوله تعالى : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) [الدخان : ٣٢] ، وبقوله في تمام السورة : (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي : «عليم» : بما أبدى لهم من الاصطفائية الأزليّة ، وما يبدو منهم من سنيّات طاعته ، والزفرات في شوقهم إلى لقائه إلى الأبد ، والله أعلم.

تم الجزء الأول

ويليه الجزء الثاني ، وأوّله :

سورة التوبة

* * *

__________________

(١) رواه الترمذي (/ ٢٤٠).