• الفهرس
  • عدد النتائج:

فشقّ ذلك عليه ، فنزلت هذه الآية (١). ويحكى عن مالك إباحة ذلك ، وأنكر ذلك أصحابه(٢).

وروي عن عبد الله بن الحسن ؛ أنه لقي سالم بن عبد الله ، فقال له : يا أبا عمر ؛ ما حدّثت بحديث نافع عن عبد الله ؛ أنه لم يكن يرى بأسا بإتيان النّساء في أدبارهنّ ، قال : كذب العبد وأخطأ ، إنما قال عبد الله : يؤتون في فروجهنّ من أدبارهنّ (٣) ، والدّليل على تحريم الأدبار : ما روى خزيمة بن ثابت ؛ أن رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن إتيان النّساء في أدبارهنّ ، فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «حلال» فلما ولّى الرّجل دعاه ، فقال : «كيف قلت في أيّ الخربتين أو في الخرزتين أو في أيّ الخصفتين ، أمن قبلها في قبلها؟

__________________

(١) أخرجه الدارقطني ودعلج كلاهما في «غرائب مالك» من طريق أبي مصعب وإسحق بن محمد الفروي كلاهما عن نافع عن ابن عمر كما في «الدر المنثور» (١ / ٤٧٥).

(٢) وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرّؤون من ذلك ؛ لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث ؛ لقوله تعالى : فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ؛ ولأن الحكمة في خلق الأزواج بثّ النّسل ؛ فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح ، وهذا هو الحق. وقد قال أصحاب أبي حنيفة : إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم ؛ ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض ، فكان أشنع. وأما صمام البول فغير صمام الرّحم. وقال ابن العربي في قبسه : قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه : الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين ؛ وأخرج يده عاقدا بها. وقال : مسلك البول ما تحت الثلاثين ، ومسلك الذّكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة ؛ وقد حرّم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة ، فأولى أن يحرم الدّبر لأجل النجاسة اللازمة. وقال مالك لابن وهب وعليّ بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدّثون عنه أنه يجيز ذلك ؛ فنفر من ذلك ؛ وبادر إلى تكذيب الناقل فقال : كذبوا عليّ ، كذبوا عليّ ، كذبوا عليّ! ثم قال : ألستم قوما عربا؟ ألم يقل الله تعالى : نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ؟ وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت! وما استدل به المخالف من أنّ قوله عزوجل : أَنَّى شِئْتُمْ شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها ، إذ هي مخصصة بما ذكرناه ، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة ؛ كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار ؛ ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده ، وأبو داود والنّسائيّ والترمذيّ وغيرهم. وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه «تحريم المحل المكروه». ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه «إظهار إدبار ، من أجاز الوطء في الأدبار». قلت : وهذا هو الحقّ المتّبع والصحيح في المسألة ، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرّج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصحّ عنه. وقد حذّرنا من زلّة العالم. وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا ، وتكفير من فعله ؛ وهذا هو اللائق به رضي الله عنه. وكذلك كذّب نافع من أخبر عنه بذلك ، كما ذكر النّسائيّ ، وقد تقدّم. وأنكر ذلك مالك واستعظمه ، وكذّب من نسب ذلك إليه. وروى الدارميّ أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت لابن عمر : ما تقول في الجواري حين أحمض بهنّ؟ قال : وما التّحميض؟ فذكرت له الدّبر ؛ فقال : هل يفعل ذلك أحد من المسلمين! ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٦٣.

(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٩٩.