• الفهرس
  • عدد النتائج:

من ذوات الأقراء أن تطول عدّتها لكي يراجعها الزّوج ، وقد تحبّ تقصير عدّتها لتبطل رجعته ولا يتمّ لها ذلك إلّا بكتمان بعض الحيض في بعض الأوقات ، فوجب حمل النّهي على مجموع الأمرين.

وقال ابن عبّاس وقتادة : هو الحيض (١) فقط ؛ لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ) [آل عمران : ٦] ، ولأن الحيض خارج عن الرّحم لا مخلوق فيه ، وحمل قوله ـ تعالى ـ : (ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) على الولد الذي هو شريف ، أولى من حمله على شيء قذر خسيس.

وأجيب بأن المقصود منعها عن إخفاء هذه الأحوال الّتي لا اطّلاع لغيرها عليها ، وبسببها يختلف الحلّ والحرمة في النّكاح ، فوجب حمل اللّفظ على الكلّ ، وقيل : هو الحيض ؛ لأن هذا الكلام إنّما ورد عقيب ذكر «الأقراء» ، ولم يتقدّم ذكر الحمل.

وأجيب : بأنّ هذا كلام مستأنف مستقلّ بنفسه ، من غير أن يردّ إلى ما تقدّم ، فوجب حمله على كلّ ما يخلق في الرّحم.

وقوله : (إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ليس المراد : أن ذلك النّهي مشروطا بكونها مؤمنة ، بل هذا كقول المظلوم للظّالم : «إن كنت مؤمنا فينبغي أن يمنعك إيمانك عن ظلمي» ، وهذا تهديد شديد في حقّ النّساء ؛ فهو كقوله في الشّهادة : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة : ٢٨٣] ، وقوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) [البقرة : ٢٨٣].

قوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ) الجمهور على رفع تاء «بعولتهنّ» وسكّنها (٢) مسلمة بن محارب (٣) ، وذلك لتوالي الحركات ، فخفّف ، ونظيره قراءة (٤) : (وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف : ٨٠] بسكون اللام حكاها أبو زيد ، وحكى أبو عمرو : أنّ لغة تميم تسكين المرفوع من «يعلّمهم» ونحوه ، وقيل : أجرى ذلك مجرى «عضد ، وعجز» ؛ تشبيها للمنفصل بالمتصل ، وقد تقدّم ذلك.

و «أحقّ» خبر عن «بعولتهنّ» وهو بمعنى حقيقون ؛ إذ لا معنى للتفضيل هنا ؛ فإنّ غير الأزواج لا حقّ لهم فيهنّ البتّة ، ولا حقّ أيضا للنّساء في ذلك ، حتى لو أبت هي الرّجعة ، لم يعتدّ بذلك.

وقال بعضهم : هي على بابها ؛ لأنه تعالى قال : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥١٦ ـ ٥١٧) عن مجاهد وابن عمر بمعناه.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٩٢) وعزاه لسعيد بن منصور والبيهقي عن عكرمة.

(٢) انظر الشواذ ١٤ ، والبحر المحيط ٢ / ١٩٩.

(٣) مسلمة بن محارب بن دثار ينظر غاية النهاية ٢ / ٢٩٨.

(٤) ستأتي في الزخرف ٨٠.