أصول الفقه - ج ١٠

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١٠

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-83-6
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٩٤

صوم حقيقي.

نعم ، يبقى إشكال الفرق بين كون العذر طارئاً في آخر الوقت ، وبين ما كان موجوداً في أوّل الوقت ثمّ ارتفع في أثناء النهار ، إلاّ أن يلتزم في ذلك أيضاً بالوجوب الاحترامي.

أمّا الكفّارة فلا دليل عليها إلاّدعوى الإجماع في بعض صور المسألة ، وهي الطوارئ غير الاختيارية ، وعلى تقديره فيكون لزوم الكفّارة محتاجاً إلى ارتكاب خلاف القاعدة من جهتين : الأُولى ما أشرنا إليه من أنّ القاعدة تقتضي عدم وجوب الامساك ، فيكون وجوبه الاحترامي على خلاف القاعدة. الجهة الثانية : هي أنّ الكفّارة إنّما دلّت أدلّتها على لزومها في مخالفة أوامر الصوم. أمّا الامساك الاحترامي الذي هو ليس بصوم حقيقي فيحتاج ثبوت الكفّارة في مخالفته إلى دليل أو توسعة في دليلها ، بأن يدّعى أنّه يستفاد منه لزومها على مخالفة مطلق وجوب الامساك ولو لم يكن صوماً حقيقة ، أمّا الرواية عن الصادق عليه‌السلام فقد عرفت عدم دلالتها على لزوم الكفّارة فيما نحن بصدده.

والخلاصة : أنّ الوجوب في باب الصوم واحد قد تعلّق بفعل واحد في زمان واحد ، ولا تبعيض ولا تفكيك فيه من ناحية الاطاعة والعصيان ولا من ناحية الوجود والعدم ، ولا ترفع [ اليد ] عن ذلك إلاّبالدليل الدالّ على خلافه ، وقد تقدّم في الجزء الأوّل في مباحث الواجب المشروط فيما علّقناه على ص ١٢٥ (١) فراجع.

وأمّا احتمال كون عدم السفر أو الحضر من قيود الواجب لا من شرائط

__________________

(١) وهي الحاشية المتقدّمة في المجلّد الثاني من هذا الكتاب ، الصفحة : ٩٣ ومابعدها. وراجع أيضاً ما قبلها.

٤٢١

الوجوب ، فلا يكون انتقاضه قبل الزوال مخلاًّ بتحقّق الوجوب عند الافطار القاضي بلزوم الكفّارة ، ففيه : أنّه لو سلّم كونه قيداً في الواجب فهو ليس كسائر القيود ممّا يجب تحصيله على وجه يكون السفر محرّماً عليه ، بل يكون أخذه فيه من قبيل القيود الاختيارية المأخوذة في الواجب على نحو لا يترشّح عليها الطلب فيكون الحضر من هذه الجهة ـ أعني جهة أخذه على نحو لا يترشّح عليه الطلب ـ مشاركاً لما يكون قيداً في الوجوب من القيود غير الاختيارية في أنّ الطلب لا يحصل إلاّفي ظرف وجوده ، فيعود المحذور في وجوب الكفّارة في المقام كما شرحه في صوم المستمسك ص ١٠٩ وص ١١٠ لكنّه دفع الإشكال أخيراً بقوله : اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ دعوى كون السفر ونحوه إذا وقع في أثناء النهار كان مبطلاً للصوم من أوّل الأمر ممّا لا شاهد عليها ، إذ يحتمل كونه مبطلاً له وناقضاً له من حينه ، فإذن لا يبعد البناء على وجوب الكفّارة مطلقاً (١).

وفيه تأمّل ، لأنّ محصّل كونه مبطلاً من حينه بعد فرض كونه شرطاً في وجوبه أو ملحقاً بالشرط في الوجوب هو انقطاع شرط الوجوب عند تحقّق السفر وبواسطة ما تقدّم من الارتباطية بين الوجوب في أوّل النهار والوجوب في آخره وإصلاح ذلك بكون الشرط هو العنوان المنتزع ، يكون تحقّق السفر في أثناء النهار كاشفاً عن عدم تحقّق الوجوب في أوّله ، وبالأخرة لا يكون الابطال من حينه ، بل يكون السفر في أثناء النهار كاشفاً عن عدم وجوبه من أوّله وعدم صحّته وبطلانه من حين الشروع في ذلك الصوم ، فلاحظ وتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّه ( سلّمه الله تعالى ) قرّب أوّلاً كون الحضر وعدم السفر شرطاً للواجب وهو الصوم ، بأنّ ذلك يقتضيه صدق الفوت والقضاء في حقّ المسافر ،

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ٨ : ٣٦٠ ـ ٣٦١.

٤٢٢

فيقال : فاته الصوم ويجب عليه قضاؤه ، إذ الفوت إنّما يصدق في ظرف وجود الملاك ، والقضاء فرع وجوب الأداء وفوته الخ (١).

ويمكن التأمّل في ذلك ، إذ لا ريب في أنّ عدم الحيض من شرائط الوجوب وهو دخيل في ملاكه ، ومع ذلك يلزم القضاء ويصدق عليه الفوت ، فتأمّل.

واعلم أنّ هذه الجملة ـ وهي أنّ القيد الفلاني قد أُخذ في الواجب على نحو لا يترشّح عليه الوجوب ـ قد وقعت في كلمات الشيخ في باب الواجب المشروط (٢) بعد بنائه قدس‌سره على رجوع القيد إلى المادّة لا إلى مفاد الهيئة ، وقد تقدّم (٣) تفسيرها بأنّ القيد الراجع إلى المادّة تارةً تكون المادّة ملحوظة مقيّدة به ، ثمّ بعد لحاظها كذلك يتعلّق بها الوجوب ، وحينئذ يترشّح ذلك الوجوب على ذلك القيد ، وأُخرى يكون لحاظها مقيّدة بالقيد المذكور في مرتبة عروض الطلب عليها ، فلا يكون الوجوب حينئذ مترشّحاً على القيد المذكور ، ويكون تقيّد المادّة بذلك في مرتبة عروض الطلب عليها أو تقييد المادّة بذلك القيد من حيث عروض الطلب عليها موجباً لتقيّد الطلب قهراً بذلك القيد وانحصار الطلب بمورد القيد ، ولازمه عدم ترشّح الطلب على ذلك القيد ، ويكون الوجوب في الحقيقة مشروطاً بوجود ذلك القيد.

وربما تفسّر بأنّ المأخوذ قيداً في المادّة هو فرض حصول القيد من باب

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ٨ : ٣٦٠.

(٢) مطارح الأنظار ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ و ٢٦٧ ـ ٢٦٨.

(٣) راجع الحاشيتين المتقدّمتين في المجلّد الثاني من هذا الكتاب في الصفحة : ١٢ وما بعدها و ١٩ وما بعدها.

٤٢٣

الاتّفاق ، ولازمه عدم ترشّح الطلب على ذلك القيد ، بل يكون ترشّح الطلب عليه خلفاً لما فرض من أنّ قيد المادّة هو اتّفاق حصول ذلك القيد لا ذات القيد نفسه.

وهذا التفسير على إجماله هو ما أفاده صاحب الكفاية قدس‌سره في تلك المباحث (١) ولكن الأُستاذ العراقي قدس‌سره (٢) قد شرح ذلك أو فسّره أو ابتكر له أساساً وذلك هو التبعيض في أبواب عدم ذلك الواجب ، فإنّ الإمساك في النهار عن حضر وعن طهارة من الجنابة أو طهارة من الحيض لو فرضنا تعلّق الطلب به كان مقتضى ذلك الطلب هو سدّ أبواب عدم الامساك من جميع نواحيه ، فالمولى لا يرضى بعدمه الناشئ عن مجرّد اختيار المكلّف تركه ، ولا بعدمه الناشئ عن عدم الطهارة من الجنابة مثلاً ، أمّا عدمه الناشئ عن ترك الحضر ، فالمولى لا يمنع منه ولا يسدّ باب عدمه الناشئ عن عدم هذا القيد الذي هو الحضر ، وحينئذ يكون الوجوب من أوّل النهار متعلّقاً بالامساك ، ويكون إعدامه الناشئ عن عدم اختيار المكلّف له واختياره لعدم الامساك ممنوعاً منه عند المولى ، فيكون موجباً للكفّارة ، فلو اختار المكلّف السفر قبل الزوال بعد أن ارتكب ترك الامساك وتحقّق منه الافطار ، يكون عدم الامساك مستنداً إلى اختيار المكلّف لا إلى السفر وعدم الحضر.

وحاصل ذلك : أنّ إعدام الامساك سابقاً الحاصل من إعدام ما كان عدمه الناشئ عنه ممنوعاً منه عند المولى ، وذلك هو اختيار المكلّف وإقدامه على الترك باختياره الافطار ، كان قد أسقط التكليف بالعصيان ، فلا يكون الوجوب باقياً عندما سافر.

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٩٩.

(٢) مقالات الأُصول ١ : ٣١٨ ـ ٣١٩.

٤٢٤

وإن شئت قلت : إنّ السفر وعدم الحضر المتأخّر عن الاقدام على إعدام الامساك بما يكون إعدامه من ناحيته ممنوعاً عنه وإن أوجب عدم الصوم لو خلي ونفسه ولم يكن مسبوقاً باعدامه من الجهة الممنوعة ، إلاّ أنّه لمّا كان مسبوقاً بذلك لم يكن له أثراً أصلاً ، هذا مضافاً إلى ما عرفت من أنّه لم يكن الانعدام مستنداً إليه بل قد عرفت أنّ الانعدام من ناحية عدم الحضر لا يكون ممنوعاً عنه. وعلى أي حال ، لا يكون لذلك السفر أثر ، ولا يكشف عن عدم تحقّق الوجوب فيما مضى ، بل لو لم يكن مسبوقاً بالافطار الاختياري لكان الوجوب متحقّقاً ، غايته أنّه لا يكون سادّاً لباب عدم الامساك الناشئ عن عدم الحضر. وعلى أي حال ، لا يكون هذا الوجوب مشروطاً بالحضر ولا بحكم ما هو مشروط به.

ومن ذلك يظهر لك أنّه لو قرّبنا وجوب الكفّارة بهذا التقريب ، أعني كون معنى وجوب الامساك عن حضر راجعاً إلى سدّ أبواب عدمه غير العدم الآتي من ناحية عدم الحضر ، أو قرّبناه بما تقدّم نقله عن صاحب الكفاية قدس‌سره في الواجب المشروط ليكون معنى التقييد بالحضر هو أنّ الوجوب تعلّق بالامساك الذي اتّفق معه وجود الحضر ، لتمّ وجوب الكفّارة فيما نحن فيه. ولا يرد عليه ما أفاده سلّمه الله بقوله : هذا ولكن سيأتي في فصل شرائط وجوب الصوم ـ إلى قوله ـ فيكون التكليف بالصوم كالمنوط بعدمه ، فلا يثبت إلاّفي ظرف عدمه من باب الاتّفاق الخ (١). والظاهر منه اختيار مسلك الكفاية ، وقد عرفت أنّه بناءً عليه لا يرجع الوجوب إلى الوجوب المشروط.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مسلك الكفاية راجع إلى الوجوب المشروط أو هو بحكمه ، باعتبار أنّ تعلّق الوجوب بالامساك المقيّد باتّفاق تحقّق الحضر عبارة

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ٨ : ٣٦٠.

٤٢٥

أُخرى عن أنّه لا يثبت الوجوب إلاّفي ظرف انعدام السفر من باب الاتّفاق ، فيكون بمنزلة الوجوب المشروط بعدم السفر إن لم يكن هو عينه ، فلاحظ وتأمّل. وعبارته في فصل شرائط وجوب الصوم هي أظهر في التعريج على مسلك صاحب الكفاية من هذه العبارة فراجع ص ١٦١ (١).

بل يمكن القول بأنّ التبعيض من حيث الأعدام الذي هو مسلك الأُستاذ العراقي لا يخلو من كونه من قبيل الواجب المشروط ، فإنّ محصّل عدم منع الشارع من عدم الامساك الناشئ من عدم الحضر والرضا بترك الامساك الحضري الناشئ عن عدم الحضر ، هو أنّه لا طلب في مورد عدم الحضر ، وذلك عبارة أُخرى عن انحصار الطلب بصورة وجود الحضر ، وذلك هو عين كون الوجوب مشروطاً.

وعلى أيّ حال ، فإنّه بعد البناء على رجوع المسألة إلى الوجوب المشروط أو ما هو بحكمه لا يكون السفر مبطلاً للصوم من حينه ، بل يكون كاشفاً عن عدم الوجوب من أوّل الفجر.

قوله : فقد يتوهّم أنّ العموم الزماني لا يمكن أن يكون قيداً للحكم ، فإنّ استمرار الحكم في جميع الأزمنة يقتضي اشتغال المكلّف بالصلاة مثلاً في كلّ زمان. ولا يخفى ضعفه ، فإنّ استمرار الحكم إنّما يعتبر في الأزمنة التي تكون ظرفاً لايجاد المتعلّق فيها ـ إلى قوله ـ واستمراره في أزمنة إيجاد المتعلّق ... الخ (٢).

لا يخفى أنّه ليس لنا في وجوب الصلاة عموم أزماني بمعنى الوجوب في

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ٨ : ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٥٤ ـ ٥٥٥.

٤٢٦

كلّ آن كي نتكلّم في أنّ هذا العموم الأزماني هل يكون ظرفاً للحكم الذي هو وجوب الصلاة أو أنّه ظرف للمتعلّق الذي هو الصلاة نفسها ، فإنّه لو كان لنا مثل هذا العموم لتوجّه التوهّم المذكور ، سواء قلنا بأنّه راجع إلى الحكم أو قلنا بأنّه راجع إلى المتعلّق ، بل ليس لنا في ذلك الباب إلاّ أزمنة خاصّة وأوقات معيّنة وهي الأوقات التي حدّدها الشارع ، والظاهر أنّ تلك الأوقات قد أُخذت ظرفاً للمتعلّق ، ولكن أخذها ظروفاً للمتعلّق يوجب كون إيجابه مشروطاً بتلك الظروف ، فلا فرق حينئذ بين أخذها في المتعلّق أو في حكمه ، وليس لنا مورد تخصيص أو شكّ في التخصيص من حيث الزمان كي نتكلّم في أنّه على الأوّل ماذا يكون المرجع وعلى الثاني ماذا يكون المرجع ، كما أنّ أوقاتها الموسعة المضروبة لها مثل كون ما بين الطلوعين وقتاً لصلاة الصبح ، وما بين الزوال والغروب وقتاً للظهرين ، فليس فيه عموم شمولي ولا مجموعي ، بل ليس في البين إلاّ العموم البدلي الذي هو نتيجة تعلّق الأمر بصرف الطبيعة من صلاة الصبح ـ مثلاً ـ بعد الفراغ عن أنّه ليس في ذلك الوقت إلاّصلاة واحدة ، فلا فرق فيه بين أخذ ذلك الوقت المضروب لها ـ أعني ما بين الطلوعين ـ ظرفاً للوجوب أو ظرفاً للواجب.

ومن ذلك يظهر لك التأمّل في قوله : فإنّ استمرار الحكم إنّما يعتبر في الأزمنة التي تكون ظرفاً لايجاد المتعلّق فيها الخ ، فإنّه مع أخذ تلك الظروف ظروفاً للمتعلّق لا يكون استمرار الحكم إلاّبمعنى بقائه وعدم نسخه كما يصرّح به في قوله : فمعنى استمرار الحكم هو بقاء وجوب الصلاة في جميع الأيّام في تلك الأوقات ، وعدم اتّصال أزمنة امتثال الصلوات لا يضرّ باتّصال الحكم واستمراره في أزمنة إيجاد المتعلّق الخ.

ولا يخفى أنّه مع فرض كون المراد من استمرار الحكم ودوامه هو بقاءه

٤٢٧

وعدم نسخه ، لا معنى لأخذه في المتعلّق ، فكيف فرّع عليه قوله : ففي باب الصلاة أيضاً يمكن أن يكون مصبّ العموم الزماني نفس الحكم ، ويمكن أن يكون المتعلّق ، فلاحظ وتأمّل.

وأمّا مسألة وجوب القصر والافطار ، فعلى الظاهر أنّ المرجع فيها هو عموم أدلّة لزوم القصر والافطار على المسافر ، فإنّه قد خرج منه من نوى الاقامة عشرة في بلد ـ بناءً على كونه من قبيل التخصيص المعبّر عنه بأنّ الاقامة قاطعة لحكم السفر لا لموضوعه ـ والشكّ إنّما هو فيما لو خرج من ذلك البلد ولم يكن قاصداً في خروجه إلاّمقدار الأقل من الأربعة فراسخ ، فهذا المورد من الشكّ وإن أمكن فيه استصحاب حكم المخصّص من وجوب التمام والصيام ، إلاّ أنّه لمّا كان عنوان المسافر محفوظاً فيه ، وكان القدر المتيقّن من المخصّص هو ما دام موجوداً في بلد الاقامة ، كان المرجع فيه هو عموم أنّ المسافر يقصّر ويفطر ، من دون حاجة إلى عموم أزماني في البين.

والحاصل : أنّه لا حاجة في المقام إلى العموم الأزماني ، بل يكون العموم الأفرادي القائل إنّه يجب قصر الصلاة على كلّ مسافر كافياً في مورد الشكّ المذكور وهو من خرج عن بلد الاقامة ، ومن تبدّل من المعصية إلى الطاعة ولم يكن في البين مسافة.

والأولى التمسّك بالعموم الأحوالي القائل إنّه يجب القصر على المسافر في جميع أحواله إلاّحالة إقامته في البلد الذي نوى فيه العشرة أو في حالة معصيته.

لا يقال : إذا لم يكن في البين عموم أزماني يقول إنّ المسافر يقصّر الصلاة دائماً أو في كلّ وقت من أوقاتها ، لكان يكفي فيه قصر صلاة واحدة ، فلابدّ من العموم الأزماني دفعاً لهذا التوهّم.

٤٢٨

لأنّا نقول : يكفي في دفع هذا التوهّم نفس عموم أنّ المسافر حكمه القصر ، فإنّ ظاهره هو أنّه حكمه القصر للصلاة في أزمانها ما دام مسافراً ، ولعلّ هذا هو المراد من العموم الأزماني ، لكن هذا العموم الأزماني لو كان مأخوذاً في الحكم لم يكن فوق الحكم بل كان في درجته ، لأنّ محصّله هو أنّ الحكم بالقصر على المسافر منوط بما دام مسافراً ، كما هو الشأن في كلّ قضية علّق الحكم فيها على عنوان من العناوين ، وحينئذ فلا فرق بين أخذ ذلك الدوام في الحكم نفسه أو أخذه في متعلّقه من صحّة التمسّك به في مقام الشكّ ، إذ لا فرق بين أن يقول : القصر في كلّ أزمنة السفر واجب ، أو أن يقول : يجب في كلّ أزمنة السفر قصر الصلاة في أوقاتها ، في صحّة التمسّك بكلّ من هاتين عند الشكّ المزبور ، فتأمّل وقس على ذلك حال المعصية في السفر والعدول عنها قبل أن ينوي طيّ مسافة جديدة تزيد على أربعة فراسخ.

إلحاق وتكميل : قال السيّد قدس‌سره في حاشيته على المكاسب بعد أن قرّر مطلب الشيخ قدس‌سره بالدوام والانحلال ما هذا لفظه : قلت : لا يخفى أنّ الواجب في القسم الأوّل أيضاً إكرامات عديدة بعدد الأيّام ، غاية الأمر أنّها ملحوظة بلحاظ وحداني ، ولهذا لو أكرم في بعض الأيّام دون بعض يحصل الامتثال بالنسبة إلى الأوّل والمخالفة بالنسبة إلى الثاني ، وليس من قبيل التكليف الارتباطي كالامساك في الصوم الواجب إلى الغروب ، حيث إنّه أمر واحد مستمرّ مرتبط ، فلو لم يمسك بعض اليوم يسقط الامتثال رأساً ، وفيما نحن فيه لو وفى بالعقد في بعض الأوقات حصل الامتثال بالنسبة إليه قطعاً ، وإن حصل المخالفة أيضاً بالنسبة إلى البعض المتروك. ثمّ قال في أثناء إيراده الأوّل ما هذا لفظه : فنقول : لا شكّ في أنّ العموم في القسم الأوّل أيضاً ناظر إلى جميع الأزمنة وجميع الأيّام ، بل جميع

٤٢٩

الآنات ، لأنّ هذا معنى قوله : أبداً ، غاية الأمر أنّ تلك الأجزاء ملحوظة بلحاظ وحداني لا بلحاظات عديدة ، فهي أبعاض لا أفراد ـ إلى أن قال : ـ فحال هذا القسم من العموم الأزماني حال العام المجموعي كما إذا قال : أكرم مجموع العلماء (١).

قلت : لا يخفى أنّ العام المجموعي لا يتصوّر فيه التبعيض في الاطاعة والعصيان ، وإنّما يتصوّر ذلك في العام الانحلالي ، وكلّ من النحوين ـ أعني العموم الأزماني المجموعي والعموم الأزماني الانحلالي ـ مشتمل على لحاظ التقطيع في أجزاء الزمان أيّاماً أو ساعات أو آنات ، غايته أنّه في المجموعي يلاحظ الارتباط في الأجزاء فيكون العام المجموعي كالمركّب الارتباطي ، وهذا بخلاف العام الانحلالي فإنّه لم يلاحظ فيه هذه الجهة من الارتباط ، مع اشتراك كلّ منهما بلحاظ القطعات ، وهما معاً داخلان على الظاهر في القسم الثاني الذي أفاده الشيخ قدس‌سره على ما شرحناه وعلّقناه على ما في تحرير المرحوم الشيخ محمّد علي رحمه‌الله (٢) ممّا ظاهره التفرقة بينهما في إمكان التمسّك وعدمه.

أمّا القسم الأوّل في كلام الشيخ قدس‌سره فقد عرفت ممّا حرّرناه أنّه خارج عن كلّ من العموم المجموعي والانحلالي ، بل إنّ تحقيقه أنّه لا عموم أزماني في البين ، وليس في البين إلاّوجوب واحد وارد على وفاء واحد في زمان واحد ، وهو تمام اليوم أو تمام الشهر فيما لو قال : يجب الوفاء في هذا اليوم أو في هذا الشهر ، أو هو تمام الزمان من أوّل العقد إلى آخر الدهر فيما لو قال : يجب الوفاء أبداً أو دائماً أو في تمام العمر ونحو ذلك من عبارات التأبيد التي لم يلاحظ فيها قطعات

__________________

(١) حاشية كتاب المكاسب ٢ : ٥٧٠ ـ ٥٧١.

(٢) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٢٩٥ وما بعدها.

٤٣٠

الزمان ، وأنّه إنّما لاحظ فيه الزمان بتمامه قطعة واحدة وأخذه ظرفاً للفعل الواحد الذي هو الوفاء أو للوجوب الواحد المتعلّق للوفاء الواحد.

والحاصل : أنّ في مثل عموم العلماء يمكن أن يتصوّر العموم الانحلالي والعموم المجموعي ، حيث إنّ الأفراد فيه متباينة خارجاً ، فإن لاحظها الحاكم على ما هي عليه من التعدّد والتباين وحكم عليها كان العموم انحلالياً ، وإن لاحظ اجتماعها كمركّب من أجزاء كان العموم مجموعياً ، أمّا نفس الزمان الواسع مثل الشهر والدهر فلا يكون هناك أفراد كي يقال إنّها لوحظت متباينة أو لوحظ مجموعها ، وإنّما يحلّله العقل إلى آنات أو ساعات أو أيّام ، فلو لاحظها الحاكم أيّاماً مثلاً يتأتّى حينئذ الانحلالية والمجموعية ، فلا يتأتّى الانحلالية ولا المجموعية إلاّبعد لحاظ الأيّام ، أمّا مع عدم لحاظ الأيّام مثلاً بل لم يلاحظ إلاّما بين المبدأ والمنتهى من أوّل الشهر إلى آخره فلا يكون في البين إلاّموضوع واحد لا أفراد له ولا أجزاء.

ومن ذلك كلّه يتّضح الجواب عن الايرادات التي أوردها السيّد قدس‌سره (١) على الشيخ قدس‌سره وأهمّها الأوّل ، فإنّه بناءً على ما حقّقناه من معنى الدوام وأنّه راجع إلى وحدة الزمان ، فلا عموم في البين كي يتمسّك به في مقام الشكّ. ودعوى كفاية النظر اللفظي الاستعمالي في التمسّك وإن لم يرجع إلى عدم التخصيص غريبة جدّاً ، فإنّ محصّل النظر اللفظي الاستعمالي إلى المورد هو كون المتكلّم ناظراً إلى دخوله تحت الحكم وأنّه لم يخرج عنه ، فلا تجري أصالة العموم إلاّفي مورد احتمال الخروج ، ليكون محصّلها هو الحكم بأنّ المورد باقٍ تحت العموم وأنّه لم يخرج عنه ، فلا تجري إلاّفي المورد الذي يكون عدم إجرائها موجباً لزيادة

__________________

(١) حاشية كتاب المكاسب ٢ : ٥٧٠ ـ ٥٧٤.

٤٣١

الخارج ، فلاحظ.

ومن ذلك كلّه يظهر لك معنى التبعية التي وقعت في كلام الشيخ قدس‌سره ، وأنّ محصّلها هو أنّ الدوام إنّما يكون بعد فرض جريان أصل الحكم في الفرد ، ولعلّ هذه العبارة من الشيخ قدس‌سره أقرب إلى ما أفاده شيخنا قدس‌سره في شرح مطلب الشيخ قدس‌سره من كون العموم الأزماني فوق الحكم ، وإن كنا قد تأمّلنا في هذا التفسير فلاحظ ما حرّرناه. وعلى كلّ حال ، فإنّه قد ظهر لك عدم توجّه الإيراد الثاني.

وأمّا الإيراد الثالث ، فقد شرحناه فيما تقدّم (١) بما حاصله : أنّ المراد من أخذ الزمان قيداً هو أخذ قطعاته مورداً للحكم ، فيكون من قبيل التعدّد ، بخلاف ما لو أُخذ الزمان واحداً فإنّه لا يكون إلاّمن باب مجرّد الظرفية ، لا بمعنى أنّها غير دخيلة ، بل بمعنى أنّه لا يكون في البين موضوعات من الزمان متعدّدة حسب تعدّد أجزائه التي وقع التقطيع بحسبها.

وأمّا الإيراد الرابع ، فقد شرحنا أنّه لو أخذ التقطيع وكان الاخراج من تلك القطع لزمه أنّ الخارج فرد واحد من تلك القطع ، فلا يمكن تسرية الحكم من ذلك الفرد إلى الفرد الآخر. ومن ذلك يظهر الوجه فيما أفاده الشيخ في الرسائل من كون الاستثناء قرينة على أخذ كلّ زمان فرداً مستقلاً الخ (٢) ، وحاصله أنّ الاستثناء قرينة على التقطيع ، وقد شرحناه فيما تقدّم (٣). ومنه يظهر لك أنّه لا يرد عليه ما أفاده السيّد قدس‌سره في قوله بقي شيء ـ إلى قوله ـ وأنت خبير بأنّ قوله يوم

__________________

(١) لاحظ المصدر المتقدّم في الصفحة : ٤٣٠ ، وكذا لاحظ ما ذكره قدس‌سره من كلمات المحقّقين الهمداني والحائري والأصفهاني قدس‌سرهم في الصفحة : ٣٧٥ وما بعدها.

(٢) فرائد الأُصول ٣ : ٢٧٤.

(٣) في الصفحة : ٢٩٩.

٤٣٢

الجمعة الخ ، فراجع (١).

وأمّا الإيراد الخامس ، فهو راجع إلى التفرقة بين كون الخروج من الوسط أو كونه من أحد الطرفين ، وهو مطلب الكفاية ، وقد شرحناه وشرحنا ما فيه وما علّقه عليه المحقّقون كصاحب [ الدرر ] والعلاّمة الأصفهاني قدس‌سرهما فراجع (٢).

نعم ، يبقى الإشكال في خروج خيار المجلس وخيار الحيوان عن عموم ( أَوْفُوا ) وقد أشرنا إلى ذلك فيما علّقناه على ص ٢٠٢ من هذا التحرير وشرحنا الجواب عن توجّه هذا النقض على ما أفاده شيخنا والشيخ قدس‌سرهما فراجع (٣).

والمتحصّل ممّا أفاده الشيخ قدس‌سره في هذا المقام من المكاسب والرسائل : هو أنّه على الوجه الأوّل لا يكون في البين عموم أزماني قابل لأن يرد عليه التخصيص ليقتصر فيه على القدر المتيقّن ويرجع في الباقي إلى العموم ، وحينئذ فلو كان في البين تخصيص كان تخصيصاً أفرادياً كما قال في الرسائل : لأنّ مورد التخصيص الأفراد دون الأزمنة (٤) وقال في مثل قوله « تواضع للناس » : بناءً على استفادة الاستمرار منه : فإنّه إذا خرج منه التواضع في بعض الأزمنة على وجه لا يفهم من التخصيص ملاحظة المتكلّم كلّ زمان فرداً مستقلاً لمتعلّق الحكم (٥). وقال قبل هذا في بيان العموم الأزماني : ومثله ما لو قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال : لا تكرم زيداً

__________________

(١) حاشية كتاب المكاسب ٢ : ٥٧٤.

(٢) راجع الصفحة : ٣٣٥ وما بعدها ، وكذا الصفحة : ٣٥٦ وما بعدها ، وكذا الصفحة : ٣٧٩ وما بعدها.

(٣) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٣٧٢ وما بعدها.

(٤) فرائد الأُصول ٣ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

(٥) المصدر المتقدّم : ٢٧٥.

٤٣٣

يوم الجمعة ، إذا فرض الاستثناء قرينة على أخذ كلّ زمان فرداً مستقلاً (١). فتمام الفارق عنده بين الوجه الأوّل والوجه الثاني هو أنّه على الثاني يكون لنا عموم أزماني بلحاظ الأيّام أو الآنات ، ويكون ذلك العموم قابلاً للاستثناء ، بخلاف الوجه [ الأوّل ] فإنّه لا يكون في البين إلاّحكم واحد على موضوع واحد ومتعلّق واحد في زمان واحد ، فلو كان في البين إخراج وتخصيص لم يكن إلاّ إخراجاً من العموم الأفرادي ، فلو حصل التردّد في مقدار الخارج من ناحية أنّ خروج العقد الغبني مثلاً والحكم عليه بعدم وجوب الوفاء هل هو في الآن الأوّل أو أنّه جار في الآن الثاني والثالث مثلاً ، فالقدر المتيقّن وإن كان هو الآن الأوّل ، إلاّ أنّ المرجع فيما عداه ليس هو العموم الأزماني ، إذ لا عموم أزماني في البين ، بل المرجع فيه هو استصحاب حكم الخاصّ ، هذا فيما كان الزمان في الخاصّ مردّداً بين الأقل والأكثر.

أمّا لو كان محدوداً مضبوطاً مثل ما داما في المجلس أو الثلاثة في الحيوان مع التصريح باللزوم فيما بعد ، فذلك التصريح عبارة أُخرى عن تحديد مقدار الخروج ، وأنّه بعده يبقى العقد على ما كان تقتضيه ذاته من كونه داخلاً تحت العقود في قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ). وإن شئت فقل : إنّ الخروج عبارة عن كون الفرد محكوماً بحكم مخالف للحكم في العام ، فإن كان الحكم المخالف في ذلك الفرد مطلقاً كان خروجه مطلقاً ، وإن كان محدوداً بزمان خاصّ كان خروجه مقصوراً على ذلك الزمان ، وليس ذلك التزاماً بالعموم الأزماني.

ولا يخفى أنّ ذلك لو تمّ لوجب في الصورة الأُولى ـ أعني صورة التردّد ـ الاقتصار في الخروج على القدر المتيقّن والرجوع فيما عداه إلى العموم الأفرادي ،

__________________

(١) المصدر المتقدّم : ٢٧٤.

٤٣٤

وحينئذ يكون المتعيّن هي الطريقة الأُولى ، أعني دعوى كون دليل خيار المجلس متكفّلاً لكون العقد فيما بعده مشمولاً للعموم الأفرادي.

ولا يخلو عن تأمّل ، إذ لا يتكفّل قوله عليه‌السلام : « فإذا افترقا وجب البيع » (١) إلاّ لزوم العقد بعد الافتراق ، فيكون هو بنفسه دليلاً على اللزوم ، لا أنّه يكون موجباً لارجاع العقد بعد انقضاء المجلس إلى عموم آية الوفاء وهو ـ أعني العموم ـ يتكفّل بلزوم العقد ، فالأولى هو المنع من سدّ باب العموم الأزماني ، فإنّ رفع اللغوية كما يجتمع مع الوجه الأوّل فكذلك يجتمع مع الثاني.

ولم يتّضح الوجه في قول الشيخ قدس‌سره في المكاسب بعد تقريره الوجهين بما لا مزيد عليه ما هذا لفظه : إذا عرفت هذا فما نحن فيه من قبيل الأوّل ، لأنّ العقد المغبون فيه إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به في زمان واحد وبين عدم وجوبه رأساً ، نظير العقد الجائز دائماً ، فليس الأمر دائراً بين قلّة التخصيص وكثرته حتّى يتمسّك بالعموم فيما عدا المتيقّن ، فلو فرض عدم جريان الاستصحاب في الخيار على ما سنشير إليه لم يجز التمسّك بالعموم أيضاً ، نعم يتمسّك فيه بأصالة اللزوم الثابتة بغير العمومات الخ (٢) وقد تقدّم في حاشية ص ١٩٨ (٣) نقل عبارة المكاسب وشرحها ، فراجع.

ثمّ لا يخفى أنّه لو سلّمنا أنّه ليس مفاد الزمان المأخوذ في مثل يجب الوفاء بالعقد في تمام العمر أو في تمام السنة مثلاً إلاّ الوجوب الواحد المتعلّق بالوفاء في

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٦ / أبواب الخيار ب ١ ح ٤.

(٢) كتاب المكاسب ٥ : ٢٠٩.

(٣) وهي الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٢٩٥ وما بعدها. راجع الصفحة : ٣٠٠ وما بعدها.

٤٣٥

الزمان الواحد ، سواء علّقناه بالوجوب أو علّقناه بالوفاء [ و ] أنّه ليس من قبيل العموم الأزماني ، فلا نسلّم أنّه غير قابل للتخصيص وإخراج بعض أجزائه ، إذ لا إشكال في أنّه لو قال : يجب التواضع في تمام هذا الشهر أو دائماً مدى العمر ، فله إخراج بعض الأيّام عنه وإبقاء الباقي حتّى لو كان ذلك بمفاد قوله : دائماً ، إذ لا ريب في صحّة إخراج بعض الأزمنة من الدوام أو من الأبد ونحو ذلك ممّا كان الظرف واسعاً ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون إخراج بعض أجزاء الزمان بالقياس إلى تمام العقود وأن يكون بالقياس إلى عقد خاصّ ، فلا فرق بين أن يقول : يجب الوفاء بالعقود دائماً أو أبداً إلاّفي يوم الجمعة ، أو أن يقول : إلاّفي العقد الغبني في أوّل أيّامه أو آناته ، فإنّه يقتصر في الخارج عن الأبد على ذلك اليوم ، ويبقى الأبد بحاله في الباقي ، فلاحظ وتأمّل.

نعم ، هناك جهة أُخرى وهي الطولية وكون الأبدية والدوامية في طول العموم الأفرادي وكونها فوق الحكم أو تحته ، وهذه الجهة هي التي اعتمد عليها شيخنا قدس‌سره في المنع من التمسّك بالعموم الأزماني حتّى لو كان بمفاد كلّ آن ، وقد عرفت التأمّل في ذلك بما شرحناه في الأبحاث السابقة خصوصاً في الحواشي على ص ١٩٩ فراجع (١).

تنبيه : قد يقال : إنّ من فروع هذا التنبيه ما ذكره الفقهاء من الحرام الطارئ على النكاح مثل الزنا بأُمّ الزوجة أو بنتها ، ومثل زنا الابن بزوجة الأب وبالعكس ، ومثل وطء ابنها أو أخيها أو أبيها ـ بناءً على أنّ ذلك لا يوجب إبطال النكاح السابق ـ ثمّ حصل الطلاق والخروج عن العدّة وأراد زوجها التزويج بها بعقد

__________________

(١) وهي الحواشي المتقدّمة في الصفحة : ٣١١ و ٣٥٩ و ٣٦٠.

٤٣٦

جديد ، فقد يقال بالرجوع إلى استصحاب حكم الخاصّ كما في الجواهر (١) وتردّد في العروة (٢).

لكن يمكن أن يقال : إنّ هذه الفروع خارجة عن هذا التنبيه ، لأنّ الدليل الدالّ على عدم الحرمة في حال الزوجية السابقة إنّما يدلّ على أنّ ذلك الحرام لا يوجب إبطال ذلك النكاح السابق عليه ، لقولهم عليهم‌السلام : « الحرام لا يحرّم الحلال » (٣) فهو إنّما أخرجه بعنوان كونه لا يحرّم الحلال ، لا أنّ تلك المرأة خارجة بذاتها عن أدلّة التحريم ، فأقصى ما في دليل الحلّية هو أنّ وقوع ذلك الحرام في أثناء الزوجية لا يوجب إبطال الزوجية السابقة عليه لا أنّه لا يحرّمها ، فلو طلّقها كانت باقية على ما هي عليه من الدخول تحت الدليل على التحريم. وفيه تأمّل واضح ، إذ لا معنى لعدم إبطال الزوجية إلاّ الحلّية وعدم استلزام التحريم ، وأنّ ذلك الوطء الحرام لا أثر له في تحريم تلك الزوجة بقول مطلق.

وبالجملة : الظاهر من عدم التحريم والبقاء على الحلّية هو الحلّية مطلقاً ، لعدم الدليل على تقييدها بما دامت الزوجية السابقة ، فليست المسألة من مسائل العموم الأزماني ، بل هي من مسائل العموم الأفرادي ، فإنّ العموم الأوّل هو حرمة موطوأة الأُمّ مثلاً ، وقد خرج منها ما لو كان وطء أُمّها في حال زوجيتها فإنّها لا

__________________

(١) قال في الجواهر : كما أنّ الأحوط عدم تجديد العقد لو طلّق مثلاً بعد الايقاب ، بل مال بعض الأفاضل إلى عدم الجواز ، لكن يقوى الجواز للاستصحاب الذي لا يقدح في جريانه انقطاع ذلك النكاح بالطلاق [ منه قدس‌سره. راجع جواهر الكلام ٢٩ : ٤٤٩ ].

(٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء قدس‌سرهم ) ٥ : ٥٥١ ـ ٥٥٢ مسألة : ٣٤ وكذا ٥ : ٥٣٥ ـ ٥٣٦ مسألة : ٢١.

(٣) وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٢٦ / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ١١ وغيره.

٤٣٧

تحرم على الواطئ ، والظاهر من هذا المخصّص هو عدم الحرمة بقول مطلق ، فإنّ محصّله هو أنّ هذا الوطء لا أثر له في التحريم ، ومقتضاه أنّها لا تحرم عليه حتّى بعد طلاقها وخروجها من العدّة.

وبالجملة : أنّ احتمال كون عدم الحرمة مقيّداً بكونها ما دامت في حبالته بعيد جدّاً ، إذ المقصود من هذه الحرمة المنفية هي الحرمة الذاتية غير القابلة للتقييد بما دامت الزوجية ، ولو احتملنا ذلك كان المرجع هو عموم العام الدالّ على التحريم ، لا استصحاب حكم الخاصّ لحكومة العام عليه ، بل لو سقط العام عن الحجّية لجهة من الجهات لم يمكن الرجوع إلى استصحاب حكم الخاصّ ، للشكّ في مدخلية الزوجية السابقة في الحكم بالحلّية ، إلاّ أن يقال بالتسامح في ذلك ، وأنّ العرف يرى كون الزوجية السابقة من قبيل علّة الحكم لا من قبيل قيد الموضوع ، فتأمّل جيداً.

قوله : وإن لم يكن للزمان دخل في ذلك ... الخ (١).

إنّ هذه الجملة إنّما هي في مقابل قوله فيما تقدّم : فإن كان للزمان دخل في ملاك الحكم والمصلحة التي اقتضت تشريع الوجوب كالصوم الخ (٢) ، ومن الواضح أنّه إذا لم يكن للزمان دخل في ملاك الحكم ومصلحته لم يكن لدينا إلاّ وجوب متعلّق بفعل كالقيام مثلاً أو الاكرام ، ومن الواضح أنّ ذلك بمجرّده لا يقتضي إلاّوجوب صرف الطبيعة ، وهو حاصل بأوّل وجود ، إذ لا يكون لنا ما يوجب الدوام والاستمرار لا في الحكم ولا في متعلّقه.

نعم ، هناك أمر آخر وهو أنّ كلّ حكم هو باقٍ لا ينسخ ، وهذا بمجرّده لا

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٥٤.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٥٢.

٤٣٨

يقتضي التكرار ولا الاستمرار لا في المتعلّق ولا في الحكم ، إذ لا دخل لهذه الجهة ـ أعني بقاء الحكم وعدم نسخه ـ في عدم سقوطه بامتثاله الحاصل بأوّل وجود من وجودات الطبيعة التي تعلّق بها ، وأمّا الوجوب المتعلّق بالصلوات اليومية فأجنبي عن هذه الجهة من الدوام والبقاء وعدم النسخ ، بل إنّ لنا في باب الصلوات الموقّتة في كلّ يوم وكلّ وقت وجوباً مستقلاً لا ربط له بالوجوب في اليوم الآخر ولا بالوقت الآخر.

ولا يخفى أنّ هذه الجهة من الدوام التي هي بمعنى البقاء وعدم النسخ لا يعقل إرجاعها إلى المتعلّق ولا دخل لها بالمتعلّق ، بل يتعيّن لحوقها للحكم ، وكأنّها هي التي عناها قدس‌سره بقوله : إنّها فوق الحكم ، وقد تقدّم (١) ذلك مشروحاً عندما احتملنا أنّ مراده قدس‌سره من العموم الأزماني في ناحية الحكم هو هذه الجهة أعني بقاءه وعدم نسخه ، وقد عرفت أنّ بقاء الحكم وعدم نسخه الذي تعرّض له قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة » (٢) لا دخل له بما هو محلّ الكلام من العموم الأزماني الصالح في حدّ نفسه للرجوع إلى المتعلّق كما هو صالح للرجوع إلى الحكم ، فلاحظ وتدبّر.

ومن ذلك كلّه يظهر لك أنّه إذا لم يكن لدينا إلاّوجوب متعلّق بصرف الطبيعة لم يكن في البين ما يقتضي العموم الأزماني لا في الحكم ولا في المتعلّق ، وكان قضية ذلك هو الاكتفاء بأوّل وجود ، أمّا إذا زيد على ذلك العمومُ الأزماني سواء كان في ناحية الحكم أو كان في ناحية المتعلّق ، فلا ريب في أنّ مقتضاه هو لزوم التكرار ، أمّا على الثاني فواضح ، وأمّا على الأوّل فلأنّه لا معنى لقوله : يجب

__________________

(١) في الصفحة : ٣٤٣ وما بعدها.

(٢) الكافي ١ : ٥٨ / باب البدع والرأي والمقاييس ح ١٩.

٤٣٩

في كلّ آن الاكرام ـ مثلاً ـ إلاّلزوم التكرار وعدم سقوط ذلك الوجوب بأوّل وجود ، لأنّ الفرض هو كون الوجوب موجوداً في كلّ آن ، وهذا هو ما عرفته من التلازم بين كون العموم الأزماني راجعاً إلى المتعلّق وكونه راجعاً إلى الحكم ، وأمّا باب الصلاة اليومية فقد عرفت أنّها أجنبية عن باب العموم الأزماني ، فلاحظ.

ثمّ لا يخفى أنّ السيّد سلّمه الله في تحريره (١) جعل التكاليف أقساماً : فالأوّل : ما لا عموم أزماني فيه ولا في متعلّقه. وفي هذا الحكم حكم بعدم ثبوت الحكم إلاّبالمقدار المتيقّن.

الثاني : ما كان هناك دليل على العموم الأزماني كلزوم اللغوية لولاه. وحكم فيه برجوع العموم الأزماني إلى ناحية الحكم ، وقد تقدّم الكلام في ذلك (٢) ، لكنّه فرّع عليه مسألة الخروج إلى ما دون المسافة ، وقد عرفت التفصيل في هذه المسألة ، ثمّ ذكر التوهّم المذكور بطريق : وقد يقال ، وأجاب عنه بنظير ما أجاب به في هذا التحرير (٣).

الثالث : ما دلّ الدليل على الاستمرار فيه إلى حدّ محدود ، وجعل منه الصوم وقد عرفت (٤) الكلام فيه مفصّلاً.

وربما يقال : إنّ هذا التوهّم لا مورد له في الأحكام الشرعية ، إذ ليس فيها ما يكون قد اعتبر فيه الدوام والاستمرار في جميع الأزمنة في المتعلّق أو في الحكم ، ولو ثبت ذلك في بعض الأحكام كان مقتضاه هو ما توهّمه المتوهّم من لزوم

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ١٧٣ ـ ١٧٤.

(٢) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٤٢٦ وما بعدها.

(٣) فوائد الأُصول ٤ : ٥٥٤.

(٤) في الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٤٠٧ وما بعدها.

٤٤٠