أصول الفقه - ج ١١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-84-3
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٨٣

١
٢

[ خاتمة الاستصحاب : في بيان أُمور ]

قوله : فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه بما ذكره الشيخ قدس‌سره من أنّه لولا اتّحاد المتعلّقين يلزم بقاء العرض بلا موضوع أو انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر ، وكلّ منهما بمكان من الاستحالة ، فإنّ الاستدلال بذلك تبعيد للمسافة بلا موجب ... الخ (١).

لا يخفى أنّ هذه القضية إنّما تنفع في لزوم وحدة القضية المشكوكة مع القضية المتيقّنة بحسب الموضوع ، لأنّ الموضوع في القضية المشكوكة إن كان مغايراً للموضوع في القضية المتيقّنة ، ومع ذلك حكمنا ببقاء ذلك المحمول لأجل الاستصحاب ، فإن كان بقاؤه المحكوم به غير موجب للحوقه لموضوع القضية المشكوكة ، كان لازمه بقاء العرض بلا موضوع ، وإن كان بقاؤه موجباً للحوقه لموضوع القضية المشكوكة ، كان لازمه انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر ، أمّا لو كان الاختلاف بين القضيتين في ناحية المحمول فلا يستقيم هذا البرهان فيه كما هو واضح.

ثمّ إنّه في [ هذه ] الصورة وهي صورة الاختلاف بينهما بحسب الموضوع فقط يمكن التخلّص من المحالية بالالتزام بالشقّ الثاني ، بأن نقول : إن نقل المحمول الذي هو الحكم من موضوع إلى موضوع آخر لا بأس به إذا كان على نحو التعبّد سيّما إذا كان المحمول من الأحكام الشرعية ، فإنّا لو فرضنا أنّ

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٤.

٣

الاستصحاب في حدّ نفسه لا يقتضي وحدة الموضوع ، وكان مقتضى دليله هو الشمول لما كان الموضوع فيه مختلفاً ، يكون مرجع الحكم الاستصحابي ببقاء ذلك المحمول إلى الحكم التعبّدي بنقل ذلك المحمول من موضوع القضية المتيقّنة إلى موضوع القضية المشكوكة المفروض كون أحدهما مغايراً للآخر.

ولا دافع لهذه الدعوى ، إلاّ أنّ الاستصحاب بنفسه يقتضي وحدة الموضوع في القضيتين ، ومجرّد استحالة نقل المحمول من موضوع إلى موضوع آخر لا تدفع ذلك ، لما عرفت من إمكان ذلك تعبّداً الذي يكون مرجعه إلى التوسّع في الموضوع ، وإن لم يكن ممكناً حقيقة ووجداناً من دون التصرّف الشرعي في ناحية الموضوع.

وبالجملة : أنّ الحجر الأساسي للوحدة المذكورة هو أنّ الاستصحاب بنفسه يقتضيها لا أمراً آخر غير نفس الاستصحاب ، ولأجل ذلك نقول إنّ هذه الوحدة من القضايا التي قياساتها معها.

قوله : أو شكّ في نجاسة الماء لأجل الشكّ في بقاء تغيّره ... الخ (١).

لا يبعد أن يكون المراد من التغيّر هو الاضافة ، كما لو كان الماء مسبوقاً بالاضافة وقد لاقته نجاسة وشكّ في تنجّسه لأجل الشكّ في بقاء إضافته ، فإنّه حينئذ يحكم بنجاسته لاستصحاب إضافته ، إذ لو كان المراد من التغيّر هو التغيّر بالنجاسة لم يكن الحكم بنجاسته متوقّفاً على استصحاب تغيّره ، فإنّه يبقى على النجاسة وإن زال تغيّره ، اللهمّ إلاّ أن يكون المثال في الكر المتغيّر بناءً على زوال النجاسة بزوال تغيّره ، وهذا هو الذي يظهر من الرسائل (٢) فراجع. وعلى كلّ

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٦.

(٢) فرائد الأُصول ٣ : ٢٩٢.

٤

حال ، أنّ الأمر في ذلك سهل لكونه مناقشة في المثال.

قوله : فإن كان الموضوع محرزاً بالوجدان وكان الشكّ متمحّضاً في بقاء المحمول ... الخ (١).

لا فرق في ذلك بين كون ذلك المحمول شرعياً كما في طهارة الماء أو نجاسته ، أو كونه غير شرعي كما ذكره من الشكّ في العدالة بعد فرض تحقّق الحياة وجداناً.

قوله : فإن كان الشكّ في المحمول المترتّب مسبّباً عن الشكّ في الموضوع ، فلا إشكال في أنّ جريان الأصل في الموضوع يغني عن جريانه في المحمول المترتّب ، لأنّه رافع لموضوع ... الخ (٢).

لا يخفى أنّه إنّما يكون الأصل في الموضوع رافعاً للشكّ في المحمول المترتّب إذا كان ترتّب المحمول وتسبّبه على ذلك الموضوع ترتّباً شرعياً كما أفاده فيما بعد بقوله : إذا كان الأصل السببي واجداً للشرائط المعتبرة في الشكّ السببي والمسبّبي (٣) وذلك كما لو شكّ في المطهّرية لأجل الشكّ في بقاء إطلاق الماء ، فإنّ استصحاب بقاء إطلاق الماء حاكم على الشكّ في مطهّريته المفروض كونها حكماً شرعياً لإطلاق الماء ، وكما لو شكّ في جواز تقليد زيد للشكّ في بقاء عدالته مع فرض إحراز حياته وجداناً ، فإنّ استصحاب العدالة كافٍ في الحكم بجواز تقليده وموجب لزوال الشكّ فيه. والفرق بين المثالين أنّ المحمول الشرعي في الأوّل مترتّب على المحمول الأوّلي بلا واسطة ، وفي الثاني يكون

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٦.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٧.

(٣) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٨.

٥

المحمول الشرعي وهو جواز التقليد مترتّباً على العدالة وهي مترتّبة على الحياة.

أمّا إذا لم يكن ترتّب المحمول على ذلك الموضوع ترتّباً شرعياً ، كما إذا شكّ في بقاء عدالة المقلَّد لأجل الشكّ في بقاء حياته ، فإنّ العدالة من المحمولات المترتّبة على الحياة ، وكان منشأ الشكّ فيها هو الشكّ في بقاء الحياة التي هي موضوعها عقلاً ، فاستصحاب الحياة وإن كان جارياً من حيث إنّه أحد جزأي موضوع جواز التقليد ، إلاّ أنّه لا ينفع في الحكم بتحقّق العدالة وبقائها ، لما عرفت من عدم كون ترتّب العدالة على الحياة ترتّباً شرعياً ، وإن كان لازم بقاء الحياة في الفرض هو بقاء العدالة ، إلاّ أنّه لا يترتّب على استصحاب الحياة إلاّبنحو من الاثبات.

وهكذا الحال في المحمول المترتّب عقلاً بواسطتين ، كما لو شكّ في بقاء حركة الأصابع لأجل الشكّ في بقاء الكتابة ، فإنّ استصحاب الكتابة لا ينفع في إثبات حركة الأصابع ، ففي المثالين لابدّ من إجراء الاستصحاب في نفس المحمول المشكوك ، وإن لم يكن للشكّ فيه منشأ إلاّ الشكّ في الموضوع.

وبعبارة أُخرى : أنّ حركة الأصابع وإن لم تكن بنفسها مشكوكة ، إلاّ أنّه بواسطة الشكّ في بقاء الكتابة تكون مشكوكة ، لكون الشكّ في حركة الأصابع تابعاً للشكّ في الكتابة ، وهذا الشكّ الطارئ ولو بالواسطة على حركة الأصابع لا يمكن إزالته بازالة الشكّ في سببه ، لما عرفت من كون الأصل حينئذ مثبتاً ، فلابدّ من إجراء الأصل في نفس الحركة المذكورة وإن لم تكن مشكوكة بالأصالة بل كانت مشكوكة بالتبع ، فإنّ هذا المقدار من الشكّ التبعي كافٍ لجريان الأصل ، وحينئذ يكون الاستصحاب جارياً في نفس حركة الأصابع ، ولا يترتّب عليه ملزومه الذي هو بقاء الكتابة ، بل لو كان للكتابة أثر شرعي كان اللازم إجراء الأصل

٦

فيها أيضاً.

وفي المثال السابق وهو الشكّ في العدالة لأجل الشكّ في الحياة ، يجري استصحاب العدالة وإن لم تكن مشكوكة بنفسها ، بل كان الشكّ فيها تبعاً للشكّ في الحياة ، وحيث إنّ الحياة جزء من موضوع جواز التقليد بناءً على تركّبه من الحياة والعدالة ، كنّا محتاجين إلى إجراء الاستصحاب فيها ، ولا يغنينا عن استصحابها استصحاب العدالة ، لما عرفت من أنّ الأصل في اللازم الذي هو العدالة لا يثبت الملزوم الذي هو الحياة ، كما أنّ استصحاب الحياة لا يغني عن استصحاب العدالة وإن لم يكن للشكّ فيها منشأ إلاّ الشكّ في الحياة ، لما عرفت من أنّ الأصل في الملزوم لا يثبت اللازم.

ومن ذلك يظهر لك أنّ مسألة ما لو كان الشكّ في المحمول غير الشرعي مسبّباً عن الشكّ في موضوعه مساوية لما إذا كان الشكّ في كلّ منهما مسبّباً عن شيء آخر ، ولم يكن الشكّ في أحدهما مسبّباً عن الشكّ في الآخر ، كما يظهر ذلك من التقريرات المطبوعة في صيدا أعني قوله : وكذا مع الشكّ فيه ( أي في الحياة ) سواء كان الشكّ في المحمول ( الذي هو العدالة ) ناشئاً عن الشكّ في موضوعه ( الذي هو الحياة ) أم لا ، فيستصحب وجود الحي العادل ويترتّب عليه أثره الشرعي ( وهو جواز التقليد ) ، وكذا قوله : وأُخرى يكون كلّ منهما مشكوكاً سواء كان الشكّ في أحدهما مسبّباً عن الشكّ في الآخر أم لا ، فيجري الاستصحاب في كلّ منهما في عرض واحد ، كما في بقية الموضوعات المركّبة (١) هذا لو قلنا بأنّ موضوع جواز التقليد هو المركّب منهما.

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ١٨٢.

٧

أمّا لو قلنا بأنّ موضوع جواز التقليد هو العدالة ، ولم تؤخذ الحياة قيداً شرعياً فيه ، ولم نكتف بالعدالة إلى حين الممات ، بل أخذنا العدالة العدالة المطلقة ، ولم تؤخذ الحياة قيداً شرعياً في الحكم المذكور ، بل أقصى ما في البين هو توقّف العدالة عقلاً عليها ، فلا حاجة حينئذ إلى استصحاب الحياة ، بل كان استصحاب العدالة كافياً في جواز التقليد وإن لم نحرز الحياة فعلاً. لكن ذلك فرض لا واقعية له ، لأنّ العدالة المأخوذة إن كانت هي العدالة إلى الموت فلا يعقل أن يكون الشكّ فيها مستنداً إلى الشكّ في الحياة ، وإن كانت العدالة إلى حين التقليد ، بحيث قلنا بجواز بقاء العدالة بعد الموت ، لم تكن العدالة متوقّفة على الحياة.

قوله : كما إذا شكّ في أنّ موضوع النجاسة ومعروضها هو ذات الكلب بما له من المادّة الهيولائية ... الخ (١).

الأولى أن يمثّل لذلك بالحطب المتنجّس إذا صار فحماً أو رماداً ، فإنّه لا يجري فيه استصحاب الموضوع ، لعدم إحراز حقيقته وتردّده بين ما هو مرتفع قطعاً إذا كان هو عنوان الحطبية وما هو باقٍ قطعاً إذا كان هو نفس المادّة ، ولا يجري فيه استصحاب الحكم لعدم إحراز بقاء الموضوع ، إلاّ إذا ادّعي أنّ تبدّل الحطب إلى الفحم أو الرماد من قبيل تبدّل الحالات عرفاً. ومثله ما لو ثبت عدالة زيد باجتناب الكبائر والصغائر ثمّ بعد هذا ارتكب الصغيرة ، فإنّ موضوع العدالة إن كان هو ترك الاثنين فقد ارتفع قطعاً ، وإن [ كان ] هو ترك الكبيرة فقط فهو باقٍ قطعاً.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٧.

٨

قوله : وأُخرى ممّا يتوقّف عليه شرعاً ، كتوقّف الكرّية العاصمة على إطلاق الماء ، فإنّ الكرّية لا تتوقّف على كون الماء مطلقاً ، لتحقّق الكرّية مع إضافة الماء ، إلاّ أنّ الشارع اعتبر في الكرّية إطلاق الماء ، فيكون دخل الاطلاق في الكرّية شرعياً ، بخلاف دخل الحياة في العدالة فإنّه عقلي ... الخ (١).

لا يخفى أنّ لنا في المياه حكمين : الأوّل كونه مزيلاً للخبث والحدث ، وهذا الحكم الشرعي مرتّب على كون الماء مطلقاً ، ولم يعتبر فيه الكرّية ، فيكون خارجاً عمّا نحن فيه. الثاني : كونه معصوماً لا ينفعل بملاقاة النجاسة ، وهذا الحكم الشرعي مرتّب على كون الماء المطلق كرّاً ، فالكرّية ليست من الأحكام الشرعية المجعولة للاطلاق ، فلا يكون إطلاق الماء دخيلاً شرعاً في الكرّية ، وإنّما يكون دخيلاً شرعاً في العاصمية وعدم الانفعال لكونه جزءاً من موضوع هذا الحكم الشرعي ، فإنّ موضوع هذا الحكم الشرعي مركّب من الكرّية وإطلاق الماء ، فلا تكون نسبته إلى هذا الحكم الشرعي إلاّكنسبة الكرّية إليه ، فلو كان كلّ منهما مشكوك البقاء بشكّ مستقل جرى في كلّ منهما استصحاب البقاء ، ويكفي في جريانه فيه كونه له المدخلية في ذلك الحكم الشرعي باعتبار كونه جزءاً من موضوعه.

ومن ذلك يتّضح لك أنّه لم يظهر الفرق بين هذا المثال وبين مسألة الحياة والعدالة ، فإنّ الكلام في مسألة الحياة والعدالة إنّما هو بالنسبة إلى الحكم الشرعي المترتّب على المجموع المركّب من الحياة والعدالة ، كما في جواز الاقتداء وجواز التقليد كما يستفاد ممّا أفاده فيما بعد بقوله : فإنّ استصحاب الحياة إنّما يجري من

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٨.

٩

حيث إنّ للحياة دخلاً في الحكم الشرعي المترتّب على الحي العادل ـ إلى قوله ـ وبالجملة : بعد ما كان الموضوع لجواز التقليد مركّباً من الحياة والعدالة الخ (١).

والحاصل : أنّه بعد فرض كون الحكم الشرعي الذي هو جواز التقليد مرتّباً على الموضوع المركّب من الحياة والعدالة ، يكون حال هذا المثال حال الكرّية وإطلاق الماء في كون الحكم الشرعي مرتّباً على الموضوع المركّب الموجب لكون دخل كلّ منهما في موضوع الحكم شرعياً ، وكما أنّ دخل الحياة في نفس العدالة لم يكن شرعياً ، فكذلك دخل إطلاق الماء في الكرّية. نعم بينهما فرق وهو أنّ الحياة يتوقّف عقلاً عليها العدالة بخلاف إطلاق الماء بالنسبة إلى الكرّية فإنّه لا يتوقّف عقلاً عليه الكرّية ، وهذا المقدار من الفرق لا أثر له فيما نحن بصدده.

والحاصل : أنّ كلاً من الحياة والعدالة له الدخل الشرعي في موضوع الحكم الذي هو جواز التقليد ، كما كان لكلّ من الاطلاق والكرّية دخل في موضوع الحكم الذي هو عدم الانفعال ، وأمّا نسبة إطلاق الماء إلى الكرّية فهي وإن فارقت نسبة الحياة إلى العدالة في كون الكرّية غير متوقّفة عقلاً على إطلاق الماء ، بخلاف العدالة فإنّها متوقّفة عقلاً على الحياة ، ولكن هذا المقدار من الفرق لا أثر له في ناحية ما نحن فيه من الحكم الشرعي المرتّب على الموضوع المركّب من العنوانين.

نعم ، لو كان لنا حكم شرعي مرتّب على نفس الكرّية وقد شككنا في بقائها ، لم يكن لنا إشكال في استصحابها ، لعدم توقّفها على شيء آخر لا عقلاً ولا شرعاً ، وهذا بخلاف ما لو كان لنا حكم شرعي مرتّب على عنوان العدالة وقد

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٩.

١٠

شككنا في بقائها ، فإنّه إن كان الشكّ فيها مقروناً بالعلم ببقاء الحياة ، فلا إشكال في استصحاب بقائها ، وإن كان مقروناً بالشكّ في بقاء الحياة وكان الشكّ في بقاء العدالة ناشئاً عن الشكّ في بقاء الحياة ، فقد تقدّم الكلام فيه وتقدّم أنّه فرض غير واقع. وإن كان الشكّ في العدالة غير ناشئ عن الشكّ في بقاء الحياة ، بل كان كلّ منهما ناشئاً عن منشأ مختصّ به ، فقد يقال إنّ استصحاب العدالة لا يجري لتوقّف العدالة عقلاً على إحراز الحياة ، كما أنّ استصحاب الحياة لا يجري أيضاً لعدم كون الحياة أثراً شرعياً ولا هي موضوع للأثر الشرعي ولا جزء من موضوعه ، وهذا هو المائز بين المثالين ، ولعلّ هذا الإشكال هو المقصود من الإشكال المحكي بقوله فيما بعد : فقد يستشكل في استصحاب الحياة والعدالة ، أمّا العدالة فللشكّ في موضوعها ( وهو الحياة فإنّها موضوع عقلي للعدالة ) وأمّا في الحياة فلعدم كون دخله في العدالة شرعياً (١).

لكن لو نزّلنا هذا الإشكال المحكي على الإشكال الذي ذكرناه لكان اللازم أن يقول : وأمّا في الحياة فلعدم كونها جزءاً من موضوع الحكم الشرعي الذي هو جواز التقليد ، لأنّ تمام موضوعه هو العدالة.

ويمكن أن يقرّب هذا الإشكال فيما لو كان الموضوع للحكم الشرعي هو المركّب من كلا العنوانين ، فيقال : إنّه بعد فرض كون الحكم الذي هو عدم الانفعال مرتّباً على المجموع من الكرّية وإطلاق الماء ، لو كان كلّ من العنوانين مشكوكاً بشكّ مستقل ، فبناءً على كون جزئية الموضوع كافية في صحّة الاستصحاب يجري كلا الاستصحابين ، ولا يتوقّف استصحاب الكرّية على ثبوت إطلاق الماء ، لأنّ الكرّية لا تتوقّف على إطلاق الماء لا توقّفاً شرعياً ولا

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٩.

١١

توقّفاً عقلياً ، وهذا بخلاف مسألة العدالة والحياة ، فإنّ الحكم الشرعي وهو جواز التقليد بعد أن كان مرتّباً على المجموع المركّب من العدالة والحياة ، لم يمكن إجراء استصحاب العدالة لتوقّفها عقلاً على الحياة ، ومع عدم جريان الاستصحاب في ناحية العدالة لا يمكن استصحاب الحياة لعدم الأثر له بعد فرض عدم ثبوت الجزء الآخر الذي هو العدالة ، هذا.

ولكن هذا الإشكال لا وقع له على كلّ حال ، فإنّ محصّله هو أنّ توقّف العدالة عقلاً على الحياة يكون مانعاً من استصحاب العدالة لعدم إحراز موضوعها.

وفيه : ما لا يخفى. أمّا في صورة كون الحكم مرتّباً على العدالة فقط ، فلأنّ العدالة وإن توقّفت عقلاً على تحقّق الحياة ، إلاّ أنّه لمّا كان التوقّف عقلياً ولم تكن الحياة دخيلة شرعاً في موضوع جواز التقليد ، كان استصحاب العدالة كافياً في ترتّب هذا الحكم الشرعي وإن لم يكن في البين ما يحرز لنا الحياة ، لعدم توقّف الحكم الشرعي عليها ، ولا يكون ذلك الحكم الشرعي الثابت بالاستصحاب مخالفاً للحكم العقلي ، أعني أنّ استصحاب العدالة مع عدم إحراز الحياة لا يكون موجباً لتحقّق العدالة في ظرف عدم الحياة كي يكون ذلك مخالفاً لحكم العقل بتوقّف تحقّق العدالة على تحقّق الحياة ، بل أقصى ما فيه هو إحراز العدالة شرعاً مع عدم إحراز الحياة شرعاً ، وذلك لأنّ الحكم الشرعي ببقاء العدالة في هذا المقام لا يتوقّف على أزيد من إمكان بقائها ، والمفروض أنّ بقاءها ممكن ولو مع بقاء الحياة وإن لم تكن الحياة محكومة بالبقاء شرعاً ، فتأمّل.

ومن ذلك كلّه يظهر عدم احتياج استصحاب العدالة إلى ضمّ قيد الحياة بأن يحكم ببقاء العدالة على تقدير الحياة ، سواء كانت العدالة هي تمام الموضوع أو

١٢

كان الموضوع مركّباً منها ومن الحياة ، أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الثاني فلأنّ المفروض هو الاكتفاء في جريان الاستصحاب بكون مجراه جزءاً من موضوع الحكم الشرعي ، فلك حينئذ أن تستصحب العدالة في عرض استصحابك للحياة ويتمّ الموضوع بكلا الاستصحابين.

نعم ، يتوجّه عليه : أنّ استصحاب نفس العدالة ونفس الحياة لا يوجب تحقّق الموضوع المركّب ـ أعني الحي العادل ـ إلاّبالأصل المثبت ، فإنّ ثبوت نفس العدالة يلازمها اتّصاف الحيّ بها ، فتأمّل فإنّ الجواب عنه واضح ، لكون المقام من قبيل التركّب من العرضين لموضوع واحد وهو ذات الشخص أعني زيداً ، فباستصحاب عدالته وحياته يتمّ الموضوع.

ثمّ إنّك قد عرفت (١) ما نقلناه عن التقريرات المطبوعة في صيدا من أنّه في صورة كون الشكّ في بقاء العدالة ناشئاً عن الشكّ في بقاء الحياة يكون الاستصحاب جارياً في ناحية العدالة في عرض جريانه في بقاء الحياة ، وذلك قوله : إذا كان الموضوع لجواز التقليد وجود الحي العادل ، فتارةً تكون الحياة محرزة وجداناً فتستصحب العدالة ، وأُخرى يكون كلّ منهما مشكوكاً ، سواء كان الشكّ في أحدهما ( الذي هو العدالة ) مسبّباً عن الشكّ في الآخر ( الذي هو الحياة ) أم لا ( بأن كان الشكّان في عرض واحد ) فيجري الاستصحاب في كلّ منهما في عرض واحد ، كما في بقية الموضوعات المركّبة (٢).

ومقتضاه أنّه إذا كان الشكّ في العدالة مسبّباً عن الشكّ في بقاء الحياة ، بحيث إنّه لم تكن العدالة مشكوكة بنفسها وإنّما كان الشكّ فيها من جهة الشكّ في

__________________

(١) في الصفحة : ٧.

(٢) أجود التقريرات ٤ : ١٨٢.

١٣

بقاء الحياة مع فرض كون موضوع جواز التقليد مركّباً منهما ، نحتاج إلى استصحاب كلّ منهما في عرض استصحاب الآخر ، فيكون حاله حال ما إذا كان الشكّ في كلّ منهما مسبّباً عن منشأ يخصّه ـ بحيث إنّه لولا الشكّ في الحياة لكانت العدالة مشكوكة ، ولولا الشكّ في العدالة لكانت الحياة مشكوكة ـ في الاحتياج إلى الاستصحابين المذكورين.

وربما يظهر ذلك أيضاً من هذا التقرير كما يومئ إليه قوله : فإذا كانت الحياة محرزة بالوجدان فالاستصحاب إنّما يجري في العدالة ، ويلتئم الموضوع المركّب من ضمّ الوجدان بالأصل ، وإن كانت الحياة مشكوكة فالاستصحاب يجري في كلّ من الحياة والعدالة ، ويلتئم الموضوع المركّب من ضمّ أحد الأصلين بالآخر الخ (١) فإنّه لم يقيّد المطلب بكون الشكّ في كلّ منهما مستقلاً ، وإن كان صدر كلامه يعطي التقييد المزبور.

وعلى كلّ حال ، فالظاهر أنّه لو كان موضوع الحكم الشرعي هو العدالة والحياة ، ولم تكن العدالة مشكوكة بنفسها بل كان المشكوك ابتداءً هو الحياة وبذلك تكون العدالة مشكوكة بالتبع ، يمكن القول بأنّا لا نحتاج إلى استصحابين بل يكفي الاستصحاب الواحد ، فإنّ الحياة لمّا كانت عبارة عن أصل الوجود كان مرجع الشكّ فيها إلى الشكّ في بقاء وجود العادل ، فيكون استصحاب وجود العادل كافياً في ترتّب الأثر الشرعي المرتّب على العادل الموجود. نعم لو كانت الحياة زائدة على أصل الوجود ، بل كانت نظير الكتابة ، وفرضنا ترتّب الحكم الشرعي على حركة أصابع الكاتب أو على الكاتب المتحرّك الأصابع ، وحصل

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٩ ـ ٥٧٠.

١٤

الشكّ في بقاء الكتابة الموجب للشكّ في بقاء حركة الأصابع ، لكنّا محتاجين إلى الاستصحابين الاستصحاب الجاري في الكتابة والاستصحاب الجاري في حركة الأصابع ، لأنّ استصحاب الكاتب أو الكتابة لا يثبت وجود حركة الأصابع إلاّعلى الأصل المثبت.

ومن مجموع ما حرّرناه يتّضح لك الحال في من علم إجمالاً بخروج مقلَّده عن أهلية التقليد إمّا بالموت أو بالفسق ، فإنّه قد يقال : إنّه لا يجري في حقّه استصحاب العدالة لتوقّفها على الحياة ، فلا يكون الجاري في حقّه إلاّ استصحاب الحياة.

وفيه أوّلاً : أنّ استصحاب الحياة وحده لا ينفع ، لأنّ موضوع الحكم مركّب من الحياة والعدالة ، فمع فرض عدم جريان استصحاب العدالة لا يكون استصحاب الحياة جارياً لعدم ترتّب الأثر عليه حينئذ.

وثانياً : ما عرفت من جريان استصحاب العدالة وإن توقّفت عقلاً على الحياة ، لأنّ التوقّف العقلي لا يمنع من جريان الاستصحاب ، غايته أنّ استصحاب العدالة لا يثبت به الحياة لكونه حينئذ مثبتاً ، بل يجري فيه كلّ من استصحاب العدالة واستصحاب الحياة ، من دون أن يكون الأصل في أحدهما مثبتاً للآخر ، ويكفي في جريان الأصل في كلّ منهما كون مجرى الاستصحاب جزءاً لموضوع الحكم الشرعي الذي هو جواز التقليد.

ولا حاجة إلى دعوى استصحاب العدالة على تقدير الحياة ، فإنّ هذا التقدير إن أُخذ قيداً في الاستصحاب كان محصّله أنّه قبل حصول ذلك التقدير لا استصحاب ، فإنّ حاصل ذلك هو أنّ هذا الشخص لو تحقّقت حياته لكنت شاكّاً

١٥

في بقاء عدالته ، فأنا أستصحب عدالته لو ثبتت حياته ، فتكون النتيجة هي أنّه قبل ثبوت الحياة لا يكون في البين استصحاب العدالة ، وإنّما يتحقّق استصحابها بعد تمامية إجراء استصحاب الحياة ، فيكون استصحاب العدالة في طول استصحاب الحياة ، فلا يعقل أن يكون معارضاً له ، هذا.

مضافاً إلى أنّ التعليق المذكور إنّما يتأتّى فيما لو كان كلّ منهما مشكوكاً [ بشكّ ] مستقل دون ما لو كان في البين علم إجمالي ببقاء أحدهما وارتفاع الآخر ، فإنّه حينئذ لا يمكن استصحاب العدالة على تقدير الحياة ، لأنّه على تقدير الحياة يكون الفسق محقّقاً.

وإن كان راجعاً إلى المستصحب بحيث إنّه كان المستصحب هو العدالة التقديرية ، كان محصّل ذلك هو استصحاب الملازمة بين الحياة والعدالة.

قوله : وأُخرى ممّا يتوقّف عليه شرعاً ، كتوقّف الكرّية العاصمة على إطلاق الماء ... الخ (١).

قد عرفت أنّ الكرّية لا تتوقّف على إطلاق الماء لا توقّفاً شرعياً ولا توقّفاً عقلياً. نعم عاصمية الكرّ تتوقّف شرعاً على كلّ من الكرّية وإطلاق الماء ، فإن كان أحدهما مشكوك البقاء جرى فيه الاستصحاب وبه تثبت العاصمية ، وإن كان كلّ منهما مشكوكاً جرى الاستصحاب في كلّ منهما ، من دون أن يكون توقّف من أحدهما على الآخر لا شرعي ولا عقلي.

ولو كان المحمول على العنوان حكماً شرعياً ، وكان المجموع من هذا المحمول الشرعي وموضوعه موضوعاً لحكم شرعي آخر وقد حصل [ الشكّ ]

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٨.

١٦

في بقاء كلّ من ذلك المحمول الشرعي وموضوعه ، كان استصحاب البقاء في ذلك الموضوع وحده كافياً في إثبات محموله وإثبات الحكم الشرعي المرتّب على مجموعهما ، كما في المطهّرية من الحدث والخبث ، فإنّها حكم شرعي مرتّب على الماء المطلق الطاهر ، فلو كان الماء كرّاً وقد لاقته نجاسة وقد حصل الشكّ في بقاء إطلاقه ، كان كلّ من إطلاق الماء وطهارته مشكوكاً ، وكان حكمهما الشرعي وهو المطهّرية أيضاً مشكوكاً ، وكان استصحاب إطلاق الماء محقّقاً أوّلاً لطهارته وعدم تنجّسه بملاقاة تلك النجاسة ، وكان المجموع منهما محقّقاً للحكم الشرعي اللاحق لمجموعهما وهو المطهّرية ، فيكون استصحاب الموضوع وهو استصحاب إطلاق الماء محقّقاً لمحموله الشرعي وهو طهارته ، وبعد ثبوت المجموع المركّب من ذلك الموضوع ومحموله الشرعي يترتّب عليهما الحكم الشرعي اللاحق لمجموعهما وهو المطهّرية ، لكن الشكّ في المحمول في هذا الفرض مسبّب عن الشكّ في بقاء الموضوع ، فلا يدخل فيما نحن بصدده من كون كلّ منهما مشكوكاً بشكّ مستقل غير مسبّب عن الشكّ في الآخر.

ولو كان ذلك الماء قليلاً واحتمل انقلابه إلى الاضافة كما احتمل ملاقاته للنجاسة ، كان كلّ من إطلاقه وطهارته مشكوكاً بشكّ مستقل ، لأنّه لمّا كان قليلاً كان احتمال ملاقاته للنجاسة موجباً للشكّ في بقاء طهارته ، سواء بقي على إطلاقه أو لم يبق ، كما أنّ احتمال انقلابه إلى الاضافة متحقّق سواء تحقّق ملاقاته للنجاسة أو لم يتحقّق ، وبواسطة الشكّ في بقاء كلّ من إطلاقه وطهارته ، يكون الحكم الشرعي المرتّب على مجموعهما وهو المطهّرية مشكوكاً أيضاً ، لكن لا أثر لكون هذا المحمول على الماء المطلق وهو الطهارة حكماً شرعياً ، لأنّ استصحاب

١٧

إطلاقه لا يزيل الشكّ في بقاء طهارته ، لعدم كون الشكّ في طهارته مسبّباً عن الشكّ في بقاء إطلاقه ، لما عرفت من أنّ الشكّ في بقاء طهارته مسبّب عن الشكّ في ملاقاته للنجاسة ، سواء بقي على إطلاقه أو لم يبق ، فلابدّ حينئذ من جريان الاستصحاب في كلّ من الموضوع الذي هو إطلاق الماء ومحموله الشرعي الذي هو طهارته ، وبعد جريان الاستصحابين وثبوت كلّ من إطلاق الماء وطهارته يتنقّح الحكم الشرعي المرتّب على مجموعهما وهو المطهّرية من الحدث والخبث.

والحاصل : أنّ كون وصف الموضوع ـ أعني محموله ـ شرعياً إنّما يؤثّر في إزالة الاستصحاب الجاري في الموضوع للشكّ في ذلك المحمول وفي تنقيح المجموع المركّب منه ومن محموله ، ليترتّب على ذلك المجموع الحكم الشرعي المرتّب على مجموعهما إذا كان الشكّ في ذلك المحمول مسبّباً عن الشكّ في ذلك الموضوع كما ذكرناه في المثال الأوّل ، أمّا إذا لم يكن الشكّ في ذلك المحمول الشرعي مسبّباً عن الشكّ في ذلك المحمول ، بل كان الشكّ في كلّ منهما ناشئاً عن منشأ يخصّه ، لم يكن الأصل الجاري في ذلك الموضوع وحده كافياً في إزالة الشكّ ، بل لابدّ من الاعتماد على الأصل في ذلك المحمول ، وبعد جريان الأصلين يتنقّح المجموع المركّب الذي هو موضوع الحكم المرتّب على مجموعهما كما ذكرناه في المثال الثاني.

ومن ذلك يظهر أنّه في الصورة الثانية المعنية بقوله : وإن كان كلّ من الموضوع ومحموله متعلّقاً للشكّ في عرض واحد الخ ، لا يظهر فيها أثر لكون المحمول شرعياً أو كونه [ غير ] شرعي ، فتأمّل.

١٨

قوله : نعم لا يجري استصحاب عدالة الحي لعدم إحراز الحياة ، وإنّما يجري استصحاب العدالة على تقدير الحياة ، وهذا التقدير يحرز باستصحاب الحياة ، وليس المقصود إثبات الحياة من استصحاب العدالة على تقدير الحياة ، بل في نفس الحياة أيضاً يجري الاستصحاب لبقاء الموضوع واتّحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقّنة في كلّ من استصحاب الحياة واستصحاب العدالة ، لأنّ الموضوع في كلّ منهما هو الشخص ، فيثبت كلا جزأي الموضوع لجواز التقليد ، وإلى ذلك يرجع ما أفاده الشيخ قدس‌سره (١) في المقام بقوله : لكن استصحاب الحكم كالعدالة مثلاً لا يحتاج إلى إبقاء حياة زيد ، لأنّ موضوع العدالة زيد على تقدير الحياة ... الخ (٢).

لا يخفى أنّ فرض كون الموضوع في كلّ من العدالة والحياة هو الشخص لا يوجب كون كلّ من العدالة والحياة في عرض الآخر من دون أن تكون العدالة متوقّفة عقلاً على الحياة ليقال : إنّه بناءً على ذلك لا حاجة في استصحاب العدالة إلى تقدير الحياة ، لما قد عرفت في الأبحاث السابقة أنّ العدالة متوقّفة عقلاً على الحياة حتّى مع لحاظ طروّ كلّ منهما على ذات الشخص ، وبعد الفراغ عن هذا التوقّف العقلي ننقل الكلام إلى كيفية استصحاب العدالة مع فرض عدم إحراز الحياة في هذه المسائل الثلاث :

الأُولى : هي ما نحن فيه من كون كلّ منهما مشكوكاً بشكّ مستقل.

الثانية : ما لو كان المشكوك أوّلاً هو الحياة ، فتكون العدالة مشكوكة أيضاً

__________________

(١) فرائد الأُصول ٣ : ٢٩١.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٧٠.

١٩

بالتبع ، فإنّه يجري فيه استصحاب كلّ من الحياة والعدالة على ما عرفته (١) فيما نقلناه عن التقريرات المطبوعة في صيدا وفيما استظهرناه أيضاً من عبارة هذا التقرير.

الثالثة : هي ما لو علم المقلّد إجمالاً بأنّ مقلَّده قد خرج عن أهلية التقليد إمّا بالفسق أو بالموت كما أفاده شيخنا قدس‌سره في الدروس الفقهية في مسألة من فاتته سجدتان ولم يعلم أنّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين ، فإنّه قدس‌سره أفاد فيما حكيته عنه هناك ما حاصله : أنّه قد أُشكِل فيه على جريان استصحاب العدالة لأجل الشكّ في الحياة التي هي بمنزلة الموضوع للعدالة ، فيكون الجاري هو استصحاب الحياة فقط ، مع أنّ مقتضى العلم الاجمالي هو عدم جواز بقائه على تقليده. وأجاب قدس‌سره هناك عن هذا الإشكال بأنّه يكفي في جريان استصحاب العدالة تقدير الحياة ، بمعنى أنّه على تقدير بقائه حيّاً يكون محكوماً بالعدالة باستصحابها ، فيكون المستصحب هو العدالة على تقدير الحياة ، انتهى.

وحينئذ نقول : إن [ كان ] المصحّح لجريان استصحاب العدالة مع فرض توقّفها عقلاً على الحياة بحيث كانت العدالة من قبيل الحكم على الحي بأنّه عادل ، هو أخذ تقدير الحياة في المستصحب الذي هو العدالة ، ففيه أوّلاً : أنّه لا يتمّ في المسألتين الأخيرتين ، لأنّ العدالة على تقدير الحياة في الصورة الأُولى منهما معلومة الوجود ، وفي الثانية منهما معلومة العدم. وثانياً : أنّ لازم ذلك هو كون استصحاب العدالة في طول استصحاب الحياة ، لأنّ استصحاب الحياة محقّق للتقدير الذي أُخذ في العدالة المستصحبة. وقد صرّح في التقرير المطبوع في صيدا بأنّ الاستصحابين في عرض واحد ، ولازم الطولية هو تمامية الإشكال في الصورة الثالثة فإنّه مبني على الطولية.

__________________

(١) في الصفحة : ١٤.

٢٠