أصول الفقه - ج ٣

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٣

١

٢

[ مقدمة الواجب ]

قوله : فان علم الفقه متكفل لبيان أحوال موضوعات خاصة كالصلاة والصوم ... الخ (١).

لا يخفى أن مراد شيخنا قدس‌سره في هذا المقام أمر آخر هو أجنبي عن ظاهر هذا التحرير ، وإن شئت فراجع ما حرره عنه المرحوم الشيخ محمد علي في هذا المقام ، فانه قال : فان البحث في المقام إنما يكون عن الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدماته لا عن نفس وجوب المقدمة ، بل يكون وجوب المقدمة نتيجة الملازمة على القول بها ، فلا وجه لجعل المسألة من المسائل الفقهية (٢).

وقال فيما حررته عنه : وقد يقال إن هذه المسألة من المسائل الفقهية باعتبار كون البحث فيها عن حكم فرعي وهو وجوب المقدمة. ولا يخفى ما فيه من التعسف ، إذ ليس ذلك بحثا عن حكم فرعي وإنما هو بحث عن أمر كلي ، وهو الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب ما يتوقف عليه ، ولأجل ذلك نقول إن الأولى عدّها من المسائل الاصولية الباحثة عن أمر عقلي وهو الملازمة المذكورة ، انتهى.

والحاصل : أن ما يبحث عنه في الأصول هو نفس الملازمة ، وليست هي أمرا فرعيا. نعم بعد ثبوت الملازمة في الأصول يتفرع عليها حكم

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣١٠.

(٢) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٢٦١.

٣

فرعي وهو وجوب نفس الذات التي تكون مقدمة لواجب ، كما هو الشأن في المسائل الاصولية ، فان نتائجها تكون مثبتة للحكم الفرعي في الفقه. ومراده من الأمر الكلي الذي لا يختص بباب دون باب هو نفس الملازمة ، لا وجوب المقدمة كي يتوجه عليه الاشكال بكونه من قبيل العناوين الثانوية نظير المنذور وما أمر به الوالد ونحو ذلك ممّا لا يختص بباب دون باب ومع ذلك هو مسألة فقهية لا أصولية كما في الحاشية (١) فلاحظ وتدبر.

ثم بعد انعقادها أصولية يقع الكلام في كونها من مباحث الألفاظ أو كونها من قسم الأدلة العقلية ، وإن كان ذلك ليس بمهم إلاّ أن الأولى هو إلحاقها بالأدلة العقلية فانها من أبحاث الملازمات ، وهي تارة تكون عقلية صرفة كما في مسألة التحسين وقاعدة التلازم بين الحكم العقلي والحكم الشرعي ، واخرى تكون لفظية كما في مبحث المفاهيم الذي هو عبارة عن دلالة المنطوق على المفهوم بالملازمة ، من جهة دعوى كون مفاد القضيّة الشرطية هو علّية الشرط في الحكم في ناحية الجزاء وأنه تمام العلة وأنه من العلة المنحصرة ، فان ذلك يلزمه الانتفاء عند الانتفاء ، فيكون من سنخ مبحث الألفاظ ، لا من جهة كونه من قبيل الدلالة الالتزامية في قبال المطابقية والتضمن ، فان شرط تلك هو كون اللزوم بينا بالمعنى الأخص بل من جهة أن اللفظ إذا دل على الملزوم ننتقل إلى ثبوت لازمه ، ومن جهة أن أساسها هو دلالة اللفظ أدرجناها في مباحث الألفاظ.

وهناك نحو من التلازم العقلي يكون النظر فيه إلى مجرد التلازم بين

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٣١٠.

٤

الأمرين تلازما واقعيا من دون [ نظر ](١) إلى ثبوت أحدهما بالدليل اللفظي أو غيره ، وذلك مثل ما نحن فيه ، فان النظر فيه إلى أمر واقعي وهو مجرد التلازم بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ليحصل الانتقال من وجوب ذي المقدمة إلى وجوبها ، سواء كان الدليل على وجوب ذي المقدمة لفظيا أو كان لبيا كالاجماع ونحوه ، أو كان عقليا كما لو أثبتنا وجوب ذي المقدمة بقاعدة التحسين والملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، فإنّ هذه الامور تكون من قبيل الصغريات في مسألتنا وهي حكم العقل بالتلازم بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة.

وحيث كان المنظور إليه في البحث في مسألتنا هو هذه الجهة أعني حكم العقل بالتلازم بين الوجوبين ، كان المتعين عدّها من المباحث العقلية دون اللفظية ، وإن كان إثبات أحد المتلازمين أعني وجوب ذي المقدمة قد يكون بالدليل اللفظي ، لما عرفت من أن نسبة ذلك إلى أصل محل البحث كنسبة الصغرى إلى الحكم الكبروي ، فلاحظ وتأمل.

فلا فرق بين أن يكون الدليل على أحد المتلازمين هو اللفظ ، أو كان هو الاجماع ونحوه ، أو كان عقليا صرفا كما لو أثبتنا وجوب ذي المقدمة بقاعدة الملازمة والتحسين العقلي ، والفرق بينها وبين المفاهيم واضح ، فان الدليل في المفاهيم منحصر باللفظ الذي هو المنطوق ، فأخذنا الملازمة بين الحكمين مسلّمة وجعلنا محل البحث هو دلالة اللفظ الذي هو المنطوق على الملزوم ، فكان البحث فيها لفظيا ، بخلاف مسألتنا فان محل البحث

__________________

(١) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة به ].

٥

فيها هو التلازم ، أما إثبات الملزوم وهو وجوب ذي المقدمة فذلك أجنبي عن محل البحث ، ولا يكون النزاع فيه إلاّ صغرويا.

قوله : وعليه فلا يكون النزاع إلاّ علميا محضا (١).

وسيجيء الكلام إن شاء الله (٢) في ثمرة هذا النزاع مفصلا ، وعلى خصوص المقدمة لو انحصرت في الحرام كما في سلوك الأرض المغصوبة لانقاذ الغريق ، فانه بعد فرض التزاحم بين وجوب إنقاذ الغريق وبين حرمة ذلك المشي في تلك الأرض ، وتقدم الأول على الثاني ، تكون حرمة الثاني ساقطة بقول مطلق إلاّ بنحو من الترتب بأن يقول إن لم تنقذ فلا تسلك. ثم بعد سقوط حرمة السلوك يقع الكلام في أن الواجب مقدمة هو خصوص الموصل أو ما قصد به التوصل أو مطلقا. ولعل قول الفصول (٣) بأن الواجب هو خصوص الموصل مبني على هذه الجهة ، وأن الساقط بالمزاحمة هو حرمة خصوص الموصل دون غير الموصل. وسيأتي البحث معه في ذلك إن شاء الله تعالى (٤).

والخلاصة : هي أن القول بأن الواجب هو نفس ذات الفعل دون المقيد بالايصال أو دون المقيد بقصد التوصل ، يلزمه القول بأن الساقط بالمزاحمة هو حرمة نفس ذلك السلوك لا خصوص ما يتوصل به إلى الانقاذ ، بدعوى كون الضرورة تقدر بقدرها ، فانه لو كان الأمر كذلك لكان

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣١٣.

(٢) في صفحة : ٤١ وما بعدها. راجع أيضا صفحة : ٦٢ وما بعدها ، وكذلك صفحة : ٧٩ وما بعدها.

(٣) الفصول الغروية : ٨٦ / التنبيه الأول.

(٤) في صفحة : ٦٢ وما بعدها.

٦

ما لم يتوصل به إلى الانقاذ باقيا على حرمته ، فكيف يمكننا القول بوجوبه وأنه ليس بحرام. ومن ذلك يتضح لك ما في الحاشية (١) فلاحظ.

والخلاصة : هي أن التزاحم الواقع بين وجوب الانقاذ وحرمة السلوك إن كان بين نفس التكليفين كان تقديم الأول على الثاني موجبا لسقوطه بتاتا ، فلا يكون السلوك محرّما حتى إذا لم يتعقبه الانقاذ ، سواء قلنا بوجوب المقدمة أو لم نقل ، غايته أنه يمكن الخطاب الترتبي بأن يقال إن لم تنقذ فلا تسلك ، فتكون الحرمة معلّقة على عدم الانقاذ ، ولا أثر في ذلك للقول بوجوب المقدمة وعدمه.

وكذلك الحال إن قلنا إن التزاحم إنما هو بين الاطلاقين ، وقدّمنا إطلاق الأول على اطلاق الثاني ، فان مقتضاه تقيد حرمة السلوك بعدم توقف الانقاذ عليه ، فيكون جوازه منحصرا بما لو توقف الانقاذ عليه ، من دون فرق في ذلك أيضا بين القول بوجوب المقدمة وعدمه.

وهكذا الحال لو قلنا إن المزاحم لوجوب الانقاذ ليس هو حرمة مطلق السلوك ، بل المزاحم له هو حرمة السلوك الانقاذي ، فانه يكون موجبا لسقوط حرمة السلوك الانقاذي مع بقاء السلوك لغيره على حرمته ، ومع فرض سقوط حرمة السلوك الانقاذي لا أثر للقول بوجوب ذلك السلوك وعدمه ، إذ لو قلنا بوجوبه لا يكون وجوبه مزاحما لحرمته ، إذ المفروض عدم حرمة السلوك الانقاذي.

ونحن وإن قلنا بوجوب المقدمة مطلقا ، موصلة كانت أو غير موصلة ، قصد بها التوصل أو لم يقصد ، فان ذلك أعني وجوب المقدمة

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٣١٢.

٧

إنما نقول به في غير ما هو المحرم منها. ولعل المنشأ فيما أفاده الفصول هو النظر إلى هذه الصورة ، وكذلك الحال فيما أفاده الشيخ (١) من اعتبار قصد التوصل ، وسيأتي البحث عن ذلك مفصلا في محله (٢) إن شاء الله تعالى.

قوله : ولا يخفى أن هذا النحو من الوجوب وإن كان ثابتا للمقدمة كما ستعرف ، إلاّ أنه لا تترتب على البحث عنه ثمرة أصلا لعدم كونه مدار استحقاق الثواب والعقاب ولا التقرب من المولى والبعد عنه ... الخ (٣).

لا يخفى أنه لقائل أن يقول : إنه لو ثبت هذا الوجوب لكان اللازم ترتيب هذه الآثار عليه. لكن الأولى إنكاره لكونه من الانوجاب لا من الايجاب ، فهو نظير الانوجاب بناء على جعل السببية ، فالشارع يجعل الزوال سببا لايجاب الصلاة فلا يكون إيجابها بفعله ، بل لا يكون في البين إلاّ الانوجاب. وقد أبطل شيخنا قدس‌سره (٤) القول بأن المجعول هو السببية بهذه الطريقة واختار كون المجعول هو المسبب عند وجود السبب ، فالذي ينبغي في المقام هو إنكار كون انوجاب المقدمة مسببا عن إيجاب ذيها.

وأما القول بأن الشارع يوجب المقدمة عند إيجابه لذيها ، فقد عرفت أنه يتوقف على الالتفات إلى التوقف والمقدمية ، ومع هذا الالتفات يمكننا إنكار هذه الملازمة ، إذ ليس من اللازم على الشارع أن يوجب المقدمة عند إيجابه لذيها ، بل من الممكن أن لا يكون منه إلاّ إيجاب ذيها ، ويذر

__________________

(١) مطارح الأنظار ١ : ٣٥٣.

(٢) راجع صفحة : ٤١ وما بعدها وكذلك صفحة : ٦٢ وما بعدها.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٣١١ [ المنقول هنا مخالف للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٤) فوائد الأصول ٤ : ٣٩٣ وما بعدها ، وتأتي حواشي المصنّف قدس‌سره في المجلّد التاسع.

٨

المكلف وما يقتضيه عقله من لزوم الاطاعة والسعي في الحصول على ذي المقدمة بتحصيل مقدماته.

وهذا الأخير هو العمدة في إنكار وجوب المقدمة شرعا ، وإلاّ فلو قسنا مسألتنا هذه بمسألة السببية لقلنا إن الشارع لا يجعل إيجاب ذي المقدمة سببا في انوجاب المقدمة ليتخرج على جعل السببية ، بل يمكننا تخريج البحث على جعل المسبب عند حصول السبب ، فالشارع يجعل وجوب المقدمة عند تحقق وجوب ذيها ، فالعمدة هو لغوية هذا الجعل لا مكان عدم صدوره من الشارع وإيكال المكلف إلى ما يحكم به عقله عند تحقق وجوب ذي المقدمة ، من لزوم الاتيان بها مقدمة للحصول على الاطاعة وفرارا عن الوقوع في المعصية ، فتأمل.

قوله : والتحقيق في هذا المقام أن يقال : إن ما يسمى علة ومعلولا إما أن يكون وجود أحدهما مغايرا لوجود الآخر ـ إلى قوله ـ أو يكونا عنوانين لفعل واحد غاية الأمر طوليا لا عرضيا ... الخ (١).

لا يبعد كون الفرق بين القسمين تعبيريا صرفا ، وإلاّ فان معلول الالقاء في النار إن لوحظ بعنوان الاحتراق أعني به المصدر اللازم كان مباينا للالقاء ، وإن لوحظ بعنوان الاحراق أعني به المصدر المتعدي كان عنوانا ثانويا للالقاء ، ولا ريب في عدم صحة تعلق الأمر بعنوان الاحتراق ، لا لمجرد كونه غير مقدور كي يجاب عنه بأنه مقدور بالواسطة ، بل لأنه ليس من الأفعال القابلة للانتساب إلى المخاطب ليكون هو مورد الأمر النفسي وتكون علته موردا للأمر الغيري ، وإنما يصح تعلق الأمر به بعنوان

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣١٩ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٩

الاحراق ، فلا يكون العنوان الأولي موردا للأمر الغيري ، بل يكون تعلق الأمر النفسي بأحدهما عين تعلق ذلك الأمر بالآخر ، وحينئذ ينسد باب الأمر الغيري في الأسباب.

ومن ذلك ما سيأتي في ص ١٨٨ (١) من الإشكال في الشروط على قولهم إن الأمر يتعلق بالتقيد والقيد خارج ، فان التقيد لا يتعلق به الأمر النفسي لكونه انتزاعيا ومعلولا لوجود القيد ، وإنما يتعلق الأمر النفسي بمنشإ انتزاعه وهو إيجاد القيد الذي يتولد عنه التقييد ، فلا تكون ذات الشرط واجبا بالوجوب الغيري ، بل يكون واجبا بالوجوب النفسي أعني إيجاد القيد الذي يتولد عنه التقييد. أما باب الايجاد والوجود والمصدر واسم المصدر فهو خارج عن باب العلل والمعلولات ولا دخل له بما نحن بصدده ، ومن ذلك يتضح لك ما في الحاشية (٢).

ثم لا يخفى أن هذه التقسيمات والسعي وراء هذه الاصطلاحات ربما كان موجبا لتضييع الواقع.

والخلاصة : هي أن المقدمة إن كانت بحيث يترتب عليها معلولها من دون حاجة إلى شيء آخر حتى توسط الاختيار بينها وبين معلولها ، سواء كان من الغير أو من نفس الفاعل ، دخلت في العناوين الأولية والثانوية وخرجت عن الوجوب الغيري ، ولا يكون في البين إلاّ وجوب واحد نفسي متعلق بالفعل الخارجي ، سواء كان تعلقه به بعنوانه الأولي أو كان تعلقه به بعنوانه الثانوي ، وذلك مثل الالقاء والاحراق ومثل شرب الماء ورفع

__________________

(١) حسب الطبعة القديمة غير المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ : ٣٢٣ من الطبعة الحديثة ، وراجع أيضا صفحة : ١٩ وما بعدها من هذا المجلّد.

(٢) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٣١٩.

١٠

العطش.

وإن احتاجت إلى توسط الاختيار ، فان كان ذلك الاختيار من الغير كما في أفعال الزارعين بالنسبة إلى صيرورة الزرع حبا أو سنبلا المتوقف على الأفعال الالهية ، فتلك الأفعال لا تكون إلاّ من قبيل المعدّ بالنسبة إلى ما يترتب عليها من صيرورة الزرع سنبلا ، ولو كان في البين أمر أو تكليف فهو لا يتعلق إلاّ بنفس تلك الأفعال ، وتكون واجبة نفسيا لا غيريا.

وإن كان ذلك الاختيار من الفاعل كما في مشي الرجل وحركته ليتوصل إلى الجلوس في المجلس أو في المسجد أو إلى الصلاة فيه ، فان جميع تلك الحركات مقدمات إعدادية لما يترتب عليها من الجلوس أو الصلاة في المسجد ، لكن ترتب ذلك عليها محتاج إلى اختيار من الفاعل. فان كان في البين أمر نفسي فهو لا يتعلق إلاّ بالغاية المذكورة ، وتكون تلك الحركات الانتقالية التي سميناها إعدادية مقدمة لتلك الغاية ، فان كانت الغاية واجبة نفسيا كانت تلك الحركات واجبة غيريا إن قلنا بوجوب المقدمة.

قوله : لا إشكال في خروج المقدمات العقلية عن محل الكلام وعدم جواز تأخرها عن المعلول ... الخ (١).

الظاهر وحدة الاشكال في الجميع. وكما يمكن دفعه في المقدمات الشرعية بالتمسك بأذيال كون الشرط هو العنوان المنتزع من وجود المتأخر بدعوى كون العناوين الانتزاعية كالتقدم إنما تنتزع من نفس المتقدم ، وأنه لا دخل لوجود المتأخر في انتزاعها كما سيأتي في الأمر الثاني (٢) ، فكذلك

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣٢١.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ [ وسيأتي التعرض لذلك في صفحة : ١٢ من هذا المجلّد ].

١١

يتأتى هذا الدفع بعينه في المقدمات العقلية بأن يدعى أن الشرط ليس هو ذات المتأخر ، بل الشرط هو العنوان المنتزع له باعتبار تقدمه على ذلك المتأخر ، فلاحظ.

اللهم إلاّ أن يدعى أن العنوان المنتزع لا يدخل في المقدمات العقلية والعلل والمعلولات الخارجية ، إذ لا تحقق خارجا للعنوان المنتزع كي يكون جزء العلة الحقيقية. نعم يمكن القول بمدخليته في الأمور الاعتبارية كالتكاليف والأحكام الوضعية كالملكية والرقية والزوجية ونحو ذلك.

قوله : مدفوع بأن السبق إنما ينتزع عن نفس السابق بالقياس إلى ما لم يوجد بعد ... الخ (١).

لكن لا بدّ من وجود اللاحق في ظرفه في علم الله ، فلو لم يكن يوجد في ظرفه لم يكن الأول موردا لانتزاع عنوان السابق ، وفي الحقيقة أن السابق إنما ينتزع عن نحو وجود السابق ، وليس للاحق دخل في انتزاعه منه ، وإن كان أنه لو لم يوجد لم ينطبق على الأول عنوان السابق ، غاية الأمر أن وجوده فيما يأتي ملازم لانتزاع عنوان السابق للأول لا أنه له دخل فيه هذا.

ولكن قد يقال : إنه بعد فرض الملازمة بين هذا العنوان وبين ذلك الوجود المتأخر إن كان منشأ التلازم هو كون العنوان المذكور علة للوجود اللاحق ، كان من قبيل تأخر المعلول زمانا عن علته وهو محال ، وإن كان الأمر بالعكس كان محالا أيضا لاستحالة تقدم المعلول على علته زمانا ، وإن كانا معلولين لعلة ثالثة كان محالا أيضا ، ضرورة كشف وجود المعلول الأول

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣٢٢ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

١٢

عن وجود علته ، فيكون تأخر الثاني من قبيل تأخر المعلول عن علته. وإن كان الأول جزءا من علة الثاني ، والجزء الآخر منها يوجد عند وجوده ، فان كان الجزء الآخر من العلة المذكورة أجنبيا عن وجود الجزء الأول منها الذي هو عنوان السابق ، لم تتحقق الملازمة ، وحينئذ لا بدّ من الملازمة بين جزأي العلة المذكورة ، ولا بدّ فيها من تأتي التقسيم السابق من كون منشأ الملازمة ما هو؟ هل هو كون الأول علة للثاني أو بالعكس أو أنهما معلولان لعلة ثالثة. وعلى كل منها يستحيل التأخر ، فتأمل (١).

ثم لا يخفى أن الاحتياج إلى أخذ العنوان المنتزع شرطا إنما هو للفرار عن تأخر الشرط عن المشروط ، ويمثّل له في التكاليف بوجوب تعلم أحكام الصوم قبل وقته بناء على كون وجوب التعلم نفسيا مشروطا بأنه يكلف بالصوم فيما بعد ، وفي الوضعيات بالاجازة لعقد الفضولي بناء على الكشف ، وفي المأمور به بمثل الأغسال الليلية لما سبقها من صوم النهار وبالأجزاء اللاحقة بالنسبة إلى السابقة ، لكون صحة الجزء السابق من المركبات الارتباطية مشروطة بلحوق باقي الأجزاء.

أما مثال التكليف فيمكن أن يقال : إن مثل وجوب التعلم على تقدير كونه نفسيا إنما يتوجه إلى من يبقى إلى زمان التكليف بالصوم مثلا أو من يبتلى به فيما بعد ، ومثل هذه العناوين ليست من قبيل العناوين الانتزاعية بل هي عناوين واقعية منطبقة على المكلف المزبور باعتبار تلبسه فعلا بحاصل النسبة الاستقبالية ، فان العناوين المنطبقة على الذوات مأخوذة من

__________________

(١) لإمكان الجواب بأن منشأ هذا التلازم هو التضايف بين التقدم والتأخر نظير الأبوة والبنوة ، وهما أعني التقدم والتأخر منتزع عن نحو وجودهما في الزمان نظير الوجود في المكان [ منه قدس‌سره ].

١٣

النسب الخبرية الماضية أو الحالية أو الاستقبالية ، لأن الأوصاف قبل العلم بها أخبار كما أن الاخبار بعد العلم بها أوصاف. ففي مثل « قام زيد في الزمان الماضي » ينتزع منه أن زيدا ينطبق عليه فعلا أنه قائم في الزمان الماضي ، وفي مثل « يقوم زيد في الغد » ينتزع منه أن زيدا ينطبق عليه فعلا أنه قائم غدا.

وهذا أعني الالتجاء إلى مثل هذه العناوين لا محيص عنه فيما يأتي (١) من الأمر بالمقدمة قبل حصول شرط وجوب ذيها الذي نسميه بمتمم الجعل ، فان وجوب تلك المقدمة مشروط بأنه يتوجه إليه الوجوب الآتي المتعلق بذيها.

وكذلك لا محيص عنه في تصحيح وجوب الامساك في أول الفجر ، فانه مشروط ببقائه على شرائط التكليف بالصوم إلى آخر النهار ، فوجوب الصوم في أول النهار مشروط ببقاء شرائط الوجوب في آخر النهار كما سيأتي إن شاء الله تعالى (٢) ، وحيث إنا نقول بمحالية الشرط المتأخر لا محيص لنا من القول بأن الشرط في الوجوب أول النهار هو العنوان المنتزع بالنحو المذكور ، أعني ما يكون مأخوذا من القضية الاستقبالية.

وأما الاجازة فالظاهر أن أخذ العنوان المنتزع لا يصلحها ، لأن تلك الاجازة حين صدورها ان كانت من المالك الواقعي كان لازم ذلك هو عدم تأثير العقد قبلها ، وان لم تكن صادرة عن المالك لكون العقد قد أثّر في الانتقال من حينه لم تكن تلك الاجازة مؤثرة لعدم كونها من المالك ، بل كانت لغوا صرفا. وهذه إحدى جهات الاشكال الذي أشكل به المحقق

__________________

(١) بل فيما تقدّم في الصفحة : ١٢١ من المجلّد الثاني من هذا الكتاب.

(٢) بل تقدّم في الصفحة : ١٠٢ ـ ١٠٣ من المجلّد الثاني من هذا الكتاب.

١٤

صاحب المقابيس (١).

والانصاف : أن ما أفاده الشيخ قدس‌سره في المكاسب (٢) وكذا ما أفاده غيره لم يكن حاسما لهذه الجهة من الاشكال.

وأما الثالث أعني شرط المأمور به مثل الأغسال الليلية بالنسبة إلى صوم النهار السابق ، فالظاهر أن العنوان المنتزع لا يصلحه أيضا ، لنحو ما تقدم من إشكال الاجازة ، فان الأمر بالصوم إن كان قد سقط في وقته لكونه واجدا لما هو الشرط الذي هو العنوان المنتزع ، لم يبق محل للأمر الغيري بالغسل ليلا ، إذ لا يعقل بقاء وجوب المقدمة مع سقوط الأمر بذيها وحينئذ فبأيّ داع يفعله المكلف.

وإن لم يكن الأمر بالصوم قد سقط في ظرفه لم يكن الشرط هو العنوان المنتزع ، بل كان الشرط هو نفس الغسل ، وكان لازمه توقف الامتثال وسقوط الأمر بالصوم على الاتيان بالغسل ليلا ، وحينئذ يتوجه إشكال آخر وهو أن ذلك الصوم السابق بعد فرض أنه في ظرفه كان غير متصف بالصحة كيف يمكن أن يلحقه وصف الصحة بعد انقضائه وانعدامه. وإشكال آخر أيضا في غير الصوم ممّا يكون فعلا مشروطا صحته بفعل متأخر ، فانه قبل ذلك الفعل المتأخر يلزمه تكرار ذلك الفعل السابق الذي هو المأمور به ، لأنه قبل الاتيان بذلك المتأخر لم يسقط أمره.

وهذا الأخير هو الاشكال المنسوب إلى المحقق السيد الشيرازي قدس‌سره على القول بتوقف امتثال أمر الجزء الأول من الصلاة على الاتيان بالجزء الأخير حسبما نقله عنه شيخنا قدس‌سره في مبحث استصحاب الصحة من مباحث

__________________

(١ و ٢) [ الظاهر أنّ المراد بذلك ما نقله الشيخ قدس‌سره من الاشكالات عن صاحب المقابس قدس‌سره في مسألة ما لو باع شيئا ملكه ، فراجع الاشكال الرابع في المكاسب ٣ : ٤٣٩ ـ ٤٤٣ ، ومقباس الأنوار : ١٣٤ ].

١٥

زيادة أجزاء المركب حسبما حررته عنه ، وهذا نص ما حررته عنه : أنه لا شبهة في كون وجود الأجزاء في الخارج تدريجيا لا دفعيا ، ولكن هل الامتثال وسقوط الأمر بكل واحد من تلك الأجزاء يكون تدريجيا أيضا ، بمعنى أن أمر كل جزء يسقط عند الاتيان به ، وهكذا إلى الآخر ، غاية الأمر من جهة الارتباطية يكون السقوط مشروطا بشرط متأخر وهو الاتمام ، ويكون الشرط في الحقيقة هو تعقب الجزء المأتي به بباقي الأجزاء والشرائط على النحو المعتبر فرارا عن الشرط المتأخر ، أو أن الامتثال والسقوط يكون دفعيا وهو لا يحصل إلاّ عند الاتمام ، فلا يحصل الامتثال ولا يسقط الأمر إلاّ عند ميم السلام عليكم؟ وجهان.

اختار الأول سيدنا الاستاذ الشيرازي قدس‌سره واختار الثاني سيدنا السيد محمد الاصفهاني قدس‌سره وكان بينهما نزاع شديد في ذلك ، وكان سيدنا الشيرازي قدس‌سره يستدل على مسلكه بأنه لولاه يلزم المكلف أن يكرر التكبيرة إلى ما لا نهاية له ، لعدم سقوط أمرها بالاتيان بها ، وما لم يسقط أمرها يجب الاتيان بها وهكذا. وكان سيدنا السيد محمد قدس‌سره يجيب عن ذلك بأن الأمر لا يسقط بالاتيان ، بل هو باق بحاله ولكن يسقط اقتضاؤه البعث والتحريك فالأمر بتكبيرة الاحرام بعد الاتيان بها وإن كان باقيا على فعليته لم يسقط إلاّ أنه لا يحرّك ولا يبعث نحو متعلقه. وفي الحقيقة أن هذا الذي كان يجيب به السيد محمد قدس‌سره التزام بالسقوط التدريجي على نحو الشرط المتأخر الراجع إلى المقارن الذي هو التعقب ، وذلك عين مسلك سيدنا الشيرازي قدس‌سره. وكيف كان ، فيترتب على اختلاف المسلكين آثار كثيرة في باب الخلل ، انتهى ما حررته عنه قدس‌سره في ذلك المبحث.

هكذا نقلت هذه الجملة الأخيرة ولم أتوفق للوجه فيها ، فإن ما يفيده

١٦

المرحوم السيد محمد قدس‌سره إنما هو فرار من الالتزام بالعنوان المنتزع ، الذي عرفت أن لازمه هو سقوط الأمر الغيري بما بقي من الأجزاء وإن كان أمرها النفسي باقيا ، ويظهر أثر الاشكال جليا فيما لو كان المتأخر هو الشرط وأن المتقدم هو مجموع الأجزاء ، حيث إن ذات القيد غير مأمور به بالأمر النفسي الضمني كي يكون الاتيان به بداعي ذلك الأمر النفسي الضمني كما في الجزء المتأخر ، بل إن الأمر به ممحض للأمر الغيري المقدمي ، ومع سقوط الأمر بذي المقدمة لا معنى لبقاء الأمر الغيري بالمقدمة ، بخلاف الجزء المتأخر فانه ليس بمقصور على الأمر الغيري ، بل له أمر نفسي ضمني فيمكن أن يؤتى به بداعي ذلك الأمر النفسي الضمني بعد فرض سقوط أمره الغيري المقدمي الناشي عن كون انضمامه إلى الأول قيدا في صحة الأول.

والظاهر أن هذا التبعيض في مقام السقوط نظير التبعيض في مقام التنجز ، فذات الفعل وإن سقط أمره إلاّ أن الأمر بتقيده بذلك القيد المتأخر باق ، وعند الاتيان بذلك القيد المتأخر يتقيد ذلك الفعل السابق ويتصف بالصحة وتمامية الامتثال ، حيث إن الفعل المتقدم وإن انصرم إلاّ أنه يتصف بلحوق ذلك القيد له ، فيحصل له ذلك التقيد المعتبر فيه ، ولذلك يقال إن مرجع التكليف بالمقيد إلى سدّ باب العدم من ناحية ذات المقيد وسدّ باب عدمه من ناحية قيده ، فعند الاتيان بذات الفعل قد حصل الامتثال من الجهة الأولى وبقي الامتثال من الجهة الثانية ، وهي سدّ باب عدمه من ناحية قيده وهكذا الحال في المركب ، هذا.

ولكن هذه التقريبات لا تخلو عن خدشة ، فإنه لو ترك ذلك القيد ولم يأت به في ظرفه فهل يكون العقاب على ترك التقيد فقط ، أو يكون العقاب على ترك المأمور به بتمامه أعني الذات والقيد؟ الظاهر هو الثاني ، ومقتضى

١٧

هذه التقريبات هو الأوّل.

وإن أمكن الجواب عنها : بأن مقتضى الشرط المتأخر أو كون الشرط هو التعقب [ أن ](١) يكون معاقبا على ترك الكل عند إخلاله بما هو المتأخر إذ لم يحصل الشرط في سقوط الأمر بالمتقدم وهو نفس المتأخر أو تعقبه به ، بل وكذلك الحال في التخريج على سدّ أبواب العدم من ناحية نفس الذات ومن ناحية نفس القيد ، فإنّه عند عدم الإتيان بالقيد يكون عاصيا لما أمر به من سدّ أبواب عدم المقيد ، فتأمّل.

فالأولى هو الركون إلى نفس ما أفاده السيد محمد قدس‌سره وهو سقوط الاقتضاء لا سقوط الأمر بالذات ، ويعني من سقوط الاقتضاء أن الاتيان بذلك الجزء الأول لأنه لما كان امتثاله متوقفا على الاتيان بالجزء الثاني يكون ذلك الاتيان غير مسقط للأمر المتعلق بذات الجزء الأول ، غايته أنه مع الاتيان بتلك الذات لا يكون الأمر بها مقتضيا لها ، ويبقى الحال على ذلك حتى يأتي بقيدها ، فعندئذ يسقط أمرها ، وذلك نظير ما لو أمرت عبدك باحضار ماء مبرّد فأحضره أمامك لكنه بعد مشغول بتبريده ، فأنت تجد من نفسك أنّك لا تحرّكه حينئذ على إحضار ذات الماء ، مع أنك ترى أن أمرك به غير ساقط ، لأنك ترى أنك تعاقبه على ترك ما أمرته به من إحضار الماء المبرّد فيما لو لم يبرّده ، لا على ترك التبريد ، بمعنى أن ذلك الماء الفاقد لا يدخل فيما أردته إلاّ بعد تبريده.

وإن شئت فقل : إن الأمر في رتبة امتثاله وإن كان موجودا لم يسقط إلاّ في الرتبة الثانية من امتثاله أعني أن سقوطه بعد امتثاله ، إلاّ أنه في هذه الرتبة أعني رتبة الامتثال لا يعقل كونه محرّكا وباعثا على متعلقه ، لكون هذه الرتبة

__________________

(١) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة به ].

١٨

أعني رتبة الامتثال متأخرة عنه ، وما نحن فيه أعني كون العبد في حال الامتثال هي رتبة الامتثال ، فلا يعقل أن يكون للأمر فيها تحريك ثان غير ذلك التحريك السابق الذي يكون العبد فعلا متحركا عنه ، ولعل هذا هو ما يريده المرحوم السيد محمد قدس‌سره ، وبه يحصل الفرار من الشرط المتأخر ومن أخذ العنوان المنتزع ومن لزوم التكرار ، فتأمل.

قوله : قلت قد بيّنا في مبحث الواجب المشروط أن العناوين الانتزاعية حيث لا تحقق لها خارجا فيستحيل تعلق الأمر بها بأنفسها بل الأمر يتعلق بمناشئ انتزاعها ـ إلى قوله ـ وأمّا في الأخير فيتعلق الأمر بالشرط أيضا لا محالة ، فيكون الامتثال مراعى باتيانه في ظرفه كحال الأجزاء بعينها ، غاية الأمر أن تعلق الأمر بالجزء من جهة دخله قيدا وتقيدا ، وبالشرط من جهة دخل تقيده فقط ، وهذا لا يكون فارقا بعد تعلق الأمر بكل منهما ودخل كل منهما في الامتثال ... الخ (١).

لا يبعد القول بأن هذه الجمل متهافتة ، لأن قوله « بل الأمر يتعلق بمناشئ انتزاعها » وقوله « فيتعلق الأمر بالشرط أيضا لا محالة » يعدّ مناقضا لقوله : إن تعلق الأمر بالشرط من جهة دخل تقيده فقط فان الأمر النفسي الضمني إن تعلق بذات الشرط كان الشرط داخلا في المأمور به قيدا وتقييدا.

ثم لا يخفى أن لازم صرف الأمر النفسي المتعلق بالتقيد إلى نفس القيد هو كون الجزء مأمورا به نفسيا ضمنيا من جهتين ، من جهة ذاته ومن جهة كونه محصلا لتقيد الجزء الآخر به ، ولعل نظره قدس‌سره في الفرق بينهما إلى هذه الجهة ، وهي أن الشرط وإن كان مأمورا به نفسيا ضمنيا إلاّ أن هذا

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

١٩

الأمر النفسي الضمني إنما طرأ عليه من ناحية كونه محصّلا للعنوان المنتزع أعني تقيد المأمور به ، بخلاف الجزء فانه يكون مأمورا به نفسيا ضمنيا من جهتين ، إحداهما هذه أعني كونه محصّلا لتقيد الجزء الآخر به ، والأخرى كونه بذاته مطلوبا نفسيا ضمنيا.

وهذه التمحلات كلها إنما نشأت من صرف الأمر بالعنوان المنتزع أعني التقيد لكونه غير مقدور إلى ما هو منشأ انتزاعه أعني ذات القيد أعني ذات الشرط.

ويمكن أن يقال : إن التقيد وإن لم يكن بالنسبة إلى نفس القيد من العناوين الثانوية نظير الاحراق والالقاء ، إلاّ أنه من قبيل المسببات المباينة لأسبابها ، وهذه المسببات لعدم دخولها تحت إرادة الفاعل قد نقول إنه يمتنع تعلق الأمر بها ، فلا بد من صرف الأمر النفسي المتعلق بها صورة إلى أسبابها ، إلاّ أنه قد تقدم في ص ١٨٥ (١) ما حاصله أنه لا مانع من تعلق الأمر بها ، لكونها مقدورة بالواسطة أعني القدرة على أسبابها ، فتتعلق بها إرادة الفاعل ، وعن إرادتها تنشأ منه إرادة تتعلق بسببها ، وبناء على ذلك نقول إن المأمور به النفسي الضمني هو نفس التقيد ، ولكن ينشأ عن هذا الأمر الضمني النفسي أمر غيري متعلق بسببه الذي هو نفس القيد.

ثم لا يخفى أن الالتزام بصرف الأمر النفسي إلى القيد لا يدفع الاشكال السابق الذي أشار إليه بقوله : وحينئذ فيسأل عن أن هذه الاضافات عند تأخر الشرائط هل توجد قبل تحقق الشرائط أو عند تحققها ، وعلى الأول يلزم وجود الأمر الانتزاعي قبل وجود منشأ انتزاعه ، وعلى الثاني يلزم

__________________

(١) حسب الطبعة القديمة غير المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ : ٣١٩ من الطبعة الحديثة.

٢٠