مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٩٢
فاختار العليا منها فسكنها وأسكن سمواته من شاء من خلقه ، وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم ، واختار من بني آدم العرب ، واختار من العرب مضر ، واختار من مضر قريشاً ، واختار من قريش بني هاشم ، واختارني من بني هاشم ، فأنا من خيار إلى خيار ، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم .
والثانية :
عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال : أتى ناس من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نسمع من قومك حتى يقول القائل منهم إنما مثل محمد نخلة نبتت في الكبا ( قال حسين الكبا الكناسة ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ قال فما سمعناه ينتمي قبلها ـ ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم فرقتين ، فجعلني في خير الفريقين ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً ، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً . . . رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .
والثالثة :
عن ابن عباس قال توفي
ابنٌ لصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت عليه وصاحت ، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : يا عمة ما يبكيك ؟ قالت توفي ابني ، قال : يا عمة من توفي له ولدٌ في الإسلام فصبر ، بنى الله له بيتاً في
الجنة . فسكتت ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال : يا صفية قد سمعت صراخك ، إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئاً ! فبكت فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكرمها ويحبها ، فقال : يا عمة أتبكين وقد قلت لك ما قلت ؟ ! قالت : ليس ذاك أبكاني يا رسول الله ، استقبلني عمر بن الخطاب فقال إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئاً ! قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم
وقال : يا بلال هجِّر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة ، فصعد المنبر صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ! ! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة !
فقال عمر : فتزوجت أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، أحببت أن يكون لي منه سببٌ ونسب .
ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت على نفر من قريش فإذا هم يتفاخرون ويذكرون أمر الجاهلية فقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقالوا : إن الشجرة لتنبت في الكبا ( المزبلة ) قال فمررت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ! فقال يا بلال هجر بالصلاة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال أنسبوني ، قالوا أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، قال أجل أنا محمد بن عبد الله ، وأنا رسول الله ، فما بال أقوام يبتذلون أصلي ! ! فوالله لأنا أفضلهم أصلاً وخيرهم موضعاً !
قال فلما سمعت الأنصار بذلك قالت قوموا فخذوا السلاح ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أغضب ، قال فأخذوا السلاح ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم لا ترى منهم إلا الحدق ، حتى أحاطوا بالناس فجعلوهم في مثل الحرة ، حتى تضايقت بهم أبواب المسجد والسكك ! ! ثم قاموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبَّرنا عترته . فلما رأى النفر من قريش ذلك قاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذروا وتنصلوا ! ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الناس دثارٌ والأنصار شعار ، فأثنى عليهم وقال خيراً . انتهى .
ـ وقال في الدر المنثور ج ٢ ص ٣٣٥
وأخرج الفريابي وابن
جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار وجهه ، حتى جلس على المنبر فقام إليه
رجل فقال : أين آبائي ؟ قال في النار ! فقام آخر فقال من أبي ؟ فقال أبوك حذافة ، فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً ، إنا يا رسول الله حديثُ عهدٍ بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا ! ! فسكن غضبه ، ونزلت هذه الآية : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ .
ـ وقال في الدر المنثور ج ٤ ص ٣٠٩
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سألت عمر بن الخطاب رضياللهعنه عن قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ؟ قال : كان رجال من المهاجرين في أنسابهم شيء فقالوا يوماً والله لوددنا أن الله أنزل قرآناً في نسبنا ، فأنزل الله ما قرأت .
ثم قال لي : إن صاحبكم هذا يعني علي بن أبي طالب إن ولي زهد ، ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به . قلت : يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت ، والله ما نقول إنه غيَّر ولا بدل ولا أسخط رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام صحبته ! فقال : يا بن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزاً ! انتهى .
وراجع أيضاً : سنن ابن ماجة ج ١ ص ٥٤٦ ، ومسند أحمد ج ٣ ص ١٦٢ وص ١٧٧ وج ٥ ص ٢٩٦ و ٣٠٣ ، وسنن البيهقي ج ٤ ص ٢٨٦ ، ومصنف عبد الرزاق ج ١١ ص ٣٧٩ ، وكنز العمال ج ٤ ص ٤٤٣ وج ١٣ ص ٤٥٣
* *
من مجموع هذه النصوص يصل الباحث إلى نتائج قطعية متعددة ، نذكر منها :
أولاً ـ أن القرشيين لم يتركوا حساسيتهم من بني هاشم حتى بعد فتح مكة وإعلان إسلامهم ! غاية الأمر أنهم استثنوا منهم شخص النبي صلىاللهعليهوآله !
بل من حق الباحث أن
يشك في هذا أيضاً ، فالطلقاء أسلموا مهزومين تحت
السيف ! ولم يكونوا يستطيعون أن يتفوهوا بحرف على شخص النبي صلىاللهعليهوآله ، وإلا كفروا وعرضوا أنفسهم لسيوف الأنصار !
ثانياً ـ أن القرشيين كانوا في حياة النبي صلىاللهعليهوآله وفي عاصمته ، وتحت لواء نبوته ، وتحت سيوف الأنصار . . شرسين على أسرته وعشيرته صلىاللهعليهوآله ، وكانت ألسنتهم بذيئة على أصل النبي صلىاللهعليهوآله وعشيرته ، حتى ضجَّ من ذلك الأنصار ، وجاؤوا يشكون إلى النبي صلىاللهعليهوآله بذاءة قريش بحقه ، طالبين منه معالجة هذه الألسنة المنافقة ، أو إصدار أمر بتقتيلهم . وقد قال الهيثمي عن حديث شكوى الأنصار : رجاله رجال الصحيح ! !
ثالثاً ـ أن الحوادث التي تكلم فيها القرشيون على أسرة النبي صلىاللهعليهوآله متعددة ، فقد نقلت كتب الحديث منها أكثر من عشرة حوادث ، ولا بد أن ما لم تنقله أكثر وأعظم ! !
رابعاً ـ أن النبي صلىاللهعليهوآله كانت حساسيته من هذا الموضوع عالية جداً ، وكان رده دائماً شديداً ، فهو يتعامل معه على أنه موضوع ديني وليس موضوعاً شخصياً ، لأن عدم الإيمان بأسرته الطاهرة ، يساوق عدم الإيمان به صلىاللهعليهوآله .
خامساً ـ أن إحدى الحوادث كانت كبيرة بذاتها ، أو بالتراكم ، فغضب الله تعالى لغضب نبيه صلىاللهعليهوآله ، وأمره بالرد على القرشيين ( المسلمين الصحابة ) وإتمام الحجة عليهم ، وأنزل عليه جبرئيل ليكون إلى جانبه يوجهه ويجيبه عن أنساب القرشيين ، وعن مستقبلهم في الجنة أو في النار ! ! ! .
سادساً ـ أن النبي صلىاللهعليهوآله أحضرهم في المسجد وأمر الأنصار بمحاصرتهم بالسلاح ، وخطب خطبةً نبويةً نارية بليغة عاصفة ، صبَّ فيها الغضب الإلۤهي والنبوي على القرشيين ، وتحداهم في أنسابهم وأعمالهم ونواياهم ! فلفُّوا رؤوسهم ! واستغشوا ثيابهم ! وعلا خنينهم وبكاؤهم ! وكان ذلك أشد يوم عليهم ! ! !
فتدارك الموقف زعيمهم
وتقدم وبرك على قدمي النبي صلىاللهعليهوآله ! وقبلها ! وبكى له ! ليعفو عنهم ! ولا يفضح أنسابهم ! وعشائرهم ! ولا يصدر عليهم حكمه بالقتل ، أو
بالحرمان من الحقوق المدنية حتى أداء الشهادة ! ! فسكت النبي صلىاللهعليهوآله ولم يقل لهم كلمة قبول أو عفو ! وهدأت عاصفة الإنتقام النبوي في الدنيا ! !
سابعاً ـ إنها قضيةٌ ضخمةٌ في الحساب العقائدي والفقهي والسياسي ، تستحق الدراسة ووضع النقاط على الحروف . . ولكن الخلافة القرشية تعرف كيف تتخلص منها ، فتعتم عليها إن استطاعت ، أو تحولها إلى مجد لقريش ، ولا تسمح لبني هاشم أن يستفيدوا منها !
ومن أجل هذا كانت براعة الخليفة عمر في طريقة روايتها ، ثم كانت براعة الرواة ومصنفي الصحاح في تجزئتها وتقطيع أوصالها وتغييب حقيقتها !
وهذه هي مهمة جيل ما بعد الأنبياء ! !
أما عبد الله بن الزبير الزهري ، فقد كان عنده عقدةٌ من بني هاشم مع أنهم أخوال أبيه ! وقد اشتهر عنه أنه لم يكن يطيق ذكرهم ، وأنه ترك حتى ذكر النبي صلىاللهعليهوآله والصلاة عليه في خطبة الجمعة حتى لا تشمخ أنوف بني هاشم بزعمه !
والظاهر أن القرشيين ربَّوه على كره بني هاشم منذ كان غلاماً ، وأن له مشاركة في قصة الغضب النبوي !
ـ فقد روى عنه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢١٥ افتراء عجيباً على النبي في ذم أهل بيته صلىاللهعليهوآله حيث حول كلام قريش الذي غضب منه النبي صلىاللهعليهوآله وغضب منه الله تعالى من فوق عرشه كما رأيت . . الى حديث مسند عن النبي صلىاللهعليهوآله ! !
ـ قال الهيثمي : وعن عبد الله ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثلي ومثل أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في مزبلة . رواه الطبراني وهو منكر ، والظاهر أنه من قول الزبير إن صح عنه ، فإن فيه ابن لهيعة ومن لم أعرفه .
وعن ابن الزبير أن قريشاً قالت : إن مثل محمد مثل نخلة في كبوة . رواه البزار بإسناد حسن ، وهذا الظن به .
براعة البخاري في تضييع القضية
المحدث العادي ـ فضلاً عن البخاري ـ يعرف أن هذا الحديث قصةٌ واحدةٌ كما ذكر صاحب فتح الباري ، أو اثنتان في الأكثر . . وهنا تظهر براعة البخاري في اختراع العناوين لجعل قطعة الحديث تحتها ، أو عقد باب مناسب لتغطية حقيقة الحديث !
ففي ج ١ ص ٣١
عقد له باباً باسم : باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره . فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ !
وفي ص ٣٢
جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمى الباب : باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث !
وفي ص ١٣٦
وضع جزءً منه تحت عنوان : باب وقت الظهر عند الزوال ! بحجة أن خطبة النبي صلىاللهعليهوآله النارية القاصعة كانت عند الزوال !
وفي ج ٤ ص ٧٣
جعل جزءً منه تحت عنوان : ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه . . بحجة أن الراوي قال : قام فينا النبي ( ص ) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم !
وفي ج ٧ ص ١٥٧
عقد له باباً باسم : باب التعوذ من الفتن ! وكأن الموضوع كان حديثاً هادئاً عاماً لكل الأمة عن الفتن الآتية ، وأن عمر قال : رضينا بالله رباً وبمحمد رسولاً . . . نعوذ بالله من الفتن !
وفي ج ٨ ص ١٤٢
عقد له باباً باسم : باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى : لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ . . !
وكان ينبغي له أن يسمي الباب : باب وجوب امتثال أمر النبي إذا أمر بالسؤال ، وأن لا يربط الآية به ، ولا يحشرها في هذا الموضوع أصلاً كما فعلت قريش ، لأن موضوع الآية كراهة السؤال ، وموضوع الحديث أمر النبي صلىاللهعليهوآله المكرر المشدد لقريش أن يسألوه !
اللهم إلا يقصد البخاري بكراهة السؤال : كراهة إلحاح المعلم على تلاميذه بقوله سلوني ! فيكون الخطأ حينئذٍ من النبي صلىاللهعليهوآله لأنه ألحَّ عليهم بالسؤال ! ويكون موقف عمر تصحيحاً لخطأ النبي صلىاللهعليهوآله كما هي عادته المشكورة ! !
ماذا قال كبار الشراح ؟
لا خبر عند شراح الصحاح بالقضية ، فلا رأوا شيئاً ولا سمعوا ولا قرؤوا ، ولا شموا رائحة شيء يستوجب التساؤل والبحث ! !
ـ قال ابن حجر في فتح الباري :
قوله سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء . . كان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلك من المسائل ، كما سيأتي في حديث ابن عباس في تفسير المائدة !
ـ قوله قال رجل : هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء ، القرشي السهمي ، كما سماه في حديث أنس الآتي .
ـ قوله فقام آخر : هو
سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة ، سماه بن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح ، وأغفله في الإستيعاب
ولم يظفر به أحد من الشارحين ، ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة ، وهو صحابي بلا مرية ، لقوله فقال من أبي
يا رسول الله ؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلاً من بني عبد الدار قال من أبي ؟ قال سعد : نسبه إلى غير أبيه ، بخلاف ابن
حذافة ! وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة .
ـ قوله فلما رأى عمر . . هو بن الخطاب . . ما في وجهه ، أي من الغضب ، قال : يا رسول الله إنا نتوب إلى الله ، أي مما يوجب غضبك ، وفي حديث أنس الآتي بعد أن عمر برك على ركبتيه ، فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ، والجمع بينهما ظاهر ، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ ، ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة .
ـ تنبيه : قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم دون الحكم لأن الحاكم مأمورٌ أن لا يقضي وهو غضبان ، والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان ، لأن مقامه يقتضي تكلف الإنزعاج لأنه في صورة المنذر ! !
وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهم ونحوه ، لأنه قد يكون أدعى للقبول منه ، وليس ذلك لازماً في حق كل أحد ، بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين . وأما الحاكم فهو بخلاف ذلك كما يأتي في بابه .
فإن قيل : فقد قضى عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال : أبوك فلان !
فالجواب : أن يقال أولاً ، ليس هذا من باب الحكم ! ! وعلى تقديره فيقال هذا من خصوصياته لمحل العصمة ، فاستوى غضبه ورضاه ، ومجرد غضبه من الشيء دالٌّ على تحريمه أو كراهته ، بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم .
ـ قوله باب من برك : هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال : برك البعير إذا استناخ ، واستعمل في الآدمي مجازاً .
قوله خرج ، فقام عبد الله بن حذافة : فيه حذف يظهر من الرواية الأخرى ، والتقدير خرج فسئل فأكثروا عليه ، فغضب ! ! فقال سلوني ، فقام عبد الله .
قوله فقال رضينا
بالله رباً . . قال ابن بطال : فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك ، فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك ! فقال رضينا بالله
رباً الخ . فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فسكت !
ـ قوله وقال سلوني : في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال : لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم .
وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم : فخرج ذات يوم حتى صعد المنبر ، وبين في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك ، وأنه بعد أن صلى الظهر ، ولفظه : خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ، ثم قال : من أحب ( ! ) أن يسأل عن شيء فليسأل عنه ، فذكر نحوه .
ـ قوله فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي ؟ بين في حديث أنس من رواية الزهري اسمه ، وفي رواية قتادة سبب سؤاله ، قال فقام رجل كان إذا لاحى أي خاصم دعي إلى غير أبيه ، وذكرت اسم السائل الثاني ، وأنه سعد ، وأني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبد البر .
وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال : النار ! ولم أقف على اسم هذا الرجل في شيء من الطرق كأنهم أبهموه عمداً للستر عليه !
وللطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه ، وزاد : وسأله رجل في الجنة أنا ؟ قال : في الجنة ، ولم أقف على اسم هذا الآخر .
ونقل بن عبد البر عن رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : لا يسألني أحد عن شيء إلا أخبرته ، ولو سألني عن أبيه ، فقام عبد الله بن حذافة ، وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه ، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره ، وفيه فقام سعد مولى شيبة فقال من : أنا يا رسول الله ؟ قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة . وفيه فقام رجل من بني أسد فقال : أين أنا ؟ قال : في النار ! ! فذكر قصة عمر ، قال فنزلت : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ . . الآية .
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيلٍ وقال ، وكثرة السؤال ( ؟ ! ) وبهذه الزيادة يتضح أن هذه القصة سبب نزول : لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ، فإن المساءة في حق هذا جاءت صريحة بخلافها في حق عبد الله بن حذافة ، فإنها بطريق الجواز أي لو قدر أنه في نفس الأمر لم يكن لأبيه ، فبين أباه الحقيقي لافتضحت أمه ، كما صرحت بذلك أمه حين عاتبته على هذا السؤال ، كما تقدم في كتاب الفتن .
قوله : فلما رأى عمر ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب . . بين في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك ، ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي ، وزاد في رواية سعيد بن بشير : وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر ! وفي رواية موسى بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة : فغطوا رؤوسهم ولهم حنين . . زاد مسلم من هذا الوجه : فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان أشد منه !
قوله : فقال إنا نتوب إلى الله عز وجل . . زاد في رواية الزهري : فبرك عمر على ركبته فقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً . وفي رواية قتادة من الزيادة نعوذ بالله من شر الفتن . وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه القصة : فقام إليه عمر فقبل رجله وقال رضينا بالله رباً فذكر مثله ، وزاد : وبالقرآن إماماً فاعف عفى الله عنك فلم يزل به . . . حتى رضي .
وفي هذا الحديث غير
ما يتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وشدة
إشفاقهم إذا غضب خشية أن يكون لأمر يعم فيعمهم ، وإدلال عمر عليه وجواز تقبيل رجل الرجل ، وجواز الغضب في الموعظة ، وبروك الطالب بين يدي من يستفيد منه ، وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة ، ومشروعية التعوذ من الفتن عند وجود شيء قد يظهر منه قرينة وقوعها ، واستعمال المزاوجة في الدعاء في قوله اعف عفى الله عنك ، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم
معفوٌّ عنه قبل ذلك .
قال ابن عبد البر : سئل مالك عن معنى النهي عن كثرة السؤال ، فقال : ما أدري أنهى عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل ، أو عن مسألة الناس المال .
قال بن عبد البر : الظاهر الأول ، وأما الثاني فلا معنى للتفرقة بين كثرته وقلته ، لا حيث يجوز ولا حيث لا يجوز .
قال : وقيل كانوا يسألون عن الشيء ويلحون فيه إلى أن يحرم . قال : وأكثر العلماء على أن المراد كثرة السؤال عن النوازل والأغلوطيات والتوليدات ، كذا .
ـ وقال النووي في شرح مسلم ج ٨ ص ٢٩١ في سبب غضب النبي صلىاللهعليهوآله كما تصوره أو صوره :
قوله : رجل أتى النبي فقال كيف تصوم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم . . قال العلماء : سبب غضبه أنه كره مسألته ، لأنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة ، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه ، وكان يقتضي حاله أكثر منه ! !
ـ وقال في ج ١٥ ـ ١٦ ص ١١١
قوله : غطوا رؤوسهم ولهم خنين ، هو بالخاء المعجمة هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة . وممن ذكر الوجهين القاضي وصاحب التحرير وآخرون ، قالوا : ومعناه بالمعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الإنتحاب . قالوا وأصل الخنين خروج الصوت من الأنف كالحنين بالمهملة من الفم . وقال الخليل : هو صوت فيه غنة ، وقال الأصمعي : إذا تردد بكاؤه فصار في كونه غنة فهو خنين . وقال أبو زيد : الخنين مثل الخنين وهو شديد البكاء .
قوله : فلما أكثر
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقول : سلوني برك عمر فقال : رضينا
بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً . فسكت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين قال عمر ذلك . قال
العلماء : هذا القول منه صلىاللهعليهوآلهوسلم
محمولٌ على أنه أوحي إليه وإلا فلا يعلم كل ما سئل
عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى .
قال القاضي : وظاهر الحديث أن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : سلوني إنما كان غضباً كما قال في الرواية الأخرى سئل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ، ثم قال للناس : سلوني . وكان اختياره صلى الله عليه وسلم ترك تلك المسائل ، لكن وافقهم في جوابها ، لأنه لا يمكن رد السؤال ، ولما رآه من حرصهم عليها ! ! والله أعلم .
وأما بروك عمر رضياللهعنه وقوله : فإنما فعله أدباً وإكراماً لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وشفقةً على المسملمين لئلا يؤذوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهلكوا ! !
ومعنى كلامه : رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم واكتفينا به عن السؤال . ففيه أبلغ كفاية . انتهى .
وأنت ترى أن ابن حجر والنووي غائبان عن كلام النبي صلىاللهعليهوآله ، وأن في كلامهما تهافتاً ونقاط ضعف كثيرة لا نطيل فيها . . وليس كلام غيرهما من الشراح أفضل ، وإن كان فيه مادة مهمة لمن أراد أن يتتبع ملف القضية !
الحادثة في بعض روايات أهل البيت عليهمالسلام
ـ قال النيشابوري في الفضائل ص ١٣٤
عن سليم بن قيس يرفعه إلى أبي ذر والمقداد وسلمان قالوا : قال لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : إني مررت بفلان يوماً فقال لي : ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة ! قال : فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوآله فذكرت ذلك له ، فغضب غضباً شديداً ، فقام فخرج مغضباً وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح ، لما رأوا من غضبه ، ثم قال : ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي ؟ ! ! وقد سمعوني أقول في فضلهم ما أقول ، وخصصتهم بما خصهم الله تعالى به ، وفضل علياً عليهم بالكرامة وسبقه إلى الإسلام وبلائه ، وأنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي !
ثم إنهم يزعمون أن
مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة ! ألا إن الله
سبحانه وتعالى خلق خلقه وفرقهم فرقتين ، وجلعني في خيرها شعباً وخيرها قبيلة ، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً ، حتى حصلت في أهل بيتي وعشيرتي وبني أبي ، أنا وأخي علي بن أبي طالب . . . .
أنا خير النبيين والمرسلين ، وعلي خير الوصيين ، وأهل بيتي خير بيوت أهل النبيين ، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة أجمعين .
أيها الناس : أترجون شفاعتي لكم ، وأعجز عن أهل بيتي ؟ !
أيها الناس : ما من أحد غداً يلقى الله تعالى مؤمناً لا يشرك به شيئاً إلا أجره الجنة ، ولو أن ذنوبه كتراب الأرض .
أيها الناس : لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلى لي الله عز وجل ، فسجدت بين يديه ثم أذن لي في الشفاعة ، لم أوثر على أهل بيتي أحداً .
أيها الناس : عظموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي ، وأكرموهم وفضلوهم ، لا يحل لأحد أن يقوم لأحد غير أهل بيتي ، فانسبوني من أنا ؟ !
قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأيدهم السلاح ، وقالوا : نعوذ الله من غضب الله وغضب رسوله ، أخبرنا يا رسول الله من آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه ؟ ! !
قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، ثم انتهى بالنسب إلى نزار ، ثم مضى إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ، ثم مضى منه إلى نوح ، ثم قال : أنا وأهل بيتي كطينة آدم عليهالسلام نكاح غير سفاح !
سلوني ، والله لا يسألني رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبيه !
فقام إليه رجل فقال : من أنا يا رسول الله ؟ فقال : أبوك فلان الذي تدعى إليه ! قال فارتد الرجل عن الإسلام .
ثم قال صلىاللهعليهوآله والغضب ظاهر في وجهه : ما يمنع هذا الرجل الذي يعيب على أهل بيتي وأهلي وأخي ووزيري وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، أن يقوم ويسألني عن أبيه ، وأين هو في جنة أم في نار ؟ !
قال فعند ذلك خشي فلان على نفسه أن يذكره رسول الله صلىاللهعليهوآله ويفضحه بين الناس فقام وقال : نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله ، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، أعف عنا عفى الله عنك ، أقلنا أقالك الله ، أسترنا سترك الله ، إصفح عنا جعلنا الله فداك . فاستحى النبي صلىاللهعليهوآله وسكت ، فإنه كان من أهل الحلم وأهل الكرم وأهل العفو ثم نزل صلىاللهعليهوآله ! !
ـ وقال فرات الكوفي في تفسيره ص ٣٩٢
حدثنا عبد السلام بن مالك قال : حدثنا محمد بن موسى بن أحمد قال : حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال : حدثنا الحكم بن سنان الباهلي ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح قال : قلت لفاطمة بنت الحسين : أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث واحتج به على الناس . قالت : نعم أخبرني أبي أن النبي صلىاللهعليهوآله كان نازلاً بالمدينة ، وأن من أتاه من المهاجرين مرسوا أن يفرضوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله فريضة يستعين بها على من أتاه ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوآله وقالوا : قد رأينا ما ينوبك من النوائب ، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك .
قال : فأطرق النبي صلىاللهعليهوآله طويلاً ، ثم رفع رأسه فقال : إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئاً ، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشيء ، وإن أمرت به أعلمتكم .
قال : فنزل جبرئيل عليهالسلام فقال : يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك ، وما عرضوا عليك ، وقد أنزل الله عليهم فريضة : قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ .
قال فخرجوا وهم يقولون : ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبني عبد المطلب ! !
قال : فبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى علي بن أبي طالب أن أصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل : أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار ، ومن ادعى إلى غير موإليه فليتبوأ مقعده من النار ، ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار ! !
قال : فقام رجل وقال : يا أبا الحسن ما لهن من تأويل ؟ فقال : الله ورسوله أعلم . فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبره ، فقال رسول الله : ويلٌ لقريشٍ من تأويلهن ! ثلاث مرات . ثم قال : يا علي إنطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء ، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين ، وأنا وأنت أبوا المؤمنين .
ثم خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا معشر قريش والمهاجرين والأنصار . فلما اجتمعوا قال : يا أيها الناس ، إن علياً أولكم إيماناً بالله وأقومكم بأمر الله ، وأوفاكم بعهد الله ، وأعلمكم بالقضية ، وأقسمكم بالسوية ، وأرحمكم بالرعية ، وأفضلكم عند الله مزية . ثم قال : إن الله مثَّل لي أمتي في الطين ، وعلمني أسماءهم كما علَّم آدم الأسماء كلها ، ثم عرضهم فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته ، وسألت ربي أن تستقيم أمتي على علي من بعدي ، فأبى إلا أن يضل من يشاء ويهدي من يشاء . انتهى .
ـ وقال محمد بن سليمان في المناقب ج ٢ ص ١٢٢
عن عبد المطلب بن أبي ربيعة قال : قال العباس : يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوا ببشر حسن ، وإذا لقونا لقونا بوجوه ننكرها ! فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم غضباً شديداً ، ثم قال : والذي نفسي بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله . هكذا قال خالد قال أبو خليفة ، فأما أبي فحدثناه عن يزيد بن هارون ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن العباس بن عبد المطلب رضياللهعنه قال : قلت : يا رسول الله . . فذكر نحوه أو مثله .
وقال في هامشه :
وروى أبو بكر ابن أبي
شيبة في الحديث الأول والثالث من فضائل العباس من كتاب الفضائل تحت الرقم : ١٢٢٥٩ والرقم : ١٢٢٦١ من كتاب المصنف : ج ١٢ ص ١٠٨ ـ ١٠٩ قال : حدثنا ابن فضيل ، عن يزيد ، عن عبد الله بن الحارث قال : حدثني عبد
المطلب
بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن العباس دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغضب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أغضبك ؟ قال : يا رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغير ذلك ؟ ! قال : فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه ، وحتى استدر عرق بين عينيه ، وكان إذا غضب استدر العرق ـ فلما سرى عنه قال : والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله . ثم قال : أيها الناس من آذى العباس فقد آذاني إنما عم الرجل صنو أبيه .
حدثنا ابن نمير عن سفيان عن أبيه عن أبي الضحى مسلم بن صبيح قال : قال العباس : يا رسول الله إنا لنرى الضغائن في وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لن يصيبوا خيراً حتى يحبوكم لله ولقرابتي ، ترجو سلهب شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب ؟ !
أقول : والحديث الأول رواه الحاكم في فضائل العباس من كتاب المستدرك ج ٣ ص ٣٣٢ قال : أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أخبرنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة قالوا : . . .
وأيضاً الأولان رواهما أحمد بن حنبل في مسند عبد المطلب بن ربيعة من كتاب المسند ، ورواه عنه ابن كثير في تفسير آية المودة من سورة الشورى من تفسيره .
وقد روى الحافظ ابن عساكر معنى الحديث بوجوه وأسانيد في ترجمة العباس من تاريخ دمشق ، كما أورده أيضاً البدران في تهذيبه : ج ٧ ص ٢٣٩ فراجعهما .
وروى عمر بن شبه في
عنوان : ذكر فضل بني هاشم . . . من تاريخ المدينة المنورة : ج ٢ ص ٦٣٩ قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن
أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال : قلت : يا رسول الله إن
قريشاً إذا لقي بعضها بعضاً لقوا ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها ! فغضب النبي
غضباً شديداً فقال : والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله
حدثنا خلف بن الوليد قال : حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن ربيعه بنحوه .
حدثنا عمرو بن عون قال : أنبأنا بن عبد الله عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن ربيعة قال : كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه العباس وهو مغضب فقال : يا نبي الله ما بال قريش إذا تلاقوا بينها فتلاقوا بوجوه مبشره وإذا لقونا لقونا بغير ذلك ! قال : فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّ وجهه وقال : لا يدخل قلب رجال الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله .
وحدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده قال : قال العباس : يا رسول الله إن قريشاً تتلاقى بينهما بوجوه لا تلقانا بها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إن الإيمان لا يدخل أجوافهم حتى يحبوكم لي .
حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي الضحى : عن ابن عباس قال : جاء العباس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يبلغوا الخير ـ أو قال الإيمان ـ حتى يحبوكم لله لقرابتي ، أيرجو سؤلهم شفاعتي من مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي . انتهى .
* *
وسعوا شفاعة النبي لليهود والنصارى ولم يسمحوا أن تشمل أسرته ! !
شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله تتسع لكل المسلمين . . بل لكل الموحدين . . بل لكل الخلق . . هذا ما تقوله مصادر إخواننا السنيين . . ولكن هذه المصادر عندما تصل إلى آباء النبي صلىاللهعليهوآله وأسرته تختلف لهجتها ! فالشفاعة لا تشملهم ، بل هم في النار والعذاب . . وأحسنهم حالاً أبو طالب الذي ( يشفع ) له النبي صلىاللهعليهوآله لأنه نصره ، فلا تؤثر شفاعته فيه بسبب شرك أبي طالب وكثرة ذنوبه ! فيضعه الله تعالى في ضحضاح ماء ناري يغمر قدميه فيغلي منه دماغه ! !
وفيما يلي نستعرض ما رواه السيوطي في تفسير قوله تعالى : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، ولك أن تلاحظ التأثيرات القرشية على هذه الروايات .
وينبغي أولاً أن نشير إلى أن مرحلة ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) هي المرحلة الأولى من دعوة النبي صلىاللهعليهوآله وهي مرحلة الدعوة الخاصة لأقاربه بني هاشم ، وقد استمرت هذه المرحلة عدة سنين ، ثم بدأت عدها المرحلة العامة ، عندما أمره الله تعالى بأن يصدع بدعوته لعامة الناس . .
ولكن المؤرخين أتباع الخلافة القرشية يعتِّمون على هذه المرحلة ، أو يسمونها المرحلة السرية ، أو مرحلة ما قبل دار الأرقم . . الخ . وقد أعطوا لدار الأرقم دوراً خيالياً لطمس حقيقة أن الدعوة الإلۤهية اختصت في مرحلتها الأولى ببني هاشم ، وأنهم وحدهم حموا النبي صلىاللهعليهوآله من فراعنة قريش ، وقد فعل ذلك مسلمهم إيماناً ، وكافرهم حميةً ، وتحملوا جميعاً ما عدا أبي لهب قرار المقاطعة والحصار القرشي ثلاث سنوات بل أربع سنوات . . حتى فك الله حصارهم بمعجزة ! !
ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٩٥
قوله تعالى : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ .
أخرج أحمد وعبد بن
حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل عن أبي
هريرة رضياللهعنه قال لما نزلت هذه الآية : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً وعم وخص ، فقال :
يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لك ضراً ولا نفعاً ، إلا أن لكم رحماً وسأبلها ببلالها .
ـ وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، جعل يدعوهم قبائل قبائل . انتهى .
ففي هذه الرواية ( الصحيحة ) في مصادرهم صار معنى ( عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) كل قريش ! وصار تعبير ( الْأَقْرَبِينَ ) غلطاً قرآنياً يلزم على قريش أن تصححه ! لأنه لم يبق معنى لعشيرته الأبعدين والأوسطين !
وصار أول ما قاله النبي صلىاللهعليهوآله لهم : إن قرابتي لا تنفعكم وشفاعتي لا تنالكم ! وصار كل القرشيين أرحام النبي الذين وعدهم بصلة الرحم والشفاعة يوم القيامة !
ولكن هذا الكلام يناسب منطق النبي صلىاللهعليهوآله بعد انتصاره وفتحه مكة مثلاً ، ولا يناسب بداية نبوته ودعوته عشيرته الأقربين للتوحيد والإسلام ! وقد ورد شبيهٌ لذلك عند فتح مكة .
غير أن القرشيين يريدون سلب أي امتياز أعطاه الله ورسوله لبني هاشم ، فالإمتيازات لقريش كلها ، لا لبني هاشم ! وفي نفس الوقت يريدون خلط أنفسهم بعشيرة النبي صلىاللهعليهوآله والإستفادة من قرابته أمام العالم !
وقد استفادوا منه
فعلاً في مقابل الأنصار في السقيفة ، وقامت خلافة أبي بكر
وعمر على حق ( قرابتهما ) من النبي صلىاللهعليهوآله ! بل تجرأ رواة القرشيين ووضعوا على لسان النبي صلىاللهعليهوآله أن عشيرته الأقربين هم كل قريش !
ـ قال في الدر المنثور ج ٥ ص ٩٦
وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قريشاً فقال : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، يعني قومي !
ـ وفي مسند أحمد ج ٢ ص ٣٣٣
عن أبي هريرة قال : لما نزلت : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، جعل يدعو بطون قريش بطناً بطناً يا بني فلان أنقذوا أنفسكم من النار . . ، حتى انتهى إلى فاطمة فقال : يا فاطمة ابنة محمد ، أنقذي نفسك من النار ، لا أملك لكم من الله شيئاً ، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها .
ولكن روايات أخرى فلتت منهم واعترفت بأن عشيرته الأقربين تعني بني هاشم فقط !
ـ قال في الدر المنثور ج ٥ ص ٩٨ : قوله تعالى : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ . . الآيتين ، أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال لما نزلت : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، بدأ بأهل بيته وفصيلته ، فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ . انتهى .
فالرواية تعترف بأن عشيرته الأقربين هم أهل بيته وفصيلته ، لكنها تجعل الآية التي بعدها لبقية المسلمين ! ولكن من هم المسلمون الذين شق عليهم ذلك ! وهل كان يوجد مسلم من غير بني هاشم عند نزول الآية ؟ !
لقد كان الأولى بالرواية أن تقول : شقَّ ذلك على قريش قبل إسلامها ، وبعد أن اضطرت للدخول في الإسلام ، فجعلت خلافة النبي صلىاللهعليهوآله إرثاً لها دون بني هاشم !
روايات أخرى غير منطقية أيضاً
من عادة المفسرين
عندما يصلون إلى آية في حق أهل البيت عليهمالسلام أن يحشدوا