مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٩٢
ـ وقال في الدر المنثور
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضياللهعنه أنه سئل عن قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ؟ قال : هي الشفاعة . انتهى . وروى الأول منهما في كنز العمال ج ١٤ ص ٦٣٦ عن مسند علي ، ورواه الواحدي النيسابوري في تفسيره ج ٤ ص ٥١٠ والكاندهلوي في حياة الصحابة ج ٣ ص ٤٦ والشوكاني في فتح القدير ج ٥ ص ٥٦٨
ـ مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٠ ، قال حسان :
لئن كلم الله موسى على |
|
شريف من الطور يوم الندا |
فإن النبي أبا قاسم |
|
حبي بالرسالة فوق السما |
وقد صار بالقرب من ربه |
|
على قاب قوسين لما دنا |
وإن فجَّر الماء موسى لهم |
|
عيوناً من الصخر ضرب العصا |
فمن كفِّ أحمد قد فجرت |
|
عيونٌ من الماء يوم الظما |
وإن كان هارون من بعده |
|
حبي بالوزارة يوم الملا |
فإن الوزارة قد نالها |
|
علي بلا شك يوم الفدا |
وقال كعب بن مالك الأنصاري :
فإن يك موسى كلم الله جهرةً |
|
على جبل الطور المنيف المعظم |
فقد كلم الله النبي محمداً |
|
على الموضع الأعلى الرفيع المسوم |
داود عليهالسلام كان له سلسلة الحكومة ليميز الحق من الباطل ، ولمحمد القرآن : مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ، وليست السلسلة كالكتاب ، والسلسلة قد فنيت والقرآن بقي إلى آخر الدهر . وكان له النغمة ، ولمحمد الحلاوة : وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ . . . . . قال حسان :
وإن كان داود قد أوبت |
|
جبال لديه وطير الهوا |
ففي كف أحمد قد سبحت |
|
بتقديس ربي صغار الحصى |
. . . وسليمان كان يصفدهم لعصيانهم ، ونبينا أتوه طائعين راغبين . وسأل سليمان ملك دنيا : رب هب لي ملكاً . . . وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمد فردها ، فشتان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل ، فأعطاه الله الكوثر والشفاعة والمقام المحمود : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ .
وقال لسليمان : أمنن أو امسك بغير حساب ، وقال لنبينا : مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا . قال حسان بن ثابت :
وإن كانت الجن قد ساسها |
|
سليمان والريح تجري رخا |
فشهر غدوٌّ به رابياً |
|
وشهر رواحٌ به إن يشا |
فإن النبي سرى ليلةً |
|
من المسجدين إلى المرتقى |
وقال كعب بن مالك :
وإن تك نمل البر بالوهم كلمت |
|
سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمى |
فهذا نبي الله أحمدُ سبحت |
|
صغار الحصى في كفه بالترنم |
ورواه في بحار الأنوار ج ١٦ ص ٤١٥
ـ مناقب آل ابي طالب ج ٣ ص ١٠٣
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يهتم لعشرة أشياء فآمنه الله منها وبشره بها :
لفراقه وطنه فأنزل الله : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ .
ولتبديل القرآن بعده كما فعل بسائر الكتب ، فنزل : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .
ولأمته من العذاب ، فنزل : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ .
ولظهور الدين ، فنزل : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ .
وللمؤمنين بعده ، فنزل : يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ .
ولخصمائهم ، فنزل : يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا .
وللشفاعة ، فنزل : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ .
وللفتنة بعده على وصيه ، فنزل : فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ يعني بعلي .
ولثبات الخلافة في أولاده ، فنزل : لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ .
ولابنته حال الهجرة ، فنزل : الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا . . . الآيات . انتهى .
ـ وقال الفخر الرازي في تفسيره ج ١٦ جزء ٣١ ص ٢١٣
قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، فالمروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أن هذا هو الشفاعة في الأمة . . . واعلم أن الحمل على الشفاعة متعين ويدل عليه وجوه ( أحدها ) أنه تعالى أمره ( ص ) في الدنيا بالإستغفار . . . عن جعفر الصادق أنه قال : رضا جدي أن لا يدخل النار موحد ، وعن الباقر : أهل العراق يقولون : أرجى آية قوله ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) . . . الخ .
تفسيرها بشفاعة النبي صلىاللهعليهوآله لأهل بيته خاصة
ـ تفسير فرات الكوفي ص ٥٧٠
قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري قال : حدثنا عباد ، عن نصر ، عن محمد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضياللهعنه في قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : يدخل الله ذريته الجنة .
ـ تأويل الآيات ج ٢ ص ٨١٠
وروى أيضاً عن محمد بن أحمد بن الحكم ، عن محمد بن يونس ، عن حماد بن عيسى ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه صلى الله عليهما ، عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله على فاطمة عليهاالسلام وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من جلَّة الإبل فلما نظر إليها بكى وقال لها : يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً ، فأنزل الله عليه : وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ .
وروى أيضاً عن أحمد
بن محمد النوفلي ، عن أحمد بن محمد الكاتب ، عن
عيسى بن مهران بإسناده إلى زيد بن علي عليهالسلام في قول الله عز وجل : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : إن رضى رسول الله صلىاللهعليهوآله إدخال الله أهل بيته وشيعتهم الجنة ، وكيف لا وإنما خلقت الجنة لهم والنار لأعدائهم . فعلى أعدائهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
ـ مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٢٠
تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد عليهالسلام وتفسير القشيري عن جابر الأنصاري أنه رأى النبي صلىاللهعليهوآله فاطمة وعليها كساء من جلة الإبل . . . الخ .
ورواه في تفسير نور الثقلين ج٥ ص ٥٩٤ عن المناقب لابن شهرآشوب عن تفسير الثعلبي ، وفي بحار الأنوار ج ٣٩ ص٨٥ عن تفسير الثعلبي وعن تفسير القشيري عن جابر الأنصاري .
ـ ورواه في الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١ قال : وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن هلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى . . . الخ .
ـ مناقب أمير المؤمنين ج ١ ص ١٥٣
محمد بن سليمان قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : وحدثني محمد بن الصباح الدولابي قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي في قوله تعالى : وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ، قال : المودة في آل الرسول . وفي قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : يدخل أهل بيته الجنة .
أخبرنا أحمد بن محمد
بن عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم قال : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، حدثنا محمد بن الصباح الدولابي ، حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي في قوله عز وجل : وَمَن
يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ، قال : المودة في آل الرسول صلىاللهعليهوآله . وفي قوله : وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، فقال : رضى محمد صلىاللهعليهوآله أن
يدخل أهل بيته الجنة . انتهى .
وقال في هامشه : أقول : وقريباً منه رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية ٢٣ من سورة الشورى والآية ٥ من سورة الضحى في كتاب شواهد التنزيل ج ٢ ص ١٤٧ و ٣٤٤ .
ـ مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ١٥
تفسير وكيع ، قال ابن عباس في قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، يعني ولسوف يشفعك يا محمد يوم القيامة في جميع أهل بيتك فتدخلهم كلهم الجنة ترضى بذلك عن ربك . انتهى . ورواه في بحار الأنوار ج ٨ ص ٤٣
ـ بحار الأنوار ج ٢٤ ص ٤٨
وروى عن ابن المغازلي أيضاً بإسناده عن السدي مثله ، وزاد في آخره : وقال في قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : رضى محمد صلىاللهعليهوآله أن يدخل أهل بيته الجنة .
ـ الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضياللهعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ .
تفسيرها بشفاة النبي صلىاللهعليهوآله لجميع أمته !
ـ شعب الإيمان للبيهقي ج ٢ ص ١٦٤
عن ابن عباس من قوله عز وجل : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة .
ـ الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : رضاه أن تدخل أمته الجنة كلهم .
وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : لا يرضى محمد وأحد من أمته في النار .
وأخرج مسلم عن ابن عمرو رضياللهعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله في إبراهيم : فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ، وقول عيسى : إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ . . الآية ، فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله : يا جبريل إذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ، ولا نسوؤك .
ـ تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٥٩٤
في مجمع البيان عن الصادق عليهالسلام قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله على فاطمة عليهاالسلام وعليها كساء من جلة الإبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله صلىاللهعليهوآله لما أبصرها فقال : يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ .
وقال الصادق عليهالسلام : رضا جدي أن لا يبقى في النار موحد .
وروى حريث بن شريح ، عن محمد بن علي بن الحنفية أنه قال : يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عز وجل : يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ . . الآية ، وإنا أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب الله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، وهي والله الشفاعة ليعطاها في أهل لا إلۤه إلا الله حتى يقول : رب رضيت .
ـ مجمع البحرين ج ١ ص ١١٥
وفي حديث النبي صلىاللهعليهوآله : كساه الله من حلل الأمان . قال بعض الشارحين : المراد
أمان أمته من النار ، فإن الله تعالى قال له : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، وهو صلىاللهعليهوآله لا يرضى بدخول أحد من أمته إلى النار ، كما ورد في الحديث .
ـ مجمع البحرين ج ٢ ص ١٨٦
قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال المفسرون : اللام في ( وَلَسَوْفَ ) لام الإبتداء المؤكدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف ، والتقدير : ولأنت سوف يعطيك ، وليست بلام قسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع نون التأكيد . وفي الرواية : إن أرجى آية في كتاب الله هذه الآية ، لأنه لا يرضى بدخول أحد من أمته النار .
ـ بحار الأنوار ج ٧٩ ص ٩١
( المكسو حلل الأمان ) قال الشيخ البهائي رحمهالله : المراد أمان أمته من النار ، فإن الله تعالى له : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، وهو صلىاللهعليهوآله لا يرضى بدخول أحد من أمته في النار ، كما ورد في الحديث ، وحلل الامان استعارة .
* *
ملاحظتان
الأولى : قد يشكل على بعض هذه الأحاديث بأن سورة الضحى مكية فكيف نزلت في المدينة بعد ما قاله النبي للزهراء صلى الله عليه وعليها ؟ أو بعد أن سب بعض القرشيين بني هاشم وقال ( إنما مثل محمد فيهم كمثل شجرة في كبا ) كما ذكرت بعض الروايات ؟
والجواب : أنه لا مانع من القول بنزول بعض الآيات مرتين أو مرات ، كما
قرر ذلك علماء التفسير في أسباب النزول ، فيكون النزول الثاني مؤكداً ، أو مبيناً لمصاديق الآية ، أو تأويلاً لها . . ومن الواضح أن هذه الآية من النوع الذي يصح نزوله في
أكثر من مناسبة لتطمين النبي صلىاللهعليهوآله وتذكيره بنعم الله تعالى الآتية ،
ليتحمل أحقاد
المشركين ومؤامراتهم ، ومتاعب الأمة وأذاياها ، ومصاعب الدنيا ومراراتها .
ويؤيد نزولها مرة ثانية ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١ : وأخرج ابن مردويه عن عكرمة رضياللهعنه قال : لما نزلت وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ، قال العباس بن عبد المطلب : لا يدع الله نبيه فيكم إلا قليلاً لما هو خير له . انتهى .
ويؤيده أيضاً ما رواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٢٢ ص ٥٣٣ : عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لما حضرت النبي الوفاة استأذن عليه رجل فخرج إليه علي عليهالسلام فقال : حاجتك ؟ قال : أردت الدخول إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال علي عليهالسلام : لست تصل إليه فما حاجتك ؟ فقال الرجل : إنه لا بد من الدخول عليه ، فدخل علي فاستأذن النبي عليهماالسلام فأذن له فدخل وجلس عند رأس رسول الله ثم قال : يا نبي الله إني رسول الله إليك ، قال : وأي رسل الله أنت قال : أنا ملك الموت ، أرسلني إليك يخيَّرك بين لقائه والرجوع إلى الدنيا ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : فأمهلني حتى ينزل جبرئيل فأستشيره ، ونزل جبرئيل عليهالسلام فقال : يا رسول الله الآخرة خير لك من الأولى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، لقاء الله خير لك ، فقال صلىاللهعليهوآله : لقاء ربي خير لي ، فامض لما أمرت به ، فقال جبرئيل لملك الموت : لا تعجل حتى أعرج إلى ربي وأهبط . . . الخ . انتهى .
على أنا نلاحظ في بعض رواياتها أن النبي صلىاللهعليهوآله قال لفاطمة عليهاالسلام ( يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) وهو يدل على أن النبي ذكَّر فاطمة بنزول الآية ، لا أنها نزلت في ذلك الوقت .
الثانية : نلاحظ في تفسير هذه الآية ملامح الإتجاه إلى توسيع الشفاعة
لكل المسلمين ، مؤمنهم ومنافقهم ظالمهم ومظلومهم محسنهم ومسيئهم ! وأنها وأمثالها لم تستثن الظالمين والجبارين والطغاة ومحرفي الدين والمفسدين في أمور البلاد والعباد ! ولا اشترطت شروطاً لنيل الشفاعة والنجاة فقالت مثلاً : من مات على الشهادتين وكان من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، ولم يكن في رقبته ظلم للعباد . . ولو أنها اشتملت على ذلك لكان لعمومها وجه يمكن الدفاع عنه . . ولكنها
وأمثالها من الروايات تريد أن تقول إن المسلمين كلهم يدخلون الجنة مهما ارتكبوا من معاص ومظالم ، ومهما انحرفوا عن في سلوكهم الخاص والعام عن الإسلام وخالفوا الله تعالى ورسوله ! بل مهما حرَّفوا الإسلام وأعملوا معاولهم في هدم أصوله وتغيير فروعه . . ! فما داموا مسلمين بالإسم منتمين إلى أمة النبي فإن النبي صلىاللهعليهوآله لا يرضى يوم القيامة حتى يدخلهم الجنة إلى آخر نفر ! !
وهذه نفس مقولة اليهود ( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) ولا يمكن التوفيق بينها وبين آيات القرآن والأحاديث التي اتفق الجميع على صدورها عن النبي صلىاللهعليهوآله . . مثل إخباره بأن بعض أصحابه يمنعون من ورود الحوض ، ويؤمر بهم إلى النار . . كما سيأتي في محاولات توسيع الشفاعة ، إن شاء الله تعالى ، وستعرفت أن عدداً من الآيات والأحاديث الثابتة عند الجميع تنص على أن شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله لا يمكن أن تشمل أنواعاً من المجرمين والظالمين ، حتى لو كانوا من أمة رسول الله صلىاللهعليهوآله وصحابته ، وحتى لو كان عندهم بعض الأعمال الحسنة ، لأن إجراء قوانين الجزاء والعقاب من مقتضيات العدل الإلۤهي .
ولذلك فإن مقولة ( أن النبي لا يرضى ما دام أحد من أمته محكوماً عليه بدخول النار ) مقولةٌ باطلة لا تصح نسبتها إلى النبي وآله صلى الله عليه وعليهم ، لأن الآيات والأحاديث القطعية تعارضها ، ويعارضها حكم العقل أيضاً ، لأنها تساوي بين المحسنين والفجار ، بل تبطل القانون الإلۤهي في العقاب !
وبسبب ذلك نستظهر أن أصل الحديث شفاعته صلىاللهعليهوآله لأهل بيته فجعلوه لأمته ، كما حرفوا غيره من الأحاديث والمناقب الخاصة ببني هاشم أو بالعترة وجعلوه لكل قريش أو لكل الأمة ، ومن ذلك حديث ( الأئمة من بعدي اثنا عشر من أهل بيتي ) فجعلوه من قريش ! ولا يتسع المجال للتفصيل .
نعم يمكن القول بشمول
شفاعته صلىاللهعليهوآله لكل أمته إذا حددنا مفهوم أمته صلىاللهعليهوآله بمن
يقبلهم ويرتضيهم بسبب صحة عقيدتهم وصحة خطهم العام ، فتشمل شفاعته خيار الموحدين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، فهؤلاء قد يصح القول فيهم إن النبي صلىاللهعليهوآله لا يرضى أن يدخلوا النار .
وقد ورد معنى قريب مما ذكرنا في دعاء في بحار الأنوار ج ٩٤ ص ١١٩ يقول : اللهم إنك قلت لنبيك صلىاللهعليهوآله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ . اللهم إن نبيك ورسولك وحبيبك وخيرتك من خلقك لا يرضى بأن تعذب أحداً من أمته دانك بموالاته وموالاة الأئمة من أهل بيته وإن كان مذنباً خاطئاً في نار جهنم ، فأجرني يا رب من جهنم وعذابها ، وهبني لمحمد وآل محمد ، يا أرحم الراحمين . انتهى .
* *
الفصل السادس حدود الشفاعـة
من الطبيعي للباحث في مسائل الآخرة والحساب والشفاعة والجنة والنار ، أن يتذكر دائماً أن مصدر معلوماته عن ذلك العالم وكل عوالم الغيب إنما هو النصوص الشريفة من القرآن والسنة ، وأن بحثه في مسائله يعني الإهتداء بالعقل والفكر في إطار هذه النصوص لا خارجها . . ولذلك يحتاج في كثير من التفاصيل وأحياناً في أمرٍ أساسي ، إلى التوقف عند القدر المتيقن من النصوص ، حتى لا يقول في دين الله تعالى بغير علم .
ومن الملاحظ في آيات الجنة والنار والشفاعة أن أحاديثها التي تصنف الناس بأنهم من أهل النار أو من أهل الجنة ، لا تستوعب كل أصناف الناس ، بل تبقى أصناف كثيرة خارجة عن القدر المتيقن من الطرفين . . وكذلك الأمر في الشفاعة حيث نجد في القرآن الكريم شروطاً للشفعاء وللمشفوع لهم ، ونجد في السنة تفصيلات لها وذكراً لأصناف من الناس تشملهم الشفاعة ، أو لا تشملهم . . وتبقى أصناف أخرى من الناس لا تذكرها النصوص ولا تشملها .
والحل في مثل هذه الحالة التوقف وعدم التورط في تصنيف عباد الله في الجنة أو النار ، أو داخل الشفاعة أو خارجها ، بالظنون والإحتمالات ، كما يفعل البعض !
المذاهب في حدود الشفاعة ( من ارتضى )
هذا البحث من أهم بحوث الشفاعة من ناحية نظرية ، كما أنه بحث حساس من ناحية تطبيقية ، لأنه يصنِّف المسلمين إلى مرضيين عند الله ورسوله وغير مرضيين . . ولذلك اختلفت فيه آراء المذاهب والفئات ، وكثر في تاريخ المسلمين وكتبهم البحث في الذين تشملهم شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله والذين لا تشملهم . .
وأهم الأقوال أو المذاهب في المسألة أربعة :
القول الأول : قول أهل البيت عليهمالسلام الذي يشترط للشفاعة : الإسلام ، وعدم الشرك ، وعدم الظلم ، وإطاعة النبي صلىاللهعليهوآله في مودة أهل بيته عليهمالسلام .
القول الثاني : القول بتوسيع الشفاعة ، وهو قول أكثر المذاهب السنية التي توسعها إلى جميع المسلمين ، بل إلى غيرهم من اليهود والنصارى . . وستعرف أن فيه عدة آراء بل مذاهب .
القول الثالث : إنكار شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله أصلاً ، وهو قول قدماء الخوارج ، وقد رد عليهم أهل البيت عليهمالسلام وبقية المذاهب . وقد ولد هذا الرأي ردةَ فعلٍ على مذهب توسعة الشفاعة الذي تبنته الدولة وأفرطت فيه .
القول الرابع : قول المعتزلة بأن الشفاعة لا تشمل المسلم الذي يرتكب المعاصي الكبائر لأنه يستحق النار ، بل تختص بالمسلم الذي يرتكب المحرمات الصغائر المعفو عنها ، وفائدتها رفع درجته في الجنة .
وسوف نستعرض هذه المذاهب في الفقرات التالية إن شاء الله تعالى .
* *
حدود الشفاعة عند أهل البيت عليهمالسلام
ما دل على استثناء المشرك والظالم من الشفاعة
ـ التوحيد للصدوق ص ٤٠٧
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضياللهعنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير قال : سمعت موسى بن جعفر عليهماالسلام يقول : لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود ، وأهل الضلال والشرك . ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر ، قال الله تبارك وتعالى : إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا .
قال فقلت له : يا بن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المذنبين ؟
قال : حدثني أبي عن آبائه عن علي عليهمالسلام قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل .
قال ابن أبي عمير فقلت له : يا بن رسول الله فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالى ذكره يقول : وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ؟ ومن يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى !
فقال : يا أبا أحمد ما من مؤمن يرتكب ذنباً إلا ساءه ذلك وندم عليه ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوآله : كفى بالندم توبة .
وقال صلىاللهعليهوآله : من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة ، وكان ظالماً والله تعالى ذكره يقول : مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ .
فقلت له : يا ابن
رسول الله وكيف لا يكون مؤمناً من لم يندم على ذنب يرتكبه ؟ فقال : يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنه سيعاقب عليها إلا ندم على ما ارتكب ، ومتى ندم كان تائباً مستحقاً للشفاعة ، ومتى لم يندم
عليها كان مصراً ، والمصر لا يغفر له ، لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤمناً بالعقوبة لندم . وقد قال النبي صلىاللهعليهوآله : لا كبيرة مع الإستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار . وأما قول الله عز وجل : وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ، فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه ، والدين الإقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات ، فمن ارتضى الله دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب ، لمعرفته بعاقبته في القيامة . انتهى . ورواه في وسائل الشيعة ج ١١ ص ٢٦٦ ، وفي تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٥١٧
ـ الإعتقادات للصدوق ص ٤٤
إعتقادنا في الشفاعة : أنها لمن ارتضى دينه من أهل الكبائر والصغائر ، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة .
قال النبي صلىاللهعليهوآله : من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي .
وقال صلىاللهعليهوآله : لا شفيع أنجح من التوبة .
والشفاعة للأنبياء والأوصياء عليهمالسلام ، وفي المؤمنين من يشفع مثل ربيعة ومضر ، وأقل المؤمنين من يشفع ثلاثين ألفاً .
والشفاعة لا تكون لأهل الشك والشرك ، ولا لأهل الكفر والجحود ، بل تكون للمذنبين من أهل التوحيد .
ـ من لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٥٧٤
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .
وقال الصادق عليهالسلام : شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا ، وأما التائبون فإن الله عز وجل يقول : ما على المحسنين من سبيل . ورواهما في وسائل الشيعة ج ١١ ص ٢٦٤
ـ روضة الواعظين ص ٥٠١
قيل للرضاعليهالسلام : يا بن رسول الله فما معنى قول الله تعالى : وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ؟ قال : لا يشفعون إلا لمن ارتضى دينه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ما خلا الشرك والظلم .
ـ الإختصاص للمفيد ص ٣٣
باب فيه مسائل اليهودي التي ألقاها على النبي صلىاللهعليهوآله
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم قال : حدثنا الحسين بن مهران قال : حدثني الحسين بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : جاء رجل من اليهود إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا محمد أنت الذي تزعم أنك رسول الله وأنه يوحى إليك كما أوحي إلى موسى بن عمران ؟ قال : نعم ، أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، أنا خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين .
فقال : يا محمد إلى العرب أرسلت أم إلى العجم أم إلينا ؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إني رسول الله إلى الناس كافة .
فقال : إني أسألك عن عشر كلمات أعطاها موسى في البقعة المباركة حيث ناجاه لا يعلمها إلا نبيٌّ مرسل أو ملكٌ مقرب .
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : سل عما بدا لك .
فقال : يا محمد أخبرني عن الكلمات التي اختارها الله لإبراهيم عليهالسلام حين بنى هذا البيت ؟
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : نعم : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إلۤه إلا الله ، والله أكبر .
فقال : يا محمد لأي شيء بنى إبراهيم عليهالسلام الكعبة مربعاً ؟
قال : لأن الكلمات أربعة .
قال : فلاي شيء سميت الكعبة كعبة ؟
قال : لأنها وسط الدنيا .
قال : فأخبرني عن تفسير سبحان الله والحمد لله ولا إلۤه إلا الله والله أكبر ؟
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : علم الله أن ابن آدم والجن يكذبون على الله تعالى فقال : سبحان الله ، يعني بريء مما يقولون .
وأما قوله : الحمد لله ، علم الله أن العباد لا يؤدون شكر نعمته ، فحمد نفسه عز وجل قبل أن يحمده الخلائق ، وهي أول الكلام ، لولا ذلك لما أنعم الله على أحد بنعمة .
وأما قوله : لا إلۤه إلا الله ، وهي وحدانيته لا يقبل الله الأعمال إلا به ، ولا يدخل الجنة أحد إلا به ، وهي كلمة التقوى سميت التقوى لما تثقل بالميزان يوم القيامة .
وأما قوله : الله أكبر ، فهي كلمة ليس أعلاها كلام وأحبها إلى الله ، يعني ليس أكبر منه ، لأنه يستفتح الصلوات به لكرامته على الله ، وهو اسم من أسماء الله الأكبر .
فقال : صدقت يا محمد ما جزاء قائلها ؟
قال : إذا قال العبد : سبحان الله سبح كل شيء معه ما دون العرش ، فيعطى قائلها عشر أمثالها . وإذا قال : الحمد لله أنعم الله عليه بنعيم الدنيا حتى يلقاه بنعيم الآخرة ، وهي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها ، والكلام ينقطع في الدنيا ما خلا الحمد ، وذلك قولهم : تحيتهم فيها سلام ، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .
وأما ثواب : لا إلۤه إلا الله فالجنة ، وذلك قوله : هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ .
وأما قوله : الله أكبر ، فهي أكبر درجات في الجنة وأعلاها منزلة عند الله .
فقال اليهودي : صدقت يا محمد ، أديت واحدة ، تأذن لي أن أسألك الثانية ؟
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : سلني ما شئت ـ وجبرئيل عن يمين النبي صلىاللهعليهوآله وميكائيل عن يساره يلقنانه ـ فقال اليهودي : لأي شيء سميت محمداً وأحمد وأبا القاسم وبشيراً ونذيراً وداعيا ؟
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : أما محمد فإني محمود في السماء ، وأما أحمد فإني محمود في الأرض ، وأما أبو القاسم فإن الله تبارك وتعالى يقسم يوم القيامة قسمة النار بمن كفر بي أو يكذبني من الأولين والآخرين ، وأما الداعي فإني أدعو الناس إلى دين ربي إلى الإسلام ، وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني ، وأما البشير فإني أبشر بالجنة من أطاعني .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الثالثة لأي شيء وقت الله هذه الصلوات الخمس في خمس مواقيت على أمتك ، في ساعات الليل والنهار . . . . .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن العاشرة : تسعة خصال أعطاك الله من بين النبيين ، وأعطى أمتك من بين الأمم ؟
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : فاتحة الكتاب ، والأذان ، والإقامة ، والجماعة في مساجد المسلمين ، ويوم الجمعة ، واالإجهار في ثلاث صلوات ، والرخصة لأمتي عند الأمراض والسفر ، والصلاة على الجنائز ، والشفاعة في أصحاب الكبائر من أمتي . . . وأما شفاعتي في أصحاب الكبائر من أمتي ما خلا الشرك والمظالم .
قال : صدقت يا محمد ، أشهد أن لا إلۤه إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنك خاتم النبيين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين .
ثم أخرج ورقاً أبيض من كمه مكتوب عليه جميع ما قال النبي صلىاللهعليهوآله حقاً ، فقال . . . يا محمد فقد كنت أمحي إسمك في التوراة أربعين سنة ، فكلما محوت وجدت إسمك مكتوباً فيها ! وقد قرأت في التوراة هذه المسائل لا يخرجها غيرك ، وإن ساعة ترد جواب هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك وميكائيل عن يسارك .
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري !
ـ الخصال للصدوق ص ٣٥٥
حدثنا محمد بن علي
ماجيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي ، عن عبد الله بن جبلة ،
عن الحسن بن عبد الله ، عن آبائه ، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام في حديث طويل قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فسأله أعلمهم عن أشياء فكان فيما سأله : أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين وأعطى أمتك من بين الأمم . . . . الخ . وهو
شبيه بما تقدم عن الإختصاص ، ولعل السبع تصحيف
للتسع ورواه في تفسير نور الثقلين ج ١ ص ٧٧ وبعضه في مستدرك الوسائل ج ١١ ص ٣٦٤
ـ بشارة المصطفى ص ٢٠
قال الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام : أغفل الناس قول رسول الله صلىاللهعليهوآله في علي بن أبي طالب يوم مشربة أم إبراهيم ، كما أغفلوا قوله فيه يوم غدير خم ! إن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان في مشربة أم إبراهيم وعنده أصحابه إذ جاءه علي عليهالسلام فلم يفرجوا له ، فلما رآهم لم يفرجوا له قال لهم : يا معاشر الناس هذا علي من أهل بيتي ، وتستَخِفُّونَ بهم وأنا حيٌّ بين ظهرانيكم ! أما والله لئن غبت عنكم فإن الله لا يغيب عنكم ، إن الرَّوْحَ والراحة والبشر والبشارة لمن ائتم بعلي وتولاه ، وسلم له وللأوصياء من ولده . إن حقاً عليَّ أن أدخلهم في شفاعتي لأنهم أتباعي فمن تبعني فإنه مني ، سنة جرت فيَّ من إبراهيم لأني من إبراهيم وإبراهيم مني ، وفضلي فضله وفضله فضلي ، وأنا أفضل منه ، تصديق قول ربي : ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
ـ التبيان في تفسير القرآن ج ١٠ ص ١٨٧
فقال الله تعالى لهم : فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ، الذين يشفعون لهم ، لأن عذاب الكفر لا يسقطه الله بالشفاعة بالإجماع .
أصناف من الناس موعودون بالشفاعة
وردت في مصادر الفريقين أحاديث متعددة وَعَدت أصنافاً من الناس بالشفاعة جزاء لأعمالهم ، أو جعلتهم من أهل الشفاعة لغيرهم ، أو حذرتهم من الحرمان منها عقاباً على أعمالهم ، ونذكر منها نماذج من مصادرنا ، ومن مصادر السنيين في محلها :
١ ـ من قضى لأخيه المؤمن حاجة
ـ وسائل الشيعة ج ١١ ص ٥٨٨
في ثواب الأعمال ، عن
أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ،
عن سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن شرحبيل بن سعد الأنصاري ، عن أشيد بن حضيرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من أغاث أخاه المسلم حتى يخرجه من هم وكربة وورطة ، كتب الله له عشر حسنات ورفع له عشر درجات ، وأعطاه ثواب عتق عشر نسمات ، ودفع عنه عشر نقمات ، وأعد له يوم القيامة عشر شفاعات .
ـ مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٤٠٥
عوالي اللآلي : عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : من قضى حاجة لأخيه كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح وإلا شفعت له .
ـ مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٤٠٧
وعن إبراهيم التيمي قال : كنت في الطواف إذ أخذ أبو عبد الله عليهالسلام بعضدي فسلم عليَّ ثم قال : ألا أخبرك بفضل الطواف حول هذا البيت ؟ قلت : بلى قال : أيما مسلم طاف حول هذا البيت أسبوعاً ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين كتب الله له ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيئة ، ورفع له ألف درجة ، وأثبت له ألف شفاعة ، ثم قال : ألا أخبرك بأفضل من ذلك ؟ قلت : بلى قال : قضاء حاجة امرىء مسلم أفضل من طواف أسبوع وأسبوع ، حتى بلغ عشرة .
ـ مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٤٠٩
وعن أبي عبد الله عليهالسلام : من مشى في حاجة أخيه كتب الله له بها عشر حسنات ، وأعطاه الله عشر شفاعات .
٢ ـ من سعى في حوائج ذرية النبي صلىاللهعليهوآله
ـ الكافي ج ٤ ص ٦٠
وعنه ، عن أبيه ، عن
بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا : رجل نصر
ذريتي ، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق ، ورجل أحب ذريتي باللسان وبالقلب ، ورجل يسعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا . ورواه في من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٦٥ وفي تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١١١ وفي تأويل الآيات ج ٢ ص ١٠٩ وفي وسائل الشيعة ج ١١ ص ٥٥٦ وفي مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٣٨٢
٣ ـ من زار قبر النبي صلىاللهعليهوآله
ـ الكافي ج ٤ ص ٥٤٨
علي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبي حجر الأسلمي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من أتى مكة حاجاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب ، ومن مات مهاجراً إلى الله عز وجل ، حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر .
٤ ـ من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالى
ـ الكافي ج ٢ ص ١٧٨
محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفي ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إن المؤمن ليخرج إلى أخيه يزوره فيوكل الله عز وجل به ملكاً فيضع جناحاً في الأرض وجناحاً في السماء يظلّه ، فإذا دخل إلى منزله نادى الجبار تبارك وتعالى : أيها العبد المعظم لحقي المتبع لآثار نبيي ، حقَّ علي إعظامك ، سلني أعطك ، أدعني أجبك ، أسكت أبتدئك ، فإذا انصرف شيعه الملك يظله بجناحه حتى يدخل إلى منزله ، ثم يناديه تبارك وتعالى : أيها العبد المعظم لحقي حق علي إكرامك ، قد أوجبت لك جنتي ، وشفعتك في عبادي .