مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٩٢
بالسواد ، وأخرى تقول بالكتم والوسم الأصفر . . . !
واختلفت رواياتهم في أن النبي صلىاللهعليهوآله هل صبع شيبه أم لا ، فروايةٌ تقول إنه صبغه بالحناء ، ولكنهم رجحوا أخرى تقول لم يدركه الشيب إلا شعرات قليلة ولم يصبغها ،
ـ قال مسلم في صحيحه ج ٧ ص ٨٤ و ٨٥ : قال سئل أنس بن مالك عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه فعلت وقال : لم يختضب وقد اختضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا . انتهى .
ـ وقد روى الجميع خضاب أبي بكر وعمر بالحناء والكتم كما في مسند أحمد ج ٣ ص ١٠٠ وج ٣ ص ١٠٨ وص ١٦٠ وص ١٧٨
ولكن تحير أصحاب الصحاح كان على مستوى الرواية فقط ، أما الرأي السائد المتبع عندهم فهو النهي المشدد عن الخضاب بالسواد ، لأنه رأي الدولة من زمن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية . . إلى آخر الخلافة الأموية !
ولذا جعل النسائي عنوان المسألة : النهي عن الخضاب بالسواد وقال في ج ٨ ص ٣٨
عن ابن عباس رفعه أنه قال : قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة .
عن أبي الزبير عن جابر قال أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد . . . ثم قال النسائي : والناس في ذلك مختلفون ، والله تعالى أعلم ، لعل المراد الخالص ، وفيه أن الخضاب بالسواد حرامٌ أو مكروهٌ ، وللعلماء فيه كلام ، وقد مال بعض إلى جوازه للغزاة ، ليكون أهيب في عين العدو ، والله تعالى أعلم .
أما الفقهاء فقد قننوا المسألة وأعطوها صيغتها الشرعية ، وأجمعوا على ذم الخضاب بالسواد ، ذمَّ تحريمٍ ، وربما وجد فيهم نادرٌ يقول بأنه ذم تنزيه !
ـ قال النووي في المجموع ج ١ ص ٢٩٤
( فرع ) اتفقوا على ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد ، ثم قال الغزالي في الإحياء والبغوي في التهذيب وآخرون من الأصحاب هو مكروه ، وظاهر عباراتهم أنه كراهة تنزيه ، والصحيح بل الصواب أنه حرام . وممن صرح بتحريمه صاحب الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة ، قال إلا أن يكون في الجهاد ، وقال في آخر كتابه الأحكام السلطانية : يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد .
ودليل تحريمه حديث جابر رضياللهعنه قال : أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا واجتنبوا السواد . رواه مسلم في صحيحه ، والثغامة بفتح الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة نبات له ثمر أبيض . وعن ابن عباس رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة . رواه أبو داود والنسائي وغيرهما ، ولا فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة ، هذا مذهبنا . انتهى .
ـ وقال ابن قدامة في المغني ج ١ ص ٧٦
وعن الحكم بن عمر الغفاري قال : دخلت أنا وأخي رافع على أمير المؤمنين عمر وأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة ، فقال عمر بن الخطاب : هذا خضاب الإسلام ، وقال لأخي رافع : هذا خضاب الإيمان . ويكره ( وكره ) الخضاب بالسواد . قيل لأبي عبد الله تكره الخضاب بالسواد قال إي والله . . . ! انتهى .
ـ وروى الحاكم قصة أخرى مشابهة وجعل رأي الخليفة عمر حديثاً مسنداً قال في المستدرك ج ٣ ص ٥٢٦ قال :
دخل عبد الله بن عمر
على عبد الله بن عمرو وقد سوَّدَ لحيته ، فقال عبد الله بن عمر : السلام عليك أيها الشويب ! فقال له ابن عمرو : أما تعرفني يا أبا عبد الرحمن
؟
قال بلى أعرفك شيخاً فأنت اليوم شاب ! إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : الصفرة خضاب المؤمن ، والحمرة خضاب المسلم ، والسواد خضاب الكافر . انتهى .
وقال عنه في مجمع الزوائد ج ٥ ص ١٦٣ : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه . انتهى .
ـ وقد سئل الشيخ ابن باز في كما في فتاويه ج ٤ ص ٥٨ طبعة مكتبة المعارف بالرياض :
ـ ما مدى صحة الأحاديث التي وردت في صبغ اللحية بالسواد ، فقد انتشر صبغ اللحية بالسواد عند كثير ممن ينتسبون الى العلم ؟
فقال في جوابه : في هذا الباب أحاديث صحيحة كثيرة ، وذكر حديث حواصل الحمام ، وقال بعده : وهذا وعيدٌ شديد ، وفي ذلك أحاديث أخرى ، كلها تدل على تحريم الخضاب بالسواد ، وعلى شرعية الخضاب بغيره . انتهى .
* *
والمتتبع لنصوص المسألة يصل إلى قناعة بأن مرسوم الحرمان من الجنة مرسومٌ قرشي . . وسببه أن العرب ومنهم قريش كانوا يصبغون شيبهم بالحناء الذي يأتيهم من الهند ، وبعضهم يصبغونه بالورس والزعفران الذي يأتيهم من اليمن وإيران ( لاحظ مغني ابن قدامة ج ١ ص ٧٦ )
وأول من خضب بالسواد من العرب عبد المطلب كما نص السهيلي في الروض الأنف ج ١ ص ٧ ونقله عنه النووي في المجموع ج ١٨ ص ٢٥٤
ولا يبعد أنه صار بعد عبد المطلب رمزاً لبني هاشم . وسيأتي أن الإسلام أقر عدة تشريعات سنَّها عبد المطلب بإلهامٍ من الله تعالى مثل : الطواف سبعاً ، والدية ، ومنها سنَّة الخضاب بالوسم .
ماذا يصنع رواة الخلافة القرشية بهذه الأحاديث
تدل الأحاديث من
مصادر الجميع على أن الإسلام أقر سنَّة عبد المطلب في صبغ الشيب بالسواد فقد روى ابن ماجة في سننه ج ٢ ص ١١٩٧ عن صهيب قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحسن ما اختضبتم به لَهَذَا السواد ، أرغب لنسائكم فيكم ، وأهيب لكم في صدور عدوكم . انتهى .
وقالوا بعده : هذا الحديث معارض لحديث النهي عن السواد ، وهو أقوى إسناداً وأيضاً النهي يقدم عند المعارضة ، وفي الزوائد : إسناده حسن . انتهى .
وإذا صح ما ذكره رواة قريش من أن النهي دائماً أقوى من الرخصة ، وأن الخضاب بالسواد حرام وصاحبه لا يشم رائحة الجنة ! فهل يلتزمون بأن الإمام الحسين عليهالسلام سيد شباب أهل الجنة لا يشم رائحتها !
ـ فقد روى البخاري في صحيحه ج ٤ ص ٢١٦
عن أنس بن مالك رضياللهعنه : أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي فجعل في طست فجعل ينكته وقال في حسنه شيئاً فقال أنس : كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوباً بالوسمة ! انتهى . والوسمة هي السواد .
ـ وفي مجمع الزوائد ج ٥ ص ١٦٢
عن محمد بن علي أنه رأى الحسن بن علي رضياللهعنه مخضوباً بالسواد على فرس ذنوب . رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، خلا محمد بن إسماعيل بن رجاء وهو ثقة . وعن سليم قال : رأيت جرير بن عبد الله يخضب رأسه ولحيته بالسواد . رواه الطبراني وسليم والراوي عنه لم أعرفهما .
وعن محمد بن علي أن الحسين بن علي رضياللهعنه كان يخضب بالسواد . رواه الطبراني ورجاله رجال الذي قبله ، وقد روى عنهما من طرق وهذه أصحها ورجالها رجال الصحيح .
وعن عبد الرحمن بن بزرج قال : رأيت الحسن والحسين ابني فاطمة يخضبان بالسواد ، وكان الحسين يدع العنفقة . رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف ، وبقية رجاله ثقات .
وعن عبد الله بن أبي زهير قال : رأيت الحسين بن علي يخضب بالوسمة . رواه الطبراني وعبد الله بن أبي زهير لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات . انتهى .
وجرير بن عبد الله المذكور هو البجلي من كبار أصحاب علي عليهالسلام ومن قادة جيشه وقد حمل عدداً من رسائله إلى معاوية .
فيتضح من ذلك أن أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم كانوا يخضبون شيبهم بالسواد . وأن النهي عن السواد نهي قرشي لا نبوي ، وغرضه إبعاد الناس عن التشبه ببني هاشم المعارضين للدولة !
بل ماذا يصنع الشيخ ابن باز بإمامه الزهري الذي روى عنه البخاري نحو ١٢٠٠ رواية في صحيحه ، فقد كان ـ بعد أن خفَّت حدة المسألة في القرن الثاني ـ يصبغ شيبه بالسواد ، ويقول إن النبي أمر بتغيير الشيب ولم يحدد لون الصبغ !
ـ قال أحمد في مسنده ج ٢ ص ٣٠٩ :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اليهود والنصارى لا يصبعون فخالفوهم . قال عبد الرزاق في حديثه : قال الزهري : والأمر بالإصباغ ، فأحلكها أحب الينا . قال معمر : وكان الزهري يخضب بالسواد . انتهى .
رأي أهل البيت عليهمالسلام
ـ روى الكليني في الكافي ج ٦ ص ٤٨١
عن : أحمد بن محمد ، عن سعيد بن جناح ، عن أبي خالد الزيدي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : دخل قوم على الحسين بن علي صلوات الله عليهما فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلك ، فمد يده إلى لحيته ثم قال : أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله في غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد ، ليقووا به على المشركين .
ـ وفي الكافي ج ٦ ص ٤٨٣
عدة من أصحابنا ، عن
أحمد بن أبي عبد الله ، عن عدة من أصحابه ، عن علي بن
أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : قتل الحسين صلوات الله عليه وهو مختضب بالوسمة .
ـ وفي الكافي ج ٦ ص ٤٨٠
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن مسكين بن أبي الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوآله فنظر إلى الشيب في لحيته فقال النبي صلىاللهعليهوآله : نورٌ ، ثم قال : من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة . قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآله فلما رأى الخضاب قال : نورٌ وإسلامٌ ، فخضب الرجل بالسواد ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : نورٌ وإسلامٌ وإيمانٌ ، ومحبةٌ إلى نسائكم ، ورهبةٌ في قلوب عدوكم .
ـ وفي الكافي ج ٦ ص ٤٨٠
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم قال : دخلت على أبي الحسن ( الرضا ) عليهالسلام وقد اختضب بالسواد فقلت : أراك قد اختضبت بالسواد ؟ فقال : إن في الخضاب أجراً ، والخضاب والتهيئة مما يزيد الله عز وجل في عفة النساء ، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة !
ـ وفي من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٢٢
قال الصادق عليهالسلام : الخضاب بالسواد أنسٌ للنساء ، ومهابةٌ للعدو .
ـ وفي وسائل الشيعة ج ١ ص ٤٠٣
محمد بن الحسين الرضي الموسوي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه سئل عن قول رسول الله صلىاللهعليهوآله : غيروا الشيب ، ولا تشبهوا باليهود فقال : إنما قال ذلك والدين قلٌّ ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه ، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما اختار . انتهى .
ويفهم من هذا الحديث أن الأمر بتغيير الشيب ليس للوجوب ، بل هو لإثبات الرخصة في مورد توهم الحظر والتحريم ، كما يعتقد اليهود .
خلاصة المسألة
والخلاصة : أن الخضاب بالسواد سنة لعبد المطلب رضوان الله عليه ، خالف فيها اليهود ، وخالف فيها الخضاب بالأحمر والأصفر المستعمل عند العرب ، وقد أقر الإسلام هذه السنة وجعلها مستحبة ، ولم يحرم الخضاب بغيرها . بل لم يوجب في الأصل تغيير لون الشيب ، وإنما جعله مستحباً في بعض الحالات .
ولكن دخلت قريش على الخط لتمسكها من جهةٍ بالخضاب الأحمر والأصفر ، وحساسيتها من جهةٍ أخرى من عبد المطلب وأولاده الذين لم يعترفوا بخلافتها . . فنتج عن ذلك تحريم الخضاب بالسواد ، وحرمان صاحبه من الجنة والشفاعة ، وتسويد وجهه يوم القيامة ! !
ولكن العباسيين أولاد عبد المطلب ثأروا لخضاب جدهم ، فجعلوا راياتهم سوداء حتى سماهم الناس ( المُسَوِّدَة ) وبعد انتصارهم فرضوا لبس السواد على جميع المسلمين ، خاصة أتباع الدولة ، وجعلوه شعاراً لهم ! فكان ذلك إفراطاً في الإنتصار لخضاب عبد المطلب !
لذلك رأينا أن الأئمة من أهل البيت عليهمالسلام نهوا عن لبس السواد إلا في الحرب ، والحزن ، خاصةً لمصاب الإمام الحسين عليهالسلام ، وفضلوا في الحالات العادية اللون الأخضر الذي كان يفضله النبي صلىاللهعليهوآله .
وعندما أراد المأمون أن يتقرب إلى الأئمة من أهل البيت عليهمالسلام ويغيض العباسيين الذين خلعوه ، نقل ولاية العهد من العباسيين وأوصى بها للإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام وأمر بتغيير اللباس الأسود في الدولة إلى اللباس الأخضر . . وبذلك استقر اللون الأخضر شعاراً لبني هاشم ، ثم شعاراً للعرب ، والحمد لله .
* *
وأخيراً لا يفوتنا أن نشير إلى حديث الرايات السود الثابت عن النبي صلىاللهعليهوآله في علامات ولده المهدي الموعود عليهالسلام وأن العباسيين حرصوا على مصادرته وتطبيقه على راياتهم وثورتهم ، وسموا أحد خلفائهم بالمهدي ، وأشهدوا كبار قضاتهم وفقهائهم على أنه المهدي الموعود المبشر به من رسول الله صلىاللهعليهوآله .
ولكن المهدي العباسي لم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ولم يعط المال للناس حثياً بدون عدٍّ كما ورد في صفات المهدي عليهالسلام .
فقد ورد في سيرة هذا المهدي العباسي أن قصره كان خالياً من التقوى والعدل ، وأنه كان يصادر أموال الناس أحياناً حثياً أو حثواً من غير عد ! !
* *
النوع الثامن : مرسوم بحرمان الزوجة التي تطلب الطلاق
ومن مراسيم الصحاح في الحرمان من الشفاعة مرسومٌ مفيدٌ للرجال في حق الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب . .
ـ ففي سنن ابن ماجة ج ١ ص ٦٦٢ :
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة . وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً .
ورواه الترمذي في ج ٢ص ٣٢٩
وأبو داود ج ١ ص ٤٩٦
وأحمد ج ٥ ص ٢٧٧ وص ٢٨٣
والدارمي ج ٢ ص ١٦٢
والحاكم في ج ٢ ص ٢٠٠
والبيهقي في سننه ج ٧ ص ٣١٦
والهندي في كنز العمال ج ١٦ ص ٣٨٢ عن أحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان وابن عساكر .
وفي بعض روايات الحديث : بدون عذر ، والمقصود منه العذر القوي الذي يقبله المجتمع .
ولكنه تشديدٌ مبالغٌ فيه ، فلا نعرف أحداً من الفقهاء يفتي بأن قولها لزوجها طلقني يعتبر جريمة تستحق عليها العقوبة الدنيوية أو الأخروية ، فإن أصل الطلاق مكروهاً أو منافياً للأخلاق ، أو يجعله حراماً ، أو واجباً .
وإذا حدث أن صار حراماً شرعاً ، فلا يصير من المعاصي الكبائر التي يستحق صاحبها عقاب الدخول في جهنم ، والحرمان من الجنة ومن شفاعة نبيه صلىاللهعليهوآله ! !
وقد حاول بعض الفقهاء أن يتخلصوا من الحديث بتضعيفه ، وساعدهم على ذلك أن الشيخين البخاري ومسلماً لم يروياه ، فقد ذكروا بعد روايته في ابن ماجة أن الهيثمي في جميع الزوائد ضَعَّف إسناده . . ولكن ذلك لا يحل المشكلة لأن الحاكم قال عنه في المستدرك : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وحاولوا محاولةً أخرى أن يجعلوا الحديث في طلب الزوجة الطلاق الخلعي من زوجها بسبب كرهها له ، فقد وضع ابن ماجة الحديث تحت عنوان ( باب كراهية الخلع للمرأة ) ولكن واجههم قوله تعالى ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) حيث نصت الآية على جواز اقتداء المرأة نفسها من زوجها ببذل مهرها وطلب الطلاق الخلعي . . فاضطروا أن يحملوا الحديث على كلبها الخلع بدون سبب ويجعلوه مكروهاً لا حراماً !
ـ وهكذا فعل ابن قدامة في المغني ج ٨ ص ١٧٦
قال شارحاً قول
الماتن ( ولو خالعته لغير ما ذكرنا كره لها ذلك ووقع الخلع ) :
والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من أن لا تقيم حدود الله ، لأنه لو أراد الأول لقال كره له ، فلما قال كره لها دل على أنه أراد مخالعتها له والحال عامرة والأخلاق ملتئمة ، فإنه يكره لها ذلك ، فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوازعي والشافعي ، ويحتمل كلام أحمد تحريمه فإنه قال : الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع ، وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحاً إلا في هذه الحال ، وهذا قول ابن المنذر وداود . وقال ابن المنذر : وروي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم ، وذلك لأن الله تعالى قال ( وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) فدل بمفهومه على أن الجناح لا حق بهما إذا افتدت من غير خوف ، ثم غلظ بالوعيد فقال ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وروى ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) رواه أبو داود . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ) رواه أبو حفص ورواه أحمد في المسند وذكره محتجاً ، به وهذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة ، ولأنه إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة ، فحرم لقوله عليهالسلام ( لا ضرر ولا ضرار ) . واحتج من أجازة بقول الله سبحانه ( فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ) انتهى .
ولكن كل ذكاء هؤلاء الفقهاء لا يحل مشكلة الحديث أيضاً :
أولاً
، لأن الحديث في مجرد طلب الطلاق ، وليس في بذل المهر وطلب الخلع ، وقد اعترف بذلك ابن
حزم قال في المحلى ج ١٠ ص ٢٣٦ حيث قال : قال أبو محمد ( يعني نفسه ) : واحتج من ذهب إلى هذا ( حرمة الخلع ) بما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق بن السليم نا ابن الأعرابي نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا عفان بن
مسلم نا حماد نا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة .
وبما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا إسحق بن ابراهيم ـ هو ابن راهويه ـ أنا المخزومي هو المغيرة بن سلمة ـ نا وهيب عن أيوب السختياني عن الحسن البصري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المنتزعات والمختلعات هن المنافقات . قال الحسن : لم أسمعه من أبي هريرة .
قال أبو محمد : فسقط بقول الحسن أن تحتج بذلك الخبر . وأما الخبر الأول فلا حجة فيه في المنع من الخلع لأنه إنما فيه الوعيد على السائلة الطلاق من غير بأس وهكذا نقول . انتهى .
وثانياً ، لو سلمنا أن الحديث في طلب الخلع ، فلا بد لهم من القول بحرمته على الزوجة مطلقاً بسبب صيغة التشديد المؤكدة فيه ، وذلك مخالف لقوله تعالى ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) .
ولذلك اضطروا الى التنازل كما رأيت إلى القول بالكراهة فقط !
ومعناه أنهم اضطروا أن يبطلوا مرسوم الحديث بحرمان هذه الزوجة من رائحة الجنة ورائحة الشفاعة ! ولكنه إبطالٌ له بصيغة الاستدلال به ، والاحترام له ! !
ولم يتسع لنا الوقت لبحث فتوى اليهود في هذه المسألة ، ومن المحتمل أن أصل حديثها من الإسرائيليات التي تسربت إلى فقهنا ! !
* *
الفصل التاسع محاولة القرشيين حرمان بني هاشم من شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله
توجد عدة مسائل تتعلق بأسرة النبي صلىاللهعليهوآله بني عبد المطلب وبني هاشم .
المسألة الأولى ، في إيمان آباء النبي وأمهاته صلىاللهعليهوآله : ومذهبنا أن كل آباء النبي وأمهاته مؤمنون طاهرون مطهرون ، من آدم وحواء إلى عبد الله وآمنة ، صلوات الله عليه وعليهم . وقد روينا في ذلك أحاديث صحيحة ودلت عليه آيات كريمة ، ووافقنا على هذا الرأي عدد من علماء إخواننا السنة مثل الفخر الرازي والسيوطي وغيرهما ، وألفوا في ذلك رسائل مستقلة .
بينما قال أكثر السنة إن آباء النبي وأمهاته صلىاللهعليهوآله كفار مشركون ، وأنهم في النار ، ورووا في ذلك روايات هي عندهم صحيحة ! منها رواية خشنة رواها مسلم في ج ١ ص ١٣٣ : أن رجلاً قال يا رسول الله أين أبي ؟ قال في النار ، فلما قفى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار ! !
المسألة الثانية ، في شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله لبني هاشم وبني عبد المطلب ، وهم ثلاثة أصناف : صنف مات قبل البعثة . وصنف أسلموا وهاجروا وجاهدوا مع النبي صلىاللهعليهوآله . وصنف لم يذكر التاريخ أنهم أسلموا ولكنهم ناصروا النبي صلىاللهعليهوآله في مواجهة قريش وتحملوا معه حصار الشعب ثلاث سنين ، وهم كل من بقي من بني هاشم وبني عبد المطلب ما عدا أبي لهب .
ومذهبنا أن شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله تشمل أول ما تشمل بني هاشم وبني عبد المطلب ، من ارتضى الله منهم ، وكلهم عندنا مرضي إلا من ثبت فيه عدم الإرتضاء وأنه من أهل النار مثل أبي لهب . وقد ثبت عندنا إسلام أبي طالب وإيمانه ، وأنه كان يكتم إيمانه مثل مؤمن آل فرعون .
ومذهب إخواننا السنة في هذه المسألة متفاوت ، ففي رواياتهم ما يوافقنا تقريباً ، وفيها روايات تحاول حرمان كل بني هاشم من شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله !
المسألة الثالثة : في موقع علي عليهالسلام وعترة النبي صلىاللهعليهوآله يوم القيامة من الشفاعة العظمى التي يعطاها صلىاللهعليهوآله . . ومذهبنا أن عترة النبي صلىاللهعليهوآله الذين نصَّ عليهم بأسمائهم هم أوصياؤه وخلفاؤه الشرعيون وأئمة المسلمين وهداتهم بأمر الله تعالى ، وأنهم خيرة البشر بعد النبي صلى الله عليه وعليهم ، وهم معه يوم القيامة ، وبأيديهم ينفذ الشفاعة المعطاة له من الله تعالى ، ويفوضهم في كثير من الأمور .
وقد ثبت عندنا وروي السنيون أن لواء الحمد الذي هو رئاسة المحشر يجعله النبي صلىاللهعليهوآله بيد علي عليهالسلام كما كان صاحب لوائه في الدنيا .
وأن مقام الصديقة الزهراء عليهاالسلام في الشفاعة يوم القيامة مقام مميزٌ حتى من بين العترة .
أما السنيون فليس لهم
مذهبٌ واحدٌ في مقام عترة النبي صلىاللهعليهوآله يوم القيامة ، بل حتى في مقام صحابته ، لأن رواياتهم في ذلك متناقضة . . فهم يريدون إعطاء الصحابة المرتبة الأولى بعد النبي صلىاللهعليهوآله ، ولكن النصوص الصحيحة عندهم في دخول
بعض الصحابة النار ، وفي المقام المميز للعترة الطاهرة ، تأبى عليهم ذلك ، فيقعون في حيص بيص !
حساسية قريش من أسرة النبي صلىاللهعليهوآله
من الواضح للمطلع على السيرة أن الدافع الأساسي لتكذيب قبائل قريش بنبوة النبي صلىاللهعليهوآله ورفضهم لها ، كان دافعاً سياسياً ، لأنهم إذا آمنوا بنبوة ابن عبد المطلب بن هاشم ، فقد اعترفوا بالقيادة لبني هاشم وصاروا أتباعاً لهم ، وانتهى الأمر !
ولذلك كانوا شديدين في تكذيبهم ، متحدين في موقفهم ، شرسين في مواجهتهم ، صريحين في إظهار تخوفهم . .
وكان بعض قريش وغير قريش يفاوضون النبي صلىاللهعليهوآله على الإيمان بنبوته ، بشرط أن يكون لهم ( الأمر ) من بعده . . ولكن النبي صلىاللهعليهوآله كان نبياً مبلغاً عن ربه تعالى ، ولم يكن مساوماً على الأمر من بعده .
لقد ظهرت هذه الحقيقة القرشية العميقة منذ إعلان النبي بعثته الشريفة ثم واجهته طوال نبوته ، ولم تنته حتى بعد وفاته !
وهي حقيقةٌ ضخمةٌ لم تعطَ حقها من الدراسة ، بسبب أن القرشيين بعد انتصار النبي صلىاللهعليهوآله عليهم ودخولهم تحت حكمه كرهاً وطوعاً ، جعلوا مواجهتهم معه من نوع الحرب الباردة ، ثم ما أن توفي النبي صلىاللهعليهوآله حتى أخذوا السلطة وأبعدوا أهل بيته وحاصروهم ! وألقوا بثقلهم لصياغة السنة والسيرة والتاريخ لمصلحة قبائل قريش ، وضد العترة الطاهرة !
وغرضنا هنا أن نعرض نماذج من حساسية قريش من أسرة النبي صلىاللهعليهوآله ، لكي نفهم تأثيرها على رواياتهم في كفر آباء النبي صلىاللهعليهوآله ورواياتهم في عدم انتفاع بني هاشم بقرابتهم من النبي صلىاللهعليهوآله وشفاعته !
وهو باب خطيرٌ
والدراسات فيه ممنوعةٌ ، ولكن القليل منه يجعل الباحث يتوقف
ملياً في قبول أي حديثٍ سلبي عن أسرة النبي صلىاللهعليهوآله جاءت روايته عن طريق القرشيين من غير أهل بيته !
حادثةٌ خطيرةٌ ، عَتَّمَتْهَا الصحاح
ـ روى البخاري في ج ١ ص ٣٢ : تحت عنوان : باب الغضب في الموعظة والتعليم :
عن أبي بردة عن أبي موسى قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني عما شئتم ! قال رجل : من أبي ؟ قال أبوك حذافة ! فقام آخر فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال أبوك سالم مولى شيبة ! فلما رأى عمر ما في وجهه قال : يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل !
باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث :
عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال من أبي ؟ فقال أبوك حذافة ، ثم أكثر أن يقول سلوني ! فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، فسكت ! انتهى .
عندما تقرأ هذا النص تحس أنه ليس طبيعياً ! فهو يقول : أكثروا عليه السؤال فغضب . . ثم قال : سلوني عما شئتم . . ثم أكثر أن يقول سلوني . . فسألوه هل هم أولاد شرعيون أو أولاد زنا ! ! فبرَّأ صحابياً وفضح آخر على رؤوس الأشهاد ، وشهد بأنه ابن زنا ! ! ثم أصرَّ عليهم : سلوني سلوني سلوني . . ! ! فقام عمر وأعلن التوبة فهدأ الموقف وسكت النبي صلىاللهعليهوآله ! !
فما هي القصة ، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي ! والتوبة العمرية ؟ !
الذي يساعد الباحث
هنا أن القصة وإن قطَّعتها الصحاح ، لكنها روتها هي وغيرها
بأكثر من عشرين نصاً . . فيمكن للباحث أن يجمع منها خيوطاً كثيرة .
يقول مسلم في صحيحه لم يكن غضب النبي صلىاللهعليهوآله لسؤال كما قال البخاري ! بل بلغه عن أصحابه شيء كريه ! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه ( عن أنسابهم ) وتحداهم فخافوا وبكوا ، فقام عمر وتاب ! !
ـ قال مسلم في صحيحه ج ٧ ص ٩٢
عن أنس بن مالك قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال : عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً . قال فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه ! ! قال غطَّوا رؤسهم ولهم خنين ! قال فقام عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ! قال فقام ذاك الرجل فقال : من أبي ؟ قال أبوك فلان ، فنزلت : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ! انتهى .
وروى مسلم جزء منها أيضاً في ج ٣ ص ١٦٧
فالمسألة إذن غضبٌ نبويّ لما بلغه عن ( أصحابه ) وخطبةٌ نارية . . وتحدٍّ نبوي لهم في أنسابهم . . وأشد يوم مر عليهم مع نبيهم . . وبكاء الصحابة المعنيين خوفاً من إطاعة الرسول وسؤاله عن نسبهم . . والفضيحة . . وإعلان عمر توبته وتوبتهم . . ! !
وهكذا تبدأ خيوط الحادثة بالتجمع . . ويمكنك بعد ذلك أن تجمع من خيوطها من نفس البخاري !
ـ قال البخارى في ج ١ ص ١٣٦
عن الزهري قال أخبرني
أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر ، فقام على المنبر فذكر الساعة فذكر أن فيها أموراً عظاماً ، ثم قال : من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا ! ! فأكثر الناس في البكاء وأكثر أن يقول سلوني !
فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال : من أبي ؟ قال أبوك حذافة !
ثم أكثر أن يقول سلوني ! ! فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ! فسكت ، ثم قال : عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط فلم أر كالخير والشر !
ـ وقال البخاري في ج ٧ ص ١٥٧
عن أنس رضياللهعنه سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه المسألة فغضب فصعد المنبر فقال : لا تسألوني اليوم عن شيء بينته لكم ، فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل رجل لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي ! فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه ، فقال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : حذافة ثم أنشأ عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نعوذ بالله من الفتن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط ! إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط . وروى نحوه أيضاً في ج ٨ ص ٩٤
ـ وقال البخاري في ج ٨ ص ١٤٣
عن الزهري أخبرني أنس
بن مالك رضياللهعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ، وذكر أن بين يديها أموراً عظاماً ثم قال : من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه ، فوالله لا
تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا ! قال أنس فأكثر الناس البكاء ! وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول سلوني ! ! فقال أنس فقام إليه رجل فقال : أين
مدخلي يا رسول الله ؟ قال النار ! ! ! فقام عبد الله بن حذافة فقال : من أبي يا
رسول الله ؟ قال أبوك حذافة . قال ثم أكثر أن يقول سلوني سلوني ! ! فبرك عمر على ركبتيه
فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً . قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك ! ثم قال رسول الله : أولى ،
والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط وأنا أصلي ، فلم أر كاليوم في الخير والشر !
ـ وقال البخاري في ج ٤ ص ٧٣
عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر رضياللهعنه يقول :
قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم . . . ! حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه .
ـ وقال أبو داود ج ١ ص ٥٤٢
عن أبى قتادة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ، فما رأى ذلك عمر قال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله ، فلم يزل عمر يرددها . . حتى سكن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى .
ـ وقال في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦١
عن أبي فراس رجل من أسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم : سلوني عما شئتم ؟ فقال رجل : يا رسول الله من أبي ؟ قال : أبوك فلان الذي تدعي إليه ، وسأله رجل : في الجنة أنا ؟ قال : في الجنة . وسأله رجل : في الجنة أنا ؟ قال : في النار ! ! ! فقال عمر : رضينا بالله رباً . رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح .
ـ وقال في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٨٨ وص ٣٩٠
وعن أنس قال خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان ! فخطب الناس فقال : لا تسألوني عن شيء اليوم إلا أخبرتكم به ، ونحن نرى أن جبريل معه ! قلت
فذكر الحديث إلى أن قال فقال عمر : يا رسول الله إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فلا تبد علينا سوآتنا فاعف عفا الله عنك ! رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح .
ـ وفي مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٠
وأتاه العباس فقال : يا رسول الله إني انتهيت إلى قومٍ يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا لأنهم يبغضونا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو قد فعلوها ؟ ! والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم ، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ، ولا يرجوها بنو عبد المطلب !
ـ وفي مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٥٨
وجلس على المنبر ساعة وقال : أيها الناس ما لي أوذى في أهلي ؟ ! فوالله إن شفاعتي لتنال حي حا ، وحكم ، وصدا ، وسلهب ، يوم القيامة !
ـ وفي مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢١٤
عقد الهيثمي باباً في عدة صفحات بعنوان : باب في كرامة أصله صلى الله عليه وسلم . وأورد فيه أحاديث عن طهارة آباء النبي وأمهاته صلى الله عليه وعليهم ، ونقل حوادث خطيرة أهان فيها القرشيون أسرة النبي صلىاللهعليهوآله في حياته ، وهم تحت قيادته في المدينة ، وهم مسلمون مهاجرون ، أو طلقاء منَّ عليهم بالعفو بالأمس في فتح مكة ! فغضب النبي صلىاللهعليهوآله وأجابهم بشدة !
الحادثة الأولى :
عن عبد الله بن عمر
قال إنا لقعودٌ بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم : هذه ابنة محمد ، فقال رجل من القوم : إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن ! فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب ، ثم قام على القوم فقال : ما بال أقوال تبلغني عن أقوام ! إن الله عز وجل خلق السموات سبعاً