مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٩٢
يقال له مالك بن الدخشم ، وقالوا : من حاله ، ومن حاله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ، فلما أكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إلۤه إلا الله ؟ ! فلما كان في الثالثة قالوا : إنه ليقوله . قال : والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقاً من قلبه لا تأكله النار أبداً ! قالوا فما فرحوا بشيء قط كفرحهم بما قال ! ! . انتهى .
وابن الدخشن هذا ، أو الدخشم ، أو الدخيشن ، هو الذي ذكره البخاري وهو رئيس المنافقين الرسمي بعد ابن سلول ! ! ويمكنك أن تفكر فيما يزعمه هذا الحديث من أن أكبر فرحة للمسلمين كانت في ذلك اليوم ، أي يوم ساوى النبي صلىاللهعليهوآله بين المسلمين والمنافقين الذين قال الله تعالى فيهم ما قال ! !
ولعمري إنها فرحة السلطة وأتباعها الذين أرادوا حل مشكلة المنافقين لتأييدهم لهم ، فألصقوا ذلك بالنبي صلىاللهعليهوآله ! !
ـ وروى أحمد في ج ٤ ص ٤١١
عن أبي بكر بن أبي موسى ( الأشعري ) عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبشروا وبشّروا الناس من قال لا إلۤه إلا الله صادقاً بها دخل الجنة ، فخرجوا يبشرون الناس ، فلقيهم عمر رضياللهعنه فبشروه فردهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ردكم ؟ قالوا عمر ، قال : لم رددتهم يا عمر ؟ قال إذاً يتكل الناس يا رسول الله ! . انتهى . وقال عنه في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦ رجاله ثقات .
ـ وروى أحمد ج ١ ص ٤٦٤
عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وأنا أقول أخرى ! من مات وهو يجعل لله ندا أدخله الله النار . قال وقال عبد الله : وأنا أقول : من مات وهو لا يجعل لله ندا أدخله الله الجنة ! ! . انتهى .
ـ ولكن أحمد روى في ج ٢ ص ١٧٠ أن عبد الله بن عمرو
بن العاص نسب الكلمتين إلى النبي صلىاللهعليهوآله ! قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : من لقي الله وهو لا
يشرك به شيئاً دخل الجنة ولم تضره معه خطيئة ، كما لو لقيه وهو مشرك به دخل النار ولم ينفعه معه حسنة . انتهى .
ـ ولكن أحمد روى هذا الحديث أيضاً عن عبد الله بن مسعود وليس عبد الله بن عمرو !
قال في ج ١ ص ٣٧٤ : قال ابن مسعود : خصلتان يعني إحداهما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأخرى من نفسي : من مات وهو يجعل لله ندا دخل النار . وأنا أقول من مات . . . الخ .
ـ وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٣
عن عقبة بن عامر رضياللهعنه قال جئت في اثني عشر راكباً حتى حللنا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحابي : من يرعى إبلنا وننطلق فنقتبس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا راح اقتبسناه ما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : أنا ، ثم قلت في نفسي : لعلي مغبون ، يسمع أصحابي ما لا أسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فحضرت يوماً فسمعت رجلاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من توضأ وضوء كاملاً ثم قام إلى صلاة كان من خطيئته كيوم ولدته أمه ، فتعجبت من ذلك ، فقال عمر بن الخطاب : فكيف لو سمعت الكلام الآخر كنت أشد عجباً ! فقلت : أردد عليَّ جعلني الله فداءك ، فقال عمر بن الخطاب : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : من مات لا يشرك بالله شيئاً فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ، ولها ثمانية أبواب ! فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست مستقبله فصرف وجهه عني ، فقمت فاستقبلته ففعل ذلك ثلاث مرات فلما كانت الرابعة ، قلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي لم تصرف وجهك عني ؟ ! فأقبل علي فقال : أواحد أحب اليك أم اثنا عشر ؟ مرتين أو ثلاثاً ! فلما رأيت ذلك رجعت إلى أصحابي !
ـ وفي مجمع الزوائد ج ١ ص ٣٢
عن عمر بن الخطاب رضياللهعنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من مات
يؤمن بالله واليوم الآخر ، قيل له أدخل من أي أبواب الجنة الثمانية شئت . رواه أحمد وفي إسناده شهر بن حوشب وقد وثق . وأورده أيضاً في ص ٤٩
ـ وفي مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٢
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضياللهعنه قال : جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في أناس من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب رضياللهعنه وأدركت آخر الحديث ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار ! فقلت بيدي هكذا يحرك بيده إن هذا حديث جيد ، فقال عمر بن الخطاب : لما فاتك من صدر الحديث أجود وأجود ! قلت يا ابن الخطاب فهات ، فقال عمر بن الخطاب : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من شهد أن لا إلۤه إلا الله دخل الجنة ! !
ـ وفي مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦
عن أبي الدرداء رضياللهعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال لا إلۤه إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة . قال قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ! قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال : وإن زنى وإن سرق ! قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء ! قال فخرجت لأنادي بها في الناس فلقيني عمر فقال إرجع فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها ! قال : فرجعت فأخبرته صلى الله عليه وسلم فقال : صدق عمر .
رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وإسناد أحمد أصح ، وفيه ابن لهيعة وقد احتج به غير واحد . ورواه في الدر المنثور ج ٢ ص ١٧٠
ـ وروى أحمد ج ٥ ص ١٧٠
حدثتني جسرة بنت
دجاجة أنها انطلقت معتمرة فانتهت إلى الربذة فسمعت أباذر يقول : قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء فصلى بالقوم ثم تخلف أصحاب له يصلون ، فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله ،
فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه فصلى ، فجئت فقمت خلفه فأومأ إليَّ بيمينه فقمت عن يمينه ، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه ، فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا ، يصلي كل رجل منا بنفسه ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو ، فقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة ، فبعد أن أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة ؟ فقال ابن مسعود بيده لا أسأله عن شيء حتى يحدث إلي ، فقلت : بأبي أنت وأمي قمت بآية من القرآن ومعك القرآن ؟ ! لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه ، قال : دعوت لأمتي ، قال : فماذا أجبت أو ماذا عليك ؟ قال : أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعةً تركوا الصلاة ! قال : أفلا أبشر الناس ؟ قال بلى ، فانطلقت معنقاً قريباً من قذفة بحجر ، فقال عمر : يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادة ، فنادى أن ارجع ، فرجع .
ـ وروى أحمد في مسنده ج ٢ ص ٣٠٧ وفي ص ٥١٨
عن أبي هريرة أنه سمعه يقول : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماذا رد إليك ربك في الشفاعة ؟ فقال : والذي نفس محمد بيده لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي لما رأيت من حرصك على العلم ! والذي نفس محمد بيده ما يهمني من انقصافهم على أبواب الجنة أهم عندي من تمام شفاعتي ، وشفاعتي لمن شهد أن لا إلۤه إلا الله مخلصاً يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه . ورواه الديلمي في فردوس الأخبار ج ٢ ص ١٩٧ ح ٣٣٩٥
ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٢٤
وأخرج ابن مردويه عن
أبي سعيد قال : لما نزلت : فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى : من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، فاستقبل عمر الرسول فرده ، فقال : يا رسول الله
خشيت أن يتكل الناس فلا يعملون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو يعلم الناس قدر رحمة الله لا تكلوا ولو يعلمون قدر سخط الله وعقابه لاستصغروا أعمالهم !
ـ الدر المنثور ج ٤ ص ٩٣
وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب رضياللهعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين ، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم ، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ، ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران ، حرم الله أجسادهم على الخلود من أجل التوحيد ، وصورهم على النار من أجل السجود ، فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه ، ومنهم من تأخذه النار إلى عقبيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى فخذيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه ، على قدر ذنوبهم وأعمالهم . ومنهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج منها ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها ، وأطولهم فيها مكثاً بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى .
فإذا أراد الله ان يخرجهم منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد : آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وأنتم اليوم في النار سواء ، فغضب الله غضبا لم يغضبه لشيء فيما مضى ، فيخرجهم إلى عين بين الجنة والصراط فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل ، ثم يدخلون الجنة مكتوب في جباههم هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن ، فيمكثون في الجنة ما شاء الله أن يمكثوا ، ثم يسألون الله تعالى أن يمحو ذلك الإسم عنهم ، فيبعث الله ملكاً فيمحوه ثم يبعث الله ملائكة معهم مسامير من نار فيطبقونها على من بقى فيها يسمرونها بتلك المسامير فينساهم الله على عرشه ، ويشتغل عنهم أهل الجنة بنعيمهم ولذاتهم ، وذلك قوله : رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ .
ـ وقال ابن باز في فتاويه ج ١ ص ١٧٩
روى البخاري عن أبي هريرة أنه قال : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك قال : من قال لا إلۤه إلا الله خالصاً من قلبه . انتهى .
* *
ملاحظات على روايات هذا الرأي
أولاً : نلاحظ في أحاديث هذا الرأي بل هذا المذهب ، اضطرابها وتعارضها إلى حد التناقض ! ولعل أصلها رواية مسلم التي ضرب فيها عمر أبا هريرة حتى خر لإسته ! والمقصود منها ومن أمثالها إثبات أن النبي صلىاللهعليهوآله قد ( اعترف وشهد ) بأن توحيد الله تعالى فقط كاف لدخول الجنة ، وأنه لا يحتاج الأمر إلى الإيمان بنبوته ولا شفاعته صلىاللهعليهوآله !
ويلاحظ أنها تؤكد على أن الذي قال ذلك هو النبي نفسه صلىاللهعليهوآله وليس عمر ! بل إن عمر كان مخالفاً لذلك ، وقد ردَّ أبا هريرة من الطريق وضربه ، واعترض على النبي مرات ومرات ، وقد أطاعه النبي صلىاللهعليهوآله في بعض المرات ، ثم أصرَّ النبي على هذا القول فهو الذي يتحمل مسؤوليته ، وليس عمر ، ولا أبو موسى ، ولا أبو هريرة ، ولا كعب الأحبار ! !
ثانياً : أن هذا المذهب يلغي حاجة المسلمين إلى الشفاعة أصلاً ! ! فأحاديثه تبشر بالجنة كل من قال ( لا إلۤه إلا الله ) وتشمل رواياته اليهود والنصارى وغيرهم ، فلا يبقى معنى للشفاعة ! !
ثالثاً :
أنه يلغي الحاجة إلى أصل الإسلام ونبوة نبينا صلىاللهعليهوآله ! لأن رواياته تقول إن الله تعالى يقبل إيمان الموحد ويدخله الجنة لتوحيده ، حتى لو كفر بنبوة محمد صلىاللهعليهوآله ! فلا يبقى مبرر لجهاد النبي صلىاللهعليهوآله وحروبه وشدته على الكافرين بنبوته !
ولا يبقى معنىً لقوله تعالى ( وَمَن
يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ
مِنَ الْخَاسِرِينَ
)
وكيف يجرأ مسلم على قبول رأي من رواة أو خليفة ، يستلزم إبطال دينه من أصله ؟ ! !
رابعاً : تزعم روايات هذا المذهب عدم عصمة النبي صلىاللهعليهوآله وأنه أخطأ في تبليغ الرسالة وصحح له عمر وأقنعه بخطئه ! على أنه توجد رواية أخرى في تهذيب الكمال ج ٤ ص ٣١ وفي مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦ تقول إن النبي لم يقتنع وأصرَّ على رأيه ، وقال لعمر : دعهم يتكلوا ! وتوجد رواية أخرى في مجمع الزوائد وفي مسند أحمد ج ٤ ص ٤٠٢ تقول إن النبي سكت ! . . الخ .
ومن جهة أخرى تدل هذه الروايات على عدم إيمان عمر بعصمة النبي صلىاللهعليهوآله وتعطي لعمر دور الناظر على أعمال النبي صلىاللهعليهوآله والولاية عليه لتصحيح أخطائه ! بينما يؤكد الله تعالى عصمة رسوله صلىاللهعليهوآله في كل كلمة يتفوه بها ، فيقول ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) !
خامساً : تقدمت رواية أن عمر هو الذي بشر الناس ، ولعله اقترح على النبي أن يبشر الناس بذلك فنهاه النبي صلىاللهعليهوآله ! ! وقد روى الهيثمي رواية فيها تصريح بأن الذي أراد تبشير الناس هو عمر وإن كانت متناقضة ، قال ( وعن جابر رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ناد يا عمر في الناس إنه من مات يعبد الله مخلصاً من قلبه أدخله الله الجنة وحرم على النار ! قال فقال عمر : يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال : لا ، لا ، يتكلوا . انتهى .
فأول الرواية يقول : إن النبي أمر عمر بالنداء ، وآخرها يقول إن عمر اقترح النداء فلم يقبل به النبي صلىاللهعليهوآله ونهاه عنه !
وهذا يؤيد أن يكون أصل القضية كلها محاولة من عمر لتبشير الناس بعدم اشتراط العمل للجنة ، فنهاه النبي صلىاللهعليهوآله .
سادساً :
إن روايات ( ضياع النبي ! ) في غزوة من غزواته أو في المدينة ، قد حملت من التناقض واللا معقول ما يوجب على الباحث بل على القارئ الشك فيها
من أصلها !
فحديث مسلم يقول : إنهم ( أضاعوا ) النبي صلىاللهعليهوآله في المدينة حتى وجده أبو هريرة في بستان في المدينة لبني النجار ! وروايتا الطبراني المتقدمتان عن عوف بن مالك والنضر بن أنس تقولان إنهم أضاعوا النبي في إحدى الغزوات ! أو خرج مبهوتاً في وسط الليل ! وبعض رواياتها تقول إن النبي صلىاللهعليهوآله لم يضع بل كان في بيته أو في مسجده وأمر أبا موسى ونفراً من قومه أن يبشروا الناس فلما خرجوا من عنده لقيهم عمر . . . الخ . وقد رواها أحمد ج ٤ ص ٤٠٢ وص ٤١١ وقال عنها مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦ ( رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات ) .
ثم إن رواية مسلم تقول : إن بطل القصة المأمور بالنداء هو أبو هريرة وأن عمر ضربه ! بينما تقول روايات أخرى إن المأمور بالنداء أبو موسى الأشعري ونفر من الأشعريين وأن عمر رده ولم يضربه ! وأخرى تقول : إن المأمور هو أبو الدرداء ، وأخرى تقول : إنه أبو ذر ، وأخرى تقول : إنه عمر . . إلخ . ورواية أبي سعيد تذكر مأموراً بدون تسمية !
أما روايات الطبراني فتذكر بطلين آخرين للحادثة هما عوف والنضر ، وفي رواية أخرى في مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٣ إنه عقبة بن عامر !
وتوجد رواية في مجمع الزوائد تقول إن البطل الوحيد هو عمر ، ولا يوجد غيره قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦ وعن عمر رضياللهعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يؤذن في الناس أنه : من شهد أن لا إلۤه إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً دخل الجنة ، فقال عمر : يا رسول الله إذا يتكلوا فقال : دعهم . رواه أبو يعلى والبزار إلا أن عمر قال يا رسول الله إذا يتكلوا ! قال دعهم يتكلوا . انتهى .
أما رواية البخاري فتذكر أن بطل الرواية معاذ فقط ، وأنه اقترح تبشير الناس بذلك فنهاه النبي صلىاللهعليهوآله ، ورواية أحمد تذكر أن بطلها عبادة بن الصامت . . وقد تقدمت الروايتان في الرأي الثاني لأنهما اشترطتا الشهادة بالنبوة ! !
ولو أردنا مواصلة بحث ملف ضياع النبي المزعوم ، والنداء المزعوم ، لوجدنا فيها تناقضات أخرى توجب سقوط أصل القصة عن الصلاحية لإثبات حكم شرعي عادي ، فكيف تصلح لإثبات عقيدة خطيرة ، أخطر من مذهب المرجئة ؟ ! لأن المرجئة يشترطون لدخول الجنة الشهادتين ، وهذه القصة تلغي الشهادة الثانية ! !
سابعاً : توجد روايات تناقض هذا الرأي عن الخليفة عمر نفسه وتقول إن الذي يسرق عباءة من الغنائم يحرم من دخول الجنة ، حتى لو كان السارق مسلماً واستشهد في سبيل الله تعالى ! وتقول إن النبي صلىاللهعليهوآله قد أمر عمر أن ينادي بنداء مضاد لما ذكرته قصة ضياع النبي صلىاللهعليهوآله ونداء النعلين ! !
فقد روى أحمد في مسنده ج ١ ص ٣٠ وص ٤٧ عن عمر بن الخطاب رضياللهعنه قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد فلان شهيد ، حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ! ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بن الخطاب إذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال : فخرجت فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون . انتهى .
فإذا كانت سرقة عباءة تمنع صاحبها ( الشهيد ) من دخول الجنة ، فكيف تكون شهادة ( لا إلۤه إلا الله ) وحدها بدون عمل كافية لدخول الجنة ؟ !
وإذا كان النبي صلىاللهعليهوآله قد أمر عمر بهذا النداء ، فكيف أمر عمر نفسه أو غيره بنداء مناقض له ؟ ! وكيف لم يعترض عليه عمر وهو المعروف بكثرة اعتراضاته ؟ !
ثم إن قصة سارق العباءة والنداء بشرط الايمان والعمل الصالح ، كانتا في خيبر ، وهذه ظاهرة تحديد في الرواية توجب نوعاً من الثقة ، ولكنك لا تجد في قصة ضياع النبي صلىاللهعليهوآله والنداء المضاد المزعومين شيئاً من التحديد ، لا اسم الغزوة ، ولا اسم البستان ، بل لا تجد إلا مجملاً في مجمل ، وتناقضاً بعد تناقض !
وبما أن أغلب روايات هذه القصة تشترك في ذكر دور عمر ومناقشته للنبي صلىاللهعليهوآله ونصحه إياه بضرر إعلان ذلك للناس ، يترجح في الذهن احتمال أن يكون أصل القصة أن الخليفة عمر هو الذي بشر الناس كما نصت الروايات المتقدمة ، وقد يكون اقترح على النبي صلىاللهعليهوآله أن يأمره بذلك فلم يقبل ، وأن النبي صلىاللهعليهوآله ما ضاع لا في غزوتين ولا في غزوة ،ولا خرج مذعوراً في الليل من كلام جبرئيل ، ولا ضاع في المدينة ، ولا اختبأ في بستان ، ولا أعطى نعليه لأبي هريرة علامةً للناس بأنه مبعوث من النبي صلىاللهعليهوآله ، ولا ضرب عمر أبا هريرة حتى خر لإسته ! فعندما تتناقض الروايات ولا يمكن الجمع بينها ، أو تكون مخالفة للقرآن وللسنة القطعية المتفق عليها . . فلا مجال أمام الباحث إلا ترجيح هذا الإحتمال الأخير .
ثامناً ثبت عند الجميع أن النبي صلىاللهعليهوآله قد أرسل علياً عليهالسلام الى مكة بأمر من الله تعالى لإبلاغ سورة براءة ، وأمره أن ينادي في الناس بعدة أمور ، منها ( لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ) !
وقد روى ذلك أحمد ج ١ ص ٤٧ وص ٧٩ والنسائي ج ٥ ص ٢٣٤ والدارمي ج ٢ ص ٢٣٠ وغيرهم ، وفي أحمد ج ٥ ص ٤٣٨ : نفس مسلمة ) .
وروايات هذا النداء ثابتة عند الطرفين ، وليست مهزوزة مثل نداء النعلين المزعوم !
ثم إن هذا النداء كان بعد فتح مكة ، فلا بد للقائل بصحة روايات نداء النعلين أن يقول إنه ناسخ لهذا النداء ، وأن يثبت صحة قصته وأنها كانت بعد نداء مكة . . ولكن دون إثبات ذلك خرط القتاد !
أما الأحاديث الأخرى التي استدلوا بها على هذا المذهب ، فليست أحسن حالاً من حديث ( ضياع النبي صلىاللهعليهوآله واختفائه واختبائه ونداء النعلين ) في تضاربها وتعارضها مع غيرها . . ويكفي لردها الروايات التي تقدمت في الرأي الأول .
وأخيراً ، فقد آن لإخواننا فقهاء السنة أن ينظروا بجدية إلى تناقضات روايات الصحاح ومخالفاتها الصريحة للقرآن وضرورات الإسلام ، ويعيدوا النظر في مفهومهم للصحيح والحجة الشرعية !
ذلك أن صريح العقل هو الأصل الذي وصلنا به إلى الإيمان بالله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله ثم وصلنا به إلى قطعيات الشرع الشريف . وحبُّنا للصحاح وأصحابها وأسانيدها لا يجوز أن يوصلنا إلى التنازل عن قطعيات الشرع والعقل ، لأن إبطال الأصل يستلزم إبطال الفرع الذي نحبه ، وبالنتيجة خسارة كل شيء ! !
* *
أحاديث أن الله تعالى يشفع عند نفسه !
بمقتضى أحاديثهم في استحقاق الموحد لدخول الجنة ، فلا يحتاج الأمر إلى شفاعة ، بل تصير الشفاعة من نصيب المشركين !
ولكن أصحاب هذا الرأي احتاطوا في أمر أصحابهم فشملوهم بالشفاعة ! واختلفت رواياتهم في من يشفع فيهم ! فقال بعضها إن النبي صلىاللهعليهوآله هو الذي يشفع في الموحدين ، وقال بعضها إن إسحاق هو شفيع الموحدين ، وقد صحح الحاكم روايته على شرط الشيخين ، كما سيأتي في مسألة الذبيح ! وقال بعضها إن النبي صلىاللهعليهوآله يطلب من الله تعالى أن يعطيه الشفاعة فيهم فلا يعطيه إياها بل يستأثر بها لنفسه ، فكأنه تعالى يريد أن يجازيهم هو شخصياً ، لأنهم شهدوا بتوحيده ! !
ـ قال في كنز العمال ج ١ ص ٥٦
ما زلت أشفع إلى ربي
فيشفعني حتى أقول : شفعني فيمن قال لا إلۤه إلا الله ، فيقول : ليست هذه لك يا محمد ! إنما هي لي ! أنا وعزتي وحلمي ورحمتي لا أدع في النار أحداً قال لا إلۤه إلا الله ـ ع عن أنس . انتهى . وأورده
الرازي في تفسيره ج ١١ جزء ٢٢ ص ١٠ . وفي كنز العمال ج ١ ص ٦٤ فيقال : ليست هذه لك ولا لأحد ، هذا إليَّ ،
فلا يبقى أحد قال لا إلۤه إلا الله إلا أخرج منها ـ الديلمي عن أنس .
ـ طبقات الحنابلة لأبي يعلى ج ١ ص ٣١٢
قال أحمد بن حنبل : إذا لم يبق لأحد شفاعة قال الله تعالى : أنا أرحم الراحمين ، فيدخل كفه في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره .
ـ وروى البيهقي في سننه ج ١٠ ص ٤٢
عن معبد بن هلال العنزي قال : أتيت أنس بن مالك رضياللهعنه في رهط من أهل البصرة وسماهم لنا ، نسأله عن حديث الشفاعة ، فذكر الحديث بطوله في سؤاله وجوابه وخروجهم من عنده ودخولهم عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، قال الحسن حدثني كما حدثكم ، قال ثم قال يعني النبي صلى الله عليه وسلم : فأجئ في الرابعة فأحمد بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال لي يا محمد إرفع رأسك قل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع ، فأقول يا رب إئذن لي فيمن قال لا إلۤه إلا الله فيقول ليس ذلك إليك ولكني وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إلۤه إلا الله . رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد زاد فيه ( وجلالي ) ورواه مسلم عن سعيد بن منصور وغيره .
ـ ولكن الديلمي روى في فردوس الأخبار ج ٣ ص ٢٧٦ ح ٤٦٩٥
أن الله تعالى يتنازل ويعطي الشفاعة فيهم لرسوله صلىاللهعليهوآله ! قال عمرو بن العاص : قلت يا ربي شفعني فيمن قال لا إلۤه إلا الله ، قال : لك ذلك ! انتهى .
ـ وقال الثعالبي في الجواهر الحسان ج ١ ص ٣٥١ في تفسير الآية ٤٠ من سورة النساء : فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقطبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعلموا خيراً قط !
ـ وقال في ج ٢ ص ٣٦٠ :
وأحاديث الشفاعة قد
استفاضت وبلغت حد التواتر من أعظمها شفاعة أرحم
الراحمين ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال : فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكه وشفع النبيون وشفع المؤمنون . . . الخ .
ورواه البغوي في مصابيح السنة ج ٣ ص ٥٤٢
وقد أوردنا روايات هذه ( الشفاعة ) من مصادر السنيين في المجلد الثاني في ادعائهم رؤية الله تعالى بالعين في الآخرة ! ومعناها أن الله تعالى يتوسط عند نفسه ، وهو معنى عامي للشفاعة ! والظاهر أن أصلها الحديث المروي في مصادرنا عن الإمام محمد الباقر عليهالسلام الذي رواه في بحار الأنوار ج ٨ ص ٣٦١ عن حمران قال سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إن الكفار والمشركين يرون أهل التوحيد في النار فيقولون ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئاً ، وما أنتم ونحن إلا سواء ! قال : فيأنف لهم الرب عز وجل فيقول للملائكة : إشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ، ويقول للمؤمنين مثل ذلك ، حتى إذا لم يبق أحدٌ تبلغه الشفاعة ، قال تبارك وتعالى : أنا أرحم الراحمين ، أخرجوا برحمتي ، فيخرجون كما يخرج الفراش ، قال : ثم قال أبو جعفر عليهالسلام : ثم مدت العُمُد وأعمدت عليهم ، وكان والله الخلود . انتهى .
ورواه في تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٥٢٣ عن مجمع البيان عن العياشي .
والمقصود بأهل التوحيد الذين تشملهم الشفاعة في هذه الرواية ، المسلمون الذين ارتضى الله دينهم وأماتهم على التوحيد . . فقد ورد عن أهل البيت عليهمالسلام أن بعض أصحاب المعاصي والانحرافات الكبيرة ، يسلب منهم التوحيد قبل موتهم ، والعياذ بالله ! !
* *
الرأي الثالث : أن الشفاعة تشمل جميع الخلق !
ـ مجموعة الرسائل لابن تيمية ج ١ ص ١٠
أجمع المسلمون على أن النبي ( ص ) يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك ، وبعد أن يأذن الله في الشفاعة . ثم أهل السنة والجماعة متفقون على ما اتفقت عليه الصحابة . . . أنه يشفع لأهل الكبائر ويشفع أيضاً لعموم الخلق . . . أما الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن شفاعته إنما هي للمؤمنين خاصة . . . ومنهم من أنكر الشفاعة مطلقاً . . . ومذهب أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر ولا يخلد أحد في النار .
ـ ولكن ابن باز لم يأخذ بفتوى إمامه ابن تيمية فقال في فتاويه ج ٤ ص ٣٦٨
إن المشرك إذا مات على شركه فهو مخلد في النار أبد الآباد بإجماع أهل العلم ، وذلك مثل الذي يعبد الأصنام أو الأحجار أو الأشجار أو الكواكب . . . أو يعبد الأموات ومن يسمونهم بالأولياء ، أو يستغيث بهم ويطلب منهم المدد أو العون عند قبورهم ، مثل قول بعضهم : يا سيدي فلان المدد المدد ، يا سيدي البدوي المدد المدد . . . أو يا سيدي رسول الله المدد المدد الغوث الغوث ، أو يا سيدي الحسين أو يا فاطمة أو يا ست زينب ، أو غير ذلك ممن يدعوه المشركون . . . وهذا كله من الشرك الأكبر ، فإذا مات عليه صاحبه صار من أهل النار . انتهى .
فإن عجبت فاعجب لابن تيمية إمام الوهابيين حيث يحكم بدخول إبليس وقابيل وفرعون ونمرود الجنة لأنهم من عموم الخلق ! ولإمامهم المعاصر ابن باز حيث يحكم بأن ملايين المسلمين الذين يدعون الله تعالى ويطلبون من أوليائه مدداً مما أعطاهم الله تعالى كلهم ( مشركون ) مخلدون في النار أبد الآباد ! !
ـ مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٧٩
وعن أنيس الأنصاري
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني
لأشفع يوم القيامة في كل شيء مما على وجه الأرض من حجر ومدر . رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه أحمد بن عمرو صاحب علي بن المديني ويعرف بالقلوري ولم أعرفه ، وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم . انتهى . ورواه ابن عبد البر في الإستيعاب ج ١ ص ١١٤ والديلمي في فردوس الأخبار ج ١ ص ٩٣ ح ١٧٤ عن بريدة الأسلمي وفيه ( لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر ) .
ـ الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٦
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ميمون أن كعباً دخل يوماً على عمر بن الخطاب فقال له عمر : حدثني إلى ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة ؟ ! فقال كعب : قد أخبرك الله في القرآن أن الله يقول ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ إلى قوله الْيَقِينُ ) قال كعب : فيشفع يومئذ حتى يبلغ من لم يصل صلاة قط ويطعم مسكيناً قط ومن لم يؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير ! ) انتهى .
وإذا أراد كعب بقوله ( حتى يبلغ ، فإذا بلغت هؤلاء ) أن النبي يشفع حتى يبلغ هؤلاء فيشفع لهم أيضاً ، فلم يبق أحد في النار ! وإن أراد أنه يبلغهم ويقف عندهم ، فمعناه أن كعباً لا يشترط لشمول الشفاعة إلا الإيمان بيوم الدين ، وعملاً واحداً من الأعمال المذكورة !
ـ كنز العمال ج ١٤ ص ٥١١ عن ابن عساكر :
عن أنس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده ! إني لسيد الناس يوم القيامة ولا فخر ، وإن بيدي لواء الحمد وإن تحته آدم ومن دونه ولا فخر ،
ينادي الله يومئذ آدم فيقول : يا آدم ، فيقول لبيك رب وسعديك ، فيقول : أخرج من ذريتك بعث النار ، فيقول : يا رب وما بعث النار ؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فيخرج ما لا يعلم عدده إلا الله ، فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت
أكرمك الله وخلقك بيده ، ونفخ فيك وروحه وأسكنك جنته ، وأمر الملائكة
فسجدوا لك ، فاشفع لذريتك أن لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول آدم : ليس ذلك إليِّ اليوم ، ولكن سأرشدكم ، عليكم بنوح فيأتون نوحاً فيقولون : يا نوح إشفع لذرية آدم فيقول : ليس ذلك إليَّ اليوم ولكن عليكم بعبد اصطفاه الله بكلامه ورسالته وصنع على عينه وألقى عليه محبة منه موسى وأنا معكم ، فيأتون موسى فيقولون : يا موسى أنت عبد اصطفاك الله برسالته وبكلامه وصنعت على عينه وألقى عليك محبة منه إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إليَّ اليوم عليكم بروح الله وكلمته عيسى فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى أنت روح الله وكلمته إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إليَّ اليوم ولكن سأرشدكم عليكم بعبد جعله الله رحمة للعالمين أحمد وأنا معكم ، فيأتون أحمد فيقولون : يا أحمد جعلك الله رحمة للعالمين إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فأقول : نعم أنا صاحبها فآتي حتى آخذ بحلقة باب الجنة فيقال : من هذا أحمد ؟ فيفتح لي فإذا نظرت إلى الجبار لا إلۤه إلا هو خررت ساجداً ، ثم يفتح لي من التحميد والثناء على الرب شيئاً لا يفتح لأحد من الخلق ثم يقال : إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار فيقول الرب جل جلاله : إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قدر قيراط من إيمان فأخرجوه !
ثم يعودون إليَّ فيقولون : ذرية آدم لا يحرقون اليوم بالنار فآتي حتى آخذ بحلقة الجنة فيقال : من هذا ؟ فأقول أحمد ، فيفتح لي فإذا نظرت الجبار لا إلۤه إلا هو خررت ساجداً مثل سجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء على الرب والتحميد مثل ما فتح لي أول مرة ، فيقال : إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ! فيقول الرب : إذهبوا من وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه !
ثم آتي حتى أصنع مثل
ما صنعت أول مرة فإذا نظرت إلى الجبار عز جلاله
خررت ساجداً فأسجد كسجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء والتحميد مثل ذلك ثم يقال : إرفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول : يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ! فيقول الرب : إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون ما لا يعلم عدده إلا الله ويبقى أكثر . ثم يؤذن لآدم في الشفاعة فيشفع لعشرة آلاف ألف ثم يؤذن للملائكة والنبيين فيشفعون ثم يؤذن للمؤمنين فيشفعون وإن المؤمن يشفع يومئذ لأكثر من ربيعة ومضر . انتهى .
ومن الواضح أن هذه الرواية تطرح ذرية آدم كلهم موضوعاً للشفاعة ، ولكنها ( تحتاط ) من التصريح بشمول الشفاعة لهم ، على عكس الروايات والآراء المتقدمة التي صرحت بشمول الشفاعة لجميع الخلق !
وإذا كان هذا الرأي يحتاج إلى رد ، فإن ما تقدم في أدلة الرأي الموافق لمذهبنا ، وما تقدم في نقد الآراء التوسيعية السابقة كافٍ لرده .
* *
الرأي الرابع أن العقاب في الآخرة ينتهي كلياً وأن جهنم تفنى وينقل أهلها إلى الجنة !
وهذه المسألة من مسائل المعاد لا الشفاعة ، ولكن بحثناها هنا لذكر الشفاعة في كثير من رواياتها .
وأول من قال من المسلمين بفناء النار هو الخليفة عمر بن الخطاب ، وقد تأثر به عدد من المذاهب الكلامية . ولكن أكثر المتعصبين لعمر لم يأخذوا بقوله هذا ، ما عدا ابن تيمية وبعض تلاميذه ، كما سترى !
ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٥١
وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر رضياللهعنه قال : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه . انتهى . ورواه الشوكاني في فتح القدير ج ٢ ص ٦٥٨ وغيره ، وعالج : منطقة رملية في بين صحراء نجد والبحرين .
آراء المسلمين في آيات الخلود وأحاديثه
من عادة الكلاميين والمفسرين عندما يجدون قولاً لصحابي يحبونه مخالفاً لآيات محكمة وأحاديث صريحة ، كمسألتنا هذه أنهم يحشدون للقارئ أقوالاً وآراء عديدة متضاربة متناقضة ، ويؤيدونها بروايات كثيرة متضاربة أيضاً ، وكأن واحدهم متحيرٌ يكتب للناس تحيره ويستغيث بهم ! أو كأن هدفه بدل التفسير والتوضيح ترويض ذهن القارئ وتدويخه لكي يقبل التناقض الذي يريد إقناعه به !
وموضوعنا هذا واحدٌ من هذه الموضوعات التي اتبع فيها المفسرون السنيون هذه السياسة .
وتفادياً لذلك نقدم
رأي أهل البيت عليهمالسلام وعلماء مذهبهم في المسألة وما وافقهم وما خالفهم من الآراء الأخرى ، ليعرف الباحث من أين جاء الخلل إلى الرواة السنيين ومصادرهم في تفسير آيات الله تعالى ، وتفسير أقوال النبي صلىاللهعليهوآله ، فإن الميزان
الشرعي لكل الآراء والأحاديث عند الجميع هو القرآن والمتفق عليه من السنة . . ويضاف اليه عندنا ما ثبت عن المفسرين الشرعيين للقرآن بعد النبي صلىاللهعليهوآله الذين هم عترته بصريح قوله صلىاللهعليهوآله ( إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) وحديث الثقلين صحيح عند الجميع .
أجمع المسلمون على خلود الكفار في جهنم
ـ الإعتقادات للصدوق ص ٥٣
باب الإعتقاد في الجنة والنار : قال الشيخ أبو جعفر رحمهالله : اعتقادنا في الجنة : أنها دار البقاء ودار السلامة ، لا موتٌ فيها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة ولا زوال ولا زمانة ولا هم ولا غم ولا حاجة ولا فقر . وأنها دار الغنى ودار السعادة ، ودار المقامة ودار الكرامة ، لا يمس أهلها نصب ولا يمسهم فيها لغوب ، لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون . وأنها دارٌ أهلها جيران الله تعالى وأولياؤه وأحباؤه وأهل كرامته .
وهم أنواع على مراتب : منهم المتنعمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته ، ومنهم المتنعمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك وحور العين واستخدام الولدان المخلدين والجلوس على النمارق والزرابي ولباس السندس ، كلٌّ منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد ، على حسب ما تعلقت همته ، ويعطى ما عبد الله من أجله .
وقال الصادق عليهالسلام : إن الناس يعبدون الله على ثلاثة أصناف : فصنف منهم يعبدون شوقاً إلى جنته ورجاء ثوابه ، فتلك عبادة الخدام ، وصنف منهم يعبدونه خوفاً من ناره ، فتلك عبادة العبيد ، وصنف منهم يعبدونه حباً له ، فتلك عبادة الكرام ، وهم الأمناء ، وذلك قوله عز وجل : وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ .
واعتقادنا في النار : أنها دار الهوان ودار الإنتقام من أهل الكفر والعصيان ، ولا يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك .
ـ الإعتقادات ص ٨١
واعتقادنا في قتلة الأنبياء عليهمالسلام وقتلة الأئمة المعصومين عليهمالسلام أنهم كفار مشركون مخلدون في أسفل درك من النار . ومن اعتقد بهم غير ما ذكرناه ، فليس عندنا من دين الله في شيء .
ـ تفسير الإمام العسكري عليهالسلام ص ٥٧٨
قال الله تعالى : وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ، كان عذابهم سرمداً دائماً ، وكانت ذنوبهم كفراً ، لا تلحقهم شفاعة نبي ولا وصي ، ولا خيِّرٍ من خيار شيعتهم .
ـ التبيان في تفسير القرآن ج ٢ ص ٥٢٤
الخلود في اللغة هو طول المكث ، ولذلك يقال : خلده في السجن وخلد الكتاب في الديوان . وقيل للأثافي : خوالد ما دامت في موضعها ، فإذا زالت لا تسمى خوالد .
والفرق بين الخلود والدوام : أن الخلود يقتضي ( في ) كقولك خلد في الحبس ولا يقتضي ذلك الدوام ، ولذلك جاز وصفه تعالى بالدوام دون الخلود .
إلا أن خلود الكفار المراد به التأبيد بلا خلاف بين الأمة . . . ومعنى خلودهم فيها استحقاقهم لها دائماً مع ما توجبه من أليم العقاب ، فأما من ليس بكافر من فساق أهل الصلاة فلا يتوجه إليه الوعيد بالخلود ، لأنه لا يستحق إلا عقاباً منقطعاً به ، مع ثبوت استحقاقه للثواب الدائم ، لأنه لو كان كذلك لأدى إلى اجتماع استحقاق الثواب الدائم والعقاب الدائم لشخص واحد . والإجماع بخلافه .
ـ الطهارة للشيخ الأنصاري ص ٣٨٨
ومن ذلك يعلم الجواب
عما دل من الأخبار على عدم قبول توبته ، مثل قوله عليهالسلام : من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل على محمد صلىاللهعليهوآله فلا توبة له وقد وجبت عليه وبانت منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده . هذا مع أن عدم قبول التوبة لا ينافي الإسلام
، ودعوى المنافاة من جهة أن عدم القبول مستلزم للخلود في النار وهو ينافي الإسلام ،