الكافي - المقدمة

الكافي - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٢٢

٦ ـ ترك الكثير من الأخبار التي لم يرها قابلةً للرواية ، إمّا لوضعها من قبل غلاة الشيعة ، وإمّا لضعفها بعدم اقترانها بالقرائن المعتبرة عنده ، وإمّا لعدم ثبوت وثاقة ناقليها برأيه.

٧ ـ تصنيف الأحاديث المخرَّجة المرتّبة على الأبواب على الترتيب بحسب الصحّة والوضوح ، ولذلك أحاديث أواخر الأبواب ـ كما قاله بعض المحقّقين ـ لا تخلو من إجمال وخفاء (١).

٨ ـ رواية القواعد الأساسيّة في دراية الحديث وروايته وتقديمها في أوائل اصول الكافي لتكون منهجاً سليماً في تمييز خبر التقيّة عن غيره.

٩ ـ لا يورد الأخبار المتعارضة ، بل يقتصر على ما يدلّ على الباب الّذي عنونه ، وربّما دلّ ذلك على ترجيحه لما ذكر على ما لم يذكر (٢) ولا يُنافي هذا وجود بعض المتعارضات القليلة في الكافي.

١٠ ـ طرحه بعض آرائه الفقهيّة معقّباً بها بعض الروايات (٣) أو مصدِّراً بها بعض الأبواب (٤).

١١ ـ بيان بعض آرائه الكلاميّة والفلسفية في اصول الكافي (٥).

١٢ ـ اهتمامه البالغ في رواية المشهور والمتواتر خصوصاً في اصول الكافي وفروعه ، ويمكن ملاحظة هذا بسهولة ويُسرٍ في الكثير من أبواب الكافي ، وذلك لتزاحم الرواة واتّفاقهم على رواية معنى واحد ، وهذا يدخل في منهجه السندي أيضاً.

١٣ ـ العناية الفائقة برواية ما يتّصل بمكانة أهل البيت عليهم‌السلام ، وفضائلهم ، وعلمهم ، وإمامتهم ، والنصّ عليهم ، مع تفصيل الكثير من أحوالهم ، وبيان تواريخهم بشرح‌

__________________

(١) روضات الجنّات ، ج ٦ ، ص ١١٦ ، ولا يضرّ خروج بعض الأحاديث في عدد من الأبواب عن هذا الترتيب ، لكون المراد هو الأعمّ الأغلب.

(٢) نهاية الدراية ، ص ٥٤٥.

(٣) الكافي ، كتاب الحجّة ، باب أنّ الإمامة عهد من الله ... ، ح ٧٤٠.

(٤) الكافي ، كتاب الحجّة ، باب الفي‌ء والأنفال ....

(٥) الكافي ، كتاب التوحيد ، باب أنّه لا يعرف إلاّبه ، ذيل ح ٢٢٩ ؛ وباب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ، ذيل ح ٣٠٧ ؛ وباب تأويل الصمد ، ذيل ح ٣٢٧ ؛ وباب جوامع التوحيد ، ذيل ح ٣٥٠.

١٠١

مواليدهم ووفياتهم صلوات الله عليهم.

١٤ ـ إخضاع متون الكافي اصولاً وفروعاً إلى تبويب واحد ، دون روضة الكافي.

تبويب وترتيب الكافي :

لتصنيف الأحاديث الشريفة وتبويبها وترتيبها طريقتان مشهورتان ، وهما :

١ ـ طريقة الأبواب :

وفيها يتمّ توزيع الأحاديث ـ بعد جمعها ـ على مجموعة من الكتب ، والكتب على مجموعة من الأبواب ، والأبواب على عدد من الأحاديث ، بشرط أن تكون الأحاديث مناسبةً لأبوابها ، والأبواب لكتبها. وقد سبق الشيعةُ غيرَهم إلى استخدام هذه الطريقة ، وأوّل من عرف بها منهم هو الصحابي الجليل أسلم أبو رافع ( م ٤٠ أو ٣٥ هـ ) في كتابه السنن والأحكام والقضايا إذْ صنّفه على طريقة الأبواب (١) ، ثمّ شاع استخدامها بعد ذلك ، وتأثّر بها أعلام المحدّثين من الفريقين ؛ لما فيها من توفير المزيد من الجهد لمن أراد الاطّلاع على معرفة شي‌ء من الأحاديث في حكمٍ ما والوقوف عليه بسهولة ويُسرٍ.

٢ ـ طريقة المسانيد :

والتصنيف بموجب هذه الطريقة له صور متعدّدة.

منها : القيام بجمع ما عند كلّ صحابي من الحديث المرفوع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سواء كان الحديث صحيحاً أو ضعيفاً ، ثمّ يرتّبُه على ترتيب الحروف ، أو القبائل ، أو السابقة في الإسلام ، وهكذا حتّى ينتهي إلى النساء الصحابيّات ، ويبدأ بامّهات المؤمنين (٢).

ومنها : القيام بجمع ما أسنده أحد أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام من الأحاديث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتاب يسمّى « المسند » ، مضافاً إلى اسم ذلك الإمام عليه‌السلام ، كمسند الإمام الباقر أو الصادق عليهما‌السلام. وهذه الطريقة استخدمها تلاميذ الأئمّة عليهم‌السلام من رواة العامة.

ومنها : أن تجمع ـ من كتب الحديث ـ روايات راوٍ معيّن أسندها إلى الأئمّة عليهم‌السلام ، وتدوَّن في كتاب يسمّى « المسند » مضافاً إلى اسم ذلك الراوي الّذي أسند الأحاديث ،

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ٦ ، الرقم ١.

(٢) الخلاصة في اصول الحديث ، ص ١٤٧ ، ومن المسانيد المصنّفة بهذه الصورة مسند أحمد بن حنبل.

١٠٢

كما هو الحال في مسند زرارة بن أَعْيَن ، ومسند محمّد بن مسلم المطبوعين.

ولو استخدمت هذه الصورة في جمع ما أسنده بعض الرواة الذين أكثروا من الرواية عن الأئمّة عليهم‌السلام ولم يرد توثيق بحقّهم ، أو اختلف الرجاليّون بشأنهم ؛ لسهّلت الوقوف على امور كثيرة قد تؤدّي إلى إعادة النظر في تقييم حال اولئك الرواة ؛ لأنّ النظر في نشاطهم العلمي وتراثهم الفكري يكشف عن أشياء ذات صلةٍ وثيقةٍ بالدقّة والضبط والعلم والوثاقة وغيرها من الامور التي ربّما لم تلحظ في تقييمهم بكتب الرجال.

ومهما يكن ، فقد استخدم الكليني قدس‌سره الطريقة الاولى في تصنيف كتابه الكافي ، لتلبيتها غرضه في أن يكون كتابه مرجعاً للعالِم والمتعَلّم ، سهل التناول في استخراج أيّ حديث من أحاديثه.

وقد حقّق ثقة الإسلام هذا المطلب على أحسن ما يُرام ، إذْ قسّم كتابه الكافي على ثلاثة أقسام رئيسيّة ، وهي : اصول الكافي ، وفروع الكافي ، وروضة الكافي.

ثمّ قسّم اصول الكافي على ثمانية كتب اشتملت على (٤٩٩) باباً ، وتجد هذا التصنيف نفسه مع فروع الكافي أيضاً ، إذ اشتملت على (٢٦) كتاباً ، فيها (١٧٤٤) باباً. أمّا قسم الروضة من الكافي فلم يخضعه إلى هذا المنهج من التصنيف ، بل ساق أحاديثه تباعاً من غير كتب أو أبواب ، بل جعله كتاباً واحداً.

شبهة فصل كتاب الروضة عن الكافي :

إنّ أوّل من أثار هذه الشبهة هو الخليل بن غازي القزويني ( م ١٠٨٩ هـ ) ، فيما حكاه الشيخ عبدالله الأفندي في رياض العلماء ؛ إذ قال في ترجمته : « .. وكان له رحمه‌الله أقوال في المسائل الاصوليّة والفروعيّة انفرد في القول بها ، وأكثرها لا يخلو من عجب وغرابة ـ إلى أن قال : ـ ومن أغرب أقواله : بأنّ الكافي بأجمعه قد شاهده الصاحب عليه‌السلام ... وإنّ الروضة ليس من تأليف الكليني رحمه‌الله ، بل هو من تأليف ابن إدريس ، وإن ساعده في الأخير بعض الأصحاب ، وربّما ينسب هذا القول الأخير إلى الشهيد الثاني أيضاً ، ولكن لم يثبت » (١).

__________________

(١) رياض العلماء ، ج ٢ ، ص ٢٦١.

١٠٣

وقال السيّد الخوانساري في ترجمته أيضاً : « وكان ينسب تأليف روضة الكافي إلى صاحب السرائر ـ يعني ابن إدريس ـ كما ينسب ذلك أيضاً إلى الشهيد الثاني » (١).

جواب هذه الشبهة :

أوّلاً ـ ما في كتاب الروضة يشهد على أنّه للكليني :

المعروف عن كلّ كتاب أنّه مرآة عاكسة لشخصيّة مؤلّفه في اسلوبه ، ولغته ، وطريقته في الكلام ، ومعالجة ما يريد بحثه ، أمّا إذا كان الكتاب من كتب رواية الحديث ـ ككتاب الروضة ـ ففيه زيادة على ما مرّ بيان سند الحديث وتحديد رجاله بشكل تتّضح معه أسماء مشايخ المؤلّف لكي لا يتّهم في الرواية بأخذها على علاّتها من غير سماع ولا تحديث ، فيُرمى حينئذٍ بالتدليس.

وممّا يلحظ على كتاب الروضة جملة امور منها :

١ ـ اسلوب عرض المرويّات فيه هو الاسلوب بذاته في اصول وفروع الكافي ، إذ يبدأ أوّلاً بذكر سلسلة السند كاملة إلاّما ندر ـ وهذه ميزة امتاز بها الكافي على غيره من كتب الحديث ـ ومن ثمّ اتّباع اسلوب البحث عن طرق اخرى مكمّلة للرواية وترتيب هذه الطرق بحسب جودتها ، وهذا هو ما عُمل في اصول وفروع الكافي ، وأمّا كثرته هناك وقلّته هنا فهي لانعدام التبويب في الروضة وما فرضه محتوى الكتاب من عدم تنسيق الأحاديث فيه وتصنيفها إلى كتب وأبواب.

٢ ـ لغة الروضة من حيث العنعنة السائدة ، والإصطلاح المتداول في نظام الإحالة على إسناد سابق ، واختصار الأسانيد ، والمتابعات والشواهد هي بعينها في اصول الكافي وفروعه.

٣ ـ رجال أوّل السند من مشايخ ثقة الإسلام الكليني إلاّ القليل النادر منهم حيث أخذ مرويّاتهم من كتبهم المتداولة في عصره والمعروفة الانتساب إلى أصحابها الثقات ، وما قبلها من إسنادٍ فهو لها أيضاً ، وهو ما يعرف بالإسناد المعلّق ، ولا منافاة بينه وبين الأخذ من الكتاب مباشرة ، كما فعل ذلك أيضاً في الاصول والفروع.

٤ ـ طرق روايات الاصول والفروع ( سلسلة السند ) إلى أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام هي‌ طرق روايات الروضة أيضاً.

__________________

(١) روضات الجنّات ، ج ٣ ، ص ٢٧٢.

١٠٤

٥ ـ ممّا امتاز به الكليني على سائر المحدّثين هي العِدَّة التي يروي بتوسّطها عن ثلاثة من المشايخ المعروفين وهم : أحمد بن محمّد بن عيسى ، وأحمد بن محمّد بن خالد ، وسهل بن زياد ، وليس لهذه العِدّة من أثر في كتب الحديث الاخرى ، وإن وُجدت فهي مأخوذة من الكافي. وروايات العِدّة توزّعت على الاصول والفروع والروضة.

٦ ـ هناك جملة وافرة من مرويّات الروضة مرتبطة بعناوين بعض كتبه المفقودة ، كروايات تعبير الرؤيا المرتبطة بكتاب تعبير الرؤيا المفقود ، وروايات رسائل الأئمّة عليهم‌السلام المرتبطة بكتاب الرسائل المفقود أيضاً. وهذا ما يقرب من احتمال نقلها من كتبه المذكورة إلى كتاب الروضة ، لاسيّما وأنّ الكافي آخر مؤلّفات الكليني (١).

ثانياً : تصريح المتقدّمين بأنّ الروضة من كتب الكافي :

وهو ما ذكره الشيخ النجاشي في ترجمة الكليني ، قال : « صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني ـ يسمّى الكافي ـ في عشرين سنة ، شرح كتبه : كتاب العقل ، كتاب فضل العلم ـ إلى أن قال : ـ كتاب الروضة. وله غير كتاب الكافي : كتاب الردّ على القرامطة ... » (٢).

وقال الشيخ في الفهرست : « له كتب منها : كتاب الكافي ، وهو يشتمل على ثلاثين كتاباً ، أوّله كتاب العقل والجهل ـ إلى أن قال : ـ وكتاب الروضة آخر كتب الكافي. وله كتاب الرسائل ... » (٣).

ثالثاً : تواتر طرق الشيعة إلى كتب الكليني ومنها الروضة :

من مراجعة ما ذكره الشيخ والنجاشي في بيان طرقهما إلى كتب الكليني ومنها الروضة كما مرّ عنهما ، يعلم تواتر تلك الطرق وهي باختصار :

١ ـ الشيخ المفيد ، عن ابن قولويه ، عن الكليني.

__________________

(١) ودليل كون كتاب الكافي الشريف آخر مؤلّفات ثقة الإسلام رحمه‌الله هو ما ذكره الكليني نفسه في ديباجة الكافي بشأن كتاب الحجّة ؛ إذ وعد أن يُفرد لموضوع « الحجّة » ـ فيما لو أسعفه الأجل ـ كتاباً أوسع ممّا هو عليه في الكافي. ولكنّ يد المنون عاجلته قبل الشروع بما وعد به رحمه‌الله ؛ إذ لا يُعرف له كتاب بعنوان « الحجّة » غير ما في كتاب الكافي ، وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم أيضاً.

(٢) رجال النجاشي ، ص ٣٧٧ ، الرقم ١٠٢٦.

(٣) الفهرست للطوسي ، ص ٢١٠ ، الرقم ٦٠٢.

١٠٥

٢ ـ الحسين بن عبيدالله الغضائري ، عن ابن قولويه ، عن الكليني.

٣ ـ الحسين بن عبيدالله الغضائري ، عن أبي غالب الزراري ، عن الكليني.

٤ ـ الحسين بن عبيدالله الغضائري ، عن أحمد بن إبراهيم الصيمري ، عن الكليني.

٥ ـ الحسين بن عبيدالله الغضائري ، عن التلعكبري ، عن الكليني.

٦ ـ الحسين بن عبيدالله الغضائري ، عن أبي المفضّل ، عن الكليني.

٧ ـ السيّد المرتضى علم الهدى ، عن أحمد بن علي بن سعيد الكوفي ، عن الكليني.

٨ ـ أحمد بن علي بن نوح ، عن ابن قولويه ، عن الكليني.

٩ ـ ابن عبدون ، عن الصيمري ، عن الكليني.

١٠ ـ ابن عبدون ، عن عبدالكريم بن عبدالله بن نصر البزّاز ، عن الكليني.

وهناك طرق اخرى كثيرة لكتاب الكافي ، كالطرق التي ذكرها الشيخ الصدوق وغيره ممّا لا حاجة إلى تتبّعها.

رابعاً : النقل القديم المباشر من كتاب الروضة :

وهذا وحده كافٍ لإبطال تلك الشبهة ، وإليك بعض تلك النقولات من روضة الكافي :

١ ـ في كتاب فرج المهموم للسيّد ابن طاووس الحسني ( م ٦٦٤ هـ ) ، قال :

روينا بإسنادنا إلى الشيخ المتّفق على عدالته وفضله وأمانته محمّد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة ما هذا لفظه : قال : عِدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، عن الحسن بن أسباط ، عن عبدالرحمن بن سيابة ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : جعلت لك الفداء ، إنّ الناس يقولون أنّ النجوم لا يحلّ النظر إليها .... (١)

٢ ـ وفيه :

ما روينا بإسنادنا إلى محمّد بن يعقوب في كتاب الروضة من كتاب الكافي ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عمّن أخبره عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، أنّه سئل عن النجوم .... (٢)

ثمّ أخرجه من طريق آخر إلى كتاب ابن أبي عمير نفسه (٣).

__________________

(١) فرج المهموم ، ص ٨٦ ، ح ١ ، والحديث سنداً ومتناً موجود في الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٥٠٤٩.

(٢) المصدر السابق ، ص ٨٧ ، ح ١ ، وهو بعينه في الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٧٢ ، ح ٥٠٨.

(٣) فرج المهموم : ص ٨٧ ذيل ح ٣.

١٠٦

٣ ـ وفيه :

ما روينا بإسنادنا عن محمّد بن يعقوب في كتاب الروضة أيضاً ، عن أحمد بن عليّ وأحمد بن محمّد جميعاً ، عن علي بن الحسين الميثمي ، عن محمّد بن الواسطي ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن أحمد بن عمر الحلبي ، عن حمّاد الأزدي ، عن هاشم الخفّاف ، قال : قال لي أبو عبدالله عليه‌السلام : كيف بصرك بالنجوم؟ .... (١)

٤ ـ وفيه :

روينا بإسنادنا إلى محمّد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام : أنّ آزر أبا إبراهيم عليه‌السلام كان منجّماً ... (٢)

ثمّ ذكر اختلاف طرق الرواية وقال : « محمّد بن يعقوب أبلغ فيما يرويه وأصدق في الدراية » (٣).

٥ ـ وفيه :

روينا بإسنادنا ، عن محمّد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الحرّ والبرد .... (٤)

٦ ـ وفيه أيضاً :

روينا بإسنادنا إلى محمّد بن يعقوب الكليني أيضاً في كتاب الروضة قال : عِدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن عليّ بن عثمان ، قال : حدّثني أبو عبدالله المدائني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إنّ الله تعالى خلق زُحَلَ في الفلك السابع .... (٥)

٧ ـ وقال السيّد ابن طاووس في جمال الاسبوع :

وروى محمّد بن يعقوب من كتاب الروضة ممّا يتضمّن حديث الشيعة ، يقول فيه عن أبي‌

__________________

(١) فرج المهموم ، ص ٨٨ ، ح ٤ ، وهو بعينه موجود في الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٥٣٦٤.

(٢) فرج المهموم ، ص ٨٩ ، ح ٥ ، وهو بعينه في الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٥٣٧٣.

(٣) فرج المهموم ، ص ٨٩ ، ذيل ح ٥.

(٤) فرج المهموم ، ص ٩٠ ، ح ٦ ، وهو نفسه في الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٥٢٨٩.

(٥) فرج المهموم ، ص ٩٠ ـ ٩١ ، ح ٧ ، وهو في الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٥١٨٤.

١٠٧

الحسن صلوات الله عليه : إنّهم لطالما اتّكوا على الأرائك .... (١)

٨ ـ وقال السيّد ابن طاووس في فلاح السائل :

ما روينا بإسنادنا المشار إليه عن محمّد بن يعقوب الكليني رضوان الله جلّ جلاله عليه فيما رواه في كتاب الروضة من كتاب الكافي ، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى ، عن الحسين بن سعيد جميعاً ؛ عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن أحمد المنقري ، عن يونس بن ظبيان ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : ألا تنهى هذين الرجلين عن هذا الرجل؟ .... (٢)

٩ ـ وفيه أيضاً :

وروى محمّد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة في أوّل خطبة عن مولانا علي عليه‌السلام :

أمّا بعد ، فإنّ الله تبارك وتعالى بعث محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحقّ ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته .... (٣)

١٠ ـ وأورد الشيخ حسن بن سليمان الحلّي أحد علماء القرن التاسع الهجري ، ومن تلامذة الشهيد الأوّل في كتابه المحتضر عِدّة أحاديث عن محمّد بن يعقوب الكليني (٤) ، وجميعها من أحاديث روضة الكافي (٥).

التعريف بكتاب الروضة :

شغلت الروضة ـ كما مرّ ـ القسم الثالث من كتاب الكافي وذكر فيها الشيخ محمّد بن يعقوب اموراً شتّى من خطب الأئمّة عليهم‌السلام ورسائلهم وحكمهم ومواعظهم ، مع تفسير عدد كبير من الآيات القرآنية الكريمة ، متعرّضاً بين حين وآخر لزهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشيئاً من سيرته المشرّفة ، مختاراً نماذج من الأنبياء عليهم‌السلام للتحدّث عن‌

__________________

(١) جمال الاسبوع ، ص ٢٧٣ ، والحديث نفسه في الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٥١٠٦.

(٢) فلاح السائل ، ص ٢٨٤ ، ح ١٧٦ ، والحديث في الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٥٣٧٧.

(٣) فلاح السائل ، ص ٢٧٣ ، ح ٢٤٨ ، والحديث في الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٥٤٠٢.

(٤) المحتضر ، ص ٤٨ ، ٤٩ ، ٥٧ ، ١٢٩ ، ١٣١ ، ١٥٦.

(٥) راجع : بحسب ترتيب الأحاديث المنقولة منه في المحتضر في الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٥٠٦٦ ، ١٥٢٨٤ ، ١٤٨٣٣ ، ١٥١٩٢ ، ١٥٣٥١ و ١٥٢٠٧.

١٠٨

قصصهم وأقوالهم.

كما يجد المتتبّع لأحاديث الروضة نتفاً من الأحداث التاريخيّة المهمّة ، وسير بعض الصحابة وكيفيّة إسلامهم ، مع كثير من أخبار الصالحين وآداب المتأدّبين ، ولم ينس حقوق المسلمين فيما بينهم ، وما جبلت عليه القلوب ، ومخالطة الناس وأصنافهم وأمراضهم وطرق علاجها.

كما حشد في الروضة أحاديث عن بعض الفضائل ومدحها ، وعن الرذائل وذمّها ، واموراً اخرى عن المطر والشمس والقمر والنجوم حتى يبدو للباحث أنّ هذا الجزء الحافل بمختلف الأخبار من عقائد وتفسير وأخلاق وقصص وتاريخ وجغرافية وطبّ وفلك جاء اسماً على مسمّاه ، فهو كالروضة الندية حقّاً ، تجمع أشتاتاً من الورود والرياحين ، بيد أنها لا تخلو من أشواك وعلى الخبير المنقب أن يتحاشاها.

ولم تصنّف أحاديث الروضة كسابقيها ـ الاصول ، والفروع ـ على أساس الكتب والأبواب ، وإنّما ذُكِرت أحاديثها تباعاً خالية من كلّ عنوان ، وقد غاب المنهج بشكل واضح وذلك بتشتيت الأحاديث ذات العلاقة ببعضها في مواضع متفرّقة من هذا الجزء ممّا يصعب تناولها إلاّبقراءة جميع الأحاديث الواردة فيه.

هذا ... ويمكن انطباق خطوات المنهج العام في اصول الكافي وفروعه على خطوات المنهج المتّبع في الروضة ـ ما عدا التبويب ـ وذلك لتكرار معظمها في هذا الجزء من الكافي إلاّ أنّ الفارق الأساس بينهما ، هو أنّ أحاديث الاصول والفروع قد عالجت اموراً مخصّصة بذاتها كما أعربت عنها عناوين كتب الكافي.

أمّا أحاديث الروضة ، فهي وإن أمكن حصر بعضها بكتب أو أبواب معيّنة إلاّ أنّ بعضها الآخر لا يمكن دَرْجه تحت ضابط معيّن ، وذلك لتناولها اموراً بعيدة عن علوم الشريعة ، ومعالجتها أحداثاً ذات علاقة بشخصيّات إسلامية معيّنة ، أو لكونها متفرّدة بمعلوماتها ولا يمكن ضمّ غيرها من الأحاديث إليها ، ممّا يتطلّب معه كثرة عناوين الأبواب بعدد تلك الأحاديث التي تحمل هذه الصفة ، اللهمّ إلاّ إذا جمعت مثل‌

١٠٩

تلك الأحاديث تحت عنوان « متفرّقات » أو ما شابه ذلك. (١)

__________________

(١) لقد كتب الدكتور ثامر العميدي كتاباً بعنوان « حياة الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني » استجابة لطلب مسؤول المؤتمر العالمي لثقة الإسلام الكليني ، وسيطبع مع مجموعة آثار المؤتمر ، وقد قام الشيخ حيدر المسجدي بتلخيص هذين العنوانين : « حياة الشيخ الكليني » و « كتاب الكافي » من ذلك الكتاب ، وقد قام بمراجعتهما السيّد محمود الطباطبائي.

١١٠

٣. عملنا في الكتاب‌

١١١
١١٢

بعد تصويب طرح تصحيح وتحقيق كتاب الكافي من قبل الهيئة العلميّة لمؤسّسة دارالحديث ، وبعد مراجعة طبعات الكافي الموجودة وملاحظة توقّعات الطبقة العلميّة ومجموع المخاطَبين بكتب الحديث ؛ شُخّصت خمسة أهداف لهذا المشروع المهمّ ، وهي كالتالي :

١. عرضُ أصحّ متون الكافي وأقربها إلى ما صدر عن قلم الكليني ، اعتماداً على أفضل النسخ الخطّيّة الموجودة ، مع ذكر نسخ البدل التي يحتمل صحّتها في الهامش.

٢. التحقيق في جميع جوانب أسناد الكافي ورفع إشكالات السقط والتصحيف والتحريف الواردة فيها ، مع حلّ المشكلات الحاصلة إثر الطريقة التي اتّبعها الكليني في نقل الأسناد كالتعليق ، والتحويل ، وإرجاع الضمائر في أوّل السند وغيرها.

٣. بحثُ وتشخيص مشابهات أحاديث الكافي في نفس الكتاب وفي سائر مصادر الحديث المهمّة وتطبيقها متناً وسنداً.

٤. رفع إجمال وإبهام بعض كلمات الكافي وجمله وأحاديثه ، وذلك بشرحها وتوضيحها توضيحاً مختصراً نافعاً.

٥. إظهار حركات الإعراب والصرف على جميع الكلمات الواردة في أحاديث الكافي ، مضافاً إلى القيام ببعض الأعمال الفنّية والشكليّة الاخرى.

ولتحقيق هذه الأهداف قمنا بتطبيق العمل على انموذج معيّن ، فطبق منهج العمل على مقدار من اصول الكافي وقسم من فروعه ، وبعد تكميله بعثنا به إلى أكثر من ثلاثين من أفاضل علماء الحوزة العلميّة ومتخصّصي كتب الحديث لاستطلاع آرائهم في هذا العمل والأخذ بمقترحاتهم والاستفادة من تجاربهم ، وقد أرسل لنا الكثير بمقترحاتهم وآرائهم ، وعندها شرعنا بعملنا بسعة وجدّيّة.

١١٣

مراحل التحقيق‌

نُظّم العمل على عشر مراحل ، وهي :

المرحلة الاولى

معرفة النسخ الخطّيّة وتقييمها‌

تعتبر معرفة النسخ الخطّيّة وتقييمها وترتيبها الأولى فالأولى من أهمّ الأركان الأساسيّة للتصحيح ، وبدون ذلك سوف يكون العمل التصحيحي أبتراً وناقصاً لاقيمة له ، ولهذا قُمنا في المرحلة الاولى من العمل بمراجعة جميع فهارس النسخ الخطّية الموجودة لتشخيص ومعرفة النسخ الخطّيّة المختصّة بـالكافي ، وهيّئنا قائمة كاملة بالنسخ الخطّيّة المتوفّرة مع ذكر خصائص كلّ واحدة منها.

وفي هذه المرحلة تمّ تشخيص أكثر من (١٦٠٠) نسخة خطّيّة للكافي في مكتبات إيران ومكتبات عالميّة اخرى ، حيث يعود تأريخ كتابة (١٣) نسخة منها إلى القرن السابع حتّى نهاية القرن التاسع الهجري ، ويعود تأريخ (٦٤) نسخة منها إلى القرن العاشر ، ويعود تأريخ (١٣٠٠) نسخة منها إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر ، وأكثر من (٢٠٠) نسخة تعود كتابتها إلى القرن الثالث عشر الهجري.

وبعد هذا قمنا بتقييم هذه النسخ وترتيبها الأولى فالأولى منها على أساس الملاكات التالية :

١. التقدّم التأريخي للنسخة.

٢. باعتبار كاتب النسخة ، فتقدّم النسخ التي كتبها كبار العلماء والمحدّثين على غيرها.

٣. باعتبار من قابلها ، أو مَن قوبلت أو صحّحت النسخة عنده مِن العلماء والمحدّثين المشهورين.

٤. باعتبار تعداد النسخ التي قوبلت النسخة معها وفي أزمنة مختلفة.

٥. كون النسخة مملوكة لأحد كبار العلماء أو المحدّثين.

وطبقاً لهذه الملاكات عُيّنت أكثر من مائة نسخة من أفضل النسخ الخطّيّة المتوفّرة من نسخ الكافي ، وقد طلبناها من محالّ حفظها ، ووصلت بأيدينا منها ثلاث وسبعون نسخة.

١١٤

ولابدّ أن نلفت أنظار القرّاء المحترمين إلى أنّ تأريخ كتابة نسختين من النسخ الموجودة بأيدينا يعود إلى القرن السابع الهجري ، ونسخة اخرى تعود إلى القرن الثامن ، ونسختان منها بخطّ ملاّ فتح الله الكاشاني صاحب كتاب منهج الصادقين ، ونسخة بخطّ الحرّ العاملي ، وعدّة نسخ منها قد قوبلت وصحّحت عند الحرّ العاملي أيضاً.

وفيها نسخة حملت علامة بلاغ الشهيد الثاني رحمه‌الله ، وعدّة نسخ اخرى قد قوبلت مع نسخة الشهيد الثاني. كما أنّ هناك نسخ متعدّدة حملت علامة بلاغ العلاّمة المجلسي رحمه‌الله ، ومنها أيضاً نسخة حملت علامة بلاغ وإنهاء المرحوم ملاّ صالح المازندراني. ومنها نسخة قرأها الملاّ صالح المازندراني عند ملاّ محمّد تقي المجلسي المعروف بالمجلسيّ الأوّل وتشهد به علامة بلاغ بخطّ الملاّ محمّد تقي المجلسي. ونسخة اخرى قوبلت عند الشيخ البهائي وعليها علامة إنهاء بخطّه الشريف.

ومنها نسخة أيضاً بتصحيح الملاّ محمّد أمين الإسترآبادي. وتوجد عدّة نسخ اخرى عليها علامة سماع الشيخ صالح البحراني ، إلى غير ذلك من النسخ التي سوف يأتي تفصيلها عند الكلام في وصف النسخ الخطّيّة المعتمدة إن شاء الله تعالى.

المرحلة الثانية

معرفة المصادر التي تعدّ نسخة فرعيّة للكافي‌

مضافاً إلى النسخ الخطّيّة توجد عدّة مصادر روائيّة تعدّ نسخاً فرعيّة للكافي ؛ لنقلها رواياته واعتماد مؤلّفي هذه المصادر على نسخة أو نسخ من الكافي الموجودة عندهم ، فاعتبرنا هذه المصادر كبقيّة النسخ الخطّيّة ، واعتمدناها في تصحيح كتاب الكافي.

ويمكن تقسيم هذا القسم من نسخ الكافي ( أي النسخ الفرعيّة ) إلى ثلاثة أقسام :

أ. المصادر الواسطة‌

المراد بالمصادر الواسطة : هي الكتب التي نُقلت فيها روايات الكافي عن النسخ الموجودة للكافي عند مؤلّفيها ، وليس لهم سند خاصّ يصلهم بالكليني ولا بالكافي. وهذه المصادر كالتالي :

١. شروح الكافي ، مثل : شرح اصول الكافي لملا صدرا ، الرواشح السماويّة والتعليقة على‌

١١٥

الكافي لميرداماد ، وشرح ملاّصالح المازندراني ، ومرآة العقول وغيرها.

ولابدّ من الالتفات إلى أنّنا لا نحسب جميع ما نُقل في هذه الشروح بعنوان نسخة فرعيّة للكافي ، بل نحسب ما نحرز ونتيّقن أنّه منقول من متن الكافي فقط.

٢. الوافي للعلاّمة الفيض الكاشاني ، ويعتبر ما نقله الوافي من روايات الكافي من أصحّ النقول ، ولهذا يعدّ من أفضل النسخ الفرعيّة للكافي.

٣. وسائل الشيعة للشيخ الحرّ العاملي.

٤. بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي.

علماً بأنّنا نعتبر ماجاء في الوافي والوسائل والبحار نسخة فرعيّة إذا صُرّح بأنّ الرواية نقلت من الكافي ، أمّا في صورة احتمال نقلها عن مصدر آخر غير الكافي فعندها لا نعتبر هذه الكتب الثلاثة من النسخ الفرعيّة للكافي.

ولابدّ من الالتفات إلى أنّه في خصوص الوافي أحياناً ينقل متناً خاصّاً مشتركاً ويذكر له عدّة أسناد وعن عدّة كتب حديثيّة أحدها الكافي ، ففي هذه الحالة يكون تشخيص أنّ هذا الحديث نُقل عيناً من الكافي ، أو نقل من غيره من الكتب الأربعة أمر مشكل ، وفي هذه الموارد قمنا بمقابلة المتن مقابلة دقيقة ، وعاملناها معاملة نسخة فرعيّة للكافي ، ونقلنا موارد اختلافها مع الكتب الاخرى. نعم ، إذا ثبت لدينا بواسطة بعض القرائن أنّ الفيض قدس‌سره نقل هذا الحديث عن غير الكافي ، فلم ننقل الاختلافات الواردة فيه.

ب ـ مصادر الكافي‌

المراد من مصادر الكافي : هي الكتب الروائيّة المتقدّمة عليه والتي للمرحوم الكليني طريق وسند خاصّ إلى مؤلّفيها أو إلى نفس هذه الكتب وصرّح بذلك ؛ مثل : المحاسن ، بصائر الدرجات وغيرهما.

ج ـ المصادر الروائيّة المهمّة للشيعة‌

ويراد بها الكتب التي نقلت عن الكافي أو الكليني بواسطة أو عدّة وسائط مشخّصة ومعيّنة ، كأكثر الروايات المنقولة في التهذيب والاستبصار ، وكذا بعض روايات الفقيه وبقية كتب الشيخ الصدوق.

١١٦

المرحلة الثالثة

مقابلة الكافي مع النسخ الخطّيّة والفرعيّة‌

لا شكّ أنّ المقابلة مع النسخ الخطّيّة تعتبر من الأركان المهمّة في عمل التصحيح ، وهذا العمل ـ مضافاً إلى أنّه يستغرق زماناً طويلاً ـ بحاجة إلى دقّة كثيرة ، وتتضاعف صعوبة العمل عندما تكون أكثر النسخ رديئة الخطّ ولا تقرأ إلاّبصعوبة شديدة ، وفي موارد عديدة وكثيرة تسخدم العدسات المكبّرة لقراءة كلمة مّا ، أو يستعان بعدّة أفراد متخصّصين لقرائتها وتشخيصها.

وممّا يزيد في مشقّة العمل أنّنا نرى أنّ بعض النسخ التي ينبغي مقابلتها قد قوبلت مع أصلها ، واثبت ما سقط أو صحّح منها في حاشيتها ، وكما أنّ أكثر النسخ الخطّيّة قد قوبلت مرّة اخرى مع سائر النسخ واثبتت الاختلافات في الحاشية برموز معيّنة ، ولكي تميّز النسخة الجديدة عن نسخة الأصل استدعى ذلك وقتاً طويلاً ، فكان العمل بحاجة إلى دقّة شديدة وسعة تُتحمّل معها المشقّة. وقد سعينا أن نُوجد الظروف الملائمة لعمل المقابلة ؛ كي ننقل الاختلافات الواردة في النسخ ومعرفة حواشيها بدقّة وأمانة.

ومن الطبيعي أنّ مَن يقوم بالمقابلة مهما كانت دقّته ، فسوف تفوته بعض الاختلافات ، ومقتضى إتقان العمل مقابلة كلّ متن مع النسخة الواحدة مقابلتين كاملتين كي يحصل الإطمينان بنقل جميع الاختلافات الواردة فيه ، ولكنّنا لم نقم بهذا العمل وذلك لكثرة نسخ الكافي ، فهو غير ممكن في فترة زمنيّة محدّدة ، بل يقتضي وقتاً طويلاً ، ولذا اكتفينا بأن نقابل كلّ نسخة مرّة واحدة مع ملاحظة الدقّة والعناية الشديدتين ، وسعينا أن نراجع مراجعات متعدّدة في خصوص الموارد المهمّة لكي نجبر النواقص المحتملة.

وفي هذه المرحلة قمنا بمقابلة كلّ كتاب من كتب الكافي مقابلة دقيقة مع سبع إلى إحدى عشرة نسخة خطّيّة ، مضافاً إلى مقابلة جميع النسخ الفرعيّة التي تقدّم ذكرها ، ونقلنا جميع الاختلافات الواردة فيها.

وكان العمل في هذه المرحلة مثمراً جدّاً حيث إنّه ـ مضافاً إلى أنّنا استعنّا به في تصحيح الكافي ـ تمّ حفظه كأسناد قيّمة يمكن الرجوع إليها والاستفادة منها في أيّ وقت.

١١٧

المرحلة الرابعة

تصحيح المتون وتقويمها‌

إنّ المادّة الأوّليّة التي اعْتُمدت في تصحيح الكافي عبارة عن نسخ البدل التي نُقلت عن النسخ الخطّيّة وحواشيها وعن النسخ الفرعيّة ؛ ويقوم المصحّح بتشخيص النسخة الراجحة بملاحظة سياق الرواية ورعاية اصول فقه الحديث والقواعد الأدبيّة ، ويغيّر المتن في صورة إحراز الأرجحيّة. وأمّا إذا لم يحرز الأرحجيّة ، بل كانت جميع نسخ البدل مرجوحة ، فإنّه لايغيّر شيئاً وإنّما يكتفي بالإشارة إلى ذلك في الهامش.

و قد لاحظنا في تصحيح الكافي عدّة ضوابط كلّيّة ، وهي كالتالي :

الأوّل : لقد كان الهدف المهمّ والأساسي في تصحيح الكافي هو إراءة أصحّ المتون وأقربها إلى ما صدر عن قلم الكليني ـ كما أسلفنا ـ ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف المهمّ لا يوجد طريق آخر غير الاعتماد على نُسَخه الخطّيّة والفرعيّة ، ولهذا لم نقم بأيّ تصحيح لم يستند إلى هذه النسخ ، ونذكر في موارد التصحيح رموز النسخ المعتمدة الموافقة في الهامش بهذه الصورة : « هكذا في بف ، بن ، ... ».

ولأجل حفظ الأمانة نرى أنّ المحقّق في الموارد التي يرى أن كلمة أو عبارة منها غير صحيحة ، وجميع النسخ المعتمدة مطابقة لهذه الكلمة أو العبارة ، ولا توجد نسخة واحدة تؤيّد ما يراه المحقّق ، فإنّه يُبقي المتن على حاله ولم يغيّر شيئاً منه ، ويشير في الهامش إلى مايراه صحيحاً.

الثاني : لمّا لم نعثر على النسخة الأصليّة للكافي من بين النسخ ، كان الملاك في تصحيحه هو التلفيق بين نسخه وترجيح الراجحة منها على المرجوحة ، بمعنى أنّه لو كان اعتبار نسخة البدل أقوى من المتن المطبوع ، وقد ايّدت نسخة البدل بنسخ خطّيّة معتبرة ، قمنا بإثبات نسخة البدل في المتن ، وصحّحنا المتن طبق هذه النسخ ، وننقل المرجوح المنقول في الكافي المطبوع مع النسخ الموافقة له في الهامش.

الثالث : نظراً إلى أنّ من المحاور الأصليّة في تصحيح المتون هو تقييم نسخ البدل ومعرفة الراجحة والمرجوحة منها ، كان الملاك الأصلي في تعيين اعتبار نسخة البدل‌

١١٨

طبق الملاكات الثلاثة الآتية :

١. اعتبار نسخة البدل بذاتها‌

والمراد باعتبار نسخة البدل بذاتها هو أنّ نسخة البدل لو اثبتت في المتن سوف تجعل الرواية سلسة وواضحة وأصحّ من غيرها.

ويمكن القول بأنّ أهمّ ملاك في ترجيح نسخة البدل على متن الكافي في المطبعة الإسلاميّة هو هذا الملاك. ويكون تشخيصُ هذا في عهدة مقوّم النصّ.

وعمدة الملاكات الموجبة لاعتبار نسخة البدل بذاتها هي عبارة عن كونها موافقة لسياق الحديث وللذوق الحديثي ، وموافقتها لمصدر أو عدّة مصادر روائيّة مهمّة ، وموافقتها لشواهد من آيات الذكر الحكيم ، وموافقتها للقواعد النحويّة والصرفيّة المسلّمة وغيرها.

٢. قيمة النسخ الخطّيّة واعتبارها‌

ومن الملاكات الاخرى التي يكون لها تأثير في ترجيح واعتبار نسخة البدل ، هي قيمة النسخة الخطّية التي تنقل نسخة البدل عنها واعتبارها ورجحانها على غيرها من النسخ.

وبعبارة اخرى : فرق بين نسخة البدل التي تنقل عن نسخة خطّية عاديّة وبين ما تنقل عن نسخة خطّية كتبها ملاّ فتح الله الكاشاني رحمه‌الله ـ مثلاً ـ وقابلها مع عدّة نسخ اخرى ، أو بينها وبين نسخة كُتبت في القرن الثامن مثلاً.

٣. تعداد النسخ المتوافقة على نسخة البدل.

ومن الملاكات الاخرى المعتبرة في ترجيح نسخة البدل على غيرها ، هي تعداد النسخ المتوافقة من بين النسخ التي قوبلت على نسخة البدل المذكورة ، أصليّة كانت أو فرعيّة.

وبعبارة اخرى : كلّما ازداد عدد النسخ الخطّيّة المتوافقة على نسخة البدل ارتفعت قيمة نسخة البدل.

وبعد حذف نسخ البدل المغلوطة ، ولأجل تعيين مكانة نسخ البدل التي يحتمل فيها‌

١١٩

الصحّة ، وهل أنّ نسخة البدل تذكر في الهامش أو أنّها تنقل إلى المتن وما في المتن ينقل في الهامش ، لابدّ من ملاحظة الملاكات الثلاث المشار إليها في عرض واحد ، وفي صورة اشتمال نسخة البدل على الملاك الأوّل أو الملاكات الثلاث فلابدّ أن تثبّت في المتن ، وأمّا ما في الكافي المطبوع فإنّه إن لم يكن خطأ فإنّه يذكر في الهامش بعنوان نسخة بدل مع بقية النسخ الاخرى التي تنقل في الهامش.

هذا إذا كانت نسخ البدل متفاوتة في القوّة والضعف من حيث المعنى ، فيكون الملاك في تصحيح الكافي هو كونها أكثر قوّة واعتباراً ، أمّا إذا كانت نسخ البدل بقوّة واحدة وكونها معتبرة بعرضٍ واحد ولا ترجيح لمحتوى إحداها على الاخرى ، ففي هذه الصورة يؤخذ بأكثريّة النسخ الموجودة ، وهي التي تثبّت في المتن ، وتنقل النسخ الاخرى ذات العدد الأقلّ في الهامش باعتبار كونها نسخة بدل مرجوحة.

* مطالب لابدّ من ذكرها :

١. عاملنا متن الكافي المطبوع ( بتحقيق المرحوم الغفّاري وطبع دار الكتب الإسلاميّة ) معاملة نسخة معتبرة وهكذا سائر طبعاته الحجرّية عوملت كلّ واحدة منها معاملة نسخة واحدة معتبرة.

٢. ذكرنا أنّنا نعتمد في تصحيح الكافي على قاعدة ترجيح الراجح على المرجوح ، وهذا يتمّ مع تلقّي فرضية مسلّمة ، وهي أنّنا نعرف أنّ المتن الذي كتبه المؤلّف وصدر منه يكون من أصحّ المتون ، ولكنّ هذا المتن استنسخ مرّات عديدة وعلى أثرها وقعت اشتباهات من النسّاخ ، وقد تكثّرت هذه الاشتباهات كلّما كثرت الاستنساخات على مرّ التأريخ.

ولهذا اعتمدنا في تصحيح الكافي على النسخ القديمة والمعتبرة لكي نصل إلى المتن الأصلي للكتاب والذي هو أصحّ المتون.

الرابع : لقد أشرنا في الهامش إلى جميع الاختلافات الواردة بين النسخ المعتمدة التي يحتمل صحّتها ، سواء كانت تغيّر المعنى أم لم تغيّره ، ما عَدا كلمات الدعاء أمثال : ( عليه‌السلام ، وعليهما‌السلام ، وعليهم‌السلام ، وصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصلوات الله عليه و ... ) ،

١٢٠