السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢
وفي عبارته إشعار بل ظهور في انعقاد الإجماع على الرواية ، سيّما مع فتواه بها مع مخالفتها القاعدة كما مضى ، فإذاً لا مسرح ولا مندوحة عنها وإن كان عدم العدول مطلقاً أحوط وأولى.
ومتى جاز العدول استحق الأجير تمام الأُجرة ، أما مع امتناعه فلا وإن وقع عن المنوب عنه.
وكما يجب الإتيان بالمشترط من نوع الحج مع تعلّق الفرض به ، كذا يجب الطريق المشترط معه ؛ عملاً بقاعدة الإجارة.
وعليه أكثر المتأخرين (١) ، بل المشهور كما قيل (٢) ، وزاد بعضهم فقال : بل الأظهر عدم جواز العدول إلاّ مع العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق وأنّ هو وغيره سواء عند المستأجر ، ومع ذلك فالأولى وجوب الوفاء بالشرط مطلقاً (٣).
( وقيل : لو شرط عليه الحج على طريق جاز ) له ( الحج بغيرها ) للصحيح : عن رجل أعطى رجلاً حجة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة ، قال : « لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجه » (٤).
والقائل : الشيخان والقاضي والحلّي والفاضل في الإرشاد (٥) ، وعن
__________________
(١) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ٢٣٣ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ١٣٨ ، وصاحب المدارك ٧ : ١٢٣.
(٢) الحدائق ١٤ : ٢٧٠.
(٣) المدارك ٧ : ١٢٣.
(٤) الكافي ٤ : ٣٠٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦١ / ١٢٧١ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ / ١٤٤٥ ، الوسائل ١١ : ١٨١ أبواب النيابة في الحج ب ١١ ح ١.
(٥) المفيد في المقنعة : ٤٤٣ ، الطوسي في النهاية : ٢٧٨ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٦٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٦٢٧ ، الإرشاد ١ : ٣١٣.
الجامع نفي البأس عنه (١).
ولعلّه لصحة الرواية ، مع عمل الجماعة ، ولا سيّما نحو الحلّي ، ووضوح الدلالة وإن ناقش فيها المتأخرون باحتمال أن يكون قوله « من الكوفة » صفة لرجل ، لا صلة للحج كما في كلام بعضهم (٢).
أو الحمل على وقوع الشرط خارج العقد ، بناءً على عدم الاعتبار بمثله عند الفقهاء كما في كلام آخر.
أو تأويلها بما إذا لم يتعلق بطريق الكوفة مصلحة دينية ولا دنيوية ؛ لأن أغلب الأوقات والأحوال عدم تعلّق الغرض إلاّ بالإتيان بمناسك الحج ، وربما كان في قوله عليهالسلام : « إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجه » إشعار به ، كما في ثالث (٣).
أو أن الدفع وقع على وجه الرزق ، لا الإجارة ، وهو الذي تضمنه الخبر ، كما في رابع (٤).
أو كون المراد حصول الإجزاء ، لا جواز ذلك للأجير ، كما في خامس (٥).
وظني بُعد الكل ، إلاّ أن اجتماعها مع الشهرة على خلاف الرواية ربما أوجب التردد في الخروج بمثلها عن قواعد الإجارة ، ولا ريب أن الاحتياط في الوقوف على مقتضاها.
__________________
(١) الجامع للشرائع : ٢٢٦.
(٢) المدارك ٧ : ١٢٣.
(٣) الحدائق ١٤ : ٢٧١.
(٤) منتقى الجمان ٣ : ٨٤.
(٥) الذخيرة : ٥٦٩.
ثم إنه على تقدير العمل بالرواية لا ريب في صحة الحج مع المخالفة ، واستحقاق الأُجرة.
وأما على غيره فالذي قطع به جماعة (١) صحته أيضاً وإن تعلّق الغرض بالطريق المعيّن ؛ لأنه بعض العمل المستأجر عليه ، وقد امتثل بفعله.
ويضعّف : بأن المستأجر عليه الحج المخصوص ، وهو الواقع عقيب قطع المسافة المعيّنة ، ولم يحصل الإتيان به. نعم لو تعلّق الاستيجار بمجموع الأمرين من غير ارتباط لأحدهما بالآخر اتّجه ما ذكروه (٢).
( ولا يجوز للنائب الاستنابة ، إلاّ مع الإذن ) له فيها صريحاً ممّن يجوز له الإذن فيها ، كالمستأجر عن نفسه ، أو الوصي والوكيل مع إذن الموكل له فيه ، أو إيقاع العقد مقيداً بالإطلاق ، لا إيقاعه مطلقاً ، فإنه يقتضي المباشرة بنفسه.
والمراد بتقييده بالإطلاق أن يستأجره ليحج عنه مطلقاً ، بنفسه أو بغيره ، أو بما يدل عليه ، كأن يستأجره لتحصيل الحج عن المنوب عنه.
وبإيقاعه مطلقاً أن يستأجره ليحج عنه ، فإنّ هذا الإطلاق يقتضي مباشرته ، لا استنابته فيه.
كلّ ذلك للأُصول المقررة ، وبها أفتى جماعة ، كالحلّي في السرائر والشهيدين في الدروس واللمعتين (٣) ، بل قيل : لا خلاف فيه.
__________________
(١) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٧٧٠ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٣١٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٩١.
(٢) كما في المدارك ٧ : ١٢٣.
(٣) السرائر ١ : ٦٢٧ ، الدروس ١ : ٣٢٥ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ١٩١.
مع أن الشيخ قال في التهذيب : ولا بأس أن يأخذ الرجل حجة فيعطيها لغيره ، وأطلق ؛ للخبر الذي رواه : في الرجل يعطى الحجة فيدفعها إلى غيره قال : « لا بأس » ورواه الكليني أيضاً (١).
وضعف سنده يمنع عن العمل به قطعاً ، فضلاً أن يقيّد به الأُصول المتقدمة ، بل ينبغي صرف التوجيه إليه بحمله على صورة الإذن كما في الدروس (٢) ، أو عدم تعلق الغرض بالنائب الأول كما في غيره (٣).
( ولا ) يجوز للنائب أن ( يوجر نفسه لغير المستأجر في السنة التي استوجر لها ) قطعاً ؛ لاستحقاق الأول منافعه تلك السنة لأجل الحج ، فلا يجوز صرفها إلى غيره.
ويجوز لغيرها بشرط عدم فورية الحج ، أو تعذر التعجيل ؛ لعدم المنافاة بين الإجارتين.
ولو أطلقت الأُولى ففي جواز الثانية مطلقاً ، أو العدم كذلك ، أو الجواز في غير السنة الأُولى والعدم فيها ، أوجه وأقوال. أوسطها أشهرها ؛ بناءً على اقتضاء الإطلاق التعجيل عند المشهور ، كما في المسالك وغيره (٤) ، بل عن المقدّس الأردبيلي لعلّه لا خلاف فيه (٥) ، فيكون كالمعيّن الفوري.
ومستنده غير واضح إن لم يكن إجماع عدا ما عن المقدّس الأردبيلي من فورية الحج ، واقتضاء مطلق الإجارة اتصال زمان مدة يستأجر
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٠٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٧ / ١٤٤٩ ، الوسائل ١١ : ١٨٤ أبواب النيابة في الحج ب ١٤ ح ١.
(٢) الدروس ١ : ٣٢٥.
(٣) انظر المعتبر ٢ : ٧٧٠.
(٤) المسالك ١ : ٩٦ ؛ وانظر الحدائق ١٤ : ٢٧٢.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ١٤٥.
له بزمان العقد ، وهو يقتضي عدم جواز التأخير عن العام الأول.
ويضعّف الثاني : بأنه مصادرة. والأول : بأنه أخصّ من المدّعى ، فقد يكون الحج مندوباً أو واجباً مطلقاً ، ومع ذلك فالفورية إنما هي بالنسبة إلى المستأجر لا الموجر ، ولا تلازم بينهما ، فتأمل جدّاً.
هذا ، ولا ريب أن المنع مطلقاً أحوط وأولى.
( ولو صدّ قبل الإكمال ) أي إكمال العمل المستأجر عليه مطلقاً ( استعيد ) منه ( من الأُجرة بنسبة المتخلّف ) منه إن كانت الإجارة مقيدة بسنة الصدّ ؛ لانفساخها بفوات الزمان الذي تعلّقت به.
( ولا يلزم ) المستأجر ( إجابته ) لو التمس عدم الاستعادة ( وضمن الحج ) من قابل ( على الأشبه ) لعدم تناول العقد لغير تلك السنة.
خلافاً لظاهر السرائر والنهاية والمبسوط والمقنعة والمهذّب والحلبي (١) كما حكي ، فيلزم.
ومستنده غير واضح ، مع احتمال أن يكون مرادهم الجواز برضا المستأجر ، ولا كلام فيه حينئذ.
ولا فرق بين أن يقع الصدّ قبل الإحرام ودخول الحرم ، أو بعدهما ، أو بينهما ؛ لعموم الأدلة.
وإلحاقه بالموت قياس فاسد في الشريعة ، مع كونه مع الفارق ؛ لما قيل : من الاتفاق على عدم الإجزاء مع الصدّ إذا حجّ عن نفسه ، فكيف عن غيره (٢).
__________________
(١) السرائر ١ : ٦٢٩ ، النهاية : ٢٧٨ ، المبسوط ١ : ٣٢٣ ، المقنعة : ٤٤٣ ، المهذّب ١ : ٢٦٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٢٠.
(٢) كشف اللثام ١ : ٢٩٧.
خلافاً لظاهر الماتن في الشرائع والمحكي عن الخلاف (١) ، فألحقاه بالموت. ولا وجه له ، مضافاً إلى ما عرفته.
نعم ، عن الخلاف أنه نظمه مع الموت في سلك ، واستدل بإجماع الفرقة على أن هذه المسألة منصوص لهم لا يختلفون فيها.
قال الناقل : وظنّي أن ذكر الإحصار من سهو قلمه أو غيره (٢).
وإن كانت الإجارة مطلقة وجب على الأجير الإتيان بالحج بعد الصد ؛ لعدم انفساخها به.
وهل للمستأجر أو الأجير الفسخ؟ قال الشهيد : ملكاه في وجه قوي (٣).
وعلى تقديره له اجرة ما فعل ، واستعيد بنسبة ما تخلّف.
ومتى انفسخت الإجارة استوجر من موضع الصدّ مع الإمكان ، إلاّ أن يكون بين مكة والميقات فمن الميقات ؛ لوجوب إنشاء الإحرام منه.
( ولا ) يجوز له أن ( يطاف عن حاضر متمكن من الطهارة ) للأصل ، والمعتبرة ، منها : الرجل يطوف عن الرجل وهو مقيم بمكة ، قال : « لا » (٤).
و ( لكن يطاف به ) ( حيث لا يمكنه الطواف بنفسه ) (٥) كما في الصحاح المستفيضة ، منها : « المريض المغلوب أو المغمى عليه يرمى عنه
__________________
(١) الشرائع ١ : ٢٣٣ ، الخلاف ٢ : ٣٩٠.
(٢) كشف اللثام ١ : ٢٩٧.
(٣) الدروس ١ : ٣٢٣.
(٤) الكافي ٤ : ٤٢٢ / ٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٧ أبواب الطواف ب ٥١ ح ١.
(٥) ما بين القوسين ليست في « ق » و« ك ».
ويطاف به » (١).
( ويطاف عمّن لم يجمع الوصفين ) بأن كان غائباً ، أو غير متمكن من استمساك الطهارة ، كما في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق منها بالغائب في بحث الطواف.
وأما ما يتعلق منها بالمريض فصحيح مستفيض ، منها : « المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه » (٢).
ومنها : « المبطون والكبير يطاف عنهما ويُرمى عنهما » (٣).
ولا خلاف في شيء من الأحكام المزبورة أجده ، وبه صرّح جماعة (٤) ، بل قيل في الأولين : كأنه اتفاقي (٥).
قيل : وإنما يطاف عن المريض ومثله بشرط اليأس عن البرء أو ضيق الوقت (٦) ، كما في الخبرين (٧) الآتي أحدهما قريباً ، وهو أحوط ، وبالأصل أوفق ، فيجبر به ضعف سند النص ، ويقيّد به إطلاق ما مرّ من الأخبار.
وليس الحيض من الأعذار المسوّغة للاستنابة في طواف العمة ؛ لما
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٢٣ / ٤٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٥ / ٧٧٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٣ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ١.
(٢) التهذيب ٥ : ١٢٣ / ٤٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٦ / ٧٧٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٩ أبواب الطواف ب ٤٧ ح ١.
(٣) التهذيب ٥ : ١٢٤ / ٤٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٦ / ٧٨٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٣ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ٣ وفي الجميع : الكسير ، بدل : الكبير.
(٤) منهم العلامة في المنتهى ٢ : ٧٠١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٦٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٩٩.
(٥ و ٦) كشف اللثام ١ : ٢٩٩.
(٧) الأول : التهذيب ٥ : ١٢٤ / ٤٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٦ / ٧٨٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٧ أبواب الطواف ب ٤٥ ح ٣.
الثاني : سيأتي تخريجه في الصفحة : ٢٧٥٩.
سيأتي إن شاء الله تعالى من إمكان عدولها إلى حجّ الإفراد ، للروايات ، إلاّ في طواف الحج والنساء مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها من أهلها في البلاد البعيدة ، فيجوز لها الاستنابة ، كما عن الشيخ (١) ، وقوّاه جماعة كالفاضل المقداد في التنقيح وشيخنا في المسالك وسبطه في المدارك (٢) وغيرهم من المتأخرين (٣).
للصحيح : إنّ معنا امرأة حائضاً ولم تطوف النساء وأبي الجمّال أن يقيم عليها ، قال : فأطرق وهو يقول : « لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمّالها » ثم رفع رأسه إليه فقال : « تمضي فقد تمّ حجها » (٤).
بحمله على الاستنابة ؛ لعدم قائل بعدمها وعدم وجوب المباشرة.
ويعضده الخبر المعلّل الوارد في المريض : « هذا ما غلب الله تعالى عليه ، فلا بأس أن يؤخر الطواف يوماً أو يومين ، فإن خلته العلّة عاد فطاف أُسبوعاً ، وإن طالت علّته أمر من يطوف عنه أُسبوعاً » الخبر (٥). وليس في سنده سوى سهل ، وضعفه كما قيل (٦) سهل.
( ولو حمل إنساناً فطاف به احتسب لكل منهما طوافه ) لو نويا ، كما
__________________
(١) انظر المبسوط ١ : ٣٣١.
(٢) التنقيح الرائع ١ : ٤٣٠ ، المسالك ١ : ٩٧ ، المدارك ٧ : ١٣٠.
(٣) راجع مفاتيح الشرائع ١ : ٣٦٤.
(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٥ / ١١٧٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٣ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١٣.
(٥) الكافي ٤ : ٤١٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٤ / ٤٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٦ / ٧٨٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٦ أبواب الطواف ب ٤٥ ح ٢.
(٦) لم نعثر على هذا اللفظ ، ولكن قال المجلسي في الوجيزة : ٢٢٤ : وعندي لا يضر ضعفه لكونه من مشايخ الإجازة ، واستقرب توثيقه الحر العاملي في الوسائل ٣٠ : ٣٨٩ ، ولمزيد الاطلاع انظر تعليقات الوحيد البهبهاني على منهج المقال : ١٧٦ ، ١٧٧.
عن النهاية والمبسوط والوسيلة وفي الشرائع وغيرها (١).
أما عن المحمول فبالاتفاق كما في الإيضاح (٢) ، وللصحيح : في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به ، هل يجزي ذلك عنها وعن الصبي؟ قال : « نعم » (٣).
وأما عن الحامل فله ، وللصحاح الأُخر الواردة في الطائف بزوجته حول البيت وهي مريضة محتسباً بذلك لنفسه ، وفيها : هل يجزيني؟ قال : « نعم » (٤).
ولانتفاء المانع ، فإنهما شخصان متخالفان ينوي كل بحركته طوافه.
ولا يفتقر المحمول إلى نية الحامل طوافه وإن لم يكن المتحرك حقيقة وبالذات إلاّ الحامل ، كراكب البهيمة.
ولا فرق في إطلاق النصوص ونحو العبارة بين ما لو كان الحمل تبرعاً أو بأُجرة.
خلافاً للإسكافي (٥) وجماعة (٦) ، فمنعوا عن الاحتساب في الثاني ، قالوا : لأن هذه الحركة مستحقة عليه لغيره ، فلا يجوز له صرفها إلى نفسه ،
__________________
(١) النهاية : ٢٤٠ ، المبسوط ١ : ٣٥٨ ، الوسيلة : ١٧٤ ، الشرائع ١ : ٢٣٣ ؛ وانظر الروضة ٢ : ١٩٣ ، والمدارك ٧ : ١٣٠ ، وكشف اللثام ١ : ٢٩٩.
(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٢٧٨.
(٣) الكافي ٤ : ٤٢٩ / ١٣ ، التهذيب ٥ : ١٢٥ / ٤١١ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٥ أبواب الطواف ب ٥٠ ح ٣.
(٤) الفقيه ٢ : ٣٠٩ / ١٥٣٤ ، التهذيب ٥ : ١٢٥ / ٤١٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٥ أبواب الطواف ب ٥٠ ح ٢.
(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٨٨.
(٦) منهم. فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٢٧٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٩٤ ، وصاحب المدارك ٧ : ١٣١.
كما إذا استوجر للحج.
وفي المختلف : التحقيق أنه إن استوجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما ، وإن استوجر للطواف لم يُجز عن الحامل (١).
قيل : والفرق طاهر ؛ لأنه على الثاني كالاستيجار للحج. ولكن الظاهر انحصاره في الطواف بالصبي أو المغمى عليه ؛ فإن الطواف بغيرهما إنما هو بمعنى الحمل ، نعم إن استأجره غيرهما للحمل في غير طوافه لم يجز الاحتساب (٢).
( لو حجّ عن ميت تبرعاً ) جاز و ( برئ الميت ) إذا كان الحج عليه واجباً ؛ إجماعاً ، كما في صريح عبارة جماعة (٣) ، وظاهر آخرين (٤) ، وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، أجودها دلالةً في الواجب : الموثق : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنسان هلك ولم يحجّ ولم يوص بالحج ، فأحجّ عنه بعض أهله رجلاً أو امرأة ، هل يجزي ذلك ويكن قضاءً عنه ويكون الحج لمن حجّ ويوجر من أحجّ عنه؟ فقال : « إن كان الحاج غير ضرورة أجزأ عنهما جميعاً وأجزأ الذي أحجه » (٥).
والخبر : قلت له عليهالسلام : بلغني عنك أنك قلت : « لو أنّ رجلاً مات ولم يحجّ حجة الإسلام فأحجّ عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه » فقال : « أشهد
__________________
(١) المختلف : ٢٨٩.
(٢) كشف اللثام ١ : ٣٠٠.
(٣) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٠١ ، وانظر كشف اللثام ١ : ٣٠١.
(٤) كالعلامة في التذكرة ١ : ٣١٠ ، وصاحب المدارك ٧ : ١٣١ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٢٨٧.
(٥) الكافي ٤ : ٢٧٧ / ١٤ ، الوسائل ١١ : ١٧٦ أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٣ ، في « ق » و« ك » والكافي : وأُجر الذي أحجّه.
على أبي أنه حدّثني عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه أتاه رجل فقال : يا رسول الله ، إنّ أبي مات ولم يحجّ حجة الإسلام فقال : حجّ عنه فإن ذلك يجزي عنه » (١).
ويلحق الحي بالميت إذا كان الحج تطوعاً ؛ إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في عبائر (٢) ؛ وللنصوص المستفيضة القريبة من التواتر ، بل لعلّها متواترة ، ففي الصحيح : إنّ أبي قد حجّ ، ووالدتي قد حجّت ، وإنّ أخويّ قد حجّا ، وقد أردت أن أُدخلهم في حجّتي كأني قد أحببت أن يكونوا معي ، فقال : « اجعلهم معك ، فإنّ الله عزّ وجلّ جاعل لهم حجاً ، ولك حجاً ، ولك أجراً بصلتك إياهم » (٣).
وفي إلحاقه به في الحج الواجب مع العذر المسوَّغ للاستنابة وجهان.
أما مع عدمه فلا يلحق به قطعاً ، فإنّ الواجب على المستطيع إيقاع الحج مباشرةً ، فلا يجوز فيه الاستنابة إلاّ ما قام عليه الأدلة ، وليس منه مفروض المسألة.
( ويلزم (٤) الأجير كفارة جنايته ) في إحرامه ( في ماله ) لأنها عقوبة جناية صدرت عنه ، أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه ، وعن الغنية الإجماع عليه (٥) ، وفي غيرها : لا نعرف فيه خلافاً (٦).
( ويستحب ) للنائب ( أن يذكر المنوب عنه ) باسمه ( في
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٧٧ / ١٣ ، التهذيب ٥ : ٤٠٤ / ١٤٠٧ ، الوسائل ١١ : ٧٧ أبواب وجوب الحج ب ٣١ ح ٢.
(٢) كالمدارك ٧ : ١٣٢ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣٠١ ، والحدائق ١٤ : ٢٨٩.
(٣) الفقيه ٢ : ١٣٦٩ ، الوسائل ١١ : ٢٠٣ أبواب النيابة في الحج ب ٢٨ ح ٦.
(٤) في المختصر المطبوع : يضمن.
(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.
(٦) كشف اللثام ١ : ٣٠٠.
المواطن ) وعند كلّ فعل من أفعال الحج والعمرة بلا خلاف ، كما في المنتهى وغيره (١) ؛ للصحيح : ما يجب على الذي يحجّ عن الرجل؟ قال : « يسمّيه في المواطن والمواقف » (٢).
وليس بواجب وإن أوهمه ؛ للاتفاق ، كما قيل (٣) ؛ وللصحيح : عن الرجل يحجّ عن الرجل يسمّيه باسمه؟ قال : « إن الله لا يخفى عليه خافية » (٤).
وفي رواية : « إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، الله تعالى يعلم أنه قد حجّ عنه ولكن يذكره عند الأُضحية » (٥).
وفي الصحيح : هل يتكلم بشيء؟ قال : « نعم يقول بعد ما يُحرم : اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو شدة أو بلاء أو شعث فأجر فلاناً فيه وأجرني في قضائي عنه » (٦).
( وأن يعيد فاضل الأُجرة ) بعد الحج على المشهور كما قيل (٧) ، قيل : ليكون قصده بالحج القربة ، لا الأُجرة (٨).
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٨٧١ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ٣٠٣.
(٢) الكافي ٤ : ٣١٠ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٨ / ١٤٥٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٤ / ١١٤٨ ، الوسائل ١١ : ١٨٧ أبواب النيابة في الحج ب ١٦ ح ١.
(٣) كشف اللثام ١ : ٢٩٧.
(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٩ / ١٣٦٧ ، الوسائل ١١ : ١٨٨ أبواب النيابة في الحج ب ١٦ ح ٥.
(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٩ / ١٣٦٨ ، التهذيب ٥ : ٤١٩ / ١٤٥٤ ، الإستبصار ١ : ٣٢٤ / ١١٤٩ ، الوسائل ١١ : ١٨٨ أبواب النيابة في الحج ب ١٦ ح ٤.
(٦) الكافي ٤ : ٣١٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤١٨ / ١٤٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٤ / ١١٤٧ ، الوسائل ١١ : ١٨٧ أبواب النيابة في الحج ب ١٦ ح ٢.
(٧) المدارك ٧ : ١٣٩.
(٨) المعتبر ٢ : ٧٧٣.
وربما يفهم من بعض المعتبرة في الجملة ، فيه : أعطيت الرجل دراهم يحجّ بها عنّي ، ففضل منها شيء فلم يردّه عليّ ، فقال : « هو له ، لعلّه ضيّق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة » (١).
وعن المقنعة : وقد جاءت رواية أنه إن فضل ممّا أخذه فإنه يردّه إن كانت نفقته واسعة ، وإن كان قتّر على نفسه لم يردّه ، قال : والعمل على الأول ، وهو أفقه (٢).
ولعلّه أراد بالرواية ما عرفته ، ولكن دلالتها على ذلك ضعيفة ، ومع ذلك فتردّه مضافاً إلى الأُصول المعتبرة ، منها الموثق : عن الرجل يأخذ الدراهم يحجّ بها ، هل يجوز أن ينفق منها في غير الحج؟ قال : « إذا ضمن الحجّة فالدراهم له يصنع بها ما أحبّ وعليه حجّة » (٣).
( وأن يُتَمّ ) بصيغة المجهول ، والفاعل : المستنيب ( له ) أي للنائب ( ما أعوزه ) كما عن النهاية والمبسوط والمنتهى وغيرها (٤) ، وفي غيرها : لكونه برّاً ومساعدةً على الخير والتقوى (٥).
( وأن يعيد المخالف حجّته إذا استبصر ولو كانت مجزئة ) كما مرّ (٦).
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٤١٤ / ١٤٤٢ ، الوسائل ١١ : ١٧٩ أبواب النيابة في الحج ب ١٠ ح ١.
(٢) المقنعة : ٤٤٢.
(٣) الكافي ٤ : ٣١٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ / ١٤٤٤ ، الوسائل ١١ : ١٨٠ أبواب النيابة في الحج ب ١٠ ح ٣.
(٤) النهاية : ٢٧٩ ، المبسوط ١ : ٣٢٢ ، المنتهى ٢ : ٨٦٩ ؛ وانظر المعتبر ٢ : ٧٧٣ ، وجامع المقاصد ٣ : ١٤٣.
(٥) كما في كشف اللثام ١ : ٢٩٧.
(٦) كما في كشف اللثام ١ : ٢٩٧.
( ويكره أن تنوب المرأة الصرورة ) عن الرجل ، بل مطلقاً ؛ للنهي عن استنابتها ، ولذا قيل بالتحريم ، وهو ضعيف ، لما مضى مفصّلاً (١).
وهنا ( مسائل ) خمس :
( الاولى : من أوصى بحجّة ولم يعيِّن ) الأُجرة ( انصرف ) ذلك ( إلى أُجرة المثل ) لأن الواجب العمل بالوصية مع الاحتياط للوارث ، فيكون ما جرت به العادة كالمنطوق به ، وهو المراد من اجرة المثل.
ولو وجد من يأخذ بأقلّ من المثل اتفاقاً مع استجماعه لشرائط النيابة وجب الاقتصار عليه ؛ احتياطاً للوارث. والظاهر أنه لا يجب تكلّف تحصيله ، كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني (٢).
ويعتبر ذلك من البلد أو الميقات على الخلاف.
( الثانية : إذا أوصى أن يحجّ عنه ) ندباً ( ولم يعيّن ) العدد ( فإن عرف التكرار ) منه ( حجّ عنه حتى يستوفي ثلثه ) إذا علم إرادة التكرار على هذا الوجه ، وإلاّ فيحسب ما علم منه ( وإلاّ ) يعلم منه التكرار مطلقاً ( اقتصر على المرة ) الواحدة.
بلا خلاف في شيء من ذلك أجده إلاّ في الأخير ، فظاهر التهذيب التكرار هنا أيضاً (٣) ، كما عن جماعة (٤) ؛ للخبرين (٥).
وضعف سندهما مع مخالفتهما الأصل يمنع عن العمل بهما ؛ ولذا
__________________
(١) راجع ص ٢٧٤٦.
(٢) انظر المسالك ١ : ٩٨.
(٣) التهذيب ٥ : ٤٠٨.
(٤) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣٠١.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٠٨ / ١٤١٩ ، ١٤٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٣١٩ / ١١٢٩ ، ١١٣٠ ، الوسائل ١١ : ١٧١ أبواب النيابة في الحج ب ٤ ح ١ ، ٢.
حملهما متأخّرو الأصحاب على صورة ظهور قصد التكرار (١) ، ولا بأس به ، وما اختاروه خيرة الحلّي (٢).
( الثالثة : لو أوصى أن يحجّ عنه في كل سنة بمال معيّن ) مفصّلاً كعشرين ديناراً ، أو مجملاً كغلّة بستان ( فقصر ) ما لكل سنة عن حجّيتها ( جمع ) ما يزيد عن المعيّن في السنة مطلقاً ( ما يمكن به الاستيجار ) لحجة فصاعداً ( ولو كان ) ما جمع ( نصيب أكثر من سنة ) فيما قطع به الأصحاب على الظاهر ، المصرَّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة (٣).
للمكاتبتين (٤) المنجبر ضعفهما لعدم وضوح وثاقة الراوي (٥) ، وإن صرّح بها بعضهم ، ويشهد له بعض القرائن بعمل الأصحاب كافة.
مضافاً إلى التأيد بما ذكره جماعة (٦) من الاعتبار ، وهو خروج الأقدار عن الميراث ووجوب صرفها في الحج بالوصية ، ووجوب العمل بها بقدر الإمكان ، وكأنّ الوصية وصية بأمرين : الحج ، وصرف القدر المخصوص فيه ، فإذا تعذّر الثاني لم يسقط الأول ، ومرجعه إلى قاعدة « الميسور لا يسقط بالمعسور » المأثورة في المعتبرة ، ولولاها لكان هذا الاعتبار محل
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٨٧٤ ، جامع المقاصد ٣ : ١٤٩ ، المدارك ٤ : ١٤٣.
(٢) السرائر ١ : ٦٥٠.
(٣) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩٩ ، وصاحب المدارك ٧ : ١٤٤ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٢٩٦.
(٤) الكافي ٤ : ٣١٠ / ١ ، ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٧٢ / ١٣٢٦ ، ١٣٢٧ ، التهذيب ٥ : ٤٠٨ / ١٤١٨ ، ٢٢٦ / ٨٩٠ ، الوسائل ١١ : ١٦٩ أبواب النيابة في الحج ب ٣ ح ١ ، ٢.
(٥) وهو إبراهيم بن مهزيار ، وقال العلامة المجلسي في وجيزته ( ص ٣ ) : إنه ثقة من السفر.
(٦) منهم : صاحب المدارك ٧ : ١٤٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٧١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٠١.
مناقشة ، وفاقاً لبعض متأخري الطائفة (١).
( الرابعة : لو حصل بيد إنسان مال ) وديعة ( لميت ، وعليه ) أي على ذلك الميت ( حجة ) الإسلام ( مستقرة ) في ذمته ( وعلم ) ذلك الإنسان أو ظن ( أن الورّاث ) إذا علموا بالمال ( لا يؤدّون ) عنه الحجة ( جاز ) له ( أن يقطع ) (٢) من ذلك المال ( قدر اجرة ) المثل لذلك ( الحج ) الواجب عليه ، بعد استئذان الحاكم ، وعدم خوف ضرر ، بلا خلاف ؛ للصحيح : عن رجل استودعني مالاً فهلك وليس لولده شيء ولم يحجّ حجة الإسلام ، قال : « حجّ عنه وما فضل فأعطهم » (٣).
قيل : ولخروج هذا المقدار من الميراث فلا يجب تسليمه الوارث (٤).
وهذا الدليل يعمّ الحكم لغير حجة الإسلام ، كما في إطلاق المتن وغيره ، بل غير الحج من الحقوق المالية ، كالديون والزكاة وغيرها كما قيل (٥).
والمراد بالجواز ومرادفه في العبارة وغيرها الأعم المجامع للوجوب ، كما صرّح به آخرون (٦) ؛ للأمر بذلك في الصحيح ؛ وتضمّن خلافه تضييع حق واجب على الميت وتضييع حق المستحق للمال ؛ ولانحصار حق المستحق لذلك القدر من المال فيما بيده مع العلم بتقصير الوارث ، فيجب
__________________
(١) انظر المدارك ٧ : ١٤٤.
(٢) في المختصر المطبوع : يقتطع.
(٣) الكافي ٤ : ٢٧٢ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٧٢ / ١٣٢٨ ، التهذيب ٥ : ٤١٦ / ١٤٤٨ ، الوسائل ١١ : ١٨٣ أبواب النيابة في الحج ب ١٣ ح ١.
(٤) كشف اللثام ١ : ٣٠١.
(٥) راجع كشف اللثام ١ : ٣٠١.
(٦) الشهيد في المسالك ١ : ٩٩ ، وصاحب المدارك ٧ : ١٤٦ ، والفاضل الهندي كشف اللثام ١ : ٣٠١ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٢٨١.
تسليمه إليه ، دون غيره ، ويضمن إن خالف وامتنع الوارث كما قيل (١).
وإنما قيّدوا الصحيح بعلم منع الوارث أو ظنّه مع عمومه لهما ولغيرهما ؛ لعدم انحصار حق غير الوارث فيه بدونه ، لجواز أداء الوارث له من غيره ، فلا يجب عليه الأداء ؛ ومساواة الوارث صاحب الحق في التعلّق بما عنده ، فلا يجوز له الأداء منه بدون إذنه ، وربما يومئ إليه قوله « وليس لولده شيء ». وإنما اشترطتُ استئذان الحاكم وما بعده وفاقاً للتذكرة (٢) ؛ قصراً لما خالف الأصل على المتفق عليه فتوًى وروايةً.
وما قيل من أنها مطلقة (٣) ، فمضعّف بتضمّنها أمر الإمام عليهالسلام للراوي بالحج عمن له عنده الوديعة ، وهو إذن وزيادة ، كذا قيل (٤). ولعلّه لا يخلو عن مناقشة.
ولا ريب أن الاستئذان من الحاكم مهما أمكن أحوط وأولى.
ومقتضى النص حج الودعي بنفسه ، وجوّز له الأصحاب الاستئجار عنه ، قيل : وربما كان أولى ، خصوصاً إذا كان الأجير أنسب لذلك من الودعي (٥). ولا بأس به ، سيّما مع إمكان دعوى تنقيح المناط القطعي.
وبه يمكن إلحاق غير الوديعة من الحقوق المالية حتى الغصب والدين بها وإن كانت مورد النص خاصة وفاقاً للمتن وغيره (٦) ، خلافاً
__________________
(١) كشف اللثام ١ : ٣٠١.
(٢) التذكرة ١ : ٣٠٨.
(٣) الحدائق ١٤ : ٢٧٩.
(٤) راجع المدارك ٧ : ١٤٦.
(٥) المدارك ٧ : ١٤٦.
(٦) كالمسالك ١ : ٩٩
لجماعة فجمدوا على الوديعة (١).
( الخامسة : من مات وعليه حجة الإسلام وأُخرى منذورة أُخرجت حجة الإسلام من الأصل ) بلا خلاف ( والمنذورة من الثلث ) وفاقاً للإسكافي والصدوق والنهاية والتهذيب والمبسوط والمعتبر والجامع (٢) ؛ للصحاح :
منها : عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجّنّ رجلاً إلى مكة ، فمات الذي نذر قبل أن يحجّ حجة الإسلام ومن قبل أن يفي بنذره الذي نذر ، قال : « إن ترك مالاً يحجّ عنه حجة الإسلام من جميع المال ، وأُخرج من ثلثه ما يحجّ به رجل لنذره وقد وفى بالنذر ، وإن لم يكن ترك مالاً إلاّ بقدر ما يحجّ به حجة الإسلام حجّ عنه بما ترك ، ويحجّ عنه وليه حجة النذر ، إنما هو مثل دين عليه » (٣) ونحوه الباقي.
ويضعّف : بأنّ موردها من نذر أن يُحجّ رجلاً ، أي يبذل له ما يحجّ به ، وهو خلاف نذر الحج الذي كلامنا فيه.
وما يقال : من أن الاستدلال بها إنما هو بفحواها ، بناءً على أن إحجاج الغير الذي هو موردها ليس إلاّ بذل المال لحجّة ، فهو دين مالي محض بلا شبهة ، وبه وقع التصريح في الرواية ، فإذا لم يجب إلاّ من الثلث
__________________
(١) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٤٩ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ١٥٢.
(٢) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٣٢١ ، الصدوق في الفقيه ٢ : ٢٦٣ ، النهاية : ٢٨٣ ، التهذيب ٥ : ٤٠٦ ، المبسوط ١ : ٣٠٦ ، المعتبر ٢ : ٧٧٤ ، الجامع للشرائع : ١٧٦.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٦٣ / ١٢٨٠ ، التهذيب ٥ : ٤٠٦ / ١٤١٣ ، الوسائل ١١ : ٧٤ أبواب وجوب الحج ب ٢٩ ح ١.
فحج نفسه أولى.
فحسن إن كان حكم الأصل مسلّماً ، وعن المعارض سالماً. وليس كذلك ؛ إذ لم أربحكم الأصل مُفتياً ، وأرى ما دلّ على وجوب إخراج الحق المالي المحض من الأصل له معارضاً.
ولعلّه لذا أعرض عنها متأخّرو الأصحاب ، ونزولها تارةً على وقوع النذر في مرض الموت ، كما في المختلف (١).
وأُخرى على وقوعه التزاماً بغير صيغته كما في غيره.
وثالثةً على ما إذا قصد الناذر تنفيذ الحج المنذور بنفسه فلم يتّفق بالموت ، فلا يتعلق بماله حج واجب بالنذر ، ويكون الأمر بإخراج الحج المنذور وارداً على الاستحباب للوارث ، وكونه من الثلث رعايةً لجانبه ، كما في المنتهى (٢).
( وفيه ) أي وفي المقام ( وجه آخر ) وهو خروج المنذور من الأصل كحجة الإسلام ، اختاره الحلّي (٣) وأكثر المتأخرين (٤).
ووجهه غير واضح ، عدا توهّم أنه دين كحجة الإسلام.
وفيه منع ظاهر ؛ فإنّ الحج ليس واجباً مالياً ، بل هو بدني وإن توقف على المال مع الحاجة إليه ، كما يتوقف الصلاة عليه كذلك ، وإنما وجب قضاء حجة الإسلام بالنصوص الصحيحة والإجماع ، وإلحاق النذر به من غير دليل قياس.
__________________
(١) المختلف : ٣٢١.
(٢) منتقى الجمان ٣ : ٧٤.
(٣) السرائر ١ : ٦٤٩.
(٤) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٢٣٥ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ٨٧٢ ، والشهيد الأول في الدروس ١ : ٣١٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٣٤.
هذا ، ولو لا اتّفاق القولين على وجوب القضاء من الثلث أو الأصل بحيث كاد أن يكون إجماعاً لكان الحكم به من أصله مشكلاً ؛ للأصل ، وعدم اقتضاء النذر سوى وجوب الأداء ، والقضاء عنه يحتاج إلى أمر جديد.