السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢
وإنّما اعتبروا ظنّ السلامة مع إطلاق جملة من الأدلة ؛ أخذاً بظاهر نحو هذه الصحيحة الآمرة بالخروج مع الثقة ، الذي هو غالباً محل المظنّة ، والتفاتاً إلى استلزام التكليف بالحجّ مع عدمها العسر والحرج المنفيين اتفاقاً ، كتاباً وسنّة.
ولو لم يحصل إلا بالمحرم اعتبر وجوده ، ويشترط سفره معها في الوجوب عليها ، ولا تجب عليه إجابتها تبرعا ، ولا بأُجرة ونفقة ، وله طلبهما ، وتكون حينئذٍ جزءاً من استطاعتها.
( ومع ) اجتماع ( الشرائط ) المتقدمة ( لو حجّ ماشياً أو في نفقة غيره أجزأه ) قطعاً ، بل قيل : لا خلاف فيه بن العلماء (١) ؛ لحصول الامتثال ، وعدم وجوب صرف المال في الحجّ إلاّ مقدمةً ، فيجب حيث يتوقف الواجب عليه ، لا مطلقاً.
( والحجّ ) مطلقاً ولو مندوباً ( ماشياً أفضل ) منه راكباً ؛ للنصوص المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره (٢) ، عموماً وخصوصاً ، المؤيدة بالاعتبار جدّاً.
( إذا لم يضعفه عن العبادة ) كمّاً وكيفاً ، فالركوب حينئذٍ أفضل ؛ للصحيح : « تركبون أحبّ إليّ ، فإنّ ذلك أقوى على الدعاء والعبادة » (٣).
وقريب منه الحسن أو الموثق : أيّما أفضل نركب إلى مكة فنعجّل فنقيم بها إلى أن يقدم الماشي ، أو نمشي؟ فقال : « الركوب أفضل » (٤).
__________________
(١) المدارك ٧ : ٧٩.
(٢) الوسائل ١١ : ٧٨ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٢.
(٣) الكافي ٤ : ٤٥٦ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢ / ٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٤٢ / ٤٦٤ ، علل الشرائع : ٤٤٧ / ٤ ، الوسائل ١١ : ٨٣ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٣ ح ٥.
(٤) التهذيب ٥ : ١٣ / ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤٣ / ٤٦٦ ، الوسائل ١١ : ٨٢ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٣ ح ٣.
وبهما يجمع بين النصوص المتقدمة المطلقة لأفضلية المشي ، ومثلها المطلقة لأفضلية الركوب.
وربما يجمع بينها تارةً بحمل الأولة على ما إذا سيق معه ما إذا أعيا ركبه ، والأخيرة على ما إذا لم يسقه معه ؛ للموثق (١) وغيره (٢) « لا تمشوا واركبوا » فقلت : أصلحك الله تعالى إنّه بلغنا أنّ الحسن بن علي عليهالسلام حجّ عشرين حجّة ماشياً ، فقال : « إنّه عليهالسلام كان يمشي وتساق معه محامله ورحاله ». وأخرى بحمل الأولى على ما إذا قصد بالمشي مشقة العبادة ، والأخيرة على ما إذا قصد توفير المال ، كما في الخبرين (٣) ، أحدهما الصحيح المروي عن مستطرفات السرائر ، وفيهما : « إذا كان الرجل مؤسراً فمشى ليكون أفضل لنفقته فالركوب أفضل ». والكل حسن ، إلاّ أنّ الأول أشهر ، كما صرّح به جمع ممن تأخر (٤) ، وأطلق الفاضل في التحرير أفضلية المشي (٥) ، وعن خالي العلاّمة احتمال
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٥٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٢ / ٣٣ ، الاستبصار ٢ : ١٤٢ / ٤٦٥ ، قرب الإسناد : ١٧٠ / ٦٢٤ ، الوسائل ١١ : ٨٣ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٣ ح ٦.
(٢) علل الشرائع : ٤٤٧ / ٦ ، الوسائل ١١ : ٨٤ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٣ ح ٧.
(٣) الأول : مستطرفات السرائر : ٣٥ / ٤٦ ، الوسائل ١١ : ٨٥ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٣ ح ١١. الثاني : الكافي ٤ : ٤٥٦ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٤١ / ٦١٠ ، علل الشرائع : ٤٤٧ / ٥ ، الوسائل ١١ : ٨٥ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٣ ح ١٠.
(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩٢ ، وصاحب المدارك ٧ : ٧٩ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ١٧٤.
(٥) التحرير ١ : ٨٩.
حمل الأولة على التقية (١) ، قال : كما يظهر من بعض الأخبار ، ولم أقف عليه.
( وإذا استقرّ الحجّ ) في ذمته ، بأن اجتمعت له شرائط الوجوب ومضى عليه مدة يمكنه فيها استيفاء جميع أفعال الحجّ ، كما عن الأكثر (٢) أو الأركان منها خاصة ، كما احتمله جماعة (٣) حاكين له عن التذكرة ، ويضعّف بأن الموجود فيها احتمال الاكتفاء بمضي زمان يمكنه فيه الإحرام ودخول الحرم (٤) ، كما احتملوه أيضاً وفاقاً له ( فأهمل ، قضي عنه ) وجوباً ( من أصل تركته ) مقدماً على وصاياه ، بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في الخلاف والتذكرة والمنتهى (٥) وغيرها (٦) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة جدّاً ، معتضدة بغيرها.
وأمّا ما في نحو الصحيح : « من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ، ولم يترك إلاّ بقدر نفقة الحجّ ، فورثته أحق بما ترك ، إن شاؤوا حجّوا عنه ، وإن شاؤوا أكلوا » (٧) فمحمول على صورة عدم الاستطاعة.
( ولو لم يخلف سوى الأُجرة ) لقضاء الحجّ ( قضي عنه من أقرب الأماكن ) إلى الميقات وكذا لو خلف الزيادة (٨) وفاقاً للأكثر على
__________________
(١) هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ، وهو غير موجود عندنا.
(٢) على ما نقله في الذخيرة : ٥٦٣.
(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٦٣ ، ونقل عن التذكرة في المدارك ٧ : ٦٨.
(٤) التذكرة ١ : ٣٠٨.
(٥) الخلاف ٢ : ٢٥٣ ، التذكرة ١ : ٣٠٧ ، المنتهى ٢ : ٨٧١.
(٦) انظر المسالك ١ : ٩٢.
(٧) الكافي ٤ : ٣٠٥ / ١ ، الوسائل ١١ : ٦٧ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٥ ح ٤ ؛ بتفاوت يسير.
(٨) ما بين القوسين ليست في « ك ».
الظاهر ، المصرّح به في عبائر جمع (١) ، وفي الغنية الإجماع (٢) للأصل ، وعدم اشتراط الحجّ بالمسير إلاّ بالعقل ، فهو على تقدير وجوبه واجب آخر لا دليل على وجوب قضائه ، كيف ولو سار إلى الميقات لا بنيّة الحجّ ثم أراده فأحرم صحّ ، وكذا لو استطاع في غير بلده لم يجب عليه قصد بلده وإنشاء الحجّ منه ، بلا خلاف ، كما في المختلف (٣).
ويؤيده الصحيح : عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ عنه من الكوفة ، فحجّ عنه من البصرة ، قال : « لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه » (٤).
وربما استدل عليه بنحو الصحيح : عن رجل أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام ، فلم يبلغ جميع ما ترك إلاّ خمسين درهماً ، قال : « يحجّ عنه من بعض الأوقات التي وقّت رسول لله ٩ من قرب » (٥).
بناءً على ترك الاستفصال عن إمكان الحجّ بذلك من البلد ، أو غيره
__________________
(١) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٣٠١ ، والخلاف ٢ : ٢٥٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢ ، والفاضلان في كتبهم ( المحقق في المعتبر ٢ : ٧٦٠ ، العلاّمة في التذكرة ١ : ٣٠٧ ) ، وشيخنا في المسالك ١ : ٩٢ ، والروضة ٢ : ١٧٣ ، وسبطه في المدارك ٧ : ٨٤ ، وصاحبا المفاتيح ٢ : ١٧٧ ، والذخيرة : ٥٤٢ ، وعن ابن فهد ( المهذب البارع ٢ : ١٢٥ ) ، وغيرهم. ( منه رحمه الله ).
(٢) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢.
(٣) المختلف : ٢٥٧.
(٤) الكافي ٤ : ٣٠٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦١ / ١٢٧١ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ / ١٤٤٥ ، الوسائل ١١ : ١٨١ أبواب النيابة في الحجّ ب ١١ ح ١.
(٥) الكافي ٤ : ٣٠٨ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٥ / ١٤١١ ، الاستبصار ٢ : ٣١٨ / ١١٢٨ ، قرب الإسناد ١٦٦ / ٦٠٦ ، الوسائل ١١ : ١٦٦ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢ ح ١ وفيه وفي التهذيب والاستبصار : من بعض المواقيت.
ممّا هو أقرب إلى الميقات.
وضعّف بجواز كون عدم إمكان الحجّ بذلك من غير الميقات معلوماً بحسب متعارف ذلك الزمان.
( وقيل : ) يقضى ( من بلده مع السعة ) في تركته ، وإلاّ فمن الميقات ، والقائل الشيخ في النهاية (١) ، والحلي والقاضي (٢) ، والصدوق في المقنع ويحيى بن سعيد في الجامع (٣) كما حكي (٤) ، وهو خيرة المحقّق الثاني والشهيد في صريح الدروس وظاهر اللمعة (٥).
ووجهه غير واضح ، عدا ما في السرائر من أنّه لو كان حياً كان يجب عليه في ماله نفقة الطريق من بلده ، فاستقرّ هذا الحق في ماله ؛ وأنّه به تواترت أخبارنا وروايات أصحابنا (٦).
وفي الأول ما مرّ ؛ وفي الثاني ما في المعتبر والمختلف (٧) ، من أنّا لم نقف بذلك على خبر شاذّ ، فكيف دعوى التواتر؟! ولعلّه لذا لم يستند إليهما الشهيد رحمهالله بل قال : لظاهر الرواية (٨).
__________________
(١) النهاية : ٢٠٣.
(٢) الحلّي في السرائر ١ : ٥١٦ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٦٧.
(٣) الموجود في المقنع : ١٦٤ هكذا : وإن لم يكن ماله يبلغ ما يحجّ عنه من بلده حجّ عنه من حيث تهيّأ. الجامع : ١٧٤.
(٤) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٢٩٣.
(٥) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٣٦ ، الدروس ١ : ٣١٦ ، اللمعة ( الروضة ) ٢ : ١٧٢.
(٦) السرائر ١ : ٥١٦.
(٧) المعتبر ٢ : ٧٦٠ ، المختلف : ٢٥٧.
(٨) الروضة ٢ : ١٧٢.
والأولى أن يراد بها الجنس ، كما في الروضة ، قال : لأنّ ذلك ظاهر أربع روايات في الكافي (١) ، أظهرها دلالةً رواية أحمد بن محمد بن أبي نصير عن محمد بن عبد الله ، قال سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يموت فيوصي بالحجّ من أين يحجّ عنه؟ قال : « على قدر مال ، ان وسعه ماله فمن منزله ، وإن لم يسعه ماله فمن الكوفة ، فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة ».
وإنّما جعله ظاهر الرواية لإمكان أن يراد ب « ماله » ما عيّنه اجرة للحجّ بالوصية ، فإنّه يتعيّن الوفاء به مع خروج ما زاد عن أُجرته من الميقات من الثلث إجماعاً.
وإنّما الخلاف فيما لو أطلق الوصيّة ، أو علم أنّ عليه حجّة الإسلام ولم يوص به ، فالأقوى القضاء [ عنه ] من الميقات خاصة ؛ لأصالة البراءة.
إلى أن قال : والأولى حمل هذه الأخبار على ما لو عيّن قدراً ، ويمكن حمل غير هذا الخبر منها على أمر آخر ، مع ضعف سندها ، واشتراك محمد بن عبد الله في سند هذا الخبر بين الثقة والضعيف والمجهول.
ثمّ قال : لو صحّ هذا الخبر لكان حمله على إطلاقه أولى ؛ لأنّ « ماله » المضاف إليه يشمل جميع ما يملكه ، وإنّما حملناه لمعارضته للأدلة الدالة على خلافه ، مع عدم صحة سنده (٢) انتهى.
وهو حسن ، إلاّ أنّ هنا أخباراً معتبرة يفهم منها أيضاً وجوب الإخراج من البلد عند إطلاق الوصية.
منها الصحيح : « وإن أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام ، ولم يبلغ ماله
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٠٨ / ١ ٤ ، الوسائل ١١ : ١٦٦ أبواب النيابة في الحج ب ٢.
(٢) الروضة ٢ : ١٧٢.
ذلك ، فليحجّ عنه من بعض المواقيت » (١).
وقريب منه الصحيح المتقدم فيمن أوصى أن يحجّ عنه ولم يبلغ جميع ما ترك إلاّ خمسين.
والموثق : عن رجل أوصى بماله في الحجّ ، فكان لا يبلغ ما يحجّ به من بلاده ، قال « فيعطي في الموضع الذي يحجّ عنه » (٢).
بناءً على ظهورهما في فهم الرواة وجوب القضاء من البلد مع الوفاء ، وأنّ إشكالهم إنّما هو مع عدمه ، وقررهم الإمام عليهمالسلام على ذلك.
وأظهر من الجميع المروي في مستطرفات السرائر ، وفيه : إن رجلاً ؛ مات في الطريق ، وأوصى بحجة ، وما بقي فهو لك ، فاختلف أصحابنا ، فقال بعضهم : يحجّ من الوقت ، فهو أوفر للشيء أن يبقى عليه ، وقال بعضهم : يحجّ عنه من حيث مات ، فقال عليهالسلام : « يحجّ عنه من حيث مات » (٣).
لكن شيء منها ليس بصريح في ذلك ، مع أنّ موردها كما سبق ـ الوصية بالحجّ ، ولعلّ القرائن الحالية يومئذٍ كانت دالّة على إرادة الحجّ من البلد ، كما هو الظاهر عند إطلاق الوصية في زماننا هذا ، فلا يلزم مثله مع انتفاء الوصيّة ، وبهذا أجاب عنها جماعة (٤).
هذا ، والمسألة بعدُ لا تخلو عن شبهة ، ولا ريب أن هذا القول مع رضاء الورثة أحوط.
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٤٠٥ ذيل الحديث ١٤١٠ ؛ والظاهر أنّه من كلام الشيخ ، ولذا لم ينقله صاحبا الوسائل والوافي.
(٢) التهذيب ٩ : ٢٢٧ / ٨٩٢ ، الوسائل ١١ : ١٦٦ أبواب النيابة في الحج ب ٢ ح ٢.
(٣) مستطرفات السرائر : ٦٦ / ٣ ، الوسائل ١١ : ١٦٩ أبواب النيابة في الحج ب ٢ ح ٩.
(٤) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٨٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٦٣ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ١٧٧.
ثمّ إنّ الموجود في كلام الأكثر من الأقوال في المسألة ما مرّ ، وحكي الماتن في الشرائع ثالثاً بالإخراج من البلد مطلقاً (١) ومقتضاه سقوط الحجّ مع عدم وفاء المال به من البلد ، ولم نعرف قائله ، وبه صرّح جمع (٢) ، بل نفاه بعضهم من أصله (٣).
( ومن وجب عليه الحجّ ) مطلقاً ولو بنذر وشبهه فوراً ، أو مطلقاً على ما يقتضيه وإطلاق العبارة ونحوها ( لا ) يجوز له أن ( يحجّ تطوعاً ) بغير خلاف أجده.
ولا إشكال في الفور ، للتنافي.
ويشكل في غيره ، كمن نذر الحجّ ناصّاً على التوسعة ، أو استنيب كذلك ؛ لعدم دليل عليه ، عدا ثبوت مثل الحكم في الصلاة ، وهو قياس ، إلاّ أن يستند بعموم ما في بعض الصحاح الواردة ثمّة ، وهو قوله عليهالسلام : « أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان كان لك أن تتطوع حتى تقضيه »؟
قلت : لا ، قال : « فكذلك الصلاة » الخبر (٤) فتأمل.
أما ناذر الحجّ في القابل ، والنائب كذلك ، فليس الآن ممن عليه الحجّ.
ولو تطوّع حيث لا يجوز له ، ففي فساده رأسا ، كما عليه الحلّي (٥) ، ومن تأخّر عنه (٦) ؛ أو صحته تطوعاً ، كما في الخلاف (٧) ؛ أو عن حجّة
__________________
(١) الشرائع ١ : ٢٩٩.
(٢) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٨٧ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٦٣.
(٣) انظر كشف اللثام ١ : ٢٩٣.
(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٤٠ ، المستدرك ٦ : ٤٣٣ أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٥.
(٥) السرائر ١ : ٥١٩.
(٦) كالعلاّمة في المختلف : ٢٥٩.
(٧) الخلاف ٢ : ٢٥٦.
الإسلام ، كما في المبسوط (١) ، أقوال :
أوفقها بالأصل في الفوري الأول ، لا لأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، بل لمنافاته الأمر بالضد ، فينتفي الصحة ؛ لانحصار مقتضيها في العبادة في الأمر خاصة.
هذا في الفوري ، ويشكل في غيره ، والوجه الصحة ، ولعلّ الأول خاصّة مراد الجماعة.
( و ) كذا ( لا ) يجوز أن ( تحجّ المرأة ندباً إلاّ بإذن زوجها ) بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (٢) ، بل في ظاهر المدارك وعن التذكرة (٣) الإجماع عليه.
وفي المنتهى (٤) : لا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ حق الزوج واجب ، وليس لها تفويته ؛ ويؤيده الموثق : عن المرأة الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام ، فتقول : أحجّني مرة أُخرى إله أن يمنعها؟ قال : « نعم ، يقول لها : حقّي عليك أعظم من حقّك عليّ [ في ] هذا » (٥).
ويضعّفان بأخصّية الأول من المدّعى ، ودلالة الثاني بدلالته على ان للزوج المنع ، لا التوقف على الإذن.
والأجود الاستدلال عليه بعد الإجماع بفحوى ما دلّ على منع المعتدّة عدّة رجعية عنه من الأخبار (٦).
( ولا يشترط إذنه في ) الحجّ ( الواجب ) مطلقاً ، بلا خلاف أجده ، وبه
__________________
(١) المبسوط ١ : ٣٠٢.
(٢) الذخيرة : ٥٦٤.
(٣) المدارك ٧ : ٩١ ، التذكرة ١ : ٣٠٦.
(٤) المنتهى ٢ : ٦٥٩.
(٥) الفقيه ٢ : ٢٦٨ / ١٣٠٧ ، التهذيب ٥ : ٤٠٠ / ١٣٩٢ ، الوسائل ١١ : ١٥٦ أبواب وجوب الحج ب ٥٩ ح ٢ وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(٦) الوسائل ١١ : ١٥٨ أبواب وجوب الحجّ ب ٦٠ ، وج ٢٢ : ٢١٩ أبواب العدد ب ٢٢.
صرّح في الذخيرة (١) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها : ففي الصحيحين (٢) وغيرهما (٣) : « لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام ، فلتحجّ إن شاءت ». وهل يعتبر الضيق في عدم اعتبار الإذن ، أم لا فلا يعتبر أيضاً مع السعة؟ وجهان ، اختار ثانيهما في المدارك والذخيرة (٤) ، معلّلاً في الأوّل بأصالة عدم سلطته عليها.
( وكذا ) لا يجوز لها أن تحجّ ندباً إلاّ بإذنه ، ويجوز لها الحجّ واجباً مطلقاً بدونه ( في العدّة الرجعية ) بلا خلاف أجده ؛ للخبر : عن المطلّقة تحجّ في عدّتها؟ قال « إن كانت صرورة حجّت في عدّتها ، وإن كانت حجّت فلا تحجّ حتى تنقضي عدّتها » (٥).
وضعف السند منجبر بالعمل ، وبه يجمع بين الصحيحين المجوّز أحدهما مطلقاً (٦) ، والمانع ثانيهما كذلك (٧).
__________________
(١) الذخيرة ٥٦٤.
(٢) الأوّل :
التهذيب ٥ : ٤٠٠ / ١٣٩١ ، الإستبصار ٣١٨ / ١١٢٦ ، الوسائل ١١ : ١٥٥ أبواب وجوب الحج ب ٥٩ ح ١.
الثاني :
التهذيب ٥ : ٤٧٤ / ١٦٧١ ، الوسائل ١١ : ١٥٦ أبواب وجوب الحج ب ٥٩ ح ٣.
(٣) الكافي ٤ : ٢٨٢ / ١ ، الوسائل ١١ : ١٥٦ أبواب وجوب الحج ب ٥٩ ذيل حديث ٣.
(٤) المدارك ٧ : ٩٢ ، الذخيرة : ٥٦٥.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٠٢ / ١٣٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٣١٨ / ١١٢٥ ، الوسائل ١١ : ١٥٨ أبواب وجوب الحجّ ب ٦٠ ح ٢.
(٦) الفقيه ٢ : ٢٦٩ / ١٣١١ ، التهذيب ٥ : ٤٠٢ / ١٣٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٣١٧ / ١١٢٤ ، الوسائل ١١ : ١٥٨ أبواب وجوب الحجّ ب ٦٠ ح ١.
(٧) التهذيب ٥ : ٤٠١ / ١٣٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٣١٧ / ١١٢٢ ، الوسائل ١١ : ١٥٨
وليس في شيء منها التقييد بالرجعية ، كما في كلام الجماعة ، بل شاملة بإطلاقها بل عمومها للبائنة ، لكنها نادرة ، فيشكل صرف الإطلاق إليها سيّما مع الاتّفاق على انقطاع عصمة الزوجية عنها ، فلا وجه لتوقف حجّها على إذن زوجها مطلقاً.
والظاهر أنّ إطلاق المنع في الخبر محمول على صورة عدم الإذن ؛ لآخر : « المطلّقة تحجّ في عدّتها إن طابت نفس زوجها » (١) ونحوهالحسن (٢) كما قيل (٣).
ويجوز لها الحجّ ولو ندباً في عدّة الوفاة ؛ للمعتبرة المستفيضة ، منها الموثقان (٤) : عن المتوفى عنها زوجها تحجّ؟ قال : « نعم ».
( مسائل ) ثلاث :
( الأُولى : إذا نذر ) حجّة الإسلام انعقد على الأصح ، فتجب الكفارة بالترك ، ولا يجب عليه غيرها اتّفاقاً ، ولا تحصيل الاستطاعة ، إلاّ إذا قصد بنذرها تحصيلها فيجب أيضاً.
وإذا نذر ( غير حجّة الإسلام لم يتداخلا ) اتّفاقاً ، كما في التحرير
__________________
أبواب وجوب الحجّ ب ٦٠ ح ٣.
(١) الكافي ٦ : ٩١ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٣ / ١١٨٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٩ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٢ ح ٢.
(٢) الكافي ٦ : ٨٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ١١٦ / ٤٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٣ / ١١٨٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٢ أبواب وجوب الحجّ ب ١٨ ح ١.
(٣) قاله به صاحب المدارك ٧ : ٩٢.
(٤) الأول : التهذيب ٥ : ٤٠٢ / ١٤٠١ ، الوسائل ١١ : ١٥٩ أبواب وجوب الحج ب ٦١ ح ٢.
الثاني : قرب الإسناد : ١٦٨ / ٦١٧ ، الوسائل ١١ : ١٥٩ أبواب وجوب الحجّ ب ٦١ ح ٣.
والمختلف والمسالك (١) وغيرها (٢) ، بل يجبان عليه معاً إن كان حال النذر مستطيعاً وكان حجّة النذر مطلقة أو مقيدة بسنة غير الاستطاعة.
ويجب عليه حينئذ تقديم حجّة الإسلام ؛ لفوريتها ، وسعه مقابلها.
وإن كانت مقيّدة بسنتها لغا النذر إن قصدها مع بقاء الاستطاعة ، وإن قصدها مع زوالها صحّ ، ووجب الوفاء عند زوالها. وإن خلا عن القصدين فوجهان.
وإن لم يكن حال النذر مستطيعاً وجب المنذورة خاصة بشرط القدرة ، دون الاستطاعة الشرعية ، فإنّها شرط في حجّة الإسلام خاصة.
خلافاً للدروس فتشترط أيضاً (٣) ولا وجه له.
وإن حصلت الاستطاعة الشرعية قبل الإتيان بالمنذورة ، فإن كانت مطلقة أو مقيدة بزمان متأخر عن سنة الاستطاعة خصوصاً ، أو عموماً ، وجب تقديم حجّة الإسلام ؛ لما مرّ ، وفاقاً لجماعة (٤).
خلافاً للدروس ، فقدّم المنذورة (٥) ، ولم نعرف وجهه.
وإن كانت مقيدة بسنة الاستطاعة ، ففي تقديم المنذورة أو الفريضة ، وجهان ، أجودهما الأول كما قطع به جماعة (٦).
قال في المدارك : لعدم تحقق الاستطاعة في تلك السنة ؛ لأن المانع
__________________
(١) التحرير ١ : ١٢٨ ، المختلف : ٣٢٢ ، المسالك ١ : ٩٣.
(٢) انظر المدارك ٧ : ٩٩.
(٣) الدروس ١ : ٣١٨.
(٤) منهم : ابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٧٥ ، وصاحب المدارك ٧ : ٩٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩٣.
(٥) الدروس ١ : ٣١٨.
(٦) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩٣ ، وصاحب المدارك ٧ : ١٠٠.
الشرعي كالمانع العقلي ، وعلى هذا فيعتبر في وجوب حجّ الإسلام بقاء الاستطاعة إلى السنة الثانية (١).
( ولو نذر حجّا مطلقاً ) أي خالياً عن قيدي حجّة الإسلام وغيرها ( قيل : يجزي إن حجّ بنية النذر عن حجّة الإسلام ، ولا يجزي ) إن نوى ( حجّة الإسلام عن النذر ) والقائل : الشيخ في النهاية والتهذيب والاقتصاد (٢) ، كما حكي ، وحكاه في المسالك أيضاً عن جماعة (٣).
ولا يخلو عن قوة ؛ استناداً في الحكم الثاني إلى الأصل الآتي.
وفي الأول إلى الصحيحين : عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى ، هل يجزيه عن حجّة الإسلام؟ قال : « نعم » (٤).
وفي أحدهما : قلت : أرأيت إنّ حجّ عن غيره ولم يكن له مال ، وقد نذر أن يحجّ ماشياً ، أيجزيه عنه ذلك من مشيه؟ قال : « نعم » (٥).
والظاهر أن المراد بنذر المشي نذر الحجّ ماشياً ، كما فهمه الأصحاب ، حتى أرباب القول الثاني ، حيث لم يجيبوا عنهما إلاّ بالحمل على ما إذا نذر حجّة الإسلام ماشياً ، ويدلُّ عليه السؤال الثاني في أحدهما.
وهذا القدر من الظهور كافٍ ، وإن احتمل السؤال فيهما غيره ، من كون المسئول أنّ هذا المشي إذا تعقبه حجّة الإسلام فهل يجزي ، أم لا بدّ من المشي ثانياً؟ أو أنّه إذا نذر المشي مطلقاً ، أو في حجّ ، أو في حجّة الإسلام فمشى ، فهل يجزيه أم لا بدّ من الركوب فيها؟ أو أنه إذا نذر حجّة
__________________
(١) المدارك ٧ : ١٠٠.
(٢) النهاية : ٢٠٥ ، التهذيب ٥ : ٤٠٦ ، الاقتصاد : ٢٩٨.
(٣) المسالك ١ : ٩٣.
(٤) التهذيب ٥ : ٤٥٩ / ١٥٩٥ ، الوسائل ١١ : ٧٠ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٧ ح ١.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٠٦ / ١٤١٥ ، الوسائل ١١ : ٧٠ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٧ ح ٣.
الإسلام فنوى المنذور دون حجّة الإسلام فهل يجزي عنها؟.
لبُعد جميع ذلك ، سيّما في مقابلة فهم الأصحاب. وارتكابها فيهما كلاًّ أو بعضاً للجميع تبرّعاً يتوقف على وجود المعارض الأقوى ، وليس ، سوى الأصل الآتي ، والتعارض بينهما وبينه على تقدير تسليمه تعارض العموم والخصوص مطلقاً والخاص مقدّم اتّفاقاً.
( وقيل : لا يجزي أحدهما عن الآخر ) والقائل الأكثر على الظاهر ، المصرّح به في كلام جمع ، ومنهم : الشيخ في الخلاف والحلّي في السرائر والسيّدان في الغنية والناصرية (١) ، وفي ظاهرها الإجماع ، والفاضلان والشهيدان (٢) ، وغيرهم من متأخّري الأصحاب (٣).
لاقتضاء اختلاف السبب اختلاف المسبّب.
وفيه بعد تسليمه أنّه عام فيحصّص بما مرّ.
إلاّ أن يجاب بقوة العام بعمل الأكثر ، وعدم صراحة الخاص بما مرّ.
مضافاً إلى معارضته بالإجماع المنقول وإن كان بلفظة « عندنا » فإنّ ظهورها في نقله ليس بأضعف من دلالة الصحيحين على خلافه.
وببعض الأخبار المشار إليه في الخلاف ، حيث إنه بعد نسبة ما ذكره في النهاية إلى بعض الروايات قال : وفي بعض الأخبار أنه لا يجزي
__________________
(١) الخلاف ٢ : ٢٥٦ ، السرائر ١ : ٥١٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢ ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٩.
(٢) المحقق في المعتبر ٢ : ٧٦٢ ، والشرائع ١ : ٢٣١ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٧٧ ، والتحرير ١ : ١٢٨ ، والمنتهى ٢ : ٨٧٥ ، الشهيدان في اللمعة والروضة ٢ : ١٧٨.
(٣) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٤١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٩٦.
عنه ، وهو الأقوى عندنا ، إلى آخر ما قال (١). والإرسال غير قادح بعد الانجبار بعمل الأصحاب.
والمسألة محل إشكال وإن كان مختار الأكثر لعلّه أظهر ؛ للأصل المعتضد بالإجماع المنقول ، والمرسل الصريح الملحق لفتوى الأكثر بالصحيح ، ومع ذلك فهو أحوط.
ويحكى عن الشيخ قول ثالث بإجزاء أحدهما عن الآخر مطلقاً (٢) ومال إليه في الذخيرة (٣) ؛ لصدق الامتثال.
وفيه مناقشة ، سيّما بعد ما عرفت من الأدلة على عدم الإجزاء مطلقاً ، أو في الجملة.
( الثانية : إذا نذر ان يحجّ ماشياً وجب ) مع إمكانه ، على المعروف من مذهب الأصحاب ، كما في المدارك والذخيرة (٤) ، وفيهم عن المعتبر أنّ عليه اتّفاق العلماء (٥).
والصحاح وغيرها به مع ذلك مستفيضة جدّاً (٦) ، معتضدة بالعمومات.
وأمّا الصحيح : عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافياً ، فقال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج حاجّاً فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل ، فقال : من هذه؟ فقالوا : أُخت عقبة بن عامر ، نذرت أن تمشي إلى مكة حافية ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عقبة ، انطلق إلى أُختك فمرها فلتركب ، فإنّ الله تعالى غنيّ عن مشيها وحفاها » (٧).
__________________
(١) الخلاف ٢ : ٢٥٦ وفيه : وهو الأقوى عندي.
(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٦ ذيل الحديث ١٤١٤.
(٣) الذخيرة : ٥٦٦.
(٤) المدارك ٧ : ١٠٢ ، الذخيرة : ٥٦٦.
(٥) المعتبر ٢ : ٧٦٣.
(٦) الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب وجوب الحج ب ٣٤.
(٧) التهذيب ٥ : ١٣ / ٣٧ ، الإستبصار ٢ : ١٥ / ٤٩١ ، الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب
فشاذّ محمول على العجز ، أو النسخ ، أو فوت ستر ما يجب ستره من المرأة ، أو غير ذلك من المحامل ، إلاّ أنّ أقربها الأول.
وحمله على عدم انعقاد نذر المشي حافياً مع غاية بعده عن السياق لا وجه له ، بعد اقتضاء الأدلة انعقاده من العموم والخصوص ، كالمعتبرين المرويين في الوسائل عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، أحدهما الموثق : عن رجل نذر أن يمشي حافياً إلى بيت الله تعالى ، قال : « فليمشِ ، فإذا تعب فليركب » (١) فتأمل.
ثم إنّ إطلاق الأخبار ، بل عمومها ، يقتضي وجوب المشي مطلقاً ، سواء كان أرجح من الركوب أم لا ، وبه أفتى جماعة صريحاً (٢).
خلافاً للفاضل وولده (٣) في الثاني فلم يوجباه ، بل أوجبا الحجّ خاصة ، وادّعى الثاني على انعقاد أصل النذر الإجماع.
وفيه مضافاً إلى مخالفته ما مرّ أنّه لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه ، بل المعتبر رجحانه ، ولا ريب في ثبوته وإن كان مرجوحاً بالإضافة إلى غيره.
والأقوى في المبدأ والمنتهى الرجوع إلى عرف الناذر إن كان معلوماً ، وإلاّ فإلى مقتضى اللفظة لغةً ، وهو في لفظة « أحجّ ماشياً » في المبدأ أول الأفعال ، لدلالة الحال عليه ، وفي المنتهى آخر أفعاله الواجبة ، وهي رمي
__________________
وجوب الحج ب ٣٤ ح ٤.
(١) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٤٧ / ٨٠ ، ٨١ ، الوسائل ١١ : ٨٨ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٤ ح ٩ ، ١٠.
(٢) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٨١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٦٦ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٢٢٣.
(٣) العلاّمة في القواعد ٢ : ١٣٢ ، وولده في إيضاح الفوائد ٤ : ٦٦.
الجمار ، والمعتبرة به أيضاً مستفيضة (١).
وما ورد بأنّه إذا أفاض من عرفات (٢) ، فشاذّ ؛ لأنّ الأصحاب بين قائل بما قلنا ، كشيخنا الشهيد الثاني وسبطه وجماعة (٣) ، وقائلٍ بأنّه طواف النساء ، كالفاضل في التحرير والشهيد في الدروس (٤) ، وعزاه في الروضة إلى المشهور (٥) ، فليحمل على ما إذا أفاض ورمى ، أو كون المشي تطوعاً لا نذراً.
( ويقوم في موضع العبور ) لو اضطر إلى عبوره وجوباً ، على ما يظهر من العبارة ونحوها ، وبه صرّح جماعة (٦) ، استناداً إلى رواية (٧) هي لضعف سندها بالسكوني وصاحبه عن إثباته قاصرة ؛ ولذا أفتى بالاستحباب جماعة كالفاضلين في المعتبر والتحرير والمنتهى والتذكرة (٨) والشهيدين في الدروس والروضة (٩) وغيرهم (١٠).
ولا بأس به ، خروجاً من خلاف من أوجبه ، وتساهلاً في أدلة
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٨٩ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٥.
(٢) قرب الإسناد : ١٦٢ / ٥٨٨ ، الوسائل ١١ : ٩٠ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٥ ح ٦.
(٣) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩٤ ، وسبطه في المدارك ٧ : ١٠٣ وانظر الذخيرة : ٥٦٦ والحدائق ١٤ : ٢٣٥.
(٤) التحرير ١ : ١٢٩ ، الدروس ١ : ٣١٩.
(٥) الروضة ٢ : ١٨١.
(٦) منهم الشيخ في النهاية : ٢٠٥ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٧٧ ، والشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٨١.
(٧) الفقيه ٣ : ٢٣٥ / ١١١٣ ، التهذيب ٥ : ٤٧٨ / ١٦٩٣ ، الإستبصار ٤ : ٥٠ / ١٧١ ، الوسائل ١١ : ٩٢ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٧ ح ١.
(٨) المعتبر ٢ : ٧٦٣ ، التحرير ١ : ١٢٨ ، المنتهى ٢ : ٨٧٥ ، التذكرة ١ : ٣٠٨.
(٩) الدروس ١ : ٣١٩ ، الروضة ٢ : ١٨٢.
(١٠) انظر المسالك ١ : ٩٤ واستجوده في المدارك ٧ : ١٠٤.
السنن.
ومع ذلك فالوجوب لعلّه لا يخلو عن قوة ؛ لقوة السند في نفسه ، واعتضاده بفتوى الأكثر بمضمونه.
وحيث وجب عليه المشي ( فإن ركب ) في ( طريقه ) أجمع ( قضى ) الحجّ ( ماشياً ) أي فعله قضاءً إن كان موقتاً وقد انقضى ، وإلاّ فأداءً ، قيل : وفاقاً لإطلاق الأكثر (١) ؛ لأنّه لم يأت بالمنذور على وجهه ، لانتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه.
وفيه أنّ هذا دليل على عدم حصول المنذور ، لا على وجوب قضائه حيث يفوت وقته.
وربما يعلّل بأنّ حجّة وقع فاسداً ، وفساد الحجّ يقتضي الإعادة.
وفيه : أنّ الفساد الموجب لها ما كان لإخلال بجزء أو صفة أو شرط مثلاً ، وهو غير حاصل هنا ؛ إذ المقصود بالفساد هنا عدم وقوعه عن النذر ، لعدم المطابقة ، ولا عن غيره لانتفاء النية ، وهو غير الفساد الموجب للإعادة.
ولذا احتمل الفاضلان في المعتبر والمنتهى والتحرير والمختلف ـ (٢) سقوط قضاء المعيّن ، قالا : وإنّما عليه الكفارة ؛ لإخلاله بالمشي.
وهو في غاية القوة ؛ عملاً بأصالة البراءة السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، كما عرفته.
وأمّا غير المعيّن فلا ريب في وجوب الإعادة ؛ تحصيلاً للواجب بقدر الإمكان ، ولا كفارة.
__________________
(١) كشف اللثام ١ : ٢٥٩.
(٢) المعتبر ٢ : ٧٦٤ ، المنتهى ٢ : ٨٧٦ ، التحرير ١ : ١٢٩ ، المختلف : ٣٢٣.
وكذا المعيّن إن طاف وسعى راكباً فيمكن بطلانهما وبطلان الحجّ إن تناول النذر المشي فيهما. ولعلّ هذه الصورة خاصة مراد من أطلق وجوب القضاء ، ويشهد له سوق العبارة ، فتأمل.
( ولو ركب بعضاً ) من الطريق ( قضى ) الحجّ ( ومشى ما ركب ) قاله الشيخ في النهاية (١) ، وتبعه الشهيد في الدروس (٢) ؛ وحكي عن المفيد وجماعة (٣) ؛ وحُجّتهم غير واضحة ، عدا ما في المسالك من أن به أثراً لا يبلغ حدّ العمل به (٤).
وفيه مضافاً إلى ما ذكره ـ : أنّا لم نقف عليه ، ولم يشر إليه غيره ، ولا نقله.
وما في المختلف ، من أن الواجب عليه قطع المسافة ماشياً ، وقد حصل بالتلفيق ، فيخرج عن العهدة (٥).
وفيه : ما أجاب عنه من المنع من حصوله مع التلفيق ؛ إذ لا يصدق عليه أنّه حجّ ماشياً.
( و ) لذا ( قيل : يقضي ماشياً ، لإخلاله بالصفة ) المشترطة ، والقائل الحلّي (٦) ، وأكثر المتأخرين (٧) ، حتى الشهيد فقد رجع عنه في اللمعة (٨) ،
__________________
(١) النهاية : ٥٦٥.
(٢) الدروس ١ : ٣١٩.
(٣) حكاه عنهم جميعاً في كشف اللثام ١ : ٢٩٥ وهو في المقنعة : ٥٦٥.
(٤) المسالك ١ : ٩٤.
(٥) المختلف ٣٢٣.
(٦) السرائر ٣ : ٦٢.
(٧) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٧٦٤ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ٨٧٥ ، وولده في الإيضاح ١ : ٢٧٦.
(٨) اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ١٨٢.
وهو في غاية القوة.
( ولو عجز ) عن المشي ( قيل ) في حجّ النهاية وغيره (١) ( يركب ، ويسوق بدنة ) للصحيحين : عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى وعجز أن يمشي ، قال : « فليركب وليسق بدنة » (٢) كما في أحدهما.
وفي الثاني : عن رجل حلف ليحجّن ماشياً ، فعجز عن ذلك فلم يطقه ، قال « فليركب وليسق الهدي » (٣).
( وقيل ) في المقنعة وغيرها (٤) ( يركب ولا يسوق. )
للصحيح : رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى ، قال : « فليمش » قلت : فإنّه تعب ، قال : « إذا تعب ركب » (٥) والسكوت عن سياق الهدي في مقام البيان يقضي عدم الوجوب.
وفيه : أنّ غايته الظهور ، فلا يعارض الأمر الذي هو في الدلالة على الوجوب أظهر منه على العدم ، فليقيّد به.
وللخبر المصرّح بالعدم (٦).
وهو حسن إن صحّ السند ، وليس إلاّ أن يجبر بموافقة الأصل ، وظاهر
__________________
(١) النهاية : ٢٠٥ ؛ وانظر الوسيلة : ١٥٦.
(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٣ / ١٤٠٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٩ / ٤٩٠ ، الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٤ ح ٢.
(٣) التهذيب ٥ : ٤٠٣ / ١٤٠٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٩ / ٤٩٠ ، الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٤ ح ٢.
(٤) المقنعة : ٤٤١ ؛ وحكاه عنه الإسكافي في المختلف : ٦٥٩.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٠٣ / ١٤٠٢ ، الإستبصار ٢ : ١٥٠ / ٤٩٢ ، الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٤ ح ١.
(٦) مستطرفات السرائر : ٣٣ / ٣٩ ، الوسائل ١١ : ٨٧ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٤ ح ٦.