السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٥
عليه وآله»؟!
ولم لا يقول : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد تعمد اقتحام السدرة ، ممتثلا أمر الله تعالى له بذلك ، لكي يصنع الله تعالى هذه المعجزة له من أجل هذه المصلحة التي تهدف إلى حفظ إيمان الناس الذين معه ، وإلى صيانتهم من الوقوع في الأوهام المضلة؟!
ولكن هؤلاء الرواة يقيسون الأمور على أنفسهم ، ويرون : أن حال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يشبه حالهم .. مع أن الأمر ليس كذلك.
الفصل السادس :
حقائق تجاهلوها
بداية :
قد ذكرنا في الفصول المتقدمة : رواياتهم التي عرضت أحداث غزوة الطائف وناقشناها ببعض ما رأيناه مناسبا.
وظهر لنا : أن فيها الكثير من الهنات والنقائص. فما علينا من حرج بعد هذا العرض إذا لجأنا إلى ما رواه شيعة أهل البيت عن أئمتهم «عليهمالسلام» ، أو عن غيرهم مما أغفله الآخرون وتجاهلوه عن سابق عمد وإصرار.
ولن نرهق القارئ بالتعليق عليها ، وإن احتاج الأمر إلى شيء من ذلك ، فسيكون بصورة موجزة ، وخاطفة ، لاعتقادنا بأن نباهة القارئ الكريم تجعلها لا تحتاج إلى أكثر من ذلك ، فإلى ما يلي من نصوص ، ومطالب :
سرايا لم يذكرها المؤرخون!! :
يفهم من كلام بعض المؤرخين ، مثل اليعقوبي وغيره : أن ثمة سرايا اهمل المؤرخون ذكرها ، أو مروا عليها مرور الكرام ، مع أنها قد حصلت قبل أو اثناء حصار الطائف.
واللافت هنا : هو أن هذه السرايا ترتبط بأمير المؤمنين علي «عليهالسلام» على وجه التحديد .. ومنها :
١ ـ سرايا لكسر الأصنام :
قال اليعقوبي وغيره : «ووجه عليا «عليهالسلام» لكسر الأصنام ، فكسرها» (١) ، وهو «عليهالسلام» لم يعد إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلا بعد الإنتهاء من حصار الطائف كما سنرى ، فيلاحظ :
أولا : إنه لم يحدد لنا مكان هذه الأصنام ، ولا ذكر لنا اسماءها.
ثانيا : إنه عبر بصيغة الجمع : «الأصنام» ، وذلك يدل على تعددها.
ثالثا : إننا لم نسمع ، ولم نقرأ : أن ثمة أصناما مجموعة في مكان واحد.
رابعا : إنها إذا كانت متعددة في أنفسها ، وتعددت أمكنتها ، فالمفروض : أن يعتبر إرسال علي «عليهالسلام» لكسر أي واحد منها سرية ، فتكون له عدة سرايا من أجل ذلك ، ولم نجدهم فعلوا ذلك ..
خامسا : إن ذلك يدعونا إلى الشك فيما يزعمونه : من أنه «صلىاللهعليهوآله» أرسل فلانا لهدم العزى ، وفلانا الآخر لهدم سواع ، وأرسل ثالثا إلى ذي الكفين ، ورابعا لهدم مناة ، وأبا سفيان والمغيرة لهدم الطاغية وهو اللات .. وما إلى ذلك مما تقدم ذكره.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٤ ، وإعلام الورى ص ١٢٣ و ١٢٤ و (ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث) ج ١ ص ٣٨٧ و ٣٨٨ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٢٦ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليهالسلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ١ ص ٢٦٥ والبحار ج ٢١ ص ١٦٣ و ١٦٤ و ١٦٩ وج ٤١ ص ٩٥ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٣٣ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٣٣٢ والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص ٩٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨٠ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٥١ ـ ١٥٣.
وذلك كله يثير لدينا احتمال أن يكون الهدف هو أن يجعلوا لغير علي «عليهالسلام» نصيبا في هدم الأصنام ، إذ يكفيه هو كسره وهدمه للأصنام التي كانت في الكعبة ، وليسمح لغيره بأن يكون له نصيب في هذا أيضا ، ما دام أنهم حرموا من شرف الصمود في ساحات الجهاد ، بل باؤوا بعار الهزيمة ، ومعصية الله تعالى ..
ويؤكد حاجتهم إلى السطو على هذه المكارم ، ونسبتها إلى غير أهلها : عجزهم عن التشكيك في كسره «عليهالسلام» للأصنام التي في الكعبة .. فاخترعوا سرايا وأحداثا ، ونسبوها لمن يحبون. على النحو الذي قرأناه ونقرؤه في كتب التاريخ.
٢ ـ سرية لمواجهة خيل لثقيف :
وهناك سرية أخرى ذكروها أيضا ، فقالوا ـ والنص لليعقوبي : «خرج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى الطائف ، ووجه علي بن أبي طالب ، فلقي نافع بن غيلان بن سلمة بن معتب في خيل من ثقيف (ببطن وج وهو واد بالطائف) فقتله ، وانهزم أصحابه».
زاد المفيد وغيره قوله : ولحق القوم الرعب ، فنزل منهم جماعة إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» (١).
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٤ وإعلام الورى ص ١٢٤ و (ط آل البيت لإحياء التراث ـ قم) ج ١ ص ٣٨٨ ، والبحار ج ٢١ ص ١٦٤ و ١٦٨ وج ٤١ ص ٩٥ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٥٣ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨١ والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص ١٨٥ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليهالسلام» في ـ
٣ ـ سرية علي عليهالسلام إلى خثعم :
وذكروا : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» بعد هزيمة المشركين في حنين وتفرقهم على ثلاث فرق ، بعث أبا سفيان ، صخر بن حرب إلى الطائف.
وبعث أبا عامر الأشعري إلى أوطاس ، فقاتل حتى قتل ، فقال المسلمون لأبي موسى الأشعري : أنت ابن عم الأمير ، وقد قتل ، فخذ الراية حتى نقاتل دونها.
فأخذها أبو موسى ، فقاتل المسلمون حتى فتح الله عليهم (١).
وأما أبو سفيان ، فإنه لقيته ثقيف ، فضربوه على وجهه ، فانهزم ، ورجع إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» ، فقال : بعثتني مع قوم لا يرقع بهم الدلاء من هذيل والأعراب ، فما أغنوا عني شيئا.
فسكت النبي «صلىاللهعليهوآله» عنه.
ثم سار «صلىاللهعليهوآله» بنفسه إلى الطائف (في شوال سنة ثمان ، فحاصرهم بضعة عشر يوما (٢) أو) فحاصرهم أياما.
__________________
ـ الكتاب والسنة والتاريخ ج ١ ص ٢٥٧ وعن مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٦٠٥ و ٦٠٦ والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص ٩٣.
(١) إعلام الورى ص ١٢٣ و (ط آل البيت لإحياء التراث ـ قم) ج ١ ص ٣٣٣ والبحار ج ٢١ ص ١٦٣ و ١٦٨ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٥١ و ١٥٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨٠ وراجع : مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٨١.
(٢) إعلام الورى ص ١٢٣ و (ط آل البيت لإحياء التراث ـ قم) ج ١ ص ٣٨٧ والبحار ج ٢١ ص ١٦٤ و ١٦٨ ومستدرك سفينة البحار ج ٦ ص ٥٩٨ وراجع : قصص الأنبياء للراوندي ص ٣٤٨ والدر النظيم ص ١٨٥ وكشف الغمة ج ١ ـ
وأنفذ أمير المؤمنين علي «عليهالسلام» في خيل ، وأمره أن يطأ ما وجد ، وأن يكسر كل صنم وجده.
فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير ، فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب ، في غبش الصبح ، فقال : هل من مبارز؟
فقال أمير المؤمنين «عليهالسلام» : «من له»؟
فلم يقم أحد ، فقام إليه أمير المؤمنين «عليهالسلام».
فوثب أبو العاص بن الربيع (زوج بنت رسول الله «صلىاللهعليهوآله») ، فقال : تكفاه أيها الأمير.
فقال : «لا ، ولكن إن قتلت فأنت على الناس».
فبرز إليه أمير المؤمنين «عليهالسلام» وهو يقول :
إن على كل رئيس حقا |
|
أن يروي الصعدة أو تدقا (١) |
ثم ضربه فقتله. ومضى في تلك الخيل ، حتى كسر الأصنام ، وعاد إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وهو محاصر لأهل الطائف (ينتظره).
فلما رآه النبي «صلىاللهعليهوآله» كبر (للفتح) ، وأخذ بيده ، فخلا به ، وناجاه طويلا (٢).
__________________
ـ ص ٢٢٦ والإرشاد ج ١ ص ١٥٣ والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص ٩٣ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليهالسلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ١ ص ٢٥٧.
(١) الصعدة : القناة المستوية من منبتها لا تحتاج إلى تعديل. راجع : الصحاح ـ صعد ـ ج ٢ ص ٤٩٨.
(٢) راجع : إعلام الورى ص ١٢٣ و ١٢٤ و (ط آل البيت لإحياء التراث ـ قم) ج ١ ـ
فروى عبد الرحمن بن سيابة ، والأجلح جميعا ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لما خلا بعلي بن أبي طالب «عليهالسلام» يوم الطائف ، أتاه عمر بن الخطاب ، فقال : أتناجيه دوننا ، وتخلوا به دوننا؟
فقال : «يا عمر ، ما أنا انتجيته ، بل الله انتجاه» (١).
قال : فأعرض عمر وهو يقول : هذا كما قلت لنا قبل الحديبية : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٢) ، فلم ندخله ، وصددنا عنه.
فناداه النبي «صلىاللهعليهوآله» : «لم أقل : إنكم تدخلونه في ذلك العام»! (٣).
__________________
ـ ص ٢٣٥ و ٣٨٨ و ٣٨٩ ، والدر النظيم ص ١٨٥ والكنى والألقاب ج ١ ص ١١٥ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٦٠٥ و ٦٠٦ و (ط المكتبة الحيدرية) ص ١٨٢ وج ٢ ص ٣٣٢. والبحار ج ٢١ ص ١٦٣ و ١٦٤ و ١٦٩ وج ٤١ ص ٩٥ والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص ٩٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليهالسلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ١ ص ٢٦٦ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٥١ ـ ١٥٣ وفي هامش الإرشاد قال :
روي باختلاف يسير في سنن الترمذي ج ٥ ص ٣٠٣ ، وتاريخ بغداد ج ٧ ص ٤٠٢ ، ومناقب المغازلي ص ١٢٤ ، وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٧ ، وكفاية الطالب ص ٣٢٧ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٢٦.
(١) راجع المصادر المتقدمة.
(٢) الآية ٢٧ من سورة الفتح.
(٣) راجع : إعلام الورى ص ١٢٤ و (ط آل البيت لإحياء التراث ـ قم) ج ١ ص ٣٨٨ والبحار ج ٢١ ص ١٦٤ و ١٦٩ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٥٣ وقال في ـ
وعن جابر ، عن أبي عبد الله «عليهالسلام» : أن أمير المؤمنين «عليهالسلام» قال يوم الشورى : نشدتكم بالله هل فيكم أحد ناجاه رسول الله
__________________
ـ هامشه : أنظر قطعا منه في سنن الترمذي ج ٥ ص ٦٣٩ / ٣٧٢٦. وجامع الأصول ج ٨ ص ٦٥٨ / ٦٥٠٥ ، وتاريخ بغداد ج ٧ ص ٤٠٢ ، ومناقب المغازلي ص ١٢٤ و ١٦٣ ، وكفاية الطالب ص ٣٢٧ ، وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٧ ، ومصباح الأنوار ص ٨٨ ، وكنز العمال ج ١١ ص ٦٢٥ / ٣٣٠٩٨ عن الترمذي ، والطبراني. انتهى.
وحديث المناجاة مذكور في كثير من مصادر أهل السنة ، ولكنهم يتحاشون غالبا التصريح باسم المعترضين على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فراجع على سبيل المثال : إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٥٢٥ ـ ٥٣١ عن المصادر التالية :
صحيح الترمذي (ط الصاوي) ج ١٣ ص ١٧٣ وتاريخ بغداد ج ٧ ص ٤٠٢ ومناقب علي «عليهالسلام» لابن المغازلي ، والرسالة القوامية للسمعاني ، والمناقب للخوارزمي (ط تبريز) ص ٨٣ ، والنهاية في اللغة ج ٤ ص ١٣٨ وتذكرة الخواص (ط الغري) ص ٤٧ ونهج البلاغة (ط القاهرة) ج ٢ ص ١٦٧ و ٤١١ ومسند أحمد ، وأسد الغابة (ط مصر سنة ١٢٨٥) ج ٤ ص ٢٧ ، ودر بحر المناقب (مخطوط) ص ٤٧ والرياض النضرة (ط الخانجي) ج ٢ ص ٢٠٠ ، وذخائر العقبى (ط القدسي) ص ٨٥ ، والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٥٦ ومشكاة المصابيح (ط دهلي) ص ٥٦٤ وشرح ديوان أمير المؤمنين للميبدي (مخطوط) ص ١٨٧ والمناقب لعبد الله الشافعي (مخطوط) ص ١٦٤ ومفتاح النجا للبدخشي (مخطوط) ص ٤٧ وأسنى المطالب لمحمد الحوت ، وتاج العروس ج ١ ص ٣٥٨ وينابيع المودة ص ٥٨ وتجهيز الجيش ص ٣٧٤ وسعد الشموس والأقمار (ط التقدم العلمية بمصر) ص ٢١٠ وأرجح المطالب (ط لاهور) ص ٥٩٤ عن الترمذي ، والنسائي ، والطبراني عن أبي هريرة.
يوم الطائف ، فقال أبو بكر وعمر : «يا رسول الله ناجيت عليا دوننا».
فقال لهما النبي «صلىاللهعليهوآله» : «ما أنا ناجيته ، بل الله أمرني بذلك» غيري؟
قالوا : لا (١).
ونقول :
أبو سفيان يبرر الهزيمة :
إن أغرب ما رأينا في النصوص المتقدمة : أن أبا سفيان ينهزم في الطائف ، ثم ينحى بالائمة على أصحابه ، بل هو يكاد يتهم النبي «صلىاللهعليهوآله» نفسه : بأنه هو السبب في هذه الهزيمة ، من حيث إنه هو الذي اختار له هذه الطائفة من الناس ، وأمّره عليهم ، وأرسله في إثر أهل الطائف ، فهو يقول : «بعثتني مع قوم لا يرقع بهم الدلاء ، من هذيل والأعراب ، فما أغنوا عني شيئا».
ولعل أبا سفيان كان يريد من النبي «صلىاللهعليهوآله» أن يوكل هذه المهمة إلى أهل مكة. أو إلى بني سليم ، وكأنه نسي أو هو يتناسى ما فعلوه في حرب حنين ، حيث انهزموا أمام هوازن أقبح هزيمة ، ولحقهم سائر الجيش ، حتى لم يبق مع النبي «صلىاللهعليهوآله» سوى علي أمير المؤمنين «عليهالسلام» الذي كان يحطم المشركين بسيفه ، وبضعة نفر من بني هاشم أحاطوا برسول الله «صلىاللهعليهوآله» لئلا يصل إليه المشركون بسوء ..
__________________
(١) البحار ج ٢١ ص ١٨٠ وج ٣١ ص ٣٣٧ والإحتجاج ج ١ ص ٢٠٢ و ٢٠٣ ومصباح البلاغة للمير جهاني ج ٣ ص ٢٢١ وغاية المرام ج ٢ ص ١٣٢.
واللافت هنا : قول أبي سفيان لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «فما أغنوا عني شيئا». وكأنه يريد أن يؤكد بهذه الكلمة حرصه على إنجاح المهمة ، ولكن الآخرين هم الذين خذلوه ..
ويلاحظ هنا : أن الرواية تقول : فسكت النبي «صلىاللهعليهوآله» عنه ، في إشارة إلى وضوح عدم صوابية أقوال أبي سفيان ، لكن المصلحة كانت تقضي بالسكوت.
إن قتلت فأنت على الناس :
وقد تأخر أبو العاص بن الربيع في إظهار استعداده للبراز ، ولكن ذلك خير من الإحجام المطلق ..
ومبادرته هذه تدل على أنه كان هو الأفضل والأمثل لمقام القيادة من سائر أفراد السرية ، ولذلك اختاره «عليهالسلام» لهذا المقام ، إن أصيب.
ونود أن نشير : إلى أن أبا العاص كان مع أمير المؤمنين «عليهالسلام» لما أرسله النبي «صلىاللهعليهوآله» إلى اليمن ، وكان مع علي «عليهالسلام» أيضا لما بويع أبو بكر ، وهو أبو أمامة التي تزوجها أمير المؤمنين «عليهالسلام» بعد استشهاد الزهراء «عليهاالسلام» (١).
إن على كل رئيس حقا :
وقد قرر أمير المؤمنين «عليهالسلام» في الشعر المنسوب إليه : أن
__________________
(١) راجع : قاموس الرجال (ط مركز نشر كتاب) ج ١٠ ص ١١٠ و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج ٩ ص ٢٢ وج ١١ ص ٣٨٥ ومستدركات علم الرجال ص ٤١٣.
المفروض بالرئيس هو : أن يتصدى بنفسه لقتال العدو ، بصورة مؤثرة ، وحاسمة. وأن عليه أيضا أن يروي رمحه من دماء أعدائه ، أو أن يتحطم ذلك الرمح ويتلاشى ، وهذا معناه :
١ ـ أن سلاح الرئيس ليس لمجرد الدفاع عن نفسه ، وحفظ روحه من الأخطار ، بل هو سلاح فاعل ومؤثر في العدو بدرجة كبيرة ..
٢ ـ أن على ذلك الرئيس أن لا يعتمد على سائر المقاتلين ، مكتفيا بإصدار الأوامر ، والتوجيهات ، كما يفعله الكثير من الرؤساء قديما وحديثا ..
مناجاة النبي صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام :
وإن مناجاة النبي «صلىاللهعليهوآله» لعلي «عليهالسلام» تتضمن إشارة عملية إلى أنه «عليهالسلام» هو صاحب سرّ النبي «صلىاللهعليهوآله» دون سائر الناس ، ومن شأن ظهور هذا الأمر أن يفسد على بعض الطامحين خططهم الرامية إلى إظهار أنفسهم على أنّ لهم من الخصوصية من النبي «صلىاللهعليهوآله» ما يؤهلهم لمقام الخلافة من بعده .. ولذلك ثارت ثائرة بعضهم حين عاين هذه المناجاة الطويلة ، وجاهر بالإعتراض على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ..
فجاءه الجواب الصاعق الذي كان أشد عليه ، وأبعد أثرا في الإضرار بطموحاته ، حيث أعلن «صلىاللهعليهوآله» : أن ثمة أمرا إلهيا بهذه النجوى ، بل هو «صلىاللهعليهوآله» قد أعلن : أن عليا «عليهالسلام» هو موضع سر الله تبارك وتعالى مباشرة ، لأنه قال : بل الله انتجاه.
وهذا معناه : أن حاله «عليهالسلام» لا يختلف عن حال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في ذلك .. وإن كان انتجاء الله لعلي «عليهالسلام» كان بواسطة رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
ومن الروايات التي دلت على أن النبي «صلىاللهعليهوآله» وعليا والأئمة «صلوات الله عليهم أجمعين» هم موضع سر الله ، ما ورد في دعاء الإفتتاح : «اللهم صل على محمد عبدك ، ورسولك ، وأمينك ، وصفيك ، وحبيبك ، وخيرتك من خلقك ، وحافظ سرك ، ومبلغ رسالاتك».
وفي الزيارة الجامعة للأئمة «عليهمالسلام» : «السلام على محال معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، وحفظة سر الله».
وروي : أنه «صلىاللهعليهوآله» قال لعلي «عليهالسلام» : إنك لحجة الله على خلقه ، وأمينه على سره ، وخليفة الله على عباده (١).
__________________
(١) ينابيع المودة ص ٥٣ و (ط دار الإسوة) ج ١ ص ١٦٧ وفضائل أمير المؤمنين «عليهالسلام» لابن عقدة ص ١٣٥ وبشارة المصطفى للطبري ص ٤٣٧ ومشارق الشموس للمحقق الخوانساري ج ٢ ص ٤٤٢ والأمالي للصدوق ص ١٥٥ وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٦٧ وفضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ص ٧٩ وروضة الواعظين ص ٣٤٦ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج ١ ص ٢٧ والبحار ج ٤٢ ص ١٩١ وج ٩٣ ص ٣٥٨ وجامع أحاديث الشيعة ج ٩ ص ٢١ ومسند الإمام الرضا «عليهالسلام» ج ٢ ص ١٨٧ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهمالسلام» ص ٢٦٩ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليهالسلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ١٤٦ وج ٨ ص ١٨٠ وغاية المرام ج ١ ص ١٠٩ و ١٧٠ وج ٢ ص ١٩١ وج ٥ ص ٢٥ وشرح حقاق الحق ج ٤ ص ٨٢ وج ٥ ص ٥٠ وج ٢٢ ص ٣٢٤ وج ٢٣ ص ٤٠٤.
وروي عن النبي «صلىاللهعليهوآله» قوله لعلي «عليهالسلام» : «هذا وصيي ، وموضع سري ، وخير من أترك بعدي» (١).
__________________
(١) إحقاق الحق (قسم الملحقات) ج ٤ ص ٧٥ و ٧٦ و ٣٥٠ وراجع : ج ١٥ ص ١٥٣ و ١٥٤ وج ٢١ ص ٦٠٠ وج ٢٣ ص ٥٢١ و ٥٥٥ وج ٣١ ص ١٩٢ و ٢٤٧ عن ميزان الإعتدال (مطبعة السعادة بمصر) ج ١ ص ٢٩٨ و (ط البابي الحلبي بالقاهرة) ص ٦٣٥ و (ط دار الكتب العلمية) ج ٦ ص ٤٤٦ وج ٧ ص ٥ عن جامع الأحاديث (ط دمشق) تأليف عباس صقر ، وأحمد عبد الجواد بمصر ج ٣ ص ٩٧ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٣ و ١١٤ ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج ٥ ص ٣٢ عن الطبراني ، وابن مردويه ، وعن مفتاح النجا (مخطوط) ص ٩٤ عن العقيلي ، وعن در بحر المناقب (مخطوط) ص ٦٠ عن ابن المغازلي ، وكنز العمال (ط الهند) ج ١٢ ص ٢٠٩ وأرجح المطالب ص ٢٤ و ٥٨٩ وقرة العينين في تفضيل الشيخين ص ٢٣٤ وراجع : مناقب أمير المؤمنين «عليهالسلام» ج ١ ص ٣٣٥ و ٣٨٥ و ٣٨٧ و ٤٤٥ وشرح الأخبار ج ١ ص ١١٧ و ١٩٥ والأمالي للمفيد ص ٦١ ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٢٤٦ و ٢٤٧ و ٢٥٦ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٤٩ والبحار ج ٣٨ ص ١٢ وميزان الحكمة ج ١ ص ١٣٧ والمعجم الكبير للطبراني ج ٦ ص ٢٢١ وكنز العمال ج ١١ ص ٢٨٠ و (ط مؤسسة الرسالة) ص ٦١٠ والإكمال في أسماء الرجال ص ٩٦ و ٢٠٤ وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٣٣٥ والفوائد المجموعة والأحاديث الموضوعة ج ١ ص ٣٤٦ ومعجم الرجال والحديث ج ٢ ص ٦٢ وكتاب المجروحين ج ١ ص ٢٧٩ وج ٣ ص ٥ والموضوعات لابن الجوزي (ط المكتبة السلفية) ج ١ ص ٣٧٥ والموضوعات لأبي الفرج القرشي ص ٢٥٩ و ٢٨١ و ٢٨٣ وتهذيب التهذيب ج ٣ ص ٩١ وأعيان الشيعة ج ٦ ص ٢٩٥ وكشف الغمة ج ١ ص ١٥٦ وكشف اليقين ص ٢٥٥ وأهل البيت «عليهمالسلام» في الكتاب والسنة ص ١٤٣ والكامل في ضعفاء الرجال ـ
وقال «صلىاللهعليهوآله» لأم سلمة : هذا علي سيد مبجل ، مؤمل المسلمين ، وأمير المؤمنين ، وموضع سري ، وعلمي ، وبابي الذي أوتى إليه الخ ..» (١).
وعنه «صلىاللهعليهوآله» : هذا خازن سري ، فمن أطاعه فقد أطاعني (٢).
__________________
ـ ج ٦ ص ٣٩٧ واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٢٨ وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٥٧ وذخيرة الحفاظ لابن القيسراني محمد بن طاهر المقدسي ج ٣ ص ١٥٨٨ ومعرفة التذكرة لابن القيسراني ج ١ ص ١١٧ ومحاضرات الأدباء للأصفهاني ج ٢ ص ٤٩٦.
(١) المحاسن والمساوي للبيهقي (ط بيروت) ص ٤٤ والغدير ج ٣ ص ١١٦ وج ٧ ص ١٧٦ ومواقف الشيعة ج ١ ص ٢١٤ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليهالسلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ١٨٠ وج ٨ ص ١٠٣ وإحقاق الحق (الملحقات) ج ١٥ ص ١٠ و ٦١ و ٤٢٤ و ٥٦٤ و ٥٦٥ وج ٢٠ ص ٢٩٠ و ٢٩٣ و ٢٩٥ وج ٢١ ص ١٦٠ ومعاني الأخبار ص ٢٠٤ والبحار ج ٢٢ ص ٢٢٢ وج ٢٩ ص ٤٢١ وج ٣٢ ص ٢٩٨ و ٣٤٨ وج ٣٨ ص ١٢٣ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٢٥ و ٢٥٢ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهمالسلام» ج ١١ ص ٨٣ وبشارة المصطفى للطبري ص ١٠٢ و ١٠٣ والدر النظيم ص ٣١٩ وكشف الغمة ج ١ ص ٣٠٠ وج ٢ ص ٢٧ وكشف اليقين ص ٤٦٩ وغاية المرام ج ١ ص ١٨٠ وج ٢ ص ٤٤ و ٤٩ و ١١٣ و ٢٠٤ وج ٥ ص ١٠٦ وج ٦ ص ٣٣ وج ٧ ص ٤٦.
(٢) إحقاق الحق (الملحقات) ج ٤ ص ٨١ عن در بحر المناقب (مخطوط) ص ٦٠ والروضة في فضائل أمير المؤمنين «عليهالسلام» ص ٩٩ والبحار ج ٤٠ ص ١٢٢ وراجع ص ١٨٥ ومجمع النورين ص ٢٤٤ والفضائل ص ١٢٤ والدر النظيم ص ٣١٧ وشرح العينية الحميرية للفاضل الهندي ص ٢٧٥ وراجع : الأمالي ـ
وعن سلمان : أنه «صلىاللهعليهوآله» قال : لكل نبي صاحب سر ، وصاحب سري علي بن أبي طالب (١).
وعنه «صلىاللهعليهوآله» : صاحب سري علي بن أبي طالب (٢).
محاولة إبطال أثر المناجاة :
وحين قال النبي «صلىاللهعليهوآله» عن علي «عليهالسلام» : ما أنا انتجيته ، بل الله انتجاه. وظهر أن عليا «عليهالسلام» موضع سر الله سبحانه ، بذلت محاولة للتشكيك في صحة نسبة ذلك إلى الله تبارك وتعالى ، وذلك بإطلاق دعوى : أنه «صلىاللهعليهوآله» وعدهم عام الحديبية : بأن يدخلوا المسجد الحرام ، ثم لم يدخلوه ، بل أبرموا صلح الحديبية مع قريش ، وعادوا إلى المدينة ، وانتظروا سنة ، حتى عادوا إلى مكة ، فدخلوها في عمرة القضاء.
__________________
ـ ص ٦٤١ ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٣١١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليهالسلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٨ ص ١٠٤ وج ١٠ ص ٣٠ وغاية المرام ج ٥ ص ٢١١.
(١) ينابيع المودة ج ٢ ص ٢٣٩ وإحقاق الحق (الملحقات) ج ٢٠ ص ٣١٣ وج ٤ ص ٢٢٦ عن مناقب عبد الله الشافعي (مخطوط) ص ٤٨.
(٢) ينابيع المودة ج ٢ ص ٧٧ وكنوز الحقائق للمناوي (ط بولاق بمصر) ص ٨٩ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٦٢ والبحار ج ٣٨ ص ٣٠٠ وميزان الحكمة ج ١ ص ١٤٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٣١٧ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليهالسلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٨ ص ١٠٣ وإحقاق الحق (الملحقات) وج ٤ ص ٢٢٦ وج ١٥ ص ٤٢٦ و ٤٢٧ وج ٢٠ ص ٣١٢ و ٣١٣ وج ٣١ ص ١٨٩.
فإذا ظهر للناس : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» يخبر عن أشياء لا واقع لها ، ثم قدّم شاهد عملي على ذلك ، فستلقى هذه الدعوى قبولا عند الناس ، وسيصعب اقتلاعها من أذهانهم.
فكانت إجابة النبي «صلىاللهعليهوآله» على هذا التشكيك الذي لو استقر في النفوس لأضر في إيمان الناس ، وإسلامهم ، هي أنني لم اقل لكم : إن دخول مكة سيكون في نفس ذلك العام ، بل قلت لكم : سوف تدخلون مكة ، ولم أحدد لهذا الدخول وقتا. فلما ذا تنسبون لي ما لم أقله؟!
وهي إجابة واضحة المأخذ ، يستطيع كل أحد أن يفهم مرماها ، ومغزاها ، ولا تسمح بعد هذا باستقرار أية شبهة ، أو باختزان أدنى شك أو ريب ، وهكذا كان.
بل إن هذه الإجابة الصريحة ، قد سجلت إدانة لأولئك الذين نسبوا إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» ما لم يقله ، وبقيت تلاحقهم عبر الأجيال ، وإلى يومنا هذا .. خصوصا مع ظهور أن هذا الإتهام منهم لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» لم يكن هو المرة الأولى ، بل كان قيل ـ حرفيا ـ في نفس يوم الحديبية. وأجاب النبي «صلىاللهعليهوآله» بنفس هذه الإجابة ، فلما ذا الإصرار؟! ولماذا التكرار؟!
كتمان الأسماء للإيهام والإبهام :
وقد لا حظنا : أن طائفة من المسلمين تهتم بالتكتم على أسماء المعترضين على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في مناجاته عليا «عليهالسلام» ، فلاحظ التعابير التالية :
فقال الناس :
فقالوا :
فقال ناس من أصحابه :
فقال رجل :
فقال بعض أصحابه :
فقال قوم :
حتى كره قوم من الصحابة ذلك ، فقال قائل منهم : هذا بالإضافة إلى محاولة التكتم على الإعتراض بقضية الحديبية ، وجواب رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
فلما ذا كان ذلك من أولئك ، وكان هذا من هؤلاء .. إن الفطن الذكي يعرف الجواب ..
تكرار المناجاة :
وقد أظهرت المصادر أيضا : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد ناجى عليا «عليهالسلام» في غير الطائف ويمكن مراجعة بعض مصادر ذلك في كتاب إحقاق الحق (قسم الملحقات) (١) وفي مصادر أخرى.
__________________
(١) إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٥٣٤ ـ ٥٣٦ وراجع : ج ٤ ص ٩٨ وج ١٧ ص ٥٦ وج ١٨ ص ١٨٥ و ١٨٦ وج ٢٠ ص ٣٣٥ وج ٢١ ص ٦٧٢ وج ٢٢ ص ٥٥٣ وج ٢٣ ص ٣٠ و ٣١ و ٥٢٤ و ٥٨٥ وج ٣٠ ص ٦٥٤ وراجع : مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج ١ ص ٤٥٧ وج ٢ ص ٨٧ والمناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٢٠٣ وج ٢ ص ٦٤ والعمدة لابن البطريق ص ٢٨٧ وذخائر العقبى ص ٧٢ ـ