الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-196-3
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧١

١
٢

٣
٤

الباب الثاني

غزوة حنين .. الهزيمة ... الجريمة

الفصل الأول : إستعداد العدو .. واستطلاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

الفصل الثاني : الجيشان إلي حنين

الفصل الثالث : قبل أن تبدأ الحرب

الفصل الرابع : الهزيمة وتحمل الأعذار

الفصل الخامس : متآمرون على حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ...

وبعد ..

نتابع فيه حديثنا عن هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الإسلام ، والتي انتهت بسقوط عنفوان الشرك ، في المنطقة بأسرها ... لتكون الهيمنة المطلقة للإسلام وللمسلمين ، باعتراف صريح من رموز الشرك ، وعتاته ، وفراعنته ، وجباريه.

وتتمثل نهايات هذه المرحلة بحسم الأمر بالنسبة لقبيلة هوازن في حنين وأوطاس .. وسقوط ثقيف وخثعم في الطائف ..

ثم تبع هذه المرحلة تداعيات طبيعية ، تمثلت بانثيال وفود قبائل العرب على المدينة ، ليعلنوا ولاءهم ، وتأييدهم ، وقبولهم بالإسلام دينا ، واعترافهم بمحمد نبيا ..

والذي يعنينا الحديث عنه في هذا الباب وفصوله هو عرض ما جرى في حنين ، وأوطاس ، والطائف ..

وأما الحديث عن الوفود ، وعن سائر الأحداث الهامة ، فنأمل أن نوفق للتعرض له فيما سوى ذلك من أبواب إن شاء الله تعالى ..

فنقول ... ونتوكل على خير مأمول ومسؤول :

٧
٨

الفصل الأول :

استعداد العدو ... واستطلاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

٩
١٠

بداية

: إن النصوص التاريخية تؤكد على : أن قبيلة هوازن هي التي بادرت إلى جمع الجموع وتحركت من أماكن سكناها باتجاه المسلمين ، لتورد ضربتها الحاسمة فيهم ، فلما سمع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بجمعها ، وبتحركها ، سار إليها.

وسنحاول في هذا الفصل متابعة أحداث هذا التحرك ، والأجواء المهيمنة على هذا المسير ، فإلى ما يلي من عناوين ومطالب ، ومن الله نستمد العون والقوة ، ونبتهل إليه أن يمنحنا التوفيق والتسديد ، إنه ولي قدير وبالإجابة حري جدير ...

هوازن تحشد وتستعد :

قال المؤرخون ، والمؤلفون :

[وتسمى أيضا غزوة هوازن ، لأنهم الذين أتوا لقتال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». عن أبي الزناد : أقامت هوازن سنة تجمع الجموع وتسير رؤساؤهم في العرب ، تجمعهم]. (١)

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٠ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ هامش ص ٣٦٨.

١١

قال أئمة المغازي : لما فتح رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مكة مشت أشراف هوازن ، وثقيف بعضها إلى بعض ، (وكان أهلها عتاة ، مردة ، مبارزين) (١) وأشفقوا أن يغزوهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقالوا : قد فرغ لنا فلا ناهية له دوننا ، والرأي أن نغزوه.

فحشدوا ، وبغوا ، وقالوا : والله ، إن محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال ، فأجمعوا أمركم ، فسيروا في الناس ، وسيروا إليه قبل أن يسير إليكم.

فأجمعت هوازن أمرها ، وجمعها مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة النصري ، وهو ـ يوم حنين ـ ابن ثلاثين سنة ، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ، ونصر ، وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وناس من بني هلال ، وهم قليل.

قال محمد بن عمر : لا يبلغون مائة ، ولم يشهدها من قيس عيلان. إلا هؤلاء ، ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ، مشى فيها ابن أبي براء فنهاها عن الحضور ، وقال : والله ، لو ناوأوا محمدا من بين المشرق والمغرب لظهر عليهم (٢).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٥ و (ط دار المعرفة) ص ٦١ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٥ و ١٠٦ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧ وراجع : البحار ج ٢١ ص ١٤٨ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٨٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٦٩ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٤٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦١١.

١٢

وكان في جشم دريد بن الصمة وهو يومئذ ابن ستين ومائة.

ويقال : عشرين ومائة سنة ، وقيل : مائة وخمسون سنة. وقيل : مائة وسبعون سنة (١). (وذكر السيد محسن الأمين : المكثر يقول بلغ المائتين والمقل المائة والعشرين) (٢) وهو شيخ كبير قد عمي ، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ، ومعرفته بالحرب ، وكان شيخا مجربا قد ذكر بالشجاعة والفروسية وله عشرون سنة (٣).

فلما عزمت هوازن على حرب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سألت دريدا الرياسة عليها ، فقال : وما ذاك؟! وقد عمي بصري ، وما استمسك على ظهر الفرس؟ ولكن أحضر معكم لأن أشير عليكم برأيي على أن لا أخالف ، فإن كنتم تظنون أني أخالف أقمت ولم أخرج.

قالوا : لا نخالفك.

وجاءه مالك بن عوف ، وكان جماع أمر الناس إليه ، فقالوا له : لا نخالفك في أمر تراه.

فقال له دريد : يا مالك ، إنك تقاتل رجلا كريما ، قد أوطأ العرب ،

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٦ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧ وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ١٧ ص ٢٤٠ ومختصر المزني ص ٢٧٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٩٢ ومعرفة السنن والآثار ج ٧ ص ٢٧.

(٢) أعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٨.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٠ وراجع : البحار ج ٢١ ص ١٤٨ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٨٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٦ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧.

١٣

وخافته العجم ومن بالشام ، وأجلى يهود الحجاز ، إما قتلا وإما خروجا على ذل وصغار ، ويومك هذا الذي تلقى فيه محمدا له ما بعده.

قال مالك : إني لأطمع أن ترى غدا ما يسرك.

قال دريد : منزلي حيث ترى ، فإذا جمعت الناس صرت إليك ، فلما خرج من عنده طوى عنه أنه يسير بالظعن والأموال مع الناس (١).

وكان قائد ثقيف ورئيسهم كنانة بن عبد ليل ، وقيل قارب بن الأسود (٢).

وكان جملة من اجتمع من بني سعد وثقيف أربعة آلاف ، وانضمت إليهم أعداد من سائر العرب ، جموع كثيرة ، كان مجموعهم كلهم ثلاثين ألفا ، وجعلوا أمر الجميع إلى مالك بن عوف (٣).

فلما أجمع مالك المسير بالناس إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أمر الناس ، فخرجوا معهم أموالهم ، ونساؤهم ، وأبناؤهم. ثم انتهى إلى أوطاس ، فعسكر به ، وجعلت الأمداد تأتي من كل جهة ، وأقبل دريد بن الصمة في شجار له يقاد به من الكبر ، فلما نزل الشيخ لمس الأرض بيده ، وقال : بأي واد أنتم؟

قالوا : بأوطاس.

قال : نعم مجال الخيل ، لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس. مالي أسمع

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٦ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٦ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧.

(٣) السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧.

١٤

بكاء الصغير ، ورغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبعار الشاء ، وخوار البقر؟

قالوا : ساق مالك مع الناس أبناءهم ، ونساءهم ، وأموالهم.

فقال دريد : قد شرط لي ألا يخالفني ، فقد خالفني ، فأنا أرجع إلى أهلي وتارك ما هنا.

قيل : أفتلقى مالكا فتكلمه؟

فدعي له مالك ، فقال : يا مالك ، إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام. مالي أسمع بكاء الصغير ، ورغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبعار الشاء ، وخوار البقر؟!

قال : قد سقت مع الناس أبناءهم ، ونساءهم ، وأموالهم.

قال : ولم؟

قال : أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله يقاتل عنهم.

فأنقض به دريد ، وقال : راعي ضأن والله ، ما له وللحرب. وصفق دريد بإحدى يديه على الأخرى تعجبا ، وقال : هل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم البيضة ، بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، فارفع الأموال ، والنساء ، والذراري إلى عليا قومهم ، وممتنع بلادهم ، ثم الق القوم على متون الخيل ، والرجال بين أصفاف الخيل ، أو متقدمة دريّة أمام الخيل ، فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك الفاك ذلك ، وقد أحرزت أهلك ومالك.

فقال مالك بن عوف : والله ، لا أفعل ، ولا أغيّر أمرا صنعته ، إنك قد كبرت وكبر علمك ، أو قال عقلك. وجعل يضحك مما يشير به دريد.

١٥

فغضب دريد وقال : هذا أيضا يا معشر هوازن ، والله ما هذا لكم برأي ، إن هذا فاضحكم في عورتكم ، وممكّن منكم عدوكم ، ولا حق بحصن ثقيف وتارككم ، فانصرفوا واتركوه.

فسل مالك سيفه ، ثم نكسه ، ثم قال : يا معشر هوازن!! والله ، لتطيعنّني ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري. وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي.

فمشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : والله ، لئن عصينا مالكا ليقتلن نفسه وهو شاب ، ونبقى مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه ، فأجمعوا رأيكم مع مالك ، فلما رأى دريد أنهم قد خالفوه ، قال :

يا ليتني فيها جذع

أخب فيها وأضع

أقود وطفاء الزمع

كأنها شاة صدع (١)

ثم قال دريد : يا معشر هوازن ، ما فعلت كعب وكلاب؟

قالوا : ما شهدها منهم أحد.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١١ والبحار ج ٢١ ص ١٤٨ و ١٤٩ و ١٦٤ و ١٦٥ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٦ و ١٠٧ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧ و ١٠٨ والفايق في غريب الحديث ج ١ ص ١٢٣ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٨٦ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ١٩٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٧ ص ٢٣٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٤٥ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٩٠ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٢١٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦١٢ وغريب الحديث ج ١ ص ٣٢٠ وإعلام الورى ص ١٢٠ و ١٢١ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٩ و ١٠٠.

١٦

قال : غاب الحد والجد ، لو كان يوم علاء ورفعة. وفي لفظ : لو كان ذكرا وشرفا ما تخلفوا عنه ، يا معشر هوازن ، ارجعوا ، وافعلوا ما فعل هؤلاء.

فأبوا عليه.

قال : فمن شهدها منكم؟

قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر.

قال : ذانك الجذعان من بني عامر لا ينفعان ولا يضران.

قال مالك لدريد : هل من رأي غير هذا فيما قد حضر من أمر القوم؟

قال دريد : نعم ، تجعل كمينا ، يكونون لك عونا ، إن حمل القوم عليك جاءهم الكمين من خلفهم ، وكررت أنت بمن معك ، وإن كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد ، فذلك حين أمر مالك أصحابه أن يكونوا كمينا في الشعاب ، وبطون الأودية ، فحملوا الحملة الأولى التي انهزم فيها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قال دريد : من مقدمة أصحاب محمد؟

قالوا : بني سليم.

قال : هذه عادة لهم غير مستنكرة ، فليت بعيري ينحّى من سنن خيلهم ، فنحي بعيره موليا من حيث جاء (١).

ونقول :

إن لنا هنا ملاحظات ، ووقفات عديدة ، نشير إليها ضمن العناوين التالية :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٢.

١٧

حنين واد قرب الطائف :

حنين واد إلى جنب وادي ذي المجاز ، قريب من الطائف ، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا (١).

وقيل : حنين : اسم لما بين مكة والطائف (٢).

وقال بعضهم : اسم موضع قريب من الطائف (٣).

وقيل : بينه وبين مكة ثلاث ليال ، قرب الطائف (٤).

سبب غزوة حنين :

تقدم أنهم يزعمون : أن سبب هذه الغزوة هو : أنه بعد فتح مكة مشت أشراف هوازن ، وثقيف ، وقالوا : قد فرغ لنا فلا ناهية له دوننا ، والرأي أن نغزوه.

ولكنّ نصا آخر يقول : إن سببها هو : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٥١ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٩ وعون المعبود ج ٧ ص ٢٢٩ وراجع ج ٦ ص ١٣٤ وراجع : عمدة القاري ج ١٤ ص ١٥٧ وج ١٧ ص ٢٧٧ و ٢٩٤ ومعجم ما استعجم ج ٢ ص ٤٧١ ومعجم البلدان ج ٢ ص ٣١٣ وفتح الباري (المقدمة) ص ١٠٦ وج ٨ ص ٢١.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٥ و (ط دار المعرفة) ص ٦١ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٥ و (ط دار المعرفة) ص ٦١.

(٤) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٩ وعمدة القاري ج ١٤ ص ١٥٧ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٤٩ ومعجم البلدان ج ٢ ص ٣١٣ وراجع : التنبيه والإشراف ص ٢٣٤ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٨ وج ٨ ص ٣٨٨ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٨.

١٨

خرج لفتح مكة أظهر أنه يريد هوازن ، فبلغ الخبر إليهم ، فتهيأوا ، وجمعوا الجموع والسلاح ، واجتمع رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف ، فرأسوه عليهم وخرجوا الخ ... (١).

ونقول :

أولا : إن ثمة خللا في هذا النص الأخير ، فإن ما بلغ هوازن قد كان قبل فتح مكة ، وبعد فتحها وبقاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيها هذه المدة التي قد يقال : إنها قاربت العشرين يوما ، لا بد أن يتوقع أن هوازن قد اقتنعت بأن مكة كانت هي المقصودة بذلك الجيش ... فلا معنى لأن تقرر هوازن أن تجمع هذه الجموع وتسير لحرب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثانيا : إن هوازن قد بقيت سنة تجمع الجموع ، وتحث القبائل على مشاركتها في حربها مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

وصرحت بعض الروايات : بأنهم قبل فتح مكة كانوا يريدون قتاله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣) ، فلا معنى لقولهم : إنها قد تهيأت للحرب حين بلغها

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ١٤٨ و ١٤٩ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٨٥ وتفسير مجمع البيان ج ٥ ص ٣٣ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٣٣٠ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ١٩٧ وتفسير الميزان ج ٩ ص ٢٣٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٧ ص ٢٤٠ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٤٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٠ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ هامش ص ٣٦٨.

(٣) السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧ وراجع : معجم قبائل العرب ج ١ ص ١٥٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٤٤.

١٩

مسير رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليها ، أو أنها قد قررت جمع الجموع والحرب بعد فتح مكة ..

فلعل الصحيح هو : أنها قد بدأت بالتهيؤ للحرب قبل سنة ، ثم زادت وتيرة هذا الاستعداد بعد ما بلغها مسير النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليها .. ثم جددت خيار المبادرة والدخول في الحرب بصورة فعلية بعد فتح مكة.

دوافع هوازن :

لقد بات واضحا : أن هوازن لم تكن تريد بحربها لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وللمسلمين أن تحقّ حقا ، أو تبطل باطلا ، كما أنها لم تكن تريد الدفاع عن نفس أو عرض ، أو مال ، أو أرض ، ولا الدفاع عن حرية أو كرامة ، ولا عن جاه وزعامة ، ولا دفاعا عن قيم إنسانية ، أو عن حقائق إيمانية ، أو ثأرا لعدوان سابق عليهم. وإنما كانت حرب العصاة البغاة ، والمعتدين الطغاة ، وحرب الأجلاف الجفاة ، والعتاة القساة.

إنهم يخوضون حربا يقرر زعماؤهم ، وأصحاب الرياسة فيهم زجّهم فيها ، ويفرضونها عليهم ، وحملهم على مواجهة ويلاتها ، وتحمل تبعاتها ..

ولو أنهم تركوا الأمور تسير على طبيعتها ، فإن غاية ما كان سيفعله معهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو : أن يعرض عليهم ما يدعو إليه ، ويقدم لهم الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة عليه ، ويبقى خيار القبول أو الرفض عائدا إليهم ، وفقا للشعار الذي طرحه الإسلام في قوله تعالى :

(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) (١).

__________________

(١) الآية ٢٥٦ من سورة البقرة.

٢٠