مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

وفيه مضافا إلى ما عرفت أنّ النهدي هو الهيثم المذكور ، لأنّ الراوي عنه محمّد بن علي بن محبوب. وفي الرجال ذكروا أنّه الراوي عنه (١).

مع أنّ حمل المطلق على المقيّد ، وكون الأخبار يبيّن بعضها بعضا ليس بنادر ، بل منصوص عليه. والمدار في الفقه عليه.

مع أنّك عرفت أنّ وجوب العمل بظاهر الصحيحة مقطوع بفساده ، يدلّ عليه وجوه من الأدلّة أشرنا إلى كثير منها.

ثمّ اعلم! أنّه نقل عن الشهيد أنّه منع عن الارتفاع مقدار أربع أصابع مضمومة (٢) ، ولم نطّلع على مأخذه.

فرع : إذا وقع جبهته على مرتفع أزيد من لبنة ، قيل : يجرّها إلى المساوي المذكور حتّى لا يقع زيادة سجدة (٣).

ولصحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ولكن جرّها على الأرض» (٤).

هذا إذا أمكنه الجرّ ، وإلّا رفع رأسه ووضع في المساوي ، لرواية حسن بن حمّاد أنّه قال للصادق عليه‌السلام : [أسجد] فتقع جبهتي على الموضع المرتفع ، قال : «ارفع رأسك ثمّ ضعه» (٥).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٣٧ ، جامع الرواة : ٢ / ٣١٨ ، منهج المقال : ٣٦٨.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٠٨.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٣٣ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠٢ الحديث ١٢٢١ ، الاستبصار : ١ / ٣٣٠ الحديث ١٢٣٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٣ الحديث ٨١٦٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠٢ الحديث ١٢١٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٣٠ الحديث ١٢٣٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٤ الحديث ٨١٦٧.

٥٠١

وقيل بجواز ذلك مطلقا ، لعدم تحقّق السجود في الأوّل ولهذه الرواية ، والأوّل أحوط (١).

وروى الحسين بطريق آخر معتبر عن الصادق عليه‌السلام ما يوافق الصحيحة (٢).

وفي صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام مثل تلك الصحيحة (٣) ، إلّا أنّها في وقوع الجبهة على الحصى ، وعدم تمكّنها من الأرض.

قوله : (وربّما يلحق). إلى آخره.

ألحق الشهيدان به ذلك (٤) ، وظاهر الفقهاء جواز الانخفاض كيف كان ، بل في «التذكرة» ادّعى الإجماع عليه (٥) ، وفي «الدروس» وافق المشهور (٦).

وفي «المدارك» استحسن رأي الشهيد ، وقال : وتشهد له موثّقة عمّار ، وذكر الموثّقة التي ذكرناها ، ثمّ قال : واعتبر ذلك في بقيّة المساجد أيضا وهو أحوط (٧) ، انتهى.

ولا يخفى مخالفة ما ذكر هنا مع ما ذكره ، ردّا على الفقهاء في تمسّكهم برواية ابن سنان ، وعدم تمسّكهم بالصحيحة.

__________________

(١) روض الجنان : ٢٧٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٢ الحديث ١٢٦٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٣٠ الحديث ١٢٣٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٣ الحديث ٨١٦٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٢ الحديث ١٢٧٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٣١ الحديث ١٢٤٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٣ الحديث ٨١٦٦.

(٤) البيان : ١٦٨ ، الروضة البهيّة : ١ / ٢٧٥ ، روض الجنان : ٢٧٦.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٨٩ المسألة ٢٥٨.

(٦) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٨٠.

(٧) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٠٧.

٥٠٢

وما اختاره الشهيد لا يخلو عن حسن ، إلّا أنّ الموثقة التي لم يفت بها أحد سوى الشهيد ربّما لا تصير خالية عن وهن في الحكم بالوجوب من جهتها.

والصدوق لم يتعرّض لمساواة الموقف مع المسجد ، ولا لما ذكره الفقهاء من عدم الارتفاع أزيد من لبنة ، ولا لعدم الانخفاض أصلا على ما وجدت.

والكليني ذكر روايتي ابن سنان على ما عرفت ، وذكر هذه الموثّقة أيضا (١) ، ولا تأمّل في عمله بمضمونها وكونه فتواه ، والشيخ لعلّه غفل عن الفتوى بها ، لذكرها في صلاة المريض ، فتأمّل!

وكيف كان ، العمل على ما ذكره الشهيد ، بل الفتوى به أيضا لا يخلو عن قوّة ، هذا بالنسبة إلى موضع القيام وموضع السجود.

وأمّا بالنسبة إلى بقيّة المساجد فما ذكره أحوط ، ومرّ في رواية ابن سنان : «إذا كان [موضع] جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك [قدر لبنة] فلا بأس» (٢).

قوله : (والعاجز).

في «الذخيرة» كأنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وعلّله بصدق السجود عليه (٣) ، وهو كما قال ، لأنّ تساوي المسجد للموقف واجب من واجباته لا نفس السجود ولا جزؤه ولا شرطه ، وإن كان مقتضى تعريف المصنّف دخوله في ماهيّته ، لكنّه غلط عنده أيضا.

بل عرفت أنّ الصدوق لم يعتبر ذلك في «الفقيه» أصلا ، والظاهر من المصنّف تعريفه في حال الاختيار ، فعلى ما عرفت من كونه واجبا على حدّه ، فالميسور لا

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٩٧ و٤٩٨ من هذا الكتاب.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٨ الحديث ٨١٧٩.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٦٣.

٥٠٣

يسقط بالمعسور ، وهو قول علي عليه‌السلام (١) ، بل على تقدير جزء له يتمّ هذا الدليل أيضا مثل قوله عليه‌السلام أيضا : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٢) ، ومثل قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (٣) ، وقول الصادق عليه‌السلام في الحسن كالصحيح في المريض يصلّي على الدابّة : «ويجزيه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‌ء ، ويومئ في النافلة» (٤).

وقوله عليه‌السلام أيضا في المعتبر : في شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود «ليومئ برأسه إيماء ، وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد ، فإن لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماء» (٥).

وفي الموثّق كالصحيح ـ بل هو صحيح على الأظهر ، لأنّ سماعة ثقة على الأظهر ـ عن أبي بصير [قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام] عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه؟ قال : «لا ، إلّا أن يكون مضطرّا ليس عنده غيره ، وليس شي‌ء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه» (٦).

ويظهر منها غاية الظهور أنّ جواز ترك الواجب إنّما يكون حال الاضطرار ولأجله ، كما يدلّ عليه أيضا غيرها من الأخبار.

ومنها موثقة سماعة [قال : سألته] عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال :

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٧.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٨ الحديث ٩٥٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٥ الحديث ٥٢٨٤.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٨ الحديث ١٠٥٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٩٥١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٥ الحديث ٨٢٢١ مع اختلاف يسير.

(٦) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٧٧ الحديث ٣٩٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٣ الحديث ٧١١٩.

٥٠٤

«فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنّه يجزئ عنه ، ولن يكلّف الله ما لا طاقة له به» (١).

ويدلّ عليه الاستصحاب أيضا ، فما في صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام عن المريض ، قال : «يسجد على الأرض ، أو على مروحة ، أو على سواك يرفعه وهو أفضل من الإيماء» (٢) محمول على صورة العسر في الإلزام بالسجود على ما يرفع له ، إذ حينئذ لا تكليف به ، إلّا أنّه أفضل.

وارتكاب العسر ومطلوبيّته في مقام الاستحباب ، لا مانع منه أصلا ، بل المدار على ذلك ، لأنّ جميع العمر يصير مصروفا في العبادة والمستحبّات مطلوب شرعا قطعا.

والمستحبّ لا يخرج عن استحبابه بمجرّد العسر والمشقّة ، بل أفضل الأعمال أحمزها وأشقّها ، وهذا لا خفاء فيه.

ويشهد على ما ذكرناه قوله عليه‌السلام : المريض يسجد على الأرض. إلى آخره ، إذ لو لا ما ذكرناه لما كان لذكره عليه‌السلام ذلك كذلك في المقام مناسبة.

ويدلّ على ذلك أيضا حسنة الحلبي عن المريض لا يستطيع القيام والجلوس ، قال : «يومئ برأسه إيماء ، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» (٣).

وجه الدلالة أنّه لو لم يكن حرج أصلا في وضع جبهته على الأرض ، لكان واجبا البتّة.

وحملها على كون المراد رفع الأرض ، إلى أن يضع جبهته عليها فاسد ، لبعده

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٦ الحديث ٩٤٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٢ الحديث ٧١١٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٦ الحديث ١٠٣٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١١ الحديث ١٢٦٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٦٤ الحديث ٦٨٠٢ مع اختلاف.

(٣) الكافي : ٣ / ٤١٠ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨١ الحديث ٧١١٤ مع اختلاف يسير.

٥٠٥

عن اللفظ ، ولأنّه لا يمكنه الجلوس كما سأله ، فالرفع لا وجه له جزما ، والغالب في المرض صعوبة وضع الجبهة على الأرض ، وإن كانوا مضطجعين أو مستلقين.

وإطلاق لفظ المريض ينصرف إلى غير سهل المرض ، فتأمّل جدّا.

وأمّا الأخبار الواردة في الإيماء مطلقا (١) ، فمحمولة على صورة العجز عن السجود قطعا ، أو عسر التحقّق منه لا أقل جزما.

ومراد المصنّف القائل بالاستحباب صاحب «المدارك» ، لكنّه قائل باستحباب وضع الجبهة على ما يصح السجود لا استحباب الرفع (٢).

بل في «الذخيرة» نقل وجوب الرفع مستندا إلى الأصحاب ، من غير خلاف كما عرفت ، ثمّ قال : هل يجب أن يضع على جبهته شيئا حال الإيماء؟ لم يتعرّض لذلك أكثر الأصحاب ، وربّما نقل عن بعضهم القول بالوجوب ، ويدلّ عليه موثّقة سماعة ثمّ ذكرها ، وهي الموثّقة المذكورة (٣).

وقال في «الذكرى» بعد نقلها : يمكن أن يراد مع اعتماده على ذلك الشي‌ء.

ويمكن أن يراد به على الإطلاق ، أمّا مع الاعتماد فظاهر ، وأمّا مع عدمه ، فلأنّ السجود عبارة عن الانحناء وملاقاة الجبهة ما يصحّ السجود عليه باعتماد ، فإذا تعذّر وملاقاة الجبهة ممكنة وجب تحصيله ، لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، فإن قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي (٤) ، انتهى.

ثمّ أورد عليه أنّ وجوب شي‌ء آخر بدل السجدة عند تعذّرها لا يثبت إلّا بدليل.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٥ و٣٧٦ الباب ٢٠ من أبواب السجود.

(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٣٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٢ الحديث ٧١١٧.

(٤) ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٧٢ مع اختلاف يسير.

٥٠٦

وقوله عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (١) ، بعد تسليم صحّة الرواية ، والإغماض عن الاحتمال الذي فيها ، إنّما يجزئ في الجزء عند تعذّر الكلّ ، لا الإتيان بفرد آخر من الطبيعة عند تعذّر الفرد الواجب ، والأمر هنا كذلك ، ويدلّ عليه خلوّ أكثر الأخبار ، وكلام الأصحاب ، وضعف رواية سماعة سندا ودلالة ، أو حملها على الاستحباب غير بعيد ، والمسألة محلّ تردّد (٢) ، انتهى.

وغير خفيّ أنّ الرواية حجّة ، كرواية «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٣).

وورد أنّه «إذا أمرتكم بشي‌ء فاتوا منه ما استطعتم» (٤) ، فإنّها متلقّاة بالقبول ، في ألسنة الفقهاء الفحول ، يستندون إليها من غير تأمّل منهم في سندها أو دلالتها ، بل عند غير الفقهاء أيضا ، حتّى عند العوام فضلا عن العلماء والخواص ، ورواها في «الغوالي» بالطريق الذي فيه.

وأمّا السجود ، فربّما كان اسما لهيئة مركّبة من امور أربعة هو : الانحناء ، والملاقاة ، وكون الجبهة على الشي‌ء ، وبعنوان الاعتماد.

ولعلّ القيود أجزاء خارجيّة للهيئة المركّبة ، فيكون كلّا لا كليّا ، والأجزاء جزءا لا جزئيّا لها ، وإن أراد الجزء الموجود في المركّب ، غير الجزء الموجود في غير هذا المركّب ، لأنّه فرد آخر ، ففيه أنّ الأمر في كلّ جزء كذلك (٥) ، لأنّ الجزء الموجود في ضمن الكلّ غير الموجود في غير ضمنه ، فيلزم عدم جريانها في الجزء أيضا عند تعذّر الكلّ ، فتأمّل!

ثمّ قال : وذهب بعض المتأخرين إلى الاستحباب ، ومراده منه صاحب

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٦٣.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(٤) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(٥) في (ز ٣) : أنّ الأمر في كلّ جزء كلّ جزء كذلك. وفي (د ٢) : أنّ الأمر كلّ جزء كلّ جزء كذلك. وفي (د ١) : أنّ الأمر في كلّ جزء كلّ كذلك.

٥٠٧

«المدارك» (١) ، كما هو غير خفيّ.

وقال : واستدلّ عليه بحسنة الحلبي ، وصحيحة زرارة يعني السابقتين (٢) ، وقال : ولا يخفى أنّ مدلولهما غير محلّ البحث ، يعني أنّ مدلولهما وضع الجبهة على الأرض والمروحة والسواك ، لا وضعها على الجبهة ، كما هو محلّ البحث.

ثمّ قال : ويمكن توجيههما بأنّ حملهما على ظاهرهما مصادم لوقوع الشهرة على خلافهما ، يعني أنّ المشهور المعروف من الفقهاء الوجوب عند التمكّن من الوضع على الأرض ونحوها لا الاستحباب ، كما هو الظاهر منهما. فيجب صرفهما عن ظاهرهما ، وحملهما على وضع الأرض ونحوها على الجبهة ، ويكون المراد من الأرض أجزاؤها.

لكن هذا التأويل في رواية زرارة متناه في البعد ، ولو حمل على أنّ المريض يسجد على الأرض ، كما هو في صورة التمكّن من ذلك ، أو يرفع المروحة والسواك ويضعهما على الجبهة ، كما في صورة العجز عن الأوّل ، بأن يحمل الترديد على اعتبار الحالتين ، لا أنّه حكم المريض في حالة واحدة ، قلّ إشكال البعد (٣) ، انتهى.

وغير خفيّ أنّ كلام «المدارك» في وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه لا العكس ، لكن لغاية استقراب ذلك ، لم يرض بنسبة ذلك إليه ، لغاية وضوح وجوب السجدة مع التمكّن منها ، وإن كان يرفع ما يسجد ، سيّما مع تصريحه في «المدارك» بقوله : وإنّما يجزئ الإيماء إذا لم يمكن أن يصير بصورة الساجد ، بأن يجعل مسجده على شي‌ء مرتفع ويضع جبهته عليه (٤) ، انتهى.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٣٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٦٤ الحديث ٦٨٠٢ ، ٤٨٢ الحديث ٧١١٤.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٦٣.

(٤) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٣٢.

٥٠٨

ولذا قال في «الذخيرة» : إنّ ذلك ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب (١) ، من دون إشارة إلى مخالفة صاحب «المدارك» ، أو اعتراض عليه ، فنسب إليه وضع الشي‌ء على الجبهة.

لكن غير خفيّ أنّ مراد صاحب «المدارك» استحباب وضع الجبهة حال الإيماء ، وعدم التمكّن من رفع المسجد في سجوده ، لأنّه يومئ بالرأس ، فيمكنه وضع جبهته على ما رفعه إلى عند جبهته ، إلّا أن يكون يعجز عن الإيماء بالرأس ، حتّى لا يمكنه وضع جبهته على شي‌ء أصلا ، فلعلّه حينئذ يحكم باستحباب وضع ما يصح السجود [عليه] على الجبهة.

ويحتمل أن يكون مراد صاحب «الذخيرة» ذلك ، لا خصوص وضع الشي‌ء على الجبهة ، كما هو ظاهر عبارته ، إذ بعيد غاية البعد أن يكون ينفي الأوّل ، ويقول بخصوص الثاني استحبابا أو وجوبا.

وأمّا ما ذكره في توجيه الخبرين فبعيد ، كما اعترف به وعرفت التوجيه ، مع أنّ الصدوق نقل الخمرة موضع الأرض (٢) ، ويمكن توجيه كلام صاحب «المدارك» أيضا ، لكنّه بعيد.

قوله : (فيومئ). إلى آخره.

مرّ الكلام في ذلك في مبحث القيام (٣).

قوله : (ومن بجبهته). إلى آخره.

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وعن «المبسوط» و «النهاية» عدم

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٢٦٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٦ الحديث ١٠٣٩.

(٣) راجع! الصفحة : ٧٥ و٧٦ من هذا الكتاب.

٥٠٩

وجوب حفر الحفيرة والوضع فيها ، بل جوازه وجواز السجود على أحد الجانبين (١).

وعن ابن حمزة تقديم أحد الجانبين على الحفيرة مع الإمكان ، وتقديم الحفيرة على الذقن (٢).

وعن والد الصدوق أنّه يحفر الحفيرة من بجبهته دمّل ، وإن كان علّة تمنعه عن السجود سجد على قرنه الأيمن من جبهته ، فإن عجز فعلى قرنه الأيسر ، فإن عجز فعلى ظهر كفّيه ، فإن عجز فعلى ذقنه (٣) ، وتبعه ولده (٤).

وما ذكراه مضمون صحيحة صفوان (٥) ، مضافا إلى عين عبارة «الفقه الرضوي» حيث قال عليه‌السلام : «وإن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود ، فاسجد على قرنك الأيمن ، فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر ، فإن تعذّر فاسجد على ظهر كفّيك ، فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك ، يقول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) (٦) الآية» (٧).

وظهر من هذا وأمثاله كون «الفقه الرضوي» في غاية الاعتبار عند الصدوقين والمفيد وغيرهم ، كما عرفت.

دليل المشهور في الحفيرة أنّ الواجب إمساس شي‌ء من الجبهة ، فإذا أمكن

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١١٥ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٨٣.

(٢) نقل عنه الشهيد في ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٩٠.

(٣) نقل عن والد الصدوق في من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٥ ذيل الحديث ٨٢٧.

(٤) المقنع : ٨٦ و٨٧.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٣٣ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٦ الحديث ٣١٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٩ الحديث ٨١٨٢.

(٦) الإسراء (١٧) : ١٠٧.

(٧) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١١٤.

٥١٠

ذلك بها وجب من باب المقدّمة.

وصحيحة صفوان ، عن إسحاق بن عمّار عن بعض أصحابه ، عن مصادف قال : خرج بي دمّل فكنت أسجد على جانب فرآني الصادق عليه‌السلام فقال لي : «لا تفعل كذلك ، احفر حفيرة واجعل الدمّل في الحفيرة حتّى تقع جبهتك على الأرض» (١).

وأمّا السجدة على الجبينين عند تعذّر ذلك ، فالظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب فيه ، فيتوقّف البراءة اليقينيّة عليه ، وعلّله الفاضلان بأنّهما مع الجبهة كالعضو الواحد ، فيقوم أحدهما مقامها ، وبأنّ السجود عليها أشبه (٢) بالسجود على الجبهة من الإيماء ، وبأنّ الإيماء سجود مع تعذّر الجبهة فالجبين أولى (٣).

وفي الحقيقة مستند الأصحاب عبارة «الفقه الرضوي» كما لا يخفى ، لكنّهم أعرضوا عن السجود على ظهر الكفّ ، ولم يوافقوا الصدوقين لمانع من الخارج ، وحمله المحشّي مولانا مراد على وقوع وهم من النسّاخ في التقديم والتأخير ، وأنّ المناسب ذكره بعد قوله : فلا بأس أن تسجد على كمّك ، فلعلّ المتقدّمين أيضا اختاروا هذا وأمثاله (٤) ، فتأمّل جدّا!

وأمّا السجود على الذقن ، مع تعذّر الجبينين ، فاستدلّ الفاضلان بقوله تعالى (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) (٥) فإذا صدق عليه السجود وجب أن يكون

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٣٣ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٦ الحديث ٣١٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٩ الحديث ٨١٨٢ مع اختلاف يسير.

(٢) في (ز ٣) : أنسب.

(٣) المعتبر : ٢ / ٢٠٩ ، منتهى المطلب : ٥ / ١٤٦.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) الاسراء (١٧) : ١٠٧.

٥١١

مجزيا (١).

وبما رواه في «الكافي» مرسلا عن الصادق عليه‌السلام عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها ، قال : «يجعل ذقنه على الأرض ، فإنّ الله عزوجل يقول (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) (٢)» (٣).

ويدلّ عليه عبارة «الفقه الرضوي» أيضا (٤).

وعن تفسير علي بن إبراهيم أنّ في موثقة إسحاق بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : رجل بين عينيه علّة لا يستطيع أن يسجد عليها ، قال : «يسجد ما بين طرف شعره ، فإن لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن ، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر ، فإن لم يقدر فعلى ذقنه» (٥).

وقيل بعدم المنافاة بينها وبين الرواية السابقة ، لأنّ الحاجبين من حدود الجبهة (٦) ، فتأمّل فيه جدّا!

تمّ بعون الله تعالى الجزء السابع من كتاب

«مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع»

حسب تجزئتنا ويتلوه الجزء الثامن ان شاء الله

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٢٠٩ ، منتهى المطلب : ٥ / ١٤٦ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٠٤ المسألة ٢٧٥.

(٢) الإسراء (١٧) : ١٠٧.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٣٤ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٠ الحديث ٨١٨٣ مع اختلاف يسير.

(٤) مرّ آنفا.

(٥) تفسير القمي : ٢ / ٣٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٠ الحديث ٨١٨٤.

(٦) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٨ / ٣٢٢.

٥١٢

المحتويات

القول في مكان المصلي

١٣٦ ـ مفتاح

[عدم جواز الأذان قبل الوقت]............................................... ٥

١٣٧ ـ مفتاح

[ما لو تركهما ودخل في الصلاة]............................................ ٩

١٣٨ ـ مفتاح

[ما يشترط في المؤذن]..................................................... ١٩

القول في القيام

١٣٩ ـ مفتاح

[وجوب القيام في الفرائض]................................................ ٣٩

١٤٠ ـ مفتاح

[ما يستحب في القيام].................................................... ٥٧

١٤١ ـ مفتاح

[ما لو عجز عن القيام].................................................... ٧١

٥١٣

١٤٢ ـ مفتاح

[جواز الجلوس في النافلة]................................................. ١٠٧

القول في النية والإحرام

١٤٣ ـ مفتاح

[وجوب النية في الصلاة]................................................. ١٢٧

١٤٤ ـ مفتاح

[موارد جواز نقل النية].................................................. ١٥٣

١٤٥ ـ مفتاح

[تكبيرة الإحرام]........................................................ ١٦١

١٤٦ ـ مفتاح

[أحكام تكبيرة الإحرام]................................................. ١٧١

١٤٧ ـ مفتاح

[استحباب افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات].................................. ١٩٧

فائدة.................................................................. ٢٠٧

القول في القراءة

١٤٨ ـ مفتاح

[وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة]......................................... ٢١١

١٤٩ ـ مفتاح

[وجوب القراءة في الآيات]............................................... ٢١٧

٥١٤

١٥٠ ـ مفتاح

[أحكا القراءة].......................................................... ٢٢١

١٥١ ـ مفتاح

[التخيير بين الفاتحة والتسبيح في الركعة الثالثة والرابعة]..................... ٢٤٩

١٥٢ ـ مفتاح

[استحباب قراءة السورة]................................................ ٢٨٠

١٥٣ ـ مفتاح

[كراهة القران بين السورتين]............................................ ٣١١

١٥٤ ـ مفتاح

[تحريم قراءة ما يفوت الوقت بقراءته]..................................... ٣٢٧

١٥٥ ـ مفتاح

[جواز العدول من سورة إلى أخرى]....................................... ٣٣٣

١٥٦ ـ مفتاح

[موارد وجوب الجهر والإخفات]......................................... ٣٦١

١٥٧ ـ مفتاح

[مستحبات القراءة]..................................................... ٣٩١

القول في الركوع

١٥٨ ـ مفتاح

[أحكام الركوع]....................................................... ٤٣٣

٥١٥

١٥٩ ـ مفتاح

[كيفية الركوع]........................................................ ٤٤٧

١٦٠ ـ مفتاح

[ما يستحب في الركوع]................................................ ٤٥٧

القول في السجود

١٦١ ـ مفتاح

[أحكام السجود]....................................................... ٤٨١

١٦٢ ـ مفتاح

[كيفية السجود]........................................................ ٤٩٥

المحتويات............................................................... ٥١٣

٥١٦