مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

نعم ، في صحيحة ابن سنان المذكورة (١) ما يدلّ عليه ، لكن يمكن أن يقال : فرض معرفة تفسير الحمد مع عدم معرفة نفس الحمد فرض نادر ، بل غريب ، إذ كيف يتصوّر تفسير سورة مع عدم معرفتها أصلا؟ فلعلّه لذا قال عليه‌السلام : «أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي» مع أنّ التفسير أقرب إلى الحمد جزما ، مع كونه ذكر الله تعالى.

وممّا ذكرنا علم أنّه لو لم يعلم الحمد ويعلم السورة يجب عليه السورة على القول بوجوب السورة ، ويقدّم على قراءتها قراءة عوض الحمد كلّا أو بعضا على التفصيل الذي ذكر ، ولو لم يعلم السورة ويعلم الحمد يقرأ الحمد قطعا.

ومقتضى ما ذكرناه وجوب عوض السورة من بعض الحمد إن لم يعلم من غير الحمد مقدار السورة القصيرة ، كسورة «إنّا أعطيناك» ولا بعضها أيضا.

لكن في «الذخيرة» ادّعى الإجماع على عدم وجوب عوض عن السورة حينئذ (٢) ، وهو كما ذكره ، إن كان يظهر ذلك في بحث السورة ، وإلّا فمقتضى ما ذكر من القاعدة هو الذي ذكرنا ، فتأمّل!

واعلم أيضا! على القول بوجوب تحصيل مقدار الحمد وما يساويه ، هل يجب المساواة في الحروف ، أو في الآيات ، أو فيهما جميعا؟ فيه أقوال.

وأيضا هل يجب أن يكون العوض سورة كاملة مع التمكّن؟ فيه قولان.

وفي كيفيّة الذكر بدل القراءة خلاف ، ففي «الخلاف» : الذكر والتكبير (٣) ، وذكر بعضهم التحميد والتسبيح والتهليل (٤) ، وما دلّ على ذلك من الخبرين (٥) فقد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢ الحديث ٧٢٩٢.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٧٣.

(٣) الخلاف : ١ / ٣٤٣ المسألة ٩٤.

(٤) نهاية الإحكام : ١ / ٤٧٤ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٥١.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢ الحديث ٧٢٩٢ ، سنن الترمذي : ٢ / ١٠٢ الحديث ٣٠٢.

٢٤١

عرفته ، ولعلّ مرادهم الذكر بما ذكر ، بأيّ نحو كان ، وفهموا كذلك من الخبرين.

وفي «الذكرى» : ولو قيل بتعيّن ما يجزئ في الركعتين الأخيرتين من التسبيح كان وجها ، لأنّه قد ثبت بدليّته للحمد (١) ، انتهى. وبالتأمّل فيما ذكرنا يظهر الحال في الامور المذكورة.

واعلم أيضا! أنّه على فرض عدم التمكّن من الذكر هل يجب القيام بقدر الذكر؟ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، أم يسقط القيام أيضا؟ لأنّه للذكر ، والعلّامة في «النهاية» اختار الأوّل (٢).

قوله : (والأخرس). إلى آخره.

قد مرّ التحقيق في تكبيرة الإحرام (٣) ، لاتّحاد حالهما وحكمهما في الأخرس ، فيحصل البراءة اليقينيّة منه في تحريك اللسان وعقد القلب والإشارة باليد فيما لا يمكنه قراءته.

وأمّا أنّه يجب عليه أن يأتي بالممكن من القراءة فللأخبار الدالّة على أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، فيدخل في ذلك حركة اللسان ، وعقد القلب أيضا ، على حسب ما مرّ في التكبيرة ، فالظاهر أنّ المراد بعقد القلب عليه قصد كونه قراءة ، مع احتمال كون المراد إحضار الألفاظ على ترتيبها في الذهن.

وعن «الذكرى» : أنّ المراد فهم المعاني (٤). وفيه أنّه لا دليل على وجوب ذلك على الأخرس وغيره ، ومثل الأخرس من عجز عن النطق لعارض ويجب

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٠٦ مع اختلاف يسير.

(٢) نهاية الإحكام : ١ / ٤٧٥.

(٣) راجع! الصفحة : ١٧٩ ـ ١٨١ من هذا الكتاب.

(٤) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣١٣.

٢٤٢

عليه وعلى من يبدّل حرفا بحرف ، الإصلاح مهما تيسّر ، فلا يصلّون في سعة الوقت ، ويشتغلون بالإصلاح بقدر الوسع ، وعند الضيق يصلّون على حسب الممكن ، وغير الممكن يفعلون فيه ما ذكر.

قوله : (ولا يجب عليه الائتمام).

كتب في الحاشية : وإنّما لا يجب عليه الائتمام دون من أمكنه التعليم وضاق الوقت ، لأنّ القراءة الصحيحة ساقطة عن الأخرس ، فلا يجب عليه بدله بخلاف الآخر ، فإنّ الإصلاح له ممكن وذلك بدله ، فافهم (١).

أقول : ظاهر صحيحة ابن سنان (٢) والرواية التي رواها العامّة (٣) سقوط وجوب الائتمام على (٤) الآخر أيضا ، إلّا أن يقال بدخول الائتمام في قوله عليه‌السلام : «لا يحسن أن يقرأ» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن كان معك قرآن» ، بناء على أنّ قراءة الإمام قراءته حينئذ ، أو أنّه مخصّص من الدليل بخلاف الأخرس ، إذ لم يعهد من الشرع فيه وجوب ائتمامه ، مع أنّ ائتمامه لا ينفع إلّا في قراءته في الأوّلتين خاصّة ، وإلّا فلا يتأتّى منه الأذكار الواجبة والتشهّد والتسليم ، وإن كان مقتضى «الميسور لا يسقط بالمعسور» ذلك.

ويمكن أن يقال : وجوب الائتمام عليه ربّما يوجب حرجا وعسرا في الدين ، وأنّه لو كان الائتمام واجبا عليه لاشتهر ذلك من الشرع ، وأفتى به الفقهاء.

وكيف كان ، الاحتياط في أمثال ذلك ممّا لا يترك إلّا أن يؤدّي إلى الحرج.

__________________

(١) مفاتيح الشرائع : ١ / ١٢٩ (الهامش).

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٧ الحديث ٥٧٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢ الحديث ٧٢٩٢.

(٣) السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٣٨٠.

(٤) كذا ، والصحيح : عن.

٢٤٣

قوله : (وفي وجوب). إلى آخره.

مرّ الكلام في ذلك عند شرح قوله : «ومن لا يحسنها» (١) ، فلاحظ وتأمّل!

قوله : (وفي كراهة). إلى آخره.

قال الصدوق في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّه لا يجوز قول «آمين» بعد فاتحة الكتاب (٢).

وفي «الفقيه» أيضا قال : لا يجوز ذلك ، كان يقوله النصارى (٣).

وقال الشيخ في «الخلاف» : قول «آمين» يقطع الصلاة ، سواء كان ذلك سرّا أو جهرا ، آخر الحمد أو قبلها ، للإمام والمأموم ، وعلى كلّ حال (٤).

ونحوه قال المفيد والمرتضى ، وادّعوا على ذلك الإجماع (٥) ، وكذلك ابن زهرة والعلّامة في «النهاية» بعد ضمّ التحريم أيضا (٦).

وباقي الفقهاء أيضا أفتوا كذلك (٧) ، غير أنّه نقل عن ابن الجنيد جواز ذلك (٨) ، ومال إليه في «المعتبر» (٩) ، واختاره المقدّس الأردبيلي (١٠).

__________________

(١) لاحظ! الصفحة : ٢٣١ و٢٣٢ من هذا الكتاب.

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٥ ذيل الحديث ١١٥٤.

(٤) الخلاف : ١ / ٣٣٢ المسألة ٨٤.

(٥) المقنعة : ١٠٥ ، الانتصار : ٤٢.

(٦) غنية النزوع : ٨١ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٦٥.

(٧) المهذّب البارع : ١ / ٣٦٦ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٤٥ ، الروضة البهيّة : ١ / ٢٨٦ ، ذخيرة المعاد : ٢٧٧.

(٨) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٤٨ ، ذخيرة المعاد : ٢٧٧.

(٩) المعتبر : ٢ / ١٨٦.

(١٠) مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٢٣٥.

٢٤٤

ويدلّ على الأوّل مضافا إلى الإجماعات الكثيرة غاية الكثرة مع الفتاوى كصحيحة جميل عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد ففرغ من قراءتها ، فقل أنت : الحمد لله ربّ العالمين ، ولا تقل : آمين» (١).

وقويّة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له عليه‌السلام : أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب : آمين؟ قال : «لا» (٢).

بل هذه أيضا صحيحة ، إذ ليس في طريقها من يتوقّف فيه سوى محمّد بن سنان ، وقد أثبتنا في الرجال أنّه ثقة (٣).

مع أنّ المحقّق رواها أيضا عن جامع ابن أبي نصر ، عن عبد الكريم ، عن محمّد الحلبي (٤).

وصحيحة معاوية بن وهب أنّه قال للصادق عليه‌السلام : أقول : آمين إذا قال الإمام (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ) ، فقال : «هم اليهود والنصارى» (٥).

وهذه تنادي بأعلى صوت بعدم رضاه عليه‌السلام بهذا القول فيه إلى حدّ ، ألجأه إلى أن قال ما قال ولم يرخّص.

وليس ذلك إلا لكون العامّة شعارهم ذلك ، ففي كلامه يكون القائل هو

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣١٣ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٤ الحديث ٢٧٥ ، الاستبصار : ١ / ٣١٨ الحديث ١١٨٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٦٧ الحديث ٧٣٦٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٤ الحديث ٢٧٦ ، الاستبصار : ١ / ٣١٨ الحديث ١١٨٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٦٧ الحديث ٧٣٦٤.

(٣) تعليقات على منهج المقال : ٢٩٨.

(٤) المعتبر : ٢ / ١٨٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٥ الحديث ٢٧٨ ، الاستبصار : ١ / ٣١٩ الحديث ١١٨٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٦٧ الحديث ٧٣٦٣.

٢٤٥

اليهود والنصارى.

وعلى فرض عدم التعريض فلا شكّ في اضطراره في الجواب بما لا ربط له بسؤال السائل ، مع أنّ الأظهر هو الربط وعرفته.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة جميل عن الصادق عليه‌السلام : عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب : آمين ، قال : «ما أحسنها ، واخفض الصوت بها» (١).

فإنّ قوله : «ما أحسنها» إن جعل أفعل التعجّب يصير ، دالّا على غاية حسنها ، وهو خلاف إجماع الشيعة والروايات الكثيرة المعمول بها عندهم ، والإجماعات الوافرة ، والفتاوى المتظاهرة المتكاثرة.

مع كون العامة يقولون بحسنها (٢) ، وورد في كثير من الأخبار أنّهم ما هم من الحنيفيّة في شي‌ء ، وأنّ الرشد في خلافهم (٣) ، إلى غير ذلك.

مع أنّه ورد في الرواية الصحيحة في علّة الأذان والصلاة أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرش لمّا فرغ من الحمد قال : الحمد لله ربّ العالمين (٤).

فظهر منه أنّ الأصل وضع الصلاة على ذلك فلا حظ ، مع أنّه لا وجه لقوله : «واخفض بها» لأنّه لو كان في غاية الحسن فلم وجب خفض الصوت بها؟ بل ناسبه رفعه ، مع أنّ خفض الصوت بها ربّما يوجب الضرر والشر ، وفيه خلاف التقيّة ، فكيف يأمره بذلك؟ والعامّة يجهرون غاية الإجهار.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٥ الحديث ٢٧٧ ، الاستبصار : ١ / ٣١٨ الحديث ١١٨٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٦٨ الحديث ٧٣٦٦.

(٢) المغني : ١ / ٢٩٠ ، المجموع للنووي : ٣ / ٣٦٨.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤ ، ١١٩ الحديث ٣٣٣٦٥.

(٤) علل الشرائع : ٣١٢ الحديث ١.

٢٤٦

مع أنّ جميلا هو الذي روى المنع ، فكيف روى ضدّه من غير تعرّض لكلّ واحد من الراويين عنه؟ فالظاهر أنّ كلمة «ما» نافية ، و «أحسنها» فعل متكلّم وحده ، وأخفض عليه‌السلام صوته بهذه العبارات خوفا من أن يسمعه أحد ، ففي ذلك اندفع المحذورات.

ويحتمل أن تكون كلمة (ما) استفهاما إنكاريّا ، أيّ شي‌ء أحسنها ، حتّى أنّهم التزموا بها حينئذ ، أو أنّه أفعل تعجّب ، لكن على سبيل التهكم أو لغيره ، والله يعلم.

وممّا ذكر ظهر بطلان رأي ابن الجنيد (١) ومن وافقه.

واختار في «المدارك» التحريم دون الإبطال ، لغاية وضوح الأخبار في الحرمة ، وكونها كلاما غير كلام الآدميين ، بل دعاء (٢).

وفيه ، أنّ الدعاء مباح في الصلاة ، فكونها حراما أخرجها عن ذلك الدعاء.

ونقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة : «إنّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (٣).

وما اجيب بأنّه مخصّص بالدعاء والتأمين دعاء (٤) ، قد ظهر فساده ، لأنّه مخصّص بما يجوز في الصلاة لا ما يحرم.

فالصلاة التي وقعت فيما لم يعلم كونها صلاة ، لأنّ العبادات توقيفيّة ، مع أنّ الإجماعات كلّ واحد منها لا يقصر عن خبر واحد ، بل في الحقيقة خبر واحد ، وما دلّ على حجيّته دلّ على حجيّتها ، وأمّا الأخبار فمن قال بالحرمة قال بالبطلان أيضا ، ولم يقل أحد بالفصل.

__________________

(١) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٣ / ٣٧٢.

(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٧٤.

(٣) عوالي اللآلي : ٣ / ٨٥ الحديث ٧٦.

(٤) لاحظ! مدارك الأحكام : ٣ / ٣٧٥ ، ذخيرة المعاد : ٢٧٨.

٢٤٧

وممّا ذكرنا ظهر أنّ الأحوط تركه في الصلاة مطلقا ، بل الأقوى كذلك ، سيّما على القول بأنّه من كلام الآدميين وأنّه اسم للدعاء ، وأنّ الاسم غير المسمّى ، فتأمّل!

٢٤٨

١٥١ ـ مفتاح

[التخيير بين الفاتحة والتسبيح في الركعة الثالثة والرابعة]

يتخيّر في كلّ ثالثة ورابعة من الثلاثيّة والرباعيّة بين الفاتحة والتسبيح ، بالإجماع والصحاح المستفيضة (١) ، واختلف في تقدير التسبيح لاختلاف النصوص ، فمنهم من أوجب تسعا ، تسبيحة وتحميدة وتهليلة ثلاث مرّات (٢) ، كما في الصحيح (٣) ، وآخر عشرا بإضافة تكبيرة إليها بعدها (٤) ، وآخر اثني عشر بتكرار الأربع ثلاث مرّات (٥) ، كما في الخبر (٦) ، ومنهم من اكتفى بالأربع مرّة (٧) كما في الصحيح (٨) ، وآخر بالثلاث مرّة من دون تهليل (٩) ، كما في

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٧ الباب ٤٢ من أبواب القراءة.

(٢) لا حظ! المعتبر : ٢ / ١٨٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الحديث ٧٥٠٩.

(٤) المبسوط : ١ / ١٠٦ السرائر : ١ / ٢٢٢ ، لاحظ! مدارك الأحكام : ٣ / ٣٧٩.

(٥) النهاية للشيخ الطوسي : ٧٦ ، لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٥ و١٤٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٣ الحديث ٧٥١٠.

(٧) المقنعة : ١١٣.

(٨) وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٩ الحديث ٧٤٧١.

(٩) لا حظ! مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٣٨٠.

٢٤٩

آخر (١) ، وآخر بكلّ ما روي (٢) ، وهو الأظهر ، بل المستفاد من بعضها الاكتفاء بمطلق الذكر (٣).

وفي الصحيح : «تسبّح الله وتحمد الله وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء» (٤) وفي آخر : «إنّما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء وليس فيهما قراءة» (٥).

والقول بتعيين الفاتحة فيهما لناسيها في الاوليين (٦) شاذّ ، يدفعه عموم النصوص (٧) وخصوص الصحيح (٨) ، وحديث : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٩) محمول على العامد جمعا ، وللصحيح : «من نسي القراءة فقد تمّت صلاته» (١٠).

وفي أفضليّة القراءة مطلقا ، أم للإمام خاصّة مطلقا ، أم مع تجويزه دخول مسبوق خاصّة ، أم التسبيح مطلقا ، أم لغير الإمام الذي لم يتيقّن عدم المسبوق ، أم تساويهما مطلقا ، أقوال. ولكلّ من الأوّلين والأخير رواية (١١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٤ الحديث ٧٥١٥.

(٢) المعتبر : ٢ / ١٩٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٨ الحديث ٧٤٦٩.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٧ الحديث ٧٤٦٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٨ الحديث ١٠٩٧٧.

(٦) الخلاف : ١ / ٣٤١ المسألة ٩٣.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٨٧ الباب ٢٧ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٨) وسائل الشيعة : ٦ / ٩٢ الحديث ٧٤٢٨.

(٩) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٦ الحديث ٢ ، ٢ / ٢١٨ الحديث ١٣.

(١٠) وسائل الشيعة : ٦ / ٨٧ الحديث ٧٤١٥.

(١١) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٥ الحديث ٧٥١٨ و٧٥١٩ ، ١٠٨ الحديث ٧٤٦٩.

٢٥٠

قوله : (يتخيّر). إلى آخره.

أجمع علماؤنا على التخيّر المذكور ، ونقل الإجماع جماعة (١) ، والأخبار به متواترة (٢).

واختلفوا في قدره وكيفيّته ، فالشيخ في «النهاية» و «الاقتصاد» على أنّه ثلاث مرّات : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» (٣) ، فيكون اثنتي عشر تسبيحة ، وهو الظاهر عن ابن أبي عقيل ، لأنّه قال : يقول : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» سبعا ، أو خمسا ، وأدناه ثلاثا في كلّ ركعة (٤).

ونسب ذلك إلى الصدوق أيضا ، حيث ذكر في «الفقيه». كذلك (٥) ، في النسخة المشهورة المتداولة ، وإن كان بعض النسخ بحذف «الله أكبر» ، موافقا للرواية التي رواها في باب صلاة الجماعة منه (٦).

ويؤيّد الأوّل مضافا إلى الشهرة كون طريقته رحمه‌الله على وفق «الفقه الرضوي» (٧) ، بل كثيرا ما عبارته عين عبارة «الفقه الرضوي».

وصرّح بذلك جدّي العلّامة المجلسي رحمه‌الله (٨) ، بل في الظنّ أنّ إسقاط التكبيرة في النسخة النادرة من اجتهاد بعض أراد التوفيق بين كلاميه.

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٥ ، روض الجنان : ٢٦١ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٣٤٤.

(٢) لا حظ! وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٧ الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٧٦ ، الاقتصاد : ٢٦١.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٥ و١٤٦.

(٥) نسب إليه الخونساري في تعليقاته على شرح اللمعة الدمشقية : ٢٧٣ ، لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٩.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٥٨.

(٧) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٠٥ ، مستدرك الوسائل : ٤ / ٢٠٢ الحديث ٤٤٩٢.

(٨) روضة المتّقين : ١ / ١٧.

٢٥١

وفيه ما فيه ، لأنّه رحمه‌الله كثيرا ما يفتي بشي‌ء ثمّ يذكر بعد ذلك رواية معارضة له ويسكت ، وجدّي العلّامة رحمه‌الله بنى على أنّ ذكره الرواية ليس لأجل عمله ، بل اتّبع عادة المصنّفين ، كما اتّبع في غير «الفقيه» ، وإن كان ذكر في أوّله ما ذكره ، لأنّه بدا له ، ومرّ منّا احتمال عدم بأسه بالعمل بها ، وإن كان فتواه بغيرها (١) ، لكن لا بدّ من ملاحظة المقام.

وممّا ذكرنا نسب في «المختلف» القول بالتسع إلى والد الصدوق ، ثمّ قال : ورواه ابنه في «الفقيه» ، وقال : وهو اختيار أبو الصلاح (٢).

وفي «المعتبر» : أنّه مذهب حريز بن عبد الله السجستاني (٣).

فما في «المدارك» و «الذخيرة» من أنّه مذهب الصدوق (٤) محل تأمّل ، وكذا كونه مذهب أبو الصلاح ، لأنّ العلّامة في «المنتهى» نسب إليه القول بثلاث تسبيحات فتأمّل.

ونسب إلى المرتضى أنّه عشر تسبيحات (٥) ، وهو التسع الذي نسب إلى والد الصدوق وغيره ، مع زيادة «الله أكبر» بعد التسع ، وقال : وهو اختيار الشيخ في «الجمل» و «المبسوط» ، وابن إدريس ، وسلّار ، وابن حمزة ، وابن البرّاج (٦).

وعن ابن الجنيد أنّه قال : والذي يقال في مكان القراءة تحميد وتسبيح

__________________

(١) روضة المتّقين : ١ / ١٧.

(٢) مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٦.

(٣) المعتبر : ٢ / ١٨٩.

(٤) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٧٩ ، ذخيرة المعاد : ٢٧٠.

(٥) منتهى المطلب : ٥ / ٧٦.

(٦) مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٦ ، لا حظ! الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٨١ ، المبسوط : ١ / ١٠٦ ، السرائر : ١ / ٢٣٠ ، المراسم : ٧٢ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٩٦ ، المهذّب : ١ / ٩٤.

٢٥٢

وتكبير يقدّم ما يشاء (١) ، وعن المفيد : أقلّه أربع تسبيحات «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» مرّة واحدة (٢) واختاره في «المختلف» (٣).

وربّما يظهر من «المعتبر» جواز الاكتفاء بمطلق الذكر (٤) ، وأسنده في «الذكرى» إلى صاحب «البشرى» وقوّاه (٥).

وهو الظاهر من «الدروس» أيضا ، مع أولويّة الاثنتي عشر (٦) ، ومن «الشرائع» أيضا مع جعل الاثنتي عشر أحوط (٧) ، بل ومن المحقّق الشيخ علي أيضا (٨) ، إلّا أنّ ظاهر عبارته وعبارة «الدروس» و «الشرائع» ، التخيير بين الاثنتي عشر التي هي الأحوط والأولى والأكمل والعشر والتسع والأربع المذكورات.

وفي «الشرائع» نسب التسع والأربع إلى الرواية ، والعشر إلى القائل بها (٩) ، والذي يظهر من الأدلّة وكلام المعظم أن الاثنتي عشر مبرءة للذمّة على اليقين ، من دون شائبة تزلزل ، وأنّها الأولى والأحوط والكامل.

ويدلّ على وجوبها الرواية التي رواها في «العيون» (١٠) ، وهي معتبرة محفوفة

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٦.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٧ ، لا حظ! المقنعة : ١١٣.

(٣) مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٧.

(٤) المعتبر : ٢ / ١٩٠.

(٥) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣١٥.

(٦) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٧٣.

(٧) شرائع الإسلام : ١ / ٨٤.

(٨) جامع المقاصد : ٢ / ٢٥٦.

(٩) شرائع الإسلام : ١ / ٨٣.

(١٠) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٩٤ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١١٠ الحديث ٧٤٧٤.

٢٥٣

بالقرائن الكثيرة لاعتبارها ، لتضمّنها أحكاما كثيرة كلّها مفتى بها عند القدماء والمتأخّرين.

وسيجي‌ء في مبحث مستحبّات السور عن الصدوق اختيار ما في هذه الرواية ، وذكرها في «الفقيه» وترجيحها على غيرها من الأخبار المعتبرة في الكتب الأربعة (١) ، فلاحظ.

وفي «الفقه الرضوي» : قال عليه‌السلام : «وفي الركعتين الأخراوين (٢) الحمد وحده ، وإلّا فسبّح فيهما ثلاثا ثلاثا ، تقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر ، تقولها في كلّ ركعة منهما ثلاث مرّات» (٣).

والصدوق في غاية الاعتماد على «الفقه الرضوي» ، وكذا المفيد (٤) ، حتّى أنّهما جعلا نفس فتاواهما منه كما وجدنا ، وصرّح به جدّي العلّامة (٥).

والمصنّف أيضا قال : للخبر (٦) ، ونهاية الشيخ من أوّله إلى آخره مضمون الروايات والأخبار ، كما لا يخفى على المتتبّع المطّلع ، والمحقّق الشيخ مفلح بعد نقله الأقوال المذكورة قال : ومستند الأقوال الروايات (٧) ، انتهى.

وممّا يشهد عليه رواية أبي خديجة الآتية (٨) وغيرها ما ستعرف.

وبالجملة ، لا شكّ في ورود الرواية بها ، بل وأزيد ، وأنّ الرواية منجبرة بما ذكرنا وبعمل الأصحاب ، لأنّهم بين قائل بمضمونها بالوجوب العيني (٩) ، وأنّهم من

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٢ الحديث ٩٢٣.

(٢) في (د ١) و (ك) : الاخراوين.

(٣) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٠٥.

(٤) لاحظ! مفاتيح الاصول : ٣٥٣ ، عوائد الأيّام : ٢٤٨.

(٥) روضة المتّقين : ١ / ١٧.

(٦) لاحظ! مفاتيح الشرائع : ١ / ١٣٠.

(٧) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ١٥٢.

(٨) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٥ الحديث ٨٠٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٦ الحديث ٧٥٢١.

(٩) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٥.

٢٥٤

القدماء الشاهدين ، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب ، وبين قائل به بالوجوب التخييري ، مثل المحقّق الشيخ علي وجماعة (١) ، وقائل به بالاستحباب ، مثل العلّامة ومشاركيه (٢) ، وقائل بأنّه أحوط مثل المحقّق ومن وافقه (٣) ، بل هو المشهور ، وهو الصواب ، كما ستعرف.

وقائل بأنّه أحد أفراد الواجب المطلق ، مع كونه أولى وأحوط ، ولم يوجد له راو من الفقهاء صريحا ولا ظاهرا ، إذ لعلّ القائل بأنّه يسبّح تسعا أو عشرا (٤) أنّه يجب هذا القدر ولا ينقص منه ، لا أنّه لا يجوز ذكر الله وتسبيحه أزيد ممّا ذكر ، وعلى فرض ظهوره من نادر أو غيره فلا عبرة به بعد اعتبار المعظم ، كما ذكرنا ، وأنّ الأخبار ستعرف حالها من أنّ المتبادر منها مطلق الذكر بالنحو الذي ستعرف.

أمّا دلالتها على مطلق الذكر الذي قال به غير واحد من الفقهاء (٥) ، فللاختلاف الكثير بينها كمّا وكيفا ، مضافا إلى أخبار كثيرة تكون نصّا في ذلك أو ظاهرا.

مثل صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «عشر ركعات». إلى أن قال : «فزاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة سبع ركعات هي سنّة ليس فيهنّ قراءة إنّما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء» (٦) ، الحديث.

وصحيحة عبيد بن زرارة ، أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الركعتين الأخيرتين

__________________

(١) جامع المقاصد : ٢ / ٢٥٦ ، التنقيح الرائع : ١ / ٢٠٥ ، الروضة البهيّة : ١ / ٢٥٨ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٢٠٧.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٤٥ ، قواعد الأحكام : ١ / ٣٣ ، المختصر النافع : ٣١ ، التنقيح الرائع : ١ / ٢٠٥.

(٣) شرائع الإسلام : ١ / ٨٤ ، روض الجنان : ٢٦١.

(٤) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٣٣ ، المبسوط : ١ / ١٠٦ ، الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٨١ ، المراسم : ٧٢ ، التنقيح الرائع : ١ / ٢٠٥.

(٥) المعتبر : ٢ / ١٩٠ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٣١٥.

(٦) الكافي : ٣ / ٢٧٣ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٩ الحديث ٧٤٧٢ مع اختلاف يسير.

٢٥٥

من الظهر ، قال : «تسبّح الله وتحمد الله وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء» (١).

ويدلّ عليه أيضا إطلاق لفظ ذكر الله في الأخبار ، أو التسبيح ، أو أمثالهما كما ستعرف بعضا منه ، وأيضا ورد في بعض الأخبار «تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله» (٢).

وأمّا النحو الذي أشرنا إليه ، فهو كون مقداره مقدار الحمد أو ما يقاربه ، لقاعدة البدليّة التي عرفتها مكرّرا في مبحث كيفيّة التيمّم وخطبة صلاة الجمعة ، وغير ذلك ، ومنها وجوب الإخفات في التسبيح هنا ، كما سيجي‌ء.

مضافا إلى ظهوره في المقام من بعض الأخبار ، مثل صحيحة عبيد بن زرارة السابقة ، فإنّ الظاهر منها كون التسبيح والتحميد والاستغفار بمقدار الحمد أو قريبا منه ، إذ باختيار (٣) الفاتحة لا شكّ لأحد في وجوب قراءة المجموع ، بحيث لا يشذّ منه حرف أو إعراب ونحوه.

وظاهرها كون المطلوب في الأخيرتين هو التسبيح والتحميد ـ مثلا ـ فقط ، وإن شئت أتيت بها في قالب الحمد ، لأنّه تحميد ودعاء ، فيظهر منه كونه مقدار قالب الحمد تقريبا ، وأنّه لا يكفي «الحمد لله» مرّة ، أو «سبحان الله» كذلك ، وهكذا.

بل لا شكّ في عدم كفايته وأنّه أزيد جزما ، فلم يبق إلّا ما ذكرنا ، لعدم معيّن ومرجّح ، ومثله الأخبار التي بمضمونه ، مع أنّه لو كان التسبيح القليل كافيا لكان يكفي آية من الحمد أو آيتان مثلا ولما كان الحمد بأجمعه واجبا.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٨ الحديث ٣٦٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٢١ الحديث ١١٩٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٧ الحديث ٧٤٦٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٤ الحديث ١١٥٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٩ الحديث ٧٤٧٣.

(٣) في (ك) زيادة : المكلّف.

٢٥٦

ومثل الأخبار الصحاح الواردة في وجوب قراءة الحمد والسورة على المأموم المسبوق في ركعتيه الأوّلتين ، إذا كانتا عقيب الركعتين الأخيرتين للإمام ، وأنّه إن لم يمكنه الجمع يقرأ الحمد البتة ، كما سيجي‌ء.

ومثل رواية أبي خديجة ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب ، وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين» (١).

ومثل الخبر الدالّ على وجوب اثنتي عشر كما مرّ (٢) ، والدالّ على وجوب التسع (٣) ، كما سيجي‌ء.

وما سيجي‌ء في كون الأفضل للإمام القراءة وللمأموم التسبيح ، مع ذمّ أنّ السكوت خلفه «كأنّه حمار» (٤) فتأمّل جدّا!

وأيضا ظاهر ما ورد من قولهم عليهم‌السلام : «إن شئت قرأت وإن شئت سبّحت ، هما والله سواء» (٥) والمتبادر في الذهن هو الذي ذكر.

وسيجي‌ء أيضا بعض أخبار اخر ظاهر فيما ذكر ، في بحث تفضيل التسبيح على القراءة (٦) ، يدلّ عليه أو على خلافه ، ولو لم يكن كلّ واحد ممّا ذكر دليلا وافيا

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٥ الحديث ٨٠٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٦ الحديث ٧٥٢١ مع اختلاف يسير.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٥٤ من هذا الكتاب.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٥٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الحديث ٧٥٠٩.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٦١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٦٠ الحديث ١٠٩٠٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٨ الحديث ٣٦٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٢١ الحديث ١٢٠٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٨ الحديث ٧٤٦٩ مع اختلاف يسير.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة.

٢٥٧

فلا تأمّل في أنّ المجموع من حيث المجموع واف ، مع أنّ شغل الذمّة اليقيني بالصلاة يقتضي البراءة اليقينيّة ، على ما ذكرنا.

فبملاحظة الأخبار السابقة والآتية وغيرها يظهر أنّ المراد من قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : «إذا قمت في الركعتين [الأخيرتن] لا تقرأ فيهما ، فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر» (١) وجوب مطلق الذكر عوض القراءة ، لا وجوب خصوص هذه الصورة وهذا القدر حتّى يكون دليلا لأبي الصلاح على ما توهّم.

مع أنّ الذي نسب إليه هو وجوب ثلاث تسبيحات مطلقا (٢) ، بل مستنده على الظاهر ضعيفة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : أنّ «أدنى ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات ، تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله» (٣).

ويمكن حملها على الإجزاء حال الضرورة كضيق الوقت ، مع أنّها ضعيفة.

نعم ، يعارض ما ذكرنا صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام سأله : ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : «أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» (٤).

وهي مستند المفيد (٥) ، وجماعة من المتأخّرين (٦) ، لكن في طريقها محمّد بن إسماعيل النيشابوري ، ولم يوثّقه أحد.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٩ الحديث ٣٧٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٢ الحديث ١٢٠٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٤ الحديث ٧٥١٥.

(٢) لا حظ! ذخيرة المعاد : ٢٧٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٥٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٩ الحديث ٧٤٧٣ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٣١٩ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٨ الحديث ٣٦٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٢١ الحديث ١١٩٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٩ الحديث ٧٤٧١.

(٥) لا حظ! المعتبر : ٢ / ١٨٨ ، مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٧.

(٦) المعتبر : ٢ / ١٨٨ ، منتهى المطلب : ٥ / ٧٧ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٣١٤ ، روض الجنان : ٢٦١.

٢٥٨

نعم ، يعدّ حديثه صحيحا ، ومثل هذا لا يعارض ما هو صحيح وثّق جميع سلسلة سنده ، مثل صحيحة الحلبي السابقة (١) ، وصحيحة زرارة الآتية (٢) ، وغيرهما من الصحاح وممّا هو حجّة عند الكلّ في الجملة ، كما مرّ.

مع أنّ زرارة راوي هذه الرواية روى ما يضادّها بطريق أصحّ منها ، وروى غير زرارة أيضا من الأجلّة ما يضادّها ، كلّ واحد منهم بطريق أصحّ ، أو عمل الأكثر بل لو لم نقل الكلّ.

وبالجملة ، ظهر لك أنّ الظاهر من الأخبار إجزاء مطلق الذكر على حسب ما عرفت ، إلّا أن يوجّه بأنّ المراد إجزاء أربع تسبيحات مطلقا ، مثل «سبحان الله». إلى آخره ، بأن لا يكون لخصوص الهيئة المذكورة مدخليّة ، بل هي من باب المثال ، فحينئذ لا يكون حجّة للمفيد ومن تبعه (٣).

ومع ذلك يعارضها ما دلّ على إجزاء ثلاث تسبيحات ممّا هو أصحّ منها سندا وأظهر دلالة ، وهي صحيحة الحلبي (٤).

وأمّا السند فظاهر ، وأمّا الدلالة فلأنّه لا يظهر منها ظهورا تامّا وجوب الهيئة المذكورة ، لو لم نقل بأنّه يظهر منها أعمّ من ذلك ، فتأمّل جدّا.

هذا كلّه ، مع معارضتها لما عرفت ممّا دلّ على وجوب أزيد من أربع تسبيحات ، ممّا مرّ وسيجي‌ء ، فكما ظهر من الأدلّة أنّ خصوصيّة هذه الصورة غير مراد في أقلّ الإجزاء ، يحتمل أيضا أن يكون خصوصيّة هذا المقدار غير مراد أيضا.

وبالجملة ، الرواية التي ظهر من الأدلّة عدم بقائها على ظاهرها البتّة ، لا يبقى

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الحديث ٧٥٠٩.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٥٢ و٢٥٣ من هذا الكتاب.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٤ الحديث ٧٥١٥.

٢٥٩

لهم وثوق في الاستدلال بها في مقابل ما دلّ على الاثنتي عشر (١) ، وما دلّ على التسع (٢) ، وما دلّ على وجوب قراءة المأموم الحمد والسورة ، أو الحمد البتّة (٣) ، وغير ذلك ممّا عرفت ، سيّما مع لزوم تحصيل اليقين بالبراءة عن التكليف اليقيني بالصلاة.

فيمكن أن يكون المراد الإجزاء في الجملة ، أي حالة الضرورة كما قلنا ، أو يكون المراد أنّه يجزئ التسبيحات من دون وجوب قراءة من الحمد أو غيره ، على ما هو المشهور عند أهل السنّة ، فيكون المراد الردّ عليهم.

وكيف كان ، لا شكّ في أنّ الاكتفاء بمضمونها يخالف ظواهر الأدلّة الكثيرة.

ومع ذلك هو خلاف الاحتياط أيضا ، إذ ليس فيها إلّا أنّه يجزئ التسبيحات الأربع ، لا أنّه يجب خصوص هذه التسبيحات ويجب أن يكون مرّة ، حتّى يعارض ما دلّ على ثلاث مرّات وغيره ، بل صريح في أنّه مخيّر ، والفتوى أيضا على هذا النحو قطعا ، كما عرفت.

فالاثنتا عشر عند المفتين بالأربع أولى ثمّ أولى ، لأنّ الأربع عندهم أقلّ ما يجزئ ، فظهر ظهورا تامّا أنّ العمل بالأربع خلاف الاحتياط قطعا عند المفتين ، وبالنظر إلى الأدلّة والقواعد الشرعيّة ، بل ظهر لك الإشكال التامّ في الاكتفاء بالأربع اختيارا ، والله يعلم.

وأمّا صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «لا تقر أنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع إماما كنت أو غير إمام» ، قلت : فما أقول فيهما؟ قال : «إن كنت إماما أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، ثلاث مرّات تكمّله تسع تسبيحات ثمّ تكبّر وتركع» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٣ الحديث ٧٥١٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الحديث ٧٥٠٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٦ الحديث ٧٥٢١.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٥٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الحديث ٧٥٠٩ مع اختلاف يسير.

٢٦٠