مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

الطمأنينة حال الذكر.

وعلى الثالث : يترك الذكر ، ويرتفع على حسب ارتفاعه في الأوّل والثاني ، ويترك الذكر لما عرفت في القراءة ، ويأتي بما بقي من الذكر حال ارتفاعه وبعد استقراره ، ويبني على حسب ما سبق إن لم يختل النظام ولم يخرج عن العربيّة ، وإلّا يعيد على ما يحصل به العربيّة.

ولا يبعد الإعادة على ما يحصل به الذكر المتبادر ، وإن قلنا بوجوب التسبيح ثلاثا ، أو ذكر التسبيحة الصغرى واختيارها ، وقلنا بوجوبها ثلاثا ، كما هو المشهور ، فيأتي بما بقي منها حال الاستقرار إن تمّ منها تسبيحة أو تسبيحتان في الحالة الدنيا ، وإلّا فالأمر كما ذكر.

وعلى الرابع : يقوم معتدلا مطمئنا لا منحنيا ، لأنّ ركوعه قد تمّ ، فلا بدّ أن يقوم بعد الركوع منتصبا للسجود ، ويطمئنّ بعد القيام أيضا ، لما سيجي‌ء من وجوبه أيضا.

والأظهر أنّه له أن يرتفع منحنيا إلى أن يصل حدّ الركوع للقائم ، ثمّ يرفع رأسه منتصبا ، وأن يرفع رأسه من ركوعه قاعدا ، بأن يقوم منتصبا منه من أوّل الأمر ، كما قلنا ، لعدم فوريّة وجوب رفع الرأس بعد تماميّة الذكر الواجب ، بل يستحب التطويل مسبّحا وزيادة مكث ، بل ربّما كان تحصيل هيئة ركوع المختار مهما تيسّر أولى وأحوط ، فتأمّل جدّا!

ولو خفّ بعد رفع رأسه من ركوعه في الحالة الدنيا يجب القيام مثلا منتصبا ليكون سجوده عن قيام ، والطمأنينة في هذا القيام ، كما مرّ في الطمأنينة في القيام للركوع عنه.

وفي «الدروس» : لو خفّ بعد الاعتدال قام للطمأنينة فيه ، ولو خفّ بعد

١٠١

الطمأنينة قام للهوي إلى السجود (١) ، ووافقه الشيخ مفلح (٢).

واستشكل العلامة في القيام للسجود لو كانت الخفّة بعد الطمأنينة في رفع رأسه في الحالة الدانية ، للشكّ في كون الهوي إلى السجود قائما واجبا برأسه ، ومن باب المقدّمة فيسقط حينئذ (٣).

وفيه ، أنّ مقتضى الشكّ عدم جواز الاكتفاء بعدم القيام أيضا ، لما عرفت من فساد البراءة الاحتمالية ، ولعلّ القيام ثمّ السجود أقرب إلى الهيئة الثابتة عن الشرع المنقولة إلينا.

ولو خف بعد الهوي إلى السجود استمرّ.

وجميع ما ذكر في العجز عن القيام والتمكّن من القعود وارد في سائر الانتقالات ، كما مرّ في الفرع السابق.

الرابع : عرفت أنّ الجلوس كيف تيسّر صحّ ، إلّا أن يكون من الأفراد الغير المتبادرة والفروض الغريبة ، فيشكل اختياره اختيارا ، وأمّا اضطرارا فلا بأس ، للأدلّة السابقة ، فتأمّل!

لكن يستحبّ التربّع جالسا في الجلوس الذي يكون بدلا عن القيام ، وتثنّي الرجلين راكعا ، والتورّك متشهّدا.

والمراد من التربيع هنا أن ينصب فخذيه وساقيه ، واستحبابه لكونه أقرب إلى القيام من غيره من صورة الجلوس ، ولما ورد عنهم عليهم‌السلام (٤).

وممّا ذكر ظهر أنّ رفع الأليتين أيضا عن الأرض وكون الاعتماد على القدمين

__________________

(١) الدروس الشرعية : ١ / ١٦٩.

(٢) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ١٤٧.

(٣) نهاية الإحكام : ١ / ٤٤٣.

(٤) انظر! وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠١ الباب ١١ من أبواب القيام.

١٠٢

وكذا رفع الكفّ من اليدين لعلّه أولى لما ذكر ، ولئلّا يكون الإقعاء المذموم في بعض الأخبار ، كما ستعرف ، فتأمّل!

والمراد من التثنّي أن يكون كالمقعي جامعا بين رجليه ظهر رجليه على الأرض رافعا عقبيه ـ لكن يعبّر إقعاء لأنّه مكروه ـ ويرفع دبره عن عقبيه ، ويجافي فخذيه عن ساقيه إلى ركبتيه ، وينحني قدر ما يحاذي وجهه موضع سجوده.

ولو اقتصر على محاذاة وجهه ما قدّام ركبتيه أجزأ ، والأوّل أفضل ، كذا قاله مفلح (١).

وقيل : أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب ، كركوع القائم بالنسبة إلى القائم المنتصب (٢) ، والظاهر كون الكلّ تحصيلا للبراءة اليقينية ، إلّا أنّ الأحوط أن لا يقصر عن الأخير.

بل يشكل لو قصر عنه ، والأولى اعتبار الأوّل ، ولو لم يعتبره يعتبر الأوسط ، بل الأحوط ذلك ، وعدم الاكتفاء بالأخير ، والله يعلم.

وأمّا التورّك ، فسيجي‌ء بيانه في مستحبات التشهّد ، وكون التربّع مستحبّا ، مع كونه أنّه أقرب إلى القيام للإجماع والأخبار التي مرّت بعضها.

وعن الشهيد وجوب رفع الفخذين عن الأرض حال الركوع ، لكونه واجبا حال القيام الركوعي (٣).

وفيه ، أنّ الشارع ما نبّه عليه ، ولا أحد من الفقهاء ، ومع ذلك فرق بين الرفعين ، فإنّ الرفع المتعارف في القيام غير مأخوذ في القيام ، لأنّ المعتبر فيه هو الانحناء عن قيام فهو من القيام لا من انحنائه ، إلّا أن يكون مراده بعض صور

__________________

(١) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ١٤٧ مع اختلاف يسير.

(٢) قاله العلّامة في نهاية الإحكام : ١ / ٤٣٩.

(٣) الدروس الشرعية : ١ / ١٦٨.

١٠٣

القيام ، أي للعاجز عن القيام الصحيح القادر على انحناء الارتفاعات الانحنائي ، وأنّها تترتّب متنازلة إلى أن يصل حدّ الجلوس.

لكن عرفت عدم الوجوب من النصّ والفتاوى ، كما هو الحال في التربّع ، فيكون ما ذكره أحوط في هذا الركوع للقاعد ، لا ما يكون مع عدم العجز ، مثل الركوع في الركعتين ، للشكّ بين الثلاث والأربع وغير ذلك ، وإن كان ظاهر النصّ والفتاوى اتّحادهما هيئة.

مع أنّه على ما ذكره الشهيد ليس الواجب منحصرا في رفع الفخذ ، بل لا بدّ من التجافي الحاصل عن قيام أيضا ولم يعتبره ، فتأمّل!

الخامس : الاضطجاع ، لو لم يمكن إلّا ملصقا للفخذين البطن أو معوجا ومنحنيا وجب ، ويكون مقدما على الاستلقاء ، حتّى ما أمكن استقبال القبلة ، والاضطجاع على الأيسر لا بدّ أن يكون الرأس فيه سمت المشرق ، والرجلان سمت المغرب ، بالنسبة إلى أوائل العراق ، وقس عليه حال غيرهم ، ولو تيسّر الاضطجاع غير مستقبل لها وتيسّر الاستلقاء مستقبلا يحتمل تقديم الاستلقاء ، بملاحظة ما دلّ على وجوب الاستقبال مطلقا (١) ، وما ورد عن كون الاضطجاع لا بدّ أن يكون مستقبل القبلة كالملحود (٢).

ويحتمل تقديم الاضطجاع ، بملاحظة المرسلة (٣) [و] الآية (٤) والصحيحة (٥) ،

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة ٤ / ٢٩٥ الباب ١ من أبواب القبلة.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٣ الحديث ٧١٢٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٦ الحديث ١٠٣٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٥ الحديث ٧١٢٧.

(٤) آل عمران (٣) : ١٩١.

(٥) الكافي : ٣ / ٤١١ الحديث ١١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٦٩ الحديث ٢٧٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨١ الحديث ٧١١٣.

١٠٤

ويحتمل التخيير ، إن لم يتيسّر الجمع وإلّا فالجمع ، وفي التخيير اختيار الاستلقاء والاستقبال أولى ، فتأمّل!

السادس : الاستلقاء بأيّ نحو تيسّر صحيح ما واجه القبلة ، وإن لم يمكن الاستقبال سقط وجوبه ، لما مرّ في مبحثه.

والأولى في الاستقبال ، أن يوضع تحت الرأس شيئا يصير به وجه المستلقي إلى القبلة ، والرجلان يكونان ممدودين ، بحيث يصير باطن القدمين مواجها للقبلة ، مع احتمال عدم الوجوب ، لإطلاق لفظ الاستلقاء ، لكن فيه تأمّل ، لأنّ وجوب الاستقبال على حدة.

وفي «العيون» بإسناده عن الرضا عليه‌السلام ، عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا لم يستطع الرجل أن يصلّي قائما صلّى جالسا ، وإن لم يقدر صلّى مستلقيا ، ناصبا رجليه بحذاء القبلة ويومي إيماء» (١).

لكن عرفت ما في تقديم الاستلقاء على الاضطجاع ، وإن لم يتيسّر غير هذا ، فلا شكّ في كونه معيّنا.

السابع : الصلاة الواجبة على هيئة الحالة الدنيا لا يجوز إلّا مع الاضطرار ، ولا يتحقّق الاضطرار إلّا إذا لم يمكنه العلاج ، ويئس منه مطلقا.

فلو رجا العلاج فيما بعد ، ويكون الوقت متّسعا لم يصدق الاضطرار وعدم الاستطاعة الواردة في الأخبار ، وعلى فرض الصدق لم يكن المتبادر منها.

وبالجملة ، القيام مثلا من الواجبات ، يجب ارتكابه جزما ، إلّا أن لا يقدر ولا يمكنه ، ومع الرجاء يكون قادرا برجائه ، فكيف يترك الواجب عليه حينئذ؟

وعن السيّد وابن الجنيد ، أنّ أصحاب الأعذار لا يصلّون إلّا في آخر

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٤٠ الحديث ٩١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٦ الحديث ٧١٣٠ مع اختلاف يسير.

١٠٥

الوقت (١). وكذلك الحال لو رجا زوال العذر من قبل نفسه. وكذلك لو رجا حصول الاستناد لقيامه مثلا ، فلازم ما ذكر عدم جواز الصلاة قاعدا مثلا ، مع رجاء القيام بعد ذلك في سعة الوقت ، فإذا كان مع الرجاء كذلك فمع ظن العلاج أو زوال العذر بطريق أولى ، ومع العلم واليقين بهما أولى ثمّ أولى.

هذا ، مع أنّ أكثر المكلّفين في ساعة أو أزيد غير متمكّنين من إتيان الصلاة بجميع واجباتها ، مثل أنّهم راكبون في الأسفار ، أو في البلاد يذهبون إلى حوائجهم ، أو يكونون قاعدين في موضع قصير السقف ، أو غير ذلك من أمثال ما ذكر ممّا يكون المكلّف عليه في وقت [الصلاة].

فلو صحّ صلاتهم ، كلّما أرادوا أن يصلّوا ، أو كلّ وقت من أوقات صلاتهم ، لزم صحّتها راكبا مع التمكّن من النزول ورجائه ، ومع كونه تحت السقف القصير ، وغير ذلك ممّا لا تأمّل في بطلان صلاتهم حينئذ ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ٣ / ٣٣١.

١٠٦

١٤٢ ـ مفتاح

[جواز الجلوس في النافلة]

يجوز الجلوس في النافلة مع الاختيار بلا خلاف منّا ، إلّا ممّن شذّ (١) ، للنصوص المستفيضة (٢).

وإذا كان في آخر السورة فقام فأتمّها وركع من قيام يحسب له بصلاة القائم ، للصحيح (٣).

وفي رواية : «إذا صلّى الرجل جالسا وهو يستطيع القيام فليضعّف» (٤).

وفي أفضليّة الجلوس في الوتيرة أم القيام قولان (٥).

ويستحبّ التربّع في الجلوس ويكره الإقعاء ، للنصوص (٦) ، فريضة كانت أو نافلة.

__________________

(١) السرائر : ١ / ٣٠٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩١ الباب ٤ من أبواب القيام.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٨ الحديث ٧١٦٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٣ الحديث ٧١٤٨.

(٥) الدروس الشرعية : ١ / ١٣٦ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢١٦ ، لا حظ! مدارك الأحكام : ٣ / ١٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠١ الباب ١١ من أبواب القيام ، ٦ / ٣٤٨ الباب ٦ من أبواب السجود.

١٠٧

وهل يجوز الاضطجاع والاستلقاء في النوافل مع القدرة على القيام والقعود؟ الأظهر لا ، لعدم ثبوت شرعيّته ، والخبر المجوّز (١) مع ضعفه سندا ركيك متنا.

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ / ٣٤٧ الحديث ١١١٥ ، لاحظ! إيضاح الفوائد : ١ / ١٠٠.

١٠٨

قوله : (يجوز الجلوس). إلى آخره.

هذا إجماعيّ ، نقل الإجماع الفاضلان (١) ، وإن نقل عن ابن إدريس المنع عنه في غير الوتيرة (٢) ، وعرفت أنّ خروج معلوم النسب غير مضرّ ، مع أنّه في «المنتهى» قال : لا نعرف فيه مخالفا (٣).

وفي «النهاية» : يجوز التنفّل قاعدا بإجماع العلماء مع القدرة على القيام (٤) ، وفي «المعتبر» هو إطباق العلماء (٥).

فالظاهر أنّهما ما اعتنيا بقوله ، أو أنّه لم يقل ذلك ، بل قال ما يوهمه ، والظاهر أنّه صرّح بالخلاف ، وكذا في «المختلف» صرّح مخالفته (٦).

وبالجملة ، لا عبرة به ، للإجماع والأخبار الكثيرة ، مثل قويّة سهل بن يسع عن الكاظم عليه‌السلام عن الرجل يصلّي النافلة قاعدا وليس به علّة في سفر أو حضر قال : «لا بأس» (٧) وغيرها.

لكن في رواية ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام (٨) ، وصحيحة ابن مسكان ، عن

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٢٣ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٤٣.

(٢) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٣ / ٢٥ ، لاحظ! السرائر : ١ / ٣٠٩.

(٣) منتهى المطلب : ٤ / ٣٢.

(٤) نهاية الإحكام : ١ / ٤٤٣.

(٥) المعتبر : ٢ / ٢٣.

(٦) مختلف الشيعة : ٢ / ٣٢٩.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٨ الحديث ١٠٤٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٢ الحديث ٦٠١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩١ الحديث ٧١٤٣ مع اختلاف يسير.

(٨) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٦٦ الحديث ٦٥٥ ، الاستبصار : ١ / ٢٩٣ الحديث ١٠٨٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٣ الحديث ٧١٤٧.

١٠٩

الحسن الصيقل عنه ، الأمر بالتضعيف (١) ، سواء كان الداعي للجلوس الكسالة أو الضعف ، حملها في «التهذيب» على الأفضليّة (٢) ، وهو كذلك ، وإن روى في «الكافي» و «الفقيه» عن أبي بصير ، عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال له : إنّا نتحدث ونقول : من صلّى وهو جالس من غير علّة كانت صلاته ركعتين بركعة وسجدتين بسجدة ، فقال : «ليس [هو] هكذا ، هي تامّة لكم» (٣).

والظاهر أنّ المراد أنّها تامّة للإماميّة ، إذ ظاهر استحباب التضعيف وكونه أولى ، فيمكن أن يكون أبو بصير فهم الوجوب من الأمر بالتضعيف وأنّه ما لم يضعّف لا تتمّ النافلة ، بل تكون ناقصة. فأجاب عليه‌السلام بما أجاب ، لكن قوله عليه‌السلام : «لكم» يأبى عنه.

والظاهر أنّ النافلة الصادرة من الشيعة جالسا مثل الصادرة عن المستضعفين قائما ، وإن استحب تضعيف الشيعة أيضا ، إذ فيه ثواب خارج ، ويحتمل الخطاب بالنسبة إلى مثل أبي بصير من الأجلّة ، لكن الظاهر استحباب التضعيف بالنسبة إليهم أيضا ، لما ورد في صحيحة حمّاد عن الصادق عليه‌السلام (٤) ، وكصحيحته أيضا عنه عليه‌السلام أنّه قال : قد يشتدّ عليّ القيام في الصلاة ، فقال : «إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا بقي من السورة آيتان فقم وأتم ما بقي ، واركع واسجد فذلك صلاة القائم» (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٦٦ الحديث ٦٥٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٩٣ الحديث ١٠٨١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٣ الحديث ٧١٤٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٠ ذيل الحديث ٦٧٦.

(٣) الكافي : ٣ / ٤١٠ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٨ الحديث ١٠٤٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٢ الحديث ٧١٤٥.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٨ الحديث ١٠٤٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٨ الحديث ٧١٦١.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٥ الحديث ١١٨٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٨ الحديث ٧١٦١.

١١٠

وفي صحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام مثل ذلك ، إلّا أنّه لم يذكر أنّه يشتدّ عليّ القيام في الصلاة ، ولا لفظ آيتين (١).

والظاهر اتّحاد الروايتين ، وأنّ ذكر الاشتداد كان موجودا وترك ، كما هو الحال في غالب المطلقات والمقيّدات ، مع أنّ الاحتمال لا شكّ فيه ، فلا يمكن الاستدلال بالاحتمال.

نعم ، في رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال قلت له : الرجل يصلّي وهو قاعد فيقرأ السورة ، فإذا أراد أن يختمها قام فركع بآخرها ، قال : «صلاته صلاة القائم» (٢).

وظاهرها العموم ، لكن في سندها أبان ، فمن قال بضعفه كيف يعتمد عليها؟ والأظهر عدم ضعفه ، وجواز العمل بمضمونها ، وإن كان الأولى اعتبار اشتداد القيام ، بل وإبقاء آيتين ، كما ورد في الصحيحة وكالصحيحة (٣) ، وإن كان الظاهر جواز بقاء الأقلّ والأكثر.

وروى في «المنتهى» عن عائشة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يصلّي الليل قاعدا حتّى أسنّ ، فكان يقرأ قاعدا حتّى إذا أراد أن يركع قام فقرأ ثمّ ركع (٤) ، فتأمّل! وادّعى فيه الإجماع على أفضليّة القيام مطلقا في النوافل (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٠ الحديث ٦٧٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٨ الحديث ٧١٦٢.

(٢) الكافي : ٣ / ٤١١ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٠ الحديث ٦٧٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٨ الحديث ٧١٦٠.

(٣) مرّ آنفا.

(٤) منتهى المطلب : ٤ / ٣٣.

(٥) منتهى المطلب : ٤ / ٣٢.

١١١

قوله : (وفي أفضليّة الجلوس). إلى آخره.

في «المدارك» : إنّ جمعا من الأصحاب ذكروا كون الجلوس فيهما أفضل من القيام ، لورود النصّ على الجلوس فيهما في روايات كثيرة ، كقوله عليه‌السلام في حسنة الفضيل : «منها ركعتان بعد العتمة [جالسا] تعدّان بركعة» (١) وفي رواية البزنطي مثل ذلك (٢).

ثمّ قال : ويمكن القول بأفضليّة القيام فيهما ، لقوله عليه‌السلام في رواية سليمان بن خالد : «وركعتان بعد العشاء قائما أو قاعدا والقيام أفضل» (٣). وفي الطريق عثمان بن عيسى وهو واقفي.

أقول : لكنّه ممّن أجمعت العصابة (٤) ، وقيل برجوعه عن الوقف وتوبته (٥).

ثمّ قال : ويشهد له قوله عليه‌السلام في رواية الحارث النصري : «كان أبي يصلّيهما وهو قاعد ، وأنا أصليهما وأنا قائم» (٦) ، فإنّ مواظبته عليه‌السلام على القيام فيهما يدلّ على رجحانه ، وجلوس أبيه عليه‌السلام لعلّه لكونه جسيما يشق عليه القيام (٧) ، انتهى.

وفي موثّقة سدير [عن أبيه] أنّه قال للباقر عليه‌السلام : أتصلّي النوافل وأنت قاعد؟ فقال : «ما أصلّيها إلّا وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم وبلغت هذا

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٤٣ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٤ الحديث ٢ ، الاستبصار : ١ / ٢١٨ الحديث ٧٧٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٦ الحديث ٤٤٧٥.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٤٤ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨ الحديث ١٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٧ الحديث ٤٤٧٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٥١ الحديث ٤٤٨٨ مع اختلاف يسير.

(٤) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣١ الرقم ١٠٥٠.

(٥) رجال النجاشي : ٣٠٠ الرقم ٨١٧ ، رجال الكشّي : ٢ / ٨٦٠ الرقم ١١١٧.

(٦) الكافي : ٣ / ٤٤٦ الحديث ١٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٤ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٨ الحديث ٤٤٨١.

(٧) مدارك الأحكام : ٣ / ١٦.

١١٢

السن» (١).

وفي «الذخيرة» أيضا ذكر ما في «المدارك» سوى الطعن على عثمان (٢).

والشيخ علي في حاشيته على «النافع» صرّح بأفضليّة الجلوس (٣) ، وهو الظاهر في «الدروس» (٤).

وفي غير واحد من كلام الأصحاب : ركعتان من جلوس تعدّان بركعة من القيام (٥) ، وفي «شرح اللمعة» : والقيام أفضل (٦).

وبالجملة ، المقام مقام الاستحباب ، والروايتان إحداهما كافية فضلا عن كلتيهما ، فضلا عن الاعتبار بما ذكر ، وبالرواية في «الكافي» وغيره ، وموافقتهما لما ثبت عقلا ونقلا من كون أفضل الأعمال أحمزها (٧) ، وما ظهر من تضاعيف الأخبار كون صلاة القائم أفضل ، وكونهما تعدّان بركعة قائما لا يقتضي الأفضليّة بل كون وضعهما كذلك كي تصير النافلة ضعف الفريضة.

ومعلوم أنّه غير مأخوذ فيها كونها من جلوس ، وإلّا لما جاز القيام فيها أصلا وهو خلاف الإجماع ، فظهر أنّ الجلوس لما ذكر خاصّة ، فالقيام يعد خارج عن الهيئة الموضوع عليها ، وكذا ثوابه زائد عن ثواب نفس الصلاة.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤١٠ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٦٩ الحديث ٦٧٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩١ الحديث ٧١٤٢.

(٢) ذخيرة المعاد : ١٨٤.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٣٦.

(٥) المعتبر : ٢ / ٢٣ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٤٣.

(٦) الروضة البهيّة : ١ / ١٦٩.

(٧) بحار الأنوار : ٦٧ / ١٩١ و٢٣٧ ، ٨٢ / ٣٣٢.

١١٣

وبالجملة ، النوافل الاخر الأصل فيها القيام ، والجلوس نقص فيها ، والوتيرة بالعكس ، الأصل فيها الجلوس ، والقيام زيادة فيها.

قوله : (ويستحب التربّع). إلى آخره.

التربّع على معنيين : أحدهما : ما مرّ من رفع الفخذ والساق.

والثاني : ما اشتهر بالفارسيّة بلفظ «چهار زانو» وهو مكروه مذموم جلوس المتكبّرين ، وتربّع مكروه آخر ، بل وأشدّ كراهة من الأوّل ، وهو مثل الأوّل ، لكن برفع احدى رجليه على الاخرى ، وقال جدّي العلّامة المجلسي : وسمع أنّ التربّع المكروه هو هذا النحو منه (١).

وقد عرفت فيما سبق أنّ جميع صور الجلوس جائز ، إلّا أنّ التربّع بالمعنى الأوّل مستحب ، وبالمعنى الآخر مكروه بصورتيه على المشهور ، للمناهي الواردة وللتشبّه بأهل التكبّر.

وورد في الأخبار أنّه لا بأس بالتربّع ، وممدود الرجلين ومبسوطهما (٢) ، وهو يحتمل كونه المستحب وكونه المكروه وكليهما جميعا ، بل في «الفقيه» مرسلا عن الصادق عليه‌السلام في الصلاة في المحمل : «صلّ متربّعا وممدود الرجلين وكيف ما أمكنك» (٣) ، وغير ذلك من الأخبار.

وظاهرها انتفاء الكراهة إذا لم يمكن غيره بل معلوم ذلك ، ومع التمكّن من الغير فكراهته خارجة عن أحوال الصلاة ، إلّا أن يقال : إنّ كلّ ما هو مكروه خارجا مكروه فيها بحيث يكون من أحوالها ، كما مرّ سابقا.

__________________

(١) روضة المتّقين : ٢ / ٦٤٣.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠١ الباب ١١ من أبواب القيام.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٨ الحديث ١٠٥١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠٢ الحديث ٧١٧٢.

١١٤

وأمّا التربّع المستحب فيها فاستحبابه إجماعي ، نقل الإجماع في «المنتهى» (١) ، ووارد في الأخبار ، منها رواية العامّة عن أنس أنّه صلّى متربّعا ، فلمّا ركع ثنى رجليه (٢).

ورواية الخاصّة عن حمران بن أعين عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «كان أبي إذا صلّى جالسا تربّع وإذا ركع ثنى رجليه» (٣) ، ولكونه أقرب إلى القيام وأحمز.

قوله : (ويكره الإقعاء).

اعلم! أنّ الإقعاء مكروه بين السجدتين عند الأكثر (٤) ، ونسب إلى معاوية بن عمّار ومحمّد بن مسلم أيضا (٥) ، بل في الخلاف ادعى الإجماع (٦).

وعن «المبسوط» والمرتضى وابن بابويه عدم الكراهة (٧) ، وإن استحبّ التورّك ، ولعلّه مكروه عندهم في التشهّد أيضا.

وظاهر الصدوق عدم جوازه فيه ، حيث قال : لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين ، ولا بأس به بين الاولى والثانية والثالثة والرابعة ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهّد ، لأنّ المقعي ليس بجالس ، إنّما يكون بعضه قد جلس على بعض ، فلا يصبر للدعاء والتشهد (٨) ، انتهى.

__________________

(١) منتهى المطلب : ٥ / ١٥.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٣٠٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٨ الحديث ١٠٤٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧١ الحديث ٦٧٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠٢ الحديث ٧١٧١.

(٤) المعتبر : ٢ / ٢١٨ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٤١٥ ، الحدائق الناضرة : ٨ / ٣١٢.

(٥) المعتبر : ٢ / ٢١٨ ، منتهى المطلب : ٥ / ١٦٨.

(٦) الخلاف : ١ / ٣٦٠ و٣٦١ المسألة ١١٨.

(٧) نقل عنهم في منتهى المطلب : ٥ / ١٦٩ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ١١٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٦ ذيل الحديث ٩٣٠.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٦ ذيل الحديث ٩٣٠.

١١٥

ويحتمل أن يكون مراده من «لا يجوز» شدّة الكراهة بملاحظة تعليله ونظره فيه إلى ما ورد في صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام (١) : «إيّاك والقعود على قدميك فتتأذّى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنّما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للدّعاء والتشهد» (٢).

هذا ، لكن في «الدروس» : إنّ الشيخ أيضا قال بعدم الجواز (٣).

واحتجّ في «المنتهى» للمشهور برواية العامّة عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تقع بين السجدتين» (٤) ، وعن أنس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا رفعت رأسك من السجود ، فلا تقع كما يقعي الكلب (٥).

ومن طريق الخاصّة ، ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار وابن مسلم والحلبي قالوا : «لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب» (٦).

وفي الموثّق عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام إنّه قال : «لا تقع بين السجدتين إقعاء» (٧) وفي الصحيح ، عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام ، ونقل الصحيحة المذكورة (٨) ،

__________________

(١) في (د ١) : عن الباقر عليه‌السلام من قوله عليه‌السلام.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٣٤ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٣ الحديث ٣٠٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦٢ الحديث ٧٠٧٩.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٨٢.

(٤) مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٢٣٥ الحديث ١٢٤٨ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٢٨٩ الحديث ٨٩٤ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة : ١ / ٢٨٩ الحديث ٨٩٦.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٣ الحديث ٣٠٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٨ الحديث ١٢٢٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٨ الحديث ٨١٤٩.

(٧) الكافي : ٣ / ٣٣٦ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠١ الحديث ١٢١٣ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٧ الحديث ١٢٢٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٨ الحديث ٨١٤٨.

(٨) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦٢ الحديث ٧٠٧٩.

١١٦

وسنذكرها بتمامها في بحث التشهد ، وسائر أجزاء الصلاة.

وفي صحيحة حمّاد ، عن حريز ، عن رجل ، عنه عليه‌السلام قال له (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (١) ـ ومرّت في مبحث القيام ـ إلى أن قال عليه‌السلام : «ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك» (٢) (٣).

ثمّ احتجّ في «المنتهى» للشيخ وغيره بصحيحة عبيد الله الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا بأس بالإقعاء بين السجدتين» (٤).

ثمّ أجاب بعدم منافاة عدم البأس ، الكراهة.

ثمّ قال : الإقعاء عبارة عن أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه ، وقال بعض أهل اللغة : هو أن يجلس على أليتيه ، ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب (٥) ، والأوّل أولى ، لأنّه تفسير الفقهاء ، وبحثهم فيه (٦) ، انتهى.

والمحقّق أيضا صرّح بالكراهة ، وأنّ المراد من الإقعاء هو الجلوس على عقبيه والاعتماد بصدور قدميه (٧).

ومرادهم أن يكون باطن صدر قدميه على الأرض ، رافعا عقبيه جالسا عليهما ، واضعا أليتيه عليهما ، على ما صرّح به بعض الفقهاء (٨) ، وعبارة الباقين

__________________

(١) الكوثر (١٠٨) : ٢.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٣٦ الحديث ٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٤ الحديث ٣٠٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٩ الحديث ٨١٥٢.

(٣) منتهى المطلب : ٥ / ١٦٨ و١٦٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠١ الحديث ١٢١٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٧ الحديث ١٢٢٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٨ الحديث ٨١٥٠ مع اختلاف يسير.

(٥) الصحاح : ٦ / ٢٤٦٥ ، لسان العرب : ١٥ / ١٩٢.

(٦) منتهى المطلب : ٥ / ١٧٠.

(٧) المعتبر : ٢ / ٢١٨.

(٨) بحار الأنوار : ٨٢ / ١٩٢.

١١٧

ظاهرة فيه ، ومع ذلك استدلّوا بما دلّ على المنع من إقعاء الكلب ، وجعلوه دليلا لهم.

فلعلّ الكلب يجلس كذلك أيضا ، ويسمّى ذلك أيضا إقعاء الكلب ، بل ظاهر ذلك ، لكن تأمّل المصنّف في «الوافي» في ذلك ، وحكم بأنّ المكروه هو ما نقل عن بعض أهل اللغة ، وأنّ ما ذكره [في المعتبر] لا نعرف مأخذه (١).

وغير خفيّ أنّ الظاهر من عبارة الصدوق (٢) أيضا ما قاله الفاضلان (٣) ، بل الظاهر موافقة غيره من الفقهاء أيضا على ذلك ، بل صرّح جمع بذلك ، حتّى قال المحقّق الشيخ علي في «شرح القواعد» : الإقعاء عندنا هو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ، ويجلس على عقبيه (٤).

وهذا ظاهر في كونه مجمعا عليه بين الشيعة ، بل الظاهر أنّه عند أهل السنّة أيضا كذلك.

ويظهر ذلك من «الصحاح» و «المغرب» (٥) ، مضافا إلى كتب فقهائنا مثل «المنتهى» (٦).

وصحيحة زرارة (٧) ، ومرسلة حريز (٨) تناديان بذلك ، فعلى تقدير العلم بأنّ إقعاء الكلب ليس إلّا ما ذكره بعض أهل اللغة (٩) يكون الإقعاء بكلا معنييه

__________________

(١) الوافي : ٨ / ٧٢٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٦ ذيل الحديث ٩٣٠.

(٣) المعتبر : ٢ / ٢١٨ ، منتهى المطلب : ٥ / ١٧٠.

(٤) جامع المقاصد : ٢ / ٣١٠.

(٥) الصحاح : ٦ / ٢٤٦٥ ، المغرب : ٢ / ١٣٠.

(٦) منتهى المطلب : ٥ / ١٧٠.

(٧) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦١ الحديث ٧٠٧٩.

(٨) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٩ الحديث ٨١٥٢.

(٩) الصحاح : ٦ / ٢٤٦٥ ، النهاية لابن الأثير : ٤ / ٨٩.

١١٨

مكروها ، وإن لم نعلم تعيّن ما قاله الفقهاء من أنّ إقعاء الكلب أيضا هو الذي اعتبروه.

مع أنّ إقعاء الكلب لا شكّ في كونه خلاف التورّك وخلاف الهيئة المطلوبة في الجلوس الثابتة من الأخبار ، كما ستعرف ، بل هو أبعد منها ، ثمّ أبعد بمراتب.

نعم ، ربّما يكون أنسب إلى التربّع المستحبّ ، بل ربّما كان فردا منه ، لما عرفت من أنّ المعروف عن الفقهاء تعريف التربّع بنصب الفخذين والساقين خاصّة من دون قيد ولا شرط.

وإن قلنا : الأولى الاحتراز عن الإقعاء الذي ذكره بعض أهل اللغة ، لاحتمال كون المراد ممّا ورد في الأخبار من المنع عن إقعاء الكلب (١) ذلك خاصّة أو ذلك أيضا ، لكونه أعرف وأظهر من العبارة المذكورة ، وأسبق إلى الذهن.

إذا عرفت ما ذكر فاعلم! أنّ استحباب التربّع المذكور إنّما هو في القراءة جالسا وبعدها إلى أن يركع عنه ، وكذا قبلها إن كان الجلوس في موضع القيام ، سواء كان في الفريضة أو النافلة ، فالفريضة التي يكون الفرض فيها الجلوس ، كركعتي الاحتياط جالسا في مقام الركعة قائما لا يستحب التربّع فيهما أصلا ، لكون فرضهما على الجلوس. وكذلك النافلة المنذورة جالسة لا متربّعة ولا قائمة ووقع العجز عن القيام ولا مطلقة ، وكذلك لا يستحب في الوتيرة على القول بأفضليّة الجلوس.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٣ الحديث ٣٠٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٨ الحديث ١٢٢٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٨ الحديث ٨١٤٩.

١١٩

وأمّا كراهة الإقعاء ، فيظهر من كلام بعض الفقهاء اختصاصها بما بين السجدتين (١) ، ومن بعض آخر جريانها في التشهّد أيضا (٢). بل ويظهر من كلام بعضهم كونها فيه أشد ، كما صرّح به في «الدروس» ، وابن إدريس ، ويحيى بن سعيد (٣) ، ويظهر من كلام بعضهم عدم الجواز فيه (٤) ، كما عرفات.

ويظهر من «الفقيه» كون الجلوس بعد السجدة الأخيرة للقيام ، حاله حال ما بين السجدتين في جواز الإقعاء مع أولويّة الترك (٥).

وأمّا كراهة الإقعاء في الجلوس الذي يستحب فيه التربّع فلم يتعرّض لها أحد من الفقهاء ، سيّما إذا كان الإقعاء الكلبي عند اللغوي ، بل ربّما ظهر من كلام جمع منهم استحبابه فيه ، كما عرفت (٦).

وحكم المصنّف بذلك (٧) من جهة إطلاق بعض الأخبار ، وهو مرسلة حريز (٨) ، والعلّة المنصوصة في صحيحة زرارة من قوله عليه‌السلام : «فتتأذّى بذلك ، فلا تصبر للتشهّد والدعاء» (٩) وبملاحظة ارتفاع الطمأنينة المطلوبة غالبا.

ومعلوم أنّ جميع ما ذكر مختصّ بالإقعاء المعروف عند الفقهاء.

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ٨٧ ، منتهى المطلب : ٥ / ١٦٨.

(٢) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٩٧ ، جامع المقاصد : ٢ / ٣٠٩.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٨٢ ، السرائر : ١ / ٢٢٧ ، الجامع للشرائع : ٧٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٦ ذيل الحديث ٩٣٠ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٧٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٦ ذيل الحديث ٩٣٠.

(٦) راجع! الصفحة : ١١٤ و١١٥ و١١٩ من هذا الكتاب.

(٧) مفاتيح الشرائع : ١ / ١٥١.

(٨) الكافي : ٣ / ٣٣٦ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٩ الحديث ٨١٥٢.

(٩) الكافي : ٣ / ٣٣٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦١ الحديث ٧٠٧٩.

١٢٠