مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

وأمثاله.

وأيضا العلماء والواعظون في الأعصار والأمصار في مقام تعداد الواجبات بالأصالة ولأنفسها لا يتعرّضون للوضوء والتيمّم ، بل الغسل أيضا.

كما أنّ الأئمّة عليهم‌السلام في الأخبار في مقام تعداد تلك الواجبات ما ذكروا أصلا ومطلقا. مثلا : كان السائل يسألهم عن الواجبات ، ويقول : علّموني الواجبات عليّ وعلى المكلّفين ، فكانوا يقولون : الواجبات هي الصلاة والزكاة والصوم والحجّ وأمثال ذلك ، من غير إيماء من أحد منهم عليهم‌السلام في مقام من تلك المقامات إلى الوضوء والغسل والتيمّم.

مع أنّ الأصل براءة الذمّة ، والأصل عدم زيادة التكليف ، والأصل استصحاب الحالة السابقة على وقوع الأحداث ، إلّا فيما ثبت خلافه.

وأيضا الطهارات ـ سيّما الوضوء ـ يعمّ به البلوى ، ويكثر إليها الحاجة ، فلو كانت واجبة بالوجوب العيني لشاع وذاع ، بل اشتهر اشتهار الشمس ، لا أن يصير الأمر بالعكس فتوى وعملا في الأعصار والأمصار ، كما ذكرنا في أحكام الاحتضار وغيرها ، فظهر أنّ الإجماعات المنقولة حقّ جزما.

وأمّا الآية ؛ فقوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (١) ، ومفهوم الشرط حجّة كما حقّق (٢) ، وكذا الحال في الصحيح الذي ذكره ، وهو صحيح زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام (٣) ، ورواه في «الفقيه» عن الباقر عليه‌السلام (٤) ، وأحاديث زرارة فيها من القوّة

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) معالم الدين في الاصول : ٧٧ ، الحدائق الناضرة : ٢ / ١٣٠ ، الفوائد الحائريّة : ١٨١ ـ ١٨٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٩ الحديث ١٤٤ و ٢٠٩ الحديث ٦٠٥ ، الاستبصار : ١ / ٥٥ الحديث ١٦٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٥ الحديث ٩٦٠.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٥ الحديث ١٢٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٦ الحديث ٩٦٥.

٦١

ما ليس في غيرها نصّا واعتبارا ، مثل قولهم عليهم‌السلام : «أرأيت أحدا أصدع بالحقّ من زرارة»؟ (١) وغير ذلك من الأخبار.

وأمّا الاعتبار ؛ فبملاحظة حال زرارة ومتانة أخباره ، وكونها مفتى بها غالبا ، وأحاديث الباقر عليه‌السلام على مرّ الحق نصّا واعتبارا ، والنصّ ما ورد في الأخبار عن الصادق عليه‌السلام من أنّ أبي كان يفتي بمرّ الحقّ (٢).

وأمّا الاعتبار ؛ فلارتفاع التقيّة في زمانه ، لاشتغال بني اميّة ببني العبّاس ، وفرصة الشيعة ، ومصاحبة جابر الأنصاري إيّاه ، وإبلاغه سلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاه ، مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه شمائله شمائلي يبقر علم الدين بقرا (٣) ، ولعدم اشتداد التعصّب بين أهل السنّة والشيعة ، وعدم ظهور مذهب الشيعة ، وكون أهل السنّة على مذاهب شتّى اصولا وفروعا بحيث لم يتحقّق إلى ذلك الوقت أساس لمذهبهم أصلا ، وهو عليه‌السلام كان معدودا عندهم من الفقهاء الأجلّاء الأعاظم ، بل مالك كان يفتخر بأنّه عليه‌السلام كان يراعيه ويبجّله (٤) ، وربّما كان غيره كذلك.

وبالجملة ؛ الأسباب كثيرة ذكرنا الكلّ في موضعه ، مع أنّ هذا الحديث لو كان ضعيفا لكان حجّة البتّة ، وقطعا عند كلّ الفقهاء ، لموافقته للأصول والآية وعمل الأصحاب وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، وسائر الأحاديث الواردة عنهم عليهم‌السلام الدالّة على انحصار الواجبات بالأصالة بالصلاة والصوم

__________________

(١) رجال الكشّي : ١ / ٣٥٥ الرقم ٢٢٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٦ الحديث ١٠ ، الاستبصار : ١ / ٢١٩ الحديث ٧٧٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٦٠ الحديث ٤٥٠٦ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٣٥ الحديث ٥٢٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٨٥ الحديث ١٠٤٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٤ الحديث ٥١٠٨.

(٣) أمالي الصدوق : ٢٨٩ الحديث ٩ ، علل الشرائع : ٢٣٣ الحديث ١ ، بحار الأنوار : ٤٦ / ٢٩٥ الحديث ٢٥.

(٤) لاحظ! بحار الأنوار : ٤٧ / ١٦ الحديث ١ ، ٢٠ الحديث ١٦.

٦٢

وأمثالهما ، بل موافق لأخبار اخر منهم عليهم‌السلام.

مثل قولهم في المتيمّم الذي يجد الماء : أنّه يتوضّأ لما يستقبل من الصلاة (١) ، وقولهم في الجنب التي تحيض في المغتسل ولما تغتسل : إنّها لا تغتسل ، لأنّها جاءها ما يفسد الصلاة (٢).

وقول الرضا عليه‌السلام للوشّاء حين أراد أن يصبّ على يده الماء فنهاه عن ذلك ، فقال له : تكره أن اوجر ، فقال : «تؤجر أنت واوزر أنا ، لأنّ الله تعالى يقول (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (٣) ، وها أنا ذا أتوضّأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد» (٤).

وفي حديث آخر : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ما كان يدع أحدا يصبّ عليه الماء في وضوئه فلمّا سئل عليه‌السلام عن علّته؟ قال : «لا احبّ أن اشرك في صلاتي أحدا» (٥).

وفي «العلل» للفضل ، عن الرضا عليه‌السلام : «وإنّما أوجب الوضوء وبدأ به ، فلقيام العبد بين يدي الجبّار» (٦). إلى آخره ، فلاحظ.

وسنذكر أيضا خبرين في علّة الوضوء يدلّان على ذلك ، إلى غير ذلك من

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٦٣ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٢ الحديث ٥٥٥ ، ١٩٤ الحديث ٥٦٠ ، الاستبصار : ١ / ١٦٥ الحديث ٥٧٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٦ الحديث ٣٨٨٣.

(٢) الكافي : ٣ / ٨٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٠ الحديث ١١٢٨ و ٣٩٥ الحديث ١٢٢٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٣ الحديث ١٩٢٨.

(٣) الكهف (١٨) : ١١٠.

(٤) الكافي : ٣ / ٦٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٥ الحديث ١١٠٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٧٦ الحديث ١٢٦٦.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٧ الحديث ٨٥ ، المقنع : ١١ و ١٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٤ الحديث ١٠٥٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٧٧ الحديث ١٢٦٧.

(٦) علل الشرائع : ٢٥٧ الحديث ٩.

٦٣

أخبار كثيرة لا نطول الكتاب بذكرها ، يعرفها العارف المتأمّل.

وأورد في «المدارك» على الاستدلال بالآية بأنّ غاية ما يستفاد منها ترتّب الأمر بالوضوء على إرادة القيام ، والإرادة تتحقّق قبل الوقت أيضا ، إذ لا يعتبر فيها المقارنة لها ، وإلّا لما كان الوضوء واجبا في أوّل الوقت على من أراد الصلاة في آخره (١).

وهذا الاعتراض فاسد من وجوه :

الأوّل : أنّه مبني على أخذ هذا القيام ؛ القيام الذي هو جزء الصلاة ، فاحتيج إلى تقدير الإرادة ، لأنّ الوضوء يجب قبل الصلاة قطعا ، لا بعد ما يتحقّق القيام الذي هو جزء الصلاة ، وهذا الأخذ فاسد جزما ، إذ فرق بيّن بين القيام إلى شي‌ء والقيام الذي هو في الشي‌ء. والآية صريحة في الأوّل ، ولا يقام إلى الشي‌ء إلّا وقت تأتّي ذلك الشي‌ء ، وجواز حصوله عند القيام إليه ، وهذا أيضا لا سترة فيه ، فهو تعالى يقول : إذا قمتم إلى فعل الصلاة وإيجاده ، فتوضّأوا أوّلا ثمّ أوجدوا. ومن بديهيّات الدين أنّه لا يقام إلى إيجاد الصلاة إلّا بعد دخول وقتها ، مع أنّه لو أنكر منكر هذا البديهي ، فكيف يمكنه النقض المذكور؟ فتأمّل جدّا!

ومن موانع أخذه الفاسد ، أنّ الوضوء وجوبه لنفس الصلاة لا للقيام الذي هو جزؤها ، ويلزم ممّا ذكره دلالة هذه الآية على عدم وجوب الوضوء لصلاة القاعد والنائم والمنحني ، وهو بديهي البطلان.

ومن موانعه أيضا جعل لفظ «القيام» هذا مجازا في إرادة القيام ، إطلاقا لاسم المسبّب على السبب ، وجعل المراد منه نفس الصلاة ، إطلاقا لاسم الجزء على الكلّ ، فكيف يصير لفظ واحد مستعملا باستعمال واحد في معنيين مجازيين؟ كلّ

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ١٠.

٦٤

واحد منهما بعلاقة مغايرة لعلاقة الآخر.

مع أنّ إطلاق لفظ الجزء وإرادة الكلّ يتوقّف على التركّب الحسّي وكون الكلّ يفوت بانتفائه ، وفيه ما عرفت.

مع أنّه على هذا يلزم أن يكون قوله تعالى (إِلَى الصَّلاةِ) لغوا ركيكا ، وفيه أيضا ما فيه.

وإن لم يجعل عبارة عن نفس الصلاة يلزم ما قلنا من كون الوضوء شرطا لإرادة جزء واحد للصلاة ، وعدم وجوبه لإرادة سائر أجزائها ، مع كونها في غاية الكثرة.

الثاني : أنّه من المسلّمات الحمل على أقرب المجازات إلى الحقيقة عند تعذّرها.

فليجعل المراد الإرادة التي إذا تحقّقت فكأنّه تحقّق نفس الصلاة ، وهذه الإرادة لا تتحقّق قبل الوقت ، وهو ظاهر.

وبالجملة ؛ أقرب المجازات هي الإرادة التي تكون في الوقت.

وقوله : (وإلّا لما كان الوضوء). إلى آخره. فيه ؛ أنّه يمكن أن يكون وجوبه حينئذ من دليل آخر من إجماع مركّب أو بسيط ، أو الصحيح المذكور ، ولا يجب أن يكون جميع أحكام الوضوء ثابتة من الآية أو من الحديث ، فضلا عن كونهما واحدا.

فإن قلت : مفهوم الآية حينئذ عدم وجوب الوضوء على مريد الصلاة آخر الوقت.

قلت : هذا مبني على عموم المفهوم ، وصاحب «المدارك» وغيره من المعترضين يقولون بعدم العموم للمفهوم ، ومن يقول بالعموم يجوّز تخصيصه بمخصّص مقاوم له ، فكيف إذا كان أقوى ثمّ أقوى؟

٦٥

الثالث : أنّ الاعتراض المذكور فرع كون «إذا» من أداة العموم ، وليس كذلك عند المعترضين والمستدلّين ، وعدم العموم لا يضرّ المستدلّ بلا شبهة ، لأنّ مطلوبه في المقام ليس إلّا أنّ وجوب الوضوء ليس لنفسه ، بل مشروط بالقيام إلى الصلاة ، ودلالة الآية عليه تمام لا غبار فيها.

وأمّا أنّ كلّ من يقوم [و] يريد الصلاة عليه الوضوء إذا كان الوقت داخلا فهو مطلوب آخر ، وله أدلّة اخرى ، كما لا يخفى.

الرابع : أنّه يقول : لا معنى لوجوب الواجب للغير ، ولما (١) يجب ذلك الغير ، فكيف يعترض هذا الاعتراض هنا؟ لأنّ الآية حينئذ تدلّ بدلالة التزاميّة على عدم وجوب الوضوء قبل دخول الوقت البتة.

واعترض في «الذخيرة» بأنّ مفهوم الشرط حجّة ، إذا لم يكن للتعليق بالشرط فائدة اخرى ، ويجوز أن يكون الفائدة هنا بيان كون الوضوء واجبا للصلاة ، وإن كان واجبا في نفسه (٢).

ولا يخفى فساد هذا الاعتراض أيضا ، إذ اشتراط حجّية المفهوم بما ذكره فاسد ، خلاف ما عهد في الاصول وحقّق فيه (٣) ، لأنّه إن أراد حجّية المفهوم في موضع ثبت انحصار الفائدة في حجّية مفهوم الشرط ، فهو إنكار لحجيّة مفهوم الشرط ، إذ بعد ثبوت الانحصار ، كيف يمكن الإنكار؟

وإن أراد الحجّية في مقام لم يظهر ، وفي المقام ظهر أنّ الفائدة والغرض من التعليق اشتراط الصلاة بالوضوء خاصّة ، فلا يخفى فساده ، إذ اشتراط وجوب الوضوء بالقيام إلى الصلاة ليس معناه إلّا أنّ القيام إليها إذا انتفى ينتفي الوجوب ،

__________________

(١) في (ف) و (ز ١) و (ط) : فلا.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢.

(٣) الفوائد الحائريّة : ١٨٤ ـ ١٨٦.

٦٦

لأنّ الشرط إذا انتفى ينتفي المشروط ، إذ بديهي أنّ معنى الشرط هو هذا لا غير ، لا أنّ المشروط إذا انتفى ينتفي الشرط ، إذ لا شبهة في أنّ انتفاء المشروط لا يقتضي انتفاء الشرط ، وهذا أيضا بديهي ، وليس مدلول العبارة الدالّة على اشتراط مشروط بشرط.

نعم ؛ مقتضى اشتراط الصلاة بالوضوء هو قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (١) وأمثاله ، والإجماع عليه.

وبالجملة ؛ إظهار فائدة فرع دلالة اللفظ وليس دلالة ، إذ كلمة «إذا» من أداة الإهمال عنده وعند جميع المحقّقين هنا.

مع أنّ كون وجوب الوضوء لأجل الصلاة لا يظهر منها ، إلّا أن يجعل مثل قولهم : «إذا لقيت الأسد فخذ سلاحك» ، ولا شبهة في أنّ المستفاد منه أنّ أخذ السلاح لم يطلب إلّا للقاء الأسد ، فيدلّ على كون الوضوء واجبا لغيره ليس إلّا.

وما أجاب بأنّه لا منافاة بين الوجوب الغيري والنفسي ، فيجوز اجتماعهما ، فيه ؛ أنّه لا كلام في الجواز واقعا ، إنّما الكلام في دلالة اللفظ ، لأنّها تدلّ على أنّ نفس الوجوب ومطلقه مشروط بالقيام إلى الصلاة ، وهذا بعينه معنى الوجوب للغير ، لأنّ الوجوب المقيّد بكونه لأجل الصلاة مشروط بالقيام ، لأنّ الثاني ليس مدلول هذه العبارة ، ولأصالة عدم القيد.

مع أنّ هذا لو كان مفاد العبارة ، لكان «أعط زيدا درهما إن أكرمك» أيضا كذلك ، لعدم الفرق أصلا.

فالآية تدلّ على كون الوضوء واجبا للغير وهو المطلوب ، وإن سلّمنا دلالتها على فائدة اخرى أيضا ، إذ لا مانع من اجتماع الدلالتين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٥ الحديث ٩٦٠.

٦٧

وبالجملة ؛ المحقّق في الاصول أنّ المولى إذا قال لعبده : «أعط زيدا درهما إن أكرمك» يدلّ على كون وجوب إعطاء الدرهم مشروطا بإكرامه إيّاه (١).

والقول بأنّ المراد لعلّه كون وجوب إعطاء الدرهم الذي لأجل إكرامه واجبا لغيره ومشروطا بالإكرام لا مطلق وجوب الإعطاء ، لا يخفى سخافته ، وأنّه بعينه قول منكر حجّية المفهوم.

واعترض على الصحيح المذكور بأنّ المشروط وجوب الطهور والصلاة معا ، وانتفاء المجموع يتحقّق بانتفاء أحد جزأيه (٢).

وفيه ؛ أنّه إن أراد أنّ كلمة «الواو» بمعنى «مع» ، ففيه أنّه مجاز لا يصار إليه إلّا بالقرينة.

وإن أراد المجموع على سبيل الاستغراق الأفرادي ، كما قال في «الذخيرة» (٣) ، ففيه ؛ أنّ العطف في حكم تكرّر العامل ، وأنّ المعطوف في حكم المعطوف عليه ، كما صرّح في محلّه ، فإنّ أصله إذا دخل الوقت وجب الطهور ، وإذا دخل الوقت وجب الصلاة ، حذف الأخير واكتفى بكلمة العطف عوضا عنها.

ولا شكّ في أنّ الشرط حينئذ تعلّق بكلّ واحد واحد على حدة ، بل تعلّق أوّلا بالطهور ، وصارت الصلاة عطفا عليه ، وقد عرفت أنّ المعطوف في حكم المعطوف عليه عند أهل العربيّة.

مع أنّه يلزم على ما ذكر كون ذكر الطهور لغوا مستدركا ، لأنّ الصلاة مستقلّة في الاشتراط بلا شبهة ، وجعل الفائدة في ذكره أمر آخر ؛ فيه ما فيه ، وجعل الفائدة إفادة اشتراط الطهور لخصوص الصلاة فاسد قطعا ، لعدم الدلالة.

__________________

(١) معالم الدين في الاصول : ٧٧.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ١٠.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢.

٦٨

قوله : (وقيل). إلى آخره.

هذا القول حكاه في «الذكرى» عن قائل مجهول (١) ، ربّما لا يكون من الشيعة على ما قاله بعض (٢) ، ولو كان منهم ، لكان ممّن لا يعتدّ بقوله على ما يؤمي إليه عبارة «الذكرى».

مضافا إلى ما عرفت من الإجماعات المنقولة وطريقة المسلمين في الأعصار في جميع أحوالهم حتّى مقارنة الاحتضار ، بل عرفت أنّه إجماع واقعي ، فالقائل المجهول خارج عن الإجماع ، مع أنّ هذا القول مع مخالفته للإجماع والآية والأخبار والاصول والاعتبار ، وعدم جواز جعله مدلول الأخبار ـ كما ستعرف ـ فاسد في نفسه ، إذ مقتضاه تحقّق واجبات لا تحصى ليس على ترك واحد منها عقاب أصلا ، فضلا عن الجميع ، وذلك لأنّ المكلّف إذا توضّأ عقيب كلّ حدث من أوّل أوان تكليفه إلى وقت وفاته يتوضّأ بقصد الوجوب ووضوؤه هذا واجب عندهم البتّة ، والواجب ما يكون على تركه العقاب.

ومع هذا إن اتّفق أنّه ترك الوضوء إلى آخر عمره ، ولم يتوضّأ أصلا إلّا الوضوء الذي يتوضّأ للصلاة ، أو عند ظنّه بوفاته لا يكون عليه عقاب.

مع أنّ الواجب للغير ليس على تركه عقاب ، بل العقاب إنّما هو على ترك مشروطه ، أو ترك الشرط والمشروط جميعا ، كما حقّق في محلّه (٣) ، ومسلّم عند الفقهاء ، فحينئذ على تقدير ترك الوضوء لأجل الصلاة أيضا لا يكون على تاركه عقاب أصلا ، إلّا إذا ترك عند ظنّ الوفاة.

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ١ / ١٩٤ ـ ١٩٦.

(٢) الحدائق الناضرة : ٢ / ١٢٨.

(٣) الفوائد الحائرية : ٤٠١.

٦٩

والمكلّف دائما يظنّ بقاءه ، سيّما بملاحظة قاعدة الاستصحاب ، بل بملاحظته لا بدّ أن لا ينقض يقينه بالشكّ أبدا ، وعلى فرض حصول الظن بالوفاة لا يكاد يتأتّى منه شرعا هذا الوضوء.

وأمّا الغسل ؛ فهو أشدّ من الوضوء ، فكيف يتأتّى منه عادة عند ظن وفاته؟ اللهمّ إلّا عند البناء على قتله شرعا أو ظلما ، وهذا فرض لا يكاد يتحقّق ، ومطلقات الأخبار محمولة على الصور المتعارفة الشائعة.

فكيف يجعل هذا الوجوب ـ الذي تميّزه عن الاستحباب الذي قال به المشهور بثمرة عجيبة غريبة شاذّة الوقوع غاية الشذوذ ، بل لا يكاد يتحقّق ـ مدلول الأخبار الكثيرة؟

لا يقال : هذا وارد على الفقهاء أيضا ، لأنّ بعد دخول الوقت يقولون بوجوب الطهارة إلى أن تتحقّق الصلاة.

لأنّا نقول : الواجب للغير ليس على ترك نفسه عقاب ، بل على ترك الغير أو فعله خاليا عن شرط صحّته ، فلا مانع من تعدّد الواجبات للغير. مع أنّه يمكن أن يكون الواجب للغير هو الذي تحقّق الغير به خاصّة ، وتمام التحقيق في «الفوائد» (١).

وبالجملة ؛ ثمرة النزاع قصد الوجوب عند الفعل ، ونفس الوجوب عند ظن الوفاة.

والثاني : قد عرفت أنّ عند ظن الوفاة لا يكاد يتحقّق من المكلّف خصوصا الغسل ، بل عرفت أنّ المسلمين في الأعصار والأمصار ما كانوا يرفعون الحدث الأصغر أصلا عند الاحتضار ، ولا يأمرون المحتضر أيضا أصلا لا وجوبا ولا

__________________

(١) راجع! الفوائد الحائريّة : ٤٠١ ـ ٤٠٨.

٧٠

استحبابا ولا احتياطا ، بل عند القتل الشرعي أو الظلمي أيضا.

حتّى أنّ صاحب «المدارك» وغيره (١) ، ممّن يقوّي (٢) هذا القول ، لا أظنّ أنّهم ارتكبوا عند الاحتضار لأنفسهم ، أو بحسب أمرهم غيرهم ، مضافا إلى ما عرفت من مخالفته الأخبار وغيرها أيضا.

وأمّا الثمر الأوّل ؛ فمع عدم ثبوت وجوب قصد الوجه ، نقول : كيف يقصد المكلّف وجوبه حين ما يفعله ، مع أنّه يرى أنّه لو تركه لم يكن عليه عقاب أصلا؟ وسيجي‌ء أنّ النيّة هي الأمر الداعي إلى الفعل ، لا ما يخطر بالبال ، سيّما وأن لا يكون ، فتأمّل!

وبالجملة ؛ هذا الوضوء الذي يرتكبه ليس على تركه عقاب أصلا ، لأنّه كان ظانّا ببقاء حياته إلى الحدث الآخر ، ثمّ الحدث الآخر وهكذا ، بل ربّما كان له علم عادي ، بل ربّما يتوضّأ لحصول الحدث ، مثل الوضوء للنوم أو لجماع الحامل ، أو جارية بعد جماع اخرى.

وأمثال هذا الشخص ممّا يظن ظنّا متاخما للعلم بالبقاء إلى الحدث المذكور ، فلو توضّأ هذا الوضوء يجب عليه قصد الوجوب ، مع أنّه يعلم علما عاديّا أو يظن بأنّه يبقى.

وأين هذا من ظن الموت؟ فكيف يعاقب على ترك هذا الشخص من الوضوء؟ والوضوء الذي يكون عليه بعد هذا الحدث ربّما يكون مثل هذا ، بل عادة كذلك ، فننقل الكلام إلى الوضوء الثاني ، وهكذا إلى أن يتحقّق ظن الوفاة.

فعلى الفرض النادر غاية الندرة أنّه يتمكّن من هذا الوضوء ، يكون هذا

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ١٠ ، ذخيرة المعاد : ٢.

(٢) في (ف) و (ز ١) : ممّن يقول.

٧١

الشخص بخصوصه واجبا ، لكون العقاب على تركه بخصوصه ، فإن تركه يعاقب ، وإن أتى بالوضوءات السابقة الخارجة عن حدّ الإحصاء ، وإن أتى به لا يكون عليه عقاب ، وإن ترك الوضوءات الخارجية عن حدّ الإحصاء بالمرّة.

ولا معنى لكون شخص من الوضوء واجبا باعتبار العقاب الذي على ترك شخص آخر لا على تركه ؛ لأنّ الواجب ما يكون على ترك نفسه العقاب ، لا على ترك شخص آخر ، سيّما أن يكون أشخاص لا يحصى كلّ واحد منها يكون واجبا باعتبار العقاب على ترك شخص واحد مغاير لها ، وإن لم يحصل ظن الموت بحيث يتمكّن ، كما هو المتعارف ، فلا عقاب مطلقا ، فكيف يتحقّق واجب كذلك؟

وممّا ذكر ظهر أنّه لا يمكن القول بتداخل الواجبات التي لا تحصى مع الواجب الأخيري الذي لا يكاد يتحقّق وجوبه أيضا ، لأنّ الواجبات المتداخلة إذا ترك الأخير منها ، يكون على ترك كلّ واحد واحد منها عقاب على حدة.

وأين هذا ممّا قلتم من وجوب الطهارة وجوبا موسّعا. إلى آخره؟ مع أنّه كيف يحكم بتداخل الامور المحقّقة قطعا بالذي لا يكاد يتحقّق؟ وعلى فرض التداخل وتحقّق وجود الأخيري كون ذلك مدلول المطلقات من الأخبار ، بحيث يكون متبادرا من تلك المطلقات ، وتكون تلك المطلقات ظاهرة فيه ، إلى أن تستدلّ من تلك المطلقات عليه ، فيه ما فيه.

فبطل استدلالهم بالمطلقات ، مضافا إلى أنّ المطلق لا عموم فيه ، والاستدلال بالعموم فرع أن لا يكون صورة حاضرة في الأذهان ، وإلّا لكان ينصرف الذهن إليه.

ومعلوم بالضرورة من الدين أنّ الوضوء واجب للصلاة ، والوجوب الغيري للوضوء صار ضروري الدين البتّة قبل صدور هذه الأخبار.

وهذا الضروري أمر حاضر في الأذهان ، وبمجرّد سماع المطلق ينصرف

٧٢

الذهن إلى ما هو حاضر لديه بالضرورة ، كما هو الحال في الأوامر الواردة بغسل الظروف من النجاسات ، وغسل الثياب والأبدان منها ، وأمثال ذلك.

إذ معلوم أنّ الذهن لا ينصرف إلّا إلى ما هو حاضر لديه ، ولذا في أمثال زماننا في محاوراتنا مع العوام ومحاورات بعضهم مع بعض لا يفهمون من الأمر بالوضوء والتيمّم ، إلّا كونه لأجل الصلاة على طريقة الأمر بغسل الثياب والظروف ، وإن شئت أن تعرف ذلك فامتحن.

سلّمنا عدم الانصراف ، لكن لا نسلّم الانصراف إلى الوجوب النفسي ، سيّما مثل ما ذكر من الوجوب النفسي ، فعلى هذا يتعيّن حمل المطلق على المقيّد ، كما هو من المسلّمات.

سلّمنا ؛ لكن لا نسلّم مقاومة دلالتها مع الأدلّة التي ذكرناها ، سيّما بعد التنبيه إلى ما ذكرنا من الوجوه المتعدّدة ، إذ كلّ واحد يكفي لمنع المقاومة ، بل الدلالة أيضا ، فضلا عن المجموع.

وبسطنا الكلام في المقام في «حاشية المدارك» (١) و «الذخيرة» (٢) ، وشيّدنا فساد هذا المذهب واستحالة تحقّقه في «ملحقات الفوائد الحائريّة» (٣).

ومن العجائب أنّ في «المدارك» استدلّ للقول السخيف بقوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (٤) الآية ـ بناء على ما ذكرنا سابقا منه ـ أنّ الإرادة تتحقّق قبل الوقت وبعده (٥).

__________________

(١) الحاشية على مدارك الأحكام للوحيد رحمه‌الله : ١ / ١١ ـ ١٩.

(٢) مخطوط.

(٣) راجع! الفوائد الحائريّة : ٤٠١ الفائدة ١١.

(٤) المائدة (٥) : ٦.

(٥) مدارك الأحكام : ١ / ٩ و ١٠.

٧٣

وفيه ما عرفت ، من أنّه مبني على الأخذ الفاسد من جعل القيام بمعنى إرادته ، وذكرنا شنائعه ، ومنها أنّه مبني على كون «إذا» من كلمات العموم ، وعرفت ما فيه ، ومع ذلك لا شبهة في دلالتها على كون الوضوء واجبا لغيره.

غاية ما في الباب أنّها تدلّ على وجوبه قبل الوقت أيضا ، كما هو رأي بعض المتأخّرين (١) ، ومنهم الوحيد (٢) ، واحتمله العلّامة في «النهاية» (٣) ، وهو ممّن يقول بوجوبه للغير خاصّة.

ولا ملازمة بين القول بوجوبه للغير فقط ، وكون وجوبه بعد دخول الوقت ، إذ لا مانع البتّة من كون الواجب لغيره واجبا قبل دخول وقت وجوب الغير ، لما سيجي‌ء إن شاء الله في وجوب غسل الجنابة والحيض للصوم.

وربّما توهّم أنّه لا معنى لوجوب الطهارة للغير قبل تعلّق الوجوب بالغير.

وهذا أيضا توهّم فاسد ، كما ستعرف في الغسل للصوم ، وعلى تقدير الصحّة كان دليلا قاطعا على إرادة عدم وجوب الواجب للغير قبل دخول وقت وجوب الغير ، فكيف يقول بالدلالة على وجوبه قبل دخول وقت وجوب الغير؟

ومن بديهيّات الدين المعلوم من الأخبار ، أنّ الصلاة مشروطة بالوضوء لا إرادتها ، وأنّ الوضوء وجوبه لنفس الصلاة لا لإرادتها.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ الوضوء واجب لغيره لا لنفسه ، لكن يكون مستحبّا لنفسه ، لما سيجي‌ء من استحباب الكون على الطهارة ، وتجديد الوضوء مطلقا ؛ لأنّه نور على نور ، فتأمّل ، وربّما يصير مستحبّا لغيره أيضا.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٦٧ ، لاحظ! مستند الشيعة : ٢ / ٢٨.

(٢) وهو حسين بن جمال الدين الخوانساري في مشارق الشموس : ٢٦.

(٣) نهاية الإحكام : ١ / ٣٢ و ٣٣.

٧٤

٤١ ـ مفتاح

[أحكام الوضوء]

إنّما يجب الوضوء لما يجب على المحدث دون المتطهّر للإجماع والصحاح المستفيضة (١) ، فإطلاق الكتاب مقيّد بهما ، أو المراد بالقيام فيه القيام من النوم ، كما في الموثّق (٢).

ومقتضى ذلك جواز الدخول في العبادة الواجبة المشروطة بالطهور بالوضوء المندوب الرافع للحدث ، وهو كذلك ، وكذا مع الشكّ في الحدث إذا تيقّن الطهارة ، وكلاهما إجماعي.

أمّا لو تيقّن الحدث وشكّ فيها فلا ، إجماعا ، كما لو تيقّنهما وشكّ في المتأخّر ، على المشهور ، تمسّكا بعموم الأوامر إلّا ما أخرجه الدليل.

وقيل : إنّه ينظر إلى حاله قبل الطهارة المفروضة والحدث ، فإن جهلها تطهر وإن علمها أخذ بضدّ ما علمه (٣). وهو ضعيف مقدوح.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٥ الباب ١ من أبواب الوضوء.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٧ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٣ الحديث ٦٥٧.

(٣) الجامع للشرائع : ٣٧ ، لاحظ! جامع المقاصد : ١ / ٢٣٦.

٧٥
٧٦

قوله : (إنّما يجب الوضوء). إلى آخره.

يعني أنّ الامور التي يجب لها الوضوء من الصلاة الواجبة والطواف وغيرهما ، إنّما يجب لها إذا كان المكلّف المريد لها محدثا لا متطهّرا ، إذ لو كان متطهّرا يكفي طهارته لتلك الامور ، ولا يحتاج إلى وضوء آخر ، للإجماع والصحاح (١).

فالمراد في الآية (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) وكنتم محدثين بالحدث الأصغر (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (٢) الآية ؛ لأنّ الإجماع والصحاح قيّدها بما ذكر.

أقول : «إذا» من أداة الإهمال ، كما حقّق ، والمتبادر من أمثال العبارات هو القيد المذكور ، مثل قولهم : إذا لقيت الأسد فخذ سلاحك ، وإذا لقيت الأمير فخذ اهبتك.

مضافا إلى أصل البراءة ، وأصل العدم ، وإطلاق الصلاة ما لم يثبت التقييد.

ومضافا إلى ما روى ابن بكير في الموثّق ـ كالصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام عن قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ما يعني بذلك (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ)؟ قال : «إذا قمتم من النوم» (٣) ، وادّعي إجماع المفسّرين على ذلك (٤).

وأمّا الصحاح التي ذكرها ؛ فمنها : صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (٥) ، فإنّها ظاهرة في أنّ طهورا ما يكفي.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٧٢ الباب ٤٤ من أبواب الوضوء.

(٢) المائدة (٥) : ٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٧ الحديث ٩ ، الاستبصار : ١ / ٨٠ الحديث ٢٥١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٣ الحديث ٦٥٧.

(٤) الخلاف : ١ / ١٠٩ مع اختلاف يسير.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢ الحديث ٦٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٩ الحديث ١٤٤ الاستبصار : ١ / ٥٥

٧٧

وكذا صحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام : «أنّ الفرض في الصلاة هو الوقت ، والطهور ، والقبلة» (١) ، الحديث. وهي أيضا ظاهرة في أنّ مطلق الطهور يكفي.

وكذا صحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : الطهور ، والوقت» (٢) الحديث ، فتأمّل!

ومنها : موثّقة ابن بكير ، عن أبيه ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا استيقنت أنّك أحدثت فتوضّأ ، وإيّاك أن تحدث وضوءا [أبدا] حتّى تستيقن أنّك [قد] أحدثت» (٣).

وما دلّ على أنّ الوضوء لا ينقضه إلّا حدث ، مثل : صحيحة إسحاق بن عبد الله الأشعري : «لا ينقض الوضوء إلّا حدث» (٤).

وصحيحة زرارة : «لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك ، أو النوم» (٥) ، وغيرهما من الأخبار.

والحدث هنا ليس إلّا الحالة المانعة عن الصلاة ، فما لم ينتقض الوضوء لم تكن تلك الحالة ، ولا يجتمع الوضوء مع الحدث أيّ وضوء كان ، فتأمّل!

__________________

الحديث ١٦٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٥ الحديث ٩٦٠ و ٣٦٦ الحديث ٩٦٥.

(١) الكافي : ٣ / ٢٧٢ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٣٩ الحديث ٥٤٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٥ الحديث ٩٦٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٢ الحديث ٥٩٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧١ الحديث ٩٨٠.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٧ الحديث ٦٣٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٦ الحديث ٥ ، الاستبصار : ١ / ٧٩ الحديث ٢٤٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٣ الحديث ٦٥٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٦ الحديث ٢ ، الاستبصار : ١ / ٧٩ الحديث ٢٤٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٢ الحديث ٦٥١.

٧٨

ويدلّ عليه أيضا ما ورد من عذاب من صلّى بغير وضوء (١).

وما ورد من أنّ المذي والقبلة وأمثال ذلك ، ليس فيها وضوء ولا تعاد الصلاة (٢).

وما ورد في أنّ من تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث ، لا يتوضّأ (٣) ، وأمثال ذلك.

وما ورد في أنّ من كان على وضوء لا يجب عليه الوضوء للمغرب مثلا ، بل يستحبّ (٤). إلى غير ذلك.

بل تتبّع تضاعيف غالب الأحاديث الواردة في الوضوء ، يكشف عن صحّة الصلاة التي تكون بوضوء صحيح مع رفع الحدث وحصول طهارة منه ، لظهورها من الجميع على من تأمّل.

قوله : (ومقتضى ذلك). إلى آخره.

لا تأمّل للأصحاب فيما ذكره ، بل في «المدارك» أنّ الظاهر من مذهب الأصحاب جواز الدخول في العبادة الواجبة المشروطة بالطهارة بالوضوء المندوب الذي لا يجامع الحدث الأكبر مطلقا وادّعى بعضهم عليه الإجماع ، واستدلّ عليه بأنّه متى شرع الوضوء كان رافعا للحدث ، إذ لا معنى لصحّة الوضوء إلّا ذلك ، ومتى ثبت ارتفاع الحدث انتفى الوجوب قطعا.

ثمّ اعترض عليه بجواز أن يكون الغرض من الوضوء وقوع تلك الغاية

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٧ الحديث ٩٦٩ و ٩٧٠.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٦ الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء.

(٤) انظر! وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٥ الباب ٨ من أبواب الوضوء.

٧٩

المرتبة عليه عقيبه ، وإن لم يقع رافعا ، كما في الأغسال المندوبة عند الأكثر.

ثمّ قال : والأجود الاستدلال بعموم ما دلّ على أنّ الوضوء لا ينتقض إلّا بالحدث كقوله عليه‌السلام.

ثمّ ذكر صحيحتي إسحاق الأشعري وزرارة اللتين ذكرناهما (١).

ثمّ قال : ويؤيّده ما رواه ابن بكير ، عن الصادق عليه‌السلام وأتى بموثّقته التي ذكرناها أنّه «إذا استيقنت أنّك أحدثت فتوضّأ» (٢) ، الحديث.

واعترض على استدلاله بأنّ كون الوضوء لا ينتقض إلّا بالحدث لا يقتضي ترتّب جميع ما يترتّب على كلّ وضوء ، بل يقتضي استصحاب ما ثبت ترتّبه على ذلك الوضوء (٣).

أقول : مراده رحمه‌الله إثبات كون كلّ وضوء لا يجامع الحدث الأكبر رافعا ، إذا أتى به المحدث.

ووجه دلالة العمومات أنّ كلّ وضوء داخل في عموم تلك الأخبار إلّا ما ثبت خروجه ، فكلّ وضوء ممّا ذكر لا يجامع الحدث ، إذ لو كان جامعه ، فكيف يقول المعصوم عليه‌السلام : لا ينقضه إلّا الحدث؟ لأنّ الحدث لا ينقض إلّا الطهارة ، فلو لم يكن حدث المتوضّئ مرتفعا بوضوئه ، لم يكن متطهّرا بذلك الوضوء ، بل يكون محدثا بالحدث الذي لم يرتفع بذلك الوضوء ، والحدث لا ينقض الحدث ، والمحدث لا ينقض حدثه الحاصل بالحدث.

فما لم يرتفع الحدث بذلك الوضوء لا يصحّ أن يقال : لا ينقض ذلك الوضوء

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٢ و ٢٥٣ الحديث ٦٥١ و ٦٥٤.

(٢) راجع! الصفحة : ٧٨ من هذا الكتاب.

(٣) مدارك الأحكام : ١ / ١٣ و ١٤.

٨٠