مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

ما عرفت.

والبناء على أنّ المراد من الغسل كلّ غسل ورد من الشرع الأمر به وجوبا أو استحبابا ، كما ذكره في «المدارك» (١) ، وإن لم يكن مخالفا ، لما ذكره خصوص السيّد رحمه‌الله ، لكنّه مخالف للآية والأخبار وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، وفتاوى معظم الأخيار من المتقدّمين والمتأخّرين ، بل كلّهم ، سوى واحد ، فإنّ مخالفة مثل هذه الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ليست أمرا حسنا ، بل لا بدّ من الاحتراز عنها مهما تيسّر ، كما لا يخفى على الفطن.

ولذا ترى صاحب «المدارك» ، ومن وافقه في الطريقة ـ وإن بالغ في ردّ أدلّة المشهور ، وتصحيح أدلّة غير المشهور ـ يقول : مخالفة المشهور أمر مشكل (٢) ، وأمثال هذه العبارة ، فيتوقّف أو يميل إلى المشهور ، أو يميل إلى غير المشهور في العمل ، وإن مال إليه في الفتوى أيضا يكون متردّدا متأمّلا البتّة ، والمعصوم عليه‌السلام قال ـ في المشتهر بين الأصحاب ـ : «لا ريب فيه» (٣) فتأمّل!

ويرد على القول بالاستغراق جميع المفاسد التي أوردنا على كون المراد الطبيعة ، إلّا أن يقال : خرج ما خرج ، وبقي الباقي.

لكن يصحّ هذا إذا كان الباقي أكثر ، ولا بدّ من التأمّل فيه ، مع أنّ الاستغراق معنى مجازي للفظ «الغسل» لا يصار إليه إلّا بقرينة معيّنة له ، وهي استواء جميع الأفراد بحيث لم يتحقّق رجحان لبعضها أصلا.

وكون الأمر فيما نحن فيه كذلك محلّ تأمّل ؛ لأنّ غسل الجنابة أغلب

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ٣٥٨ و ٣٦١.

(٢) لاحظ! مدارك الأحكام : ١ / ٣٦١ ، ذخيرة المعاد : ٤٩ ، مشارق الشموس : ٦٩.

(٣) الكافي : ١ / ٦٨ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤ مع اختلاف يسير.

١٢١

الأغسال تحقّقا ، وليس غسل مثله في مرتبة الغلبة ووجوب الإزالة لابتلاء الرجال والنساء جميعا كثيرا غالبا.

ومع ذلك الإطلاق ينصرف إلى الفرد الكامل أيضا ، وهو الواجب ، بل الفرض الإلهي ، كما هو مسلّم بالنسبة إلى إطلاق لفظ الصلاة والصوم وغيرهما ، مثل الزكاة والحجّ وغيرهما ممّا لا تحصى ، فكيف يعمّ الغسل هنا المستحبات والواجبات الغير الغالبة؟ والغلبة المعتبرة في غير المقام ليست بأزيد منها في المقام.

مع أنّ المستدلّ لا بدّ له من إثبات ذلك ، وأنّى له ذلك؟! ولذا في عرفنا ومحاوراتنا الآن إذا أطلق لفظ «الغسل» ولم يكن قرينة أصلا ، ربّما لا يتبادر سوى غسل الجنابة.

مع أنّ الأصل عدم العموم في غير الألفاظ العامّة ، ولذا قالوا : انصراف المفرد المحلّى إلى العموم فرع أن لا يكون فرد من الأفراد غالب التحقّق ؛ لأنّ الغلبة تجعله بمنزلة الحاضر في الأذهان ، وعلى تقدير جعله متردّدا فيه مشكوكا إرادته لا يثبت العموم أيضا حتّى ينتفي الشكّ ويتعيّن العموم.

بل ادّعى العلّامة أنّ الظاهر من لفظ «الغسل» عند الإطلاق وعدم القرينة هو غسل الجنابة (١).

مع أنّا قلنا : إنّ الأئمّة عليهم‌السلام كثيرا ما في مقام بيان حال الغسل يتعرّضون لذكر خصوص غسل الجنابة ، لاحظ باب كيفيّة الغسل ، وباب واجباته ، وباب أحكامه (٢) ، وباب التيمّم لتعذّره (٣). إلى غير ذلك ، وليس ذلك إلّا من جهة الغلبة

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١ / ٣٤١.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٢٩ الباب ٢٦ ، ٢٣٥ الباب ٢٨ من أبواب الجنابة.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤٦ الباب ٥ من أبواب التيمم.

١٢٢

التي أشرنا إليه ، فكان الغسل من جهتها كأنّه منحصر في غسل الجنابة.

وما قال في «المدارك» لإثبات العموم من قوله : إذ لا خصوصيّة لغسل الجنابة في هذا الوصف بالنسبة إلى غيره من الأغسال (١) ؛ إن أراد عدم الخصوصيّة بحسب الشرع فمصادرة ، سيّما مع ما عرفت ممّا ذكرنا للمشهور ، وخصوصا ما ذكرنا عن «الفقيه» و «الأمالي» و «الفقه الرضوي» (٢).

وإن أراد بحسب طهارة الجسد ونظافته ؛ ففيه أنّه يلزم أن يكون غسل جميع الجسد في رفع الأحداث الصغار أولى من الوضوء مطلقا ، وفيه ما فيه.

فظهر أنّ الوصف غير ما ذكر ، أو أنّه جدل بالنسبة إلى من يعمل بأمثال العلل المذكورة والمناسبات العقليّة ، كما هو طريقة العامّة ، إذ المعصوم عليه‌السلام في هذا الحديث في مقام الردّ على العامة في إيجابهم الوضوء مع كلّ واحد من الأغسال ، التي من جملتها غسل الجنابة.

ومعلوم أنّ قوله عليه‌السلام : «وأيّ وضوء؟» (٣). إلى آخره ردّ عليهم في جعلهم الوضوء أطهر من الغسل ، مع كون طريقتهم مراعاة المناسبات والاستحسانات ، وجعلهم الوضوء أطهر منه من جهة أنّ الوضوء في الأحداث الصغار لا يتوقّف تطهيره على الغسل ، بخلاف الغسل فإنّه يتوقّف تطهيره على وجود الوضوء معه في مقام تطهيره ، فإذا كان المقام جدلا ، فلا يمكن جعله حجّة واقعيّة ، ولا يناسبه التقييد بالجنابة ، لعدم مناسبته الجدل ، كما هو ظاهر.

لكن على هذا لا يبقى وثوق بالاحتجاج ، لما ظهر من كون المقام ؛ مقام

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ٣٦٠.

(٢) راجع! الصفحة : ١١٤ و ١١٥ من هذا الكتاب.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٤ الحديث ٢٠٥٥.

١٢٣

الجدل ، ومراعاة المناسبات العقليّة التي ليست بمعتبرة عندنا في الشرع ، فلا نسلّم جواز الاحتجاج ، سيّما في مقابل الأدلّة الشرعيّة التي عرفتها وعرفت تماميّتها ، فكيف يغلب مثل ذلك على تلك الأدلّة؟

ويمكن أن يجعل المقام ؛ مقام برهان ، وذلك لأنّ الطهارة هنا ليست معناها سوى رفع الحدث.

وعرفت أن لا معنى للحدث هنا إلّا الحالة المانعة ، وأنّ المانع ليس إلّا منع الشارع عن الصلاة مثلا بتلك الحالة ، ورفع تلك الحالة التي تسمّى طهارة ليس إلّا تجويز الشارع مثل الصلاة عنده.

ومعلوم أنّ الله تعالى قال في القرآن (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) (١) الآية ، فظهر منه أنّ الوضوء طهارة وطهور ، إذ ظاهره أنّ بعد ذلك الوضوء يجوز الصلاة جزما ، ولا مانع منها البتّة.

وقال بعد ذلك (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ، فظهر منه أيضا أنّ الاطّهار الذي هو الاغتسال قطعا وإجماعا ووفاقا ، طهارة أيضا وطهور.

فمن هذا يقول المعصوم عليه‌السلام : «أيّ وضوء أطهر من الغسل؟» (٢) ، إذ كما رتّب جواز الصلاة على الوضوء في قوله تعالى ، كذا ترتّب على غسل الجنابة أيضا من دون تفاوت وتأمّل أصلا.

فمن أيّ جهة تقول العامة بطهارة الوضوء ، وعدم طهارة غسل الجنابة؟ فيوجبون معه الوضوء لأجل فعل الصلاة ، ولا يجوّزونه بغير وضوء (٣).

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٤ الحديث ٢٠٥٥.

(٣) انظر! المغني لابن قدامة : ١ / ١٣٨.

١٢٤

فعلى هذا صار الحديث برهانا قاطعا لا غبار فيه أصلا ، لا من جهة كونه جدلا ولا من جهة المخالفة للأخبار والفتاوى ، بل المخالفة للإجماع وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار وغير ذلك.

ومع ذلك ليس فيه ما يخالف أدلّة المشهور أصلا وقطعا ، ولا قولهم بوجه من الوجوه ، بل ويوافقهم ويوافق أدلّتهم ، فكيف يتأتّى الاحتجاج به في ردّ قولهم وأدلّتهم؟ بل تصير مؤيّدا لهم وشاهدا ، كما لا يخفى على الفطن.

وممّا يقرب حمل هذا الخبر على ما قلنا ، أنّ راوي هذا الخبر ـ وهو ابن مسلم ـ روى عن هذا المعصوم عليه‌السلام ، وهو الباقر عليه‌السلام قال له : إنّ أهل الكوفة يروون أنّ عليّا عليه‌السلام كان يأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة ، فقال عليه‌السلام : «كذبوا على علي عليه‌السلام ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليه‌السلام ، قال الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (١)» (٢) ، فتأمّل جدّا!

ويقربه أيضا صحيحة حكم بن حكيم أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن غسل الجنابة؟ فقال : «أفض على كفّك اليمنى». إلى أن قال : قلت : إنّ الناس يقولون : يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحك وقال : «أيّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ؟» (٣) ، فإنّه عليه‌السلام أتى بكلمة «أيّ» التي هي من أداة العموم في الوضوء خاصّة.

فظهر أنّ عنايته في التعميم إنّما هو في خصوص الوضوء دون الغسل ، وإلّا لكان يقول : أيّ غسل أضعف من الوضوء دون الغسل ، وإلّا لكان يقول : أيّ غسل أضعف من الوضوء وأنقص طهرا؟ فلا عناية في عموم

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٨٩ ، الاستبصار : ١ / ١٢٥ الحديث ٤٢٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٧ الحديث ٢٠٦٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٩٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٧ الحديث ٢٠٦٨.

١٢٥

الغسل أصلا ، والأصل عدمه ، فترجع الإشارة والتعريف إلى الغسل المذكور في السؤال ، فظهر عدم العناية في عموم الغسل في الحديث الذي استدلّ به أيضا.

مع أنّك عرفت أنّ الآية على هذا دلالتها واضحة في كون الشرط في الاكتفاء بالغسل كون المكلّف جنبا على أنّه لا يظهر من الخبر أنّ الغسل يجزي عن الوضوء لأجل الصلاة ، إذ يجوز أن يكون المراد أنّه يجزي عنه لتحقّق الغسل الشرعي ، لا لأجل الصلاة ، كما قاله العلّامة رحمه‌الله (١) ، وأنّ المغتسلة عن الحيض ليست بحائض ، وعن النفاس ليست بنفساء ، وهكذا. وإن لم تتوضّأ مع الغسل وضوءا أصلا ، ولا يدلّ على أنّها يجوز لها الصلاة ، وإن لم تتوضّأ لحدثها الأصغر.

والحاصل ؛ أنّ المراد أنّه يجزي لرفع الحدث الأكبر عن الصلاة ، وشأن الغسل رفع الأكبر لا رفع جميع الأحداث ، سوى غسل الجنابة ، فإن رفعه للكلّ ثبت من الخارج وهذا ظاهر سيّما على القول بوجوبه لنفسه.

وقوّاه في «المدارك» و «الذخيرة» (٢) ، وقوّاه غيرهما أيضا ، من جهة دلالة هذه الصحيحة.

وهذا ممّا يقتضي منه العجب ، ويشهد عليه قوله عليه‌السلام : «وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟» (٣) ، فإنّه ينادي بأنّ الإجزاء إنّما هو بالنسبة إلى الطهارة المطلوبة من الغسل لا لأمر آخر.

على أنّ هذا الحديث ـ مع ما عرفت من وجوه التأمّل في دلالته على فرض أن يكون دلالته تامّة ـ يخالف ظاهر الكتاب والمشتهر بين الأصحاب والأدلّة التامّة

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١ / ٣٤١.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ١٩٤ ، ذخيرة المعاد : ٦٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٤ الحديث ٢٠٥٥.

١٢٦

الصحيحة الدالّة على أنّ كلّ غسل سوى الجنابة قبله أو فيه وضوء ، كما عرفت.

وكذا الأخبار الواردة في أنّ رفع الحدث الأصغر بالوضوء خاصّة ، إلى غير ذلك ممّا عرفت ، فحينئذ يشكل التمسّك به ، فما ظنّك بما إذا ورد في دلالته وجوه من التأمّل؟

مع أنّ التعارض بين الحديث والآية وما وافقهما من الأخبار ، إنّما هو من باب العموم من وجه ، فالآية أقوى على أيّ حال.

مع أنّك عرفت أنّ التعارض لو كان من باب العموم المطلق لا بدّ في التخصيص من قطعيّة دلالة الخاصّ أو نصيّتها.

وأين هذا من دلالة هذا الحديث؟ سيّما إذا كانت الآية وما وافقها متعاضدة بأدلّة تامّة كثيرة.

وكلّ الفقهاء إلّا واحد منهم (١) خالفوا مدلول الحديث على فرض تسليم دلالته ، وذهبوا إلى موافقة ظاهر الآية والأخبار وغيرها من الأدلّة التامّة ، فتأمّل!

وممّا ذكر ظهر الجواب عن مرسله حمّاد (٢) أيضا ، وكذا ما وافقها ، مضافا إلى ما ورد من الأخبار في علّة غسل الجمعة من أنّ الله تعالى أتمّ وضوء الفريضة بغسل الجمعة ما كان فيه من سهو ، أو تقصير ، أو نسيان (٣). فإنّه ينادي بأعلى صوته بعدم إجزاء الغسل عن وضوء الفريضة ، كما ورد في تلك الأخبار أيضا : «إنّ الله تعالى أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة» (٤).

مع أنّه روى الشيخ بسنده إلى علي بن يقطين ، عن الكاظم عليه‌السلام : «إذا أردت

__________________

(١) نقل عن السيد في مختلف الشيعة : ١ / ٣٤٠ ، لاحظ! مفتاح الكرامة : ٣ / ٢٧٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٥ الحديث ٢٠٥٨.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٢ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٣ الحديث ٣٧٣٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٣ الحديث ٣٧٣٤ ، ٣١٥ الحديث ٣٧٤٣.

١٢٧

أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل» (١).

وممّا ذكر ظهر الجواب عن الأخبار الاخر أيضا ، مثل موثّقة عمّار أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : عن الرجل إذا اغتسل من جنابته ، أو يوم جمعة أو يوم عيد ، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ قال : «لا ، ليس عليه قبل ولا بعد قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض ، أو غير ذلك» (٢) ، الحديث.

وأمّا ما روي مرسلا : «أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة» (٣) ، فمع الإرسال أنّك عرفت أنّ لفظ «الغسل» المطلق ينصرف إلى الجنابة ، والوضوء فيه بدعة ، سواء كان قبله أو بعده مطلقا.

هذا ؛ مضافا إلى باقي الأجوبة السابقة التي تتمشّى هنا فيها ، مع أنّ المستدلّين لا يقولون بكونه بدعة ، بل ينفون الوجوب ويقولون بالاستحباب ، فتأمّل جدّا!

واستدلّ أيضا بورود الروايات الكثيرة في الحائض أو المستحاضة وغيرهما أنّهما تغتسل من دون ذكر الوضوء أصلا (٤).

وأيضا ورد أنّ غسل الحيض مثل غسل الجنابة وأنّهما واحد (٥).

وفيه ؛ أنّا في أمثال زماننا لا نقول للحائض وأمثالها إلّا : اغتسلي بعد الطهارة ، وأمثال هذه العبارة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٢ الحديث ٤٠١ ، الاستبصار : ١ / ١٢٧ الحديث ٤٣٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٨ الحديث ٢٠٧٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤١ الحديث ٣٩٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٤ الحديث ٢٠٥٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٠ الحديث ٣٩٤ ، الاستبصار : ١ / ١٢٦ الحديث ٤٣٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٥ الحديث ٢٠٥٩.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧١ الباب ١ من أبواب الحيض ، ٣٧١ الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٥) راجع! وسائل الشيعة : ٢ / ٣١٥ الباب ٢٣ من أبواب الحيض.

١٢٨

مع أنّا رأينا ، إمّا وجوب الوضوء ، أو كونه احتياطا ، بحيث نجعل العمل عليه كالمصنّف ومن وافقه.

والفقهاء مع القطع بكون مذهبهم الوجوب ، لا يذكرون في كتبهم إلّا كذلك ، مثلا يقولون : هل يجوز وطء الحائض قبل الغسل أم لا؟ وأنّها إذا طهرت اغتسلت ، وإذا انقضى أيّام عادتها اغتسلت. إلى غير ذلك ممّا لا يحصى ، وكذا نحن أيضا وسائر الناس لا نعبّر في أمثال المقام المذكور إلّا لفظ «الغسل» خاصّة.

والمدار ليس إلّا على ذلك ، وذلك لأنّ المقام متفاوت ، مقام ذكر وجوب الغسل للصلاة أو الوطء أو عدم وجوبه للوطء وأمثال ذلك ، غير مقام أنّ الغسل ما ذا؟ وشرائطه ما هي؟ وأنّه يحتاج إلى وضوء أم لا؟ وأنّه يجب له أم لا؟. إلى غير ذلك من أمثال المقام ، ومنها رفع الخبث.

بل الحقّ أنّ النيّة شرط في الوضوء والغسل وسائر العبادات ، ولم يذكر في مقام من مقامات وجوب عبادة أو استحبابها أو مطلوبيّتها أنّه لا بدّ من نيّة ، وقس على النيّة غيرها ممّا هو شرط في عبادة أو معاملة ، أنّه لا يذكر في مثل المقام الأوّل شي‌ء منها في شي‌ء منهما في الأخبار وفتاوى الفقهاء ، وطريقة محاورة المسلمين في الأعصار والأمصار.

مع أنّه معلوم أنّ الشيعة إلى زمان الصادقين عليهما‌السلام كانوا على طريقة أهل السنّة ، فإنّ الصادقين عليهما‌السلام أبلغاهم الأحكام على حسب ما هو الحقّ ، وهم ما كانوا يسألون عن جميع الأحكام ، بل كانوا يسألون عن شي‌ء اشكل عليهم.

والأئمّة عليهم‌السلام أيضا ما كانوا يبلغون الحكم من أصله وفرعه ، بل ما كانوا يبلغون إلّا ما هو من الفروع والمتعلّقات للأحكام ، وهم إلى زمانهما عليهما‌السلام كانوا يتوضّئون مع كلّ غسل ، والأئمّة عليهم‌السلام منعوهم عن الوضوء مع غسل الجنابة

١٢٩

خاصّة ، كما عرفت.

والوضوء لكلّ صلاة كانت طريقة الأسلاف من الصحابة والتابعين وغيرهم خلفا عن سلف ، وكان هو المتداول إلى زمان الباقر عليه‌السلام ، مع أنّه الظاهر من القرآن (١) والأخبار النبويّة في غسل الجنابة (٢).

وأمّا كون غسل الحيض مثل غسل الجنابة ، فالمراد المماثلة في هيئة الغسل ، وكذا الحال في اتّحادهما ، مع احتمال إرادة التداخل ، كما قالوا.

وبالجملة ؛ شغل الذمّة اليقيني بالفريضة لا تحصل البراءة اليقينيّة منه ، إلّا بأن يتوضّأ مع الغسل للصلاة ، ولا يكتفي بالغسل وحدة ، وسيّما الفريضة التي هي أشدّ الفرائض بعد المعرفة ، بل عرفت أنّ الظن بالبراءة أيضا لا يحصل ، فضلا عن اليقين.

هذا ؛ مع قطع النظر عن قوّة أدلّة المشهور ورجحانها على أدلّة السيّد رحمه‌الله ، فكيف الحال إذا ثبت القوّة والرجحان؟

وقوله : (وما اخترناه). إلى آخره.

لا يخفى أنّ الفتوى والترجيح ليس إلّا لأجل العمل ، فأيّ ثمرة في تضييع العمر والقرطاس والمداد إذا كان العمل على المشهور؟ بل في كتب الأخلاق إنّما ذمّ ذلك ومنع عنه ، إلّا أن يكون يجوز العمل بما اختاره ، ويجعل موافقة المشهور أولى وأحوط ، لكنّه خلاف ظاهر عبارته.

بل ما أظن أنّه رخّص نفسه أو أحدا اختار ما اختاره اختيارا ، سيّما في غسل مستحب ليس فيه تأكيد واهتمام شرعا.

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٦ الحديث ٩٦٣ ، ٣٦٩ الحديث ٩٧٢ ، السنن الكبرى للبيهقي : ١ / ١٧٩.

١٣٠

بل مع عدم الاختيار أيضا ما أظنّ الارتكاب والرخصة ، فضلا عن حالة الاختيار.

قوله : (ثمّ تقديم الوضوء أحوط).

المشهور اختلفوا في تقديم الوضوء على الغسل وتأخيره ، فعن الشيخ في «المبسوط» أنّه يجوز كلاهما والتقديم أفضل (١) ، وإليه ذهب جماعة من المتأخّرين. (٢)

وقال في بعض كتبه ـ على ما نقل عنه ـ بوجوب تقديمه (٣) ، وهو المنقول عن أبي الصلاح والمفيد (٤) ، وظاهر كلام ابني بابويه (٥).

بل عبارة «الأمالي» تدلّ على أنّه من دين الإماميّة الذي يجب الإقرار به (٦).

وفي «الفقه الرضوي» : «وإذا اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ثمّ اغتسل ، ولا يجزي الغسل عن الوضوء ، فإن اغتسلت ونسيت الوضوء فتوضّأ وأعد الصلاة» (٧).

وفيه دلالة على عدم اشتراط تقديم الوضوء لصحّة الغسل ، بل فعله شرط لصحّة الصلاة ، وإن وجب تقديمه على الغسل.

ولعلّ المفيد وابني بابويه يريدون هذا المعنى ؛ لأنّ دأبهم الأخذ عن «الفقه

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٣٠.

(٢) المعتبر : ١ / ٢٥٧ ، مختلف الشيعة : ١ / ٣٤٢ و ٣٤٣.

(٣) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٣٤٣ ، لاحظ! الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٦٣.

(٤) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ١ / ٣٤٣ ، الكافي في الفقه : ١٣٥ ، المقنعة : ٥٣.

(٥) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ١ / ٣٤٣ ، لاحظ! الهداية : ٩٢.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١٥.

(٧) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٤٧٦ الحديث ١٢٠١.

١٣١

الرضوي» والعمل به.

والآية والأصل يعضدان الأوّل ، ومرسلة ابن أبي عمير (١) وغيرها من الأدلّة حجّة الثاني ، وأجاب الأوّلون بالحمل على الاستحباب.

وفيه ما عرفت من الظهور في الوجوب ، فالأصل لا يعارضه وكذا الآية ؛ لأنّ التقييد مقدّم على الحمل على الاستحباب ما لم يرجّح الثاني مرجّح خارجي ، كما حقّقنا في محلّه.

ويدلّ عليه أيضا ما رواه في «الكافي» بسنده ، عن الصادق عليه‌السلام يقول : «الوضوء بعد الغسل بدعة» (٢).

وما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن سليمان بن خالد ، عن الباقر عليه‌السلام مثله (٣).

ومرّ أيضا المرسلة الدالّة على أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة (٤) ، إذ على القول بوجوب الوضوء مع الغسل يتعيّن ما ذكرناه ، فالأقوى هو الثاني ، كما أنّه أحوط أيضا.

قوله : (وزاد جمع). إلى آخره.

مرّ الكلام في ذلك في بحث الاستحاضة ، وأنّ الأقوى ما ذكره المصنّف لما ذكره.

قوله : (وزاد الإسكافي المذي). إلى آخره.

المشهور انحصار موجب الوضوء فيما ذكره ، لما مرّ من الأدلّة.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٥ الحديث ١٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٩١ ، الاستبصار : ١ / ١٢٦ الحديث ٤٢٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٨ الحديث ٢٠٧٢.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٥ الحديث ١٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٥ الحديث ٢٠٦٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٠ الحديث ٣٩٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٥ الحديث ٢٠٦٣.

(٤) راجع! الصفحة : ١٢٧ و ١٢٨ من هذا الكتاب.

١٣٢

وعن ابن الجنيد : أنّ المذي قسمين : قسم بحسب الخلقة ، وقسم عقيب الشهوة ، والثاني : ينقض الوضوء (١) ، وادّعى في «التذكرة» على عدم ناقضيّة المذي الإجماع (٢).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى هذا الإجماع ـ الاستصحاب ، وصحيحة زيد الشحّام أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن المذي ينقض الوضوء؟ فقال : «لا ، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد ، إنّما هو بمنزلة البزاق والمخاط» (٣).

وصحيحة محمّد بن إسماعيل ، عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : سألته عن المذي ، فأمرني بالوضوء منه ، ثمّ أعدت عليه سنة اخرى ، فأمرني بالوضوء منه. إلى أن قال : فقلت : فإن لم أتوضّأ ، فقال : «لا بأس به» (٤).

وصحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : «ثلاث يخرجن من الإحليل ، وهن المني وفيه الغسل ، والودي فمنه الوضوء ؛ لأنّه يخرج من دريرة البول ، والمذي ليس فيه وضوء ، إنّما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف» (٥).

وصحيحة ابن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «ليس في المذي من الشهوة ، ولا من الإنعاظ ، ولا من القبلة ، ولا من مسّ

__________________

(١) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٢٦١.

(٢) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٠٥ المسألة ٣٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٧ الحديث ٤٠ ، الاستبصار : ١ / ٩١ الحديث ٢٩٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٧ الحديث ٧٢٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٨ الحديث ٤٣ ، الاستبصار : ١ / ٩٢ الحديث ٢٩٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٩ الحديث ٧٣٣.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠ الحديث ٤٩ ، الاستبصار : ١ / ٩٤ الحديث ٣٠٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٨٠ الحديث ٧٣٨ مع اختلاف يسير.

١٣٣

الفرج ، ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب والجسد» (١). إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الصحيحة والمعتبرة ، مضافا إلى أصل البراءة وإطلاق الصلاة ، فلا يتقيّد إلّا بدليل.

والأخبار الدالّة على انحصار الناقض فيما خرج من الأسفلين من بول أو غائط أو ريح والنوم ، خرج ما خرج بالدليل ، وبقي الباقي.

وفي مرسلة ابن رباط ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «يخرج من الإحليل المني والمذي والودي والوذي». إلى أن قال : «وأمّا المذي يخرج من الشهوة ولا شي‌ء فيه» (٢) ، الحديث.

وعن الشهيد الثاني : المذي : ماء رقيق يخرج عقيب الشهوة ، والودي ـ بالمهملة ـ : ماء أبيض غليظ يخرج عقيب البول ، و ـ بالمعجمة ـ : يخرج عقيب الإنزال (٣).

حجّة ابن الجنيد صحيحة علي بن يقطين ، عن الكاظم عليه‌السلام عن المذي أينقض الوضوء؟ فقال : «إن كان من شهوة نقض» (٤).

وموثّقة الكاهلي ، عن الكاظم عليه‌السلام عن المذي ، فقال : «ما كان منه بشهوة فتوضّأ منه» (٥).

__________________

(١) الاستبصار : ١ / ٩٣ الحديث ٣٣٠ ، ١٧٤ الحديث ٦٠٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٠ الحديث ٧٠٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠ الحديث ٤٨ ، الاستبصار : ١ / ٩٣ الحديث ٣٠١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٨ الحديث ٧٣٠.

(٣) مسالك الأفهام : ١ / ٢٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩ الحديث ٤٥ ، الاستبصار : ١ / ٩٣ الحديث ٢٩٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٩ الحديث ٧٣٥.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩ الحديث ٤٦ ، الاستبصار : ١ / ٩٣ الحديث ٢٩٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٩ الحديث ٧٣٦ مع اختلاف يسير.

١٣٤

وقويّة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأل عن المذي يخرج من الرجل؟ فقال : «أحدّ لك فيه حدّا وإن خرج منك على شهوة فتوضّأ وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء» (١).

والأخبار الاولة أرجح من وجوه : كثرة العدد ، والشهرة بين الأصحاب ، ومخالفة العامّة ، وموافقة الاستصحاب والأصل ، وغيرهما ممّا ذكرنا ، مضافا إلى استبعاد وجود مذي بغير شهوة ، فإنّه لو كان موجودا ، فليس من الشائع منه ، فكيف تحمل المطلقات الكثيرة على الفرد النادر؟ مع أنّ اللازم حمل المطلق على الفرد الشائع.

بل يمكن أن يقال : المذي اسم لما يخرج بواسطة شهوة الجماع ومقدّماته ، مع أنّ علي بن يقطين وزير الخليفة يناسبه الاتّقاء في أمثال الامور.

وروايات الكاظم عليه‌السلام أقرب إلى التقيّة من روايات الباقر عليه‌السلام ، بل الصادق عليه‌السلام.

وغير الصحيحة لا يقاوم الصحيحة ، سيّما إذا كانت صحاحا كثيرة ، بل لا يعارض كالصحيحة أيضا ، فضلا عن الصحيحة.

ويدلّ على مذهب المشهور بعد الصحاح التي ذكرنا ، صحيحة زيد الشحّام ، وزرارة ، وابن مسلم (٢) ، وحسان كثيرة (٣) ، حسنها ب ـ إبراهيم بن هاشم ـ تركنا الكلّ اختصارا واكتفاء بما ذكرنا.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩ الحديث ٤٤ ، الاستبصار : ١ / ٩٣ الحديث ٢٩٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٩ الحديث ٧٣٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢١ الحديث ٥٢ ، الاستبصار : ١ / ٩٤ الحديث ٣٠٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٦ الحديث ٧٢٦.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٦ الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء.

١٣٥

وما ورد في صحيحة يعقوب بن يقطين ، عن الكاظم عليه‌السلام : «إنّ المذي ينقض الوضوء من شهوة كان أو من غير شهوة» (١) محمول على التقيّة ، أو الاستحباب بقرينة صحيح ابن بزيع السابقة (٢).

وربّما يقرب التقيّة أو الاستحباب في صحيحة علي بن يقطين أيضا ، بل وما وافقها أيضا ، فتأمّل!

قوله : (والقبلة بشهوة). إلى آخره.

نقل عن ابن الجنيد أنّه قال : ينقض الوضوء قبلة المحرم إذا كانت بشهوة ، والاحتياط إعادة الوضوء إذا كانت في محلّل (٣) ، وباقي الفقهاء على عدم النقض ، للأدلّة المذكورة ، مضافا إلى صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : «ليس في القبلة ولا المباشرة ولا مسّ الفرج وضوء» (٤) ، وكذا صحيحته الاخرى (٥) وغيرهما.

حجّة ابن الجنيد ؛ ما رواه الشيخ بسنده فيه عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة أو مسّ فرجها أعاد الوضوء» (٦).

وهذا الخبر إنّما يصير حجّة له على ما نسب إليه المصنّف ، لا على ما نقل عنه ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢١ الحديث ٥٣ ، الاستبصار : ١ / ٩٥ الحديث ٣٠٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٨١ الحديث ٧٤٠.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٩ الحديث ٧٣٣ ، راجع! الصفحة : ١٣٣ من هذا الكتاب.

(٣) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٢٥٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢١ الحديث ٥٤ ، الاستبصار : ١ / ٨٧ الحديث ٢٧٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٠ الحديث ٧٠٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٣ الحديث ٥٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٠ الحديث ٧٠٦.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢ الحديث ٥٦ ، الاستبصار : ١ / ٨٨ الحديث ٢٨٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٢ الحديث ٧١٢.

١٣٦

ومع ذلك لو كان صحيحا ، ما كان يقاوم أدلّة المشهور البتّة ، لما عرفت ، فكيف إذا لم يكن صحيحا؟ والحكم بالاستحباب من جهته لا بأس به.

ومثل ما ذكر الكلام في القهقهة ؛ لأنّ مستند ابن الجنيد رواية ابن أبي عمير ، عن رهط سمعوه عليه‌السلام يقول : «التبسّم في الصلاة لا ينقض الصلاة ، ولا ينقض الوضوء ، إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة» (١).

ومع ذلك لا يقال : يقطع الوضوء ، بل يقال : يقطع الصلاة ، فلذا قال في التهذيبين : القطع هنا راجع إلى الصلاة فقط (٢) ، واحتمل في «الاستبصار» الحمل على التقيّة أيضا (٣).

وكذا الكلام في الحقنة ، إلّا أنّه لم أجد له فيها نصّا ، والمراد الحقنة التي لا يخرج بها شي‌ء من الغائط ، سواء كانت جامدة أو مائعة.

والدليل على عدم نقضها ما مرّ من الأخبار الحاصرة وغيرها. (٤)

وأمّا مسّ باطن الفرجين ؛ فقد مرّ أيضا ما دلّ بعنوان العموم وبعنوان الخصوص على عدم ناقضيّته ، بل ما دلّ بعنوان الخصوص والنصّية صحاح مستفيضة وموثّقة وقويّة.

لكن مضمون الكلّ أنّ مسّ الفرج غير ناقض ، إلّا أنّهما احتجّا على ما نقل عنهما (٥) بقويّة أبي بصير المتقدّمة (٦) ، فتأمّل!

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٢ الحديث ٢٤ ، الاستبصار : ١ / ٨٦ الحديث ٢٧٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٣ الحديث ٦٨٣ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٢ ذيل الحديث ٢٤ ، الاستبصار : ١ / ٨٦ ذيل الحديث ٢٧٤.

(٣) الاستبصار : ١ / ٨٦ ذيل الحديث ٢٧٤.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٨ الباب ٢ ، ٢٥٨ الباب ٥ من أبواب نواقض الوضوء.

(٥) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ١ / ٢٥٨ و ٢٥٩.

(٦) مرّت الإشارة إلى مصادرها آنفا.

١٣٧

واحتجّا أيضا بموثّقة عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عن الرجل يتوضّأ ثمّ يمسّ باطن دبره؟ قال : «نقض وضوءه ، وإن مسّ باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضّأ ويعيد الصلاة ، وإن فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة» (١).

لكنها تضمّنت إعادة الوضوء والصلاة لفتح الإحليل أيضا ، والصدوق خاصّة أفتى به أيضا (٢) ، ولم ينقل عن ابن الجنيد أنّه أفتى به ، والجواب عنها أيضا ظهر ممّا ذكرنا ، فتدبّر.

ونقل عن ابن الجنيد أنّ مسّ ظهر فرج الغير ناقض من المحلل والمحرم (٣) ، لكن صاحب «المدارك» نقل عنه بشرط كونه محرما (٤).

وفي «الذخيرة» لم ينقل عنه ناقضيّة مسّ باطن الفرجين ، بل نقل عنه ناقضيّة مسّ ما انضمّ إليه الثقبتان (٥).

مع أنّ الرواية المذكورة لها صدر تتضمّن أحكاما ، فليلاحظ تلك الأحكام.

ثمّ اعلم! أنّه نقل عن ابن الجنيد أنّه عدّ من النواقض أيضا الدم الخارج من السبيلين ، إذا شكّ في خلوّه عن النجاسة ، وأنّه احتجّ عليه بحجّة اعتباريّة ضعيفة (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٤٨ الحديث ١٠٢٣ ، الاستبصار : ١ / ٨٨ الحديث ٢٨٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٢ الحديث ٧١٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٩ ذيل الحديث ١٤٨.

(٣) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٢٥٧ و ٢٥٨.

(٤) مدارك الأحكام : ١ / ١٥٤.

(٥) ذخيرة المعاد : ١٤.

(٦) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٢٦٣.

١٣٨

٤٣ ـ مفتاح

[ما يستحبّ له الوضوء]

يستحبّ الوضوء للمحدث إذا أراد طوافا مندوبا أو شيئا ممّا لا يشترط فيه الطهور من مناسك الحجّ (١) ، أو دخولا لمسجد (٢) أو تأهّبا لصلاة فريضة قبل دخول وقتها (٣) ، أو قراءة للقرآن (٤) ، أو طلبا لحاجة (٥) أو نوما (٦) ، أو جماعا لمرأة حامل (٧) ، أو دخولا على أهله من سفر (٨).

أو صلاة على جنازة (٩) ، أو زيارة لقبور المؤمنين (١٠) ، أو إدخالا للميّت في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٧٦ الحديث ١٨٠٠٠.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٠ الباب ١٠ من أبواب الوضوء.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٤ الحديث ٩٨٥.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ١٩٦ الباب ١٣ من أبواب قراءة القرآن.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٤ الحديث ٩٨٧.

(٦) وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٨ الباب ٩ من أبواب الوضوء.

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٥ الحديث ١٠١٧.

(٨) لم نعثر على مستنده ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢ / ١٤٠.

(٩) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ١١٠ الحديث ٣١٥٩.

(١٠) لم نعثر على مستنده ، لاحظ! كشف اللثام : ١ / ١٢٢ ، الحدائق الناضرة : ٢ / ١٤٥.

١٣٩

قبره (١) ، كلّ ذلك للنصّ.

وللمتطهّر إذا أراد الصلاة فريضة كانت أو نافلة ؛ لأنّ الوضوء على الوضوء نور على نور (٢).

ومن جدّد وضوءه من غير حدث جدّد الله توبته من غير استغفار ، كذا في الخبر (٣) ، وهو إجماعي والنصوص به مستفيضة (٤).

ويجزي عن السابق إن ظهر فساده ، وكذا إذا أحدث بالرعاف أو القي‌ء أو التخليل المخرج للدم مع كراهة الطبع فيها (٥) ، أو المذي (٦) ، أو إنشاد الشعر الباطل زيادة على أربعة أبيات ، أو الكذب ، أو الغيبة ، أو الظلم (٧) ، أو التقبيل بشهوة ، أو مسّ الفرج (٨) ، أو بما خرج من الذكر بعد الاستبراء (٩) ، وإذا توضّأ قبل الاستنجاء بالماء فيعيد بعده (١٠) ، كلّه للنص.

وأوجبه الصدوق في الأخير إذا كان من البول (١١) ، ويدفعه الصحاح (١٢) ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٢١ الحديث ٣٤٦٠.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٧ الحديث ٩٩٧ و ٩٩٨.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٧ الحديث ٩٩٦.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٥ الباب ٨ من أبواب الوضوء.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٣ الحديث ٦٨٥.

(٦) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٩ الحديث ٧٣٣.

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٩ الحديث ٧٠٣ ، بحار الأنوار : ٧٢ / ٢٤٧ الحديث ١٠.

(٨) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٢ الحديث ٧١٢.

(٩) وسائل الشيعة : ١ / ٢٨٥ الحديث ٧٥٢.

(١٠) وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٦ الحديث ٧٧٨ و ٧٧٩.

(١١) المقنع : ١٣.

(١٢) وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٤ و ٢٩٥ الحديث ٧٧١ و ٧٧٣ ـ ٧٧٥.

١٤٠