مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

وكذا إذا أراد الجنب الأكل (١) أو النوم (٢) أو الجماع (٣) أو تغسيل الميّت (٤) ، أو أراد غاسل الميّت الجماع ولمّا يغتسل (٥) ، أو أرادت الحائض الذكر في وقت الصلاة (٦). كلّ ذلك للنص.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٢١٩ الحديث ١٩٧٨.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٢ الحديث ١٠٠٩.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٥ الحديث ١٠١٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦٣ الحديث ٢١٠٩.

(٥) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦٣ الحديث ٢١٠٩.

(٦) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٥ الباب ٤٠ من أبواب الحيض.

١٤١
١٤٢

قوله : (إذا أراد طوافا مندوبا). إلى آخره.

سيجي‌ء شرحه في محلّه إن شاء الله.

قوله : (أو تأهّبا). إلى آخره.

لأنّ توقّع الفريضة أوّل وقتها أو مطلقا ، إذا لم يتيسّر الوضوء بعد دخول الوقت ، أو خيف من ذلك ، أو يتيسّر ، لكن الأولى التأهّب قبل دخول وقتها ، لما روي عنهم عليهم‌السلام : «ما وقّر الصلاة من أخّر الطهارة حتّى دخل وقتها» (١).

بل إن اشتهى التأهّب قبل الوقت يجوز له ذلك ، للعمومات وعدم منع ذلك ، إلّا أنّ ذلك إباحة للتأهّب لا استحبابه ، إلّا أن يضمّ إلى ذلك استحباب المسارعة في المغفرة والاستباق في الخيرات ، ويكون فعلها لهذا القصد.

ويمكن أن يقال : في صورة عدم التيسّر أو خوف العدم ، يجب التأهّب ؛ لأنّ التيمم طهارة اضطراريّة.

بل ورد في بعض الأخبار ، المنع من السفر إلى الأرض التي لم يتيسّر فيها الوضوء في بعض الأوقات ، وقالوا عليهم‌السلام في هذا : «لا تسافر إلى الأرض التي توبق دينك فيها» ، وهذا وأمثاله ممّا ورد (٢).

هذا على رأي المشهور من وجوب مقدّمة الواجب من جهة وجوب ذي المقدّمة ، إلّا أن يقال : قبل دخول وقت الفريضة لا يصير طهارتها واجبة ، لما ورد من قولهم عليهم‌السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور» (٣) ، إلّا أن يقال بأنّ ذلك وارد

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٣٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٤ الحديث ٩٨٥ مع اختلاف يسير.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩١ الحديث ٣٩٥٣ و ٣٩٥٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٢ الحديث ٩٨١.

١٤٣

مورد الغالب.

بل لا معنى لشموله من لم يتمكّن من الطهارة ، لعدم تحقّق وجوب أصلا ، فتأمّل!

قوله : (وللمتطهّر). إلى آخره.

هذا هو المشهور بالتجديدي ، المعروف من الأصحاب استحباب التجديد لكلّ صلاة فريضة أو نافلة ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يجدّد لكلّ صلاة وفريضة (١).

وما روي من أنّ الوضوء على الوضوء نور على نور (٢).

وما روي من أنّ من جدّد وضوءه بغير حدث جدّد الله توبته من غير استغفار (٣). إلى آخر ما ذكره المصنّف ، يدلّان على استحباب التجديد مطلقا ، إلّا أن يقال : كما أنّ الأمر بالوضوء يتبادر منه كونه لأجل الصلاة مثلا ، كذلك ما ذكر يتبادر منه كونه لها ، فتأمّل!

كذلك صحيحة سعدان ، وهو غير موثّق في كتب الرجال ، إلّا أنّه يروي عنه من لا يروي إلّا عن الثقة ، مثل صفوان بن يحيى ، ويروي عنه محمّد بن أبي عمير أيضا ، وأصله يرويه جماعة من الثقات (٤). إلى غير ذلك ممّا ذكرنا فيه.

وهو روى عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ الطهر على الطهر عشر حسنات» (٥). وفيها دلالة على أنّ كلّ وضوء طهر ، كما أشرنا سابقا.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥ الحديث ٨٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٧ الحديث ٩٩٨ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦ الحديث ٨٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٧ الحديث ٩٩٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦ الحديث ٨٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٧ الحديث ٩٩٦.

(٤) رجال النجاشي : ١٩٢ الرقم ٥١٥ ، انظر! معجم رجال الحديث ٨ / ١٠٠.

(٥) الكافي : ٣ / ٧٢ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٦ الحديث ٩٩٢.

١٤٤

وروي : «أنّ تجديد الوضوء لصلاة المغرب كان كفّارة لما مضى من ذنوبه في نهاره إلّا الكبائر ، ومن جدّد للصبح كان كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلّا الكبائر» (١).

وروي : «أنّ تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا والله وبلى والله» (٢).

وما روي في موثّقة ابن بكير السابقة من المنع عن الوضوء ما لم يستيقن الحدث (٣) ، عرفت المعنى وعدم معارضته لما ذكر في المقام.

والصدوق حمل الأحاديث الواردة بأنّ الوضوء مرّتين مرّتين على التجديد ، وأنّ الثالث لا يؤجر عليه على التجديد الثالث ، ومثّل بأنّ الظهر والعصر لهما أذان وإقامتان ، ومن أذّن للعصر كان أفضل ، والأذان الثالث بدعة لا أجر فيه (٤).

وحمل كلامه على أمرين : أحدهما : نفي الأجر على التجديد الثالث وإن كان لصلاة ثالثة ، وثانيهما : نفي الأجر إذا كان الكلّ لصلاة واحدة.

قال في «المختلف» : فإن أراد الأوّل ، فقد خالف المشهور ، وإن أراد الثاني ، فلم أقف فيه على نصّ (٥).

ثمّ اعلم أنّ مقتضى الأخبار استحباب التجديد وإن لم يصلّ بالأوّل ، كما نقل عن «التذكرة» (٦) ، وتوقّف فيه في «الذكرى» بأن احتمله للعموم ، وعدمه لعدم نقل مثله (٧).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٧٠ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٦ الحديث ٩٩١ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦ الحديث ٨١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٧ الحديث ٩٩٥.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٧ الحديث ٦٣٧ ، راجع! الصفحة : ٧٨ من هذا الكتاب.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦ ذيل الحديث ٨٠.

(٥) مختلف الشيعة : ١ / ٣٠٧.

(٦) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ١٩٦ ، لاحظ! تذكرة الفقهاء : ١ / ٢٠٤.

(٧) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٩٦.

١٤٥

وكذلك مقتضاها استحباب التجديد لصلاة واحدة أكثر من مرّة واحدة وعن «الذكرى» أنّه رجّح عدمه (١) ، وهو أحد احتمالي كلام الصدوق (٢) ، وعن «المختلف» أنّه توقّف فيه (٣).

احتجّ الشهيد ـ على ما نقل عنه ـ بالأصل وبأدائه إلى الكثرة المفرطة (٤) ، ولا يخفى ما فيهما.

وعن «التذكرة» إلحاق سجدة التلاوة والشكر بالصلاة (٥).

وعن «الذكرى» إلحاق الطواف به (٦) ، وبالتأمّل فيما ذكرنا يظهر الحال ، وأنّ الأظهر ذلك.

وقوله : (ويجزي عن السابق). إلى آخره.

قد عرفت الكلام فيه مشروحا (٧) ، وأنّ الأظهر الإجزاء.

قوله : (وكذا إذا أحدث). إلى آخره.

لعلّ مراده من الحدث معناه اللغوي ، وعرفت الكلام في بعض ما ذكر مشروحا ، وسيجي‌ء الكلام كذلك في بعض آخر في محلّه إن شاء الله.

وأمّا الوضوء للرعاف والقي‌ء والتخليل المذكور ، وإنشاد الشعر المذكور ،

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٩٦.

(٢) مرّ آنفا.

(٣) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ١٩٦ ، لاحظ! مختلف الشيعة : ١ / ٣٠٧.

(٤) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٤ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ٢ / ١٩٦.

(٥) تذكرة الفقهاء : ١ / ٢٠٤.

(٦) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٩٦.

(٧) راجع! الصفحة : ٧٩ ـ ٨٨ من هذا الكتاب.

١٤٦

والكذب والغيبة والظلم ، فالأخبار الواردة به (١) محمولة على الاستحباب ، للإجماع على عدم الوجوب ، والأخبار الدالّة على الحصر.

وربّما كان بعض ذلك مذهب العامّة أو كلّه (٢).

لكن احتماله لا يضرّ الحكم بالاستحباب ، للمسامحة في أدلّة السنن ، كما عرفت سابقا لكن فيه تأمّل ؛ لأنّ الأقرب فيه التقيّة ، سلّمنا استواء احتمال التقيّة مع احتمال الاستحباب ، لكن شمول ما دلّ على المسامحة لمثله محلّ تأمّل.

قوله : (وكذا إذا أراد الجنب). إلى آخره.

لما ورد في بعض الأخبار من كراهة أكله (٣) ، وأنّها ترتفع بالوضوء أو تصير خفيفة به ، كالمضمضة والاستنشاق ، وكذا النوم له ، ترتفع كراهته أو تخف بالوضوء ، ولا مانع منه ؛ لأنّه مثل وضوء الحائض يجتمع مع الأكبر.

ويستحب استدامة الطهارة ، وهو المراد من الكون على الطهارة ، وكذا هو المراد من قول الفقهاء : أنّ الوضوء مستحب لنفسه.

وكذا الغسل على ما هو المشهور منهم بأن يكون المكلّف في جميع أوقاته خاليا عن الحدث الأصغر بالوضوء ، والأكبر بالغسل عند التمكّن منهما.

أمّا مع عدم التمكّن ، فهل يكون التيمم حاله حالهما في ذلك أم لا؟ فسيجي‌ء تحقيقه إن شاء الله.

والدليل على ذلك ما ورد عنهم عليهم‌السلام أنّه تعالى قال : «من أحدث ولم يتوضّأ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٩ الحديث ٧٠٣ ، بحار الأنوار : ٧٢ / ٢٤٧ الحديث ١٠.

(٢) بداية المجتهد : ١ / ٣٤ ، شرح فتح القدير : ١ / ٣٩ ـ ٤١.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٢ / ٢١٩ الباب ٢٠ من أبواب الجنابة.

١٤٧

فقد جفاني» (١) ، الحديث. وما مرّ من كون الوضوء نورا وطهرا (٢) ، وقال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٣).

وما ورد من الأخبار في فضيلة الوضوء ، منها : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال في فضيلة الوضوء : «إذا وضعت يدك في إنائك ثمّ قلت : بسم الله ، تناثر منها ما اكتسبت من الإثم ، فإذا اغتسلت وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبتها عيناك وفوك ، وإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك ويسارك ، وإذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك ، فهذا لك في وضوئك» (٤). إلى غير ذلك ممّا دلّ على فضيلة الوضوء ، وفضيلة كون الإنسان على طهر ، مع أنّ المسألة وفاقيّة.

وهذا القدر يكفي للحكم بالاستحباب ، بل وأقلّ من ذلك ، وإن كان قول فقيه واحد ، فإنّه معتبر هنا ، كاعتبار خبر واحد ضعيف ، ومرّ وجهه.

وأمّا الغسل ؛ فقد ورد فيه ما هو أشدّ وآكد إلى أن قال جمع من المحقّقين بوجوبه لنفسه (٥) ، ومرّ الإشارة إليه ، وسيجي‌ء أيضا ما يزيد على ذلك.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المكلّف إذا نوى في وضوئه الذي يفعله لأجل الكون على الطهارة أنّه للاستدامة على الطهارة ، أو للكون على الطهارة ، أو لأنّه مستحب لنفسه بالمعنى الذي ذكر ، أو مطلقا عند المحقّق (٦) ـ على حسب ما عرفت

__________________

(١) إرشاد القلوب : ٩٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٢ الحديث ١٠١٠.

(٢) راجع! الصفحة : ١٤٤ من هذا الكتاب.

(٣) البقرة (٢) : ٢٢٢.

(٤) الكافي : ٣ / ٧١ الحديث ٧ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٣٠ الحديث ٥٥١ ، أمالي الصدوق : ٤٤١ الحديث ٢٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٩٣ الحديث ١٠٣١ مع اختلاف يسير.

(٥) منتهى المطلب : ٢ / ٢٥٦ ، ذخيرة المعاد : ٥٤ و ٥٥ ، كفاية الأحكام : ٣.

(٦) المعتبر : ١ / ١٤٠.

١٤٨

سابقا ـ يكون وضوؤه صحيحا مثمرا ثمرة ما نواه ، وإذا نوى به رفع الحدث أي الحالة المضادّة للطهارة المذكورة ، فهو أيضا صحيح.

وإذا أراد استباحة شي‌ء ممّا يتوقّف على الوضوء ، مثل الصلاة أو مسّ كتابة القرآن ، فإن نوى ذلك مضافا إلى قصد الكون على الطهارة ، فالظاهر حصول الأمرين جميعا له بهذا الوضوء.

كما أنّه لو كان الذي قصد هو الكون على الطهارة ، فإنّه يحصل له استباحة الصلاة والمسّ على ما عرفت سابقا في مسألة جواز الصلاة بكلّ وضوء لا يجامع الحدث الأكبر.

وأمّا إذا قصد خصوص استباحة ذلك الشي‌ء ؛ فيحتمل أيضا حصول الأمرين له ، لصدق كونه على الطهارة ، لكن الإشكال في حصول ثوابه له مع عدم قصده إيّاه ، وسيجي‌ء تمام التحقيق في مسألة تداخل الأغسال إن شاء الله تعالى.

وممّا ذكرنا ظهر حال ما نقل عن الشهيد الثاني رحمه‌الله : إن أراد الكون على الطهارة ، فإن نوى رفع الحدث ؛ «فلا ريب في الصحّة وحصول ما نواه ، إذ لا يحصل الكون عليها إلّا مع ارتفاعه مع الاختيار ، وهو إحدى الغايتين ، وإن نوى الاستباحة لشي‌ء ممّا يتوقّف على الوضوء حصل المقصود أيضا لزوما ، لكن يكون الكون حينئذ تابعا ، وإن نوى الكون على الطهارة ؛ فقد قرّب الشهيد رحمه‌الله الإجزاء (١) ـ كما حكينا عنه ـ وهو حسن ؛ لأنّه إحدى الغايات المطلوبة للشارع ، ولأنّه يستلزم الرفع ؛ لأنّ الكون على الطهارة لا يتحقّق إلّا معه (٢) ، انتهى.

وبالجملة ؛ الوضوء لأجل غاية مطلوبة من الشرع إذا فعل بقصد تلك

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ١١١.

(٢) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٤ ، لاحظ! روض الجنان : ١٥ و ١٦.

١٤٩

الغاية ، فلا شكّ في صحّته وترتّب ثمرات تلك الغاية عليه ، بخلاف ما إذا فعل بغير ذلك القصد ، فإن ترتّب ثمراته عليه حينئذ ، أو كونه موافقا لما طلبه الشارع يحتاج إلى دليل ، وسيجي‌ء تمام التحقيق إن شاء الله.

لكن هنا إشكال آخر ، وهو أنّ أكثر الوضوءات المستحبة شرعا ، إنّما ثبت من حديث ضعيف خال عن الجابر ، أو من قول الفقيه بناء على التسامح في أدلّة السنن ، ـ وقد مرّ تحقيقه (١) ـ وأنّه مع احتمال كونه كذبا اختلاقا من الراوي ، أو وهما منه ، أو غير ذلك كيف تصحّ الصلاة الثابتة من الشرع مثلا بهذا الوضوء؟ كما هو الظاهر من المشهور على ما مرّ ، والصلاة مثلا شرطها الوضوء ، والشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط.

ويمكن دفعه بأنّ الشرط ليس إلّا غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين مع نيّة القربة ، والكلّ موجود هنا شرعا ؛ لأنّ رجحانه ثبت شرعا ، كما عرفت في مقام إثبات جواز التسامح في أدلّة السنن ، فلاحظ وتأمّل!

قوله : (أو أرادت الحائض). إلى آخره.

قد مرّ الكلام في مبحث الحيض ، وأنّه مستحب لظهور بعض الأخبار (٢) ، ولأنّ ظاهر الأخبار المتواترة سقوط الصلاة عن الحائض رأسا (٣) ، لا أنّ الواجب على المرأة ـ سواء كانت حائضا أو طاهرة ـ أن تعبد الله في الأوقات الخمسة ، إن كانت طاهرة فعبادتها بنفس الصلاة ، وإن كانت حائضا فعبادتها بدل الصلاة وعوضها ، وهو الذكر مقدارها.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٢٤ ـ ١٢٨ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٥ الباب ٤٠ من أبواب الحيض.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٣ الباب ٣٩ من أبواب الحيض.

١٥٠

مضافا إلى أنّ المسلمين في الأعصار ما كانوا يلزمون ، والمسلمات ما كنّ يلتزمن ولا يلزمن بالبديهة ، مع عموم البلوى وشدّة الحاجة لو كانت واجبة ، بل وما كانت تفعل إلّا نادرة منهنّ ، بل كاد أن لا يوجد المرتكبة ، فضلا عن الملتزمة.

ومرّ أنّ الصدوق كان يقول بوجوبه (١) ، والمشهور زادوا على ما قاله المصنّف بأن قالوا : تجلس في مصلّاها عند الذكر (٢) ، وجماعة لم يعيّنوا لها مكانا (٣).

وعن المفيد : ناحية من مصلّاها (٤) ، والصدوق حكم بوجوب الاستقبال أيضا حال الذكر (٥) ، لما في بعض الأخبار من الأمر به أيضا (٦) ، وقد ظهر لك أنّ الأقوى الاستحباب كيف كان وأيّ شي‌ء كان.

ولو لم تتمكّن من الوضوء ، فهل تتيمّم بدلا عن الوضوء وتأتّي بالذكر وغيره؟ فيه قولان : دليل الجواز والمشروعيّة بل المطلوبية أيضا عموم المنزلة الواردة في التيمم ، ودليل المنع اختصاص الوضوء بذلك على ما في الأخبار (٧).

ويمكن أن يقال : هي واردة مورد الغالب الشائع ، فالمقتضي موجود ، والمانع مفقود. هذا ؛ مضافا إلى التسامح في أدلّة السنن.

وممّا ذكرنا يظهر الحال فيما لو لم تتمكّن من التيمم أيضا ، بأن تذكر الله مقدار صلاتها مستقبلة القبلة جالسة في مصلّاها ، لما ورد من علي عليه‌السلام : «الميسور لا

__________________

(١) الهداية : ١٠٠.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ٢٥ ، شرائع الإسلام : ١ / ٣١ ، مختلف الشيعة : ١ / ٣٥٢.

(٣) المعتبر : ١ / ٢٣٣ ، مسالك الأفهام : ١ / ٦٦.

(٤) المقنعة : ٥٥.

(٥) الهداية : ١٠٠.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٥ و ٣٤٦ الحديث ٢٣٢٤ و ٢٣٢٥ و ٢٣٢٦.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٥ الباب ٤٠ من أبواب الحيض.

١٥١

يسقط بالمعسور» (١) و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٢).

ثمّ اعلم! أنّ الوضوء والذكر وكونهما في وقت كلّ صلاة وردت في كلّ الأخبار الواردة في المقام (٣) ، بخلاف استقبال القبلة ، وكون الذكر بمقدار الصلاة ، فإنّهما مذكوران في بعض الأخبار (٤) لا الكلّ ، إلّا أن يقال بتبادرهما وظهورهما من جهة قاعدة البدليّة.

وورد في بعض الأخبار : أنّها تجلس في موضع طاهر (٥) ، وأكثر الأخبار خالية عنه ، فلا مانع من تركه ، وإن كان الأفضل عدمه ، وكذا الحال فيما ورد في بعض الأخبار من ضمّ تلاوة القرآن مع الذكر (٦).

ويمكن أن يجعل الاستقبال وكون الذكر بمقدار الصلاة من قبيل المذكورين ، والأحوط عدم الترك مهما تيسّر.

ولو لم يتيسّر جميع ما ذكر ، بل تيسّر بعضها فقاعدة «الميسور لا يسقط بالمعسور» ، مثلا استحباب الإتيان بالميسور منها.

والأحوط عدم ترك ما ذكره الصدوق (٧) ، وما ذكر في الخبر الظاهر في الوجوب ، وهو حسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «إذا كانت المرأة طامثا فلا تحلّ لها

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف يسير.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٧ مع اختلاف يسير.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٥ الباب ٤٠ من ابواب الحيض.

(٤) الكافي : ٣ / ١٠١ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٩ الحديث ٤٥٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٥ الحديث ٢٣٢٤.

(٥) الكافي : ٣ / ١٠١ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٩ الحديث ٤٥٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٥ الحديث ٢٣٢٣.

(٦) الكافي : ٣ / ١٠١ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٦ الحديث ٢٣٢٦.

(٧) مرّ آنفا.

١٥٢

الصلاة ، وعليها أن تتوضّأ وضوء الصلاة عند وقت كلّ صلاة ، ثمّ تقعد في موضع طاهر فتذكر الله تعالى وتسبّحه وتحمده وتهلّله كمقدار صلاتها» (١).

والظاهر الاكتفاء بكلّ واحد من الأذكار المذكورة ، وعدم لزوم الجمع بينها مهما تيسّر ، على ما يظهر من أخبار اخر.

وهل النفساء مثل الحائض فيما ذكر ـ بناء على مشاركتها في جميع الأحكام ، إلّا ما أخرجه الدليل ـ أو أنّ المقام ممّا أخرجه؟ لاحظ ما ذكرناه في مقام البحث عن مشاركتهما ، ربّما يظهر لك الحال.

قوله : (كلّ ذلك للنص).

أقول : وإن ضعف السند في بعضها ، بل وأكثرها ، إلّا أنّك عرفت عدم الضرر في مقام الاستحباب والكراهة.

ثمّ اعلم! أنّ بعض المحقّقين صرّح بعدم انحصار الوضوء المستحب فيما ذكره المصنّف ، وألحق به وضوءات صار المجموع إحدى وخمسين وضوء.

والملحقات ؛ الوضوء بعد الوضوء ، حيث جعله مغايرا للمجدّد لكلّ صلاة ، والوضوء لكتابة القرآن والدعاء ، وحمل القرآن ، ولمسّ غير خطّه للتعظيم ، ولزيارة القبور ، سيّما قبر المعصوم عليه‌السلام ، ولمريد السفر ، وللجلوس للقضاء ، وللاستخارة ، وللودي ـ بالدال المهملة ـ وهو الماء الذي يخرج عقيب البول.

وقيّد مسّ الفرج ـ الذي ذكره المصنّف ـ بقيد كونه بشهوة كالتقبيل ، ولسجدتي الشكر ، ولسجدة التلاوة ، وللميّت قبل غسله أو بعده ، ولمريد دفن الميّت ، وبعد زوال العذر كالوضوء في التقيّة أو الجبيرة ، ولمريد الجماع سيّما ليلة

__________________

(١) الكافي : ٣ / ١٠٠ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٩ الحديث ٤٥٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٥ الحديث ٢٣٢٣.

١٥٣

البناء ، ولجماع المحتلم ، وقبل الأكل وبعده ، وبعد مصافحة المجوس ، وقال : وبعد غسل الجنابة ، لخبر صحيح (١).

أقول : فيه تأمّل ؛ لأنّ الوارد في الصحيح قبل غسل الجنابة ، ولذا قال الشيخ باستحبابه قبله (٢).

ولا خفاء في أنّ الحمل على التقيّة متعيّن ، للصحاح المتضمّنة لعدم الوضوء قبل غسل الجنابة وبعده ، وأنّه بدعة ، وأنّه من شعار العامة (٣) ، إلّا أن يبني على أنّ احتمال التقيّة لا ينافي الاستحباب ، وأنّ هذا القدر يكفي للحكم بالاستحباب مسامحة في أدلّته ، كما أنّ الحال في الوضوء قبل الأكل وبعده أيضا كذلك ، لاحتمال كون المراد منه في الصورتين هو غسل اليد خاصّة ، ولعلّه الأقرب أيضا ، فتأمّل!

لكن عرفت أنّ مع احتمال التقيّة الترك أولى ، بل متعيّن ، فما ظنّك إذا ظهر كونه للتقيّة؟

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٠ ذيل الحديث ٣٩٣.

(٣) المغني لابن قدامة : ١ / ١٣٨ و ١٣٩ ، المجموع للنووي : ٢ / ١٨٦ شرح فتح القدير : ١ / ٥٨.

١٥٤

٤٤ ـ مفتاح

[أحكام المتخلّي]

يجب على المتخلّي أن يجلس بحيث لا يرى عورته من يحرم نظره إليها ، وما هي إلّا القبل والدبر والانثيان على المشهور ، للأصل والخبر (١). وقيل : من السرّة إلى الركبة (٢) ، وقيل : إلى نصف الساق (٣) ، وهما أحوط.

وأن يغسل مخرج البول بالماء ، ولا يجزي غيره إجماعا منّا وللصحاح (٤).

وتجب الإزالة بما يسمّى غسلا ، وفاقا للحلّي وجماعة (٥) ، وقيل : بل أقلّ ما يجزي مثلا ما على الحشفة (٦) ، للخبر (٧) وهو ضعيف.

ويتخيّر في الآخر بين الماء وإمرار أجسام طاهرة عليه حتّى ينقى إذا لم

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٤ الحديث ١١٥١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠١.

(٢) المهذّب : ١ / ٨٣ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٨٩.

(٣) الكافي في الفقه : ١٣٩ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢ / ٦.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٤٩ الباب ٣١ من أبواب أحكام الخلوة.

(٥) السرائر : ١ / ٩٧ ، مختلف الشيعة : ١ / ٢٧٣ ، لاحظ! ذخيرة المعاد : ١٧ ، رياض المسائل : ١ / ٢٠٢.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ١١ ، المعتبر : ١ / ١٢٦.

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ٣٤٤ الحديث ٩١١.

١٥٥

يتجاوز محلّ العادة للنصوص (١) ، ومعه يتعيّن الأوّل إجماعا ، ولعدم صدق الاستنجاء عليه.

ولا يعتبر عدد معيّن فيها ، بل حدّها النقاء ، وفاقا للشيخين (٢) ، للحسن (٣) ، ولا أن يكون حجرا ، لأنّ المطلوب يحصل بغيره ، وقيل : بل يجب الثلاثة وإن نقي بدونها (٤) لظاهر الروايات (٥) ، وقيل : لا بدّ أن يكون من الأرض لذلك (٦) وهما ضعيفان ، وأضعف منهما عدم الاكتفاء بذي الثلاث (٧) ، والنصوص مبنيّة على الغالب.

ويحرم بالروث والعظم اتّفاقا وللخبر (٨) ، وبالمطعوم على المشهور ، وربّما يقيّد بالمحترم (٩) ، ويجزي لو فعل وإن أثم.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٣١٥ الباب ٩ ، ٣٤٨ الباب ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢) نقل عن الشيخ المفيد رحمه‌الله في السرائر : ١ / ٩٦ ، المبسوط : ١ / ١٦.

(٣) الكافي : ٣ / ١٧ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٢٢ الحديث ٨٤٩.

(٤) السرائر : ١ / ٩٦ ، المعتبر : ١ / ١٢٩.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٩ الحديث ٦٠٤ ـ ٦٠٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٤٨ الحديث ٩٢٢ ـ ٩٢٥.

(٦) المراسم : ٣٢ و ٣٣.

(٧) المعتبر : ١ / ١٣١ ، شرائع الإسلام : ١ / ١٩.

(٨) وسائل الشيعة : ١ / ٣٥٧ الحديث ٩٤٧.

(٩) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٢٧.

١٥٦

قوله : (يجب على المتخلّي. إلى قوله : من يحرم نظره إليها).

أقول : كلّ أحد يحرم عليه نظره إليها ، سوى الزوجين والمملوكة التي يباح وطؤها ، والأطفال غير المميّزين ، ومن في حكمهم في عدم التميّز ، فلا يجب سترها عن هؤلاء ، فظهر أنّ وجوب الستر غير مختصّ بحال التخلّي ، بل مطلق ، إلّا في حال الضرورة ، فإنّ الضرورات تبيح المحظورات.

ووجوب الستر كذلك إجماعي ، بل لعلّه بديهي الدين ، ووارد في الأخبار ، مثل ما روي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعن الله الناظر والمنظور إليه» (١).

وصحيحة حريز ، عن الصادق عليه‌السلام : «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه» (٢) ، وما روي من النهي عن دخول الحمّام إلّا بمئزر (٣).

وما روي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ «عورة المؤمن على المؤمن حرام» (٤) ، فإنّ المراد منه معناه الظاهر ، على ما روي عن علي بن الحسين عليه‌السلام ، فلا يعارضه ما روي من أنّ المراد أمر آخر (٥) ، لأنّ الظاهر أنّه من بطون الأخبار.

وما ورد عنهم عليهم‌السلام : «أنّ النورة سترة» (٦) ، «وأنّ النورة أطبقت العورة» (٧).

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٢ / ٢٨ الحديث ٦٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٤ الحديث ١١٤٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٩ الحديث ٧٨٥.

(٣) الكافي : ٦ / ٤٩٧ و ٤٩٨ الحديث ٣ و ١٠ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٠ الحديث ٢٢٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٩ و ٤٠ الحديث ١٤١٦ ـ ١٤١٨.

(٤) الكافي : ٦ / ٤٩٧ الحديث ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٦ الحديث ٢٥٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٩ الحديث ١٤١٥.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٥ الحديث ١١٥٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧ الحديث ١٤١١.

(٦) الكافي : ٦ / ٤٩٧ الحديث ٧ وسائل الشيعة : ٢ / ٥٣ الحديث ١٤٥٧.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٥ الحديث ٢٥٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٥٣ الحديث ١٤٥٨.

١٥٧

وورد عنهم عليهم‌السلام في قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (١) أنّ «كلّ ما كان في كتاب الله من حفظ الفرج فهو الحفظ من الزنا ، إلّا في هذا الموضع ، فإنّه هو الحفظ من أن ينظر إليه» (٢).

وما ورد في الأخبار من تحريم النظر إلى العورة (٣) ، يدلّ على وجوب سترها لتحريم المعاونة على الإثم.

وبالجملة ؛ الأخبار الظاهرة فيما ذكر كثيرة.

قوله : (والخبر).

وهو ما روي عن الكاظم عليه‌السلام أنّه قال : «العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة» (٤) ، والسند منجبر بالشهرة والأصل.

قوله : (وقيل). إلى آخره.

ورد في بعض الأخبار أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كانوا يسترون من السرّة إلى الركبة في الحمّام في حالة التنوير ، وأمروا الراوي بأن يفعل كذلك ، فأمرهم دليل للقائل ، سيّما مع انضمام فعلهم عليهم‌السلام.

مع أنّه لا شكّ في كونه أوفق للحياء والمروّة ، والحديث مروي في «الكافي»

__________________

(١) النور (٢٤) : ٣٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٣ الحديث ٢٣٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٠٠ الحديث ٧٨٧ مع اختلاف يسير.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٩ الباب ١ من أبواب أحكام الخلوة ، ٢ / ٣٢ الباب ٣ من أبواب آداب الحمّام.

(٤) الكافي : ٦ / ٥٠١ الحديث ٢٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٤ الحديث ١١٥١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠١.

١٥٨

بسنده ، عن بشير النبّال قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الحمّام؟ [فقال : تريد الحمّام قلت : نعم ،] فأمر بإسخان الحمّام ثمّ دخل فاتّزر بإزار وغطّى ركبتيه ، وسرّته ، ثمّ أمر صاحب الحمّام فطلى جسده ما كان خارجا من الإزار ، ثمّ قال : اخرج عنّي ثمّ طلّى هو ما تحته بيده ، ثمّ قال : «هكذا فافعل» (١).

وحمل على الاستحباب جمعا بين الروايات (٢) ، سيّما ما روي ، عن علي بن إسماعيل الميثمي ، عن محمّد بن حكيم قال الميثمي : لا أعلمه إلّا قال : رأيت الصادق عليه‌السلام أو من رآه متجرّدا وعلى عورته ثوب ، فقال : «إنّ الفخذ ليس من العورة» (٣).

لكن فيه تأمّل ، لما عرفت من أنّه ربّما يخالف ما هو الأوفق بالحياء والمروّة ، فإن صحّ ؛ فلعلّه محمول على صورة عذر أو داع ، فتأمّل!

قوله : (إجماعا منّا وللصحاح).

أقول : الإجماع نقله المحقّق ، والعلّامة ، وغيرهما (٤) ، لكن سيجي‌ء أنّ المرتضى رحمه‌الله يجوّز غسل الأخباث بغير الماء (٥) ، فإمّا أن جعلوا السيّد رحمه‌الله خارقا للإجماع ، أو يكون المراد من الغسل المدّعى في الإجماع أعم ممّا هو بالماء ، لكن الذي نقل كون الإجماع على الغسل بالماء خاصّة.

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٥٠١ الحديث ٢٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٥ الحديث ١٤٠٤ ، ٦٧ الحديث ١٥٠٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الباب ٤ من أبواب آداب الحمّام.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٤ الحديث ١١٥٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠٠.

(٤) المعتبر : ١ / ١٢٤ ، منتهى المطلب : ١ / ٢٥٦ ، الخلاف : ١ / ١٠٣ المسألة ٤٩ ، روض الجنان : ٢٣ ، مدارك الأحكام : ١ / ١٦١ ، الحبل المتين : ٣٤ ، ذخيرة المعاد : ١٦.

(٥) نقل عنه في الخلاف : ١ / ٤٧٩ المسألة ٢٢٢.

١٥٩

ويمكن أن يكون السيّد في الاستنجاء وافق سائر الأصحاب ، لكن لا بدّ من التأمّل في كلام السيّد رحمه‌الله وسيذكر.

وأمّا الصحاح ؛ فصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور ، ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنّة من رسول [الله] صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا البول ؛ فلا بدّ من غسله» (١).

وصحيحة جميل ، عن الصادق عليه‌السلام : «إذا انقطعت درّة البول فصبّ الماء» (٢).

وصحيحة زرارة قال : توضّأت يوما ولم أغسل ذكري ثمّ صلّيت فسألت الصادق عليه‌السلام؟ فقال : «اغسل ذكرك وأعد صلاتك» (٣).

فإنّ الظاهر أنّهم كانوا ينشفون موضع البول ، ويمسحونه إلى أن يصلوا إلى الماء ، فنسي حين ما وصل إلى الماء ، ولم يرض المعصوم عليه‌السلام بما صنع من النشف والمسح ، حتّى أمره بالغسل والإعادة ، ولم يأمر بغسل ما سوى الذكر ، لمكان المسح الذي ذكر.

وصحيحة ابن اذينة قال : ذكر أبو مريم الأنصاري أنّ الحكم بن عيينة بال ولم يغسل ذكره متعمّدا ، فذكر ذلك للصادق عليه‌السلام فقال : «بئس ما صنع ، عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوءه» (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٩ الحديث ١٤٤ ، الاستبصار : ١ / ٥٥ الحديث ١٦٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٥ الحديث ٨٢٩.

(٢) الكافي : ٣ / ١٧ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٦ الحديث ١٠٦٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٤٩ الحديث ٩٢٦.

(٣) الكافي : ٣ / ١٨ الحديث ١٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٥١ الحديث ١٤٩ ، الاستبصار : ١ / ٥٦ الحديث ١٦٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٥ الحديث ٧٧٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٨ الحديث ١٣٧ ، الاستبصار : ١ / ٥٣ الحديث ١٥٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٤ الحديث ٧٧٤.

١٦٠