الكشف والبيان - ج ٣

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]

الكشف والبيان - ج ٣

المؤلف:

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]


المحقق: أبي محمّد بن عاشور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٣

قتل. قرأ قتادة وابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (قتل) : وهي قراءة ابن عباس واختيار أبي حاتم.

وقرأ الآخرون : (قاتَلَ) ، وهي قراءة ابن مسعود واختيار أبي عبيد ، فمن قرأ (قاتَلَ) فلقوله : (فَما وَهَنُوا) ويستحيل وصفهم بأنهم لم يهنوا بعد ما قتلوا ، ولقول سعيد بن جبير : ما سمعنا أن نبيا قط قتل في القتال.

وقال أبو عبيد : إن الله تعالى إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلا فيه ، وإذا حمد من قتل خاصة لم يدخل فيه غيرهم ، فقاتل أعم.

ومن قرأ (قتل) فله ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون القتل واقعا على النبي وحده ، وحينئذ يكون تمام الكلام عند قراءة (قتل) فيكون في الآية إضمار معناه ومعه (رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) كما يقال : قتل الأمير معه جيش عظيم ، أي ومعه ، ويقول : خرجت معي تجارة ، أي ومعي.

والوجه الثاني : أن يكون القتل نال النبي ومعه من الربيين ، ويكون وجه الكلام : قتل بعض من كان معه ، تقول العرب : قتلنا بني تميم وبني فلان ، وإنما قتلوا بعضهم ويكون قوله : (فَما وَهَنُوا) راجعا إلى الباقين الذين لم يقتلوا.

والوجه الثالث : أن يكون القتل للربيين لا غير.

(رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) ، قرأ ابن مسعود وأبو رجاء والحسن وعكرمة : (رُبِّيُّونَ) بضم الراء ، وهي لغة بني تميم.

الباقون : بالكسر ، وهي اللغة الفاشية [العالية].

والربيون جمع الربّية وهي الفرقة ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع.

السدي : جموع كثير.

قال حسان :

وإذا معشر تجافوا عن الحق

حملنا عليهم ربيا (١)

ابن مسعود : الربيون الألوف ، الضحاك : الربية الواحدة ألف ، الكلبي : الربية الواحدة عشر ألف ، الحسن : فقها علما صبرا ، ابن زيد : هم الأتباع ، والرابيون : هم الولاة ، والربيون : الرعية ، وقال بعضهم : هم الذين يعبدون الرب ، والعرب تنسب الشيء إلى الشيء فيغير حركته

__________________

(١) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٣٠ ، الدر المنثور : ٢ / ٨٢.

١٨١

كما يقول بصريّ منسوب إلى بصرة ، فكذلك (رِبِّيُّونَ) منسوب إلى الربّ ، وقال بعضهم : مطيعون منيبون إلى الله (فَما وَهَنُوا).

قرأه العامة : بفتح الهاء ، وقرأ قعنب أبو السماك العدوي : بكسر الهاء ، فمن فتحه فهو من وهن يهن وهنا ، مثل وعد يعد وعدا ، قاله المبرد وأنشد :

إن القداح إذا اجتمعن فرامها

بالكسر ذو جلد وبطش أيد

عزّت ولم تكسر وإن هي بددت

قالوهن والتكسير للمتبدد (١)

ومن كسر فهو من وهن يهن ، مثل ورم يرم قاله أبو حاتم.

فقال الكسائي : هو من وهن يوهن وهنا ، مثل وجل يوجل وجلا.

قال الشاعر :

طلب المعاش مفرق بين الأحبة والوطن

ومصير جلد الرجال إلى الضّراعة والوهن (٢)

ومعنى الآية : فـ (ما ضَعُفُوا) عن الجهاد لما نالهم من ألم الجراح ، وقيل : الأصحاب وما عجزوا لقتل نبيّهم.

قال قتادة والربيع : يعني ما ارتدّوا عن بصيرتهم ودينهم ، ولكنهم قاتلوا على ما قاتل عليه نبيهم حتى لحقوا بالله ، السدي : وما ذلّوا ، عطاء : وما تضرّعوا ، مقاتل : وما استسلموا وما خضعوا لعدوهم ، أبو العالية : وما جبنوا ، المفضل والقتيبي : وما خشعوا ، ومنه أخذ المسكين لذله وخضوعه وهو مفعيل منه ، مثل معطير من العطر ومنديل من الندل ، وهو دفعه من واحد إلى آخر ، وأصل الندل السوق ، ولكنهم صبروا على أمر ربّهم وطاعة نبيّهم وجهاد عدوهم.

(وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَما كانَ قَوْلَهُمْ).

قرأ الحسن وابن أبي إسحاق : (قَوْلُهُمْ) بالرفع على اسم كان وخبره في قوله : (أَنْ قالُوا).

وقرأ الباقون : بالنصب على خبر كان والاسم في أن ، قالوا تقديره : وما كان قولهم إلّا قولهم كقوله : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) (٣) و (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) (٤) ونحوهما ، ومعنى الآية : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) عند قتل نبيّهم (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) يعني خطايانا الكبار ، وأصله مجاوزة الحد (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) كيلا تزول (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد (فَآتاهُمُ اللهُ) ، وقرأ الجحدري : فأثابهم الله من

__________________

(١) تفسير الطبري : ١ / ٥٦٨ ، شرح نهج البلاغة : ١٧ / ٧.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٤٩ / ١٣٣.

(٣) سورة الأعراف : ٨٢.

(٤) سورة الجاثية : ٢٥.

١٨٢

الثواب ، (ثَوابَ الدُّنْيا) النصرة والغنيمة (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) الأجر والجنة (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني اليهود والنصارى ، فقال علي رضي‌الله‌عنه : يعني المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة : ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم ، (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) يرجعوكم إلى أول أمركم الشرك بالله تعالى (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) فتنقلبوا مغبونين ثم قال (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) ناصركم وحافظكم على دينكم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ. سَنُلْقِي).

قال السدي : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة ، انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم إنّهم ندموا وقالوا : بئسما صنعنا ، قتلناهم حتى لم يبق منهم إلّا الشريد وتركناهم رجعوا. فلما عزموا على ذلك قذف الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عمّا همّوا به.

وستأتي هذه القصة بتمامها إن شاء الله وما نزّل الله تعالى فيها.

(سَنُلْقِي) قرأ أيوب السختياني : سيلقي بالياء يعني الله عزوجل لقوله : (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) ، قرأ الباقون : بالنون على التعظيم أي سنقذف ، (فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) الخوف وثقل عينه ، أبو جعفر وابن عامر والكسائي ويعقوب ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وخففها الآخرون.

(بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ) هو (ما) المصدر ، تقديره باشراكهم بالله (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) حجة وبيانا وعذرا وبرهانا ، ثم أخبر عن مصيرهم فقال : (وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) مقام الكافرين.

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) ، قال محمد بن كعب القرظي : لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إلى المدينة ، وقد أصابهم ما أصابهم بأحد ، فقال ناس من أصحابه : من أين أصابنا وقد وعدنا بالنصر ، فأنزل الله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) الذي وعد بالنصر والظفر ، وهو قوله : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) الآية ، وقول رسول الله للرماة : «لا تبرحوا مكانكم فإنا لا نزل غالبين ما ثبتم» (١) [١٦٥] ، والصدق يتعدى إلى مفعولين كالمنع والغصب ونحوهما ، (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وجعل حنين وهو جبل عن يساره ، وأقام عليه الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم : «احموا ظهورنا فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا» (٢) [١٦٦].

وأقبلوا المشركون وأخذوا في القتال ، فجعل الرماة يرشفون بالنبل والمسلمون يضربونهم

__________________

(١) تفسير الطبري : ٤ / ١٤٩. بتفاوت.

(٢) مسند أحمد : ١ / ٢٨٧.

١٨٣

بالسيف حتى ولوا هاربين وانكشفوا منهزمين ، فذلك قوله : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) أي تقتلونهم قتلا ذريعا سريعا شديدا.

قال الشاعر :

حسسناهم بالسيف حسّا فأصبحت

بقيتهم قد شردوا وتبددوا (١)

وقال أبو عبيدة : الحس الاستيصال بالقتل ، يقال : جراد محسوس إذا قتله البرد ، وسنة حسوس إذا أتت على كل شيء.

قال روبة :

إذا شكونا سنة حسوسا

تأكل بعد الأخضر اليبيسا (٢)

(حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) ، قال بعض أهل المعاني : يعني إلى أن فشلتم ، جعلوا (حَتَّى) غاية بمعنى إلى ، وحينئذ لا جواب له.

وقال الآخرون : هو بمعنى فلما وفي الكلام تقديم وتأخير قالوا : وفي قوله : (وَتَنازَعْتُمْ) مقحمة زائدة ، ونظم الآية : حتى إذا تنازعتم في الأمر وعصيتم وفشلتم أي جبنتم وضعفتم ، ومعنى التنازع الاختلاف ، وأصله من نزع القوم الشيء بعضهم من بعض ، وكان اختلافهم أن الرماة تكلموا حين هزم المشركون وقالوا : انهزم القوم فما مقامنا ، وقال بعضهم : لا تجاوزوا أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فثبت عبد الله بن جبير في نفر يسير دون العشرة وانطلق الباقون ينهبون ، فلما نظر خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل إلى ذلك ، حملوا على الرماة فقتلوا عبد الله بن جبير وأصحابه وأقبلوا على المسلمين ، وحالت الريح فصارت دبورا بعد ما كانت صبا ، وانتفضت صفوف المسلمين ، فاختلطوا وجعلوا يقتتلون على غير شعار ، فقتل بعضهم بعضا وما يشعرون من الدهش ، ونادى إبليس ألا إن محمدا قد قتل ، وكان ذلك سبب هزيمة المؤمنين.

(مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) يا معشر المؤمنين ما تحبون هو الظفر والغنيمة (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) يعني الذين تركوا المركز فاقبلوا إلى النهب (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) يعني الذين ثبتوا مع ابن جبير حتى قتلوا.

وقال عبد الله بن مسعود : ما شعرت أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد فنزلت هذه الآية (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) أي ردّكم عنهم بالهزيمة (لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة ، قاله أكثر المفسرين ، ونظيره : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) (٣).

__________________

(١) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٣٥.

(٢) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٣٥ ، لسان العرب : ٢ / ٤٤.

(٣) سورة البقرة : ٥٢.

١٨٤

وقال الكلبي : يعني تجاوز عنكم فلم يؤاخذكم بذنبكم.

(وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. إِذْ تُصْعِدُونَ) يعني ولقد عفونا عنكم إذ تصعدون هاربين.

قرأه العامة : (تُصْعِدُونَ) بضم التاء وكسر العين.

وقرأ أبو رجاء العطاردي وأبو عبد الرحمن والحسن وقتادة بفتح التاء.

وقرأ ابن محيصن وشبل : إذ يصعدون ويلوون بالياء ، يعني المؤمنين. ثم رجع إلى الخطاب فقال (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) على البلوى.

قال أبو حاتم : يقال أصعدت إذا مضيت حيال وجهك ، وصعدت إذا ارتقيت في جبل أو غيره ، والإصعاد السير في مستوى الأرض وبطون الأودية والشعاب ، والصعود الارتفاع على الجبال والسطوح والسلالم والدّرج ، قال المبرد : أصعد إذا أبعد في الذهاب.

قال الأعشى :

إلّا أيهذا السائلي أين أصعدت

فإنّ لها من بطن يثرب موعدا (١)

وقال الفراء : الإصعاد الابتداء في كل سفر والانحدار والرجوع منه يقال : أصعدنا من بغداد إلى مكة وإلى خراسان وأشباه ذلك ، إذا خرجنا إليها وأخذنا في السفر وانحدرنا إذا رجعنا.

وأنشد أبو عبيدة :

لقد كنت تبكين على الإصعاد

فاليوم سرحت وصاح الحادي (٢)

ودليل قراءة العامة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمنهزمين : «لقد ذهبتم فيها عريضة» (٣) [١٦٧].

وقرأ أبي بن كعب : إذ تصعدون في الوادي ، ودليل فتح التاء والعين ما روى أنهم صعدوا في الجبل هاربين وكلتا القراءتين صواب ، فقد كان يومئذ من المنهزمين مصعد وصاعد. وقال المفضل : صعد وأصعد وصعّد بمعنى واحد.

ولا يلوون على أحد يعني ولا يعرجون ولا يقيمون على أحد منكم ، لا يلتفت بعض إلى بعض هربا.

وقرأ الحسن : ولا يلون بواو واحدة اتباعا للخط ، كقولك : استحببت واستحبت على أحد.

__________________

(١) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٣٩.

(٢) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٣٩.

(٣) تفسير القرطبي : ٤ / ١٩٤.

١٨٥

قال الكلبي : يعني على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) أي في آخركم ومن ورائكم إليّ عباد الله فأنا رسول الله من بكّر فله الجنة ، يقال : جاء فلان في آخر الناس وآخرة الناس وأقرى الناس وأخراة الناس وأخريات الناس ، فجاز لكم جعل الإنابة بمعنى العقاب وأصلها في الحسنات كقوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (١).

قال الشاعر :

أخاف زيادا أن يكون عطاؤه

أداهم سودا أو محدرجة سمرا (٢)

يعني بالسود : القيود والسياط وكذلك معنى الآية ، جعل مكان الثواب الذي كنتم ترمون غمّا بغمّ.

قال الحسن : يعني بغم المشركين يوم بدر.

وقال آخرون : الباء بمعنى على ، أي غمّا على غمّ ، وقيل : (غَمًّا بِغَمٍ) ، فالغم الأول ما فاتهم من الظفر والغنيمة ، والغم الثاني ما نالهم من القتل والهزيمة ، وقيل : الغم الأول انحراف خالد ابن الوليد عليهم بخيل من المشركين ، والغم الثاني حين أشرف عليهم أبو سفيان ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انطلق يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة ، فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه فأراد أن يرميه فقال : «أنا رسول الله» [١٦٨] ففرحوا حين وجدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفرح النبي حين رأى في أصحابه من يمتنع ، فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذهب عنهم الحزن ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا ، فأقبل أبو سفيان وأصحابه حتى وقفوا بباب الشعب ، ثم أشرف عليهم ، فلما نظر المسلمون إليهم ، همّهم ذلك وظنّوا أنهم سوف يميلون عليهم فيقتلونهم ، فأنساهم هذا ما نالهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس لهم أن يعلونا ، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد في الأرض» [١٦٩] ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم فنزلوا سريعا (٣).

(لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) من الفتح والغنيمة (وَلا ما أَصابَكُمْ) (ما) في موضع خفض أي : ولا على ما أصابكم من القتل والهزيمة حين أنساكم ذلك هذا الغم ، وهمّكم ما أنتم فيه غما قد أصابكم قبل.

فقال الفضل : (لا) صلة معناه : لكي تحزنوا على ما فاتكم وما أصابكم عقوبة لكم في خلافكم إياه ، وترككم المركز كقوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (٤).

__________________

(١) سورة الإنشقاق : ٢٤.

(٢) الصحاح : ١ / ٣٠٥ ، لسان العرب : ٢ / ٢٣٢.

(٣) تاريخ الطبري : ٢ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٤) سورة الحديد : ٢٩.

١٨٦

(وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِ) ، روى عبد الله بن الزبير بن العوام عن أبيه قال : لقد رأيتني مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين اشتد علينا الخوف أرسل الله علينا النوم ، والله لا نسمع قول مصعب بن عمير والنعاس يغشاني ما أسمعه إلّا كالحلم يقول : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) ، فأنزل الله تعالى (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِ) يا معشر المؤمنين وأهل اليقين ، (أَمَنَةً) يعني أمنا ، وهي مصدر كالعظمة والغلبة ، وقرأ ابن محيصن : أَمْنَةً بسكون الميم.

(نُعاساً) بدل من الأمنة (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) ، قرأ ابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائي وخلف : (تغشي) بالتاء ردا إلى الأمنة ، وقرأ الباقون : بالياء ردا إلى النعاس ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، قال أبو عبيد : لأن النعاس يلي الفعل ، فالتذكير أولى به ممّا بعد منّه.

قال ابن عباس : آمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم بعد فرق ، وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام ، ونظيره في سورة الأنفال في قصة بدر.

روى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت ما أرى أحدا من القوم إلّا وهو يميد تحت جحفته من النعاس.

قال أبو طلحة : وكنت ممّن ألقي عليه النعاس يومئذ ، وكان السيف يسقط من يدي فآخذه ، ثم يسقط السوط من يدي من النوم فآخذه.

(وَطائِفَةٌ) يعني المنافقين ، وهب بن قشير وأصحابه ، وهو رفع على الابتداء وخبرها في قوله : (يَظُنُّونَ ... قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) أي حملتهم على الهمّ ، يقال : أمر مهم ، ومنه قول العرب : همّك ما أهمّك.

(يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) أي لا ينصر محمدا ، وقيل : ظنوا أن محمدا قد قتل (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) أي كظن أهل الجاهلية والشرك (يَقُولُونَ هَلْ لَنا) أي ما لنا ، لفظ استفهام ومعناه هل (مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) يعني النصر (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ).

قرأ أبو عمرو ويعقوب : (كُلُّهُ) على الرفع بالابتداء وخبره في قوله : (لِلَّهِ) وصار هذا الابتداء والجملة خبرا لإنّ ، كما يقول : إن عبد الله وجهه حسن ، فيكون عبد الله مبتدأ ووجهه ابتداء ثانيا وحسن خبره ، وجملة الكلام خبر للابتداء الأول.

وقرأ الباقون : (كُلَّهُ) بالنصب على البدل ، وقيل : على النعت.

وروى مجاهد عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) يعني به التكذيب بالقدر ، وذلك أنّهم يظنوا في القدر ، فقال الله عزوجل : (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) يعني القدر خيره وشرّه من الله وهو قولهم : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا

١٨٧

هاهُنا) وذلك أنّ المنافقين قال بعضهم لبعض : لو كان لنا عقول لم نخرج مع محمد إلى قتال أهل مكة ولمّا قتل رؤساؤنا ، فقال الله : قل لهم : (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ) لخرج.

وقال ابن أبي حيوة : (لَبُرِّزَ) بضم الباء وتشديد الراء على الفعل المجهول.

(الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) ، قرأ قتادة : القتال (إِلى مَضاجِعِهِمْ) مصارعهم ، (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ) ليختبر الله (ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ) يخرج ويطهّر (ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بما في القلوب من خير أو شر (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا) انهزموا (مِنْكُمْ) يا معشر المؤمنين (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) جمع المسلمين والمشركين (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ).

قال المفضل : حملهم على الزلل ، وهو استفعل من الزلّة وهي الخطيئة.

وقال القتيبي : طلب زلتهم ، كما يقال : استعجلت عليها ، أي طلبت عجلته ، واستعجلته طلبت عمله ، وقيل : أزل واستزل بمعنى واحد.

وقال الكلبي : (زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) حينما كسبوا ، أي بشؤم ذنوبهم ، قال المفسرون : بتركهم المراكز ، وقال الحسن : (ما كَسَبُوا) قبولهم من إبليس وما وسوس إليهم من الهزيمة.

(وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).

وروى إبراهيم بن إسحاق الزهري ، أن جعفر بن عون حدثهم أن زائدة حدثهم عن كليب ابن وائل قال : جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان أكان شهد بدرا؟ قال : لا ، قال : أكان شهد بيعة الرضوان؟ قال : لا ، قال : أفكان من الذين تولّوا (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ)؟ قال : نعم ، فقيل له : إن هذا يرى أنك قد عبته ، فقال : عليّ به ، أمّا بدر فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد ضرب له بسهمه ، وأما بيعة الرضوان فقد بايع [له] (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خير من يد عثمان ، وأما الذين تولوا يوم التقى الجمعان [فإن الله قال : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ)] فاذهب فاجهد عليّ جهدك (٢).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨) فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِنْ

__________________

(١) هكذا في الأصل.

(٢) المصنف لابن أبي شيبة : ٧ / ٤٩٠ وما بين المعكوفتين بياض في المخطوط استدركناه منه.

١٨٨

يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠) وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤) أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعني المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه ، (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) في النفاق ، وقيل : في النسب (إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) ساروا وسافروا فيها لتجارة أو غيرها (أَوْ كانُوا غُزًّى) غزاة فقتلوا ، والغزي جمع منقوص لا يتغير لفظها في رفع وخفض ونصب ، وأحدها غاز مثل قائم وقوم ، وصائم وصوم ، وشاهد وشهد وقائل وقول ، ومن الناقص مثل هاب وهبي وعاف وعفي.

(لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً) يعني قولهم وظنهم حزنا (فِي قُلُوبِهِمْ) والحسرة الاغتمام على فائت كان تقدر بلوغه.

قال الشاعر :

فوا حسرتي لم أقض منهما لبانتي

ولم أتمتع بالجوار وبالقرب (١)

ثم أخبر أن الموت والحياة إلى الله لا يتقدمان لسفر ولا يتأخران لحضر فقال : (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

قرأ ابن كثير وطلحة والأعمش والحسن وشبل وحمزة والكسائي وخلف : (يعملون) بالياء ، الباقون : بالتاء.

(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ).

قرأ نافع وأكثر أهل الكوفة ما كان من هذا الباب : بكسر الميم ، وقرأ الآخرون : بالضم ، فمن ضمّه فهو من قال : يموت كقولك من كان يكون كنت ، ومن قال يقول قلت ، ومن كسر فهو من مات يمات متّ كقولك من خاف يخاف خفت ومن هاب يهاب هبت.

__________________

(١) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٤٧.

١٨٩

(لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ) في العاقبة (وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من الغنائم.

قرأه العامة : (تجمعون) بالتاء لقوله : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ ... أَوْ مُتُّمْ) ، وقرأ حفص : بالياء على الخبر عن الغالبين ، يعني خير ممّا يجمع الناس من الأموال.

(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ ... أَوْ مُتُّمْ ... لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) في العاقبة (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) أي فبرحمة من الله (ما) صلة كقوله عزوجل : (فَبِما نَقْضِهِمْ) (١) و (عَمَّا قَلِيلٍ) (٢) و (جُنْدٌ ما هُنالِكَ) (٣).

وقال بعضهم : يحتمل لأن تكون (ما) استفهاما للتعجب تقديره : فبأي رحمة من الله لنت لهم أي سهّلت لهم أخلاقك وكثر احتمالك ، ولم يسرع إليهم فيما كان منهم يوم أحد.

يقال : لآن له يلين لينا وليانا إذا رقّ له وحسن خلقه.

(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) يعني جافيا سيء الخلق قاسي القلب قليل الاحتمال ، يقال : فظظت تفظ فظاظة وفظاظا فأنت فظ ، والأنثى فظة ، والجمع فظاظ.

وأنشد المفضل :

وليس بفظ في الأداني والاولى

يؤمون جدواه ولكنه سهل (٤)

وقال آخر :

أموت من الضر في منزلي

وغيري يموت من الكظة

ودنيا تجود على الجاهلين

وهي على ذي النهى فظة (٥)

(غَلِيظَ الْقَلْبِ) ، قال الكلبي : (فَظًّا) في القول (غَلِيظَ الْقَلْبِ) في الفعل.

(لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) لنفروا وتفرقوا عنك يقال : فضضتهم وانفضوا ، أي فرقتهم فتفرقوا.

قال أبو النجم يصف إبلا :

مستعجلات القبض غير جرد

ينفض عنهنّ الحصى بالصّمد (٦)

وأصل الفض الكسر ، ومنه قولهم : لا يفضض الله فاك ، قال أهل الإشارة في هذه الآية : منه العطاء ومنه الثناء.

__________________

(١) سورة المائدة : ١٣.

(٢) سورة المؤمنون : ٤٠.

(٣) سورة ص : ١١.

(٤) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٤٩.

(٥) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٤٨ ، والكظة : البطنة.

(٦) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٤٩.

١٩٠

(فَاعْفُ عَنْهُمْ) تجاوز عنهم ما أتوا يوم أحد (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) حتي أشفعك فيهم (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) أي استخرج آراءهم فأعلم ما عندهم ، وهو مأخوذ من قول العرب : وشرت الدابة وشورته ، إذا استخرجت جريه وأعلمت خبره وتفنن لما يظهر من حالها مستورا ، وللموضع الذي يشور فيه أيضا يتولد ، وقد يكون أيضا من قولهم : شرت العسل واشترته فهو مشور ومشار ومشتار إذا أخذته من موضعه واستخرجته منه.

وقال عدي بن زيد :

في سماع يأذن الشيخ له

وحديث مثل ماذي مشار (١)

واختلف العلماء في المعنى الذي لأجله أمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمشاورة مع كمال عقله وجزالة رأيه وتتابع الوحي عليه ووجوب طاعته على أمته بما أحبوا وكرهوا.

فقال بعضهم : هو خاص في المعنى وإن كان عاما في بعض اللفظ ، ومعنى الآية : وشاورهم فيما يسر عندك فيه من الله عهد ، ويدل عليه قراءة ابن عباس : وشاورهم في بعض الأمر.

قال الكلبي : يعني ناظرهم في لقاء العدو ومكان الحرب عند الغزو.

وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس في قوله : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) يعني أبا بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما.

وقال مقاتل وقتادة والربيع : كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شقّ عليهم ، فأمر الله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يشاورهم في الأمر الذي يريده ، فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لأضغانهم وأطيب لأنفسهم ، وإذا شاورهم عرفوا إكرامه لهم وأن القوم إذا عزموا وأرادوا بذلك وجه الله تعالى عزم الله لهم على الأرشد.

قال الشافعي رضي‌الله‌عنه : ونظير هذا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «البكر تستأمر في نفسها» (٢) [١٧٠] إنما أمرنا استئذآنها لاستطابة نفسها وإنها لو كرهت كان للأب أن يزوجها.

وكمشاورة إبراهيم عليه‌السلام ابنه حين أمر بذبحه.

وقال الحسن : قد علم الله أنه ما به إليهم حاجة ولكنه أراد أن يستنّ به من بعده ، ودليل هذا التأويل ما روى أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما شقي عبد قط بمشورة وما سعد باستغناء برأي»(٣) [١٧١] ، يقول الله عزوجل : (وَشاوِرْهُمْ

__________________

(١) كتاب العين : ٦ / ٢٨٠.

(٢) مسند أحمد : ١ / ٢١٩.

(٣) مسند الشهاب : ٢ / ٦.

١٩١

فِي الْأَمْرِ) فبالله وكتابه ورسوله غنى عن المشورة ، ولكن الله عزوجل أراد أن تكون بيّنة فلا يبرم أمر الدين والدنيا حتى تشاوروا ، وقد أثنى الله على [أهل] المشاورة فقال : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) (١).

روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم ولم يكن أمركم شورى بينكم فبطن الأرض خير من ظهرها» (٢) [١٧٢].

أنشدني أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدني عمي :

إذا كنت في حاجة مرسلا

فأرسل حكيما ولا توصه

وإن ناب أمر عليك التوى

فشاور لبيبا ولا تعصه

ونص الحديث إلى أهله

فإن الوثيقة في نصه

إذا المرء أضمر خوف الإله

تبين ذلك في شخصه (٣)

وأنشدني أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو بكر محمد بن المنذر الضرير ، قال أبو سلمة المؤدب :

شاور صديقك في الخفي المشكل

واقبل نصيحة ناصح متفضل

فالله قد أوصى بذلك نبيّه

في قوله شاورهم وتوكل (٤)

(فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) لا على مشاورتهم.

وقرأ جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه وجابر بن زيد : (فَإِذا عَزَمْتُ) بضم التاء أي عزمت لك ووفقتك وأنشدتك (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ، والتوكل التفعل من الوكالة يقال : وكّلت الأمر إلى فلان فتوكل أي ضمنه وقام به ، فمعنى قوله : (توكل) أي قم بأمر الله وثق به واستعنه.

فصل في التوكل

اختلفت عبارات العلماء في معنى التوكل وحقيقة المتوكل : فقال سهل بن عبد الله رحمة الله عليه : أول مقام التوكل ، أن يكون العبد بين يدي الله

__________________

(١) سورة الشورى : ٣٨.

(٢) سنن الترمذي : ٣ / ٣٦١ ، ح ٢٣٦٨.

(٣) ورد أبياتا متناثرة في مصادر عدّة ، راجع : تفسير القرطبي : ٤ / ٢٥١ ، كشف الخفاء : ١ / ٣٤١ ، ترجمة ١٠٩١ ، نهج السعادة : ٧ / ٢٨٢.

(٤) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٥٠.

١٩٢

كالميت بين يدي الغاسل ، يقلّبه كيف أراد لا يكون له حركة ولا تدبير ، والمتوكل لا يسأل ولا يرد ولا يحبس.

أبو تراب النخشبي : التوكل الطمأنينة إلى الله عزوجل. بشر الحافي : الرضا ، وعن ذي النون وقد قال له رجل : يا أبا الفيض ما التوكّل؟ قال : خلع الأرباب وقطع الأسباب. فقال : زدني فيه حالة أخرى. فقال : إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية.

وقال إبراهيم الحواص : حقيقة التوكل إسقاط الخوف والرجاء ممّا سوى الله ، ابن الفرجي : ردّ العيش لما يوم واحد وإسقاط غم غد ، وعن علي الروذباري قال : مراعاة التوكل ثلاث درجات :

الأولى منها : إذا أعطى شكر وإذا منع صبر.

والثانية : المنع والإعطاء واحد.

والثالثة : المنع مع الشكر أحب إليه ، لعلمه باختيار الله ذلك له.

وروى عن إبراهيم الخواص أنه قال : كنت في طريق مكة ، فرأيت شخصا حسنا فقلت : أجني أم إنسي؟ فقال : بل جنيّ. فقلت : إلى أين؟ فقال : إلى مكة. قلت : بلا زاد؟ قال : نعم ، فينا أيضا من يسافر على التوكل. فقلت له : ما التوكل؟ قال : الأخذ من الله.

ذو النون أيضا : هو انقطاع المطامع.

سهل أيضا : معرفة معطي أرزاق المخلوقين ولا يصح لأحد التوكل حتى تكون السماء عنده كالصفر والأرض عنده كالحديد ، لا ينزل من السماء مطر ولا يخرج من الأرض نبات ، ويعلم أن الله لا ينسى ما ضمن له من رزقه بين هذين.

وعن بعضهم : هو أن لا يعصي الله من أجل رزقه.

وقال آخر : حسبك من التوكل أن لا تطلب لنفسك ناصرا غير الله ولا لرزقك خازنا غيره ولا لعملك شاهدا غيره.

الجنيد (رحمه‌الله) : التوكل أن تقبل بالكلية على ربّك ، وتعرض ممّن دونه.

النوري : هو أن يفني تدبيرك في تدبيره ، وترضى بالله وكيلا ومدبرا ، قال الله عزوجل : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (١) وقيل : هو اكتفاء العبد الذليل بالربّ الجليل ، كاكتفاء الخليل بالخليل حين لم ينظر إلى عناية جبرئيل.

وقيل : هو السكون عن الحركات اعتمادا على خالق الأرض والسماوات.

__________________

(١) سورة النساء : ٨١.

١٩٣

وقيل لبهلول المجنون : متى يكون العبد متوكلا؟ قال : إذا كان النفس غريبا بين الخلق ، والقلب قريبا إلى الحق.

وعن محمد بن عمران قال : قيل لحاتم الأصم : على ما بنيت أمرك هذا من التوكل؟ قال : أربع خلال : علمت أن رزقي ليس يأكله غيري فلست أشغل به ، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به ، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره ، وعلمت أني بعين الله في كل حال فأنا مستحي منه.

وعن أبي موسى [الوبيلي] (١) قال : سألت عبد الرحمن بن يحيى عن التوكل فقال لي : لو أدخلت يدك في فم التنين حتى تبلغ الرسغ ، لم تخف مع الله شيئا.

قال أبو موسى : [ذهبت] إلى أبي يزيد البسطامي : أسأله عن التوكل ، فدخلت بسطام ودفعت عليه الباب فقال لي : يا أبا موسى ما كان لك في جواب عبد الرحمن من القناعة حتى تجيء وتسألني؟ فقلت : افتح الباب ، فقال : لو زرتني لفتحت لك الباب ، [وإذا] جاء الجواب من الباب فانصرف : لو أن الحيّة المطوقة بالعرش همّت بك لم تخف مع الله شيئا.

قال أبو موسى : فانصرفت حتى جئت إلى دبيل (٢) فأقمت بها سنة ، ثم اعتقدت الزيارة فخرجت إلى أبي يزيد فقال : زرتني مرحبا بالزائرين [لا] أخرجك ، قال : فأقمت عنده شهرا لا يقع لي شيء إلّا أخبرني قبل أن أسأله فقلت له : يا أبا يزيد أخرج وأريد فائدة منك أخرج بها من عندك.

قال لي : اعلم أن فائدة المخلوقين ليست بفائدة ، حدثتني أمّي أنها كانت حاملة بي وكانت إذا قدمت لها القصعة من حلال امتدت يدها وأكلت ، وإذا قدمت من حرام جفت فلم تأكل ، اجعلها فائدة وانصرف. فجعلتها فائدة وانصرفت.

وروى طاوس اليماني (رحمه‌الله) قال : رأيت أعرابيا قد جاء براحلة له فأبركها وعقلها ، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إن هذه الراحلة وما عليها في ضمانك حتى أخرج إليها.

فخرج الأعرابي وقد أخذت الراحلة وما عليها ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إنه ما سرق مني شيء وما سرق إلّا منك. فقال طاوس : فنحن كذلك مع الأعرابي إذا رأينا رجلا من رأس أبي قبيس يقود الراحلة بيده اليسرى ويمينه مقطوعة معلقة في عنقه ، حتى جاء إلى الأعرابي وقال له : هاك راحلتك وما عليها. فقيل له : وما حالك؟ فقال : استقبلني فارس على فرس أشهب في رأس أبي قبيس فقال : يا سارق مدّ يدك فمددتها فوضعها على حجر ثم أخذ آخر فقطعها به وعلقها في عنقي وقال : انزل فرد الراحلة وما عليها إلى الأعرابي.

__________________

(١) هكذا في الأصل.

(٢) مدينة بأرمينية.

١٩٤

وعن أبي تميم الحبشاني قال : سمعت عمر يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا» (١) [١٧٣].

روى محمد بن كعب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ، ومن سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق الله عزوجل ومن سرّه أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق ممّا في يديه» (٢) [١٧٤].

وكان عمر رضي‌الله‌عنه يتمثل بهذين البيتين :

هوّن عليك فإن الأمور

بأمر الإله مقاديرها

نفس ليأتيك مصروفها

ولا عادك عنك مقدورها (٣)

(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ) يعينكم الله من عدوكم (فَلا غالِبَ لَكُمْ) في يوم بدر (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) يترككم ولا ينصركم ، والخذلان : القعود عن النصرة والاستسلام للهلكة والمكروه ، ويقال للبقرة والظبية إذا تركت ولدها وتخلفت عنها : خذلت فهو خذول.

قال طرفة :

خذول تراعي ربربا بخميلة

تناول أطراف البرير وترتدي (٤)

وأنشد :

نظرت إليك بعين جارية

خذلت صواحبها على طفل (٥)

وقرأ أبو عبيد بن عمير : (وَإِنْ يُخْذِلْكُمْ) بضم الياء وكسر الذال ، أي نجعلكم مخذولين ونحملكم على الخذلان والتخاذل كما فعلتم بأحد.

(فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد خذلانه (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) الآية.

روى عكرمة ومقسم عن ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : أخذها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وروى جويبر بن الضحاك عنه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما وقع في يده غنائم هوازن يوم حنين غلّه رجل بإبرة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٣٠.

(٢) مسند الشهاب : ١ / ٢٣٤.

(٣) كنز العمال : ١٦ / ١٥٧ ، ح ٤٤١٩٤ ، بتفاوت.

(٤) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٥٤.

(٥) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٥٤.

١٩٥

وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز ، وطلبوا الغنيمة وقالوا : نخشى أن يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أخذ شيئا فهو له ، وأن لا يقسّم الغنائم كما لم يقسّم يوم بدر ، فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟» قالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل ظننتم أن نغل ولا نقسم» (١) [١٧٥] فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وروى بعضهم عن الضحاك عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث طلائع فغنمت ، فقسمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يقسم للطلائع ، فلما قدمت الطلائع قالوا : قسم الفيء ولم يقسم لنا ، فنزلت هذه الآية.

قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النبي عليه‌السلام وقد غلّ طوائف من أصحابه.

وفي بعض التفاسير : أن الأقوياء ألحّوا عليه يسألونه عن المغنم ، فأنزل الله عزوجل (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) فيعطي قوما ويمنع آخرين ، بل عليه أن يقسم بالسوية ولا يحرم أحدا.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار : هذا في الوحي يقول : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) ويكتم شيئا من وحي الله عزوجل رغبة أو رهبة أو مداهنة ، وذلك أنهم كانوا يكرهون ما في القرآن من عيب دينهم وسب آلهتهم ، فسألوه أن يطوي ذلك ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية.

فأما التفسير فقرأ السلمي ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو وعاصم : (يَغَلُّ) بفتح الياء وفتح الغين ، وهي قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيدة.

وقرأ الباقون : بضم الياء وفتح الغين وهي قراءة ابن مسعود واختيار أبي حاتم ، فمعناه أن يخون ، والمراد به الأمة.

وقال بعض أهل المعاني : اللام فيه منقولة ، معناه : ما كان النبي ليغل ، وما كان الله عزوجل أن يتخذ من ولد ، أي ما كان الله ليتخذ من ولد.

وقال بعضهم : هذا من ألطف التعريض لها بأن [برأ ساحة] النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الغلول ، دلّ على أن الغلول في غيره ، ونظيره قوله عزوجل : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢) وهذا معنى قول السدي.

وقال المفضل : معناه ما كان يظن به ذلك ولا يشبهه ولا يليق به ، فاحتج أهل هذه القراءة بقول ابن عباس : كيف لا يكون له أن يغل وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأنبياء يقتل

__________________

(١) عون المعبود : ١١ / ٥.

(٢) سورة سبأ : ٢٤.

١٩٦

ومن قرأ بضم الياء فله وجهان :

أحدهما : أن يكون من الغلول ، أي ما كان النبي أن يغل ، أي أن يخان ، يعني أن تخونه أمّته.

والوجه الآخر : أن يكون من الإغلال ، معناه ما كان لنبي أن يخون أو ينسب إلى الخيانة أو يوجد خائنا أو يدخل في جملة الخائنين ، فيكون أغل وغلل بمعنى واحد ، كقوله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) (١) وقوله : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (٢).

وقال المبرد : تقول العرب : أكفرت الرجل بمعنى جعلته كافرا ونسبته إلى الكفر وحملته عليه ووجدته كافرا ولحقته بالكافرين.

(وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، قال الكلبي : يمثل له ذلك الشيء في النار ثم يقال له : انزل فخذه ، فينزل فيحمله على ظهره ، فإذا بلغ موضعه وقع في النار ثم كلفه أن ينزل إليه فيخرجه فيفعل ذلك.

وروى أبو زرعة عن أبي هريرة قال : قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما خطيبا فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره وقال : «لا ألقينّ أحدكم يجيء على رقبته يوم القيامة بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني؟ فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ، ولا ألقينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول : يا رسول الله أغنني؟ فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ، ولا ألقينّ أحدكم بصامت يقول : يا رسول الله اغنني؟ فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ، ولا ألقينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة (٣) يقول : يا رسول الله أغنني؟ فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ، ولا ألقينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخنق يقول : يا رسول الله أغنني؟ فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك» (٤) [١٧٦].

وحدث سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو قال : كان على ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل يقال له كركرة فمات ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هو في النار» فوجدوا عليه عباءة قد غلّها (٥).

وحدث الزهري عن عروة عن أبي حميد الساعدي قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا من الأزد يقال له أبو اللبيبة (٦) على الصدقة ، فجاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي له ، فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) سورة الأنعام : ٣٣.

(٢) سورة الطارق : ١٧.

(٣) الحمحمة : صوت الفرس دون الصهيل.

(٤) صحيح البخاري : ٤ / ٣٧ ، تفسير الطبري : ٤ / ٢١١ ، ومصنف ابن أبي شيبة : ٧ / ٧١١.

(٥) تاريخ دمشق : ٤ / ٢٧٩.

(٦) في تفسير الطبري : ٤ / ٢١٢ (ابن التبية) ، وفي السنن الكبرى : ٤ / ١٥٨ (أبو اللبتية)

١٩٧

فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : «ما بال العامل يبعث فيجيء فيقول هذا لكم وهذا أهدي إليّ ، أفلا يجلس في بيت أبيه أو أمّه وينظر ما يهدى إليه ، والذي نفس محمد بيده لا يبعث أحد منكم فيأخذ منه شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة له خوار أو شاة يثغر ـ ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه فقال ـ : اللهم قد بلغت» (١) [١٧٧].

وعن زيد بن خالد : أن رجلا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفي يوم خيبر فذكروا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «صلّوا على صاحبكم» فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال : «إن صاحبكم غلّ في سبيل الله» ففتشنا متاعه لذلك ، فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين (٢).

وعن أبي هريرة قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر فلم يغنم ذهبا ولا ورقا إلّا الثياب والمتاع قال : فتوجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحو وادي القرى وقد أهدي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له مدعم فبينا مدعم يحطّ رجل رسول الله إذ جاءه سهم فقتله ، فقال الناس : هنيئا له الجنة.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا». فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «شراك من نار أو شراكان من نار» (٣) [١٧٨].

وعن عبيد الله بن عمير قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيجمعه ويقسمه ، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال : يا رسول الله هذا فيما كنّا أصبنا من الغنيمة فقال : «أسمعت قد نادى ثلاثا؟» قال : نعم ، قال : «فما منعك أن تجيء به» فاعتذر إليه ، فقال : «كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك» (٤).

وعن صالح بن محمد بن مائدة قال : دخلت مع مسلمة أرض الروم ، فأتي برجل قد غلّ فسئل سالم عنه فقال : سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا وجدتم الرجل قد غلّ فاحرقوا متاعه واضربوه» قال : فوجدنا في متاعه مصحفا ، فسأل رجل سالما عنه فقال : بعه وتصدق بثمنه (٥).

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما قد حرقوا متاع الغال وضربوه وفي بعض الروايات ومنعوه سهمه.

وعن صالح بن محمد قال : غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٤٢٤ ، تفسير الطبري : ٤ / ٢١٣.

(٢) مسند أحمد : ٤ / ١١٤.

(٣) تفسير الطبري : ٤ / ٢١٣.

(٤) سنن أبي داود : ١ / ٦١٥ ، ح ٣٧١٢ ، صحيح ابن حبان : ١١ / ١٩٧.

(٥) الدر المنثور : ٣ / ٩٢.

١٩٨

وعمر بن عبد العزيز فغلّ رجل متاعا ، فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به ولم يعطه سهمه (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) بترك الغلول (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) فغلّ (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. هُمْ دَرَجاتٌ) يعني ذو درجات (عِنْدَ اللهِ).

وقال ابن عباس : يعني أن من (اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) ومن (باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) مختلف المنازل عند الله تعالى ، فلمن (اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) الكرامة والثواب العظيم ، ولمن (باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) المهانة والعذاب الأليم.

(وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ. لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

قال بعضهم : لفظ الآية عام ومعناها خاص ، إذ ليس حي من أحياء العرب إلّا وقد قلّدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس فيهم نسب إلّا بني تغلب ، فإن الله طهّره منهم لما فيهم من دنس النصرانية إذ ثبتوا عليها ، وبيان هذا التأويل قوله : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) (١).

وقال الآخرون : (هو) أراد به المؤمنين كلهم ، ومعنى قوله : (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) بالإيمان والشفقة لا بالنسب كما يقول القائل : أنت نفسي ، يدل عليه قوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) (٢) الآية.

(يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ) وقد كانوا من قبل بعثه ، وهو رفع على الغاية (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. أَوَلَمَّا) أوحين (أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) أحد (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) ببدر ، وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين وقتل المسلمون منهم يوم بدر سبعين وأسروا سبعين (قُلْتُمْ أَنَّى هذا) من أين لنا هذا القتل والهزيمة ونحن مسلمون ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فينا والوحي ينزل علينا وهم مشركون.

وروى عبيدة السلماني عن علي قال : جاء جبرئيل عليه‌السلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأسارى ، وقد أمرك أن تخيّرهم بين أن يقدموا فتضرب أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم ، فذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك للناس فقالوا : يا رسول الله عشائرنا وإخواننا ، لا بل نأخذ فداءهم فنتقوى بها على قتال عدونا ، منّا عدتهم فليس في ذلك ما نكره ، قال : فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدد أسارى يوم بدر (٣) ، فمعنى قوله : (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) على هذا التأويل أي : بأخذكم الفداء واختياركم القتل.

(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَما أَصابَكُمْ) يا معشر المؤمنين (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) بأحد

__________________

(١) سورة الجمعة : ٢.

(٢) سورة التوبة : ١٢٨.

(٣) انظر : تفسير الطبري : ٤ / ٢٢٢.

١٩٩

من القتل والجرح والهزيمة والمصيبة (فَبِإِذْنِ اللهِ) بقضائه وقدره وعلمه (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) أي ليميّز ، وقيل : ليرى ، وقيل : لتعلموا أنتم أن الله عزوجل قد علم ما فيهم وأنتم لم تكونوا تعلمون ذلك (وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) لأجل دين الله وطاعته (أَوِ ادْفَعُوا) عن أهلكم وبلدتكم وحريمكم.

وقال السدي والفراء وأبو عون الأنصاري : أي كثروا سواد المسلمين ، ورابطوا إن لم تقاتلوا ، كون ذلك دفعا وقمعا للعدو (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) وهم عبد الله بن أبي وأصحابه الذين انصرفوا عن أحد وكانوا ثلاثمائة ، قال الله : (هُمْ لِلْكُفْرِ) أي إلى الكفر (يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) أي في الإيمان (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) وذلك أنهم كانوا ينكرون الإيمان ويضمرون الكفر ، فبيّن الله عزوجل نفاقهم (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ. الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ) في النسب لا في الدين ، وهم بهذا واحد (وَقَعَدُوا) يعني وقعد هؤلاء القاعدون عن الجهاد (لَوْ أَطاعُونا) وانصرفوا عن محمد وقعدوا في بيوتهم (ما قُتِلُوا قُلْ) لهم يا محمد (فَادْرَؤُا) فادفعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إن الحذر لا يغني عن القدر.

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨))

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) الآية.

قال بعضهم : نزلت هذه الآية في شهداء بدر ، وكانوا أربعة عشر رجلا ، ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين ، وقال آخرون : نزلت في شهداء أحد ، وكانوا سبعين رجلا ، أربعة من المهاجرين ، حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعثمان بن شماس وعبد الله بن جحش وسائرهم من الأنصار.

وروى ابن الزبير وعطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما أصيب

٢٠٠