الكشف والبيان - ج ٣

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]

الكشف والبيان - ج ٣

المؤلف:

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]


المحقق: أبي محمّد بن عاشور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٣

الخطاب تربة من أرض بني عامر ، وغزوة علي بن أبي طالب اليمن ، وغزوة غالب بن عبد الله الكلبي كلب ليث الكديد لقوا فيها الملوح ، وغزوة علي بن أبي طالب إلى أبي عبد الله بن سعد من أهل فدك ، وغزوة ابن أبي العوجاء السلمي أرض بني سليم أصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عكاشة بن محصن العمرة ، وغزوة أبي سلمة بن عبد الأسد قطن ماء من مياه بني أسد من ناحية نجد لقوا فيها فقتل فيها مسعود بن عروة ، وغزوة محمد بن مسلمة أخي بني حارثة إلى القرطاء موضع من هوازن ، وغزوة بشير بن سعد بن كعب بن مرة لفدك ، وغزوة بشير بن سعد أيضا إلى حيان بلد من أرض خيبر ، وغزوة زيد بن حارثة الجموم من أرض بني سليم ، وغزوة زيد أيضا جذام من أرض حسمي لقوا فيها ، وغزوة زيد أيضا إلى طرف من ناحية نخل من طريق العراق ، وغزوة زيد أيضا وادي القرى لقي بني فزارة ، وغزوة عبد الله بن رواحة خيبر مرتين إحداهما التي أصاب فيها بشرا (١) اليهودي ، وغزوة عبد الله بن عتيك إلى حنين فأصاب بها أبا رافع بن أبي الحقيق.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث محمد بن مسلمة وأصحابه فيها من أحد وبدر إلى كعب بن الأشرف فقتلوه ، وبعث عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان الهذلي وهو بنخلة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليغزوه فقتله ، وغزوة الأمراء : زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام فأصيبوا بها ، وغزوة كعب بن عمرو الغفاري ذات الطلاح من أرض الشام فأصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عيينة بن حذيفة بن بدر الفزاري العنبر من بني تميم ، وغزوة غالب بن عبد الله الكلبي كلب ليث أرض بني مرة فأصاب بها مرداس بن نهيك وحليفا لهم من جهينة ، قتله أسامة بن زيد ، وهو الذي قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأسامة فيه : «من لك؟ من لك لا إله إلّا الله؟» [١١٢].

وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من أرض بلي (٢) وعذرة وغزوة ، [أبي قتادة] (٣) وأصحابه إلى بطن إضم قبل الفتح لقوا فيها ، وغزوة الخيط إلى سيف البحر وعليهم أبو عبيدة الجراح وغزوة عبد الرحمن بن عوف.

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) : جمع ذليل مثل عزيز وأعزة ولبيب وألبّة. وأراد هاهنا قلّة العدد ، (فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ) واختلفوا في هذه الآية : فقال قتادة : [...] (٤) يوم بدر أمدهم الله بألف ، ثم صاروا ثلاثة

__________________

(١) كذا في المخطوط ، والظاهر أنّه (أسير)

(٢) بلي : قبيلة ينسبون إلى أبي بلي ، وهو جدّ عمر بن شاس. الأنساب (السمعاني) : ١ / ٣٩٦.

(٣) كلمة غير مقروءة ، وما أثبتناه من المغازي : ٢ / ٧٩٦.

(٤) كلمة غير مقروءة ، وما أثبتناه من المغازي : ٢ / ٧٩٦.

١٤١

آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف. يدل عليه قوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ) (١) ، الآية ، وقوله : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) إلى قوله (مُسَوِّمِينَ) ، فصبر المؤمنون يوم بدر ، واتّقوا الله فأمدّهم الله بخمسة آلاف من الملائكة على ما وعدهم ، فهذا كله يوم بدر. الحسن : فهؤلاء الخمسة آلاف رد للمؤمنين إلى يوم القيامة. وقال ابن عباس ومجاهد : لم تقاتل الملائكة إلّا يوم بدر وفيما سوى ذلك يشهدون القتال ولا يقاتلون إنما يكونون عددا ومددا.

وقال عمر بن أبي إسحاق : لما كان يوم أحد انجلى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبقي سعد بن مالك يرمي ، وفتى شاب ينبل له فلمّا فني النبل أتاه به فنثره فقال : ارم أبا إسحاق ، ارم أبا إسحاق. كرتين. فلما انجلت المعركة سئل عن الرجل فلم يعرف (٢).

وقال الشعبي : بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يمدّ المشركين ، فشق ذلك عليهم فأنزل الله تعالى (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) إلى قوله (مُسَوِّمِينَ) ، فلما بلغ الكرز الهزيمة فرجع ولم يأتهم ولم يمدّهم أمدّهم الله أيضا بخمسة آلاف ، وكانوا قد أمدوا بألف.

وقال آخرون : إنما وعد الله تعالى المسلمين يوم بدر إن صبروا على طاعته فاتقوا محارمه أن يمدّهم في حروبهم كلها فلم يصبروا ولم يتقوا إلّا في يوم الأحزاب فأمدهم الله تعالى حتى حاصروا قريظة.

قال عبد الله بن أوفى : كنا محاصري بني قريظة والنضير ما شاء الله أن نحاصرهم فلم يفتح علينا فرجعنا ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغسل ، فهو يغسل رأسه إذ جاءه جبرئيل عليه‌السلام فقال : «يا محمد ، وضعتم أسلحتكم ولم تضع الملائكة أوزارها؟». فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخرقة فلف بها رأسه ولم يغسله ثمّ نادى فينا فقمنا كالّين متعبين لا نعبأ بالسير شيئا حتى أتينا بني قريظة والنضير ، فيومئذ أمدنا الله تعالى بثلاثة آلاف من الملائكة ، ففتح الله لنا فتحا يسيرا وانقلبنا بنعمة الله وفضل.

وقال قوم : إنما كان هذا يوم أحد ، وعدهم الله عزوجل المدد إن صبروا ، فلم يصبروا ؛ فلم يمدوا ولا بملك واحد [و] لو أمدّوا لما هزموا. وهو قول عكرمة والضحاك. وكان هذا يوم أحد حين انصرف أبو سفيان وأصحابه ؛ وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يخاف أن يدخل المشركون المدينة ، فبعث علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فقال : «اخرج على آثار القوم فانظر ما يصنعون وما يريدون ، فإن كانوا قد أجبنوا الخيل وركبوا وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة ، فو الذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرنّ إليهم فيها ثم لأناجزنهم».

__________________

(١) الأنفال : ٩.

(٢) الدر المنثور : ٢ / ٧٠.

١٤٢

قال علي رضي‌الله‌عنه : «فخرجت في آثارهم أنظر ما يصنعون ، فإذا هم قد أجبنوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أي ذلك كان فأخفه حتى تأتيني ، فلما رأيتهم قد توجهوا إلى مكة أقبلت أصيح ما أستطيع أن أكتم لما بي من الفرح وانصرفوا إلى مكة وانصرفنا إلى المدينة ، فأنزل الله تعالى في ذلك (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ)» (١) يعني أن انصرفوا إليكم ودخلوا المدينة. وفي قراءة أبي (ألا يكفيكم أن يمدكم ربكم) ، أي يعطيكم ويعينكم.

قال المفضل : [كل] (٢) ما كان على جهة القوة والإعانة ، قيل فيه : أمده يمده إمدادا ، وكل ما كان على جهة الزيادة قيل : مدّه يمدّه مدّا ، ومنه قوله : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ) (٣).

وقال بعضهم : المد في الشر ، والإمداد في الخير. يدل عليه قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٤) وقوله (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) (٥).

وقال في الخير (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ) (٦) وقال : (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ). وقال (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) (٧).

وقال : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) (٨). وقال : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) (٩) ، وقال : (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) (١٠) ، (مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) (١١) (مُنْزَلِينَ). قرأ أبو حيوة : بكسر الزاي ، مخفّفا ، يعني منزلين النصر. وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف وعمر ابن ميمون وابن عامر مشددة مفتوحة الزاي على التكثير. وتصديقه قوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) (١٢).

وقوله : (مُسَوِّمِينَ). وقرأ الآخرون : بفتح الزاي خفيفة. ودليله قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) (١٣) وقوله : (وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) (١٤). وتفسير الإنزال : جعل الشيء من علو إلى سفل ، ثم قال : (بَلى) وهو تصديق لقول الله تعالى وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(إِنْ تَصْبِرُوا) لعدوّكم (وَتَتَّقُوا) معصية ربكم.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٢ / ٢٠٧. (٢) في المخطوط : على.

(٣) لقمان : ٢٧. (٤) البقرة : ١٥.

(٥) مريم : ٧٩.

(٦) الأنفال : ٩.

(٧) الإسراء : ٦.

(٨) المؤمنون : ٥٥.

(٩) الطور : ٢٢.

(١٠) نوح : ١٢.

(١١) الأنفال : ٩.

(١٢) الأنعام : ١١١.

(١٣) الفرقان : ٢١. (١٤) التوبة : ٢٦.

١٤٣

(وَيَأْتُوكُمْ) من المشركين ، (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) (١) قال عكرمة والحسن وقتادة والربيع والسدي وابن زيد : من وجههم هذا ، وهو رواية عطية عن ابن عباس. مجاهد والضّحاك وزاذان : من غضبهم هذا ، وكانوا قد غضبوا يوم أحد ليوم بدر ممّا لقوا ، وأصل الفور : القصد إلى الشيء والأخذ فيه بحدّه ، وهو من قولهم : فارت القدر تفور فورا وفورانا إذا غلت (وَفارَ التَّنُّورُ) (٢) ، قال الشاعر :

تفور علينا قدرهم فيديمها

ويفثأها عنا إذا حميها غلا

(بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب : بكسر الواو ، واختاره أبو حاتم ، وقرأ الباقون : بالفتح ، واختاره أبو عبيد ، فمن كسر الواو أراد أنّهم سوّموا خيلهم ، ومن فتح أراد به أنفسهم ، والسّومة : العلامة التي يعلّم بها الفارس نفسه في الحرب ، واختلفوا في هذه السّمة الموصوفة بها الملائكة في هذه الآية ما هي ، فقال عمير بن إسحاق : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه يوم بدر : «تسوّموا ، فإن الملائكة قد تسوّمت (٣) بالصوف الأحمر في قلانسهم ومغافرهم».

الضحاك وقتادة : [بالعهن] (٤) في نواصيها وأذنها. مجاهد : كانت مجزوزة أذناب خيلهم وأعرافها ونواصيها [معلّمة] ، الربيع : كانوا على خيل بلق ، عليّ وابن عباس رضي‌الله‌عنهم : كانت عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم ، هشام بن عروة الكلبي : عمائم صفر مرخاة على أكتافهم.

وقال عبد الله بن الزبير : إن الزبير كانت عليه ملاءة صفراء وعمامة صفراء يوم بدر ، فنزلت الملائكة يوم بدر مسوّمين بعمائم صفر (٥).

وروى الزبير بن المنذر عن جدّه أبي أسيد وكان بدريّا قال : لو كان بصري فرّج عنه ، ثم ذهبتم معي إلى بدر لأريتكم الشعب التي خرجت منه الملائكة في عمائم صفر قد طرحوها بين أكتافهم (٦) ، وقال عكرمة : كانت عليهم سيماء القتال ، السديّ : سيماء المؤمنين.

(وَما جَعَلَهُ اللهُ) يعني : هذا الوعد والمدد (إِلَّا بُشْرى) لتستبشروا به. (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ) ولتسكن قلوبكم إليه ، فلا تجزع من كثرة عدوّكم وقلّة عددكم.

(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) لأن العزّ والحكم له وهو : (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) نظيرها في

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٢٥.

(٢) سورة هود : ٤٠ ، سورة المؤمنون : ٢٧.

(٣) المصنف : ٨ / ٣٤٦ ، تفسير القرطبي : ٤ / ١٩٦.

(٤) العهن : الصوف المصبوغ ألوانا.

(٥) كنز العمال : ١٠ / ٤٥.

(٦) تفسير الطبري : ٤ / ١٠٩.

١٤٤

الأنفال ، ثم قال : واستعينوا بالله وتوكلوا عليه (لِيَقْطَعَ طَرَفاً). نظم الآية : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ... لِيَقْطَعَ طَرَفاً) ، أي : ليهلك طائفة (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) نظيره قوله : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) (١) أي : أهلك ، وفي الأنفال : (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) (٢) ، وفي الحجر : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (٣) ، السديّ : معناه ليهدم ركنا من أركان الشرك بالقتل والأسر ، فقتل من سادتهم وقادتهم يوم بدر سبعين ، وأسر منهم سبعين.

(أَوْ يَكْبِتَهُمْ) بالخيبة (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) لم ينالوا شيئا ممّا كانوا يرجون من الظفر بكم.

وقال الكلبي : (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) : أو يهزمهم بأن يصرعهم لوجوههم. المؤرّخ : يخزيهم. النضر بن شميل : يغيظهم ، المبرّد : يظفر عليهم ، السديّ : يلعنهم ، أبو عبيدة : يهلكهم ، قالوا : وأهل النظر [يرون] (٤) التاء منقلبة عن الدال ، لأن الأصل فيه يكبدهم ، أي : يصيبهم في أكبادهم بالحزن والغيظ ، يقال : قد أحرق الحزن كبده ، وأحرقت العداوة كبده ، ويقول العرب للعدوّ : أسود الكبد ، قال الأعشى :

فما أجشمت من إتيان قوم

هم الأعداء والأكباد سود (٥)

كأنّ الأكباد لمّا احترقت بشدّة العداوة اسودّت ، والتاء والدال يتعاقبان ، كما يقال : هرت الثوب وهرده ، إذا خرقه ، يدل على صحة هذا التأويل قراءة لاحق بن حميد : أو يكبدهم ، بالدّال.

(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية ، فقال عبد الله بن مسعود : أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدعوا على المدبرين عنه من أصحابه يوم أحد ، وكان عثمان منهم ، فنهاه الله عزوجل عن ذلك وتاب عليهم ، فأنزل هذه الآية ، وقال عكرمة وقتادة : أدمى رجل من هذيل يقال له عبد الله بن قمية وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، فدعا عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان حتفه أن سلّط الله عليه تيسا فنطحه حتى قتله.

وشجّ عتبة بن أبي وقاص رأسه ، وكسر رباعيته فدعا عليه ، وقال : «اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرا» قال : وما حال عليه الحول حتى مات كافرا ، فأنزل الله هذه الآية (٦).

وقال الكلبي والربيع : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، وقد شجّ في وجهه وأصيبت رباعيته ، فهمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يلعن المشركين ويدعو عليهم ، فأنزل الله عزوجل هذه

__________________

(١) سورة الأنعام : ٤٥.

(٢) سورة الأنفال : ٧.

(٣) سورة الحجر : ٦٦.

(٤) زيادة عن المسير : ٢ / ٢٧.

(٥) زاد المسير : ٢ / ٢٧ ، وتاج العروس : ٨ / ٢٢٩.

(٦) تفسير الطبري : ٤ / ١١٧.

١٤٥

الآية ، لعلمه فيهم أن كثيرا منهم سيؤمنون ، يدلّ عليه ما روى أبو بكر بن عياش ، عن حميد ، عن أنس قال : لمّا كان يوم أحد شجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في فوق حاجبه وكسرت رباعيته وجرح في وجهه ، فجعل يمسح الدم في وجهه ؛ وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربّهم» (١) ، فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) ، وقال سعيد بن المسيّب. والشعبي. ومحمد بن إسحاق بن يسار : لمّا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اشتدّ غضب الله على من دمى وجه نبيّه» (٢). علت عالية من قريش على الجبل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «[اللهم إنه] لا ينبغي لهم أن يعلونا» ، فأقبل عمر ورهط من المهاجرين حتى أهبطوهم ، ونهض رسول الله إلى صخرة ليعلوها وقد كان ظاهر بين درعين فلم يستطع ، فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى عليها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أوجب طلحة الجنة» (٣) ، فوقفت هند والنسوة معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجدعنّ الآذان والأنوف ، حتى أخذت هند من ذلك قلائد وأعطتها وحشيّا ، وبقرت من كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع فلفظتها ، ثم علت صخرة مشرفة فصرخت :

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات سعر

ما كان من عتبة لي من صبر

أبي وعمي وأخي وبكري

شفيت صدري وقضيت نذري

شفيت وحشي من غليل صدري (٤)

قالوا : وقال عبد الله بن الحسن : قال حمزة : اللهم إن لقينا هؤلاء غدا فإنّي أسألك أن يقتلوني ويبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني ، فتقول لي يوم القيامة : فيم فعل بك هذا؟ فأقول : فيك. فلمّا كان يوم أحد قتل فبقر بطنه وجدعت أذنه وأنفه ، فقال رجل سمعه : أمّا هذا فقد أعطي في نفسه ما سأل في الدنيا ، والله يعطيه ما سأل في الآخرة.

قالوا : فلمّا رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون ما بأصحابهم من جدع الآذان والأنوف وقطع المذاكير ، قالوا : لئن أدالنا الله عليهم لنفعلنّ بهم مثل ما فعلوا ، ولنمثلنّ بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قطّ ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قال عطاء : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أحد أربعين يوما يدعو على أربعة من ملوك كندة : مسرح ، وأحمد ، ولحي ، وأخيهم العمردة ، وعلى معن من هذيل ، يقال لهم : لحيان ، وعلى بطون من سليم وعلى ذكوان وعصبة والقارة ، وكان يقول : «اللهم أشدد وطاءك على مضر

__________________

(١) مسند أحمد : ٣ / ١٧٩.

(٢) تاريخ الطبري : ٢ / ٢٠١.

(٣) تفسير الطبري : ٤ / ١٨٢.

(٤) عيون الأثر : ١ / ٤٢٤ ، والبداية والنهاية : ٤ / ٤٢ مع تفاوت في عجز البيت الثاني.

١٤٦

واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف» (١) ، فأجاب الله دعاه وقحطوا حتى أكلوا أولادهم وأكلوا الكلاب والميتة والعظام المحرقة ، فلمّا انقضت الأربعون نزلت هذه الآية.

وعن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم ألعن أبا سفيان ، اللهم العن الحرث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أميّة» (٢) ، فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (٣) وأسلموا فحسن إسلامهم.

الزهري عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في صلاة الفجر حين رفع رأسه من الركوع : «ربّنا لك الحمد اللهم العن فلانا وفلانا» ، دعا على ناس من المنافقين فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) الآية (٤).

وقال مقاتل : نزلت هذه الآية في بئر معونة وهم سبعون رجلا من قرّاء أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أميرهم المنذر بن عمرو ، وبعثهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد ، ليعلّموا الناس القرآن والعلم ، فقتلهم جميعا.

عامر بن الطفيل : وكان فيهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق فلما قتل رفع بين السماء والأرض ، فوجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك وجدا شديدا وحزن عليهم شهرا فنزلت (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) وهذه الآية وإن كانت لفظا للعموم ، فالمراد منها الخصوص تقديرها : ليس لك من الأمر بهواك شيء. واللام في قوله : (لَكَ) بمعنى (إليّ) كقوله : (إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) (٥) وقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) (٦) ونحوهما.

(أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ ... لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) وهو وجه حسن.

وقال بعضهم : (أَوْ) بمعنى (حتى) يعني : ليس لك من الأمر شيء حتى يتوب عليهم أو يعذبهم.

ثم قال : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) إلى (أَضْعافاً مُضاعَفَةً).

قرأ أبو جعفر وشيبة : مضعّفة.

عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) (٧) هو أن الرجل كأن يكون له على الرجل مال فإذا حل الأجل طلبه من

__________________

(١) مسند أحمد : ٢ / ٥٢١.

(٢) المصدر السابق : ٢ / ٩٣ ، والدر المنثور : ٢ / ٧١.

(٣) سورة آل عمران : ١٢٨.

(٤) صحيح البخاري : ٥ / ٣٥ ، وسنن الدارمي : ١ / ٣٧٤.

(٥) سورة آل عمران : ١٩٣.

(٦) سورة الأعراف : ٤٣.

(٧) سورة آل عمران : ١٣٠.

١٤٧

صاحبه فيقول المطلوب أخّر عنّي فأزيدك على مالك فيفعلان ذلك فوعظهم الله تعالى.

فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ) في أمر الربا فلا تأكلوه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ثم خوفهم فقال : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) وفيه دليل على أن النار مخلوقة ردّا على الجهمية ، لأن المعدوم لا يكون معدا (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لكي ترحموا فلا تعذبوا (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) الآية.

قال عطاء : إن المسلمين قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله عزوجل منّا وكانوا إذا أذنبوا أصبحت كفارة ذنوبهم مكتوبة في عتبة بابهم : اجدع أنفك اجدع أذنك افعل كذا وكذا ، فسكت عليه الصلاة والسلام ، فأنزل الله تعالى (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي سابقوا إلى الأعمال التي توجب المغفرة.

وحذف أهل المدينة والشام الواو منه.

واختلفوا في العلة الجالبة لهذه المغفرة : فقال ابن عباس : سارعوا إلى الإسلام ، أبو العالية وأبو روق : إلى الهجرة ، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : إلى أداء الفرائض ، عثمان بن عفان : الإخلاص ، أنس بن مالك : هي التكبيرة الأولى ، سعيد بن جبير : إلى أداء الطاعة ، يمان : إلى الصلاة الخمس ، الضحاك : إلى الجهاد عكرمة : إلى التوبة ، مقاتل : إلى الأعمال الصالحة ، أبو بكر الوراق : إلى اتّباع الأوامر والانتهاء عن الزواجر ، سهل بن عبد الله : إلى السنّة ، بعضهم : إلى الجمع والجماعات.

(وَجَنَّةٍ) يعني إلى جنة (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي عرضها كعرض السماوات والأرض كقوله (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) (١) أي كبعث نفس واحدة.

قال الشاعر :

حسبت بغام راحلتي عناقا

وما هي ويب غيرك بالعناق (٢)

يريد صوت عناق.

ودليل هذا التأويل قوله في سورة الحديد : (كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (٣) يعني لو بسطت ووصل بعضها إلى بعض إنما أخص العرض على المبالغة لأن طول كل شيء في الأغلب أكثر من عرضه يقول هذه صفة عرضها فكيف طولها. يدل عليه قول الزهري إنما وصف عرضها فأما طولها فلا يعلمه إلّا الله كقوله (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها) (٤) فوصف البطانة بحسن ما يعلم من الزينة إذ معلوم أن الظواهر يكون أحسن وأنفس من البطائن.

__________________

(١) سورة لقمان : ٢٨.

(٢) تفسير الطبري : ١ / ٧٨٥ ، لسان العرب : ١ / ٨٠٥.

(٣) سورة الحديد : ٢١.

(٤) سورة الرحمن : ٥٤.

١٤٨

وقال أكثر أهل المعاني : لم يرد العرض الذي هو ضد الطول وإنما أراد سعتها وعظمها ، كقول العرب : هو أعرض من الدهنا ، أي أوسع.

وقال جرير :

لجّت أمامة في لومي وما علمت

عرض السماوة روحاتي ولا بكري (١)

وأنشد الأصمعي :

يجبن بنا عرض الفلاة

وما لنا عليهنّ إلّا وخدهن سقاء (٢)

وقال آخر :

كأنّ بلاد الله وهي عريضة

على الخائف المطلوب كفه حابل (٣)

وعلى هذا التمثيل لا يريد أنها كالسماوات والأرض لا ، وغير معناه كعرض السماوات السبع والأرضين السبع عند ظنكم ، لأنهما لا بد زائلتان كقوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (٤) لأنهما لا بد زائلتان.

وقال يعلي بن مرة : لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحمص شيخا كبيرا قال : قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب هرقل فناول الصحيفة رجلا عن يساره قال : قلت : من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا : معاوية ، فإذا كتاب صاحبي : إنك كتبت إليّ تدعوني إلى (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ]) فأين النار؟ فقال رسول الله : «سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار» [١١٣] (٥).

وروى طارق بن شهاب : أن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب وعنده أصحابه قالوا : أرأيت قولكم (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فأين النار؟ فأحجم الناس ، فقال عمر رضي‌الله‌عنه : أرأيتم إذا جاء الليل أين يكون النهار ، وإذا جاء النهار أين يكون الليل؟ فقالوا : إنما لمثلها في التوراة.

وسئل أنس بن مالك عن الجنة : أفي الأرض أم في السماء؟ فقال : أي أرض وأي سماء تسع الجنة؟ قيل : وأين هي؟ قال : فوق السماوات السبع تحت العرش.

وقال قتادة : كانوا يرون أن الجنة فوق السماوات السبع ، وأن جهنم تحت الأرضين السبع.

__________________

(١) تفسير الطبري : ١ / ٢١٦.

(٢) لسان العرب : ١٤ / ٣٩٢ ، تاج العروس : ١٠ / ٣٨٢.

(٣) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٠٥.

(٤) سورة هود : ١٠٧.

(٥) تفسير الطبري : ٤ / ١٢٢.

١٤٩

(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ثم وصفهم فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) يعني في العسر واليسر والشدة والرخاء ، فأول خلق من أخلاقهم الموجدة هو الحب والسخاء ، ولهذا أخبرنا أحمد بن عبد الله ، [ثنا زيد بن عبد العزيز أبو جابر ثنا جحدر ثنا بقية ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (١) : «الجنة دار الأسخياء» (٢).

وروى الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار ، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار» [١١٤] (٣).

(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) آية بينة على الواحد أراد مقام إبراهيم وحده ، وقال : أثر قدميه في المقام آية بينة.

وقرأ الباقون : (آياتٌ) بالجمع أرادوا مقام إبراهيم والحجر الأسود والحطيم وزمزم والمشاعر ، وقد مضى ذكر مقام إبراهيم في سورة البقرة (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) من أن يهاج فيه ، لأنه حرم ، وذلك بدعاء إبراهيم عليه‌السلام حيث قال : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) (٤) وكان في الجاهلية من دخله ولجأ إليه آمن من الغارة والقتل ولم يزده الإسلام إلّا شدة.

وكتب أبو الخلد إلى ابن عباس : أن أول من لاذ بالحرم الحيتان الصغار والكبار هربا من الطوفان ، وقيل : (مَنْ دَخَلَهُ) عام عمرة القضاء مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (كانَ آمِناً) دليله قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٥).

وقال أهل المعاني : صورة الآية خبر ومعناها أمر تقديرها : ومن دخلوه فأمنوه ، كقوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) (٦) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا. وقيل : (وَمَنْ دَخَلَهُ) لقضاء النسك معظما له عارفا لحقه متقربا إلى الله عزوجل (كانَ آمِناً) يوم القيامة وهذا كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» (٧) [١١٥] أي في نهار يوم القيامة.

يدل عليه ما روى جويبر عن الضحاك (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) يقول : من حجه ودخله كان آمنا من الذنوب التي اكتسبها قبل ذلك.

__________________

(١) زيادة عن الثقات لابن حبان : ٨ / ٣٥.

(٢) مسند الشهاب : ١ / ١٠٢ والموضوعات لابن الجوزي : ٢ / ١٨٥.

(٣) سنن الترمذي : ٣ / ٢٣١ ، ح ٢٠٢٧.

(٤) سورة البقرة : ١٢٦.

(٥) سورة الفتح : ٢٧.

(٦) سورة البقرة : ١٩٧.

(٧) مسند الشهاب ـ ابن سلامة ـ : ١ / ٢٥٢.

١٥٠

وروى زياد بن أبي عياش عن يحيى بن جعدة في قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) قال : من النار.

وقال جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه : (مَنْ دَخَلَهُ) على الصفاء كما دخله الأنبياء والأولياء (كانَ آمِناً) من عذابه.

وقال أبو النجم القرشي الصوفي : كنت أطوف بالبيت فقلت : يا سيدي ، قلت : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) من أي شيء؟ فسمعت من ورائي [قائلا] يقول : آمنا من النار ، فالتفت فلم أر شيئا.

ويدل على صحة هذا التأويل ما روى أبان بن عياش عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات في أحد الحرمين بعثه الله عزوجل مع الآمنين» (١) [١١٦].

وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينثران في الجنة وهما مقبرتا مكة والمدينة» (٢) [١١٧].

وروى شقيق بن سلمة عن ابن مسعود قال : وقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ثنية المقبرة وليس هما يومئذ مقبرة ، وقال : «بعث الله من هذه البقعة من هذا الحرم كله سبعين ألفا (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ... بِغَيْرِ حِسابٍ) ، يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر» (٣).

وبه عن عبد الرحمن بن زيد العمى عن أبيه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صبر على حرّ مكة ساعة من نهار ، تباعدت منه جهنم مسيرة مائتي عام ، وتقربت منه الجنة مسيرة مائة عام» (٤) [١١٨].

وقال وهب بن منبه : مكتوب في التوراة : إن الله يبعث يوم القيامة سبعمائة ألف ملك من الملائكة المقربين بيد كل واحد منهم سلسلة من ذهب إلى البيت الحرام فيقول لهم : اذهبوا إلى البيت الحرام فزموه بهذه السلاسل ثم قودوه إلى المحشر فيأتونه فيزمونه بسبعمائة ألف سلسلة من ذهب ثم يمدونه وملك ينادي : يا كعبة الله سيري فتقول : لست بسائرة حتى أعطي سؤلي. فينادي ملك من جو السماء : سلي تعط. فتقول الكعبة : يا رب شفّعني في جيرتي الذين دفنوا حولي من المؤمنين. فيقول الله : قد أعطيتك سؤلك. قال : فيحشر موتى مكة من قبورهم بيض الوجوه كلهم محرمين ، فيجتمعون حول الكعبة يلبّون ثم يقول الملائكة : سيري يا كعبة الله ، فتقول : لست بسائرة حتى أعطي سؤلي ، فينادي ملك من جو السماء : سلي تعط ، فتقول الكعبة : يا رب

__________________

(١) السنن الكبرى : ٥ / ٢٤٥.

(٢) كشف الخفاء : ١ / ٣٥١.

(٣) كنز العمال : ١٢ / ٢٦٢ ، ح ٣٤٩٦٠.

(٤) كنز العمال : ١٢ / ٢١٠ ، ح ٣٤٧٠٤.

١٥١

عبادك المؤمنين الذين وفدوا إليّ (مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) شعثا غبرا ، تركوا الأهلين والأولاد والأحباب ، وخرجوا شوقا إليّ زائرين مسلمين طائعين ، حتى قضوا مناسكهم كما أمرتهم ، فأسألك أن تؤمنهم من الفزع الأكبر وتشفّعني فيهم وتجمعهم حولي ، فينادي الملك : إن منهم من ارتكب الذنوب بعدك وأصرّ على الذنوب الكبائر حتى وجبت له النار ، فتقول الكعبة : إنما أسألك الشفاعة لأهل الذنوب العظام. فيقول الله : قد شفّعتك فيهم وأعطيتك سؤلك. فينادي منادي من جو السماء : ألا من زار الكعبة فليعتزل من بين الناس. فيعتزلون ، فيجمعهم الله حول البيت الحرام بيض الوجوه آمنين من النار يطوفون ويلبون ، ثم ينادى ملك من جو السماء : ألا يا كعبة الله سيري. فتقول الكعبة : لبيك لبيك والخير بيديك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، ثم [يمدّونها] إلى المحشر (١).

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).

قال عكرمة : لما نزلت (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٢) قالت اليهود : فنحن مسلمون فأمروا أن يحجوا إن كانوا مسلمين ، واللام في قوله لله لام الإيجاب والإلزام ، أي قد فرض وأوجب على الناس حجّ البيت. قرأ أبو جعفر والأعمش وحمزة والكسائي : (حِجُ) ، بكسر الحاء في هذا الحرف خاصة.

وقرأ ابن أبي إسحاق جميع ما في القرآن بالكسر ، وهي لغة أهل نجد.

وقرأ الباقون : بالفتح كل القرآن ، وهي لغة أهل الحجاز.

واختيار أبي عبيد ، وأبي حاتم ، فهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد.

وقال الحسن الجعفي الفتح [المصدر] والكسر اسم الفعل ، ثم قال : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) اعلم أن شرائط وجوب الحج تسعة أشياء هي : البلوغ والعقل والإسلام والحرية ؛ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى ينتبه» (٣) [١١٩].

ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيّما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه حجة أخرى ، وأيّما أعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى» [١٢٠] (٤).

وأراد بالهجرة هاهنا : الإسلام وتخلية الطريق ، وهي أن يكون الطريق آمنا مسلوكا ، لا مانع فيه من عدو ونحوه ، فإن كان غير مسلوك لم يجب الحج.

__________________

(١) إعانة الطالبين : ٢ / ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٢) سورة آل عمران : ٨٥.

(٣) مسند أحمد : ٦ / ١٠٠ بتفاوت.

(٤) المعجم الأوسط : ٣ / ١٤٠ ، نصب الراية : ٣ / ٧٥.

١٥٢

والدليل عليه : أنه لو كان محرما فحصره العدو ، فله أن يحل منه ، فإذا جاز له الخروج منه بالحصر فبان بعض (١) الدخول فيه ، والقصد إليه مع وجود الحصر أولى وأحرى ، وإمكان المسير وهو أن يكون في الوقت سعة ممكنة فيه الحج ، فإذا وجد شرائط الحج وهو [....] (٢) وقد بلغ الحاج إلى [الكرقة] (٣) مثلا ، فلا يجب عليه ، لأنه جعل شرائطه في وقت تعذر فعله فيه ، فهو كالصبي الذي يبلغ في أثناء نهار الصيام ، فلا يجب عليه صوم ذلك اليوم ، وزاد كاف وراحلة مبلغة وقوة بدنية واختلف أقاويل الفقهاء في تفصيل هذه الشرائط الثلاثة.

فقال الشافعي رضي‌الله‌عنه : الاستطاعة وجهان : أن يكون مستطيعا بدنه واجدا من ماله ما يبلغه الحج ، والثاني : أن يكون معضوبا (٤) في بدنه لا يثبت على مركبه ، وهو قادر على من يطعه إذا أمره أن يحج عنه بأجرة وغير أجرة ، وأما المستطيع بالمال : فقد لزمه فرض الحج بالسنّة ، لحديث الخثعمية ، فأما المستطيع بنفسه : فهو القوي الذي لا يلحقه مشقة غير محتملة في الكون على الراحلة ، فإن هذا إذا ملك الزاد والراحلة لزمه فرض الحج ، فإن عدم الزاد والراحلة أو أحدهما يسقط فرض الحج عنه ، فإن كان قادرا على المشي مطبقا له ووجد الزاد أو قدر على كسب الزاد في طريقه بصنعة مثل الخرز والحجامة ونحوهما ، فالمستحب له أن يحج ماشيا ، رجلا كان أو امرأة.

قال الشافعي : والرجل أقل عذرا من المرأة ، لأنه أقوى وهذا على طريق الاستحباب لا على طريق الإيجاب ، فأما إن قدر على الزاد بمسألة الناس في الطريق كرهت له أن يحج ، لأنه يصير كلّا على الناس ، وهذا الذي ذكرت من أن وجود الزاد والراحلة شرط في وجوب الحج ، وهو قول عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه وابنه عبد الله وعبد الله بن عباس ومن التابعين الحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق ، دليلهم ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما السبيل إلى الحج؟ قال : «الزاد والراحلة» [١٢١] (٥).

ومثله روى ابن مسعود وابن عباس وعائشة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك.

روى الحرث عن علي كرم الله وجهه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من ملك زادا وراحلة تبلغانه إلى بيت الله فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ، فإن الله تعالى يقول : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦) [١٢٢].

__________________

(١) هكذا ظاهرا في المخطوط.

(٢) كلمة غير مقروءة.

(٣) هكذا في الأصل.

(٤) المعضوب : الزمن الذي لا حراك به.

(٥) الدر المنثور : ٢ / ٥٦.

(٦) سنن الترمذي : ٢ / ١٥٤.

١٥٣

قال ابن عمر : قام رجل فقال : يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال : «الزاد والراحلة» قال : فما الحاج؟ قال : «[الشعث التفل]» (١) قال : فما أفضل الحج؟ قال : «العج (٢) والثج» (٣) [١٢٣].

وقال مالك : إذا قدر على المشي ووجد الزاد والراحلة لزمه الحج بلا خلاف ، وإن لم يجد الزاد والراحلة وقدر على المشي نظر ، فإن كان مالكا للزاد فعليه فرض الحج لكل حال ، وإن لم يكن مالكا للزاد ولكنه يقدر على كسب حاجته منه في الطريق اختلف هذا باختلاف حال الرجل ، فإن كان من أهل المروات وممّن لا يكسب بنفسه لم يجب عليه ، وإن كان ممن يكسب كفايته بتجارة أو صناعة لزمه فرض الحج ، وهكذا إذا كان عادته مسألة الناس لزمه فرض الحج ، فأوجب مالك على المطبق للمشي الحج إذا لم يكن له زاد وراحلة ، وهذا قول عبد الله بن الزبير والشعبي وعكرمة.

وقال الضحاك : إن كان شابا صحيحا ليس له مال ، فعليه أن يؤاجر نفسه بأكله أو عقبه حتى يقضي حجته ، فقال : له قائل ما كلف الله الناس أن يمشوا إلى البيت. فقال : لو أن لبعضهم ميراثا بمكة أكان تاركه بل كان ينطلق إليه ولو حبوا ، كذلك يجب عليه الحج ، واحتج هؤلاء بقوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) (٤) أي مشاة.

قالوا : ولأن الحج من عبادات الأبدان من فرائض الأعيان ، فوجب أن لا يكون من فرض وجوبها الزاد والراحلة كالصلاة والصيام ، فإذا [تقرر] أن وجود الزاد والراحلة شرط في وجوب الحج على قول أكثر أهل العلم ، فوجب أن يبيّن كيفية اعتبار الراحلة والنفقة ، وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس.

وأما الراحلة : فهي ما لا يلحقه مشقة شديدة في الركوب عليها ، وأما النفقة : فإن كان ذا أهل وعيال يجب عليه نفقتهم ، فلا يلزمه الحج حتى يكون لهم نفقتهم مدة غيبته لذهابه ورجوعه ، لأن هذا الإنفاق فرض على الفور والحج فرض على التراخي ، وكان تقديم إنفاق العيال أولى وأهم.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت» (٥) [١٢٤] فإذا لم يكن له أهل وعيال فلا بد من نفقته لذهابه ، وهل يعتبر فيه الرجوع أم لا؟ فيه قولان للفقهاء :

__________________

(١) التفل : الذي قد ترك استعمال الطيب.

(٢) العج : العجيج بالتلبية ، والثج : نحر البدن.

(٣) المصنف ـ الكوفي ـ : ٤ / ٥٣٥.

(٤) سورة الحج : ٢٧.

(٥) مسند أحمد : ٢ / ١٦٠.

١٥٤

قال بعضهم : لا يعتبر ، لأنه ليس عليه كثير مشقة في تركه القيام ببلده ، لأنه لا أهل له فيه ولا عيال له ، فكل البلاد له وطن.

وقال الآخرون : يعتبر ، وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، لأنه قال في الإملاء : لا يجب عليه الحج حتى يكون له نفقته ذاهبا وجائيا. فأطلق ولم يفرّق ، وهذا أولى بالصواب ، لأن الإنسان يستوحش بفراق وطنه كما يستوحش بفراق مسكنه ، ألا ترى أن البكر إذا زنا جلد وغرّب عن بلده سواء كان له أهل أو لم يكن ، فإن كان له عقار يستغله أو ثياب أو أثاث ونحوها ، لزمه فرض الحج وبيع العقار ورقاب الأموال وصرفها في الحج فأما المسكن والخادم.

قال الشافعي : في الأم : فإذا كان له مسكن وخادم له نفقة أهله بقدر غيبته لزمه الحج.

وظاهر هذا أنه اعتبر أن يكون مال الحج فاضلا عن الخادم والمسكن ، لأنه قدّمه على نفقة أهله ، فكأنه قال : بعد هذا كله.

وقال أصحابه : يلزمه أن يبيع المسكن والخادم ويشتري مسكنا وخادما لأهله ، فأما إذا كان له بضاعة يتجر بها وربحها قدر كفايته وكفاية عياله على الدوام ، ومتى أنفق من أصل البضاعة اختل عليه ربحها ولم يكن ربحها قدر كفايته ، فهل يلزمه الحج من أصل البضاعة أم لا؟

قال أبو العباس بن شريح : لا يلزمه ذلك وتبقى البضاعة على ما هي عليه ولا يحج من أصلها ، لأن الحج إنما يجب عليه في الفاضل من كفايته.

وقال الآخرون : بل عليه أن يحج من أصل البضاعة ، وهو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور ، لأنه لا خلاف أنه لو كان له عقار يكفيه غلته لزمه بيع أصل العقار في الحج ، وكذلك البضاعة ، وجملته أن فرض الحج يتعلق بما يتعلق به فرض زكاة الفطر ، فما وجب بيعه في زكاة الفطر وجب بيعه في الحج ، فهذا القول في أحد وجهي الاستطاعة ، فأما الوجه الآخر : فهو أن يكون مغصوبا في بدنه لا يقدر أن يثبت على مركب بحال ، أو يكون فضو الخلقة ابتداء ، أو يكون مريضا مزمنا شديدا لا يرجى برؤه ، أو يكون شيخا كبيرا ضعيفا ولكن يكون قادرا على من يطيعه إذا أمره بالحج عنه ، فهذا أيضا مستطيع استطاعة ما. وهو على وجهين :

أحدهما : أن يكون قادرا على مال يستأجر عليه من يحج ، فإنه يلزمه فرض الحج ، وهذا قول علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه

روى عنه أنه قال لشيخ كبير لم يحج : جهّز رجلا يحج عنك.

وإليه ذهب الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وعبد الله بن المبارك وأحمد بن المبارك وإسحاق.

والثاني : أن يكون قادرا على من يبذل له الطاعة والنيابة فيحج عنه ، فهذا أيضا يلزمه الحج عند الشافعي وابن حنبل وابن راهوية.

١٥٥

وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه الحج ببذل الطاعة بحال.

وقال مالك : إذا كان مغصوبا سقط عنه فرض الحج أصلا ، سواء كان قادرا على من يحج بالمال أو بغير المال ، أو كان عاجزا فلا يلزمه فرض الحج ، ولو وجب عليه الحج ثم عضب وزمن سقط عنه فرض الحج ، ولا يجوز أن يحج عنه في حال حياته بحال بل إن أوصى أن يحج عنه حج بعد موته عنه من الثلث وكان تطوعا ، واحتج بقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (١) فأخبر أنه ليس له إلّا ما سعى فمن قال له ما سعى غيره ، فقد خالف ظاهر الآية ويقول عزوجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢) وهذا غير مستطيع ، لأن الحج هو القصد إلى البيت بنفسه ومن طريق الاعتبار هو أنه غير متمكن من الحج بنفسه ، فوجب أن لا يلزمه الحج عن نفسه ، كما لو كان مغصوبا لا مال له ، ولأن كل عبادة لا يدخلها النيابة مع القدرة عليها ، فوجب أن لا يدخلها النيابة مع العجز عنها كالصلاة وعكسه الزكاة ، ودليل الشافعي وأصحابه ما روى الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، فهل يجزي أن أحج عنه؟ فقال : «نعم» ، فقالت : فهل ينفعه ذلك؟ فقال عليه‌السلام : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أما كان يجزي؟» قالت : نعم ، قال : «فدين له! أحق» (٣) [١٢٥].

فأوجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليه الحج بطاعة ابنته إياه وبذلها نفسها له بأن تحج عنه ، فإذا وجب ذلك بطاعة البنت له كان بأن يجب عليه بقدرته على المال الذي يستأجر به أولى ، فأما إن بذل له المال دون الطاعة ، والصحيح أن لا يلزمه قبوله والحج به عن بنفسه ولا يصير ببذل المال له مستطيعا ، وأما من به مرض يرجى زواله كالبرسام والحمى الشديدة وغيرهما فلا يجوز له أن يحج عنه ، لأنه لم ييأس عن الحج بنفسه فلم يحج له ، كالصحيح وعكسه المغصوب.

وقال أبو حنيفة : يجوز له أن يحج عن نفسه ولو حج عنه وبرأ سقط عنه فرض الحج والله أعلم.

(وَمَنْ كَفَرَ).

قال الحسن وابن عباس وعطاء والضحاك : جحد فرض الحج.

مجاهد : هو ما أن حج لم يره برا وإن قعد لم يره مأثما.

وروى سفيان عن منصور عنه (وَمَنْ كَفَرَ) بالله واليوم الآخر ، يدل عليه ما روى ابن عمر

__________________

(١) سورة النجم : ٣٩.

(٢) سورة آل عمران : ٩٧.

(٣) صحيح ابن خزيمة : ٤ / ٣٤٦.

١٥٦

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال في قوله : (وَمَنْ كَفَرَ) قال : «من كفر بالله واليوم الآخر» (١).

وقال سعيد بن المسيب : نزلت في اليهود حيث قالت : الحج إلى [...] (٢) واجب.

الضحاك : لما نزلت آية الحج جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل الأديان كلهم فخطبهم ، وقال : «إن الله عزوجل كتب عليكم الحج فحجّوا» فآمنت إليه أهل ملة واحدة وهم المسلمون وكفرت به خمس ملل ، وقالوا : لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نحجه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

عطاء بن السائب : (وَمَنْ كَفَرَ) بالبيت.

ابن زيد : (وَمَنْ كَفَرَ) بهذه الآيات التي ذكرها الله في قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ).

قال السدي : أما (مَنْ كَفَرَ) فهو من وجد ما يحج عنه ثم لم يحج حتى مات فهو كفره به.

فصل في إيجاب الحج

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدّوا زكاة مالكم وحجّوا بيت ربكم تدخلوا جنة ربكم» (٤) [١٢٦].

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حجّوا قبل أن لا تحجوا فإنه قد هدم البيت مرتين ويرفع في الثالثة» (٥) [١٢٧].

وقال ابن مسعود : حجّوا هذا البيت قبل أن تنبت في البادية شجرة لا تأكل منها دابة إلّا نفقت (٦).

وروى عبد الرحمن بن أبي سابط عن أبي أمامة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من لم تمنعه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا» (٧) [١٢٨].

وحدثنا موسى بن جعفر عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات ولم يحج لم يقبل الله منه يوم القيامة عملا ...» [١٢٩].

شعبة عن قتادة عن الحسين قال : قال عمر رضي‌الله‌عنه : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى الأمصار فينظرون إلى من كان له مال ولم يحج فيضربون عليه الجزية.

__________________

(١) الدر المنثور : ٢ / ٥٧.

(٢) كلمة غير مقروءة.

(٣) تفسير الطبري : ٤ / ٢٩.

(٤) صحيح ابن خزيمة : ٤ / ١٢ بتفاوت.

(٥) كشف الخفاء : ١ / ٣٥٠.

(٦) كشف الخفاء : ١ / ٣٥٠.

(٧) سنن الدارمي : ٢ / ٢٩.

١٥٧

(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ) إلى (تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يصرفون عن دين الله (مَنْ آمَنَ).

وقرأ الحسن : تَصِدُّونَ ، بضم التاء وكسر الصاد وهما لغتان ، صدّ وأصدّ مثل صل اللحم وأصل ، وخمّ وأخم.

ودليل قراءة العامة قوله تعالى : (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى) (١) وقوله : (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢) ونظائرهما.

(تَبْغُونَها) تطلبونها (عِوَجاً) زيغا وميلا ، والكلام حال على الفعل ، مجازه : لم تصدون عن سبيل الله باغين لها عوجا.

قال أبو عبيدة : العوج بالكسر في الدين والقول والعمل ، والعوج بالفتح في الجدار والحائط وكل شخص قائم (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) الآن في التوراة مكتوب : إن دين الله الذي لا يقبل غيره هو الإسلام ، وإن فيه نعت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّ‌بَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ‌ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِ‌ينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّ‌سُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْ‌حَمُونَ (١٣٢) وَسَارِ‌عُوا إِلَىٰ مَغْفِرَ‌ةٍ مِّن رَّ‌بِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْ‌ضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْ‌ضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّ‌اءِ وَالضَّرَّ‌اءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُ‌وا اللهَ فَاسْتَغْفَرُ‌وا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ‌ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّ‌وا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَ‌ةٌ مِّن رَّ‌بِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِ‌ي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ‌ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ‌ الْعَامِلِينَ (١٣٦) قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُ‌وا فِي الْأَرْ‌ضِ فَانظُرُ‌وا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (١٣٨)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) قال زيد بن أسلم : مرّ شاس ابن قيس اليهودي. وكان شيخا قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الطعن في المسلمين شديد الحسد لهم. على نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة فقال : لقد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار ، فأمر شابا من اليهود كان معه قال : اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم

__________________

(١) سورة سبأ : ٣٢.

(٢) سورة الفتح : ٢٥.

١٥٨

يوم بعاث وما كان قيله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. وكان بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج. ففعل ، فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب ، أوس بن قبطي أحد بني حارثة من الأوس ، وحيان بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم رددتها الآن جذعة ، وغضب الفريقان جميعا وقالا : قد جعلنا السلاح موعدكم الظاهرة وهي حرة ، وخرجوا إليها وانضمت الأوس والخزرج بعضها على بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال : «يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألّف بينكم ، ترجعون إلى ما كنتم إليه كفارا الله الله» [١٣٠] فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيدهم من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سامعين مطيعين. فأنزل الله في شأن شاس بن قيس (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني الأوس والخزرج (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني شاسا وأصحابه (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ).

قال جابر بن عبد الله : ما كان من طالع أكره إلينا من رسول الله علينا فأومى إلينا بيده فكففنا وأصلح الله ما بيننا فما كان من شخص أحبّ إلينا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما رأيت قط يوما أقبح أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم ، ثم قال على وجه التعجب (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) يعني ولم تكفرون (وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) من القرآن (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال قتادة : في هذه الآية علمان بيّنان : نبي الله وكتاب الله ، فأمّا نبي الله فقد مضى وأمّا كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة منه ونعمة ، فيه حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته. (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) أي يمتنع بالله ويتمسك بدينه وطاعته (فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) طريق واضح.

وقال ابن جريج : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) أي يؤمن بالله ، وأصل العصم والعصمة المنع ، فكل مانع شيئا فهو عاصم.

قال الفرزدق :

أنا ابن العاصمين بني تميم

إذا ما أعظم الحدثان نابا (٢)

والممتنع معتصم. فقال : اعتصمت الشيء واعتصمت به وهو الأفصح.

__________________

(١) فتح القدير : ١ / ٣٦٨.

(٢) تفسير الطبري : ٤ / ٣٧ ، تفسير القرطبي : ٤ / ١٥٧.

١٥٩

قال الشاعر :

يظل من خوفه الملاح معتصما

بالخيزرانة بعد الأين والنجد (١)

وقال آخر :

إذا أنت جازيت الإخاء بمثله

وآسيتني ثم اعتصمت حباليا (٢)

وقال حميد بن ثور يصف رجلا حمل امرأة بذنبه :

وما كاد لما أن علته يقلها

بنهضته حتى أكلان واعتصما

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ).

قال مقاتل بن حيان : كان بين الأوس والخزرج في الجاهلية وصال حتى هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة فأصلح بينهم ، فافتخر بعد ذلك منهم رجلان : ثعلبة بن غنم من الأوس وأسعد بن زرارة من الخزرج ، فقال الأوسي : منّا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، ومنّا حنظلة غسيل الملائكة ، ومنّا عاصم بن ثابت بن أفلح حمي الدين ، ومنّا سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمة له ورضى الله بحكمه في بني قريظة ، وقال الخزرجي : منّا أربعة أحكموا القرآن : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ، ومنّا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم فجرى الكلام بينهما فغضبا ، فقال الخزرجي : أما والله لو تأخر الإسلام قليلا وقدوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقتلنا ساداتكم ، واستعبدنا آبائكم ونكحنا نسائكم بغير مهر.

فقال الأوسي : قد كان الإسلام متأخرا زمانا طويلا فهلّا فعلتم ذلك ، فقد ضربناكم حتى أدخلناكم الديار ، وأنشدا الأشعار وتفاخرا وتأذيا ، فجاء الأوس إلى الأوسي والخزرج إلى الخزرجي ومعهم سلاح ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فركب حمارا وأتاهم فأنزل الله تعالى هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) الآيات ، فقرأها عليهم فاصطلحوا.

وقال عطاء : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صعد المنبر وقال : «يا معشر المسلمين ما لي أوذى في أهلي». يعني الطعن في قصة الإفك ، وقال : «ما علمت على أهلي إلّا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت منه إلّا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلّا معي».

فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله وأكفيك أمره وأنصرك عليه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.

فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكنه احتملته الحمية فقال لسعد

__________________

(١) لسان العرب : ٣ / ٤١٨ والبيت للنابغة.

(٢) تفسير الطبري : ٤ / ٣٧.

١٦٠