الميزان في تفسير القرآن - ج ١٧

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الميزان في تفسير القرآن - ج ١٧

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٠٨

شديد عليهم يحرصون به على الأكل كيفما كان.

وقوله : « ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ » الشوب المزيج والخليط ، والحميم الماء الحار البالغ في حرارته ، والمعنى ثم إن لأولئك الظالمين ـ زيادة عليها ـ لخليطا مزيجا من ماء حار بالغ الحرارة يشربونه فيختلط به ما ملئوا منه البطون من الزقوم.

وقوله : « ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ » أي إنهم بعد شرب الحميم يرجعون إلى الجحيم فيستقرون فيها ويعذبون ، وفي الآية تلويح إلى أن الحميم خارج الجحيم.

وقوله : « إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ » ألفيت كذا أي وجدته وصادفته ، والإهراع الإسراع والمعنى أن سبب أكلهم وشربهم ثم رجوعهم إلى الجحيم أنهم صادفوا آباءهم ضالين ـ وهم مقلدون وأتباع لهم وهم أصلهم ومرجعهم ـ فهم يسرعون على آثارهم فجوزوا بنزل كذلك والرجوع إلى الجحيم جزاء وفاقا.

( بحث روائي )

في الدر المنثور ، أخرج ابن المنذر عن ابن جريح : في قوله تعالى : « بَلْ عَجِبْتَ » قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : عجبت بالقرآن حين أنزل ويسخر منه ضلال بني آدم.

وفي تفسير القمي في قوله تعالى : « احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا » قال : الذين ظلموا آل محمد عليه‌السلام حقهم « وَأَزْواجَهُمْ » قال : أشباههم.

أقول : صدر الرواية من الجري.

وفي المجمع في قوله تعالى : « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ » قيل : عن ولاية علي عليه‌السلام ـ عن أبي سعيد الخدري.

أقول : ورواه الشيخ في الأمالي ، بإسناده إلى أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي العيون ، عن علي وعن الرضا عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي تفسير القمي ، عن الإمام (ع).

وفي الخصال ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزول قدم

١٤١

عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وشبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت.

أقول : وروي في العلل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله.

وفي نهج البلاغة : اتقوا الله في عباده وبلاده ـ فإنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم.

وفي الدر المنثور ، أخرج البخاري في تأريخه والترمذي والدارمي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من داع دعا إلى شيء ـ إلا كان موقوفا يوم القيامة لازما به لا يفارقه ـ وإن دعا رجل رجلا ثم قرأ « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ».

وفي روضة الكافي ، بإسناده عن محمد بن إسحاق المدني عن أبي جعفر عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث : وأما قوله : « أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ » قال : يعلمه (١) الخدام ـ فيأتون به إلى أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه. أما قوله : « فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ » قال : فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به.

وفي تفسير القمي ، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام : « فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ » يقول : في وسط الجحيم.

وفيه في قوله تعالى : « أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ » : إلخ بإسناده عن أبيه عن علي بن مهزيار والحسن بن محبوب عن النضر بن سويد عن درست عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ـ جيء بالموت ويذبح كالكبش بين الجنة والنار ـ ثم يقال : خلود فلا موت أبدا فيقول أهل الجنة : « أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ـ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ـ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ».

أقول : وحديث ذبح الموت في صورة كبش يوم القيامة من المشهورات رواه الشيعة وأهل السنة ، وهو تمثل الخلود يومئذ.

وفي المجمع في قوله تعالى : « شَجَرَةُ الزَّقُّومِ » روي أن قريشا لما سمعت هذه

__________________

(١) يعني : خ.

١٤٢

الآية قالت : ما نعرف هذه الشجرة ـ قال ابن الزبعري : الزقوم بكلام البربر التمر والزبد ـ وفي رواية بلغة اليمن فقال أبو جهل لجاريته : يا جارية زقمينا فأتته الجارية بتمر وزبد ـ فقال لأصحابه : تزقموا بهذا الذي يخوفكم به محمد ـ فيزعم أن النار تنبت الشجر والنار تحرق الشجر ـ فأنزل الله سبحانه « إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ».

أقول : وهذا المعنى مروي بطرق عديدة.

* * *

( وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ـ ٧١. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ ـ ٧٢. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ـ ٧٣. إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ـ ٧٤. وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ـ ٧٥. وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ـ ٧٦. وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ ـ ٧٧. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ـ ٧٨. سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ـ ٧٩. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ـ ٨٠. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ـ ٨١. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ـ ٨٢. وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ـ ٨٣. إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ـ ٨٤. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ ـ ٨٥. أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ ـ ٨٦. فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ ـ ٨٧. فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ـ ٨٨. فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ ـ ٨٩. فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ـ ٩٠. فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ ـ ٩١.

١٤٣

ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ـ ٩٢. فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ـ ٩٣. فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ـ ٩٤. قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ـ ٩٥. وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ـ ٩٦. قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ـ ٩٧. فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ ـ ٩٨. وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ـ ٩٩. رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ـ ١٠٠. فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ـ ١٠١. فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ـ ١٠٢. فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ـ ١٠٣. وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ ـ ١٠٤. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ـ ١٠٥. إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ـ ١٠٦. وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ـ ١٠٧. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ـ ١٠٨. سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ ـ ١٠٩. كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ـ ١١٠. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ـ ١١١. وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ـ ١١٢. وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ـ ١١٣. )

١٤٤

( بيان )

تعقيب لغرض السياق السابق المتعرض لشركهم وتكذيبهم بآيات الله وتهديدهم بأليم العذاب يقول : إن أكثر الأولين ضلوا كضلالهم وكذبوا الرسل المنذرين كتكذيبهم ويستشهد بقصص نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس ولوط ويونس عليه‌السلام وما في الآيات المنقولة إشارة إلى قصة نوح وخلاصة قصص إبراهيم عليه‌السلام.

قوله تعالى : « وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ـ إلى قوله ـ الْمُخْلَصِينَ » كلام مسوق لإنذار مشركي هذه الأمة بتنظيرهم للأمم الهالكين من قبلهم فقد ضل أكثرهم كما ضل هؤلاء وأرسل إليهم رسل منذرون كما أرسل منذر إلى هؤلاء فكذبوا فكان عاقبة أمرهم الهلاك إلا المخلصين منهم.

واللام في « لَقَدْ ضَلَ » للقسم وكذا في « لَقَدْ أَرْسَلْنا » والمنذرين الأول بكسر الذال المعجمة وهم الرسل والثاني بفتح الذال المعجمة وهم الأمم الأولون ، و « إِلَّا عِبادَ اللهِ » إن كان المراد بهم من في الأمم من المخلصين كان استثناء متصلا وإن عم الأنبياء كان منقطعا إلا بتغليبه غير الأنبياء عليهم والمعنى ظاهر.

قوله تعالى : « وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ » اللامان للقسم وهو يدل على كمال العناية بنداء نوح وإجابته تعالى ، وقد مدح تعالى نفسه في إجابته فإن التقدير فلنعم المجيبون نحن ، وجمع المجيب لإفادة التعظيم وقد كان نداء نوح ـ على ما يفيده السياق ـ دعاءه على قومه واستغاثته بربه المنقولين في قوله تعالى : « وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً » نوح : ـ ٢٦ ، وفي قوله تعالى : « فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ » القمر : ـ ١٠.

قوله تعالى : « وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ » الكرب ـ على ما ذكره الراغب ـ الغم الشديد والمراد به الطوفان أو أذى قومه ، والمراد بأهله أهل بيته والمؤمنون به من قومه وقد قال تعالى في سورة هود : « قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ

١٤٥

اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ » هود : ـ ٤٠ والأهل كما يطلق على زوج الرجل وبنيه يطلق على كل من هو من خاصته.

قوله تعالى : « وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ » أي الباقين من الناس بعد قرنهم وقد بحثنا في هذا المعنى في قصة نوح من سورة هود.

قوله تعالى : « وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ » المراد بالترك الإبقاء وبالآخرين الأمم الغابرة غير الأولين ، وقد ذكرت هذه الجملة بعد ذكر إبراهيم عليه‌السلام أيضا في هذه السورة وقد بدلت في القصة بعينها من سورة الشعراء من قوله : « وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ » الشعراء : ـ ٨٤ واستفدنا منه هناك أن المراد بلسان صدق كذلك أن يبعث الله بعده من يقوم بدعوته ويدعو إلى ملته وهي دين التوحيد.

فيتأيد بذلك أن المراد بالإبقاء في الآخرين هو إحياؤه تعالى دعوة نوح عليه‌السلام إلى التوحيد ومجاهدته في سبيل الله عصرا بعد عصر وجيلا بعد جيل إلى يوم القيامة.

قوله تعالى : « سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ » المراد بالعالمين جميعها لكونه جمعا محلى باللام مفيدا للعموم ، والظاهر أن المراد به عالمو البشر وأممهم وجماعاتهم إلى يوم القيامة فإنه تحية من عند الله مباركة طيبة تهدى إليه من قبل الأمم الإنسانية ما جرى فيها شيء من الخيرات اعتقادا أو عملا فإنه عليه‌السلام أول من انتهض لدعوة التوحيد ودحض الشرك وما يتبعه من العمل وقاسى في ذلك أشد المحنة فيما يقرب من ألف سنة لا يشاركه في ذلك أحد فله نصيب من كل خير واقع بينهم إلى يوم القيامة ، ولا يوجد في كلامه تعالى سلام على هذه السعة على أحد ممن دونه.

وقيل : المراد بالعالمين عوالم الملائكة والثقلين من الجن والإنس.

قوله تعالى : « إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ » تعليل لما امتن عليه من الكرامة كإجابة ندائه وتنجيته وأهله من الكرب العظيم وإبقاء ذريته وتركه عليه في الآخرين والسلام عليه في العالمين ، وتشبيه جزائه بجزاء عموم المحسنين من حيث أصل الجزاء الحسن لا في خصوصياته فلا يوجب ذلك اشتراك الجميع فيما اختص به عليه‌السلام وهو ظاهر.

١٤٦

قوله تعالى : « إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ » تعليل لإحسانه المدلول عليه بالجملة السابقة وذلك لأنه عليه‌السلام لكونه عبدا لله بحقيقة معنى الكلمة كان لا يريد ولا يفعل إلا ما يريده الله ، ولكونه من المؤمنين حقا كان لا يرى من الاعتقاد إلا الحق وسرى ذلك إلى جميع أركان وجوده ومن كان كذلك لا يصدر منه إلا الحسن الجميل فكان من المحسنين.

قوله تعالى : « ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ » ثم للتراخي الكلامي دون الزماني والمراد بالآخرين قومه المشركون.

قوله تعالى : « وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ » الشيعة هم القوم المشايعون لغيرهم الذاهبون على أثرهم وبالجملة كل من وافق غيره في طريقته فهو من شيعته تقدم أو تأخر قال تعالى : « وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ » سبأ : ـ ٥٤.

وظاهر السياق أن ضمير « شِيعَتِهِ » لنوح أي إن إبراهيم كان ممن يوافقه في دينه وهو دين التوحيد ، وقيل : الضمير لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا دليل عليه من جهة اللفظ.

قيل : ومن حسن الإرداف في نظم الآيات تعقيب قصة نوح عليه‌السلام وهو آدم الثاني أبو البشر بقصة إبراهيم عليه‌السلام وهو أبو الأنبياء إليه تنتهي أنساب جل الأنبياء بعده وعلى دينه تعتمد أديان التوحيد الحية اليوم كدين موسى وعيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأيضا نوح عليه‌السلام نجاه الله من الغرق وإبراهيم عليه‌السلام نجاه الله من الحرق.

قوله تعالى : « إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » مجيئه ربه كناية عن تصديقه له وإيمانه به ، ويؤيد ذلك أن المراد بسلامة القلب عروه عن كل ما يضر التصديق والإيمان بالله سبحانه من الشرك الجلي والخفي ومساوئ الأخلاق وآثار المعاصي وأي تعلق بغيره ينجذب إليه الإنسان ويختل به صفاء توجهه إليه سبحانه.

وبذلك يظهر أن المراد بالقلب السليم ما لا تعلق له بغيره تعالى كما في الحديث وسيجيء إن شاء الله في البحث الروائي الآتي.

وقيل : المراد به السالم من الشرك ، ويمكن أن يوجه بما يرجع إلى الأول وقيل : المراد به القلب الحزين ، وهو كما ترى.

والظرف في الآية متعلق بقوله سابقا « مِنْ شِيعَتِهِ » والظروف يغتفر فيها ما لا

١٤٧

يغتفر في غيرها ، وقيل متعلق باذكر المقدر.

قوله تعالى : « إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ » أي أي شيء تعبدون؟ وإنما سألهم عن معبودهم وهو يرى أنهم يعبدون الأصنام تعجبا واستغرابا.

قوله تعالى : « أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ » أي تقصدون آلهة دون الله إفكا وافتراء ، إنما قدم الإفك والآلهة لتعلق عنايته بذلك.

قوله تعالى : « فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ » لا شك أن ظاهر الآيتين أن إخباره عليه‌السلام بأنه سقيم مرتبط بنظرته في النجوم ومبني عليه ونظرته في النجوم إما لتشخيص الساعة وخصوص الوقت كمن به حمى ذات نوبة يعين وقتها بطلوع كوكب أو غروبها أو وضع خاص من النجوم وإما للوقوف على الحوادث المستقبلة التي كان المنجمون يرون أن الأوضاع الفلكية تدل عليها ، وقد كان الصابئون مبالغين فيها وكان في عهده عليه‌السلام منهم جم غفير.

فعلى الوجه الأول لما أراد أهل المدينة أن يخرجوا كافة إلى عيد لهم نظر إلى النجوم وأخبرهم أنه سقيم ستعتريه العلة فلا يقدر على الخروج معهم.

وعلى الوجه الثاني نظر عليه‌السلام حينذاك إلى النجوم نظرة المنجمين فأخبرهم أنها تدل على أنه سيسقم فليس في وسعه الخروج معهم.

وأول الوجهين أنسب لحاله عليه‌السلام وهو في إخلاص التوحيد بحيث لا يرى لغيره تعالى تأثيرا ، ولا دليل لنا قويا يدل على أنه عليه‌السلام لم يكن به في تلك الأيام سقم أصلا ، وقد أخبر القرآن بإخباره بأنه سقيم وذكر سبحانه قبيل ذلك أنه جاء ربه بقلب سليم فلا يجوز عليه كذب ولا لغو من القول.

ولهم في الآيتين وجوه أخر أوجهها أن نظرته في النجوم وإخباره بالسقم من المعاريض في الكلام والمعاريض أن يقول الرجل شيئا يقصد به غيره ويفهم منه غير ما يقصده فلعله نظر عليه‌السلام في النجوم نظر الموحد في صنعه تعالى يستدل به عليه تعالى وعلى وحدانيته وهم يحسبون أنه ينظر إليها نظر المنجم فيها ليستدل بها على الحوادث ثم قال : إني سقيم يريد أنه سيعتريه سقم فإن الإنسان لا يخلو في حياته من سقم ما ومرض ما

١٤٨

كما قال : « وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ » الشعراء : ـ ٨٠ وهم يحسبون أنه يخبر عن سقمه يوم يخرجون فيه لعيد لهم ، والمرجح عنده لجميع ذلك ما كان يهتم به من الرواغ إلى أصنامهم وكسرها.

لكن هذا الوجه مبني على أنه كان صحيحا غير سقيم يومئذ ، وقد سمعت أن لا دليل يدل عليه.

على أن المعاريض غير جائزة على الأنبياء لارتفاع الوثوق بذلك عن قولهم.

قوله تعالى : « فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ » ضمير الجمع للقوم وضمير الإفراد لإبراهيم عليه‌السلام أي خرجوا من المدينة وخلفوه.

قوله تعالى : « فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ » الروغ والرواغ والروغان الحياد والميل ، وقيل أصله الميل في جانب ليخدع من يريده.

وفي قوله : « أَلا تَأْكُلُونَ »؟ تأييد لما ذكروا أن المشركين كانوا يضعون أيام أعيادهم طعاما عند آلهتهم.

وقوله : « أَلا تَأْكُلُونَ؟ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ »؟ تكليم منه لآلهتهم وهي جماد وهو يعلم أنها جماد لا تأكل ولا تنطق لكن الوجد وشدة الغيظ حمله على أن يمثل موقفها موقف العقلاء ثم يؤاخذها مؤاخذة العقلاء كما يفعل بالمجرمين.

فنظر إليها وهي ذوات أبدان كهيئة من يتغذى ويأكل وعندها شيء من الطعام فامتلأ غيظا وجاش وجدا فقال : ( أَلا تَأْكُلُونَ )؟ فلم يسمع منها جوابا فقال : « ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ »؟ وأنتم آلهة يزعم عبادكم أنكم عقلاء قادرون مدبرون لأمورهم فلما لم يسمع لها حسا راغ عليها ضربا باليمين.

قوله تعالى : « فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ » أي تفرع على ذاك الخطاب أن مال على آلهتهم يضربهم ضربا باليد اليمنى أو بقوة بناء على كون المراد باليمين القوة.

وقول بعضهم : إن المراد باليمين القسم والمعنى مال عليهم ضربا بسبب القسم الذي سبق منه وهو قوله : « تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ » الأنبياء : ـ ٥٧ بعيد.

قوله تعالى : « فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ » الزف والزفيف الإسراع في المشي أي فجاءوا

١٤٩

إلى إبراهيم والحال أنهم يسرعون اهتماما بالحادثة التي يظنون أنه الذي أحدثها.

وفي الكلام إيجاز وحذف من خبر رجوعهم إلى المدينة ووقوفهم على ما فعل بالأصنام وتحقيقهم الأمر وظنهم به عليه‌السلام مذكور في سورة الأنبياء.

قوله تعالى : « قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ » فيه إيجاز وحذف من حديث القبض عليه والإتيان به على أعين الناس ومسألته وغيرها.

والاستفهام للتوبيخ وفيه مع ذلك احتجاج على بطلان طريقتهم فهو يقول : لا يصلح ما نحته الإنسان بيده أن يكون ربا للإنسان معبودا له والله سبحانه خلق الإنسان وما يعمله والخلق لا ينفك عن التدبير فهو رب الإنسان ومن السفه أن يترك هذا ويعبد ذاك.

وقد بان بذلك أن الأظهر كون ما في قوله : « ما تَنْحِتُونَ » موصولة والتقدير ما تنحتونه ، وكذا في قوله : « وَما تَعْمَلُونَ » وجوز بعضهم كون « ما » فيها مصدرية وهو في أولهما بعيد جدا.

ولا ضير في نسبة الخلق إلى ما عمله الإنسان أو إلى عمله لأن ما يريده الإنسان ويعمله من طريق اختياره مراد الله سبحانه من طريق إرادة الإنسان واختياره ولا يوجب هذا النوع من تعلق الإرادة بالفعل بطلان تأثير إرادة الإنسان وخروج الفعل عن الاختيار وصيرورته مجبرا عليه ، وهو ظاهر.

ولو كان المراد نسبة خلق أعمالهم إلى الله سبحانه بلا واسطة لا من طريق إرادتهم بل بتعلق إرادته بنفس عملهم وأفاد الجبر لكان القول أقرب إلى أن يكون عذرا لهم من أن يكون توبيخا وتقبيحا ، وكانت الحجة لهم لا عليهم.

قوله تعالى : « قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ » البنيان مصدر بنى يبني والمراد به المبني ، والجحيم النار في شدة تأججها.

قوله تعالى : « فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ » الكيد الحيلة والمراد احتيالهم إلى إهلاكه وإحراقه بالنار.

وقوله : « فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ » كناية عن جعل إبراهيم فوقهم لا يؤثر فيه كيدهم

١٥٠

شيئا إذ قال سبحانه : « يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » الأنبياء : ـ ٦٩.

وقد اختتم بهذا فصل من قصص إبراهيم عليه‌السلام وهو انتهاضه أولا على عبادة الأوثان واختصامه لعبادها وانتهاء أمره إلى إلقائه النار وإبطاله تعالى كيدهم.

قوله تعالى : « وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ » فصل آخر من قصصه عليه‌السلام يذكر عزمه على المهاجرة من بين قومه واستيهابه من الله ولدا صالحا وإجابته إلى ذلك وقصة ذبحه ونزول الفداء.

فقوله : « وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي » إلخ كالإنجاز لما وعدهم به مخاطبا لآزر : « وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا » مريم : ـ ٤٨ ومنه يعلم أن مراده بالذهاب إلى ربه الذهاب إلى مكان يتجرد فيه لعبادته تعالى ودعائه وهو الأرض المقدسة.

وقول بعضهم : إن المراد أذهب إلى حيث أمرني ربي لا شاهد عليه.

وكذا قول بعضهم : إن المراد أني ذاهب إلى لقاء ربي حيث يلقونني في النار فأموت وألقى ربي سيهديني إلى الجنة.

وفيه ـ كما قيل ـ إن ذيل الآية لا يناسبه وهو قوله : « رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ » وكذا قوله بعده : « فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ».

قوله تعالى : « رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ » حكاية دعاء إبراهيم عليه‌السلام ومسألته الولد أي قال : ( رَبِّ هَبْ لِي ) « إلخ » وقد قيده بكونه من الصالحين.

قوله تعالى : « فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ » أي فبشرناه أنا سنرزقه غلاما حليما وفيه إشارة إلى أنه يكون ذكرا ويبلغ حد الغلمان ، وأخذ الغلومة في وصفه مع أنه بلغ مبلغ الرجال للإشارة إلى حاله التي يظهر فيها صفة كماله وصفاء ذاته وهو حلمه الذي مكنه من الصبر في ذات الله إذ قال : « يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ».

ولم يوصف في القرآن من الأنبياء بالحلم إلا هذا النبي الكريم في هذه الآية وأبوه في قوله تعالى : « إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ » هود : ـ ٧٥.

١٥١

قوله تعالى : « فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى » إلخ الفاء في أول الآية فصيحة تدل على محذوف والتقدير فلما ولد له ونشأ وبلغ معه السعي ، والمراد ببلوغ السعي بلوغه من العمر مبلغا يسعى فيه لحوائج الحياة عادة وهو سن الرهاق ، والمعنى فلما راهق الغلام قال له يا بني « إلخ ».

وقوله : « قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ » هي رؤيا إبراهيم ذبح ابنه ، وقوله : « إِنِّي أَرى » يدل على تكرر هذه الرؤيا له كما في قوله : « وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى » الخ : يوسف : ـ ٣٣.

وقوله : « فَانْظُرْ ما ذا تَرى » هو من الرأي بمعنى الاعتقاد أي فتفكر فيما قلت وعين ما هو رأيك فيه ، وهذه الجملة دليل على أن إبراهيم عليه‌السلام فهم من منامه أنه أمر له بالذبح مثل له في مثال نتيجة الأمر ولذا طلب من ابنه الرأي فيه وهو يختبره بما ذا يجيبه؟.

وقوله : « قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ » جواب ابنه ، وقوله : « يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ » إظهار رضا بالذبح في صورة الأمر وقد قال : افعل ما تؤمر ولم يقل اذبحني إشارة إلى أن أباه مأمور بأمر ليس له إلا ائتماره وطاعته.

وقوله : « سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ » تطييب منه لنفس أبيه أنه لا يجزع منه ولا يأتي بما يهيج وجد الوالد عن ولده المزمل بدمائه ، وقد زاد في كلامه صفاء على صفاء إذ قيد وعده بالصبر بقوله : « إِنْ شاءَ اللهُ » فأشار إلى أن اتصافه بهذه الصفة الكريمة أعني الصبر ليس له من نفسه ولا أن زمامه بيده بل هو من مواهب الله ومننه إن يشأ تلبس به وله أن لا يشاء فينزعه منه.

قوله تعالى : « فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ » الإسلام الرضا والاستسلام : والتل الصرع والجبين أحد جانبي الجبهة واللام في « لِلْجَبِينِ » لبيان ما وقع عليه الصراع كقوله : « يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً » الإسراء : ـ ١٠٧ ، والمعنى فلما استسلما إبراهيم وابنه لأمر الله ورضيا به وصرعة إبراهيم على جبينه.

وجواب لما محذوف إيماء إلى شدة المصيبة ومرارة الواقعة.

قوله تعالى : « وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا » معطوف على جواب

١٥٢

لما المحذوف ، وقوله : « قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا » أي أوردتها مورد الصدق وجعلتها صادقة وامتثلت الأمر الذي أمرناك فيها أي إن الأمر فيها كان امتحانيا يكفي في امتثاله تهيؤ المأمور للفعل وإشرافه عليه فحسب.

قوله تعالى : « إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ » الإشارة بكذلك إلى قصة الذبح بما أنها محنة شاقة وابتلاء شديد والإشارة بهذا إليها أيضا وهو تعليل لشدة الأمر.

والمعنى : إنا على هذه الوتيرة نجزي المحسنين فنمتحنهم امتحانات شاقة صورة هينة معنى فإذا أتموا الابتلاء جزيناهم أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة ، وذلك لأن الذي ابتلينا به إبراهيم لهو البلاء المبين.

قوله تعالى : « وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ » أي وفدينا ابنه بذبح عظيم وكان كبشا أتى به جبرئيل من عند الله سبحانه فداء على ما في الأخبار ، والمراد بعظمة الذبح عظمة شأنه بكونه من عند الله سبحانه وهو الذي فدى به الذبيح.

قوله تعالى : « وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ » تقدم الكلام فيه.

قوله تعالى : « سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ » تحية منه تعالى عليه ، وفي تنكير سلام تفخيم له.

قوله تعالى : « كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ » تقدم تفسير الآيتين.

قوله تعالى : « وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ » الضمير لإبراهيم عليه‌السلام.

واعلم أن هذه الآية المتضمنة للبشرى بإسحاق بوقوعها بعد البشرى السابقة بقوله : « فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ » المتعقبة بقوله : « فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ » إلى آخر القصة ظاهرة كالصريحة أو هي صريحة في أن الذبيح غير إسحاق وهو إسماعيل عليه‌السلام وقد فصلنا القول في ذلك في قصص إبراهيم عليه‌السلام من سورة الأنعام.

قوله تعالى : « وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ

١٥٣

مُبِينٌ » المباركة على شيء جعل الخير والنماء والثبات فيه أي وجعلنا فيما أعطينا إبراهيم وإسحاق الخير الثابت والنماء.

ويمكن أن يكون قوله : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما » إلخ قرينة على أن المراد بقوله : « بارَكْنا » إعطاء البركة والكثرة في أولاده وأولاد إسحاق ، والباقي ظاهر.

( بحث روائي )

في تفسير القمي في قوله تعالى : « بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » قال : القلب السليم الذي يلقى الله عز وجل ـ وليس فيه أحد سواه.

وفيه ، قال: القلب السليم من الشك.

وفي روضة الكافي ، بإسناده عن حجر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أبو جعفر عليه‌السلام : عاب آلهتهم فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم. قال أبو جعفر عليه‌السلام : والله ما كان سقيما وما كذب.

أقول : وفي معناه روايات أخر وفي بعضها : ما كان إبراهيم سقيما وما كذب ـ إنما عنى سقيما في دينه مرتادا.

وقد تقدم الروايات في قصة حجاج إبراهيم عليه‌السلام قومه وكسره الأصنام وإلقائه في النار في تفسير سور الأنعام ومريم والأنبياء والشعراء.

وفي التوحيد ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث : وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات قال : وقد أعلمتك أن رب شيء من كتاب الله عز وجل ـ تأويله غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر ـ وسأنبئك بطرف منه فتكتفي إن شاء الله ـ.

من ذلك قول إبراهيم عليه‌السلام : « إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ » فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة ـ واجتهادا وقربة إلى الله عز وجل ـ ألا ترى أن تأويله غير تنزيله؟.

وفيه ، بإسناده عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : يا فتح إن لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ينهى وهو يشاء ذلك ويأمر وهو

١٥٤

لا يشاء ـ أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته ـ عن أن يأكلا من الشجرة وهو يشاء ذلك؟ ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا لغلبت شهوتهما مشيئة الله تعالى ، وأمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليه‌السلام وشاء أن لا يذبحه ـ ولو لم يشأ أن لا يذبحه ـ لغلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله عز وجل. قلت : فرجت عني فرج الله عنك.

وعن أمالي الشيخ ، بإسناده إلى سليمان بن يزيد قال : حدثنا علي بن موسى قال : حدثني أبي عن أبيه عن أبي جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : الذبيح إسماعيل عليه‌السلام : أقول : وروي مثله في المجمع ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) ، وبهذا المضمون روايات كثيرة أخرى عن أئمة أهل البيت عليه‌السلام ، وقد وقع في بعض رواياتهم أنه إسحاق وهو مطروح لمخالفة الكتاب.

وعن الفقيه سئل الصادق عليه‌السلام عن الذبيح من كان؟ فقال إسماعيل لأن الله تعالى ذكر قصته في كتابه ـ ثم قال : « وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ».

أقول : هذا ما تقدم في بيان الآية أن الآية بسياقها ظاهرة بل صريحة في ذلك.

وفي المجمع ، عن ابن إسحاق: أن إبراهيم كان إذا زار إسماعيل وهاجر ـ حمل على البراق فيغدو من الشام ـ فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام ـ حتى إذا بلغ معه السعي رأى في المنام أن (١) يذبحه ـ فقال له : يا بني خذ الحبل والمدية (٢) ثم انطلق بنا إلى هذا الشعب لنحتطب.

فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير ـ أخبره بما قد ذكره الله عنه فقال : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ـ واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح من دمي شيئا ـ فتراه أمي واشحذ شفرتك ـ وأسرع مر السكين على حلقي ـ ليكون أهون علي فإن الموت شديد ـ فقال له إبراهيم : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ـ.

ثم ساق القصة وفيها ثم انحنى إليه بالمدية ـ وقلب جبرئيل المدية على قفاها ـ واجتر

__________________

(١) أنه ظ

(٢) المدية : السكين.

١٥٥

الكبش من قبل ثبير واجتر الغلام من تحته ـ ووضع الكبش مكان الغلام ، ونودي من ميسرة مسجد الخيف : يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.

أقول : والروايات في القصة كثيرة ولا تخلو من اختلاف.

وفيه : روى العياشي بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كم كان بين بشارة إبراهيم بإسماعيل ـ وبين بشارته بإسحاق عليه‌السلام؟ قال : كان بين البشارتين خمس سنين ـ قال الله سبحانه ( فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ) يعني إسماعيل ـ وهي أول بشارة بشر الله به إبراهيم عليه‌السلام في الولد.

* * *

( وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ ـ ١١٤. وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ـ ١١٥. وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ ـ ١١٦. وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ ـ ١١٧. وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ـ ١١٨. وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ ـ ١١٩. سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ـ ١٢٠. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ـ ١٢١. إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ـ ١٢٢. وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ـ ١٢٣. إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ ـ ١٢٤. أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ ـ ١٢٥. اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ـ ١٢٦. فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ـ ١٢٧. إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ـ ١٢٨. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ـ ١٢٩. سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ـ ١٣٠. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ـ ١٣١. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ـ ١٣٢. )

١٥٦

( بيان )

ملخص قصة موسى وهارون وإشارة إلى قصة إلياس عليه‌السلام. وبيان ما أنعم الله عليهم وعذاب مكذبيهم وجانب الرحمة يربو فيها على جانب العذاب والتبشير يزيد على الإنذار.

قوله تعالى : « وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ » المن الإنعام ومن المحتمل أن يكون المراد به ما سيعده مما أنعم عليهما وعلى قومهما من التنجية والنصر وإيتاء الكتاب والهداية وغيرها فيكون قوله : « وَنَجَّيْناهُما » إلخ من عطف التفسير.

قوله تعالى : « وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ » وهو الغم الشديد من استضعاف فرعون لهم يسومهم سوء العذاب ويذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم.

قوله تعالى : « وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ » وهو الذي أدى إلى خروجهم من مصر وجوازهم البحر وهلاك فرعون وجنوده.

وبذلك يندفع ما توهم أن مقتضى الظاهر أن يذكر النصر قبل التنجية لتوقفها عليه ، وذلك أن النصر إنما يكون فيما إذا كان للمنصور قوة ما لكنها لا تكفي لدفع الشر فتتم بالنصر وكان لبني إسرائيل عند الخروج من مصر بعض القوة فناسب إطلاق النصر على إعانتهم على ذلك بخلاف أصل تخليصهم من يد فرعون فإنهم كانوا أسراء مستعبدين لا قوة لهم فلا يناسب هذا الاعتبار إلا ذكر التنجية دون النصر.

قوله تعالى : « وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ » أي يستبين المجهولات الخفية فيبينها وهي التي يحتاج إليها الناس في دنياهم وآخرتهم.

قوله تعالى : « وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » المراد بها الهداية بتمام معنى الكلمة ، ولذا خصها بهما ولم يشرك فيها معهما قومهما ، ولقد تقدم كلام في معنى الهداية إلى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة.

قوله تعالى : « وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ إلى قوله ـ الْمُؤْمِنِينَ » تقدم تفسيرها.

قوله تعالى : « وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ » قيل : إنه عليه‌السلام من آل هارون كان

١٥٧

مبعوثا إلى بعلبك (١) ولم يذكر في كلامه ما يستشهد به عليه.

قوله تعالى : « إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ ـ إلى قوله ـ الْأَوَّلِينَ » شطر من دعوته عليه‌السلام يدعو قومه فيها إلى التوحيد ويوبخهم على عبادة بعل ـ صنم كان لهم ـ وترك عبادة الله سبحانه.

وكلامه عليه‌السلام على ما فيه من التوبيخ واللوم يتضمن حجة تامة على توحيده تعالى فإن قوله : « وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ » يوبخهم أولا على ترك عبادة أحسن الخالقين ، والخلق والإيجاد كما يتعلق بذوات الأشياء يتعلق بالنظام الجاري فيها الذي يسمى تدبيرا فكما أن الخلق إليه تعالى فالتدبير أيضا إليه فهو المدبر كما أنه الخالق ، وأشار إلى ذلك بقوله : « اللهَ رَبَّكُمْ » بعد وصفه تعالى بأحسن الخالقين.

ثم أشار إلى أن ربوبيته تعالى لا تختص بقوم دون قوم كالأصنام التي يتخذ كل قوم بعضا منها دون بعض فيكون صنم ربا لقوم دون آخرين بل هو تعالى رب لهم ولآبائهم الأولين لا يختص ببعض دون بعض لعموم خلقه وتدبيره ، وإليه أشار بقوله : « اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ».

قوله تعالى : « فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ » أي مبعوثون ليحضروا العذاب ، وقد تقدم أن الإحضار إذا أطلق أفاد معنى الشر.

قوله تعالى : « إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ » دليل على أنه كان في قومه جمع منهم.

قوله تعالى : « وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ إلى قوله ـ الْمُؤْمِنِينَ » تقدم الكلام في نظائرها.

ـ ( بحث روائي ) ـ

في تفسير القمي في قوله تعالى : « أَتَدْعُونَ بَعْلاً » قال كان لهم صنم يسمونه بعلا.

وفي المعاني ، بإسناده إلى قادح عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي

__________________

(١) ولعلهم أخذوه من بعل فقد قيل : أن بعلبك سمي به لأن بعلا كان منصوبا في معبد فيه.

١٥٨

(ع): في قول الله عز وجل : « سلام على آل يس » قال : يس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن آل يس.

أقول : وعن العيون ، عن الرضا عليه‌السلام مثله ، وهو مبني على قراءة آل يس كما قرأه نافع وابن عامر ويعقوب وزيد.

( كلام في قصة إلياس (ع) )

١ ـ قصته في القرآن : لم يذكر اسمه عليه‌السلام في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع وفي سورة الأنعام عند ذكر هداية الأنبياء حيث قال : « وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ » الأنعام : ـ ٨٥.

ولم يذكر تعالى من قصته في هذه السورة إلا أنه كان يدعو إلى عبادة الله سبحانه قوما كانوا يعبدون بعلا فآمن به وأخلص الإيمان قوم منهم وكذبه آخرون وهم جل القوم وإنهم لمحضرون.

وقد أثنى الله سبحانه عليه في سورة الأنعام بما أثنى به على الأنبياء عامة وأثنى عليه في هذه السورة بأنه من عباده المؤمنين المحسنين وحياة بالسلام بناء على القراءة المشهورة « سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ».

٢ ـ الأحاديث فيه : ورد فيه عليه‌السلام أخبار مختلفة متهافتة كغالب الأخبار الواردة في قصص الأنبياء ، الحاكية للعجائب كالذي روي عن ابن مسعود: أن إلياس هو إدريس وما عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن الخضر هو إلياس ، وما عن وهب وكعب الأحبار وغيرهما: أن إلياس حي لا يموت إلى النفخة الأولى ، وما عن وهب: أن إلياس سأل الله أن يريحه من قومه ـ فأرسل الله إليه دابة كهيئة الفرس في لون النار ـ فوثب إليه فانطلق به فكساه الله الريش والنور ـ وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فصار في الملائكة ، وما عن كعب الأحبار: أن إلياس صاحب الجبال والبر ـ وأنه الذي سماه الله بذي النون ، وما عن الحسن: أن إلياس موكل بالفيافي والخضر موكل بالجبال ، وما عن أنس: أن

١٥٩

إلياس لاقى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض أسفاره ـ فقعدا يتحدثان ثم نزل عليهما مائدة من السماء ـ فأكلا وأطعماني ثم ودعه وودعني ـ ثم رأيته مر على السحاب نحو السماء إلى غير ذلك (١) وفي بعض أخبار الشيعة أنه عليه‌السلام حي مخلد (٢) لكنها ضعاف وظاهر آيات القصة لا يساعد عليه.

وفي البحار ، في قصة إلياس عليه‌السلام عن قصص الأنبياء ، بالإسناد عن الصدوق بإسناده إلى وهب بن منبه ، ورواه الثعلبي في العرائس ، عن ابن إسحاق وعلماء الأخبار أبسط منه ـ والحديث طويل جدا ، وملخصه: أنه بعد انشعاب ملك بني إسرائيل وتقسمه بينهم ـ سار سبط منهم إلى بعلبك ـ وكان لهم ملك منهم يعبد صنما اسمه بعل ـ ويحمل الناس على عبادته.

وكانت له مرأة فاجرة ـ قد تزوجت قبله بسبعة من الملوك ـ وولدت تسعين ولدا سوى أبناء الأبناء ، وكان الملك يستخلفها إذ غاب ـ فتقضي بين الناس ، وكان له كاتب مؤمن حكيم ـ قد خلص من يدها ثلاثمائة مؤمن تريد قتلهم ، وكان في جوار قصر الملك رجل مؤمن له بستان ـ وكان الملك يحترم جواره ويكرمه ـ.

ففي بعض ما غاب الملك ـ قتلت المرأة الجار المؤمن وغصبت بستانه ـ فلما رجع وعلم به عاتبها ـ فاعتذرت إليه وأرضته فآلى الله تعالى على نفسه ـ أن ينتقم منهما إن لم يتوبا فأرسل إليهم إلياس عليه‌السلام ـ يدعوهم إلى عبادة الله وأخبرهما بما آلى الله ـ فاشتد غضبهم عليه وهموا بتعذيبه وقتله ـ فهرب منهم إلى أصعب جبل هناك ـ فلبث فيه سبع سنين ـ يعيش بنبات الأرض وثمار الشجر ـ.

فأمرض الله ابنا للملك يحبه حبا شديدا ـ فاستشفع ببعل فلم ينفعه فقيل له : إنه غضبان عليك إن لم تقتل إلياس ـ فأرسل إليه فئة من قومه ليخدعوه ـ ويقبضوا عليه فأرسل الله إليهم نارا ـ فأحرقتهم ثم أرسل إليه فئة أخرى ـ من ذوي البأس مع كاتبه

__________________

(١) رواه في الدر المنثور في تفسير آيات القصة.

(٢) رواه في البحار عن قصص الأنبياء.

١٦٠