الميزان في تفسير القرآن - ج ١٣

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الميزان في تفسير القرآن - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٠٨

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سورة الإسراء مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)

( بيان )

السورة تتعرض لأمر توحيده تعالى عن الشريك مطلقا ومع ذلك يغلب فيها جانب التسبيح على جانب التحميد كما بدأت به فقيل : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ » الآية ، وكرر ذلك فيها مرة بعد مرة كقوله : « سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ » وقوله : « قُلْ سُبْحانَ رَبِّي » الآية ـ ٩٣ ، وقوله : « وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا » الآية ـ ١٠٨ حتى أن الآية الخاتمة للسورة : « وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً » تحمد الله على تنزهه عن الشريك والولي واتخاذ الولد.

والسورة مكية لشهادة مضامين آياتها بذلك وعن بعضهم كما في روح المعاني ، استثناء آيتين منها وهما قوله : « وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ » الآية وقوله : « وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ » الآية وعن بعضهم إلا أربع آيات وهي الآيتان المذكورتان وقوله : « وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ » الآية وقوله : « وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ » الآية.

٥

وعن الحسن أنها مكية إلا خمس آيات منها وهي قوله : « وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ » الآية « وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى » الآية « أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ » « أَقِمِ الصَّلاةَ » « وَآتِ ذَا الْقُرْبى » الآية.

وعن مقاتل مكية إلا خمس : « وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ » الآية « وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ » الآية « وَإِذْ قُلْنا لَكَ » الآية « وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي » الآية « إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ » الآية.

وعن قتادة والمعدل عن ابن عباس مكية إلا ثماني آيات وهي قوله : « وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ » الآية إلى قوله : « وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ » الآية.

ولا دلالة في مضامين الآيات على كونها مدنية ولا الأحكام المذكورة فيها مما يختص نزولا بالمدينة وقد نزلت نظائرها في السور المكية كالأنعام والأعراف.

وقد افتتحت السورة فيما ترومه من التسبيح بالإشارة إلى معراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكر إسراءه صلى‌الله‌عليه‌وآله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس والهيكل الذي بناه داود وسليمان عليه‌السلام وقدسه الله لبني إسرائيل.

ثم سبق الكلام بالمناسبة إلى ما قدره الله لمجتمع بني إسرائيل من الرقي والانحطاط والعزة والذلة فكلما أطاعوا رفعهم الله وكلما عصوا خفضهم الله وقد أنزل عليهم الكتاب وأمرهم بالتوحيد ونفي الشريك.

ثم عطف فيها الكلام على حال هذه الأمة وما أنزل عليهم من الكتاب بما يشاكل حال بني إسرائيل وأنهم إن أطاعوا أثيبوا وإن عصوا عوقبوا فإنما هي الأعمال يعامل الإنسان بما عمل منها وعلى ذلك جرت السنة الإلهية في الأمم الماضين.

ثم ذكرت فيها حقائق جمة من المعارف الراجعة إلى المبدإ والمعاد والشرائع العامة من الأوامر والنواهي وغير ذلك.

ومن غرر الآيات فيها قوله تعالى « قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى » الآية ـ ١١٠ « من السورة ، وقوله : « كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً » الآية ـ ٢٠ منها ، وقوله : « وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها » الآية ـ ٥٨ منها وغير ذلك.

٦

قوله تعالى : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً » إلى آخر الآية سبحان اسم مصدر للتسبيح بمعنى التنزيه ويستعمل مضافا وهو مفعول مطلق قائم مقام فعله فتقدير « سبحان الله » سبحت الله تسبيحا أي نزهته عن كل ما لا يليق بساحة قدسه وكثيرا ما يستعمل للتعجب لكن سياق الآيات إنما يلائم التنزيه لكونه الغرض من البيان وإن أصر بعضهم على كونه للتعجب.

والإسراء والسري السير بالليل يقال سرى وأسرى أي سار ليلا وسرى وأسرى به أي سار به ليلا والسير يختص بالنهار أو يعمه والليل.

وقوله « لَيْلاً » مفعول فيه ويفيد من الفائدة أن هذا الإسراء تم له بالليل فكان الرواح والمجيء في ليلة واحدة قبل أن يطلع فجرها.

وقوله : « إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى » هو بيت المقدس بقرينة قوله : « الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ». والقصا البعد وقد سمي المسجد الأقصى لكونه أبعد مسجد بالنسبة إلى مكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن معه من المخاطبين وهو مكة التي فيها المسجد الحرام.

وقوله : « لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا » بيان غاية الإسراء وهي إراءة بعض الآيات الإلهية ـ لمكان من ـ وفي السياق دلالة على عظمة هذه الآيات التي أراها الله سبحانه كما صرح به في موضع آخر من كلامه يذكر فيه حديث المعراج بقوله « لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى » النجم ـ ١٨.

وقوله : « إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » تعليل لإسرائه به لإراءة آياته أي أنه سميع لأقوال عباده بصير بأفعالهم وقد سمع من مقال عبده ورأى من حاله ما استدعى أن يكرمه هذا الإكرام فيسري به ليلا ويريه من آياته الكبرى.

وفي الآية التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير في قوله : « بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا » ثم رجوع إلى الغيبة السابقة والوجه فيه الإشارة إلى أن الإسراء وما ترتب عليه من إراءة الآيات إنما صدر عن ساحة العظمة والكبرياء وموطن العزة والجبروت فعملت فيه السلطنة العظمى وتجلى الله له بآياته الكبرى ولو قيل ليريه من آياته أو غير ذلك لفاتت النكتة.

والمعنى لينزه تنزيها من أسرى بعظمته وكبريائه وبالغ قدرته وسلطانه بعبده محمد في جوف ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس الذي بارك

٧

حوله ليريه بعظمته وكبريائه آياته الكبرى وإنما فعل به ذلك لأنه سميع بصير علم بما سمع من مقاله ورأى من حاله أنه خليق أن يكرم هذه التكرمة.

( بحث روائي )

في تفسير القمي ، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فأخذ واحد باللجام وواحد بالركاب ـ وسوى الآخر عليه ثيابه فتضعضعت البراق ـ فلطمها جبرائيل ثم قال لها اسكني يا براق ـ فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده مثله ـ.

قال : فرفت به ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير ـ ومعه جبرئيل يريه الآيات من السماء والأرض. قال فبينا أنا في مسيري إذ نادى مناد عن يميني : يا محمد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم نادى مناد عن يساري : يا محمد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ـ ثم استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها ـ من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد أنظرني ـ حتى أكلمك فلم ألتفت إليها ثم سرت ـ فسمعت صوتا أفزعني فجاوزت فنزل بي جبرئيل ـ فقال صل فصليت فقال تدري أين صليت قلت لا ، فقال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما ـ ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي ـ انزل فصل فنزلت وصليت فقال لي ـ تدري أين صليت فقلت لا قال : صليت في بيت لحم وبيت لحم بناحية بيت المقدس ـ حيث ولد عيسى بن مريم.

ثم ركبت فمضينا حتى انتهينا إلى بيت المقدس ـ فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها ـ فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي ـ فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من أنبياء الله عليه‌السلام ـ فقد جمعوا إلي وأقيمت الصلاة ـ ولا أشك إلا وجبرئيل سيتقدمنا ـ فلما استووا أخذ جبرئيل بعضدي ـ فقدمني وأممتهم ولا فخر.

ثم أتاني الخازن بثلاثة أواني ـ إناء فيه لبن وإناء فيه ماء وإناء فيه خمر ـ وسمعت قائلا يقول : إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته ـ وإن أخذ الخمر غوى وغويت أمته ـ

٨

وإن أخذ اللبن هدى وهديت أمته قال : فأخذت اللبن وشربت منه ـ فقال لي جبرئيل هديت وهديت أمتك.

ثم قال لي ما ذا رأيت في مسيرك؟ فقلت ناداني مناد عن يميني ـ فقال أوأجبته فقلت لا ولم ألتفت إليه ـ فقال داعي اليهود لو أجبته لتهودت أمتك من بعدك ـ ثم قال ما ذا رأيت؟ فقلت ناداني مناد عن يساري ـ فقال لي أوأجبته؟ فقلت لا ولم ألتفت إليه ـ فقال : ذاك داعي النصارى ولو أجبته لتنصرت أمتك من بعدك. ثم قال ما ذا استقبلك؟ فقلت لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها ـ عليها من كل زينة الدنيا ـ فقالت : يا محمد أنظرني حتى أكلمك. فقال : أوكلمتها؟ فقلت لم أكلمها ولم ألتفت إليها ـ فقال : تلك الدنيا ولو كلمتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة.

ثم سمعت صوتا أفزعني ، فقال لي جبرئيل : أتسمع يا محمد؟ قلت نعم قال : هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنم منذ سبعين عاما ـ فهذا حين استقرت قالوا فما ضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قبض.

قال فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السماء الدنيا ـ وعليها ملك يقال له إسماعيل وهو صاحب الخطفة ـ التي قال الله عز وجل : « إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ » وتحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك.

فقال يا جبرئيل! من هذا الذي معك؟ فقال محمد رسول الله ـ قال وقد بعث؟ قال نعم ففتح الباب فسلمت عليه وسلم علي ـ واستغفرت له واستغفر لي ـ وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، وتلقتني الملائكة حتى دخلت السماء الدنيا ـ فما لقيني ملك إلا ضاحكا مستبشرا ـ حتى لقيني ملك من الملائكة ـ لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ـ ظاهر الغضب فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء ـ إلا أنه لم يضحك ولم أر فيه من الاستبشار ـ ما رأيت من ضحك الملائكة ـ فقلت : من هذا يا جبرئيل فإني قد فزعت منه؟ فقال : يجوز أن يفزع منه فكلنا نفزع منه ـ إن هذا مالك خازن النار لم يضحك قط ، ولم يزل منذ أن ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا ـ وغيظا على أعداء الله وأهل معصيته ـ فينتقم الله به منهم ، ولو ضحك إلى أحد قبلك ـ أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك لضحك إليك ـ فسلمت عليه فرد السلام علي وبشرني بالجنة.

فقلت لجبرئيل وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله « مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » ألا تأمره

٩

أن يريني النار فقال له جبرئيل : يا مالك أر محمدا النار فكشف عنها غطاءها ـ وفتح بابا منها فخرج منها لهب ساطع في السماء ـ وفارت وارتفعت حتى ظننت ليتناولني مما رأيت فقلت : يا جبرئيل! قل له فليرد عليها غطاءها فأمره فقال لها : ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه.

ثم مضيت فرأيت رجلا آدما جسيما ـ فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ فقال : هذا أبوك آدم ـ فإذا هو يعرض عليه ذريته ـ فيقول : روح طيبة وريح طيبة من جسد طيب ـ ثم تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سورة المطففين على رأس سبع عشرة آية ـ « » كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ـ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » إلى آخرها قال : فسلمت على أبي آدم وسلم علي ـ واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح المبعوث في الزمن الصالح.

قال : ثم مررت بملك من الملائكة جالس على مجلس ـ وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه ـ وإذا بيده لوح من نور ينظر فيه مكتوب فيه ـ كتاب ينظر فيه لا يلتفت يمينا ولا شمالا ، مقبلا عليه كهيئة الحزين فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ قال : هذا ملك الموت دائب في قبض الأرواح ـ فقلت : يا جبرئيل أدنني منه حتى أكلمه ـ فأدناني منه فسلمت عليه ، وقال له جبرئيل : هذا محمد نبي الرحمة الذي أرسله الله إلى العباد ـ فرحب بي وحياني بالسلام وقال : أبشر يا محمد فإني أرى الخير كله في أمتك ـ فقلت : الحمد لله المنان ذي النعم على عباده ـ ذلك من فضل ربي ورحمته علي فقال جبرئيل : هو أشد الملائكة عملا فقلت : أكل من مات أو هو ميت فيما بعد هذا تقبض روحه؟ فقال : نعم. قلت : وتراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك؟ فقال : نعم. فقال ملك الموت : ما الدنيا كلها عندي فيما سخره الله لي ومكنني عليها ـ إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء ، وما من دار إلا وأنا أتصفحه كل يوم خمس مرات ، وأقول إذا بكى أهل الميت على ميتهم : لا تبكوا عليه فإن لي فيكم عودة وعودة ـ حتى لا يبقى منكم أحد فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كفى بالموت طامة يا جبرئيل ـ فقال جبرئيل : إن ما بعد الموت أطم وأطم من الموت.

قال : ثم مضيت فإذا أنا بقوم بين أيديهم ـ موائد من لحم طيب ولحم خبيث ـ يأكلون اللحم الخبيث ويدعون الطيب فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء الذين

١٠

يأكلون الحرام ـ ويدعون الحلال وهم من أمتك يا محمد.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم رأيت ملكا من الملائكة ـ جعل الله أمره عجيبا نصف جسده النار ـ والنصف الآخر ثلج فلا النار تذيب الثلج ـ ولا الثلج تطفئ النار وهو ينادي بصوت رفيع ويقول : سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج ـ وكف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار ـ اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار ـ ألف بين قلوب عبادك المؤمنين فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا ملك وكله الله بأكناف السماء وأطراف الأرضين ـ وهو أنصح ملائكة الله لأهل الأرض من عباده المؤمنين ـ يدعو لهم بما تسمع منذ خلق.

ورأيت ملكين يناديان في السماء ـ أحدهما يقول : اللهم أعط كل منفق خلفا ـ والآخر يقول : اللهم أعط كل ممسك تلفا.

ثم مضيت فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل ـ يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم ـ فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء الهمازون اللمازون.

ثم مضيت فإذا أنا بأقوام ترضخ رءوسهم بالصخر ـ فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء.

ثم مضيت ـ فإذا أنا بأقوام تقذف النار في أفواههم ـ وتخرج من أدبارهم فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ـ إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا.

ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم ـ فلا يدر من عظم بطنه فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون ـ إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. وإذا هم بسبيل آل فرعون ـ يعرضون على النار غدوا وعشيا ـ يقولون ربنا متى تقوم الساعة؟.

قال : ثم مضيت فإذا أنا بنسوان معلقات بثديهن ـ فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل فقال : هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم. ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشتد غضب الله على امرأة ـ أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم ـ فاطلع على عوراتهم وأكل خزائنهم.

ثم قال : مررنا بملائكة من ملائكة الله عز وجل خلقهم الله ـ كيف شاء ووضع

١١

وجوههم كيف شاء ، ليس شيء من أطباق أجسادهم ـ إلا وهو يسبح الله ويحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة ـ أصواتهم مرتفعة بالتحميد ـ والبكاء من خشية الله فسألت جبرئيل عنهم فقال : كما ترى خلقوا إن الملك منهم إلى جنب صاحبه ـ ما كلمهم كلمة قط ولا رفعوا رءوسهم إلى ما فوقها ـ ولا خفضوها إلى ما تحتها خوفا من الله وخشوعا ـ فسلمت عليهم فردوا علي إيماء برءوسهم ـ لا ينظرون إلي من الخشوع فقال لهم جبرئيل : هذا محمد نبي الرحمة أرسله الله إلى العباد رسولا ونبيا. وهو خاتم النبيين وسيدهم أفلا تكلمونه؟ قال : فلما سمعوا ذلك من جبرئيل أقبلوا علي بالسلام ـ وأكرموني وبشروني بالخير لي ولأمتي.

قال : ثم صعدنا إلى السماء الثانية ـ فإذا فيها رجلان متشابهان ـ فقلت : من هذان يا جبرئيل؟ فقال لي : ابنا الخالة يحيى وعيسى عليه‌السلام ـ فسلمت عليهما وسلما علي ـ واستغفرت لهما واستغفرا لي ـ وقالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ـ وإذا فيها من الملائكة وعليهم الخشوع ـ قد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك ـ إلا يسبح الله بحمده بأصوات مختلفة.

ثم صعدنا إلى السماء الثالثة ـ فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق ـ كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم ـ فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ فقال : هذا أخوك يوسف ـ فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح ، وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع ـ مثل ما وصفت في السماء الأولى والثانية ، وقال لهم جبرئيل في أمري ما قال للآخرين ـ وصنعوا في مثل ما صنع الآخرون.

ثم صعدنا إلى السماء الرابعة وإذا فيها رجل ـ فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا ـ فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات ـ التي عبرناها فبشروني بالخير لي ولأمتي ـ ثم رأيت ملكا جالسا على سرير ـ تحت يديه سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك فوقع في نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه هو فصاح به جبرئيل ـ فقال : قم فهو قائم إلى يوم القيامة. ـ

١٢

ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا فيها رجل كهل ـ عظيم العين لم أر كهلا أعظم منه حوله ثلة من أمته ـ فأعجبني كثرتهم فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ فقال : هذا المحبب في قومه هارون بن عمران ـ فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي ـ وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

ثم صعدنا إلى السماء السادسة ـ وإذا فيها رجل آدم طويل كأنه من شنوة ـ ولو أن له قميصين لنفذ شعره فيهما وسمعته يقول : يزعم بنو إسرائيل أني أكرم ولد آدم على الله ـ وهذا رجل أكرم على الله مني فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ فقال : هذا أخوك موسى بن عمران ـ فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

قال : ثم صعدنا إلى السماء السابعة ـ فما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا : يا محمد احتجم وأمر أمتك بالحجامة ، وإذا فيها رجل أشمط الرأس واللحية جالس على كرسي ـ فقلت : يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة ـ على باب البيت المعمور في جوار الله؟ فقال : هذا يا محمد أبوك إبراهيم وهذا محلك ـ ومحل من اتقى من أمتك ثم قرأ رسول الله : « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ـ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » فسلمت عليه وسلم علي وقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح ـ والمبعوث في الزمن الصالح ـ وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات ـ فبشروني بالخير لي ولأمتي.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور ـ تتلألأ تلألؤها يخطف بالأبصار ، وفيها بحار من ظلمة وبحار من ثلج ترعد ـ فكلما فزعت ورأيت هولا سألت جبرئيل ـ فقال : أبشر يا محمد ـ واشكر كرامة ربك واشكر الله بما صنع إليك ـ قال : فثبتني الله بقوته وعونه ـ حتى كثر قولي لجبرئيل وتعجبي.

فقال جبرئيل : يا محمد تعظم ما ترى؟ إنما هذا خلق من خلق ربك ـ فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى ـ وما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربك ـ إن بين الله وبين خلقه سبعين ألف حجاب ـ وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل ـ وبيننا وبينه أربعة حجب ـ حجاب من نور وحجاب من الظلمة ـ وحجاب من الغمامة وحجاب من الماء.

١٣

قال : ورأيت من العجائب التي خلق الله ـ وسخر على ما أراده ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ـ ورأسه عند العرش وهو ملك من ملائكة الله تعالى ـ خلقه الله كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ـ ثم أقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة ـ وانتهى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه إلى قرب العرش ـ وهو يقول : سبحان ربي حيثما كنت ـ لا تدري أين ربك من عظم شأنه ، وله جناحان في منكبه إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب ـ فإذا كان في السحر نشر جناحيه وخفق بهما ـ وصرخ بالتسبيح يقول : سبحان الله الملك القدوس ، سبحان الله الكبير المتعال ـ لا إله إلا الله الحي القيوم ـ وإذا قال ذلك سبحت ديوك الأرض كلها ـ وخفقت بأجنحتها وأخذت بالصراخ ـ فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكت ديوك الأرض كلها ، ولذلك الديك زغب أخضر وريش أبيض ـ كأشد بياض ما رأيته قط ، وله زغب أخضر أيضا تحت ريشه الأبيض ـ كأشد خضرة ما رأيتها قط.

قال : ثم مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور ـ فصليت فيه ركعتين ـ ومعي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد ـ وآخرين عليهم ثياب خلقان فدخل أصحاب الجدد ـ وجلس أصحاب الخلقان.

ثم خرجت ـ فانقاد لي نهران نهر يسمى الكوثر ونهر يسمى الرحمة ـ فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ـ ثم انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنة ـ وإذا على حافتيها بيوتي وبيوت أهلي ـ وإذا ترابها كالمسك ، وإذا جارية تنغمس في أنهار الجنة ـ فقلت : لمن أنت يا جارية؟ فقالت : لزيد بن حارثة ـ فبشرته بها حين أصبحت ، وإذا بطيرها كالبخت ، وإذا رمانها مثل الدلي العظام ، وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة سنة ، وليس في الجنة منزل إلا وفيه غصن منها ـ فقلت : ما هذه يا جبرئيل؟ فقال : هذه شجرة طوبى ـ قال الله « طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ » قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فلما دخلت الجنة رجعت إلى نفسي ـ فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهولها وأعاجيبها ـ فقال : هي سرادقات الحجب التي احتجب الله تبارك وتعالى بها ـ ولو لا تلك الحجب لهتك نور العرش كل شيء فيه.

وانتهيت إلى سدرة المنتهى ـ فإذا الورقة منها تظل أمة من الأمم فكنت منها ـ كما

١٤

قال الله تعالى « قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى » فناداني « آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ » فقلت أنا مجيبا عني وعن أمتي : « وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ ( وَمَلائِكَتِهِ ) وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ـ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ـ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » فقال الله « لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ، لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ » فقلت : « رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا » فقال الله لا أؤاخذك ، فقلت « رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً ـ كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا » فقال الله : لا أحملك ـ فقلت : « رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ـ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا ـ أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ » فقال الله تبارك وتعالى : قد أعطيتك ذلك لك ولأمتك ، فقال الصادق عليه‌السلام ما وفد إلى الله تعالى ـ أحد أكرم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين سأل لأمته هذه الخصال.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رب أعطيت أنبياءك فضائل ـ فأعطني فقال الله : قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا منجا منك إلا إليك.

قال : وعلمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت : اللهم إن ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك ، وذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك ـ وذلي أصبح مستجيرا بعزتك ، وفقري أصبح مستجيرا بغناك ـ ووجهي الفاني أصبح مستجيرا بوجهك الباقي الذي لا يفنى ، وأقول ذلك إذا أمسيت.

ثم سمعت الأذان ـ فإذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة ـ فقال : الله أكبر الله أكبر ـ فقال الله : صدق عبدي أنا أكبر من كل شيء ـ فقال : « أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله » فقال الله : صدق عبدي أنا الله لا إله إلا أنا ولا إله غيري ـ فقال : « أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله » فقال الله : صدق عبدي أن محمدا عبدي ورسولي ـ أنا بعثته وانتجبته ـ فقال : « حي على الصلاة حي على الصلاة » فقال : صدق عبدي دعا إلى فريضتي ـ فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا ـ كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه ـ فقال : « حي على الفلاح حي على الفلاح » فقال الله : هي الصلاح والنجاح والفلاح. ثم أممت الملائكة في السماء ـ كما أممت الأنبياء في بيت المقدس.

قال : ثم غشيتني ضبابة فخررت ساجدا ـ فناداني ربي أني قد فرضت على كل نبي

١٥

كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى أمتك ـ فقم بها أنت في أمتك ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فانحدرت حتى مررت على إبراهيم فلم يسألني عن شيء ـ حتى انتهيت إلى موسى ـ فقال : ما صنعت يا محمد؟ فقلت قال ربي : فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة ـ وفرضتها عليك وعلى أمتك. فقال موسى : يا محمد إن أمتك آخر الأمم وأضعفها ـ وإن ربك لا يزيده شيء وإن أمتك لا تستطيع أن تقوم بها ـ فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك.

فرجعت إلى ربي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى فخررت ساجدا ـ ثم قلت : فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة ـ ولا أطيق ذلك ولا أمتي فخفف عني ـ فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فأخبرته ـ فقال : ارجع لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني عشرا ـ فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع ـ وفي كل رجعة أرجع إليه أخر ساجدا ـ حتى رجع إلى عشر صلوات فرجعت إلى موسى وأخبرته ـ فقال : لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني خمسا ـ فرجعت إلى موسى وأخبرته فقال : لا تطيق ـ فقلت : قد استحيت من ربي ولكن أصبر عليها فناداني مناد : كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين كل صلاة بعشر ، ومن هم من أمتك بحسنة يعملها فعملها كتبت له عشرا ـ وإن لم يعمل كتبت له واحدة ، ومن هم من أمتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة ـ وإن لم يعملها لم أكتب عليه.

فقال الصادق عليه‌السلام : جزى الله موسى عن هذه الأمة خيرا ـ فهذا تفسير قول الله : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ـ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ـ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ».

أقول : وقد ورد ما يقرب مما قصته هذه الرواية في روايات كثيرة جدا من طرق الشيعة وأهل السنة ، وقوله في الرواية « رجلا آدما » يقال : رجل آدم أي أسمر اللون ، والطامة هي الأمر الشديد الذي يغلب ما سواه ، ولذلك سميت القيامة بالطامة ، والأكتاف جمع كتف والمراد الأطراف والنواحي ، وقوله : « فوقع في نفس رسول الله أنه هو » أي أنه الملك الذي يدبر أمر العالم وينتهي إليه كل أمر.

وقوله : شنوة بالشين والنون والواو وربما يهمز قبيلة كانوا معروفين بطول القامة ،

١٦

وقوله : « أشمط الرأس واللحية » الشمط بياض الشعر يخالطه سواد ، والزغب أول ما يبدو من الشعر والريش وصغارهما ، والبخت الإبل الخراساني والدلي بضم الدال وكسر اللام وتشديد الياء جمع دلو على فعول ، والصبابة بفتح الصاد المهملة والباء الموحدة الشوق والهوى الرقيق وبالمعجمة مضمومة الغيم الرقيق.

وفي أمالي الصدوق ، عن أبيه عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام قال : لما أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيت المقدس ـ حمله جبرئيل على البراق فأتيا بيت المقدس ـ وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلى بها ورده ـ فمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في رجوعه بعير لقريش ـ وإذا لهم ماء في آنية وقد أضلوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه ـ فشرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك الماء وأهرق باقيه.

فلما أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لقريش : إن الله جل جلاله قد أسرى بي إلى بيت المقدس ـ وأراني آثار الأنبياء ومنازلهم ، وإني مررت بعير لقريش في موضع كذا وكذا ـ وقد أضلوا بعيرا لهم فشربت من مائهم ـ وأهرقت باقي ذلك ـ فقال أبو جهل : قد أمكنتكم الفرصة منه ـ فاسألوه كم الأساطين فيها والقناديل؟ فقالوا : يا محمد إن هاهنا من قد دخل بيت المقدس ـ فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه؟ فجاء جبرئيل فعلق صورة بيت المقدس تجاه وجهه ـ فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه فلما أخبرهم ، قالوا : حتى يجيء العير ونسألهم عما قلت ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تصديق ذلك ـ أن العير يطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق.

فلما كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة ـ ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة ـ فبينما هم كذلك إذ طلعت عليهم العير ـ حين طلع القرص يقدمها جمل أورق فسألوهم عما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقالوا : لقد كان هذا : ضل جمل لنا في موضع كذا وكذا ، ووضعنا ماء فأصبحنا وقد أهريق الماء ـ فلم يزدهم ذلك إلا عتوا.

أقول : وفي معناها روايات أخرى من طرق الفريقين.

وفيه ، بإسناده عن عبد الله بن عباس قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري به إلى السماء ـ انتهى به جبرئيل إلى نهر يقال له النور وهو قوله عز وجل : « جَعَلَ الظُّلُماتِ

١٧

وَالنُّورَ » فلما انتهى به إلى ذلك قال له جبرئيل : يا محمد اعبر على بركة الله فقد نور الله لك بصرك ـ ومر لك أمامك فإن هذا نهر لم يعبره أحد ـ لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ـ غير أن لي في كل يوم اغتماسة فيه ثم أخرج منه ـ فأنفض أجنحتي فليس من قطرة تقطر من أجنحتي ـ إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا مقربا ـ له عشرون ألف وجه وأربعون ألف لسان ـ كل لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الآخر.

فعبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهى إلى الحجب ـ والحجب خمس مائة حجاب من الحجاب إلى الحجاب ـ مسيرة خمسمائة عام ثم قال : تقدم يا محمد ـ فقال له : يا جبرئيل ولم لا تكون معي؟ قال : ليس لي أن أجوز هذا المكان ـ فتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما شاء الله أن يتقدم ـ حتى سمع ما قال الرب تبارك وتعالى : أنا المحمود وأنت محمد شققت اسمك من اسمي ـ فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتكته انزل إلى عبادي ـ فأخبرهم بكرامتي إياك وأني لم أبعث نبيا ـ إلا جعلت له وزيرا وأنك رسولي وأن عليا وزيرك.

وفي المناقب ، عن ابن عباس في خبر : وسمع يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوتا « آمنا برب العالمين » قال يعني جبرئيل : هؤلاء سحرة فرعون ، وسمع لبيك اللهم لبيك ـ قال : هؤلاء الحجاج ، وسمع التكبير ـ قال : هؤلاء الغزاة ، وسمع التسبيح قال : هؤلاء الأنبياء.

فلما بلغ إلى سدرة المنتهى وانتهى إلى الحجب ، قال جبرئيل : تقدم يا رسول الله ـ ليس لي أن أجوز هذا المكان ولو دنوت أنملة لاحترقت.

وفي الإحتجاج ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما احتج على اليهود : حملت على جناح جبرئيل ـ حتى انتهيت إلى السماء السابعة ـ فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ـ حتى تعلقت بساق العرش فنوديت من ساق العرش : إني أنا الله لا إله إلا أنا ـ السلام المؤمن المهيمن العزيز ـ الجبار المتكبر الرءوف الرحيم ـ فرأيته بقلبي وما رأيته بعيني. الخبر.

وفي الكافي ، بإسناده عن أبي الربيع قال : حججنا مع أبي جعفر عليه‌السلام ـ في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك ـ وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب ـ فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه‌السلام في ركن البيت ـ وقد اجتمع إليه الناس فقال نافع : يا أمير المؤمنين ـ من هذا الذي قد تداك عليه الناس؟ فقال : هذا نبي أهل الكوفة هذا محمد بن علي ـ

١٨

فقال : اشهد لآتينه فلأسألنه من مسائل لا يجيبني فيها ـ إلا نبي أو وصي أو ابن نبي. قال : فاذهب إليه واسأله لعلك تخجله.

فجاء نافع حتى اتكى على الناس ثم أشرف على أبي جعفر عليه‌السلام ـ وقال : يا محمد بن علي ـ إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ـ وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها ـ إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي. قال : فرفع أبو جعفر عليه‌السلام رأسه وقال : سل عما بدا لك.

فقال : أخبرني كم بين عيسى وبين محمد من سنة؟ قال : أخبرك بقولي أو بقولك قال : أخبرني بالقولين جميعا ـ قال : أما في قولي فخمسمائة سنة ، وأما في قولك فستمائة سنة ، قال فأخبرني عن قول الله عز وجل : « وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ـ أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ » من الذي سأله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بينه وبين عيسى عليه‌السلام خمسمائة سنة؟.

قال : فتلا أبو جعفر عليه‌السلام هذه الآية : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ـ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ـ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا » فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ حيث أسري به إلى البيت المقدس ـ أن حشر الله الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين ـ ثم أمر جبرئيل فأذن شفعا وأقام شفعا ، وقال في أذانه حي على خير العمل ـ ثم تقدم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى بالقوم.

فلما انصرف قال لهم : على ما تشهدون؟ ما كنتم تعبدون؟ قالوا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ـ وأنك رسول الله أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا. فقال : نافع : صدقت يا أبا جعفر.

وفي العلل ، بإسناد عن ثابت بن دينار قال : سألت زين العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام ـ عن الله جل جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال : تعالى الله عن ذلك ـ قلت : فلم أسرى بنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء؟ قال : ليريه ملكوت السماوات وما فيها ـ من عجائب صنعه وبدائع خلقه.

قلت : فقول الله عز وجل : « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى » قال : ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دنا من حجب النور ـ فرأى ملكوت السماوات ثم تدلى ـ فنظر من

١٩

تحته إلى ملكوت الأرض ـ حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى.

وفي تفسير القمي ، بإسناده عن إسماعيل الجعفي قال : كنت في المسجد الحرام قاعدا ـ وأبو جعفر عليه‌السلام في ناحية ـ فرفع رأسه فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ـ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى » وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلي فقال : أي شيء يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قلت : يقولون ـ أسري به من المسجد الحرام إلى البيت المقدس. فقال : ليس هو كما يقولون ـ ولكنه أسري به من هذه إلى هذه ـ وأشار بيده إلى السماء وقال : ما بينهما حرم.

قال : فلما انتهى به إلى سدرة المنتهى ـ تخلف عنه جبرئيل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل أفي مثل هذا الموضع تخذلني؟ فقال : تقدم أمامك فوالله لقد بلغت مبلغا ـ لم يبلغه خلق من خلق الله قبلك ـ فرأيت ربي وحال بيني وبينه السبحة قلت : وما السبحة جعلت فداك؟ فأومأ بوجهه إلى الأرض وأومأ بيده إلى السماء ـ وهو يقول : جلال ربي جلال ربي ، ثلاث مرات. قال : يا محمد قلت : لبيك يا رب ـ قال : فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قلت سبحانك لا علم لي إلا ما علمتني.

قال : فوضع يده بين ثديي فوجدت بردها بين كتفي. قال : فلم يسألني عما مضى ولا عما بقي إلا علمته ـ فقال : يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قال : قلت : في الدرجات والكفارات والحسنات ـ فقال : يا محمد إنه قد انقضت نبوتك ـ وانقطع أكلك فمن وصيك فقلت : يا رب إني قد بلوت خلقك ـ فلم أر فيهم من خلقك أحدا أطوع لي من علي فقال : ولي يا محمد فقلت : يا رب إني قد بلوت خلقك ـ فلم أر من خلقك أحدا أشد حبا لي من علي بن أبي طالب ـ قال : ولي يا محمد فبشره بأنه آية الهدى ـ وإمام أوليائي ونور لمن أطاعني ـ والكلمة الباقية التي ألزمتها المتقين ـ من أحبه أحبني ومن أبغضه أبغضني ـ مع ما أني أخصه بما لم أخص به أحدا ـ فقلت : يا رب أخي وصاحبي ووزيري ووارثي ـ فقال : إنه أمر قد سبق أنه مبتلى ومبتلى به ـ مع ما أني قد نحلته ونحلته ونحلته ونحلته أربعة أشياء ـ عقدها بيده ولا يفصح بما عقدها.

أقول : قوله عليه‌السلام : « ولكنه أسري به من هذه إلى هذه » أي من الكعبة إلى البيت المعمور ، وليس المراد به نفي الإسراء إلى بيت المقدس ولا تفسير

٢٠