موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ٣

مركز الأبحاث العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ٣

المؤلف:

مركز الأبحاث العقائديّة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-03-4
ISBN الدورة:
978-600-5213-00-3

الصفحات: ٦٢٣

الثالث والعشرون : الإلحاح بالدعاء :

وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الإجابة وعدمها ، لأنّ ترك الدعاء مع الإجابة من الجفاء ، الذي ذَمَّهُ تعالى في محكم كتابه بقوله : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ) (١).

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ( وإن أصابه بلاء دعا مضطرّاً ، وإن ناله رخاء أعرض مغترّاً ) (٢).

الرابع والعشرون : التَقَدُّم في الدعاء :

ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدّة ، لما في ذلك من الثقة بالله ، والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء ، واستجابة الدعاء عند الشدّة.

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : ( من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشدّة ، فليكثر الدعاء في الرخاء ) (٣).

الخامس والعشرون : التَخَتُّم بالعقيق والفَيرُوزَالجواب :

ويستحبّ في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول الإمام الصادق عليه‌السلام : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزّ وجلّ أحبُّ إليه من كفٍّ فيها عقيق ) (٤).

ولقوله عليه‌السلام : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله عزّ وجلّ : إنّي لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج فأَرُدَّهَا خائبة ) (٥).

____________

١ ـ الزمر : ٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٣٥٦.

٣ ـ الكافي ٢ / ٤٧٢.

٤ ـ ثواب الأعمال : ١٧٤.

٥ ـ بحار الأنوار ٩٠ / ٣٢١.

٥٠١

( ابن الخاجة ـ البحرين ـ .... )

دعاء القدح :

س : هل ثبت لدى علمائنا الدعاء المسمّى بدعاء القدح؟ وهل عدم ثبوته يعني عدم جواز قرائته وتوزيعه ونشره؟

ج : الظاهر أنّ دعاء القدح لم يثبت عند علمائنا بطريق معتبر ، ولكن يمكن أن يقرأ برجاء المطلوبية ، وعندها يحصل الإنسان على الثواب.

إذاً يجوز قراءته بعنوان رجاء أنّه مطلوب من الشارع المقدّس ، لا بعنوان أنّه ورد فيه استحباب ، وعليه فيجوز توزيعه ونشره.

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كلّية الدراسات التجارية )

أسباب حجبه :

س : في معرض ردّكم على استفسار الأخ رؤوف حول موضوع التوسّل والاستغاثة بأهل البيت عليهم‌السلام ، جاءت هذه العبارة : إنّ قلّة طاعتنا وكثرة ذنوبنا نحن العبيد إليه ، يوجب ذلك حجب الدعاء عن الله والاستجابة لنا.

هل هناك في القرآن الكريم ما يدعم هذا المعنى؟ وكذلك هل هناك من الروايات الصحيحة الواردة عن النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الخصوص؟ وشكراً.

ج : نعم ، هناك روايات وردت عن النبيّ وآله عليهم‌السلام تؤكّد : بأنّ الذنوب والمعاصي تحجب وتمنع عن استجابة الدعاء ، ومن تلك الروايات :

١ ـ عن الإمام الباقر عليه‌السلام : ( إنّ العبد يسأل الله تعالى الحاجة ، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب ، أو إلى وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً ، فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا تقض حاجته ، وأحرمه إيّاها ، فإنّه قد تعرّض لسخطي ، واستوجب الحرمان منّي ) (١). وورد في الدعاء المعروف بدعاء كميل

____________

٥٠٢

( واغفر لي الذنوب التي تحجب الدعاء ).

( محسن ـ إيران ـ ٢٧ سنة ـ ليسانس )

معرفة الله مقدّمة لمعرفة الإمام وبالعكس :

س : نقرأ في الدعاء المنقول عن الصادق عليه‌السلام : ( اللهمّ عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك ... ) (٢) ، فإنّ الفاء للتفريع ، فمعرفة الله والنبيّ مقدّمة لمعرفة الإمام عليه‌السلام.

مع أنّا نعلم أنّ معرفة الله غاية المعارف ، ومعرفة النبيّ والإمام مقدّمة له ، فكيف نوفّق بين هذا وبين قوله عليه‌السلام في الدعاء المأثور؟ وشكراً.

ج : إنّ معرفة البارئ تعالى غاية المعارف وأجلّها بلا إشكال وبلا خلاف عند الجميع ؛ ولكن هذه المعرفة لا تتمّ ولا تكمل إلاّ من طريق معرفة الأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ؛ لأنّهم أبواب معرفة الله تعالى ، كما جاء في أحاديث مختلفة ، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى ، فإنّ الأصل في جميع هذه المعارف هو التوحيد ومعرفة الله سبحانه ، إذ لا تعقل معرفة النبوّة والإمامة إلاّ من بعد معرفته جلّ وعلا.

وبعبارة واضحة : فإنّ معرفة الإمام عليه‌السلام فرع معرفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعرفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فرع معرفة الله تعالى.

والنتيجة : أنّ المعرفة الإجمالية للتوحيد لا تتوقّف على أيّة معرفة أُخرى ، بل هي من جانب الله تعالى ، ومن هذه المعرفة تنشأ معرفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنها معرفة الإمام عليه‌السلام.

ثمّ إن أردنا المعرفة التفصيلية لله تعالى ـ في حدود استيعاب عقول الممكنات ـ يجب علينا مراجعة الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، لأنّهم خلفاء الله سبحانه في أرضه

____________

١ ـ الكافي ٢ / ٢٧١.

٢ ـ الكافي ١ / ٣٣٧.

٥٠٣

وعباده ، فالعلم والمعرفة التامّة قد أودعها عندهم ، فهم السبيل والصراط إلى الله تعالى.

وبالجملة ، فهنا مرحلتان : إحداهما : من معرفة البارئ إلى معرفة الإمام عليه‌السلام ، وهذه هي المعرفة الإجمالية.

وثانيهما : من معرفة الإمام عليه‌السلام إلى معرفة الله تعالى ، وهذه هي المعرفة التفصيلية.

فلو نظرنا إلى الأحاديث والروايات الواردة في العقائد والمعارف الإلهيّة ، لخرجنا بهذه النتيجة ؛ فإنّ منها ما تشير إلى المعرفة الإجمالية ، ومنها ما تدلّ على المعرفة التفصيلية.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ الدعاء المذكور هو في مقام تبيين وتوضيح المرحلة الأُولى من المعرفة ، وهي المعرفة الإجمالية.

( حسن رضائي ـ ... ـ ..... )

في مراقد الأئمّة :

س : يقول مخالفوا أهل البيت : بأنّ الشيعة مشركون ؛ لأنّهم يدعون من غير الله ، ويطلبون حوائجهم من أئمّتهم ، فما هو الجواب؟

ج : إنّ الدعاء في مراقد أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وطلب قضاء الحاجة منهم ، يتصوّر على نحوين :

١ ـ تارة نطلب من الله بحقّهم عليهم‌السلام أن يقضي حوائجنا.

٢ ـ وتارة نطلب من الإمام عليه‌السلام أن يطلب من الله قضاء حوائجنا.

قال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (١).

وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب عليه‌السلام : ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا

____________

١ ـ النساء : ٦٤.

٥٠٤

إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (١).

وربما قائل يقول : إنّ هذا جائز في حال الحياة ، أمّا بعد الممات فلا ، لكونه شركاً بالله تعالى.

فيقال : إنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، وإذا كان جائزاً فلا فرق سواء كان في حياته أو بعد مماته ، إذ أنّ النبيّ أتاه الله الدرجة الرفيعة ، وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة ، فلا بدع لو توسّل به المؤمن في كلّ يوم وقال : يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.

وروي عن عثمان بن حنيف أنّه قال : ( أنّ رجلاً ضريراً أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أدع الله أن يعافيني ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إن شئتَ دعوتُ لك ، وإن شئتَ أخّرت ذاك فهو خير ) ، قال : فادعه ، فأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : ( اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي في حاجتي هذه فتُقضى لي ، اللهم شفّعه فيّ ).

قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث ، حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرر ) (٢).

وقال الرفاعي الوهابيّ المعاصر : ( لاشكّ أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور ، وقد ثبت فيه بلا شكّ ولا ريب ارتداد بصر الأعمى بدعاء رسول الله ).

وروي عن عمر بن الخطّاب ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي ... ) (٣).

____________

١ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ١٣٨ ، المستدرك ١ / ٣١٣ و ٥١٩ و ٥٢٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٦ / ١٦٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٢٢٦ ، العهود المحمّدية : ١١٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٦ / ٢٤ ، تهذيب الكمال ١٩ / ٣٥٩ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٣٢٢ ، دفع الشبه عن الرسول : ١٤٩.

٣ ـ المستدرك ٢ / ٦١٥ ، كنز العمّال ١١ / ٤٥٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٧ / ٤٣٧ ، البداية والنهاية ١ / ٩١ و ٢ / ٣٩٣ ، السيرة النبويّة لابن كثير ١ / ٣٢٠ ، دفع الشبه عن الرسول : ١٣٧ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٨٥ و ١٢ / ٤٠٣ ، الدرّ المنثور ١ / ٥٨.

٥٠٥

هذا ، وقد جرت سيرة المسلمين في حياة النبيّ وبعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله على التوسّل به وبالأولياء الصالحين عليهم‌السلام ، والاستشفاع بمنزلتهم وجاههم عند الله تعالى.

( .... ـ البحرين ـ .... )

يستحبّ بالخاتم العقيق أو الفيروزج :

س : يستحبّ في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول الإمام الصادق عليه‌السلام : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزّ وجلّ أحبُّ إليه من كفٍّ فيها عقيق ) (٢).

ولقوله عليه‌السلام : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله سبحانه : إنّي لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج فأَرُدَّهَا خائبة ) (٣).

السؤال : ما هو السرّ في هذا الحجر الذي يستحبّ أن يُدعى به؟

ج : إنّ جميع الأحكام الشرعيّة ومنها المستحبّة لا يستطيع الفقهاء إدراك العلل الواقعية لها ، إذا لم يكن مصرّحاً بها عن النبيّ وآله عليهم‌السلام ، وقد وردت الروايات الكثيرة التي تحبّذ التختّم بالعقيق والفيروزج وغيرهما ، والفقهاء تبعاً لتلك الروايات يفتون باستحباب التختّم بالعقيق والفيروزج.

وما ورد عنهم عليه‌السلام من صفات هذه الأحجار الكريمة ، فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : ( يا علي تختم فإنّها فضيلة من الله عزّ وجلّ للمقرّبين ) ، قال : ( بم أتختم يا رسول الله )؟ قال : ( بالعقيق الأحمر فإنّه أوّل جبل أقرّ لله تعالى بالربوبية ، ولي بالنبوّة ، ولك بالوصية ، ولولدك بالإمامة ، ولشيعتك بالجنّة ، ولأعدائك بالنار ) (٣).

وروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ( تختّموا بالعقيق ... وهو الجبل الذي

____________

١ ـ ثواب الأعمال : ١٧٤.

٢ ـ بحار الأنوار ٩٠ / ٣٢١.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٧٤.

٥٠٦

كلّم الله عزّ وجلّ عليه موسى تكليماً ) (١).

وعن بشير الدهّان قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ، أيّ الفصوص أفضل أركبه على خاتمي؟ فقال : ( يا بشير ، أين أنت عن العقيق الأحمر ، والعقيق الأصفر ، والعقيق الأبيض ، فإنّها ثلاثة جبال في الجنّة.

فأمّا الأحمر فمطلّ على دار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا الأصفر فمطلّ على دار فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، وأمّا الأبيض فمطلّ على دار أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والدور كلّها واحدة ....

وإنّ هذه الجبال تسبّح الله وتقدّسه وتمجّده ، وتستغفر لمحبّي آل محمّد عليهم‌السلام ... ) (٢).

وأنّ الولاية عرضت على الجبال ، فأوّل جبال أقرّت بذلك ثلاثة جبال : العقيق ، وجبل الفيروزج ، وجبل الياقوت ، فلعلّ هذه الصفات أعطت ميزة لهذه الأحجار على غيرها.

فخصّها الله بخصائص ، وضّحها لنا الأئمّة المعصومون عليهم‌السلام ، ومن تلك الخصائص استجابة الدعاء لمن يتختّم بها حال الدعاء ، والأمر كلّه راجع إلى الأُمور الغيبية التي نأخذها من الروايات ، ولم يستطع العقل البشري لحدّ الآن من الولوج في هذا المضمار.

( زيد ـ .... ـ .... )

يستحبّ الإلحاح فيه :

س : تحية عطرة إلى كلّ العامليّن بهذا الموقع الرائع.

أودّ من سماحتكم الإجابة على هذا السؤال : ما الغاية من تكرار الدعاء

____________

١ ـ مكارم الأخلاق : ٨٧.

٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٣٨.

٥٠٧

نفسه في عدّة فترات ، مع أنّ الله تعالى يسمع ، وفّقكم الله تعالى في خدمة أهل البيت عليهم‌السلام.

ج : ورد في كثير من الأحاديث استحباب الإلحاح في الدعاء ، الذي هو عبارة عن تكراره ، ويمكن أن يقال في تفسير الإلحاح في الدعاء عدّة أُمور :

أوّلاً : أنّ الدعاء هو نوع من الرابط الروحي بين العبد وربّه ، وكلّما تكرّر الدعاء وصار فيه نوع من الإلحاح ، كلّما زاد هذا الرابط بين العبد وربّه.

ثانياً : أنّ الدعاء هو نوع من ترويض النفس على طاعة ربّ العالمين والاجتناب عن معاصيه ، وفي تكراره والإلحاح فيه وصول بالنفس إلى أن تكون لها ملكة الطاعة ، والبعد عن المعصية.

ثالثاً : ذكرت عدّة شروط لاستجابة الدعاء ، فإذا لم تتحقّق شروط الاستجابة لم يستجب الدعاء ، فعلى العبد أن يكرّر الدعاء ويلحّ فيه ، لعلّ دعاءه تتحقّق فيه شروط الاستجابة التي من أهمّها صفاء النيّة والإخلاص ورقّة القلب.

٥٠٨

الذبح عند القبور :

( سيف الإسلام ـ السعودية ـ سنّي )

ليس فيه محذور :

س : هل يجوز الذبح للقبور؟

ج : لا يجوز عندنا الذبح للقبور ، كما لا يجوّزه أحد من المسلمين.

وأمّا الذبح لله تعالى عند القبور ـ لوفاء نذر وشبهه ـ فهذا جائز ، وليس فيه محذور ، لأنّ الذبح حصل لله تعالى ، فلا يحصل الخلط بين المسألتين.

وكذلك يأتي الفرق بين من تقرّب للقبر ونحوه ، وبين من تقرّب لله عزّ وجلّ في مسجد ، أو عند قبر نبيّ من الأنبياء عليهم‌السلام ، أو ولي من الأولياء ، فهو تقرّب لله عزّ وجلّ في أماكن يحبّ الله أن يتقرّب له فيها.

( إبراهيم ـ الكويت ـ .... )

ذبائح الحسين جائزة الأكل :

س : بارك الله فيكم ، يقال : لا يجوز أكل طعام الحسين الذي يصنع ويوزّع في المساجد والحسينيات عندنا ، فكيف ذلك والناس تأكل منه؟

ج : الطعام الذي يصنع ويوزّع في المناسبات الدينية ـ كإحياء مجالس أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ـ جائز وليس بمحرّم ، بل أكثر من هذا الناس تأكله بنية الشفاء والعافية ، باعتبار أنّه طعام منسوب إلى الإمام الحسين عليه‌السلام ، فيتبرّكون به.

والذي يقول بحرمته وعدم جواز أكله حصل له تصوّر خاطئ ، إن لم نقل

٥٠٩

جهل بالحكم الشرعيّ ، فتصوّر أنّ الطعام الذي يعطى باسم الحسين عليه‌السلام مصنوع من لحم مذبوح لغير الله تعالى ، لأنّه مذبوح للحسين عليه‌السلام ، وكلّ مذبوح لغير الله تعالى لا يجوز أكله ، بل أكله محرّم.

والواقع والحقيقة أنّ المذبوح ذبح لله تعالى وبالطريقة الشرعيّة الجائزة ، من التسمية عليه واستقبال القبلة ، ولكن باسم الإمام الحسين عليه‌السلام أيّ لأجل الحسين عليه‌السلام ، كما نذبح الذبيحة لقدوم الحاج ، فهو ذبح لله ، وهكذا ذبح الذبيحة لشراء بيت ، أو لمولود جديد كما في العقيقة ، فهذا كلّه لله تعالى جائز أكله ، ولا نقصد منه التقرّب به لغير الله.

( .... ـ السعودية ـ ٢٧ سنة )

شرك عند الوهابيّة :

س : لماذا تكفّرنا الوهابيّة عند ذبحنا الأضحية عند قبور الأئمّة عليهم‌السلام؟ وفّقكم الله لكلّ خير ، وشكراً.

ج : لقد كفّر الوهابيّة المسلمين ، ونسبوهم إلى الشرك ، بزعمهم : أنّهم يذبحون وينحرون للأموات والقبور ، ويقرّبون لها القرابين ، وأنّ ذلك كالذبح والنحر للأصنام ، الذي كانت تفعله أهل الجاهلية الموجب للشرك.

ونقول : النحر والذبح قد يضاف لله تعالى ، فيقال : ذبح لله ونحر لله ، ومعناه : أنّه نحر لوجهه تعالى امتثالاً لأمره ، وتقرّباً إليه ، كما في الأضحية بمنى وغيرها ، والفداء في الإحرام ، والعقيقة وغير ذلك ، وهذا يدخل في عبادته تعالى.

وقد يضاف إلى المخلوق ، فيقال : ذبحت الدجاجة للمريض ، أو ذبحت الشاة للضيف ، وهذا لا محذور فيه.

وأمّا النوع الذي لا يجوز أو يعدّ شركاً هو ما يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إليه ، كما يتقرّب إلى الله طلباً للخير من المخلوق ، مع كون هذا

٥١٠

المخلوق حجراً وجماداً لا يضرّ ولا ينفع ، ولا يعقل ولا يسمع ، سواء كان تمثالاً لنبيّ أو شخص صالح أو غير ذلك ، ويذكر اسم المخلوق على المنحور والمذبوح ، ويعرض عن اسم الله تعالى ، فيجعله نظيراً لله تعالى وندّاً له ، ويطلى بدم المنحور أو المذبوح قصد التقرّب إليه ، مع كون ذلك عبثاً ولغواً نهى عنه الله تعالى ، كما كان يفعل المشركون مع أصنامهم ، وهذا قبيح منكر بل شرك وكفر ، سواء سمّي عبادة أو لا.

وهذا ما توهّم الوهابيّة أنّ المسلمين يفعلون مثله للأنبياء والأوصياء والصلحاء ، فينحرون ويذبحون لهم عند مشاهدهم أو غيرها ، ويقرّبون لهم القرابين كما كان عبدة الأصنام والأوثان يفعلون ذلك بأصنامهم وأوثانهم ، وهو توهّم فاسد.

فإنّ ما يفعله المسلمون لا يخرج عن الذبح والنحر لله تعالى ؛ لأنّه يقصد إنّي أذبح هذا في سبيل الله لأتصدّق بلحمه وجلده على الفقراء مثلاً ، وأهدي ثواب ذلك لصاحب المشهد.

والذبح الذي يقصد به هذا ، يكون راجحاً وطاعةً لله تعالى وعبادة له ، سواء أهدي ثواب ذلك لنبيّ أو وليّ ، أو أب أو أُمّ ، أو أيّ شخص من سائر الناس ، ونظيره من يقصد إنّي أطحن هذه الحنطة لأعجنها وأخبزها وأتصدّق بخبزها على الفقراء ، وأهدي ثواب ذلك لأبوي ، فأفعاله هذه كلّها طاعة وعبادة لله تعالى لا لأبويه.

ولا يقصد أحد من المسلمين بالذبح لنبيّ أو غيره ما كانت تقصده عبدة الأوثان من التقرّب إليها بالذبح لها ، ولا يفعل ما كانت تفعله من ذكر اسمها على الذبيحة والإهلال بها لغير الله ، وطليها بدمها مع نهي الله تعالى لهم عن ذلك ، ولو ذكر أحد من المسلمين اسم نبيّ أو غيره على الذبيحة لكان ذلك عندهم منكراً وحرّمت الذبيحة.

فليس الذبح لهم بل عنهم ، بمعنى أنّه عمل يهدى ثوابه إليهم ، كسائر أعمال

٥١١

الخير ، أو لهم باعتبار ثوابه ، ولذلك لا ينافيه قولهم : ذبحت لفلان ، أو أُريد أن أذبح لفلان ، أو عندي ذبيحة لفلان ، لو فرض وقوعه ، فالمقصود في الكلّ كونها له باعتبار الثواب ، وهذا كما يقال : ذبحت للضيف أو للمريض أو نحو ذلك.

والحاصل : أنّ المسلمين لا يقصدون من الذبح للنبيّ أو الولي غير إهداء الثواب ، أمّا العارفون منهم ، فحالهم واضح في أنّهم لا يقصدون غير ذلك ، وأمّا الجهّال فإنّما يقصدون ما يقصد عرفاؤهم ولو إجمالاً ، حتّى لو فرض وقوع إضافة الذبح إلى النبيّ أو الولي ، فليس المقصود إلاّ كون ثوابها له ، لا يشكّ في ذلك إلاّ معاند.

ولو سألنا عارفاً أو عامّياً أيّاً كان : هل مرادك الذبح لصاحب المشهد تقرّباً إليه ، كما كان المشركون يذبحون لأصنامهم؟ أو مرادك إهداء الثواب له؟ لقال : معاذ الله أن أقصد غير إهداء الثواب ، ولو فرضنا أنّنا شككنا في قصده أو خفي علينا وجه فعله ، لما جاز لنا أن نحمله إلاّ على الوجه الصحيح ، لوجوب حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحّة حتّى يعلم الفساد ، ولم يجز لنا أن ننسبه إلى الشرك ، ونستبيح دمه وماله وعرضه بمجرّد ظنّنا أنّ قصده الذبح لها كالذبح للأصنام.

٥١٢

رؤية الله تعالى :

( المستجير بالله ـ السعودية ـ .... )

ممكنة بالرؤية القلبية :

س : كيف يرى الله بالرؤية القلبية؟ لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : ( ويلك ما كنت أعبد ربّاً لم أره ) (١).

ج : إنّ الرؤية على قسمين : رؤية مادّية حسّية بصرية ، ورؤية معنوية قلبية عقلية.

أمّا بالنسبة إلى القسم الأوّل : فالله تعالى منزّه عن الرؤية المادّية الحسّية البصرية ، لقوله تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ... ) (٢) ، ولقوله تعالى لموسى عليه‌السلام : ( ... لَن تَرَانِي ... ) (٣) ، ولقول أمير المؤمنين عليه‌السلام لذعلب اليماني : ( لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ) (٤) ، يعني : أنّ رؤيته ليست بالعين وبمشاهدة القوّة البصرية الجسمانية ، فإنّ هذه غير جائزة على الله تعالى ، لما يستلزمه من الجسمية والمكانية والجهتية وغيرها ، والله تعالى منزّه عن ذلك لقوله : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (٥).

____________

١ ـ الكافي ١ / ٩٨.

٢ ـ الأنعام : ١٠٣.

٣ ـ الأعراف : ١٤٣.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ٦٤.

٥ ـ الشورى : ١١.

٥١٣

وأمّا بالنسبة إلى القسم الثاني : وهو الرؤية المعنوية القلبية العقلية ، وهي أن ينتقل بنا العقل من معلوم إلى مجهول ، ومن شاهد محسوس إلى شاهد غائب.

فلقد رأت العيون الخلق ، وحكم العقل وجزم بوجود الخالق ، واعتقد القلب وآمن ، وهذا ما عناه الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله لذعلب : ( تدركه القلوب بحقائق الإيمان ) ، أي آمن القلب حقّاً وواقعاً ؛ لأنّه رأى بعين الحسّ والعقل.

وبعبارة أُخرى : تدركه القلوب ـ أي تدركه العقول الصافية عن ملابسة الأبدان ـ بحقائق الإيمان ، أي بالأنوار العقلية الناشئة من الإيمان القوي ، والعلم والإذعان الخالص بوجود الباري عزّ وجلّ ، وأنّ الإيمان إذا اشتدّ يصبح مشاهدة قلبية ورؤية عقلية.

ولا يخفى أنّ إدراك القلوب فوق إدراك العيون ، لعدم وقوع اللبس والاشتباه في إدراكها بخلاف إدراك العيون ، فيقع اللبس والاشتباه فيها كثيراً ، ولبعضهم : لئن لم تَرَكَ العينُ فقد أبصركَ القلبُ.

والخلاصة : أنّ الإنسان المؤمن إذا وصل إلى أعلى مراتب الإيمان ، بحيث حصل له القطع واليقين والعلم المتين بوجود الخالق العظيم ، من خلال الآثار والحقائق والآيات الدالّة عليه ، سوف يرى الله تعالى ـ بقلبه ووجدانه وعقله المذعن الخالي عن المادّيات ، والصافي من الشكوك والأوهام ـ رؤية نورانية معنوية.

( .... ـ البحرين ـ .... )

مستحيلة دنياً وآخرة :

س : ما هو برهانكم بعدم رؤية الله في الآخرة؟

ج : إنّ القول بجواز الرؤية على الله تعالى فيه التزامات مستحيلة عليه ـ تعالى عنها علوّاً كبيراً ـ منها : القول بالتجسيم في حقّه ، والجهة ، وأنّه ذو أبعاد ، والمحدودية ، والتناهي ، وأنّه ذو أجزاء وأبعاض.

٥١٤

فلذا امتنع القول برؤيته مطلقاً ـ في الدنيا والآخرة ـ ولابدّ من طرح جميع ما ظاهره جواز وإمكان الرؤية ، أو تأويله لمخالفته للعقل والنقل الصحيح.

واليك تفصيل الكلام :

١ ـ إنّ الرؤية إنّما تصحّ لمن كان مقابلاً ـ كالجسم ـ أو ما في حكم المقابل ـ كالصورة في المرآة ـ والمقابلة وما في حكمها ، إنّما تتحقّق في الأشياء ذوات الجهة ، والله منزّه عنها ، فلا يكون مرئياً.

٢ ـ إنّ الرؤية لا تتحقّق إلاّ بانعكاس الأشّعة من المرئي إلى أجهزة العين ، وهو يستلزم أن يكون سبحانه جسماً ذا أبعاد.

٣ ـ إنّ الرؤية إمّا أن تقع على الذات كلّها ، أو على بعضها ، فعلى الأوّل يلزم أن يكون المرئي محدوداً متناهياً ، وعلى الثاني يلزم أن يكون مركّباً ذا أجزاء وأبعاض ، والجميع مستحيل في حقّه تعالى.

( سامي العبسي ـ البحرين ـ سنّي )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : هناك تعليق عمّا قرأته عن رؤية الله تعالى المستحيلة عندكم :

أوّلاً : في النقاط التي استدللتم بها عن عدم إمكانية رؤية الله في الدار الآخرة.

١ ـ ما معنى قوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (١) ، ما المراد بالنظر هنا؟

٢ ـ قولكم : إنّ الرؤية لا تتحقّق إلاّ بانعكاس الأشعة من المرئي ... قوله تعالى : ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) (٢) ، هل كانت الرؤيا هنا بانعكاس الأشعة؟

____________

١ ـ القيامة : ٢٢ ـ ٢٣.

٢ ـ الصافّات : ١٠٢.

٥١٥

٣ ـ قولكم : إنّ الرؤية إنّما تقع على الذات كلّها أو بعضها ... قال الرسول متحدثاً عن الجنّة : ( فيها ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) ، فهل تقولون لما لا تستطيع عقولكم أن تتخيّله هو مستحيل الوقوع؟ وجزى الله خيراً من تعلّم العلم واتبع أحسنه.

ج : إنّ موضوع عدم إمكانية رؤية الله تعالى لا يخالجه شكّ ، فلابأس الانتباه للنقاط التالية :

١ ـ إنّ الأدلّة العقليّة القائمة في المقام ، لا ينبغي المناقشة فيها ، إذ القاعدة العلميّة في هذه الأدلّة أن تناقش بوجوه علميّة وعقلية لا بأمثلة قابلة للتأويل.

وبيانه : أنّ الرؤية المادّية تستلزم لا محالة تحديد المرئي ، وهذا يتطلّب تمييز المورد المشاهد بالعيان ، والتمييز يترادف مع إفراز المرئي والمشاهد في الخارج ، وهذا هو الجسمية بعينها ، وهو مردود عقلاً ونقلاً ، إذ فيه التزام بافتقار الجسم إلى مكان وزمان ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ) (١).

فحذراً من هذه الملازمات الباطلة ، يجب علينا الاعتقاد بعدم إمكانية رؤيته جلّ وعلا.

٢ ـ إنّ الآية التي ذكرتها لم تصرّح بالرؤية المادّية ، بل هي قابلة للتأويل من حيث احتمال النظر إلى آلاء الله تبارك وتعالى ، أو ثوابه وما شابه ذلك ، وبما أنّ الأدلّة العقلية الدالّة على استحالة طروّ المواصفات المادّية على الباري عزّ وجلّ هي أدلّة ثابتة ومسلّمة ، فيجب صرف ظهور معنى الرؤية في الآية ، إلى المعاني التي لا تنافي تلك الأدلّة العقلية ، من رؤية أمر الله ، أو نعمه أو عظمته ، وأمثال ذلك.

وهذا التفسير والتأويل متّفق عليه عند الشيعة ، وعليه علماء المعتزلة من أهل السنّة.

والغريب في المقام ما صدر عن البعض ـ كالرازيّ والقرطبيّ ـ عند تفسيرهم

____________

١ ـ الأنعام : ١٠٠.

٥١٦

الآية : ( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) (١) ، إذ يأتون بأدلّة متعدّدة على استحالة مجيء الربّ عزّ وجلّ يوم القيامة بنفسه وهيكله ، لامتناع الجسمية والتحوّل والتحرّك وغيرها عليه ، وفي نفس الوقت يؤيّدون رؤيته تعالى يوم القيامة ، بآية : ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (٢) ، اعتماداً على روايات مردودة سنداً أو دلالةً ، أليس هذا تهافتاً واضحاً في كلام هؤلاء؟

٣ ـ وأمّا بالنسبة لآية ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) ، فإنّها لم تعبّر عن الرؤية المادّية المحسوسة في اليقظة ـ والكلام في هذا الفرض ـ والشاهد على ما نقول هو : ( فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ) (٣) ، إذ ليس المقصود النظرة والرؤية بالعين ، بل بمعنى إبداء الرأي في الموضوع.

وبعبارة واضحة : أنّ إبراهيم عليه‌السلام كان يريد أن يذكر لابنه إسماعيل عليه‌السلام بنزول الوحي في المنام بذبحه ، والدليل الواضح جواب إسماعيل : ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) (٤) ، فإنّه يدلّ على ورود الوحي ، ولو في الرؤيا.

وعلى كلّ ، فإنّ الكلام في امتناع رؤية الله عزّ وجلّ بالرؤية البصرية ، والآية لا تدلّ على إمكانية الرؤية المذكورة بدون انعكاس الضوء وتمييز المرئي.

٤ ـ ليس هناك أيّ تناقض بين لزوم وقوع الرؤية بالبصر على المرئي كلّه أو بعضه ، وتشخيصه وتمييزه عمّا سواه ، وبين الرواية التي ذكرت فيها صفة الجنّة بأنّ ( فيها ما لا عين رأت ... ) ، فإنّ الحديث يذكر عظمة أنعم الله تعالى في الجنّة ، بأنّ فيها نعم ظاهرة وباطنة لم تراها أعين البشر في الدنيا ، فأين هذا من جواز رؤية الله عزّ وجلّ في الآخرة؟!

____________

١ ـ الفجر : ٢٢.

٢ ـ القيامة : ٢٣.

٣ ـ الصافّات : ١٠٢.

٤ ـ الصافّات : ١٠٢.

٥١٧

هذا ، وإن كان مقصودك في هذه الفقرة ، من أنّنا نحكم باستحالة ما لا تستوعبه عقولنا ، فهذا خطأ واضح ، وقد خلط عليك الأمر ، بل إنّنا ـ وبمعونة العقل والشرع ـ نحكم باستحالة وامتناع الرؤية المادّية ، والمشاهدة بالعيان بالنسبة لله عزّ وجلّ مطلقاً ، لملازمتها التوالي الفاسدة والباطلة من الجسمية والتمييز و ....

أي أنّ لنا دليلاً على عدم إمكان الرؤية ، لا أنّنا حكمنا في المقام لعدم الظفر بأدلّة الرؤية حتّى تأتينا ـ مثلاً ـ بأحاديث الرؤية.

فالموضوع دقيق وخطير ، ويحتاج إلى تأمّل منك ، حتّى تتجلّى لك الحقيقة بصورة واضحة ، فإنّ الأحكام العقلية البحتة غير قابلة للمناقشة ، وإلاّ لبطلت كافّة الأدلّة العقلية والنقلية ، فمثلاً هل تناقش الذي حكم ( ١ + ١ = ٢ ) بأنّه يمكن أن يكون الجواب (٣) ، حتّى ولو لم يستوعبه عقلك؟!

إذ يردّك بأنّ الدليل قائم على المسألة بما لا ريب فيه ، فمن أين أتيت بحكم يخالف العقل؟ أليس هذا أيضاً حكماً عقلياً؟ فأين تذهبون.

وبالجملة : فالقاعدة العامّة أن نحكم بعدم إمكان رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة ، لا لعدم وجود الدليل على الرؤية ، بل لقيام الدليل على استحالتها وامتناعها.

( ريما الجزائريّ ـ البحرين ـ .... )

ورؤية الملكوت رؤية قلبية :

س : أسألكم عن كيفية رؤية الملكوت؟

ج : إنّ رؤية الملكوت هي رؤية القلب ، التي هي من آثار اليقين ، كما تشير إليه الآية في رؤية إبراهيم عليه‌السلام لملكوت السماوات والأرض ( وَكَذَلِكَ نُرِي

٥١٨

إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (١) ، فاليقين والإيقان هو طريق لهذه الرؤية.

( حسين ـ السعودية ـ ٣٤ سنة ـ خرّيج جامعة )

لموسى كانت بطلب من قومه :

س : في قوله تعالى : ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) (٢) ماذا كان يريد نبيّ الله موسى عليه‌السلام؟

ج : كان نبيّ الله موسى عليه‌السلام يطلب ما ألحّ به قومه عليه ، من أن يريهم الله جهرة ، وهو يعلم أنّ الرؤية لا تجوز على الله تعالى.

فعن الإمام الرضا عليه‌السلام في نقله للقصّة : ( فقال موسى : يا قوم إنّ الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنّما يعرف بآياته ، ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى تسأله ، فقال موسى عليه‌السلام : يا ربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى سلني ما سألوك ، فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ) (٣).

( عبد السلام. هولندا. سنّي )

يوم القيامة مستحيلة :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة الممتازة ، وأرجو من الله أن يوفّقكم.

سؤالي هو بخصوص رؤيتنا لله يوم القيامة ، حيث يعتقد المسلمون من أهل السنّة : أن ستكون لنا امتيازات أُخرى تسهّل لنا رؤية الله ، وأنّ الله عبارة عن جسم ، ولكن مختلف عن أجسامنا ، ولا يجوز أن نتطرّق إلى هذه النقطة ،

____________

١ ـ الأنعام : ٧٥.

٢ ـ الأعراف : ١٤٣.

٣ ـ التوحيد : ١٢٢.

٥١٩

فماذا تردّون على هذا الكلام؟

ج : قد ثبت بالأدلّة العقلية والنقلية استحالة رؤية الله تعالى ؛ لأنّه ليس بجسم ، إذ الجسمية تستلزم المحدودية ، وهي تستلزم النقص ، وكلّ ذلك من ملازمات الممكن ، والله واجب الوجود ، فلا يمكن رؤيته في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) (١).

أمّا الرؤية القلبية ، فهي ثابتة لمن توصّل إلى المقامات العالية في معرفة الله تعالى ، كما قال الإمام علي عليه‌السلام : ( ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ) (٢) ، وعليه تحمل بعض الآيات والروايات التي فيها إشارة إلى رؤية الله تعالى.

( أبو علي سجّاد ـ السعودية ـ .... )

لم تتحقّق لموسى :

س : لديّ تساؤل بسيط حول موضوع التجسيم الذي لا نعتقده ، ولكن هناك آية صريحة في القرآن حول مطالبة نبيّ الله موسى عليه‌السلام رؤية الله ، فهل كان اعتقاد موسى بالتجسيم؟ وكيف تجلّى الله عزّ وجلّ للجبل؟

وفي الختام ، تحياتي للجميع ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ النبيّ موسى عليه‌السلام يعتقد بعدم إمكان رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة؛ لأنّه يلزم منه التجسيم ، وسؤاله عليه‌السلام عن رؤية المولى عزّ وجلّ لم يكن بدافع من نفس موسى عليه‌السلام ، بل بضغط من قومه.

نذكر لكم رواية واحدة عن الإمام الرضا عليه‌السلام تؤيّد ما نقوله : قال علي بن محمّد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون ، وعنده الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون؟ قال : ( بلى ) ، فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فما

____________

١ ـ الأنعام : ١٠٣.

٢ ـ الكافي ١ / ٩٨.

٥٢٠