مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-03-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٢٣
الامتثال لكلّ ما يأمر به النبيّ صلىاللهعليهوآله واتباعه في كلّ شيء.
فلو فرضنا أنّ الأنبياء موجودون في زمان النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ونصّ على إمامة الأئمّة عليهمالسلام ، وأمر بأتباعهم ، فهل يسع الأنبياء مخالفة ذلك؟
وحينئذ نسأل أيّهما أفضل الإمام أم المأموم؟ والتابع أم المتبوع؟ وإذا ثبتت أفضليتهم في هذا الحال ، فهي ثابتة في كلّ الأحوال ، فليس هناك ما يمنع من أفضلية الأئمّة عليهمالسلام على سائر الأنبياء ، لا عقلاً ولا شرعاً.
الرابع : إنّ أهل السنّة رووا في كتبهم : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : ( علماء أُمّتي كأنبياء بني إسرائيل ) (١) ، أو بمنزلة أنبياء بني إسرائيل ونحو ذلك ، وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله يفتخر بعلماء أُمّته يوم القيامة ، فإذا كان العالم المسلم من أُمّة النبيّ صلىاللهعليهوآله بهذه المنزلة والمكانة ، وهو مهما بلغ في علمه فليس بمعصوم ، فكيف بمن نصّ القرآن على عصمتهم؟ ونوهّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بفضلهم ، وورثوا العلوم عن النبيّ صلىاللهعليهوآله واستغنوا عن الناس في المعارف والعلوم ، واحتياج الناس إلى علومهم ومعارفهم.
الخامس : في صفة منبر الوسيلة من النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه منبر يؤتى به في يوم القيامة ، فيوضع عن يمين العرش ، فيرقى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ثمّ يرقى من بعده أمير المؤمنين عليهالسلام ، فيجلس في مرقاة دونه ، ثمّ الحسن في مرقاة دونه إلى آخرهم ، ثمّ يؤتى بإبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء ، فيجلس كلّ واحد على مرقاته من دون المراقي ... (٢).
هذا ، وقد وقع الخلاف بين أصحابنا في أفضلية الأئمّة عليهمالسلام على الأنبياء عليهمالسلام ، ما عدا جدّهم صلىاللهعليهوآله ، فذهب جماعة إلى أنّهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أُولي العزم ـ فهم أفضل من الأئمّة ـ وبعضهم إلى مساواتهم ، وكما ذكرنا سابقاً فإنّ
____________
١ ـ كشف الخفاء ٢ / ٦٤ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ٣٢٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٣٣٧ ، فيض القدير ١ / ٢١.
٢ ـ اللمعة البيضاء : ٢١٧.
أكثر المتأخّرين على أفضلية الأئمّة على أُولي العزم وغيرهم ، وهو الرأي الصحيح.
وهناك الكثير من الأدلّة على أفضلية الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام على جميع الأنبياء والمرسلين ، أعرضنا عن ذكرها خوف الإطالة عليك ، وللتعرّف على المزيد ، راجع الكتب الآتية :
اللمعة البيضاء للتبريزيّ الأنصاريّ ، أفضلية الأئمّة عليهمالسلام لمركز المصطفى ، تفضيل الأئمّة عليهمالسلام للسيّد علي الميلانيّ.
ويمكن أن نستدلّ بطريقة أُخرى ، وهي :
١ ـ أن نثبت الإمكان العقلي ، بأن يكون هناك شخص أفضل من الأنبياء حتّى أُولي العزم ، وهذا واضح فهو ليس بعزيز على الله ولا يلزم منه محذور.
٢ ـ أن نثبت الوقوع والوجود لمثل هذا الشخص بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وهو أمير المؤمنين عليهالسلام أوّل الأئمّة ، بأدلّة عديدة :
منها : مساواته للنبيّ صلىاللهعليهوآله ما عدا النبوّة ، كما في آية المباهلة ، فهو نفس النبيّ صلىاللهعليهوآله والنبيّ أفضل ؛ فنفسه وهو علي أفضل.
ومنها : حديث الطائر ، ومفاده أنّ عليّاً عليهالسلام أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ ، وكذلك أحاديث تشبيه علي عليهالسلام بالأنبياء عليهمالسلام.
٣ ـ أن نثبت وقوع الأفضلية لإمام آخر ، وهو المهديّ عليهالسلام من خلال ما تواتر من صلاة عيسى خلفه ، وأنّه من اتباعه.
٤ ـ أن نوسّع ما ثبت أعلاه حتّى يشمل بقية الأئمّة عليهمالسلام ، أمّا بأحد الأدلّة المذكورة في الجواب الأوّل ، أو بطريق الروايات الواردة عن أهل البيت عليهمالسلام أنفسهم ، كما أوردنا آنفاً ، بعد أن أثبتنا أفضلية علي عليهالسلام ، والمهديّ من القرآن وروايات أهل السنّة ، وكذلك أنّ الأئمّة كلّهم نور واحد ، وغيرها.
٥ ـ وبعضهم استدلّ بوجوب معرفة الأئمّة عليهمالسلام ـ وعدم وجوب معرفة الأنبياء كلّهم ـ على أفضليتهم على الأنبياء.
( أحمد ـ ... ـ ..... )
على الشيخين :
س : الله يعطيكم العافية على جهودكم الجبّارة.
سمعت في إحدى حلقات مناظرة قناة المستقلّة : أنّ الإمام الصادق عليهالسلام كان يؤنّب كلّ من يقول بأفضلية الإمام علي عليهالسلام على أبي بكر وعمر ، وأنّه عليهالسلام له مناظرات معهم في ذلك ، فما هو تعليقكم على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.
ج : هذه الشبهة والدعوى ليست جديدة أو وليدة الساعة ، وإنّما استغلّت الوسائل الحديثة ، ومنها المحطّات الفضائية ، وقناة المستقلّة بالخصوص في هذا الوقت لنشرها ، وغيرها من الشبهات بصورة واسعة ، محاولة لتشكيك عوام الشيعة في عقائدهم ، ولابأس أن تسأل عمّا يحدث من عقد صفقات مع هذه القناة بالخصوص وراء الكواليس ، وعلى كلّ فهذا ليس موضوعنا الآن!
نعود إلى موضوع الشبهة ، فقد طرحه ابن حجر الهيتميّ في ( الصواعق المحرقة ) ، وقد نقل عدّة روايات عن الدارقطنيّ وغيره من العامّة ، يوحي ظاهرها بما نسب للإمام الصادق عليهالسلام في أصل الشبهة ، وتبعه غيره منهم إحسان إلهيّ ظهير ، وقد أخذ ذلك منه عثمان الخميس ، ليس هذه الشبهة فحسب ، وإنّما كلّ ما يطرحه سواء على المستقلّة أو في محاضراته ومناظراته الأُخرى.
وعلى كلّ ، فإنّي لم استطع أن أخرج هذه الروايات عن الدارقطنيّ لا من سننه ولا من علله ، فربّما نقلت في كتاب آخر له لم يحضرني ، ولكن مع ذلك فقد روى جلّها المزّي في ( تهذيب الكمال ) ، والذهبيّ في ( سير أعلام النبلاء ) ، وابن حجر العسقلانيّ في ( تهذيب التهذيب ) ، وكذا رويت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل.
والغرض من إيرادها في الكتب الثلاثة الأُولى للرجال واضح ، وهو تأكيد فحوى الشبهة المطروحة ، فإنّهم لا يستطيعون التخلّي عن الإمام الصادق عليهالسلام والسكوت عنه ، وكذا لا يستطيعون الترجمة له بما هو مشهور عن مذهب أهل
البيت عليهمالسلام ، وما هو معروف عند الشيعة الإمامية ، فاضطرّوا إلى نقل مثل هذه الروايات عنه للادعاء بأنّه عليهالسلام على مذهب السنّة ، وهو موضوع الشبهة الأصلي كما تعرف ، حيث كان يكرّر عثمان الخميس أنّ جعفرنا غير جعفركم ، وهو نوع من المغالطة.
على كلّ ، فإنّ ما نقل من الروايات بعضه الأكثر عن سالم بن أبي حفصة وهو ضعيف ، كان زيدياً بترياً ، وقد ضعّفه الألبانيّ عندهم ، ومن الواضح أنّ من مثله يتقيّ منه الإمام عليهالسلام ، وبعضها الآخر إمّا عن غيره من الضعفاء أو رجال العامّة ، وأمّا ظاهرة واضحة في التقيّة ، أو لا تدلّ على المطلوب أصلاً.
وقد أجاب عن أكثرها القاضي التستري في ( الصوارم المهرقة ) ، الذي هو ردّ على ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر الهيتميّ.
ثمّ أنّ ما ذُكر في أصل الشبهة مجمل يراد به خلط الأوراق وإيهام السامع ، إذ يجب أن تطرح الشبهة على عدّة أقسام :
١ ـ أنّ الإمام الصادق عليهالسلام كان ينهى عن سبّ ولعن الشيخين ، أو أن يفاضل أحد بينهما وبين علي عليهالسلام.
٢ ـ أنّ الإمام الصادق عليهالسلام كان يقول بأفضليتهما على جدّه أمير المؤمنين عليهالسلام.
٣ ـ أنّه كان يرجو شفاعتهما يوم القيامة.
٤ ـ أنّه كان يتولاّهما.
٥ ـ أنّه كان يعتقد بأنّهما تسلّما موضع الخلافة عن حقّ.
٦ ـ أنّه كان يعتقد أنّهما لم يظلما فاطمة عليهاالسلام ، أو أهل البيت عليهمالسلام عموماً ، ولم يغتصبا حقّهم.
ولعلّ بعض الأقسام داخلة في البعض ، ونحن نحاول أن نجيب على بعضها مختصراً ، ونكتفي به عن الجواب عن الباقي من الأقسام.
وللجواب نقدّم مقدّمة وهي : إنّ كلّ ما روي من طرق الآخرين ليس حجّة علينا ، وإنّما الحجّة أن تكون من طرقنا ، هذا فضلاً عمّا ذكرناه سابقاً
من الحمل على التقيّة ، وضعف السند ، وعدم الدلالة على المطلوب ، وعليه بعد التسليم بصحّة طرق هذه الروايات عندهم ، أو أنّ بعضها يدعم البعض ، نقول :
الجواب على الأوّل : في الروايات التي فيها نهي عن السبّ ، فنحن أيضاً نقول به ، إذ ليس من أخلاق أئمّتنا السبّ ، أو أنّهم يرضون لشيعتهم أن يسبّوا أعدائهم ، ونهي أمير المؤمنين عليهالسلام أصحابه عن سبّ أصحاب معاوية معروف مشهور.
وأمّا النهي عن اللعن والتفضيل ، فالتقيّة لحفظ كيان الطائفة من الأُمور الواجبة ، وسيأتي لعنهما منه عليهالسلام في غير مورد التقيّة.
وعلى الثاني : بغض النظر عن أدلّة الشيعة في فضل علي عليهالسلام وأنّه مساوٍ لرسول الله صلىاللهعليهوآله ونفسه بآية المباهلة ، أُورد لك هنا حديثين عن الإمام الصادق عليهالسلام من عشرات الأحاديث عنه ، وعن باقي الأئمّة ، وعليك باستخراج الباقي.
روى الشيخ الصدوق بسنده عن التميميّ قال : حدّثني سيّدي علي بن موسى الرضا عليهماالسلام قال : ( حدّثني أبي موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أخي الحسن بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : قال لي النبيّ صلىاللهعليهوآله : أنت خير البشر ، ولا يشكّ فيك إلاّ كافر ) (١).
وعن سنان بن طريف عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : ( إنّا أوّل أهل بيت نوّه الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى : اشهد أن لا اله إلاّ الله ـ ثلاثاً ـ اشهد أنّ محمّداً رسول الله ـ ثلاثاً ـ اشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً ـ ثلاثاً ـ ) (٢).
____________
١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ١٣٦.
٢ ـ الكافي ١ / ٤٤١.
فمن يروي مثل هذه الأحاديث كيف يفضّل على جدّه علي عليهالسلام غيره كائناً من كان؟ وأرجو الانتباه أنّه هنا لا يجدي تضعيف مثل هذه الروايات الذي ربما يلجأ إليه الخصم ، وذلك لكثرة الصحيح منها ، ثمّ أنّها تدخل في التواتر مضموناً ـ فلاحظ ـ.
وعلى الثالث : فعن محمّد بن المثنى الأزدي : أنّه سمع أبا عبد الله جعفر بن محمّد عليهماالسلام يقول : ( نحن السبب بينكم وبين الله عزّ وجلّ ) (١).
فإذا كان الإمام الصادق عليهالسلام هو السبب بين الله والناس ، فكيف يجعل بينه وبين الله أبو بكر وعمر سبباً ، وفي باب الشفاعة روايات صريحة لم يسعفني الوقت بتتبعها وإيرادها ، فراجع.
ولكن اسمع هذه الرواية عن حنان بن سدير قال : حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : ( إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة لسبعة نفر : أوّلهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، واثنان في بني إسرائيل هودّا قومهما ونصّراهما ، وفرعون الذي قال : أنا ربّكم الأعلى ، واثنان من هذه الأُمّة ، أحدهما شرّهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار ) (٢).
فإذا كانا في تابوت من نار ، فكيف يشفعان له عليهالسلام!
وعلى الرابع : عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السرّاج قالا : سمعنا أبا عبد الله عليهالسلام ، وهو يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرجال ، وأربعاً من النساء : التيمي والعدوي وفعلان ومعاوية ـ ويسميهم ـ وفلانة وفلانة وهند وأُمّ الحكم أخت معاوية (٣) ، فهل معنى هذا أنّه يتولاّهما؟!
وعلى الخامس : عن إسحاق بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه
____________
١ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ١٥٧.
٢ ـ ثواب الأعمال : ٢١٤.
٣ ـ تهذيب الأحكام ٢ / ٣٢١.
جعفر بن محمّد ، عن آبائه عليهمالسلام قال : ( خطب أمير المؤمنين عليهالسلام خطبة بالكوفة ، فلمّا كان في أخر كلامه قال : ألا وإنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلاّ وقلت : والله أنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولمّا ولي تيم وعدي ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك؟
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : ( يا بن الخمّارة ، قد قلت قولاً فاسمع منّي : والله ما منعني من ذلك إلاّ عهد أخي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أخبرني وقال لي : يا أبا الحسن ، إنّ الأُمّة ستغدر بك وتنقض عهدي ... ) (١).
فهذه صريحة بأنّهما لم يجلسا مجلس الخلافة بحقّ ، وهي عن الإمام الصادق عليهالسلام.
وعلى السادس : عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : ( لمّا انصرفت فاطمة عليهاالسلام من عند أبي بكر ، أقبلت على أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقالت : يا ابن أبي طالب ، اشتملت مشيمة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحلة أبي وبليغة ابني ، والله لقد أجدّ في ظلامتي ، وألدّ في خصامي ... ) (٢) ، فهي صريحة في ظلامة فاطمة عليهاالسلام.
وعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : لمن كان الأمر حين قبض رسول الله؟ قال : ( لنا أهل البيت ) ، فقلت : فكيف صار في تيم وعدي؟
قال : ( إنّك سألت فافهم الجواب : إنّ الله تعالى لمّا كتب أن يفسد في الأرض ، وتنكح الفروج الحرام ، ويحكم بغير ما أنزل الله ، خلا بين أعدائنا
____________
١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٨٠.
٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٦٨٣.
وبين مرادهم من الدنيا حتّى دفعونا عن حقّنا ، وجرى الظلم على أيديهم دوننا ) (١).
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّ الله عزّ وجلّ منّ علينا بأن عرّفنا توحيده ، ثمّ منّ علينا بأن أقررنا بمحمّد صلىاللهعليهوآله بالرسالة ، ثمّ اختصّنا بحبّكم أهل البيت ، نتولاّكم ونتبرّأ من عدوّكم ، وإنّما يريد الله بذلك خلاص أنفسنا من النار ، قال : ورققت وبكيت.
فقال أبو عبد الله عليهالسلام : ( سلني فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به ) ، قال : فقال له عبد الملك بن أعين : ما سمعته قالها لمخلوق قبلك ، قال : قلت : خبّرني عن الرجلين.
قال : ( ظلمانا حقّنا في كتاب الله عزّ وجلّ ، ومنعا فاطمة عليهاالسلام ميراثها من أبيها ، وجرى ظلمهما إلى اليوم ) ، قال ـ وأشار إلى خلفه ـ : ( ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما ) (٢).
وفي ما أوردناه كفاية ، وإنّما أردنا أن نستعرض تفاصيل الجواب على هذه الشبهة وأمثالها ، من نسبة تولّي الأوّلين إلى كلّ الأئمّة عليهمالسلام ، أو إلى بني هاشم أو أولاد فاطمة ، فإنّ الجواب عليها بالأسلوب الذي سلكناه ، وعليكم التفصيل وإيراد الشواهد ، فإنّ في الباب مئات الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، وعشرات عن الإمام الصادق عليهالسلام بالخصوص صالحة للاستشهاد بها هنا ، تفوق حدّ التواتر مضموناً ، ولا مجال للطعن فيها سنداً.
____________
١ ـ المصدر السابق : ٢٢٦.
٢ ـ الكافي ٨ / ١٠٢.
التقيّة :
( حمدي صالح. الكويت. سنّي )
جائزة للأدلّة الأربعة :
س : ما معنى كلمة التقيّة؟ هل تعني الكذب؟
فقد جاء في كتاب أُصول الكافي للكليني : عن أبي عمر الأعجمي قال : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : ( يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقيّة ، ولا دين لمن لا تقيّة له ... ) ، فما المقصود بالتقيّة؟
أرجوكم أرشدوني ، فقد تزايدت صفحات المتهجّمين على إخواننا الشيعة ـ أنا سنّي أحبّ الشيعة ، لأنّكم تحبّون أهل البيت ـ ومع السلامة.
ج : إنّ التقيّة رخصة شرعيّة في كتاب الله ، وسنّة الرسول صلىاللهعليهوآله ، تعمل في موارد الخوف والخطر والضرر.
وقد جرت سيرة الأنبياء والأولياء والمؤمنين على العمل بها ، وقد استدلّ لجوازها بالأدلّة الأربعة :
الدليل الأوّل : القرآن :
قال تعالى : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) (١).
فنجد مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه خوفاً من الضرر.
وقال تعالى : ( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
____________
١ ـ غافر : ٢٨.
بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (١).
فنجد الصحابيّ الجليل عمّار بن ياسر يعمل بالتقيّة ، والنبيّ صلىاللهعليهوآله يمضي عمله ، ويجوّز له العمل بها.
وقد اشتهر في كتب التفسير : أنّ هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر الذي عُذّب في الله ، حتّى ذكر آلهة المشركين ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( إن عادوا فعد ) (٢).
وهناك آيات أُخرى دالّة بالصراحة ، أو بالضمن على التقيّة ، وهن :
١ ـ ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ) (٣).
٢ ـ الكهف : ١٩.
٣ ـ الأنعام : ١١٩.
٤ ـ البقرة : ١٩٥.
٥ ـ الحالجواب : ٧٨.
٦ ـ فصّلت : ٣٤.
الدليل الثاني : السنّة :
إنّ الروايات الدالّة على جواز التقيّة كثيرة ، منها :
____________
١ ـ النحل : ١٠٦.
٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٥٧ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٨ / ٢٠٨ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٨ ، شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٠٢ ، جامع البيان ١٤ / ٢٣٧ ، أحكام القرآن للجصّاص ٢ / ١٣ و ٣ / ٢٤٩ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٠ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٦٠٩ ، الدرّ المنثور ٤ / ١٣٢ ، تفسير الثعالبي ٣ / ٤٤٣ ، فتح القدير ٣ / ١٩٨ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٤٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٣٧٣ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٤١١.
٣ ـ آل عمران : ٢٨.
١ ـ سئل الإمام الصادق عليهالسلام عن التقيّة؟ فقال : ( التقيّة من دين الله ) ، قلت : من دين الله؟
قال : ( إي والله من دين الله ، ولقد قال يوسف : ( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) ، والله ما كانوا سرقوا شيئاً ، ولقد قال إبراهيم : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) ، والله ما كان سقيماً ) (١).
وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون.
٢ ـ أخرج البخاريّ من طريق قتيبة بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، أنّ عائشة أخبرته ، أنّه استأذن على النبيّ صلىاللهعليهوآله رجل قال صلىاللهعليهوآله : ( ائذنوا له فبئس ابن العشيرة ) ـ أو بئس أخو العشيرة ـ فلمّا دخل ألان له الكلام.
فقلت له : يا رسول الله ، قلت ما قلت ، ثمّ ألِنت له في القول؟
فقال : ( أي عائشة ، إنّ شرّ الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه ) (٢). الدليل الثالث : الإجماع :
اتّفق جميع المسلمين وبلا استثناء على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يدعو الناس سرّاً إلى الإسلام ، مدّة ثلاث سنين من نزول الوحي ، فلو كانت التقيّة غير مشروعة لكونها نفاقاً ، لما مرّت الدعوة إلى الدين الحنيف بهذا العمر من التستّر والكتمان.
وقد نقل الإجماع ـ على أنّ التقيّة مشروعة وجائزة ـ جمهرة من علماء السنّة ، منهم : القرطبيّ المالكيّ (٣) ، ابن كثير الشافعيّ (٤).
الدليل الرابع : العقل أو العقلاء :
إنّ التقيّة موافقة لمقتضاه ، فإنّ جميع الناس يستعملونها في حالات الخطر
____________
١ ـ الكافي ٢ / ٢١٧ ، المحاسن ١ / ٢٥٨.
٢ ـ صحيح البخاريّ ٧ / ١٠٢.
٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٢.
٤ ـ تفسير القرآن العظيم ٢ / ٦٠٩.
والضرر ، من دون أن يسمّوها تقيّة.
الفتاوى والأقوال :
وأمّا فقه المذاهب الإسلاميّة ، فقد ذهبوا إلى جوازها فتجد :
١ ـ الإمام مالك يقول بعدم وقوع طلاق المكره على نحو التقيّة ، محتجّاً بذلك بقول الصحابيّ ابن مسعود : ( ما من كلام يدرأ عنّي سوطين من سلطان إلاّ كنت متكلّماً به ) (١).
ولاشكّ أنّ الاحتجاج بهذا القول ، يعني جواز إظهار خلاف الواقع في القول عند الإكراه ، ولو تمّ أي الإكراه بسوطين.
٢ ـ ابن عبد البرّ المالكيّ (٢) حيث أفتى بعدم وقوع عتق المكره وطلاقه ، ولو كانت التقيّة لا تجوز في العتق والطلاق عند الإكراه من ظالم عليهما لقال بوقوعهما.
وغيرهما كثير (٣).
( علي حسين ـ السعودية ـ سنّي )
هي أمر فطري :
س : الذي أعرفه ويعرفه الكثيرون أنّ أُصول مذهبكم تقوم على التقيّة.
ج : إنّ مقتضى الإنسانية : أن يكون الإنسان ذا إنصاف في الحكم على من يعتقد غير عقيدته ، وأن يتفحّص أوّلاً ، ويقرأ كتب علماء المتخاصمين ثمّ يحكم ، لا أن يتكلّم بجهل وعدم دراية.
____________
١ ـ المدونة الكبرى ٣ / ٢٩.
٢ ـ أُنظر : الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٠٣.
٣ ـ أُنظر : تفسير ابن جزي : ٣٦٦ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٢ ، المبسوط للسرخسيّ ٢٤ / ٤٨ و ٥١ و ٧٧ و ١٥٢ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٨ ، المجموع ١٨ / ٣ ، المغني لابن قدامة ٨ / ٢٦٢.
وعليه نوصيك بمطالعة كتب الشيعة أوّلاً ، ثمّ تحكيم العقل ، فإنّ التقيّة أمر فطريّ ، تستعملها أنت وجميع البشرية ، من دون أن تعرف أنّها تقيّة.
فالتقيّة لا تستعمل إلاّ في حالات الخوف الشديد ، حيث يضطرّ الإنسان إلى إظهار غير ما يعتقد ، وكتمان ما يعتقد.
هذا ، وفي القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة ، ما هو صريح في التقيّة.
ثمّ لم نعرف مقصودك من أنّ أُصول مذهبكم تقوم على التقيّة ، إذ أنّ أُصول المذهب الشيعيّ هي الأُصول والأركان الأساسيّة للدين الإسلاميّ ، والتي تقوم على أدلّة مبرهنة وواضحة ، وإنّما التقيّة حكم من أحكامها ولها أدلّتها ، ولكن ليست هي من أُصول المذهب حتّى تزعم أنّ الدين والعقيدة تقوم على أساسها.
( جعفر ـ الكويت ـ .... )
لا تقيّة في النبيذ والمسح على الخفّين :
س : قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : ( والتقيّة في كلّ شيء إلاّ في النبيذ ، والمسح على الخفّين ) (١).
أرجو منكم شرح العبارة السابقة ، وما الحكمة من ذلك؟ وشكراً لكم على جهودكم.
ج : قد أشار الإمام الصادق عليهالسلام بقوله : ( والتقيّة في كلّ شيء ) إلى أنّ التقيّة غير مختصّة بالأحكام والأعمال الدينية ، بل تكون في الأفعال العرفية أيضاً ، مثل الخلطة بهم ، وعيادة مرضاهم ، ونحوها.
وأمّا عدم التقيّة في شرب النبيذ ، ومسح الخفّين ، هو لعدم وقوع الإنكار فيهما من العامّة غالباً ، لأنّ أكثرهم يحرّمون المسكر ، ولا ينكرون خلع
____________
١ ـ الكافي ٢ / ٢١٧.
الخفّ ، وغسل الرجلين ، بل الغسل أولى منه ، نعم ، إذا قدّر خوف ضرر نادراً جازت التقيّة.
وجاء في شرح أُصول الكافي : ( وقال الشيخ الطوسيّ : لا تقيّة فيهما لأجل مشقّة يسيرة لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال ، وإن بلغت أحدهما جازت.
ويقرب منه قول من قال : لا ينبغي الاتقاء فيهما ، وإن حصل ضرر عظيم ، ما لم يؤدّ إلى الهلاك.
وقيل : عدم الاتقاء مختصّ بالمعصوم عليهالسلام ، باعتبار أنّ الاتقاء لا ينفعه ، لكون لا حكم فيها معروفاً من مذهبه ) (١).
( ... ـ .... ـ .... )
مفهومها وأنواعها :
س : ورد في أحد الأخبار : أنّ معاوية أتى باثنين ، فأمرهما بسبّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، ففعل أحدهما فأطلقه معاوية ، وامتنع الآخر فقتله ، فلمّا سمع بذلك الإمام علي عليهالسلام قال ما معناه : ( أمّا الأوّل فبرخصة الله أخذ ... ) ، فهل معنى هذا أنّه يجوز ترك العمل بالتقيّة؟
وهل توجد تقيّة اسمها تقيّة تخييرية؟
ج : هذه القصّة مروية عن الرسول صلىاللهعليهوآله في رجلين عُرض عليهما البراءة منه صلىاللهعليهوآله ، فأبى أحدهما ، ووافق الآخر تقيّة ، إلى آخر القصّة.
وطبيعي أنّ التقيّة إذا اجتمعت شروطها لاشكّ في صحّتها بل وجوبها ، كما حدّث القرآن الكريم بقوله : ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) (٢) ، وقوله : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (٣).
____________
١ ـ شرح أُصول الكافي ٩ / ١١٩.
٢ ـ آل عمران : ٢٨.
٣ ـ النحل : ١٠٥.
فالتقيّة هي أسلوب في التحفّظ على الحقّ ، حتّى لا يلزم إلحاق الضرر بالحقّ نفسه ، أو بأهل الحقّ إذا خيف من إظهاره ، ما لم يُخش على نفس الحقّ من الضياع ، فإذا تعرّض نفس الحقّ إلى الضياع بسبب التقيّة فلا تقيّة فيه ، وهذا ما يعبّر عنه بحفظ بيضة الإسلام ، أو بيضة الحقّ.
ثمّ إنّ الإنسان يكون في بعض المواقع مخيّراً بين التقيّة وعدمها ، وذلك من خلال موازنة المصالح والمفاسد ، فأحياناً تكون التقيّة واجبة ، وأحياناً محرّمة ، وأحياناً يتخيّر الإنسان ، والظاهر من الرواية أنّ الموقع كان موقع تخيير ، وهذا هو معنى التقيّة التخييرية.
هذا بناءً على صحّة الرواية ، والله أعلم.
( محمّد إسماعيل قاسم ـ الكويت ـ ١٦ سنة ـ طالب )
معالجة ما يعارضها في صحيحة زرارة :
س : ذكر الشيخ السبحانيّ في المسح على الخفّين على ضوء الكتاب والسنّة :
١ ـ روى الشيخ الطوسيّ في التهذيب بسند صحيح عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قلت له : هل في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال : ( ثلاثة لا أتقيّ منهن أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ ) (١).
ووجدت في العروة الوثقى : ( يجوز المسح على الحائل ـ كالقناع والخف والجورب ونحوها ـ في حالة الضرورة من تقيّة ، أو برد يخاف منه على رجله ... ) (٢).
والسؤال هو : أنّ في الحديث يقول الإمام بعدم جواز التقيّة في المسح على الخفّ ، وفي المسألة عكس ذلك؟ ودمتم موفّقين.
____________
١ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٣٦٢.
٢ ـ العروة الوثقى : ٦٩.
ج : الأحكام الفقهيّة لا تستنبط عادةً من رواية واحدة وإن كانت صحيحة ، بل من مجموع النصوص الواردة في المسألة ، أي يجب على الفقيه أن يتتبّع كافّة الأحاديث المتعلّقة بالموضوع ، ثمّ يميّز المعتبر منها ، ويرى وجه الجمع بينها إن كانت متعارضة من حيث الدلالة ، ثمّ يخرج بالنتيجة التي تعتبر فتواه.
فلربما حديث صحيح سنداً ، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه بسبب معارضته بمثله مدلولاً ، فيطرح في مقام الاستدلال.
وفي موضوع س : وردت روايات كثيرة ـ فيها معتبرات ـ على جواز أو وجوب التقيّة مطلقاً ـ أي في كافّة الموارد ـ فيتعارض إطلاق هذه الأخبار مع صحيحة زرارة.
وفي هذا المقام ذكر الفقهاء عدّة وجوه للجمع بين الطرفين :
منها : أنّ صحيحة زرارة تحمل على نفي وجوب التقيّة في تلك الموارد ، والأخبار المطلقة تنصرف إلى جواز التقيّة من دون وجوب ؛ فتكون التقيّة في هذه الموارد الثلاث جائزة ، وفي غيرها واجبة.
ولعله مراد زرارة حيث علّق في ذيل الصحيحة المذكورة فقال : ولم يقل عليهالسلام : الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهن أحداً.
منها : المراد من نفي التقيّة في هذه الموارد المذكورة ، نفيها موضوعاً لا حكماً ؛ أي لا فرض للتقيّة غالباً في تلك الموارد ، لاختلاف مذاهب المخالفين فيها ، فلا يكون في ترك المسح على الخفّين خوف الضرر.
وبعبارة أُخرى : بما أنّ غير الشيعة يختلفون في هذه المسألة ، فتوجد هناك مندوحة ورخصة عملية في ترك المسح على الخفّ ، بل المسح على البشرة ، فإن اطلع على هذا العمل أحد منهم ، يتوهّم أنّه على مذهب من مذاهبهم.
التكتّف :
( .... ـ أمريكا ـ .... )
الظاهر أنّه من محدثات عمر :
السؤال : أُودّ أن أشكركم على الجهود التي تبذلونها لوجه الله تعالى في الردّ على بعض الشبهات ، التي نقابلها من بعض الجماعة الذين عندهم حبّ استطلاع عن مذهب آل البيت عليهمالسلام ، ماذا يكون ردّنا على هؤلاء ، من يقول بأنّ الشيعة تختلف عن بقية المذاهب في الصلاة ، حيث أنّ الشيعة يسبلون وغيرهم يتكتّف ، أو يشبك اليدين عند القيام ، وجزاكم الله عنّا خيراً.
ج : الإسبال عندنا في الصلاة واجب ، لورود مجموعة من الروايات عن أهل البيت عليهمالسلام.
وأمّا التكتّف في الصلاة ـ أو ما يسمّى التكفير ـ فالظاهر أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أحدثه ، كما جاء في جواهر الكلام : ( حكي عن عمر لمّا جيء بأُسارى العجم كفّروا أمامه ، فسأل عن ذلك ، فأجابوه : بأنّا نستعمله خضوعاً وتواضعاً لملوكنا ، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة ، وغفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع ) (١).
ولابدّ لهذه الحكاية المنقولة من وجه ، مع النظر إلى إنكار المالكيّة وجوبه ، بل وترى كراهيّته في الفرائض (٢) ، خصوصاً أنّ الشافعيّ وأبا حنيفة ، وسفيان
____________
١ ـ جواهر الكلام ١١ / ١٩.
٢ ـ أُنظر : المدونة الكبرى ١ / ٧٤ ، بداية المجتهد ١ / ١١٢ ، المجموع ٣ / ٣١١ ، نيل الأوطار ٢ / ٢٠٠ ، المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، المبسوط للسرخسيّ ١ / ٢٠.
وأحمد بن حنبل ، وأبا ثور وداود ، كانوا يذهبون إلى استحبابه لا وجوبه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال (١).
وعلى الأخصّ ذكر ابن أبي شيبة : ( أنّ الحسن والمغيرة ، وابن الزبير ، وابن سيرين ، وابن المسيّب ، وسعيد بن جبير ، والنخعي كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة ، ولا يضعون إحداهما على الأُخرى ، بل كان بعضهم يمنع وينكر على فاعله ) (٢).
ومع هذا الاختلاف الواسع في حكمه ـ مع أنّ كيفية صلاة النبيّ صلىاللهعليهوآله كانت بمرأى ومنظر الصحابة كلّهم ـ هل يعقل أن يكون من السنّة؟! فالإنصاف أن نحكم بأنّه بدعة ابتدع في زمن ما ، خصوصاً بالنظر إلى الروايات المذكورة في كتب الشيعة ، بأنّ هذا كان من فعل المجوس ، وأهل الكتاب (٣).
ولا يخفى على المتّتبع : أنّ دخول الفرس المجوس كأُسارى إلى المدينة ، واختلاطهم بالمسلمين كان على عهد عمر ، فلا يبعد أن تكون هذه البدعة قد حدثت في خلافته ، ولم يردعهم هو عن ذلك ، بل وعمل بها ، فأصبحت سنّة متخذّة عندهم.
( ... ـ ... ـ ..... )
ردّ أدلّة أهل السنّة في استحبابه :
س : هل توجد أدلّة نقلية ، وخاصّة من الكتب السنّية ـ مثل البخاريّ أو مسلم أو غيره ـ تثبت أنّ رسول الله لم يصلّي متكتّفاً بل صلّى مسبلاً ، لأنّه تسبّب لي بعض المضايقات ، حيث يسألوني بعض الأصدقاء : لماذا أخالفهم
____________
١ ـ فتح الباري ٢ / ١٨٦.
٢ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٤٢٨ ، المجموع ٣ / ٣١١ ، المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، الشرح الكبير ١ / ٥١٤ ، عمدة القارئ ٥ / ٤٠٧.
٣ ـ الكافي ٣ / ٢٩٩ ، دعائم الإسلام ١ / ١٥٩ ، علل الشرائع ٢ / ٣٥٨.
في الصلاة؟ وبأنّ الرسول كان يصلّي متكتّفاً ، ولم يصلّي يوماً مسبلاً ، ودمتم في رعاية الله وحفظه.
ج : وردت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام تنهى عن التكتّف في الصلاة ، ولهذا حكم فقهاؤنا ببطلان الصلاة به ، وللوقوف على بعض تلك الروايات ، راجع كتاب وسائل الشيعة للشيخ الحرّ العامليّ / كتاب الصلاة / باب ١٥ من قواطع الصلاة ح ١ ـ ح ٧.
فإنّه ورد لا تكفّر ، فإنّما يفعل ذلك المجوس. والتكتّف في الصلاة عمل ، وليس في الصلاة عمل.
ولو كان التكتّف ثابتاً عن النبيّ صلىاللهعليهوآله لشاع واشتهر ، إذ أنّ الصلاة تؤدّى في كلّ يوم خمس مرّات كفرض ، ما عدا المندوب.
هذا ويرى مالك عدم وجوب التكتّف ، بل يرى كراهيته في الفرائض (١).
ويرى الشافعيّ وأبو حنيفة ، وسفيان وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور وداود إلى استحباب التكتّف لا وجوبه ، وهذا دليل على أنّ التكتّف ليس من واجبات الصلاة فيجوز تركه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال (٢).
ثمّ إنّ حجّة الجمهور في استحباب التكتّف هو أوّلاً : حديث وائل بن حجر ـ الذي انفرد به مسلم في صحيحه ـ أنّه رأى النبيّ رفع يديه حين دخل في الصلاة كبّر ثمّ التحف بثوبه ، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثمّ رفعهما ، ثمّ كبّر فركع ... (٣).
وفيه : أوّلاً : كيف رأى النبيّ صلىاللهعليهوآله واضعاً يده اليمنى على اليسرى بعدما التحف بثوبه؟
وثانياً : رؤية النبيّ صلىاللهعليهوآله واضعاً يده اليمنى على اليسرى لا تدلّ على استحباب
____________
١ ـ المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، المجموع ٣ / ٣١١.
٢ ـ فتح الباري ٢ / ١٨٦.
٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٣.
العمل ـ كما هم يزعمون ـ بل تدلّ على جواز العمل.
والحجّة الثانية هو : حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم : لا أعلمه إلاّ ينمى ذلك إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، قال إسماعيل : يُنمى ذلك ، ولم يقل : ينمي (١).
وفيه : ما هو الدليل على أنّ الآمر هو النبيّ صلىاللهعليهوآله؟ بل نفس الأمر شاهد على أنّه أمر طارئ وحادث لم يكن في عصر الرسول صلىاللهعليهوآله ، وإلاّ فلا يحتاج إلى الأمر به ، لأنّ رؤية صلاته صلىاللهعليهوآله كانت كافية على الأمر به ، وإذا كان هو أمر حادث بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله فيكون بدعة ، ولا يجوز العمل به ، أو لا أقلّ التجنّب عنه عملاً بالاحتياط.
( .... ـ مصر ـ ٢٣ سنة )
لم يحصل في صلاة النبيّ :
س : هل توجد رواية في كتب أهل السنّة تبيّن كيفية صلاة النبيّ صلىاللهعليهوآله؟ وأنّه مسبل فيها غير متكتّف؟ وإن وجدت فهل سندها قويّاً حتّى يمكن الاستشهاد بها على إخواننا أهل السنّة؟ وشكراً جزيلاً ، ودمتم في بركة الله.
ج : نعم ، وردت رواية ينقلها البيهقيّ في سننه (٢) ، والترمذيّ في سننه (٣) ، وغيرهما (٤) ، ونحن نذكرها بنصّ البيهقيّ قال : ( أخبرنا أبو عبد الله الحافظ : حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ... ، قال حدّثني محمّد بن عمرو بن عطاء ،
____________
١ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٨٠.
٢ ـ السنن الكبرى للبيهقيّ ٢ / ٧٢.
٣ ـ الجامع الكبير ١ / ١٨٨.
٤ ـ أُنظر : مسند أحمد ٥ / ٤٢٤ ، سنن الدارمي ١ / ٣١٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٣٧ ، صحيح ابن حبّان ٥ / ١٨٣.