معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ٢

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٥٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

وقد احتجّ في المنتهى لما اختاره من الكيفيّة بما رواه الكليني في الحسن عن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « رجل بال ولم يكن معه ماء؟ قال : يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه ، فإن خرج بعد ذلك شي‌ء فليس من البول ، ولكنّه من الحبائل » (١).

ولا يخفى عليك أنّ هذا الحديث غير واف بإثبات الكيفيّة التي ذكرها ، وإنّما يصلح دليلا على نفي ما حكاه عن المرتضى حيث لم يذكر في الكيفيّة العصر من عند المقعدة.

ثمّ إنّه عزى إلى المرتضى الاحتجاج بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد ابن أبي عمير عن حفص بن البختريّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يبول؟ قال : ينتره ثلاثا ثمّ إن سال حتّى يبلغ الساق فلا يبالي » (٢).

وأجاب بأنّه لا تنافي بين الحديثين لأنّ المستحبّ الاستظهار بحيث لا يتخلّف شي‌ء من أجزاء البول في القضيب ، وذلك قابل للشدّة والضعف ، ومتفاوت بقوّة المثانة وضعفها.

وهذا الكلام جيّد فإنّ الحديثين متقاربان من جهة الأسناد. ومقتضاهما تأدّي الوظيفة بالأقلّ. وأفضليّة الأكثر.

والزيادة التي ذكرها الأصحاب لا حرج فيها بعد ظهور كون العلّة هي إخراج بقايا البول ؛ فإنّ لكثرة الاستظهار مدخل في حصول الغرض.

ولكنّ العجب من اضطراب كلامهم في ذلك وخصوصا المتأخّرين مع عدم الدليل على ما قالوه ولكونه مخالفا لكلام القدماء.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩ ، وراجع منتهى المطلب ١ : ٢٥٥.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٧ ، الحديث ٧٠.

٤٢١

واعلم أنّ جمعا من الأصحاب منهم سلّار في رسالته ، والعلّامة في التذكرة والنهاية ، والشهيد في أكثر كتبه ذكروا التنحنح في الاستبراء (١) ، ولم نقف فيه على أثر ، ولا ادّعاه أحد منهم ، فلا ندري من أين مأخذه؟

ثمّ إنّ العلّامة اقتصر على مجرّد فعله حينئذ ، وجعله الشهيد مثلّثا ، ونسب الحكم باستحبابه ثلاثا في الذكرى إلى سلّار ، وأراه وهما ؛ لأنّه ذكر التنحنح في جملة كيفيّة الاستبراء ، ووقع في عبارته لفظ الثلاث بعده ، وليس قيدا فيه ، بل في النتر المعتبر في الاستبراء. وهذه عبارته : « إذا قضى حاجته فليمسح بإصبعه الوسطى تحت قضيبه من أصله من تحت انثييه ثلاثا ثمّ ينتر قضيبه ثلاثا فيما بين المسبحة والإبهام وهو يتنحنح ثلاثا » (٢).

وذكر العلّامة والشهيد في التذكرة والذكرى أنّه يستحبّ الصبر هنيئة قبل الاستبراء ، وكأنّ وجهه انتظار خروج بقايا البول ؛ إذ لا نصّ فيه ، بل يلوح من بعض الأخبار ما ينافيه.

فروى الشيخ في الصحيح عن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا انقطعت درّة البول فصبّ الماء » (٣).

وفي الموثّق عن روح بن عبد الرحيم قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا قائم على رأسه ومعي إداوة ـ أو قال كوز ـ فلمّا انقطع شخب البول قال : بيده هكذا

__________________

(١) المراسم : ٣٢ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ١٣١ ، ونهاية الإحكام ١ : ٨١ ، والروضة البهيّة ١ : ٣٤١.

(٢) ذكرى الشيعة : ٢٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١٣١ ، وذكرى الشيعة : ٢٠.

٤٢٢

إليّ فناولته الماء فتوضّأ مكانه » (١).

تذنيب :

الظاهر من كلام أكثر الأصحاب اختصاص الحكم باستحباب الاستبراء بالذكر بل صرّح بذلك جمع منهم.

ويعزى إلى جماعة القول بثبوته للأنثى أيضا وأنّها تستبرئ عرضا.

واختاره العلّامة في المنتهى فقال : الرجل والمرأة في ذلك سواء. وكذا البكر والثيّب ؛ لأنّ مخرج البول غير مخرج البكارة والثيوبة (٢). ولم يتعرّض للمغايرة في الكيفيّة.

وما ورد من الأخبار في هذا الباب مختصّ بالذكر فلا نعرف لتعديته إلى الانثى وجها.

وفي مختصر ابن الجنيد : إذا بالت المرأة تنحنحت بعد بولها (٣).

فرع :

لا نعرف خلافا بين علمائنا في أنّ البلل المتجدّد بعد الاستبراء لا حكم له ، وأنّ الخارج مع عدم الاستبراء بحكم البول.

والخبران السابقان يدلّان على الحكم الأوّل ، مضافين إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يبول ، ثمّ يستنجي ، ثمّ يجد بعد ذلك بللا؟ قال : إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ثمّ

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٣٥٦ ، الحديث ١٠٦٥.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٢٥٦.

(٣) لا يوجد.

٤٢٣

استنجى فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي » (١).

وفي الصحيح عن حريز قال : حدّثني زيد الشحّام وزرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو وذي فلا تغسله إلى أن قال : كلّ شي‌ء خرج منك بعد الوضوء فإنّه من الحبائل » (٢).

وما رواه الكليني في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن العلاء عن أبي يعفور قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بال ثمّ توضّأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا؟ قال : لا يتوضّأ إنّما ذلك من الحبائل » (٣).

والخبران الأخيران وإن كانا خاليين من ذكر الاستبراء فيمكن أن يقيّد إطلاقهما بالأخبار الاوّل. ولو بقيا على ظاهرهما فأولى بالدلالة على المطلوب. هذا. والحكم المذكور موافق لأصالة البراءة ، فلا مجال للتوقّف فيه. وقد ورد حديث يدلّ بظاهره على خلاف ذلك ، وطريقه ليس بنقيّ. وسيأتي الكلام عليه وعلى الحكم الآخر في بحث الوضوء إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الفائدة المذكورة للاستبراء في الذكر يتأتّى في الانثى على القول باستحباب الاستبراء لها.

وأمّا على القول باختصاصه بالذكر فقال بعض المتأخّرين : أنّه يحتمل قويّا الحكم بطهارة الخارج المشتبه منها ، وعدم ترتّب أثر عليه وإن لم يستبر. وهو متّجه ؛ لأنّ الحكم بالنجاسة وترتّب الأثر منوط بالبول. ومع الاشتباه لا يعلم أنّه بول فلا مخرج في حكمه عمّا يقتضيه الأصل.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٠ ، الحديث ٥٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩ ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٩ ، الحديث ٢.

٤٢٤

مسألة [١٩] :

ويجب الاستنجاء من البول والغائط عند علمائنا أجمع ، وأخبارنا به مستفيضة.

فمن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لا صلاة إلّا بطهور ، ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، وبذلك جرت السنّة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا البول فلا بدّ من غسله » (١).

وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل ذكر ـ وهو في صلاته ـ أنّه لم يستنج من الخلا قال : ينصرف ويستنجي من الخلا ويعيد الصلاة » (٢). الحديث.

وعن السندي بن محمّد عن يونس بن يعقوب قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال : يغسل ذكره ويذهب بالغائط » (٣).

مسألة [٢٠] :

ولا استنجاء في أحد المخرجين بخروج الحدث من الآخر ، ولا من الريح بإجماع علمائنا ؛ للأصل.

وما رواه الشيخ عن عمّار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا بال الرجل ولم يخرج منه شي‌ء غيره فإنّما عليه أن يغسل إحليله وحده ، ولا يغسل

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٤٩ ، الحديث ١٤٤.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٥٠ ، الحديث ١٤٥.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٤٧ ، الحديث ١٣٤.

٤٢٥

مقعدته. وإن خرج من مقعدته شي‌ء ولم يبل فإنّما عليه أن يغسل المقعدة وحدها ولا يغسل الإحليل » (١). الحديث.

وما رواه في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : « رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يستيقظ من نومه يتوضّأ ولا يستنجي. وقال كالمتعجّب من رجل سمّاه : بلغني أنّه إذا خرجت منه ريح استنجى » (٢).

مسألة [٢١] :

والواجب في الاستنجاء إزالة النجاسة عن الظاهر وهو مذهب أكثر أهل العلم. قاله في المنتهى (٣).

وعزى إلى بعض العامّة خلافه وهو باطل.

لما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب عن إبراهيم بن أبي محمود في الصحيح عن الرضا عليه‌السلام قال : « سمعته يقول في الاستنجاء : يغسل ما ظهر على الشرج (٤). ولا تدخل فيه الأنملة » (٥).

وروى الشيخ عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل قال : « إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منها ـ يعني المقعدة ـ وليس عليه أن يغسل باطنهما ».

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٤٥ ، الحديث ١٢٧.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٤٤ ، الحديث ١٢٤.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٢٨٢.

(٤) الكافي ٣ : ١٧ ، الحديث ٣ ، وتهذيب الأحكام ١ : ٤٥ ، الحديث ١٢٨.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٢٩ ، الحديث ٧٦.

٤٢٦

فرعان :

[ الفرع ] الأوّل :

قال في المعتبر : الأغلف إن كان مرتتقا كفاه غسل الظاهر من موضع الملاقاة ، وإن أمكن كشفها كشفها إذا بال وغسل المخرج ، وإن لم يكشفها عند الإراقة فهل يجب عليه كشفها لغسله؟ فيه تردّد ، أشبهه نعم. لأنّها تجري مجرى الظاهر (١).

وذكر العلّامة في المنتهى نحوه ، واستقرب وجوب الكشف للغسل (٢) ، وكذا في النهاية (٣). وجزم في التذكرة والتحرير بالحكم (٤). وكذا الشهيد في الذكرى (٥).

قال العلّامة : ولو تنجّست ـ يعني البشرة ـ بالبول وجب غسلها كما لو انتشر إلى الحشفة (٦). ولما قالوه وجه.

[ الفرع ] الثاني :

قال في الذكرى : لا فرق في عدم غسل الباطن بين الرجل والمرأة بكرا أو ثيّبا. نعم ، لو علمت الثيّب وصول البول إلى مدخل الذكر ومخرج الولد وجب غسل ما ظهر منه عند الجلوس على القدمين (٧).

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٢٦ ، وفيه : لأنّه يجري مجرى الظاهر.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٢٦٠.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٩١.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٥ ، وتحرير الأحكام ١ : ٧ ، الطبعة الحجرية.

(٥) ذكرى الشيعة : ٢١.

(٦) منتهى المطلب ١ : ٢٦٠.

(٧) ذكرى الشيعة : ٢١.

٤٢٧

وما ذكره من إناطة التفرقة بين الظاهر والباطن بحال الجلوس على القدمين اقتفى فيه أثر العلّامة في التذكرة ، وكأنّ مدركه العرف إذ لم يرد فيه من جهة النقل شي‌ء.

مسألة [٢٢] :

وذكر جماعة من الأصحاب منهم المفيد في المقنعة ، والشهيد في النفليّة : أنّه يبدأ في الاستنجاء بمخرج الغائط (١). وبه رواية رواها عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بأيّ ما يبدأ؟ بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال : بالمقعدة ، ثمّ بالإحليل » (٢).

وقد أورد العلّامة في المنتهى هذه الرواية ثمّ قال : ويمكن أن يكون الوجه في ذلك افتقار البول إلى المسح من المقعدة. وقبل غسلها لا تنفكّ اليد عن النجاسة. قال : وبعض الجمهور عكس الحكم لئلّا تتلوّث يده إذا شرع في الدبر لأنّ قبله بارز يصيبه إذا مدّها إلى الدبر. ثمّ قال : والوجهان عندي سائغان فإنّ عمّارا لا يوثق بما يفرد به (٣).

ونعم ما قال ، غير أنّ الرواية لو كانت ناهضة بإثبات الحكم لكان المناسب توجيهه بأنّ في ذلك استظهارا لخروج بقايا البول ، لا ما ذكره.

__________________

(١) المقنعة : ٤٠ ، والنفليّة : ٩٠ « في سنن المقدّمات ».

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٩ ، الحديث ٧٦.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٢٨٤.

٤٢٨

مسألة [٢٣] :

ويتعيّن الماء في الاستنجاء من البول عند علمائنا. والروايات به كثيرة. وقد مرّ منها صحيحة زرارة (١) ، ورواية يونس بن يعقوب (٢). ففي الاولى : « وأمّا البول فلا بدّ من غسله ». وفي الثانية : « يغسل ذكره ».

وصحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا انقطعت درّة البول فصبّ الماء » (٣).

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن اذينة قال : « ذكر أبو مريم الأنصاري أنّ الحكم بن عيينة بال يوما ولم يغسل ذكره متعمّدا فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : بئس ما صنع ، عليه أن يغسل ذكره » (٤). الحديث.

وفي الصحيح عن زرارة قال : « توضّأت يوما ولم أغسل ذكري ، ثمّ صلّيت ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : اغسل ذكرك وأعد صلاتك » (٥).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ للأصحاب في كمّيّة ما يزال به البول من الماء خلافا أسلفنا البحث فيه ، وبيّنا أنّ الأظهر الاكتفاء في ذلك بما يزيل العين ، والأحوط المرّتان ، والأكمل الثلاث.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٤٧ ، الحديث ١٣٤.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٤٩ ـ ٥٠ ، الحديث ١٤٤.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٣٥٦ ، الحديث ١٠٦٥.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٤٨ ، الحديث ١٣٧.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٥١ ، الحديث ١٤٩.

٤٢٩

فرع :

قال الفاضلان في المعتبر والمنتهى : إذا لم يجد الماء لغسل مخرج البول أو تعذّر استعماله لمانع كالجرح أجزأه مسحه بما يزيل عين النجاسة ، كالحجر والخرق والكرسف وشبهه ؛ لأنّه يجب إزالة عين النجاسة وأثرها ، فإذا تعذّرت إزالة الأثر تعيّنت إزالة العين (١) ، وقد أشرنا فيما سلف إلى هذا الكلام ونبّهنا على أنّ التعليل في موضع النظر.

ولو جعل الوجه في ذلك عدم تعدّي البول إلى غير المخرج من البدن والثوب لكان وجها.

ثمّ إنّ العلّامة زاد في المنتهى : أنّه لو وجد الماء بعد ذلك وجب عليه الغسل ، ولا يجتزئ بالمسح المتقدّم لأنّه اجتزأ به للضرورة وقد زالت ، ونجاسة المحلّ باقية ؛ لأنّ المزيل لم يوجد ، فلو لاقاه شي‌ء برطوبة كان نجسا (٢).

وهذا الكلام واضح بالنظر إلى القواعد ؛ فإنّ إزالة الأثر لم تحصل لتوقّفها على الماء ، كما هو المفروض ، فتبقى النجاسة إلى أن يغسل المحلّ بالماء ، وليس ذلك أيضا بموضع خلاف بين الأصحاب معروف ، ولكن روى الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن حنّان بن سدير قال : « سمعت رجلا سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : إنّي ربّما بلت فلا أقدر على الماء ، ويشتدّ ذلك عليّ؟ فقال : إذا بلت وتمسّحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئا فقل هذا من ذاك » (٣). ورواه الكليني في الحسن عن حنّان أيضا (٤).

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٢٦ ، ومنتهى المطلب ١ : ٢٦٣.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٢٦٣.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٣٥٣ ، الحديث ١٠٥٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠ ، الحديث ٤.

٤٣٠

وروى الشيخ عن سماعة قال : « قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : إنّي أبول ثمّ أتمسّح بالأحجار فيجي‌ء من البلل ما يفسد سراويلي؟ قال : ليس به بأس » (١).

وربّما لاح من هذين الخبرين نوع منافاة للحكم المذكور ، لكنّهما قابلان للتأويل ، مع أنّ في طريقهما ضعفا.

قال في الذكرى : وخبر حنّان عن الصادق عليه‌السلام ـ « يمسحه بريقه فإذا وجد بللا فمنه » ـ متروك (٢).

وروى الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه؟ قال : يغسل ذكره وفخذيه. وسألته عمّن مسح ذكره بيده ، ثمّ عرقت يده فأصاب ثوبه ، يغسل ثوبه؟ قال : لا » (٣).

وقد مرّ هذا الخبر عند الكلام على خلاف بعض المتقدّمين في قليل النجاسة ، وصدره صريح في الموافقة (٤) لمقتضى القواعد كما قرّرناه ، دافع لظاهر الخبرين المذكورين. ولعلّ المراد بعجزه كون إصابة اليد للثوب بغير الموضع الذي حصل به المسح. ومنشأ الشبهة المقتضية للسؤال حينئذ احتمال

__________________

(١) في « ج » : فيجي‌ء منّي البلل. وفي التهذيب ١ : ٥١ ، الحديث ١٥٠ هكذا : فيجي‌ء منيّ البلل ( بعد استبرائي ) ..

(٢) ذكرى الشيعة : ٢١.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٤٢١ ، الحديث ١٣٣٣.

(٤) في « ب » : صريح بالموافقة.

٤٣١

سريان النجاسة (١) لليد كلّها بسبب رطوبة العرق.

مسألة [٢٤] :

ويتخيّر في الاستنجاء من الغائط إذا لم يتعدّ المخرج بين الغسل بالماء والاستجمار بالأحجار أو ما يقوم مقامها ـ على ما مرّ تحقيقه.

والغسل بالماء أفضل ، والجمع بينهما أكمل عند الأصحاب. وقد مرّ الدليل على أصل التخيير.

وأمّا كون الماء أفضل. فاحتجّ له في المعتبر : بأنّه أقوى المطهّرين ؛ لأنّه يزيل العين والأثر ، بخلاف الحجر (٢). وأضاف إلى ذلك في المنتهى الاحتجاج بقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة : « يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار » فإنّه يدلّ على أفضليّة غيره عليه. وليس إلّا الماء. ولا بأس به (٣).

وروى الشيخ في الصحيح عن البرقي عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا معشر الأنصار إنّ الله قد أحسن عليكم الثناء فما ذا تصنعون؟ قالوا : نستنجي بالماء » (٤).

وفي هذا الخبر دلالة على أفضليّة الماء أيضا.

وأمّا كون الجمع أكمل فاحتجّوا له بأنّه جمع بين مطهّرين.

وبما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا ، رفعه إلى أبي عبد

__________________

(١) في « أ » و « ب » : سريان التنجيس.

(٢) المعتبر ١ : ١٣٦.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٢٦٧ ، وتهذيب الأحكام ١ : ٤٩ ، الحديث ١٤٤.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٣٥٤ ، الحديث ١٠٥٢.

٤٣٢

الله عليه‌السلام قال : « جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء » (١).

مسألة [٢٥] :

وإذا تعدّى الغائط المخرج تعيّن الماء للاستنجاء منه بغير خلاف نعرفه لأحد من علمائنا.

وظاهر المحقّق في المعتبر دعوى الإجماع عليه حيث قال : إنّه مذهب أهل العلم. ثمّ احتجّ له بحديثين عامّيين (٢).

وأمّا العلّامة فاحتجّ له في المنتهى بعموم الأخبار المتضمّنة للأمر بغسل مخرج الغائط (٣).

وقرّب وجه الدلالة بأنّه إذا ثبت وجوب الغسل بالماء من الغائط مطلقا ثمّ قام الدليل على التخيير بينه وبين الاستجمار في غير التعدّي منه صار العموم مخصوصا وبقيت دلالته في المتعدّي بحالها.

وفيه تكلّف لا يخفى.

مسألة [٢٦] :

لا حدّ للاستنجاء من الغائط بالماء إلّا الإنقاء وهو قول جمهور الأصحاب. وقال سلّار : يستنجي حتّى يصر الموضع (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٤٦ ، الحديث ١٣٠.

(٢) المعتبر ١ : ١٢٨.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٢٦٩.

(٤) المعتبر ١ : ١٢٩ ، وقال في رياض المسائل ( ١ : ٢٠٤ ) : « وربّما حدّ بالصرير وخشونة المحلّ حتى يصوّت وهو كما ترى.

٤٣٣

لنا : إنّ المطلوب زوال عين النجاسة عن المحلّ بالماء ، فإذا زالت خرج المكلّف عن العهدة.

ويؤيّده ما رواه أبو جعفر الكليني في الحسن عن ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « قلت له للاستنجاء حدّ؟ قال : لا حتّى ينقى مأثمه. قلت : فإنّه ينقى مأثمه ويبقى الريح؟ قال : الريح لا ينظر إليها » (١).

وما ذكره سلّار لا نعرف به أثرا غير أنّه لا يبعد كون ذلك في الغالب لازما لزوال عين النجاسة.

وقال الفاضلان في المعتبر والمختلف : وما ذكره سلّار يختلف باختلاف المياه في الحرارة والبرودة واللزوجة والخشونة ، فلا يحصل الصرء (٢) مع اللزج. وربّما حصل قبل التطهير مع الخشن (٣).

مسألة [٢٧] :

وحدّ الاستنجاء بالاستجمار زوال العين وكمال العدد ، على الأظهر والأشهر بين الأصحاب. وقد تقدّم البحث عن ذلك.

ثمّ إن اتّفق زوال العين وكمال العدد بالثلاثة فذاك ، وإلّا استعمل الزائد

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧ ، الحديث ٩.

(٢) في « أ » : فلا يحصل الصرير.

(٣) المعتبر ١ : ١٢٩ ، ومختلف الشيعة ١ : ٢٧٢. قال في المصباح المنير « بيت الحش » مجاز لأنّ العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين فلمّا اتّخذوا الكنف وجعلوها خلفا عنها أطلقوا عليها ذلك الاسم .. ومن ثم قيل للمخرج « الحش » و « الحشيش » اليابس من النبات.

٤٣٤

حتّى ينقى المحلّ ، لكن يستحبّ أن لا يقطع إلّا على وتر في المشهور.

لما رواه الشيخ عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء » (١).

قال في المعتبر : والرواية من المشاهير (٢).

مسألة [٢٨] :

ويعتبر في أداة الاستجمار ـ على ما فيها من الاختلاف كما سبق بيانه ـ امور يختصّ أكثرها بالقول بالتعميم.

أحدها : الطهارة فلا يجزي الاستجمار بالمنجّس عند علمائنا أجمع. قاله في المنتهى (٣). واحتجّ له مع ذلك بقول أبي عبد الله عليه‌السلام في الرواية السابقة المرسلة : جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار (٤). قال : وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلّا أنّها موافقة للمذهب ؛ لأنّه إزالة للنجاسة فلا تحصل بالنجس (٥).

وثانيها : أن تكون جافّة. ذكره جماعة من الأصحاب.

واحتجّ له العلّامة في النهاية : بأنّه مع الرطوبة ينجس البلل الذي عليها

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٤٥ ، الحديث ١٢٦.

(٢) المعتبر ١ : ١٣٠.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٢٧٦.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٢٧٧ ، وتهذيب الأحكام ١ : ٤٦ ، الحديث ١٣٠.

(٥) في « ب » : لأنّه إزالة النجاسة.

٤٣٥

بإصابة النجاسة له ويعود شي‌ء منه إلى محلّ النجو ، فيحصل عليه نجاسة أجنبيّة ، فيكون قد استعمل النجس.

وبأنّ الرطب لا يزيل النجاسة بل يزيد التلويث والانتشار. ثمّ قال : ويحتمل الإجزاء لأنّ البلل ينجس بالانفصال كالماء الذي يغسل به النجاسة ، لا بإصابة النجاسة (١).

وفي توجيه الاحتمال نظر واضح.

وأمّا الوجهان الأوّلان فيرد عليهما : أنّ عود شي‌ء من البلل إلى محلّ النجو إنّما يكون مع كثرة الرطوبة لا مع قلّتها. وكذا زيادة التلويث والانتشار.

ووجّه في التذكرة اشتراط الجفاف بأنّ الرطب لا ينشف المحلّ (٢). وهو لا يتمّ في غير المسحة الأخيرة ؛ لأنّ الرطوبة حينئذ موجودة.

وثالثها : أن لا تكون صقيلة كالزجاج ولا رخوة كاللحم ، ولا ممّا يتفتّت بالاعتماد عليه كالتراب. والوجه في ذلك كلّه توقّف زوال العين بالمسح على الخشونة والصلابة والاستمساك. وقد استفيد هذا الشرط من تقييد ما يقوم مقام الأحجار ـ فيما سبق ـ بكونه مزيلا للعين.

ورابعها : أن لا يكون عظما ولا روثا. فقد حكى في المعتبر اتّفاق الأصحاب على عدم إجزائهما (٣).

ورواه الشيخ في التهذيب بإسناد فيه ضعف عن ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود. قال :

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٨٨.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٧.

(٣) المعتبر ١ : ١٣٢.

٤٣٦

أمّا العظم والروث فطعام الجنّ. وذلك ممّا اشترطوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : لا يصلح بشي‌ء من ذلك » (١).

وخامسها : أن لا يكون مطعوما كالخبز والفاكهة ؛ لأنّ له حرمة تمنع من الاستهانة به ، ولأنّ طعام الجنّ منهيّ عنه فطعام أهل الصلاح أولى بدلالة الفحوى.

وسادسها : أن لا يكون محترما كورق المصحف وكتب الحديث والفقه والتربة الحسينيّة ؛ لأنّ في استعمال مثله هتكا لحرمة الشرع.

فروع :

[ الفرع ] الأوّل :

لو استجمر بالنجس لم يجزئ لفقد شرط الطهارة. وهو واضح وفي حكم المحلّ حينئذ احتمالات :

أحدها : تحتّم الماء ؛ لأنّ الاستجمار إنّما يجزئ من نجاسة المحلّ ، وما حصل باستعمال النجس أمر خارج فلا يتناوله دليل الحكم. وحينئذ يتعيّن الماء. وبهذا جزم الشهيدان رحمهما‌الله.

والثاني : بقاء المحلّ على حاله فيجري فيه الاستجمار ، كما كان قبل استعماله. وهذا الاحتمال ذكره العلّامة في النهاية والمنتهى. ووجّهه بأنّ النجس لا يتأثّر بالنجاسة فيبقى على حكمه (٢). وضعفه ظاهر.

والثالث : التفصيل ، فإن كانت نجاسة بغير الغائط تعيّن الماء ، وإلّا أجزأ

__________________

(١) في « ج » : لا يصلح لشي‌ء من ذلك.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٨٨ ، ومنتهى المطلب ١ : ٢٧٧.

٤٣٧

الاستجمار بثلاثة غيره. وهذا مختار العلّامة في القواعد (١).

والأقرب الأوّل.

[ الفرع ] الثاني :

قال في المنتهى : لو استجمر بحجر ثمّ غسله أو كسر ما نجس منه جاز الاستجمار به ثانيا ؛ لأنّه حجر يجزي غيره الاستجمار به فأجزأه كغيره. قال : ويحتمل على قول الشيخ عدم الإجزاء محافظة على صورة لفظ العدد (٢). وفيه بعد.

وأراد بقول الشيخ إيجابه كمال العدد وإن حصل النقاء بما دونه.

والاحتمال المذكور قريب وإن استبعده. اللهم إلّا أن يخرج بالكسر عن اسم الحجر الواحد ، أو كان استعماله في الزيادة على الثلاث حيث لا يحصل النقاء بها.

[ الفرع ] الثالث :

لو استعمل ما منع من استعماله كالمطعوم والمحترم ، قال الشيخ وجماعة : لا يطهر المحلّ به.

ويعزى إلى الشيخ الاحتجاج له بأنّه استنجاء منهيّ عنه (٣). والنهي يدلّ على الفساد (٤).

وقال العلّامة والمتأخّرون : يطهر ؛ لأنّ الغرض إزالة النجاسة. وقد حصلت ،

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ١٨٠.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٢٧٧ ، وراجع الخلاف ١ : ١٠٥.

(٣) في « أ » : بأنّه استنجاء ينهى عنه. راجع المبسوط ١ : ١٦.

(٤) المبسوط ١ : ١٧.

٤٣٨

غاية ما هناك أنّه يكون آثما بمخالفة النهي (١).

وهذا أجود بناء على القول بالتعميم فيما يقوم مقام الأحجار.

وأجاب في المختلف عن حجّة الشيخ : بأنّ النهي إنّما يدلّ على الفساد في العبادات ، والاستنجاء إزالة النجاسة وليس عبادة ، وإلّا لاشترط فيه ما يشترط في العبادة ، والتالي باطل إجماعا فكذا المقدّم. وهو واضح جليّ (٢).

[ الفرع ] الرابع :

لو استجمر بما يتفتّت بالاعتماد فقد علم عدم إجزائه. ثمّ إن حصل به نقل النجاسة من موضع إلى آخر تعيّن الماء ، وإلّا بقي المحلّ على حكم فيجزي فيه الاستجمار بغيره. ولو اتّفق حصول النقاء به فالظاهر الإجزاء إن قلنا بالتعميم ؛ لحصول الغرض بذلك.

ويظهر من العلّامة في النهاية عدم الاجتزاء به حيث قال : لو استنجى بما لا يقلع لم يسقط الفرض به وإن أنقى العين خاصّة (٣).

وهذا الكلام لا يخلو عن غرابة إن لم يكن مصروفا عن ظاهره.

مسألة [٢٩] :

المعروف بين أصحابنا عدم الفرق في الاستجمار بالنظر إلى أصل الإجزاء بين أن يستوعب المحلّ كلّه في المسحات الثلاث وبين أن يوزّعها عليه بأن يمسح ببعض الأدوات جزءا من المحلّ وبالبعض الآخر جزءا آخر.

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٢٨٠.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٢٦٧.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٨٨ ، في « ب » : وإن أنقى العين خاصّة.

٤٣٩

واحتجّ لذلك المحقّق في المعتبر : بأنّ امتثال الأمر بالاستجمار بالثلاثة حاصل على التقديرين (١). وهو جيّد.

ثمّ إنّه لم ينقل في ذلك خلافا ، ولكن أورد على الحجّة سؤالا حاصله أنّه مع التوزيع يكون بمنزلة المسحة الواحدة.

وأجاب : بأنّ المسحة الواحدة لا يتحقّق معها العدد المعتبر.

وقال العلّامة في المنتهى ـ بعد ذكره للمسألة واحتجاجه بنحو ما ذكره المحقّق ـ : إنّ بعض الفقهاء منع من ذلك ؛ لأنّه يكون تلفيقا فيكون بمنزلة مسحة واحدة ، ولا يكون تكرارا.

قال : وهو ضعيف ؛ لأنّه لو خلّينا والأصل لاجتزأنا [ بالواحدة ] المزيلة ، لكن لمّا دلّ النصّ على التعدّد وجب اعتباره ، وقد حصل (٢).

ويظهر من كلام جماعة من المتأخّرين أنّ للأصحاب قولا بعدم إجزاء التوزيع. وأظنّه توهّما نشأ من نسبة العلّامة القول بذلك إلى بعض الفقهاء. والممارسة تطلع على أنّه يعني بمثل هذه العبارة أهل الخلاف.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلّامة ذكر في النهاية والتذكرة : أنّ الأحسن والأحوط في كيفيّة الاستجمار : أنّ يضع واحدا على مقدّم الصفحة اليمنى فيمسحها به إلى مؤخّرها ، ويديره إلى الصفحة اليسرى فيمسحها به من مؤخّرها إلى مقدّمها ، ويرجع على الموضع الذي بدأ عنه ، ويضع الثاني على مقدّم الصفحة اليسرى ويفعل به عكس ذلك ويمسح بالثالث الصفحتين معا والوسط.

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٣٠.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٢٨٢.

٤٤٠