مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-03-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٢٣
الخوارج والأباضية :
( الموالي لسفينة النجاة ـ قطر ـ .... )
تاريخ الأباضية :
س : أودّ أن أبدأ بحوار مع صديق لي ، وهو من معتنقي مذهب الأباضية ، أُريد معرفة عن هذا المذهب؟ وكيف نشأ وتأسّس؟ وبطرق علميّة منطقية يقبلها العقل ، لكي أبدأ حواري مع أخي من هذا المذهب ، وأرجو أن يوفّقني الله لإنارة الطريق له ولغيره.
إذا أمكن أدلّة متسلسلة ورائعة من القرآن والسنّة النبويّة المحمّدية.
ج : إنّ الأباضية مذهب تشعّب تاريخيّاً وعقائديّاً من مذهب الخوارج ـ الذي هو معروف لدى الجميع ـ ومع أنّ الأباضية في زماننا تنكر نسبتها إلى الخوارج منشأً ومعتقداً ، ولكن نظرة يسيرة في المصادر الموجودة ، تعطينا اليقين بأنّ هذه الطريقة قد انبثقت من بطون الخوارج في التاريخ ، طبعاً مع اختلاف طفيف في الأفكار والعقائد ، أغلب الظنّ أنّه من ثمرة الضغوط الواردة عليها ، وللفرار من العزلة السياسيّة والاجتماعيّة التي سادت أوساطها.
وتختلف المصادر الموجودة في تعيين القائد الأوّل لهذه الحركة ، فبينما تؤكّد بعضها بأنّه هو عبد الله بن أباض التميميّ (١) ـ الذي توفّي في أواخر أيّام عبد الملك ابن مروان ـ تنفي الأُخرى هذا الادعاء ، وتنسبه إلى أقوال الأُمويّين آنذاك ، وتدّعي أنّ رئيس هذا المذهب أبو الشعثاء جابر بن يزيد الأزديّ ، المتوفّى ٩٦ هـ (٢).
____________
١ ـ أصدق المناهج في تمييز الأباضية من الخوارج : ٢٠.
٢ ـ الأباضية مذهب إسلامي معتدل : ٩.
فعلى كلا القولين فإنّ إمام هذه الحركة لم يشهد الرسول صلىاللهعليهوآله ، ولم يأخذ منه شيئاً ، وعليه لابدّ من إثبات مذهبه بأدلّة كافية وشافية تحقّق مدّعاه ؛ والموجود فعلاً من تراثهم العقائديّ هو فكرة الخوارج في مضمونه السياسيّ ـ إلاّ في حكمهم على المذاهب الأُخرى بالتكفير ، وشهرهم السلاح في وجه من خالفهم ـ مع شيءٍ يسير من عقائد المعتزلة ، وأحكام فقهيّة من مذاهب إسلامية شتّى.
وعلى سبيل المثال : أنّهم يرون مخالفة عثمان بعد مضي ستّ سنوات من خلافته ، والإمام علي عليهالسلام بعد معركة صفّين ، كانت على حقّ ، ويخالفون التحكيم ، شأنهم في ذلك شأن الخوارج ، إلى غير ذلك من موارد الشبه بين حركة الأصل الخوارج ، والفرع الأباضية.
ولا يخفى على المتأمّل في سيرتهم ، أنّهم تخلّوا عن سلبيّات الخوارج في العهود القريبة ، تحفّظاً على كيانهم الاجتماعيّ ، وهذا أمر جيّد وفي محلّه ، لو كان التزاماً عملياً بالابتعاد عن منهج الخوارج وأساليبهم ، خصوصاً إذا كان فيه إشارة واضحة لاتباع سبيل الحقّ أينما دلّ الدليل.
( عبد الله حاجي ـ الكويت ـ .... )
أُصول الأباضية :
س : من هم الأباضية؟ سمعت عنهم الكثير ، وأُريد أعرف من يكونون؟
ج : إنّ الفرقة الأباضية هي إحدى فرق الخوارج ، وهم اتباع عبد الله بن أباض ـ على قول ـ ، الذي عاصر معاوية ، وعاش إلى أواخر أيّام عبد الملك بن مروان.
وقد حكم الأباضية مكّة والمدينة فترة وجيزة ، وتوجد طوائف منهم يسكنون في الصحراء الغربية بين مصر وليبيا ، وجماعة في الجزائر ومسقط ، وفي عمان لهم سلطة حتّى الآن ، ويعتبر مذهبهم المذهب الرسمي فيها.
ثمّ أنّ الأباضية تشترك مع سائر فرق الخوارج في أمرين بلا شكّ ولا شبهة ،
ولا يمكن لأحد منهم إنكاره.
١ ـ تخطئة التحكيم.
٢ ـ عدم اشتراط القرشية في الإمام.
ثمّ إنّ لهم أُصولاً يتميّزون في بعضها عن أهل السنّة ، وإن كانوا يلتقون فيها مع غيرهم ، وهي :
١ ـ صفات الله ليست زائدة على ذاته بل هي عين ذاته.
٢ ـ امتناع رؤية الله سبحانه في الآخرة.
٣ ـ إنّ القرآن حادث غير قديم ، ومخلوق لله سبحانه.
٤ ـ إنّ الشفاعة لا تنال أهل الكبائر ، وإنّما هي تسرّع المؤمنين بدخول الجنّة.
٥ ـ إنّ مرتكب الكبيرة كافر نعمة لا كافر ملّة.
٦ ـ وجوب الخروج على الإمام الجائر.
٧ ـ التولّي لأولياء الله والحبّ لهم ، والبغض لأعداء الله والبراءة منهم ، والتوقّف فيمن لم يعلم فيه موجب الولاية ولا البراءة.
( إدريس عبد الله الرواحي ـ عمان. أباضي ـ ١٩ سنة ـ طالب )
تعليق على الجواب السابق وجوابه :
س : أُريد أن أعلّق على هذا الكلام المكتوب عن الأباضية :
فإنّهم لا يقولون بوجوب الخروج على الإمام الجائر ، وإنّما يقولون بالجواز ، وهناك فرق كبير بين الوجوب والجواز ، كما هو معروف لدى الجهّال ، فضلاً عن طلبة العلم ، وأنّهم لم يتفرّدوا بهذا القول لوحدهم ، وإنّما وافقهم على ذلك الحنفيّة ، فليتفكّر من كان له عينان يقرأ بهما كتابات الأباضية أنفسهم لا ما كتبه عنهم غيرهم من غير الرجوع إلى كتب الأباضية ، وهذا من الظلم والإجحاف بمكان ، فتفكّروا يا أُولي الألباب ، والله أعلم.
ج : جاء في كتاب بحوث في الملل والنحل للشيخ السبحانيّ ، ما نصّه :
( يقول أبو الحسن الأشعريّ : والأباضية لا ترى اعتراض الناس بالسيف ،
لكنّهم يرون إزالة أئمّة الجور ، ومنعهم من أن يكونوا أئمّة ، بأيّ شيء قدروا عليه بالسيف أو بغيره.
وربما ينسب إليهم أمر غير صحيح ، وهو أنّ الأباضية لا يرون وجوب إقامة الخلافة.
إنّ وجوب الخروج على الإمام الجائر أصل يدعمه الكتاب والسنّة النبويّة ، وسيرة أئمّة أهل البيت إذا كانت هناك قدرة ومنعة ، وهذا الأصل الذي ذهبت إليه الأباضية بل الخوارج عامّة ، هو الأصل العام في منهجهم ، ولكن نرى أنّ بعض الكتّاب الجدد من الأباضية ـ الذين يريدون إيجاد اللقاء بينهم وبين أهل السنّة ـ يطرحون هذا الأصل بصورة ضئيلة.
يقول علي يحيى معمّر : إنّ الأباضية يرون أنّه لابدّ للأُمّة المسلمة من إقامة دولة ، ونصب حاكم يتولّى تصريف شؤونها ، فإذا ابتليت الأُمّة بأن كان حاكمها ظالماً ، فإنّ الأباضية لا يرون وجوب الخروج عليه ، لاسيّما إذا خيف أن يؤدّي ذلك إلى فتنة وفساد ، أو أن يترتّب على الخروج ضرر أكبر ممّا هم فيه.
ثمّ يقول : إذا كانت الدولة القائمة جائرة ، وكان في إمكان الأُمّة المسلمة تغييرها بدولة عادلة دون إحداث فتن أكبر تضر بالمسلمين ، فإنّهم ينبغي ـ إنّ الرجل لتوخّي المماشاة مع أهل السنّة يعبّر عن مذهبه بلفظ لا يوافقه ، بل عليه أن يقول مكان ينبغي ( يجب ) ـ لهم تغييرها.
أمّا إذا كان ذلك لا يتسنّى إلاّ بفتن وإضرار ، فإنّ البقاء مع الدولة الجائرة ومناصرتها في حفظ الثغور ، ومحاربة أعداء الإسلام ، وحفظ الحقوق والقيام بما هو من مصالح المسلمين ، وإعزاز كلمتهم ، أوكد وأوجب.
إنّ ما ذكره لا تدعمه سيرة الأباضية في القرون الأُولى ، ويكفي في ذلك ما ذكره المؤرّخون في حقّ أبي يحيى عبد الله بن يحيى طالب الحقّ ، قالوا : إنّه كتب إلى عبيدة بن مسلم بن أبي كريمة ، وإلى غيره من الأباضية بالبصرة يشاورهم بالخروج ، فكتبوا إليه : إن استطعت ألاّ تقيم إلاّ يوماً واحداً فافعل ،
فأشخص إليه عبيدة بن مسلم أبا حمزة المختار بن عوف الأزديّ في رجال من الأباضية فقدموا عليه حضرموت ، فحثّوه على الخروج ، وأتوه بكتب أصحابه ، فدعا أصحابه فبايعوه ، فقصدوا دار الإمارة ....
وأظنّ أنّ ما يكتبه علي يحيى معمّر في هذا الكتاب ، وفي كتاب ( الأباضية في موكب التاريخ ) دعايات وشعارات لصالح التقارب بين الأباضية وسائر الفرق ، خصوصاً أهل السنّة ، ولأجل ذلك يريد أن يطرح أُصول الأباضية بصورة خفيفة ، حتّى يتجاوب مع شعور أهل السنّة ، تلك الأكثرية الساحقة.
وأوضح دليل على أنّهم يرون الخروج واجباً مع القدرة والمنعة بلا اكتراث ، أنّهم يوالون المحكّمة الأُولى ويرون أنفسهم أخلافهم ، والسائرين على دربهم ، وهم قد خرجوا على علي بزعم أنّه خرج بالتحكيم عن سواء السبيل.
وأظنّ أنّ هذا الأصل أصل لامع في عقيدة الخوارج والأباضية بشرطها وشروطها ، وأنّ التخفيض عن قوّة هذا الأصل دعاية بحتة.
والعجب أنّه يعترف بهذا الأصل في موضع آخر من كتابه ، ويقول : إنّ الثورة على الظلم والفساد والرشوة ، وما يتبع ذلك من البلايا والمحن ، إنّما هو المنهج الذي جاء به الإسلام ودعا إليه المسلمين ، ودعا المسلمون إليه ، وقاموا به في مختلف أدوار التاريخ ، ولم تسكت الألسنة الآمرة بالمعروف ، الناهية عن المنكر ، ولم تكفّ الأيدي الثائرة في أيّ فترة من فترات الحكم المنحرف ... وقد استشهد في هذا السبيل عدد من أفذاذ الرجال ، ويكفي أن أذكر الأمثلة لأُولئك الثائرين على الانحراف والفساد : شهيد كربلاء الإمام الحسين سبط رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعبد الله بن الزبير نجل ذات النطاقين ، وسعيد بن جبير ، وزيد بن علي بن الحسين ، وكلّ واحد من هؤلاء يمثّل ثورة عارمة من الأُمّة المسلمة على الحكم الظالم ، والخروج عليه ومدافعته حتى الاستشهاد ) (١).
____________
١ ـ بحوث في الملل والنحل ٥ / ٢٦٤.
( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )
كانت عبادتهم بلا علم وثقافة :
س : كيف تفسّرون قتل الخوارج لزوجة عبد الله بن الخباب؟ وبقر بطنها رغم حملها ، مع أنّ حركتهم كانت ذات طابع دينيّ؟
ج : لاشكّ ولا ريب أنّ عبادة العالم تعادل عبادة الجاهل بأضعاف مضاعفة ، وذلك لأنّ العابد غير العالم لا يؤمن من وقوعه في الأخطاء الفاحشة ، والخوارج من أمثال هؤلاء ، عبادتهم بلا علم وثقافة دينية ، فوقعوا بما وقعوا فيه.
( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )
يعتبرون مقصّرين :
س : أسألكم عن كيفية التوفيق بين دخول الخوارج النار ، وبين أنّهم أرادوا الحقّ فأخطاؤوه ، وذلك لأنّ الإنسان يحاسب بحسب عقله ، وهؤلاء أرادوا الحقّ ، فكيف يستقيم أن يدخلوا النار؟
ج : علينا أوّلاً إثبات صحّة الحديث القائل : أنّهم أرادوا الحقّ فأخطاؤوه ، وعلى فرض صحّة الحديث ، فإنّ المقصود من أخطاؤوه عدم إصابتهم للحقّ ، وعدم الإصابة تكون غالباً عن تقصير في طلب الحقّ ، وتدخّل الأهواء النفسانية وحبّ الدنيا.
الكلّ يدّعي أنّه يريد الحقّ ، ولكن بعضهم يصل ، وبعضهم لا يصل ، والذي وصل تجرّد عن كلّ التعصّبات ، وكانت بغيته الوحيدة إصابة الحقّ ، وأمّا من لم يصل فعلى قسمين :
١ ـ قاصر ، وهذا القسم لا يصدق على الخوارج ، الذين أدرك الكثير منهم رسول الله صلىاللهعليهوآله وسمع حديثه ، أو سمع ممّن سمع حديث الرسول ، الأحاديث التي صرّح فيها بوجوب لزوم علي عليهالسلام ، وأنّه مع الحقّ والحقّ معه ، فالخوارج لا يصدق عليهم القصور ، بل يشملهم الشقّ الثاني.
٢ ـ مقصّر ، وهذا يشمل اللذين تمكّنوا من تحصيل العلوم والوصول إلى الحقّ ، كالخوارج الذين سمعوا حديث رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أو عاشروا من سمع حديثه.
( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )
تعليق على الجواب السابق وجوابه :
س : إذا كان الخوارج مقصّرين ؛ فلم قال الإمام علي عليهالسلام في حقّهم : ليس من أراد الحقّ فأخطأه كمن أراد الباطل فأصابه ، وليس فقط الإمام علي ، وإنّما الإمام الحسن أيضاً ، حينما أرسل إليه معاوية لحرب الخوارج.
ج : يكون المعنى : ليس من أراد الحقّ ( فقصّر في طلبه ) فأخطأه ( أي : لم يصبه ) كمن أراد الباطل ( من البداية ) فأصابه.
فهنا الكلام في مقام المقايسة بين القسم الأوّل والقسم الثاني ، وقطعاً فإنّ من أراد الحقّ من البداية ولكن قصّر في طلبه ، وتدخّلت عوامل حبّ الدنيا ، واستولى الشيطان على قلبه فلم يصب الحقّ ، هذا القسم ليس كمن طلب الباطل من أوّل الأمر.
( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )
لم يكن اندفاعهم للموت مشروعاً :
س : أودّ سؤالكم عن الآية : ( فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (١) ، ما فهمت من هذه الآية : أنّ من تمسّك بالمذهب الحقّ ، هم من بالفعل يتمنّون الشهادة ، ولكن في التاريخ نرى أُناساً يحرصون على الشهادة بالرغم من بغضهم لأمير المؤمنين عليهالسلام ، مثل الخوارج ؛ فكيف التوفيق؟
____________
١ ـ البقرة : ٩٤.
ج : لابدّ من معرفة معنى الآية والمقصود منها ، لتتّضح لنا جوانب الشبهة وإمكانية حلّها.
إنّ الآية الكريمة في صدد الإخبار عن الذين تهوّدوا ، وقالوا نحن أحباء الله وأولياؤه ، فأراد القرآن ردّ هذه الدعوى وتكذيبها ، فقال على سبيل التعجيز : ( فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ، ثمّ أجاب في نفس السورة ( وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) (١) ، لأنّ ما ارتكبوه من مخالفةٍ لأوامره تعالى ، وعدائهم لرسل الله تيقّنوا من أنفسهم بسوء مصيرهم ، وسوء منقلبهم كذلك ، ولذا فهم لا يتمنّون الموت ، ولا يتمنّون لقاءه تعالى.
أمّا الفرق المنحرفة المبغضة لأمير المؤمنين عليهالسلام ، فإنّ اندفاعهم للموت لم يكن مشروعاً وحقّاً ، وذلك لأنّ اعتقادهم الباطل يدفعهم إلى الموت بدافع العناد ، وليس الإيمان الحقّ لقضيّتهم وهدفهم واعتقادهم ، وهناك فرق بين من يتمنّى الموت بدافع الحقّ ، وبين من يتمنّى الموت بدافع العناد والجهل.
ألا ترى من اندفاع بعض الكفّار الذين لا يعتنقون الإسلام ـ بل لعلّهم لا يؤمنون بالله تعالى ـ يندفعون إلى الموت لتحقيق غاياتهم وأهدافهم ، كالذي يقوم بعمليةٍ انتحارية لدافع دنيوي لانتسابه إلى منظّمة سياسية مثلاً ، أو كالذين قرّروا الانتحار الجماعي في نهاية القرن الميلادي العشرين ، بدعوى انتهاء العالم ، فهل تحسب هؤلاء اندفعوا للموت لقناعتهم في لقاء الله تعالى؟
وهكذا حال الخوارج ومن ماثلهم من الفرق ، فإنّ اندفاعهم للموت لا يكون إلاّ عن عنادٍ وجهل ، وليس بدافع الحبّ الإلهيّ المحض ، ولا عليكم في دعاويهم ، بل عليك بواقع الحال ، وما يقتضيه الإيمان بالله تعالى ، وما تتطلّبه شروط الشهادة من أجله تعالى.
____________
١ ـ البقرة : ٩٥.
الدعاء :
( أبو سلطان ـ عمان ـ .... )
حول مقطع منه :
س : لدي سؤال يرجى التكرّم بالردّ عليه مشكورين.
ورد في دعاء الصلوات ـ الذي أورده الشيخ القمّيّ في مفاتيح الجنان ، نقلاً عن المصباح ، والذي درج الشيعة على قرائته ، ظهر يوم الجمعة بعد الصلاة ـ في الفقرة الأخيرة من الصلوات : ( اللهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلي المرتضى ، وفاطمة الزهراء ، والحسن الرضا ، والحسين المصفّى ، وجميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين ، والصراط المستقيم ، وصلّ على وليّك وولاة عهدك ، والأئمّة من ولده ، ومدّ في أعمارهم ، وزد في آجالهم ، وبلغهم أقصى آمالهم ديناً ودنياً وآخرة ، إنّك على كلّ شيء قدير ).
الأمر الذي يؤدّي إلى إثارة عدد من التساؤلات ، نوجزه على النحو التالي :
١ ـ ما هو رأي سماحتكم؟ ورأي الأعلام في سند هذا الدعاء؟
٢ ـ هل يتطابق هذا المتن وهذا المضمون مع عقائد الإمامية ، التي تقضي بحصر الإمامة في الأئمّة الاثني عشر عليهمالسلام؟
٣ ـ في حالة صحّة السند ، ما هو توجيه هذا المضمون؟
٤ ـ وفي هذا الصدد ، ما هو رأيكم ورأي الأعلام فيما أورده الشيخ الصدوق عن وجود اثني عشر مهديّاً بعد الإمام المهديّ عليهالسلام؟ يرجى التكرّم بالإجابة على هذه الاستفسارات.
ج : يمكن حمل عبارة ( وصلّ على وليّك ) على أمير المؤمنين علي عليهالسلام ،
بقرينة ( والأئمّة من ولده ) ، حيث لا يوجد أئمّة من غير أبناء علي عليهالسلام ، أوّلهم الإمام الحسن ، وآخرهم الإمام المهديّ.
وأمّا قوله : ( ومدّ في أعمارهم ) يمكن أن يكون المقصود خصوص الإمام الحجّة عليهالسلام ، وإن كان الاستعمال لضمير الجمع ، وهذا لا مانع منه في اللغة ، حيث نراه مستعملاً في القرآن ، كقوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ ) (١) ، حيث كان القائل واحداً ، وكذا قوله تعالى في آية المباهلة : ( قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ... ) (٢) ، حيث عبّر بضمير الجمع في ( وَنِسَاءنَا ) ، مع أنّه لم يكن غير فاطمة الزهراء عليهاالسلام بين الحضور.
كما يمكن حملها على روايات الرجعة ، وهي متواترة إجمالاً ، لا على نحو التفصيل ، لذا لا يجب الاعتقاد بجميع تفاصيل روايات الرجعة ، لأنّها أخبار آحاد ، وهذا ما تشير إليه رواية الشيخ الصدوق قدسسره وأمثالها.
أمّا بالنسبة للبحث السندي ، فالقاعدة العامّة تقتضي البحث أوّلاً في الدلالة والمضمون ، فإن كانت موافقة للقرآن ، وليس فيها ما يتعارض مع المباني القرآنيّة ، أو ما هو متواتر في السنّة ، أو يخالف العقل الصريح ، فلا مانع من التمسّك بها ، وإن كان سندها ضعيفاً ، حيث ليس المطلوب في مثل هذه الأُمور ـ كالأدعية والقضايا الأخلاقية ـ البحث في السند.
( حسن محمّد يوسف ـ البحرين ـ .... )
ما يقال للعاطس :
س : أرجو أن تذكر بعض الروايات عن الدليل الشرعيّ عن قولنا لشخص ما :
____________
١ ـ آل عمران : ١٧٣.
٢ ـ آل عمران : ٦١.
( رحمك الله ) عندما يعطس من طريقنا ، ومن طريق القوم ، ولك جزيل الشكر والامتنان.
ج : أمّا من مصادرنا فرويت روايات كثيرة في ذلك ، منها : كان أبو جعفر عليهالسلام إذا عطس ، فقيل له : يرحمك الله ، قال : ( يغفر الله لكم ويرحمكم ) ، وإذا عطس عنده إنسان ، قال : ( يرحمك الله ) (١).
وعن الإمام علي عليهالسلام قال : ( إذا عطس أحدكم فسمّتوه ، قولوا : يرحمكم الله ، وهو يقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ) (٢).
وعطس رجل عند أبي جعفر عليهالسلام ، قال : الحمد لله ، فلم يسمّته أبو جعفر ، وقال : ( نقصنا حقّنا ) ، وقال : ( إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وأهل بيته ) ، قال : فقال الرجل ، فسمّته أبو جعفر عليهالسلام (٣).
وأمّا ما روي من طريق القوم : فروى البخاريّ عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : ( إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله ، وليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، فإذا قال له : يرحمك الله ، فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم ) (٤).
وروى البخاريّ أيضاً عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : ( فإذا عطس أحدكم وحمد الله ، كان حقّاً على كلّ مسلم سمعه أن يقول له : يرحمك الله ) (٥).
( عبد الله ناصر ـ الكويت ـ .... )
مستحبّات ليلة القدر :
س : أرجو الإجابة على هذه الأسئلة :
____________
١ ـ الكافي ٢ / ٦٥٥.
٢ ـ وسائل الشيعة ١٢ / ٨٩.
٣ ـ الكافي ٢ / ٦٥٤.
٤ ـ صحيح البخاريّ ٧ / ١٢٥.
٥ ـ نفس المصدر السابق.
١ ـ كم من رمضان يصادف ليلة القدر؟
٢ ـ ما الدعاء المناسب عند ختمة القرآن؟
٣ ـ ما مستحبّات ليلة القدر؟
ج : إنّ ليلة القدر مردّدة بين ليلة ١٩ و ٢١ و ٢٣ من شهر رمضان.
والدعاء المناسب عند ختم القرآن ، هو ما كان يدعو به أمير المؤمنين عليهالسلام : ( اللهم اشرح بالقرآن صدري ، واستعمل بالقرآن بدني ، ونوّر بالقرآن بصري ، وأطلق بالقرآن لساني ، واعنّي عليه ما أبقيتني ، فإنّه لا حول ولا قوّة إلاّ بك ) (١).
وأمّا مستحبّات ليلة القدر فكثيرة ، منها :
١ ـ الغسل.
٢ ـ الصلاة ركعتان ، يقرأ في كلّ ركعة بعد الحمد التوحيد سبع مرات ، ويقول بعد الفراغ سبعين مرة : استغفر الله وأتوب إليه.
٣ ـ تأخذ المصحف فتنشره وتضعه بين يديك ، وتقول : ( اللهم إنّي أسألك بكتابك المُنزل ، وما فيه وفيه اسمك الأكبر ، وأسماؤك الحُسنى ، وما يُخاف ويُرجى ، أن تجعلني من عُتقائك من النار ) ، وتدعو بما بدا لك من حاجة (٢).
٤ ـ تأخذ المصحف فتدعه على رأسك ، وتقول : ( اللهم بحقّ هذا القرآن ، وبحقّ من أرسلته به ، وبحقّ كلّ مؤمن مدحته فيه ، وبحقّك عليهم فلا أحد أعرف بحقّك منك ).
ثمّ قل عشر مرّات : بك يا الله ، وعشر مرّات : بمحمّد ، وعشر مرّات : بعلي ، وعشر مرّات : بفاطمة ، وعشر مرّات : بالحسن ، وعشر مرّات : بالحسين ، وعشر مرّات : بعليّ بن الحسين ، وعشر مرّات : بمحمّد بن علي ، وعشر مرّات : بجعفر بن محمّد ، وعشر مرّات : بموسى بن جعفر ، وعشر مرّات ، بعليّ بن
____________
١ ـ بحار الأنوار ٨٩ / ٢٠٩.
٢ ـ الكافي ٢ / ٦٢٩.
موسى ، وعشر مرّات : بمحمّد بن علي ، وعشر مرّات : بعلي بن محمّد ، وعشر مرّات ، بالحسن بن علي ، وعشر مرّات : بالحجّة ، وتسأل حاجتك (١).
٥ ـ زيارة الإمام الحسين عليهالسلام ، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليهالسلام : ( إذا كان ليلة القدر ، وفيها يفرق كلّ أمر حكيم ، نادى منادٍ تلك الليلة من بطنان العرش : أنّ الله قد غفر لمن زار قبر الحسين في هذه الليلة ) (٢).
٦ ـ إحياء هذه الليالي الثلاث ، فعن الإمام الباقر عليهالسلام : ( من أحيا ليلة القدر غُفرت له ذنوبه ، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء ، ومثاقيل الجبال ، ومكاييل البحار ) (٣).
٧ ـ الصّلاة مائة ركعة ، فإنّها ذات فضل كثير ، والأفضل أن يقرأ في كلّ ركعة بعد الحمد التوحيد عشر مرّات.
هذا ، وهناك أعمال أُخرى يذكرها الشيخ عباس القمّيّ في كتابه مفاتيح الجنان ، فراجع.
ونسألكم الدعاء.
( بدر ـ .... ـ .... )
شروط استجابته :
س : تحية طيّبة ، وبعد : ما هي شروط استجابة الدعاء؟ نرجو من سماحتكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر.
ج : لقد حدَّدت النصوص الإسلاميّة عن النبيّ وآله عليهمالسلام آداباً للدعاء ، وقرّرت شروطاً لابدّ للداعي أن يراعيها كي يتقرّب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه ، ويتحقّق مطلوبه من الدعاء.
____________
١ ـ بحار الأنوار ٩٥ / ١٤٦.
٢ ـ كامل الزيارات : ٣٤١.
٣ ـ إقبال الأعمال ١ / ٣٤٦.
وإذا أهملها الداعي فلا تتحقّق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ، ولا تحصل له نورانية القلب ، وتهذيب النفس ، وسُمُوُّ الروح المطلوبة في الدعاء.
وفيما يلي أهمّ هذه الشروط والآداب :
الأوّل : الطهارة :
من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء ، سيَّما إذا أراد الدعاء عقيب الصلاة ، فقد رَوَى مسمع عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : ( يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غَمٌّ من غموم الدنيا ، أن يتوضّأ ثمّ يدخل مسجده ، ويركع ركعتين فيدعو الله فيهما )؟ (١).
الثاني : الصدقة ، وشمُّ الطيب ، والذهاب إلى المسجد :
روي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : ( كان أبي إذا طلب الحاجة ... قدَّم شيئاً فتصدّق به ، وشمَّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ... ) (٢).
الثالث : الصلاة :
ويستحبّ أن يصلّي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، فقال الإمام الصادق عليهالسلام : ( من توضّأ فأحسن الوضوء ، وصلّى ركعتين ، فأتمَّ ركوعهما وسجودهما ، ثمّ جلس فأثنى على الله عزّ وجلّ ، وصلّى على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثمّ سأل حاجته ، فقد طلب الخير في مظانِّه ، ومن طلب الخير في مظانِّه لم يخب ) (٣).
الرابع : البسملة :
ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( لا يُرَدُّ دعاء أوَّله بسم الله الرحمن الرحيم ) (٤).
____________
١ ـ تفسير العيّاشيّ ١ / ٤٣.
٢ ـ الكافي ٢ / ٤٧٧.
٣ ـ المصدر السابق ٣ / ٤٧٨.
٤ ـ الدعوات : ٥٢.
الخامس : الثناء على الله تعالى :
ينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة ، أن يحمد الله ويثني عليه ، ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ( الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ، وسبباً للمزيد من فضله ، ودليلاً على آلائه وعظمته ) (١).
السادس : الدعاء بالأسماء الحسنى :
على الداعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى ، لقوله تعالى : ( وَللهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) (٢).
وقوله تعالى : ( قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ) (٣).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( لله عزّ وجلّ تسعة وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنّة ) (٤).
السابع : الصلاة على النبيّ وآله عليهمالسلام :
لابدّ للداعي أن يصلّي على محمّد وآله عليهمالسلام بعد الحمد والثناء على الله سبحانه ، وهي تؤكّد الولاء لرسول الله صلىاللهعليهوآله ولأهل بيته المعصومين عليهمالسلام ، الذي هو في امتداد الولاء لله تعالى ، لذا فهي من أهمّ الوسائل في صعود الأعمال ، واستجابة الدعاء.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( لا يزال الدعاء محجوباً حتّى يصلّى عليَّ وعلى أهل بيتي ) (٥).
____________
١ ـ شرح نهج البلاغة ٩ / ٢٠٩.
٢ ـ الأعراف : ١٨٠.
٣ ـ الإسراء : ١١٠.
٤ ـ التوحيد : ١٩٥.
٥ ـ كفاية الأثر : ٣٩.
الثامن : التوسّل بمحمّد وأهل بيته عليهمالسلام :
وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر الله تعالى بها ، وأهل البيت عليهمالسلام هم سفن النجاة لهذه الأُمّة ، فحريٌّ بمن دعا الله تعالى أن يتوسّل إلى الله بهم عليهمالسلام ، ويسأله بحقّهم ، ويقدّمهم بين يدي حوائجه.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( الأوصياء منّي ... بهم تُنصر أُمّتي ، وبهم يُمطرون ، وبهم يدفع الله عنهم ، وبهم يُستجاب دعائهم ) (١).
التاسع : الإقرار بالذنوب :
وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقرّاً مذعناً ، تائباً عمَّا اقترفه من خطايا ، وما ارتكبه من ذنوب.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : ( إنّما هي مدحة ، ثمّ الثناء ، ثمّ الإقرار بالذنب ، ثمّ المسألة ، إنّه والله ما خرج عبد من ذنب إلاّ بالإقرار ) (٢).
العاشر : المسألة :
وينبغي للداعي أن يذكر ـ بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبيّ وآله عليهمالسلام والإقرار بالذنب ـ ما يريد من خير الدنيا والآخرة ، وأن لا يستكثر مطلوبه ، لأنّه يطلب من ربّ السماوات والأرض ، الذي لا يعجزه شيء ، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كلّ شيء.
الحادي عشر : معرفة الله ، وحسن الظنّ به سبحانه :
وهذا يعني أنّ من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته ، فعلى الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية ، وبأنّه سبحانه لا يمنع أحداً من فيض نعمته ، وأنّ باب رحمته لا يغلق أبداً.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( قال الله عزّ وجلّ : من سألني وهو يعلم أنّي أضرُّ وأنفع استجبت له ) (٣).
____________
١ ـ تفسير العيّاشيّ ١ / ١٤.
٢ ـ الكافي ٢ / ٤٨٤.
٣ ـ ثواب الأعمال : ١٥٣.
وقيل للإمام الصادق عليهالسلام : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟! قال عليهالسلام : ( لأنّكم تدعون من لا تعرفونه ) (١).
الثاني عشر : العمل بما تقتضيه المعرفة :
على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأنّ يفي بعهد الله ويطيع أوامره ، وهما من أهمّ الشروط في استجابة الدعاء.
قال رجل للإمام الصادق عليهالسلام : يقول الله : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٢) ، وإنَّا ندعو فلا يُستجاب لنا؟! فقال عليهالسلام : ( إنّكم لا تفون لله بعهده ، فإنّه تعالى يقول : ( وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) (٣) ، والله لو وفيتم لله سبحانه لوفى لكم ) (٤).
الثالث عشر : الإقبال على الله تعالى :
من أهمّ آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه ، وعواطفه ، ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدنيا.
فهناك اختلاف كبير بين مجرّد قراءة الدعاء ، وبين الدعاء الحقيقيّ ـ الذي ينسجم فيه اللسان انسجاماً تامّاً مع القلب ـ فَتَهتَزُّ له الروح ، وتحصل فيه الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : ( إنّ الله عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ ؛ فإذا دعوت فأقبل بقلبك ، ثمّ استيقن بالإجابة ) (٥).
الرابع عشر : الاضطرار إلى الله سبحانه :
لابدّ للداعي أن يتوجّه إلى الله تعالى توجّه المضطرّ الذي لا يرجو غيره ، وأن
____________
١ ـ التوحيد : ٢٨٩.
٢ ـ غافر : ٦٠.
٣ ـ البقرة : ٤٠.
٤ ـ بحار الأنوار ٦٦ / ٣٤١.
٥ ـ الكافي ٢ / ٤٧٣.
يرجع في كلّ حوائجه إلى ربّه ، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي لا تملك ضرّاً ولا نفعاً.
فإذا لجأ الداعي إلى ربّه بقلب سليم ، وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جادّاً ، وكان مدعوُّه ربّه وحده لا شريك له ، تحقّق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقيّ إلى الله تعالى ، الذي هو شرط في قبول الدعاء.
الخامس عشر : تسمية الحوائالجواب :
إنّ الله تعالى محيط بعباده ، يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد ، ولكنّه سبحانه يحبُّ أن تُبثُّ إليه الحوائج ، وتُسمَّى بين يديه تعالى ، وذلك كي يُقبل الداعي إلى ربّه ، محتاجاً إلى كرمه ، فقيراً إلى لطفه ومغفرته.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : ( إنّ الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، ولكنّه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمِّ حاجتك ) (١).
السادس عشر : ترقيق القلب :
ويستحبّ الدعاء عند استشعار رقّة القلب ، وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت ، والبرزخ ، ومنازل الآخرة ، وأهوال يوم المحشر ، وذلك لأنّ رقَّة القلب سبب في الإخلاص المؤدّي إلى القرب من رحمة الله وفضله.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( اغتنموا الدعاء عند الرقّة ، فإنّها رحمة ) (٢).
السابع عشر : البكاء والتباكي :
خير الدعاء ما هيّجه الوجد والأحزان ، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله ، الذي هو سيّد آداب الدعاء وذروتها ، ذلك لأنّ الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته ، وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه ، والدمعة سفير رِقَّةِ القلب ، الذي يؤذن بالإخلاص والقرب من رحاب الله تعالى.
____________
١ ـ المصدر السابق ٢ / ٤٧٦.
٢ ـ الدعوات : ٣٠.
قال الإمام الصادق عليهالسلام لأبي بصير : ( إن خفتَ أمراً يكون أو حاجة تريدها ، فابدأ بالله ومَجِّدهُ ، واثنِ عليه كما هو أهله ، وصلِّ على النبيّ صلىاللهعليهوآله وَسَل حاجتَكَ ، وتباكَ ولو مثل رأس الذباب ، إنّ أبي كان يقول : إنّ أقرب ما يكون العبد من الربّ عزّ وجلّ وهو ساجد باكٍ ) (١).
الثامن عشر : العموم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن لا يخصَّ الداعي نفسه بالدعاء ، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات.
وهذا من أهمّ آداب الدعاء ، لأنّه يدلّ على التضامن ونشر المودَّة والمحبّة بين المؤمنين ، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم ، وذلك من منازل الرحمة الإلهيّة ، ومن أقوى الأسباب في استجابة الدعاء ، فضلاً عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( إذا دعا أحدكم فليعمُّ ، فإنّه أوجب للدعاء ) (٢).
التاسع عشر : التضرّع ومدُّ اليدين :
ومن آداب الدعاء إظهار التضرّع والخشوع ، فقد قال تعالى : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً ) (٣).
وقد ذمَّ الله تعالى الذين لا يتضرّعون إليه في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) (٤).
وعن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) ، فقال عليهالسلام : ( الاستكانة هي الخضوع ،
____________
١ ـ الكافي ٢ / ٤٨٣.
٢ ـ المصدر السابق ٢ / ٤٨٧.
٣ ـ الأعراف : ٢٠٥.
٤ ـ المؤمنون : ٧٦.
والتضرُّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما ) (١).
العشرون : الإسرار بالدعاء :
فيستحبّ أن يدعو الإنسان خُفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباءً منثوراً ، قال تعالى : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) (٢).
وقال الإمام الرضا عليهالسلام : ( دعوة العبد سِراً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية ) (٣).
الواحد والعشرون : التَرَيُّث بالدعاء :
ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء ، بل يدعو مترسّلاً ، وذلك لأنّ العجلة تنافي حالة الإقبال والتوجّه إلى الله تعالى ، وما يلزم ذلك من التضرُّع والرقّة ، كما أنّ العجلة قد تؤدّي إلى ارتباك في صورة الدعاء ، أو نسيان لبعض أجزائه.
الثاني والعشرون : عدم القنوط :
وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله ، ولا يستبطأ الإجابة فيترك الدعاء ، لأنّ ذلك من الآفات التي تمنع ترتّب أثر الدعاء ، وهو بذلك أشبه بالزارع ، الذي بذر بذراً فجعل يتعاهده ويرعاه ، فلّما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله.
فعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليهالسلام ، أنّه قال : ( لا يزال المؤمن بخير ورجاء ، رحمة من الله عزّ وجلّ ما لم يستعجل ، فيقنط ويترك الدعاء ) ، قلتُ له : كيف يستعجل؟ قال عليهالسلام : ( يقول : قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة ) (٤).
____________
١ ـ الكافي ٢ / ٤٨٠.
٢ ـ الأعراف : ٥٥.
٣ ـ الكافي ٢ / ٤٧٦.
٤ ـ المصدر السابق ٢ / ٤٩٠.