مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-03-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٢٣
قال : سمعت أبا حميد الساعديّ في عشرة من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي.
فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قالوا : لِمَ! ما كنت أكثرنا له تبعاً ، ولا أقدمنا له صحبة. قال : بلى. قالوا : فاعرض علينا.
قال : فقال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، ثمّ يكبّر حتّى يقرّ كلّ عضو منه في موضعه معتدلاً ، ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر ، ويرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، ثمّ يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ، ثمّ يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع ، ثمّ يرفع رأسه فيقول : ( سمع الله لمن حمده ) ، ثمّ يرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، حتّى يعود كلّ عضو منه إلى موضعه معتدلاً.
ثمّ يقول : ( الله أكبر ) ، ثمّ يهوي إلى الأرض ، فيجافى يديه عن جنبيه ، ثمّ يرفع رأسه ، فيثنى رجله اليسرى فيقعد عليها ، ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ، ثمّ يعود ، ثمّ يرفع فيقول : ( الله أكبر ) ، ثمّ يثني برجله فيقعد عليها معتدلاً ، حتّى يرجع أو يقرّ كلّ عظم موضعه معتدلاً ، ثمّ يصنع في الركعة الأُخرى مثل ذلك.
ثمّ إذا قام من الركعتين كبّر ، ورفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه كما فعل ، أو كبّر عند افتتاح الصلاة ، ثمّ يصنع مثل ذلك في بقية صلواته ، حتّى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم ، أخّر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقّه الأيسر ، فقالوا جميعاً : صدق ، هكذا كان يصلّي رسول الله صلىاللهعليهوآله ).
والذي يوضّح صحّة الاجتماع به الأُمور التالية :
١ ـ تصديق أكابر الصحابة ، وهذا العدد لأبي حميد يدلّ على قوّة الحديث ، وترجيحه على غيره من الأدلّة.
٢ ـ أنّه وصف الفرائض والسنن والمندوبات ، ولم يذكر القبض ، ولم
ينكروا عليه ، أو يذكروا خلافه ، وكانوا حريصين على ذلك ، لأنّهم لم يسلّموا له أوّل الأمر أنّه أعلمهم بصلاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، بل قالوا جميعاً : صدقت ، هكذا كان رسول الله يصلّي ، ومن البعيد جدّاً نسيانهم وهم عشرة ، وفي مجال المذاكرة.
٣ ـ الأصل في وضع اليدين هو الإرسال ؛ لأنّه الطبيعي فدلّ الحديث عليه ؛ لأنّه لو كان غير ذلك لذكر.
٤ ـ هذا الحديث لا يقال عنه إنّه عام ، وأحاديث التكتّف خصّصته ، لأنّه وصف وعدّد جميع الفرائض والسنن والمندوبات ، وكامل هيئة الصلاة ، وهو في معرض التعليم والبيان ، والحذف فيه خيانة ، وهذا بعيد عنه وعنهم.
٥ ـ بعض من حضر من الصحابة قد روى أحاديث التكتّف ، فلم يعترض ، فدلّ على أنّ التكتّف منسوخ ، أو على أقلّ أحواله بأنّه جائز للاعتماد لمن طوّل في صلاته ، وليس من سنن الصلاة ، ولا من مندوباتها ، كما هو مذهب الليث ابن سعد ، والأوزاعيّ ، ومالك.
التوحيد والتثليث :
( حسين ـ البحرين ـ .... )
تعدّد المشيئة دليل على التوحيد :
س : كيف يمكننا الردّ على الإشكالية التي يطرحها بعض المسيح ، وهي : إمكانية الاستدلال على الثالوث عن طريق الثلاث شموع التي يتّحد نورها في ضوء واحد؟
ج : إنّ الإشكال الأساسيّ الذي يرد على الثالوث : أنّ لكلّ واحد من الثلاث له مشيئة ، فإمّا أن تتّحد مشيئة الثلاث دائماً ولا تختلف ، فهذا لا يمكن مع التزامنا بالتعدّدية ، وينجر هذا القول إلى الالتزام بالوحدانية من حيث لا يشعرون ، ولا يمكن القول بالتعدّد.
وإمّا أن تختلف ، فإذا اختلفت المشيئة عند الثلاث ، فأيّها تقدّم؟ فمن قدّمت مشيئته على غيره كان هو الربّ ، والآخر مربوب.
( ... ـ ... ـ ..... )
بهما يناظر مع المسيحية :
س : كيف نستطيع أن نناظر ونباحث مع أهل الكتاب سيّما المسيحيّين؟ جزاكم الله عن الإسلام خير الجزاء وجعلنا من جيران مولانا أمير المؤمنين في الجنّة.
ج : أهم اختلاف هو في التوحيد والتثليث ، وبهذا الموضوع يمكن مناظرتهم ، يعني لابدّ وأن تكون بداية المناظرة في هذا الموضوع ، الذي هو أصل الاختلاف.
ونوصيكم بمطالعة كتب العلاّمة الشيخ محمد جواد البلاغيّ قدسسره ؛ فإنّ له مؤلّفات قيّمة أمثال : التوحيد والتثليث ، الرحلة المدرسية.
وكذلك نوصيكم بمطالعة كتب الأُستاذ ديدات في مناظراته مع علماء المسيحية ، وكذلك نوصيكم بمطالعة كتاب هبة السماء رحلتي من المسيحية إلى الإسلام للأُستاذ علي الشيخ.
( ... ـ ... ـ ..... )
الردّ على شبهة ابن كمّونة :
س : هل شبهة ابن كمّونة المسمّاة بشبهة افتخار الشياطين لها حلّ وجواب؟ وأين أجد الجواب؟ في أيّ كتاب؟
ج : خير ما قيل في ردّ شبهة ابن كمّونة : إنّ المفهوم الواحد لا يمكن انتزاعه من الأُمور المتخالفة والمتباينة بما هي كذلك ، بل لابدّ في صحّته وجود جهة وحدة مشتركة بينها ، كمفهوم الإنسان المنتزع من جزئيات متباينة بالعوارض ، ومتّحدة في تمام الماهية المشتركة.
ومن أوضح البراهين على التوحيد ما أفاده بعض العباقرة ، وفرسان ميدان المعقول : أنّ الكثرة بين الأشياء إن كانت نوعية فبالماهية ، وإن كانت عددية ، فإن كانت في الجواهر فبالمادّة ولواحقها ، وإن كانت في الأعراض فبالموضوعات ، وإذا استحال أن يكون له تعالى موضوع أو ماهية أو هيولى ومادّة ، فكيف تتحقّق الأثنينية.
ويمكن استفادة الجواب على شبهة ابن كمّونة من كلام الإمام الصادق عليهالسلام في حديث مع زنديق ، وكان من قول الإمام الصادق عليهالسلام : ( لا يخلو قولك : إنّهما اثنان ، من أن يكونا قديمين قويّين ، أو يكونا ضعيفين ، أو يكن أحدهما قويّاً والأخر ضعيفاً ، فإن كانا قويّين ، فلم لا يدفع كلّ منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير ، وإن زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف ، ثبت أنّه واحد
كما نقول ، للعجز الظاهر في الثاني.
فإن قلت : إنّهما اثنان ، لم يخل من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة ، أو متفرّقين من كلّ جهة ، فلمّا رأينا الخلق منتظماً ، والفلك جارياً ، والتدبير واحداً ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد.
ثمّ يلزمك إن ادّعيت اثنين فرجة ما بينهما حتّى يكونا اثنين ، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما ، فيلزمك ثلاثة ، فإن ادّعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين ، حتّى تكون بينهم فرجة ، فيكونوا خمسة ، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة ) (١).
____________
١ ـ شرح أُصول الكافي ٣ / ٤٢.
التوسّل والاستغاثة :
( أُمّ عبد الله. السعودية .... )
بأهل البيت جائز :
س : لماذا نتوسّل بأهل البيت عليهمالسلام؟ مع الاستشهاد بالقرآن الكريم ، والأحاديث الشريفة للشيعة والسنّة؟
ج : قد خلق الله سبحانه العالم التكوينيّ على أساس الأسباب والمسبّبات ، فلكلّ ظاهرة في الكون سبب عادي يؤثّر فيها بإذنه سبحانه ، فالماء مثلاً يؤثّر على الزرع بصريح هذه الآية : ( وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ) (١).
والباء في الآية بمعنى السببية ، والضمير يرجع إلى الماء ، وهذا ليس بمعنى تفويض النظام لهذه الظواهر المادّية ، والقول بتأصّلها في التأثير ، واستقلالها في العمل ، بل الكلّ متدلٍّ بوجوده سبحانه ، قائم به ، تابع لمشيئته وإرادته وأمره.
هذا هو الذي نفهمه من الكون ، ويفهمه كلّ من أمعن النظر فيه ، فكما أنّ الحياة الجسمانية قائمة على أساس الأسباب والوسائل ، فهكذا نزول فيضه المعنوي سبحانه إلى العباد تابع لنظام خاصّ كشف عنه الوحي ، فهدايته سبحانه تصل إلى الإنسان عن طريق ملائكته ، وأنبيائه ورسله وكتبه ، فالله
____________
١ ـ البقرة : ٣٢.
سبحانه هو الهادي ( وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (١).
والقرآن أيضاً هو الهادي : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (٢).
والنبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله أيضاً هو الهادي ، ولكن في ظلّ إرادة الله سبحانه : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٣).
فهداية الله تعالى تصل إلى الإنسان عن طريق الأسباب والوسائل التي جعلها الله سبحانه طريقاً لها. وإلى هذا الأصل القويم يشير الإمام الصادق عليهالسلام في كلامه ، فيقول : ( أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ، فجعل لكلّ شيء سبباً ، وجعل لكلّ سبب شرحاً ... ) (٤).
فعلى ضوء هذا الأساس ، فالعالم المعنوي يكون على غرار العالم المادّي ، فللأسباب سيادة وتأثير بإذنه سبحانه ، وقد شاء الله أن يكون لها دور في كلتي النشأتين ، فلا غرور لمن يطلب رضا الله أن يتمسّك بالوسيلة ، قال الله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٥). فالله سبحانه حثّنا للتقرّب إليه على التمسّك بالوسائل وابتغائها ، والآية دعوة عامّة لا تختصّ بسبب دون سبب ، بل تأمر بالتمسّك بكلّ وسيلة توجب التقرّب إليه سبحانه.
وعندئذ يجب علينا التتبّع في الكتاب والسنّة ، حتّى نقف على الوسائل المقرّبة إليه سبحانه ، وهذا ممّا لا يعلم إلاّ من جانب الوحي ، والتنصيص عليه في الشريعة ، ولولا ورود النصّ لكان تسمية شيء بأنّه سبب للتقرّب بدعة في الدين ، لأنّه من قبيل إدخال ما ليس من الدين في الدين.
____________
١ ـ الأحزاب : ٤.
٢ ـ الإسراء : ٦.
٣ ـ الشورى : ٥٢.
٤ ـ الكافي ١ / ١٨٣.
٥ ـ المائدة : ٣٥.
ونحن إذا رجعنا إلى الشريعة ، نقف على نوعين من الأسباب المقرّبة إلى الله سبحانه :
النوع الأوّل : الفرائض والنوافل التي ندب إليها الكتاب والسنّة ، ومنها : التقوى ، والجهاد الواردين في الآية ، وإليه يشير الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، ويقول : ( إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ؛ فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ؛ فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة ؛ فإنّها الملّة ، وإيتاء الزكاة ؛ فإنّها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان ؛ فإنّه جُنّة من العقاب ، وحجّ البيت واعتماره ؛ فإنّهما ينفيان الفقر ، ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم ؛ فإنّها مثراة في المال ، ومنسأة في الأجل ، وصدقة السرّ ؛ فإنّها تكفّر الخطيئة ، وصدقة العلانية ؛ فإنّها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف ؛ فإنّها تقيّ مصارع الهوان ... ) (١).
غير أنّ مصاديق هذا النمط من الوسيلة لا تنحصر في ما جاء في الآية ، أو في تلك الخطبة ، بل هي من أبرزها.
النوع الثاني : وسائل ورد ذكرها في الكتاب والسنّة الكريمة ، وحثّ عليها الرسول صلىاللهعليهوآله ، وتوسّل بها الصحابة والتابعون ، وكلّها توجب التقرّب إلى الله سبحانه.
ومن تلك الوسائل المقرّبة هم أئمّة أهل البيت عليهمالسلام.
فقد ورد في بعض الروايات : أنّ المراد من الوسيلة في قوله تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) هم أهل البيت عليهمالسلام ، منها :
١ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى ) (٢).
____________
١ ـ شرح نهج البلاغة ٧ / ٢٢١.
٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٦٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣١٨ و ٣ / ٢٩٢.
٢ ـ قال أمير المؤمنين عليهالسلام في قوله تعالى ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) : ( أنا وسيلته ) (١).
٣ ـ ورد في زيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهادي عليهالسلام : ( مستشفع إلى الله تعالى بكم ، ومتقرّب بكم إليه ، ومقدّمكم أمام طلبتي وحوائجي ، وإرادتي في كلّ أحوالي وأُموري ... ) (٢).
٤ ـ ورد في دعاء التوسّل عن الأئمّة عليهمالسلام : ( يا سادتي ومواليَّ إنّي توجّهت بكم أئمّتي وعُدّتي ليوم فقري وحاجتي إلى الله ، وتوسّلت بكم إلى الله ، واستشفعت بكم إلى الله ... ) (٣).
٥ ـ ورد في دعاء الندبة : ( وجعلتهم الذريعة إليك ، والوسيلة إلى رضوانك ... ) (٤).
هذا وكانت سيرة أصحاب أئمّة أهل البيت عليهمالسلام يتوسّلون بدعائهم ، لأنّ التوسّل بدعاء الإمام ؛ لأجل أنّه دعاء روح طاهرة ، ونفس كريمة ، وشخصية مثالية ، كرّمها الله وعظّمها ، ورفع مقامها وذكرها ، وقال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٥).
فهذا هو علي بن محمّد الحجّال ، كتب إلى الإمام الهادي عليهالسلام ، وجاء في كتابه : وأصابتني علّة في رجلي ، لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب ، فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علّتي ، ويعينني على القيام بما يجب عليّ ، وأداء الأمانة في ذلك ... (٦).
____________
١ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٧٣.
٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٣٠٨.
٣ ـ بحار الأنوار ٩٩ / ٢٤٩.
٤ ـ إقبال الأعمال ١ / ٥٠٥.
٥ ـ الأحزاب : ٣٣.
٦ ـ كشف الغمة ٣ / ١٨٢.
وذكر ابن حجر في كتابه ( الصواعق المحرقة ) توسّل الإمام الشافعيّ بآل البيت عليهمالسلام :
آل النبيّ ذريعتي |
|
وهم إليـه وسيلتي |
أرجو بهـم أعـطى غداً |
|
بيدي اليمين صحيفتي (١) |
وقال الشاعر الصاحب بن عبّاد في ذلك :
وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة |
|
فوسيلتي حبّي لآل محمّد |
الله طهّرهم بفضل نبيّهم |
|
وأبان شيعتهم بطيب المولد (٢) |
ثمّ من المتّفق عليه جواز التوسّل بدعاء الرجل الصالح ، وبحقّه وحرمته ومنزلته ، فكيف بمن هم سادة وقدوة الصلحاء؟ ألا وهم أئمّة أهل البيت عليهمالسلام.
وتأييداً لما قلنا ، صرّح الزرقانيّ في شرح المواهب بجواز بل استحباب التوسّل بالنبيّ صلىاللهعليهوآله لزائره (٣) وغيرهم.
( رؤوف ـ السعودية ـ ٢٧ سنة ـ طالب )
الأئمّة هم الوسيلة إلى الله تعالى :
س : قال الله تعالى : ( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (٤) ، وقال : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٥) ، ونحن نتّجه للأئمّة ، أنا لا أشكّ في الأئمّة ، بل لم لا نعتمد على الله ( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (٦)؟ لم اعتمادنا على الأئمّة أكثر من اعتمادنا على الله تعالى؟
____________
١ ـ الصواعق المحرقة ٢ / ٥٢٤.
٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٩٩.
٣ ـ شرح المواهب اللدنية ٨ / ٣١٧.
٤ ـ آل عمران : ١٢٢.
٥ ـ غافر : ٦٠.
٦ ـ آل عمران : ١٧٣.
ج : إنّ الله تعالى قال : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ).
وهو يعني أنّ العبد لابدّ أن ينقطع إلى الله تعالى في طلب كلّ شيء ، لافتقاره لكلّ شيء ، فهو المحتاج إلى الله والفقير إليه ، والله تعالى الغني عن عباده.
إلاّ أنّ ذلك لا يمنع من أن نجعل الأئمّة عليهمالسلام وسيلة إلى الله تعالى ، فكما أمرنا بدعائه ، فقد أمرنا بابتغاء الوسيلة إليه ، قال تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى ) (٢).
وأعلم يا أخي : إنّ قلّة طاعتنا ، وكثرة ذنوبنا نحن العبيد ، كلّ ذلك يوجب حجب الدعاء عن الله تعالى ، والاستجابة لنا ، إلاّ أنّ توسّطهم عليهمالسلام وشفاعتهم ، وقرب منزلتهم إلى الله تعالى ، يقتضي منه تعالى أن يستجيب دعاءنا كرامة لهم عليهمالسلام.
كما إنّك لو سألت أحداً حاجة ـ وتعلم أنّ قضاءها يكون بتوسّط أحد مقرّبيه ـ فإنّ العقل يدعوك إلى أن تسأل هذا المقرّب بحاجتك ، وأن يتوسّط بحقّه وبمنزلته في قضاء حاجتك. والأئمّة عليهمالسلام لكرامتهم عند الله يستجيب لنا ، ويقضي حوائجنا ، بحقّهم عنده ، ولا ينافي ذلك في توكلّنا على الله تعالى بعد أن نقرّ بربوبيّته وقدرته ، ونعترف بعبوديتنا له تعالى ، فهل ينافي هذا التوكلّ على الله تعالى ، والانقطاع إليه في أُمورنا وحوائجنا؟!
( علي ـ سنّي ـ .... )
من وسائلهما التوسّل بالنبيّ وآله :
س : تستدلّون على التوسّل بالنبيّ والأئمّة بقوله تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ
____________
١ ـ المائدة : ٣٥.
٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٦٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣١٨ و ٣ / ٢٩٢.
الْوَسِيلَةَ ) ، بينما فسّر علي الوسيلة بالعمل الصالح ، كما جاء في نهج البلاغة : خطبة ١١٠ ، حيث قال : ( إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ، فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة فإنّها الملّة ... ) (١).
فما تفسيركم لهذا التناقض بين الآية الكريمة ، وكلام علي في نهج البلاغة؟
ج : ليس هناك تناقض بين الآية الكريمة ، وكلام أمير المؤمنين عليهالسلام ، لأنّه وردت روايات تفسّر الوسيلة بالعمل الصالح ، وأيضاً وردت عندنا روايات تفسّر الوسيلة بمعنى التوسّل بالنبيّ وأهل بيته عليهمالسلام.
ثمّ إنّ الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام لم يحصر الوسيلة بالعمل الصالح ، وإنّما قال : أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى كذا وكذا ، وذكر مجموعة من الأعمال الصالحة ، وهذا معناه توجد وسائل فاضلة ، ولكن هذا أفضل.
ومن المعلوم : أنّ أفعل التفضيل تأتي للمفاضلة بين أمرين مشتركين في النوع ، مختلفين بالدرجة في الغالب.
فعندما نقول : أفضل الصلوات الصلاة الوسطى ، فهذا لا يعني أنّ بقية الصلوات غير مطلوبة.
وعندما نقول : أفضل الليالي في شهر رمضان ليلة القدر ، فهل معناه أنّ غيرها ليس فيها فضيلة؟ كلاّ.
وعندما نقول : أفضل الوسائل العمل الصالح أو التقوى ، لا يعني أنّ بقية الوسائل من التوسّل بالنبيّ وأهل بيته عليهمالسلام ليس لها فضيلة.
وإن قلت : إذاً ، التوسّل بالعمل الصالح أفضل من التوسّل بالأشخاص.
قلت : أنّ الملاك الأساسيّ للمتوسِّل والمتوسَّل به هو تقوى الله تعالى ، يعني
____________
١ ـ شرح نهج البلاغة ٧ / ٢٢١.
الذي جعل الرسول صلىاللهعليهوآله بهذا المقام عند الله تعالى هو بتقواه ، وهكذا الإنسان المتوسّل ، فكلّما يكون أكثر تقوى كلّما كان أكثر استجابة ، إذاً الملاك لكلّ منهما هو القرب إلى الله تعالى.
ثمّ إنّ دليلنا على التوسّل ليس هو الآية فقط ، وإنّما دليلنا آيات أُخرى منها : ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) (١).
فهنا لم يقولوا : اللهم أنّا نستغفر أو اغفر لنا ، بل قالوا : يا أبانا استغفر لنا ، أي اطلب لنا من الله تعالى المغفرة.
فهذا توسّل بأبيهم يعقوب عليهالسلام ، وهكذا نحن نأتي إلى الإمام عليهالسلام ونقول له : بجاهك عند الله ، اسأل الله أن يغفر لنا ، ويفرّج عنّا.
مضافاً إلى خبر عثمان بن حنيف ، الذي يروي قضية توسّل ذلك الأعمى بالنبيّ صلىاللهعليهوآله وشفاءه ، حيث قال : ( اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيي محمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك أن يكشف لي عن بصري ، فردّ الله تعالى عليه بصره ) (٢).
( أبو مجاهد ـ ... ـ ..... )
الرقية لا مانع منها عقلاً وشرعاً :
س : هل تجوز الرقية شرعاً وعقلاً؟
ج : لا مانع من الرقية عقلاً وشرعاً إذا كانت في حدودها وموازينها الشرعيّة ، فهي تدخل تحت عمومات الأدعية والتوسّل ، والتبرّك المشروع ـ باختلاف مواردها ـ فلا يصغى لما تقوله جماعة في منعها رأساً ، كيف وقد وردت في كتبهم المعتبرة أحاديث دالّة على الجواز : منها : ( استرقوا لها فإنّ بها النظرة ) (٣).
____________
١ ـ يوسف : ٩٧.
٢ ـ السنن الكبرى للنسائيّ ٦ / ١٦٩.
٣ ـ صحيح البخاريّ ٧ / ٢٣ ، المستدرك ٤ / ٢١٢ ، المصنّف للصنعانيّ ١١ / ١٦ ، الجامع الصغير ١ / ١٤٩.
ومنها : قول الرسول صلىاللهعليهوآله للذي رقى بالقرآن ، وأخذ عليه أجراً : ( من أخذ برقية باطلٍ فقد أخذت برقية حقّ ) (١).
ومنها : بعدما عرض عليه صلىاللهعليهوآله بعض الرقيات قال : ( لابأس بها ، إنّما هي مواثيق ) (٢).
وأيضاً قد أمر صلىاللهعليهوآله غير واحد من أصحابه بالرقية ، وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم (٣).
( أبو ذر ـ ... ـ ..... )
بذوات الصالحين من مسائل العقيدة :
س : التوسّل في الدعاء بذوات الصالحين بحقّهم أو جاههم ، هل هي من مسائل العقيدة أم من الفروع؟
ج : قد ثبت بالأدلّة القطعية مشروعية التوسّل ، ومطلوبيّته عند الله تعالى ، وهذا لا مجال لإنكاره بعد الوقوف على أدلّته العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة.
ثمّ أنّ الحكم على هذا الموضوع ، إن كان من باب إثبات أو ردّ تلك الأدلّة ، فهي ترتبط بالمسائل العقائديّة ربطاً وثيقاً ، وإن كان من باب العمل ، فهي مسألة فرعية تتعلّق بأفعال المكلّف باستحبابها في إتيانها.
( الموالي ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )
بقولنا يا علي :
س : يسأل البعض عن كلمة ( علي ) عندما يقولها الشيعة ، فهل هي تعني
____________
١ ـ تحفة الأحوذيّ ٦ / ١٨٢ و ٣٠١ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٥ / ٤٤٦.
٢ ـ مسند أحمد ٣ / ٣٩٣ ، تحفة الأحوذيّ ٦ / ١٨٢ ، المعجم الأوسط ٨ / ٢٩٧.
٣ ـ النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٢٥٥.
( العلي ) الله عزّ وجلّ أم الإمام علي عليهالسلام؟
ج : الاستغاثة بالنبيّ صلىاللهعليهوآله وبإخوانه النبيّين والمرسلين ، وبالأوصياء والصالحين ، هي عبارة عن سؤال الشفاعة منهم لقضاء الحوائج ، ودفع النوائب ، وتفريج الكروب ، ولا ريب أنّ كلّ من يناديهم من المؤمنين ، فهو عالم أنّه لا يعبد إلاّ الله ، ولا يفعل ما يريد ، ولا يمنح ما يطلب إلاّ الله ، وليس هؤلاء إلاّ شفعاء فقط.
وقد أرشدنا الله ورسوله للاستغاثة بعباد الله الصالحين من الأنبياء والأوصياء ، بقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (١).
وقد ورد في بعض الأخبار : أنّ المقصود من الوسيلة هو أمير المؤمنين علي عليهالسلام (٢) ، فعندما تنادي الشيعة بكلمة : ( يا علي ) في الواقع تتوسّل به عليهالسلام إلى الله تعالى ، لما يحمله من المنزلة والمقام الرفيع ، والقرب من المولى تعالى.
( محمّد ـ الكويت ـ .... )
بأهل البيت مأمورون به :
س : لماذا مبدأ التوسّل بأهل البيت؟ والله تعالى يقول في كتابه بما معناه : أنّه أقرب للإنسان من حبل الوريد ، وشكراً.
ج : إنّ الله سبحانه أمرنا بذلك بقوله تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) ، فالأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحون إنّما هم واسطة فيض ، ومن الوسائل التي نصل بها إلى الله سبحانه ، فالتوسّل بهم توسّل بالله تعالى ، بل لو لم نتوسّل بهم فإنّا خالفنا الله في عبادته والتوسّل به ، لأنّ الله يريد العبادة التي هو يأمر بها ، لا أنّ الإنسان بعقله وفكره يعبد ربّه. كما قال الشيطان عندما أمره الله أن يسجد لآدم ، أن يعفيه عن هذه السجدة ، ويسجد لله سجدة لم يسجدها
____________
١ ـ المائدة : ٣٥.
٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٧٣.
أحد من الملائكة ، فأبى الله عليه ذلك ، وقال : أريد العبادة والسجدة التي أنا أريدها ، لا أنت الذي تريده.
وقد ورد عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام : ( بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ) (١) ، فهم باب الله الذي منه يؤتى ، وهم السبب المتّصل بين السماء والأرض ، وهم سفن النجاة من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى.
( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )
فلسفة قول الشيعة : يا علي :
س : سؤالي هو : ما هو فلسفة قول الشيعة عند قيامهم ، أو عند حملهم أشياء ثقيلة : يا أبا الحسن أو يا علي ، ودمتم موفّقين لكلّ خير.
ج : في البدء لابد من البحث عن مشروعية مثل هذه الأقوال ، لأنّه إذا ثبت حرمتها ، فلا مجال ولا جدوى للبحث في فلسفة هذه الأقوال.
فنقول : الأصل في الأفعال والأقوال الحلّيّة ، كما يذكر ذلك في علم الأُصول ، وكذا في القواعد الفقهيّة : ( كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه ) (٢) ، فما لم يثبت حرمة فعل أو قول فهو باق على الحلّيّة ، هذا أوّلاً.
وأمّا ثانياً ، فهو الكلام في فلسفة مثل هذه الأقوال ، فنقول : هذه الأقوال هي عبارة عن نداء يخاطب به الإنسان غيره ، كما نقول : يا زيد أو يا عمرو ، وما إلى ذلك ، فكما لا يوجد أيّ إشكال على مثل هذا النداء حيث نستعمله يومياً عشرات المرّات ، فكذا لا إشكال في قولنا : يا محمّد ويا علي.
والفرق بأنّ رسول الله وعليّاً وفاطمة أموات ، والذين نناديهم أحياء ، فيصحّ ويحل نداء الأحياء ، دون نداء الأموات ، فهو فرق لا يستلزم الاختلاف في الحكم بالحلّيّة ؛ إذ لا يوجد دليل على التفصيل بين الحلّيّة في مناداة الأحياء ،
____________
١ ـ التوحيد : ١٥٢.
٢ ـ الكافي ٥ / ٣١٣.
والحرمة في مناداة الأموات.
هذا مضافاً إلى أنّ أيّ نداء لشخص ـ سواء كان حيّاً أو ميّتاً ـ إن كان المنادي والقائل يعتقد قدرة المنادى ، والمدعو على إعانة القائل على الأمر المعيّن على نحو الاستقلالية عن الله تعالى ، فهو شرك وحرام قطعاً.
وإن كان يعتقد بقدرة المدعو ـ كالنبيّ وعلي عليهماالسلام ـ على العمل المعيّن ، كأن يدعوان له أو يشفعان له ، أو ما إلى ذلك من موارد الاستعانة ، وهذا من دون الاعتقاد باستقلالية المنادى ، بل مع اعتقاد أنّه من أولياء الله ، وأنّه يستطيع أن يعين الشخص المنادي من خلال وساطته عند الله ومنزلته عنده ، فهذا لا مانع فيه. بل الاستعانة والنداء مع هذا الاعتقاد ، هو نداء لله تعالى بصورة أُخرى ، واستعانة به تعالى.
( علي الشهراني ـ البحرين ـ ٢٣ سنة ـ طالب )
الأدلّة على جوازهما :
س : أنا تصفّحت كتب الشيعة فلم أجد الإجابة الوافية بشأن التوسّل بالأموات ، خصوصاً من السنّة ، لأنّي جادلت أحد أهل السنّة بالجواز ، قال : أنا أقبل فقط من البخاريّ ومسلم. قلت : إنّك متعصّب ، هذه كلّها من مصادركم ، وأغلقت عليه الإنترنت ، وشكراً لكم.
ج : إنّ التوسّل يتصوّر على قسمين :
١ ـ تارة نطلب من الله تعالى بحقّ نبيّ أو إمام ، أو عبد صالح ، أن يقضي حوائجنا.
٢ ـ وتارة نطلب من النبيّ والوصي ، والعبد الصالح ، أن يطلب من الله تعالى قضاء الحوائج.
قال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ
الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (١).
وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب : ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٢).
وربما يقول قائل : إنّ هذا جائز في حال الحياة ، أمّا بعد الممات فلا ، لكونه شركاً بالله تعالى.
فيقال : إنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، وإذا كان جائزاً ، فلا فرق سواء كان في حياته أو بعد مماته ، إذ أنّ النبيّ آتاه الله الدرجة الرفيعة ، وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة ، فلا بدع لو توسّل به المؤمن في كلّ يوم ، وقال : يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.
وروي عن عثمان بن حنيف أنّه قال : ( أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقال : أدع الله أن يعافيني. فقال صلىاللهعليهوآله : ( إن شئتَ أخّرت لك وهو خير ، وإن شئتَ دعوت ). قال : فادعه.
فأمره صلىاللهعليهوآله أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ، ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بمحمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجة هذه لتقضى ، اللهم شفّعه فيّ.
قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا ، وطال بنا الحديث ، حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ ) (٣).
قال الرفاعيّ الوهابيّ المعاصر : ( لا شكّ أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور ، وقد ثبت فيه بلاشكّ ولا ريب ارتداد بصر الأعمى بدعاء رسول الله ).
____________
١ ـ النساء : ٦٤.
٢ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.
٣ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٤٤١ ، مسند أحمد ٤ / ١٣٨ ، مستدرك الحاكم ١ / ٣١٣ ، الجامع الصغير ١ / ١٨٣ ، المعجم الكبير ٩ / ٣١ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٨ / ٣٧٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٤٠٧.
وروي عن عمر بن الخطّاب ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ( لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي ) (١).
هذا ، وقد جرت سيرة المسلمين في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآله وبعد وفاته على التوسّل به صلىاللهعليهوآله ، والأولياء الصالحين ، والاستشفاع بمنزلتهم وجاههم عند الله تعالى.
( البحرين ـ سنّي ـ ٢١ سنة ـ طالب جامعة )
اعتقاد باستقلالية الأسباب شرك :
س : من المعلوم لدى أهل السنّة أنّ الاستغاثة والاستشفاء والتوسّل والدعاء بقبر كائن من كان شرك ، لقوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (٢).
ولقوله تعالى : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (٣).
ولقوله تعالى : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ) (٤).
فمن يؤمن بكمال القرآن لم يسأل ، ولم يدعو ، ولم يستغفر غير الله.
ولقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٥).
وبعد هذه الآيات من القرآن لكلّ من يؤمن بالقرآن ـ وهذه ليست أحاديث من البخاريّ أو مسلم وإنّما قرآن ـ ماذا تقول فيمن يصرّ على دعاء واستغاثة غير الله تعالى؟
قد تقول : إنّ النية موجّهة إلى الله تعالى ، وحينها نقول : ما هو تعريف
____________
١ ـ المستدرك على الصحيحين ٢ / ٦١٥ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٨٥ ، الدرّ المنثور ١ / ٥٨.
٢ ـ البقرة : ١٨٦.
٣ ـ الشعراء : ٨٠.
٤ ـ النمل : ٦٢.
٥ ـ الأعراف : ١٩٤.