المتعارضتين يكون على القاعدة ، ويكون من صغريات التخيير في باب المتزاحمين فيندرج في القسم الثاني ، فان كلا من الأمارتين فقد استتبعت حكما على طبقها ، وحيث لا يمكن للمكلف الجمع بين الحكمين في الامتثال ، لتضاد مؤداهما الذي هو منشأ التعارض ، فلا محيص عن التخيير ، إما بتقييد الإطلاق ، وإما بسقوط الحكمين واستكشاف العقل حكما تخييريا ، لتمامية الملاك ، وذلك أيضا واضح.
الأمر الثاني :
كما يمكن أن يكون التكليف في عالم الجمع والثبوت ومرحلة التشريع والحدوث مشروطا ـ كاشتراط وجوب الحج بالاستطاعة والصلاة بالوقت ـ كذلك يمكن أن يحدث للتكليف الاشتراط في مرحلة البقاء والاستمرار بعد ما كان مطلقا في مرحلة الحدوث والثبوت ، كما لو فرض اشتراط بقاء التكليف بالصلاة بعدم الصيام.
وهذان الفرضان متعاكسان في جريان البراءة والاشتغال عند الشك فيهما.
__________________
مفاده حكما تكليفيا ، ولذا ينتج من هذا التخيير بالأخرة حكما تعيينيا أو حجة تعينية ، وبذلك تمتاز عن التخيير في الأقسام السابقة.
ولئن شئت قلت : بأنه عند عدم سقوط الطريقين عن الحجية العقل يحكم باشتراط تعين كل واحد بالأخذ به ، فهذا التخيير في الحقيقة جاء من قبل تحصيل الحجة التعينية بأخذه عند تساويهما ، لا أنه حكم شرعي موجب للعقوبة على ترك الاستناد بهما ، كيف! ومع تركهما لا يستحق إلا العقوبة على ترك الحجة التعينية ، لا على ترك الأخذ بهما.
ثم أن في هذه الجهة لا فرق بين اعتبار الطرق من باب الطريقية أو السببية ، إذ على السببية أيضا الأخذ مقدمة تعيين الحجة المقتضية لتعيين الحكم على وفقه ، بحيث نتيجة هذا التخيير أيضا ينتهى إلى حكم تعييني لا حكم تخييري ، كيف! ولا يتصور التخيير بين مفاد الحجتين المتضادين كالوجوب والحرمة ، فقهرا مثل هذا التخيير أجنبي عن التخييرات السابقة ، على السببية ، كما لا يخفى ، فتدبر.