مثل صدق الكرّية وعدمها بعد النقص أو الزيادة والشكّ في بقائها أو حدوثها ، فإنّ دعوى أنّ هذا الماء الموجود هو ذلك الماء السابق الذي نقص منه أو زيد عليه وإن سمّيناها عرفية إلاّ أنّها اجتهادية صرفة موكولة إلى نظر الفقيه بما أنّه عرفي ، وكما أنّ تلك العملية راجعة إلى الاجتهاد في استنباط ما هو الموضوع لذلك الحكم الكلّي حسبما يراه المجتهد بما رزقه الله تعالى من الفهم العرفي ، فكذلك هذه العملية الراجعة إلى دعوى الاتّحاد بين الماءين ، غايته أنّها ليست في مقام استنباط الموضوع للحكم الكلّي ، وفي هذه المسألة تكون المقابلة بين الاتّحاد العقلي والاتّحاد العرفي صحيحة مع خروج الاتّحاد بحسب لسان الدليل ، إذ ليس في البين دليل كي يعمل المجتهد أو العرف قوّته في استنباط ما هو موضوع الحكم فيه ، بخلاف تلك المسألة فإنّ هناك حكماً كلّياً وارداً على موضوع كلّي ، وعلى المجتهد أو العرف إعمال القوّة في تشخيص ما هو موضوع الحكم ولو كان الدالّ عليه هو الإجماع ، ومع العجز عن تحصيل ذلك ينسدّ فيه باب الاستصحاب.
ومن ذلك كلّه يظهر لك التأمّل فيما أفاده المرحوم الأصفهاني قدسسره في حاشيته على الكفاية خصوصاً قوله : ومنها أنّ للعرف نظرين ، إلى قوله : دون غيره (١) ، فإنّه وإن جعل المركز هو موضوع الحكم الشرعي ، لكنّه أناط تشخيصه بأحد أُمور ثلاثة : العقل ، وما يفهمه العرف من لسان الدليل ، وما يفهمه العرف بصرف طباعهم مع قطع [ النظر ] عن حكم العقل وعن المستفاد من لسان الدليل ، وأفاد أنّه يشترط في هذا الأخير أن لا يكون من قبيل القرائن المتّصلة بل ولا القرائن المنفصلة ، ثمّ أشكل على هذا الأخير بما حاصله : أنّه بعد فرض كونه
__________________
(١) نهاية الدراية ٥ ـ ٦ : ٢٣١ ـ ٢٣٣.