بعنوان المتغيّر لم يبق شكّ في ارتفاع الحكم بعد ارتفاع التغيّر ، ومعه لا مجال حينئذ لأن يدّعي العرف علينا دعوى ثانية من جديد وأنّه يتسامح ويخرج التغيّر عن الموضوعية ، ولو صدر منه ذلك كان قد ناقض نفسه ، وإن اجتهد العرف بحسب ما لديه من قوّة وفهم عدم مدخلية التغيّر وأنّه لا يكون إلاّعلّة في النجاسة ، وحينئذ فينفتح لنا باب الشكّ في البقاء باعتبار التردّد في كيفية العلّية المذكورة ، أمّا إذا لم يفهم العرف شيئاً من الوجهين المزبورين ، بل بقي مردّداً بين كون مركب النجاسة وموضوعها هو الذات نفسها وكونه هو الذات بعنوان التغيّر ، سقط الاستصحاب بالمرّة ، ولا يصدر من العرف حكم بعد هذا التردّد والتحيّر بأنّ التغيّر علّة أو حالة لا جزء موضوع ، ولو صدر منه ذلك لم يقبل منه ولو تسامح بألف تسامح ، وقد تقدّم توضيح ذلك في الحاشية السابقة على ص ٢١٥ (١).
وبالجملة : لا محصّل للرجوع إلى العرف في هذا المقام إلاّ الرجوع إليهم فيما يفهمون من الدليل أو الجهات الأُخر في تعيّن ما هو موضوع ذلك الحكم الشرعي ، وهم بعد أن أعملوا غاية جهدهم في استنباط الموضوع لما هو الحكم الشرعي وفهموا بحسب ذوقهم الذي رزقهم الله تعالى إيّاه ، لا يبقى لهم تردّد آخر وحكومة واجتهاد آخر يجرون عمليته فوق تلك العملية الاجتهادية ، نقول كلّ ذلك مماشاة مع الاصطلاح الفنّي ، وإلاّ فأين العرف وما هي محكمته وأين محلّها ، إن ذلك كلّه إلاّفهم الفقيه نفسه واجتهاد شخصه الذي هو حجّة عليه وعلى من يرجع إليه.
وهذه العملية الاجتهادية كما تجري في موضوع الأحكام الشرعية الكلّية ، فكذلك تجري في تطبيق تلك الموضوعات على مصاديقها الخارجية ، كما في
__________________
(١) وهي الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٧٧ وما بعدها.