ومع ذلك يكون المحكّم عندهم فيها هو أصالة الصحّة ، وهذا ممّا يكشف عن أنّ الوجه في تقديم أصالة الصحّة على الأصل الموضوعي النافي للشرط والجزء هو أنّ أصالة الصحّة فوق الأُصول الاحرازية ، بواسطة كونها معتبرة من باب الظهور النوعي في أنّ الفاعل العاقل إذا أقدم على عمل مركّب من أجزاء وشرائط أنّه يأتي بجميع ما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط.
وهذا الظهور النوعي وإن كان موضوعه الشكّ في الاتيان بذلك الجزء أو الشرط ، كما أنّ الأصل الموضوعي النافي لذلك الجزء أو الشرط يكون موضوعه الشكّ في وجوده بعد اليقين بعدمه السابق ، إلاّ أنّ الأوّل لمّا كان مقتضياً للبناء على الاتيان بذلك الجزء أو ذلك الشرط من جهة الظهور العقلائي النوعي والثاني من باب التعبّد بالبقاء ، كانت المسألة من وادي معارضة الظاهر للأصل ، وبعد فرض كون ذلك الظهور النوعي حجّة يكون مقدّماً على الأصل العملي وإن كان إحرازياً.
ولعلّ هذا هو المراد ممّا أفاده الأُستاذ قدسسره فيما حرّرته عنه قدسسره في وجه التقديم ممّا هو غير راجع إلى التخصيص المنقول عنه في هذه التقريرات (١) ، ولا إلى دعوى تحقّق الإجماع العملي المنقول عنه في التقريرات المطبوعة في صيدا (٢) ، وهاك نصّ ما حرّرته عنه قدسسره بحذف بعض الزوائد وذلك قوله : إنّ هذا الأصل ( يعني أصالة الصحّة ) قد يكون جارياً في مقابل أصالة الفساد وعدم ترتّب الأثر ، فلا شبهة في حكومته على ذلك الأصل ـ ثمّ قال ـ وقد يكون جارياً في مقابل أصل موضوعي مثل أصالة عدم بلوغ العاقد ، فتقع المعارضة حينئذ بين الأصلين ، فإنّ مقتضى أصالة عدم البلوغ كون العاقد لذلك العقد غير بالغ ، فيكون
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٧٧.
(٢) أجود التقريرات ٤ : ٢٦٠.