الحسين خيرا وقال لهم : أو ما قرأت كتاب الله المنزل على جدي رسول الله « أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة » (١) وقال سبحانه : « لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم » (٢) وإذا أقمت بماكني فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس؟ وبما ذا يختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد اختارها الله يوم دحا الارض ، وجعلها معقلا لشيعتنا ، ويكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشورا الذي في آخره اقتل ، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد لعنه الله.
فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه ، لو لا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك ، قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك ، فقال صلوات الله عليه لهم : نحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. انتهى ما نقلناه من كتاب محمد بن أبي طالب.
ووجدت في بعض الكتب أنه عليهالسلام لما عزم على الخروج من المدينة أتته ام سلمة رضياللهعنها فقالت : يا بني لا تحزني بخروجك إلى العراق ، فاني سمعت جدك يقول : يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلا ، فقال لها : يا اماه وأنا والله أعلم ذلك ، وإني مقتول لا محالة ، وليس لي من هذا بد وإني والله لاعرف اليوم الذي اقتل فيه ، واعرف من يقتلني ، وأعرف البقعة التي ادفن فيها ، وإني أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي ، وإن أردت يا اماه اريك حفرتي ومضجعي.
ثم أشار عليهالسلام إلى جهة فانخفضت الارض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره ، وموقفه ومشهده ، فعند ذلك بكت ام سلمة بكاء شديدا ، وسلمت أمره إلى الله ، فقال لها : يا اماه قد شاء الله عزوجل أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما وعدوانا ، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين ، وأطفالي
____________________
(١) النساء : ٧٨.
(٢) آل عمران : ١٥٤.