وكتب زياد بن أبيه إلى الربيع بن زياد وهو على قطعة من خراسان : إن أميرالمؤمنين معاوية كتب إلي يأمرك أن تحرز الصفراء والبيضاء وتقسم الخرثي (١) وما أشبهه على أهل الحروب ، فقال له الربيع : إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أميرالمؤمنين ، ثم نادى في الناس : أن اغدوا على غنائمكم ، فأخذ الخمس وقسم الباقي على المسلمين ثم دعا الله أن يميته ، فما جمع حتى مات (٢).
وقال في أحوال شريح القاضي : هو شريح بن الحارث بن المنتجع الكندي وقيل : اسم أبيه معاوية ، وقيل : هاني ، وقيل : شراحيل ، ويكنى أبا امية ، استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة ، فلم يزل قاضيا ستين سنة ، لم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين في فتنة ابن الزبير ، امتنع (٣) من القضاء ، ثم استعفى الحجاج من العمل فأعفاه ، فلزم منزله إلى أن مات ، وعمر عمرا طويلا ، قيل : إنه عاش مائة وثمان سنين ، وقيل : مائة سنة ، وتوفي سنة سبع وثمانين ، وكان خفيف الروح مزاحا ، فقدم إليه رجلان فأقر أحدهما بما ادعى به خصمه وهو لا يعلم ، فقضى عليه ، فقال لشريح : من شهد عندك بهذا؟ قال : ابن اخت خالك! وقيل : إنه جاءته امرأة تبكي وتتظلم على خصمها ، فمارق لها حتى قال له إنسان كان بحضرته : ألا تنظر أيها القاضي إلى بكائها؟ فقال : إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون و أقر علي عليهالسلام شريحا على القضاء مع مخالفته له في مسائل كثيرة من الفقه مذكورة في كتب الفقهاء ، وسخط علي عليهالسلام مرة عليه فطرده عن الكوفة ولم يعز له عن القضاء ، وأمره بالمقام ببانقيا ، وكانت قرية قريبة من الكوفة أكثر ساكنيها اليهود فأقام بها مدة حتى رضي عنه ، وأعاده إلى الكوفة ، وقال أبوعمر بن عبدالبر في كتاب الاستيعاب : أدرك شريح الجاهلية ، ولا يعد من الصحابة بل من التابعين ،
____________________
(١) بضم الخاء وسكون الراء : اردأ المتاع وسقطه.
(٢) شرح النهج ٣ : ١٩ و ٢٠. جمع المسلم : شهد الجمعة.
(٣) في المصدر : امتنع فيها.