ذكرتموه لانه يقتضي من المنازل ما حصل لهارون من جهة موسى واستفاده به ، وإلا فلا معنى لنسبة المنازل إلى أنها منه ، وفرض الطاعة الحاصل عن النبوة غير متعلق بموسى ولا واجب من جهته (١).
قيل له : أما سؤالك فظاهر السقوط على كلامنا ، لان خلافة هارون لموسى عليهماالسلام في حياته لاشك في أنها منزلة منه وواجبة بقوله الذي ورد به القرآن ، فأما ما أوجبناه من استحقاقه للخلافة بعده فلا مانع من إضافته أيضا إلى موسى ، لانه من حيث استخلفه في حياته وفوض إليه تدبير قومه ولم يجز أن يخرج عن ولاية جعلت له ، وجب حصول هذه المنزلة بعد الوفاة ، فتعلقها بموسى عليهالسلام تعلق قوي ، فلم يبق إلا أن يبين الجواب على الطريقة التي استأنفناها.
والذي يبينه أن قوله صلىاللهعليهوآله : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » لا يقتضي ما ظنه السائل من حصول المنازل بموسى ومن جهته ، كما أن قول أحدنا : أنت مني بمنزلة أخي مني أو بمنزلة أبي مني لا يقتضي كون الاخوة والابوة به ومن جهته ، وليس يمكن أحدا أن يقول في هذا القول إنه مجاز أو خارج عن حكم الحقيقة ، ولو كانت هذه الصيغة تقتضي ما ادعي لوجب أيضا أن لا يصح استعمالها في الجمادات وكل ما لا يصح منه فعل ، وقد علمنا صحة استعمالها فيما ذكرناه ، وأنهم لا يمنعون من القول بأن منزلة دار زيد من دار عمرو ، بمنزلة دار خالد من دار بكر ، ومنزلة بعض أعضاء الانسان منه منزلة بعض آخر منه وإنما يفيدون تشابه الاحوال وتقاربها ، ويجري لفظة « من » في هذه الوجوه مجرى « عند » و « مع » وكأن القائل أراد : محلك عندي وحالك معي في الاكرام والاعطاء كحال أبي عندي ومحله فيهما.
ومما يكشف عن صحة ما ذكرناه حسن استثناء الرسول النبوة من جملة المنازل ، ونحن نعلم أنه لم يستثن إلا ما يجوز دخوله تحت اللفظ عندنا أو يجب دخوله عند مخالفينا
____________________
(١) توضيحه أن وجوب طاعة هارون لاجل نبوته غير وجوب طاعته لاجل خلافته عن موسى ، فان الاول كان ثابتا عن الله سبحانه وغير مقيد بحياة موسى أو وفاته ، بخلاف الثانى فان قوامه كان بموسى فينتفى بوفاته ، وكذا الحال في أمير المؤمنين عليهالسلام.