وقد تركت عيالي جياعا ، فلما سمعت بكاءهم لم تحملني الارض ، فخرجت مهموما راكبا رأسي ، هذه حالتي (١) وقصتي ، فانهملت عينا علي عليهالسلام بالبكاء (٢) حتى بلت دموعه لحيته ، فقال : أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني إلا الذي أزعجك ، وقد اقترضت دينارا فهاكه ، فقد آثرك على نفسي.
فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل المسجد ، فصلى الظهر والعصر والمغرب ، فلما قضى رسول الله المغرب مر بعلي عليهالسلام وهو في الصف الاول ، فغمزه برجله ، فقام علي عليهالسلام فلحقه في باب المسجد ، فسلم عليه فرد رسول الله وقال : يا أبا الحسن هل عندك عشاء تعشيناه فنميل معك؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا حياء من رسول الله ، وقد عرف ما كان من أمر الدنيا ومن أين أخذ وأين وجهه بوحي من الله إلى نبيه ، وأمره أن يتعشى عند علي عليهالسلام تلك الليلة ، فلما نظر إلى سكوته قال : يا أبا الحسن مالك لا تقول لا فأنصرف أو نعم فأمضي معك؟ فقال حياء وتكرما : فاذهب بنا ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد علي عليهالسلام فانطلقا حتى دخلا على فاطمة وهي في مصلاها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة (٣) تفور دخانا ، فلما سمعت كلام رسول الله صلىاللهعليهوآله خرجت من مصلاها فسلمت عليه ، وكانت أعز الناس عليه ، فرد السلام ومسح بيديه على رأسها وقال لها : يا بنتاه كيف أمسيت رحمك الله؟ قالت : بخير ، قال : عشينا رحمك الله وقد فعل ، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلي فلما نظر علي إلى الطعام وشم ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا ، قالت له فاطمة : سبحان الله ما أشح نظرك وأشده! هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجبت منك السخط (٤)؟ فقال : وأي ذنب أعظم من ذنب أصبته (٥) ، أليس عهدي بك اليوم الماضي وأنت تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما منذ يومين ، قال : فنظرت إلى السماء وقالت : إلهي يعلم في سمائه
____________________
(١) في المصدر : هذه حالى.
(٢) انهملت عينه : فاضت وسالت.
(٣) الجفنة ـ بفتح الجيم ـ القصعة الكبيرة.
(٤) في المصدر : استوجبت به منك السخط.
(٥) في المصدر : اصببته.