تعدل وإما أن تعتزل! .. فلما أن نشب الناس في أمر عثمان تنحى عن المدينة وخلف ثلاثة غلمة له ليأتوه بالخبر ، فجاء اثنان بحصر عثمان ، فقال : إني إذا نكأت قرحة أدميتها ، وجاء الثالث بقتل عثمان وولاية علي عليه السلام ، فقال : وا عثماناه! ولحق بالشام.
وذكر الواقدي في تاريخه أن عثمان عزل عمرو بن العاص عن مصر واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فقدم عمرو المدينة فجعل يأتي عليا عليه السلام فيؤلبه على عثمان ، ويأتي الزبير ويأتي طلحة ويلقى الركبان يخبرهم بأحداث عثمان ، فلما حصر عثمان الحصار الأول خرج إلى أرض فلسطين ، فلم يزل بها حتى جاءه خبر قتله ، فقال : أنا أبو عبد الله إني إذا أحل قرحة نكأتها ، إني كنت لأحرص عليه حتى إني لأحرص عليه [ من ] الراعي في غنمه (١).
فلما بلغه بيعة الناس عليا عليه السلام كره ذلك وتربص حتى قتل طلحة والزبير ثم لحق بمعاوية.
وذكر الثقفي في تاريخه ، عن داود بن الحصين الأنصاري : أن محمد بن مسلمة الأنصاري قال يوم قتل عثمان : ما رأيت يوما قط أقر للعيون ولا أشبه بيوم بدر من هذا اليوم.
وروى فيه ، عن أبي سفيان مولى آل أحمد ، قال : أتيت محمد بن مسلمة
__________________
(١) فصل القصة الطبري في تاريخه ٥ ـ ١٠٨ ، ٢٠٣ ، والبلاذري في الأنساب ٥ ـ ٧٤ ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١ ـ ٤٢ ، وابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة عبد الله بن سعيد بن أبي سرح ، وابن أبي الحديد في الشرح ١ ـ ٦٣ ، وأجملها ابن كثير في تاريخه ٧ ـ ١٧٠ جريا على عادته فيما يرويه خلافا لمبادئه.
وجاء طعنه على عثمان وتحريضه عليه في الاستيعاب في ترجمة محمد بن أبي حذيفة ، وفي الإصابة ٣ ـ ٣٨١. والظريف ما أورده البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٨٨ من قول عمرو بن العاص : وهذا منبر نبيكم ، وهذه ثيابه ، وهذا شعره لم يبل فيكم وقد بدلتم وغيرتم!.